الخميس، 11 يونيو 2020

مفهوم التقمص العاطفي عبر وسائل الاتصال

مفهوم التقمص العاطفي عبر وسائل الاتصال
مفهوم التقمص العاطفي عبر وسائل الاتصال


كتبها في طشقند: أ.د. محمد البخاري.
تعمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على تطوير المقدرة على التقمص العاطفي بين الأفراد الذين لم يغادروا مجتمعاتهم المحلية أبداً، لأن تلك الوسائل نقلت العالم الخارجي إليهم. ونظرية التقمص العاطفي هي جزء لا يتجزأ من الاتصال، لأنها تربط بين ذهن المرسل وذهن المتلقي، والتقمص العاطفي هو مقدرة فهم ما يدور في ذهن شخص آخر، كأن نقول لشخص آخر أننا نفهم مشاعرك.
فكيف يتحقق التقمص العاطفي ؟ وما هي قيمته في إطار عملية الاتصال ؟ فالفرد يكتسب المقدرة على التقمص العاطفي بالتحرك المادي من مكان إلى آخر أو عن طريق التعرض لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، التي تجعل التحرك السيكولوجي يحل مكان التحرك المادي أو الجغرافي، وقيمة التقمص العاطفي للاتصال يمكن تلخيصها بأننا كي نتصل بالآخرين يجب أن تتوافر عندنا ثلاثة عناصر على الأقل وهي:
وسائل مادية للاتصال؛
وراجع صدى؛
ومقدرة على التقمص العاطفي.
والمقدرة على التقمص العاطفي، هي الخروج باستنتاجات عن الآخرين، وتغيير تلك الاستنتاجات لتتفق مع الظروف الجديدة، وهذه المقدرة معروفة منذ ألفي عام، وهناك نظريتان عن التقمص العاطفي:
- نظرية تقول أننا نجرب الأشياء مباشرة، ونفعل ما يفعله الآخرون وفقاً لخبراتنا الذاتية، أي أن نفترض أن جميع الناس سوف يتصرفون بنفس الطريقة التي نتصرف بها، وأننا لا نستطيع أن نتنبأ بما سيفعله الآخرون، إن لم نمر نحن أنفسنا بنفس التجارب التي يمر بها الآخرون.
- والنظرية الثانية تقول أننا نحاول أن نضع أنفسنا في ظروف ومواقف الآخرين، وفي اتصالنا نتحول من الاستنتاجات إلى اخذ أدوار الآخرين، على أساس تنبؤاتنا.
فكيف نطور المقدرة على التقمص العاطفي ؟ وهذا السؤال أساسي يواجهه طلبه الاتصال والإعلام والعلاقات العامة دون إيجاد رد قاطع عليه، فهناك نظريات للتقمص العاطفي تتفق مع الأدلة التي تم التوصل إليها عن طريق البحث، ولكننا نستطيع أن نعرف التقمص العاطفي بأنه عملية  نتوصل من خلالها لتوقعات عن الحالات السيكولوجية الدائرة داخل الإنسان.
ولمعرفة كيفية حدوث ذلك ؟ نذكر أنه هناك ثلاث وجهات نظر أساسية للتقمص العاطفي، وترى واحدة من المدارس الفكرية أن التقمص العاطفي غير موجود، لأننا لا نستطيع تطوير التوقعات، ومؤيدي هذا الرأي يؤمنون بنظرية التعلم البسيطة المكونة من منبه واستجابة، وأصحاب هذه النظرية يقولون أن كل ما لدينا في عملية الاتصال هي مجموعة من الوسائل، رسالة يقدمها شخص ما، ليدركها شخص آخر، وبمعنى آخر أنه هناك منبهات واستجابات لها.
ونظرية التعلم البسيطة تفسر التعلم عند الحيوان، ولكنها لا تفسر السلوك البشري، لأن البشر يطورون توقعاتهم ولديهم المقدرة على تصور أنفسهم في حالات وظروف نفسية للآخرين، ولهذا لا نستطيع أن نقبل الرأي الذي لا يعترف بوجود التقمص العاطفي، ولا نستطيع تطوير توقعاتنا وتنبؤاتنا، دون حدوث عملية تفسيرية تسبق الاستجابة، لأن تطوير التوقعات يحتاج إلى موهبة من نوع ما، فنحن بحاجة للتفكير بالأشياء التي لا نراها ولم نجربها، ولكي تكون لدينا توقعات لابد أن نتحدث عن أشياء غير موجودة، ونحن بحاجة لصنع تلك الرموز والتأثير عليها، لأن الإنسان يختلف عن الحيوان في تطويره لكلتا المهارتين اللتين سبق وأشرنا إليهما، وأن الإنسان قادر على أدراك الرموز والتأثير فيها، وصنع رموز تخدم أغراضه، ولهذا يستطيع إعادة تقديم أشياء غير موجودة أمامه، وتقديم ما لم يحدث وما لا يجري حدوثه الآن، وأن الإنسان يملك مهارات فردية تختلف بين البشر.
