الأربعاء، 10 يونيو 2020

تكنولوجية وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية

تكنولوجية وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية
تكنولوجية وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية


كتبها في طشقند: أ.د. محمد البخاري.
وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة، كامتداد لحواس الإنسان توفر للإنسان الزمن والإمكانيات وتشكل تهديداً له لأنه عندما تمتد يد الإنسان وحواسه عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، تستطيع هذه الوسائل أن تمد يد المجتمع إليه، كي تستغله وتسيطر عليه.
ولكي نمنع احتمال التهديد أكد ماكلوهين على أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن ماهية وأداء وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأنه بمعرفة كيفية تشكيل التكنولوجيا الحديثة للبيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدراتها الحتمية.
وبدلاً من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن متلقي الرسالة الإعلامية يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم. ويجب اعتبار التغيير التكنولوجي حتمياً لا مفر منه، وهو ما حدث فعلاً، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر التغيير التكنولوجي يمكننا أن نسيطر عليها ونستخدمها في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهها، كما يحدث لدى البعض أحياناً !.
ومن المشاكل التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولية، مشكلة أهمية مراعاة ظروف البيئة الاجتماعية المحيطة بالإنسان، واختلافها من دولة إلى دولة، بل واختلافها من منطقة إلى أخرى داخل الدولة ذاتها، ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يحيط خبراء الإعلام والصحفيون بالاعتبارات البيئية والظروف الاجتماعية المحيطة بالإنسان. وإذا كان هذا الإلمام أكثر سهولة في الإعلام الداخلي فإنه أكثر صعوبة بالنسبة للإعلام الدولي، حيث تتعدد الاعتبارات البيئية وتتنوع الظروف واللغات، باختلاف من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن قارة إلى قارة.
ومع تزايد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتطورها واتساعها، أصبح العالم أقرب إلى القرية العالمية، ومما ساعد على ذلك تطور وسائل المواصلات وسهولة انتقال الأفراد والسياح، وهجرة السكان من أماكن سكنهم الأصلية، والإقامة الطويلة لرعايا دولة معينة لدى دولة أخرى بقصد الدراسة أو العمل، وتزايد حجم وسرعة وتنوع المراسلات، ودخولها عصر الحوار المباشر عبر الهاتف والتلكس والفاكس والبريد الإلكتروني بين مختلف دول العالم.
وتطور البث الإذاعي المسموع والمرئي واتسع باستخدام الأقمار الصناعية لأغراض الاتصال ونقل المعلومات. وساعد الاحتكاك بالأمم المتقدمة على حدوث تحول ثقافي واجتماعي عالمي، برزت معه قيم ومعتقدات جديدة لم تكن متوقعة من قبل.
ومن هنا فإن على خبراء الإعلام والصحفيين أن يدركوا كل تلك المتغيرات عند إعدادهم وتنفيذهم للحملات الإعلامية الموجهة للداخل والخارج على السواء، كي لا تحدث إخفاقات تؤدي إلى عدم استجابة المستقبل لمضمون الرسالة الإعلامية الموجهة له، وأن لا تكون ردود فعله مغايرة لأهداف الحملة الإعلامية.
وأن يؤخذ بالحسبان أيضاً اختلاف درجات التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، وتباين النظم والمعتقدات السياسية والإيديولوجية بين دول العالم المختلفة، ودرجات التباين حتى بين دول النظام المتشابه.
