السبت، 31 أغسطس 2013

كتاب التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة، الخاتمة

خاتمة كتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
الخاتمة
وفي الختام لا بد من التأكيد على أهمية عملية التبادل الإعلامي الدولي في حياة الأمم المعاصرة، في ظل النظام الدولي الراهن، وأنها لم تزل من أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام، نظراً للإمكانيات الهائلة القائمة والمحتملة على ضوء التطور الهائل لوسائل الإتصال الإلكترونية الحديثة التي أصبحت تمكن الإنسان من الحصول على أية معلومات يريدها بمنتهى السرعة واليسر والسهولة عبر شبكات الإتصال والمعلوماتية الدولية الحديثة، التي تحولت تدريجياً إلى وسائل إتصال وإعلام جماهيرية دولية تستخدمها الدول والهيئات والمنظمات والجماعات فعلاً لمخاطبة العقول أينما كانـت ومهما تباينت أفكارها وبأية لغة يفهمها الإنسان المعاصر الذي تميز بسعة الأفق والمعرفة، بفضل المعلومات التي وضعتها بين يديه تلك الوسائل أينما كان.
لأنه هناك مجموعة من العوامل المشتركة في منطق عملية التبادل الإعلامي الدولي، تنطلق من المجالات الإنسانية والحياتية الفعلية، وتنبع من بيئة الإنسان ومجموعة المنبهات والاستجابات التي تتكون وفقاً لها لتكوين، علاقات تمكن الإنسان من تنسيق جهوده وتوحيدها في مجرى مشترك تجعل من تداول الخبرة أمراً ممكناً بين الأفراد والأجيال والمجتمعات والدول.
وعملية التبادل الإعلامي الدولي في هذا المعنى الواسع تحولت إلى أداة إتصال رئيسية بين بني البشر وأصبحت أداة للحوار وتبادل الآراء والأفكار بين الأمم خاصة وأن القرن العشرين قد حمل للعالم ثورة شاملة في وسائل الإستشعار عن بعد والإتصال والإعلام، وانحسرت المسافات الجغرافية أمام القدرات التكنولوجية لتلك الوسائل المتطورة، وتم تسخير هذه القدرات وتوظيفها لخدمة المعلومات وتبادلها بين المجتمعات وأخضعتها الحكومات والدول إلى نظرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وخرجت وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية بالتدريج عن إطارها المحلي لتصبح أداة إتصال وتواصل بين الأمم لها دوراً مرسوماً ومحدداً في إطار السياسات الخارجية والعلاقات الدولية المعاصرة، ودخلت عملية التبادل الإعلامي الدولي ضمن الأدوات والوسائل التي تحقق من خلالها مختلف الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية والجماعات السياسية بعضاً من سياساتها الخارجية.
وتعمل المؤسسات الصحفية اليوم على نشر المبادئ والأفكار والمواقف والأخبار عن طريق وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية المختلفة بغرض الإقناع والتأثير على الأفراد والجماعات داخل مختلف المجتمعات بعد أن خرجت تلك المؤسسات عن نطاقها المحلي وإجتازت وسائلها الإعلامية الجماهيرية الحدود الجغرافية والسياسية للدول لنقل تلك المبادئ والأفكار والمواقف والأخبار لمواطني الدول الأخرى، في سعي منها لخلق نوع من الحوار الثقافي معها متجاوزة الحواجز السياسية اللغوية. لأن الإعلام الدولي يعتبر جزأ لا يتجزأ من السياسة الخارجية للدول المستقلة ووسيلة فاعلة من الوسائل التي تحقق بعض الأهداف السياسة الخارجية لكل دولة داخل المجتمع الدولي. وتخدم من خلالها المصلحة الوطنية العليا للدولة وفقاً للحجم والوزن والدور الذي تتمتع به الدول في المعادلات الدولية وتأثيرها وتأثرها بالأحداث العالمية المستجدة كل يوم. خاصة عند نشوب أزمات سياسية أم إقتصادية أم عسكرية أو إضطرابات إجتماعية داخلية تطال تلك الدول أو الدول المجاورة لها. أو تطال مناطق المصالح الحيوية للدول الكبرى حيث وجدت في أنحاء العالم المختلفة أو في حال حدوث كوارث طبيعية وأوبئة أو أخطار تهدد البيئة والحياة على كوكب الأرض.
