الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

الإمام قفال الشاشي


الإمام قفال الشاشي
في مصادر القرون الوسطى أطلق على مدينة طشقند اسم شاش، وطشقند خلال تاريخها الطويل كانت موطناً للشعراء، والأدباء، والعلماء الذين مارسوا مختلف الإتجاهات العلمية مثل: الرياضيات، والطب، والعلوم الدينية، والأحاديث النبوية الشريفة، وغيرها من العلوم. وكان من بينهم قفال الشاشي (903م-976م).
واسمه الكامل أبو بكر بن علي إسماعيل قفال الشاشي. وأثناء حياته حظي بإحترام كبير بين الناس، وأضاف مؤلفي الكثير من المصادر العربية لاسمه لقب "الكبير" تعبيراً عن إحترامهم الكبير له.
ولد قفال الشاشي في أسرة حرفي، وهو ما يشير إليه لقب العائلة قفال، المأخوذة من اللغة العربية وتعني صانع الأقفال. وهي الحرفة التي مارسها في شبابه لكسب رزقه ورزق أسرته.
وحصل قفال الشاشي على تعليمه الإبتدائي بمدينة شاش، وبعدها في المراكز العلمية بالمدن الأخرى في وسط آسيا، ومن بينها: سمرقند، وترمذ، وبخارى، حيث إطلع على مؤلفات ابرز العلماء أمثال: الإمام البخاري (810م-870م)، والإمام الترمذي (824م-892م). وفي سمرقند عاش لفترة أطول من المدن الأخرى. وحيث انكب على دراسة الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، التي تمتعت بتلك الأيام بأهمية بالغة في الحياة الإجتماعية بالدول الشرقية. لأن كل من عرف تلك العلوم آنذاك تمتع بأهمية وإحترام كبير في المجتمع.
وإلى جانب العلوم الدينية درس قفال الشاشي وبعمق الفلسفة، والمنطق، وغيرها من العلوم الإنسانية وشارك في المناقشات التي كانت تجري بين علماء ذلك العصر.
ولم يكتفي قفال الشاشي بما حصل عليه من علوم ومعارف في مدن وسط آسيا، ولهذا قام بجولات بحثاً عن المعرفة والعلوم في دول الشرقين الأدنى والأوسط وغيرها من الدول. وأعجب بشكل خاص بالأوساط العلمية في الحجاز، ومدينتي: بغداد، ودمشق، حيث إلتقى علماء ذلك الزمن فيها ودرس لدى الكثيرين منهم.
ومن نظرة إلى معلمي قفال الشاشي يمكن معرفة اتجاه تشكل علومه وإبداعاته وأبحاثه. إذ تشير المصادر العلمية إلى أن أول معلم له كان العالم والمؤرخ المعروف، والعالم بالشريعة والفقه الإسلامي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (839م-923م)، الذي خطت ريشته مؤلف متعدد الأجزاء في التاريخ، والفقه، وغيرها من العلوم.
وشغلت مكانة خاصة في إبداعات قفال الشاشي مؤلفاته في مجالات الفقه والمنطق. من بينها: "أدب القاضي"، و"أدب البحث"، وغيرها من المؤلفات.
وإلى جانب هذا كان قفال الشاشي شاعراً رائعاً كتب اشعاره باللغة العربية. ومع الأسف لمم تصل مؤلفاته الشعرية إلينا.
وأعمال العالم الكبير في مجالات العلوم الإنسانية، ومن بينها: المنطق، وعلم اللغة، والنقد الأدبي، والشعر، بقيت حتى اليوم دون دراسة تنتظر البحث العلمي.
وتشير المراجع إلى أن العالم العراقي محمد نومي كان من تلاميذته الأوفياء، وربطت بينهما صداقة أثمرت عن مغادرته لأسرته في بغداد برفقة معلمه إلى طشقند حيث عاش فيها بقية حياته، وهو ما أشارت إليه الكتابات التي لم تزل تحتاج لتحديد مكان لها ودراستها.

وتوفي قفال الشاشي بمدينة طشقند عام 976م، ودفن فيها. وإحتراماً للعالم وإعترافاً بخدماته الكبيرة أعطي لقب إمام. وإلى جانب قبره دفن العديد من الشخصيات البارزة والعلمية، الذين حظوا بإحترام كبير في الأوساط الشعبية. وبعدها شيد حول المكان الذي دفن فيه أكثر أحياء مدينة طشقند اكتظاظاً بالسكان، وأطلق على هذا الحي اسم "حظرتي إمام قفال الشاشي"، بينما تطلق عليه العامة اسم "خاستيمام" أو "حظرتي إمام".

وضريح جد الشعب الأوزبكي وضع في الوقت الراهن تحت حماية الدولة ويقع ضمن مجموعة معمارية تحمل نفس الإسم، وتضم المجموعة مدرسة "باراك خان"، ومسجد "تيللا شاهي"، ومدرسة "موي موبوراك"، ومسجد "ناموزغوخ"، والمسجد الجامع "حظرتي إمام"، والبناء الجديد لإدارة مسلمي أوزبكستان، ومعهد الإمام البخاري الإسلامي في طشقند.

ومكانة خاصة تشغلها في المجمع المكتبة التي تحتفظ بعشرات آلاف مخطوطات الكتب الدنيوية والدينية، والنسخة الأصلية لمخطوطة "القرآن الكريم" الذي خط بالخط "الكوفي" في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان.
**********
بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 18/10/2016 نقلاً عن مقالة حظرتي إمام قفال الشاشي (903-976). // طشقند: وكالة أنباء "Jahon" 12/10/2016