السبت، 23 مايو 2020

تحقيق التوازن في الأداء الإعلامي

تحقيق التوازن في الأداء الإعلامي
تحقيق التوازن في الأداء الإعلامي


كتبها: أ.د. محمد البخاري.
من أكثر مفاهيم الاتفاق تقييداً وتحديداً، هو مبدأ الاتفاق الذي يقتصر على مشاكل تأثير المعلومات عن أشياء وأحداث معينة، وعلى الاتجاهات الفردية من مصدر المعلومات.
ومن أكثر النظريات عمومية هي فكرة التنافر أو التعارض في إدراك المعلومات والتي تهتم بالاتفاق بين المعارف المختلفة لدى الفرد.
وبين هاتين النظريتين نكتشف أفكار التوازن، والتناظر، التي تهتم بالاتجاهات نحو الناس والأشياء، وعلاقاتها ببعضها البعض، سواء داخل الأسس المعرفية عند الفرد الواحد، كما في نظرية التوازن عند هيدر، أو بين مجموعة من الأفراد، كما في حالة الضغط لتحقيق التناظر عند نيوكومب.
فما يعرفه الفرد يعني تصوره للعالم الذي يعيش فيه. وتشكل استجابة الفرد للأشياء والأحداث والأفراد المحيطين به جزئياً من خلال الطريقة التي يراهم بها.
ومعارف ومدركات الفرد يتم تنظيمها بشكل انتقائي أثناء أداء الفرد لأعماله ومهامه اليومية بعد إدماج تلك المعارف في نظام له معنى عند الفرد الذي يتسم بالاستقرار بحيث تتصل ردود فعله بمعارفه التي تقوم على أساس الإدراك والتفكير والتخيل والتبرير، وتعكس الجهود التي يبذلها الفرد أثناء بحثه عن المعنى وهو يعمل على إيجاد علاقات تتسم بالتآلف مع بعضها البعض، وبين مكونات معرفته من أفكار ومعتقدات وقيم وسلوك، أو مجموعة من الأحداث.
ولهذا فإن التعارض أو عدم الاتفاق سيؤدي إلى حدوث معاناة للفرد من التوتر السيكولوجي، يدفعه للتصرف بطريقة تقلل من حالة عدم الاتفاق وتعيد له التآلف. وتسعى عملية اكتساب المعرفة دائماً لتحقيق التوازن بين معارف الفرد.
نموذج التوازن عند فريتز هيدر:
يعتبر النموذج الذي قدمه هيدر من نماذج الاتفاق، وتركز على علاقة ثلاثية بين:
ش – شخص؛
ف - وشخص آخر؛
آ - وشيء آخر، أو شخص ثالث.
واهتم هيدر بمدركات الشخص (ش)، وما يعرفه عن الشخص الآخر (ف)، والشيء الآخر أو الشخص الثالث (آ).
ويرى هيدر أنه هناك نوعان من العلاقات بين الناس والأحداث:
1- علاقات تتصل بالمشاعر، وتتعلق بالاتجاهات، وتنتج عن الطريقة التي نشعر من خلالها ونقيم شيئاً ما. ويدخل ضمنها مشاعر الحب، والإعجاب، والقبول، ونقيض تلك المشاعر. وبذلك تكون المشاعر إما سلبية أو إيجابية، حسب اتجاه الفرد. وتعبر عن مشاعرنا نحو اتجاهاتنا للآخرين، ونحو الأشياء المحيطة بنا، وهي أقرب للاتفاق الذاتي.
أو حسب تعبير هيدر: "نحن نميل إلى حب أو كره فرداً معيناً بشكل كامل ولكننا عندما نميز بين المشاعر، نجد أن تلك المشاعر تتماثل في علاماتها. كأن يتواجد الحب والإعجاب في آن واحد، ولكن إذا أحب الفرد شخصاً لا يحترمه فسوف تتسم هذه الحالة بعدم التوازن".
2- وعلاقات تتصل بالوحدة، وهي كيانات تشكل وحدة متكاملة، أساسها التماثل: الهداف في فريق كرة القدم، والاتصال: الكاتب وما كتبه، أو الملكية: الرجل وكلبه.
وتسمح لنا هذه العلاقات بالتعبير عن الحالة، إما أنها حالة متوازنة ينتج عنها اتفاق، أو أنها حالة غير متوازنة تسبب توتراً يؤدي إلى الشعور بالحاجة لتحقيق التوازن.
وبالرغم من أن نظرية هيدر تفسر السلوك البشري، وعملية الإدراك الاجتماعي، إلا أن فيها عيوب كثيرة، وهي غير واضحة. ولا تحدد الوقت الذي تتواجد أو لا تتواجد فيه العلاقات بين الوحدات. ولا الأسلوب الذي يختار الفرد بموجبه من الطرق الكثيرة المتوافرة، الطريقة التي تقلل من إحساسه بالتوتر، وتحقق له التوازن في أي ظرف من الظروف. ولا تذكر شيئاً عن درجات التوازن.
عملية الاتصال في نموذج تيودور نيو كومب:
قام تيودور نيو كومب في عام 1953 بتطوير نموذج التوازن الذي وضعه هيدر، إلى نموذج للاتصال بين فردين. مطبقاً فكرة التوازن داخل الفرد، على عملية الاتصال بين الناس. ونظرية نيو كومب في الحقيقة ليست نظرية توازن بالمعنى الكامل، بل هي نظرية للتفاعل بين فردين.
وأشار نيو كومب إلى أن السلوك الاجتماعي في الكثير من الحالات يعتبر تفاعلاً متبادلاً يمكن دراسته كعملية اتصالية. فعندما يرسل شخصاً ما (آ) معلومات إلى شخص آخر (ب) حول شيء معين أو عمل معين (ع)، يفترض نيو كومب أن الفردين يتصلان بهدف التفاعل مع بعضهما البعض في نفس الوقت كقائمين بالاتصال لهما نفس الموضوعات التي تتحول إلى محور لاتصالهما. والإضافة الرئيسية كانت التوجه، الذي يعتبر الطريقة التي ينظم بموجبها فردين عمليات سلوكية معينة، واتجاهات وتفاعل يؤثر على سلوكهما من أشياء موجودة في الظروف المحيطة بهما.
ويصنف تحديد المواقف حيال الأشياء بالتالي:
1- تحديد المواقف نحو موضوعات الاتصال (أشياء أفكار، أفراد)، وتسمى اتجاهات.
2- وتحديد المواقف من القائمين بالاتصال الآخرين، وتسمى تفاعلات.
كمثال على الموقف المشترك بين (آ) و(ب) حيال (ع)، موقف اثنان من الطلبة يتناقشان حول نظام تخصيص الدرجات المستخدم في علم من علوم الاتصال. فالطالب (آ) يريد تغيير النظام وجعل التحصيل العلمي بلا تقدير درجات وهو (ع)، والطالب (ب) يوافقه على رأيه ويزيد عليه بقوله أنه لا مبرر لتخصيص درجات لأوجه النشاطات التعليمية.
وفي هذه الحالة دعم كل منهما موقف الآخر، وكانت هناك مشاركة وتماثل نتج عنه موقف مشترك. وهذه المواقف يمكن أن تتوازن عندما لا تكون هناك ضغوطاً أو قوى تعمل لإحداث تغيير في المواقف أو لا تتوازن عندما لا تتفق الاتجاهات مع بعضها البعض، وتتسم بالصراع حول (ع). كما هي الحال في أنظمة هيدر.
المقالة التالية تحقيق الإتفاق في الأداء الإعلامي