وينطلق الإعلام الدولي من دوافع متعددة تعتمد على المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، بما يتفق والسياسة الخارجية للدولة، وتنبع تلك الدوافع من المصالح الوطنية العليا للدولة، ويعمل الإعلام الدولي من خلال هذا المنظور على التأثير على التفاهم الدولي وعلى عملية الحوار الثقافي والحضاري الجارية بين الأمم، وهو الحوار الذي يؤدي إلى خلق تصور معين للدول بعضها عن بعض مفاده التحول من النظام الثقافي القومي التقليدي المغلق إلى نظام ثقافي منفتح يعزز التفاهم الإنساني الدولي ويعمل على تطويره. ورغم دخول الجماعات السياسية غير المرخصة الصراع على الساحة الإعلامية الإلكترونية بقي دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في عملية الصراع متمثلاً بتعبئة الرأي العام المحلي والعالمي حول وجهة النظر الرسمية من الصراع الدائر وشرحها وتغطية أخبار أهم أحداثها تباعاً. وشرح وتحليل أبعاد تلك الصراعات وأسبابها، مما زاد من أهمية مراعاة خبراء الاتصال والإعلام والصحفيين خصائص الجمهور الإعلامي المخاطب ثقافياً وسياسياً وتاريخياً ومدى تعاطفه مع وجهة النظر الرسمية للقائم بعملية الاتصال من وجهة نظر الجهة المعنية في الصراع التي يمثلها، وإختيار اللغة المناسبة للرسائل الإعلامية لتصل إلى أقصى حد ممكن من التأثير والفاعلية.
لأن سلاح الإعلام في أي صراع كان ولم يزل لا يقل أهمية عن القوة العسكرية والإقتصادية، وهو الوسيلة الناجعة لرفع معنويات القوة البشرية في الدول المعنية وتحطيم الروح المعنوية للخصم في الصراع الدائر، والإعلام الناجح هو السند القوي في الكفاح على الجبهة السياسية والعمل الدبلوماسي الهادئ والرصين والمنطقي. ولا غرابة في أن يكون لإعلام الدول النامية قولٌ في هذا المجال، لاسيما وأنها أبتليت بالأوضاع التي فرضتها عليها السياسات الإستعمارية وما تعانيه من شدة الخلافات السياسية التي إنعكست بالنتيجة على فعالياتها الإعلامية ورغم دخولها عصر المعلوماتية ووسائل الإتصال المتطورة فإننا نلاحظ إستمرار تخبط الدول النامية في مشاكلها الإعلامية والاتصالية التي إزدادت صعوبة وتعقيداً.
وخلاصة القول أن التدفق الإعلامي الحر في وضعه الراهن، ليس أكثر من تدفق لسيل من المعلومات بإتجاه واحد يخدم مصالح الدول الصناعية المتقدمة المسيطرة على وسائل الإتصال الحديثة بالدرجة الأولى. وأن الدول النامية تنظر بقلق بالغ نحو الواقع المؤلم لها والمتمثل بسيطرة الدول الصناعية المتقدمة على وسائل الإتصال الحديثة ومصادر الأنباء وتوظيفها لصالح دعايتها على حساب المصالح الوطنية للدول النامية العاجزة إقتصادياً وتقنياً وعلمياً عن حل هذه المعضلة التي تقف عاجزة أمامها. ويبقى التأكيد على أن دراسات عادات المطالعة والاستماع والمشاهدة لدى قادة الرأي، ومن ثم دراسة مضمون الرسائل (المواد) الإعلامية المبنية على نتائج تلك الدراسات، تسمح للمخططين الإعلاميين بزيادة فاعلية وتأثير الحملات الإعلامية، وللمخططين السياسيين من زيادة فاعلية دور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، كواحدة من أدوات تنفيذ السياسة الرسمية للدولة، وكمصدر نافع من مصادر المعلومات لرسم تلك السياسة، وتوسيع دورها في عملية التبادل الإعلامي المحلي والإقليمي والدولي، لأن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية هي ركائز أساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد المجتمع الإنساني، وتعد أساساً لتفاعلاته الإجتماعية وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات المختلفة وبين مواطني البلد الواحد. ولكن الذي يحدث هنا وهناك لم تواته القوة المؤثرة بعد ولا زالت عملية التبادل الإعلامي الدولي بعيدة عن التكافؤ بين من يملك ومن لا يملك وسائل إعلام وإتصال حديثة، كما ونجد أن الكثير من المحاولات الإعلامية والسياسية العالمية لمناصرة حقوق الشعوب المضطهدة وقضاياها العادلة وفضح المخططات التوسعية والعنصرية في العالم لم تزل دون المستوى المطلوب.