ولهذا رفض الباحثون الرأي الذي لا يعترف بمفهوم التقمص العاطفي، معتمدين على أننا جميعاً نتوقع المستقبل، ونقوم بتنبؤ العلاقة بين:
السلوك الذي نقدم عليه؛
والسلوك الذي يقدم عليه الآخرون استجابة لسلوكنا؛
والتنبؤ بالاستجابة التالية التي نقدم عليها بناء على سلوك الآخرين. أي أننا نقوم بأفعال وردود أفعال، من خلال تطوير توقعاتنا عن الآخرين وتأثيرهم على أفعالنا قبل قيامنا بها، وهو ما يعني التقمص العاطفي.
ومن النظريات المعروفة للتقمص العاطفي نظريتان تتحدثان عن أسس التقمص العاطفي وتتفقان على أن تنبؤات الإنسان عن الحالات السيكولوجية الداخلية تعتمد على السلوك المادي الذي يمكن ملاحظته، وكلتاهما تتفقان على أن الإنسان يقوم بتكوين التنبؤات عن طريق استخدام رموز تشير إلى السلوك المادي والتأثير على تلك الرموز.
وتعتمد وجهات النظر حول التقمص العاطفي على:
أولا – نظرية الاستدلال العاطفي : التي تقول أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي مباشره، ويربط سلوكه رمزيا بحالته السيكولوجية الداخلية أي بمشاعره وعواطفه.. الخ، ومن خلال هذه العملية يصبح سلوكه الإنساني معنى بتفسيراته للمعنى. ويطور الفرد مفهومه عن ذاته بنفسه على أساس ملاحظاته وتفسيراته لسلوكه الشخصي.
ومفهوم الذات يتصل بالآخرين عن طريق ملاحظة سلوكهم المادي، وعلى أساس التفسيرات السابقة للسلوك وما ارتبط به من مختلف المشاعر والعواطف، يخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية. بمعنى أن يقول لنفسه: إذا كان سلوكي يعكس مشاعر، وإذا قام شخص آخر بهذا السلوك فهو أيضا يعكس نفس المشاعر التي أشعر بها عندما قمت بهذا العمل.
ويفترض هذا الرأي في التقمص العاطفي أن الإنسان لديه معلومات مبدئية عن نفسه، وعن الناس الآخرين بالدرجة الثانية. وأن الإنسان لديه المقدرة على فهم نفسه، وعن طريق تحليله لسلوكه الذاتي يستطيع أن يخرج باستنتاجات عن الآخرين انطلاقاً من أنه هناك تماثل بين سلوك الآخرين وسلوكه الفردي.
ومن الأمثلة على ذلك أنه يضرب المنضدة بيده كلما شعر بالغضب وشاهد شخصاً آخر يقوم بنفس الفعل عند الغضب فتدفعه أحاسيسك الداخلية لاستنتاج ذلك اعتماداً على:
ملاحظتك لسلوكه؛
ومقارنة سلوكه بالسلوك المماثل الذي أقدم عليه شخصاً آخر عند شعوره بالغضب.
وتأخذ نظرية الاستنتاج في التقمص العاطفي هذا الافتراض من خلال أن:
الإنسان لديه معلومات مبدئية عن أحاسيسه الداخلية، ومعلومات عن الأحاسيس الداخلية للآخرين من الدرجة الثانية؛
وأن الآخرون يعبرون عن أحاسيسهم الداخلية بأداء نفس السلوك الذي قمت به للتعبير عن مشاعرك؛
وأن الإنسان لا يستطيع فهم الحالة الداخلية للآخرين، إن لم يجرب تلك الحالة، فالإنسان لا يستطيع أن يفهم العواطف التي لم يشعر بها والأفكار التي لم تخطر بذهنه وهكذا.
تتبع