وحدد مارشال ماكلوهين في نظريته تكنولوجية وسائل الإعلام التي تعتبر من النظريات الحديثة عن دور وسائل الاتصال والأعلام الجماهيرية وتأثيرها على المجتمعات، أربعة مراحل لتطور التاريخ الإنساني وهي وفق رأيه:
- مرحلة المخاطبة الشفهية القبلية؛
- ومرحلة نسخ المخطوطات التي استمرت لنحو ألفي عام؛
- ومرحلة عصر الطباعة والتي استمرت من القرن الخامس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر؛
- ومرحلة عصر وسائل الاتصال والإعلام  الإلكترونية وبدأت من مطلع القرن العشرين ولم تزل مستمرة.
وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في كل مرحلة ساعدت على تشكيل المجتمعات عبر التطور الإنساني، واعترف ماكلوهين أن نظريته جاءت تطويراً لأعمال: أرد لويس موفورد (1934)؛ وإتش. جي. تشايتور (1945)؛ وسيغفريد غيودون (1948)؛ وهارولد أنيس (1951)؛ ويه. إتش. غومبريتش (1960). وأكد على انتقال البشرية من الاتصال إلى الشفهي إلى الاتصال المكتوب ومن ثم العودة للاتصال الشفهي مرة أخرى.
وعن الاتصال الشفهي يقول ماكلوهين أن البشر يتكيفون مع الظروف المحيطة بهم عن طريق إيجاد توازن بين حواسهم الخمس: السمع، والبصر، واللمس، والشم.
وأن اختراع غوتينبرغ للطباعة عن طريق الحروف المتحركة خلال القرن الخامس عشر قلب التوازن القائم على الحواس الخمس لتفقد حاسة السمع سيطرتها على عملية الاتصال لتأخذ محلها حاسة البصر في القراءة عن طريق الاتصال بالكلمات المطبوعة التي أخذت تحل بالتدريج مكان ذاكرة الأجيال المتعاقبة، وليصبح خزن المعلومات المطبوعة على الورق واسترجاعها من الأساليب الناجعة للاتصال.
وأطلق ماكلوهين على المرحلة المعاصرة تسمية عصر الدوائر الإلكترونية وشملت: أجهزة الاتصال البرقية، وأجهزة الهاتف، والسينما، والإذاعتين المسموعة والمرئية، وأجهزة الفاكس، والحاسبات الآلية (الكمبيوتر)، والعقول الإلكترونية الناطقة، والبريد الإلكتروني، وكلها أعادت الإنسان لاستخدام حواسه مجتمعة.
وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الجديدة التي اختصرت المسافات وتخطت الحواجز حولت العالم بالفعل إلى قرية عالمية Global Village. وحولت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الجديدة إلى وسيلة نموذجية للتعليم المستمر مدى الحياة. لأن وسيلة الاتصال تحولت إلى رسالة إعلامية غدت الأساس في تشكيل المجتمعات وقللت من شأن المضمون الإعلامي.
وأشار ماكلوهين إلى أنه أضحى اتصال الجمهور الإعلامي لكل وسيلة يفوق حبه لها اهتمامه بمضمونها ساخناً كان أم بارداً (وهذا يفسر وجود علاقة عاطفية تربطه بوسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية).
وجاءت نظرية التقمص العاطفي التي سبق وأشار إليها: أفلاطون، وسان جون، وسان أوجستين، وسان الاكويني، وسبينوزا، في مؤلفاتهم، وليعتبرها آدم سميث، وهربرت سبنسر، عملية انعكاس بدائي للمشاعر، وليناقشها الباحثين ليبس، وريبوت، وشلير، من خلال تحليلهم للعواطف.
ويرجع الفضل لإدخال مصطلح العاطفة في اللغة الإنجليزية إلى تيوردور ليبس الذي سماها  الشعور بالأشياء، وطوره الباحث جورج ميد في نظريته التقمص العاطفي في كتابه "العقل والنفس والمجتمع" وافترض أنه حينما نتوقع أو نستنتج مشاعر الآخرين، وما سينتج عنها من ردود فعل، وحينما نخرج بتنبؤات، عن السلوك الشخصي للإنسان، واستجاباته الخفية، وحالاته الداخلية ومعتقداته، والمعاني لديه، وأنه حينما نطور التوقعات لنتنبأ ونفترض أن لدينا مهارة ما هي حالة يطلق عليها علماء النفس التقمص العاطفي، أي القدرة على الإسقاط وتصور أنفسنا في ظروف الآخرين، وتساعدنا على تطوير تلك القدرة، والانتقال من مكان إلى مكان آخر.
تتبع