وتبقى منظمة الأمم المتحدة معنية بإعادة النظر في جميع الممارسات الإعلامية المستندة على مبدأ حق إمتلاك التكنولوجيا الذي يعني حق إحتكار المعلومات، فالقضايا الإنسانية وحقوق الشعوب المهضومة جميعها تمثل جوهر عملية الإعلام الإنساني الموالي للحب والسلام والوئام بين شعوب العالم على أساس الإحترام المتبادل وتبادل المنافع والمصالح الإنسانية المشتركة من أجل الحياة الكريمة. والتعامل مع الظروف الجديدة الناتجة عن تسلل إستثمارات الدول المتطورة للإستثمار الإعلامي في الدول الأقل تطوراً والدول النامية للسيطرة على أية محاولات للدول الأقل تطوراً والنامية للولوج إلى عالم تكنولوجيا المعلوماتية الحديثة. وتحدثت عن جزء بسيط منها نتائج الدراسة التي أجراها الإتحاد الهندي للغرف التجارية والصناعية «برايس ووترهاوس كوبرز Price Waterhouse Coopers» مشيراً إلى أن قيمة قطاع الإعلام في الهند ستصل مع نهاية عام 2010 إلى 19 مليار دولار أمريكي بسبب الطفرة الاقتصادية وإرتفاع نسبة التعليم وإرتفاع نسبة الذين لا تزيد أعمارهم عن الـ 30 عاماً بين السكان. وإتجاه مجموعة من الشركات العالمية للقيام بعملياتها في الهند أمثال شركات «سوني»، و«باراماونت»، و«ديزني»، و«وفوكس»، و«تايم وورنر»، و«بيرسون»، والشركة الناشرة لصحف فاينانشيال تايمز، وانديبيندانت، وتيرنر انترناشونال، وبي بي سي وورلد وايد.
وما أكده آشوتوش سيرفاستافا الرئيس التنفيذي لشركة مينشار إنديا وهي الفرع المحلي لمؤسسة ميديا إنفستمنت مانجمنت ومقرها لندن «أن الصين والهند هما نقطتا الجذب بالنسبة للمستثمرين من الخارج في جميع المجالات، غير أن الصين مغلقة تماما بالنسبة للمستثمرين في مجال الاتصال والإعلام وهو ما جعل الهند بديلا جيداً للإستثمار بالنسبة للمستثمرين الأجانب».
وما أشار إليه باسكارا راو رئيس مركز الدراسات الإعلامية في نيودلهي إلى أن معدلات النمو في كل المجالات الإعلامية في الهند خلال السنتين الماضيتين كان أعلى بكثير من الولايات المتحدة وبريطانيا. وأن «قطاع الصحف ينمو بمعدل 14% سنويا ويوجد 27 قناة إخبارية إذاعية مرئية في الهند تعمل على مدار الساعة. ومعظم الشركات متعددة الجنسيات التي تنفق كميات كبيرة على الإعلانات موجودة في الهند أيضا»، وأكد على أن "كل ذلك يجعل الهند مجالاً جيداً للإستثمارات بالنسبة للمؤسسات الإعلامية الأجنبية وأن إحتمالات النمو ضخمة ولم نتمكن من الإستفادة من جزء كبير منها بعد".
وبعد أن أصبحت سياسات الحكومة إيجابية بالنسبة للإستثمار في الهند فيما يخص الإعلام المطبوع، وبالرغم من إرتفاع مستوى الأمية في المناطق الريفية، فإن حجم قطاع المطبوعات الهندي يصل إلى 2.3 مليار دولار أميركي ومن المتوقع أن يصل حجمه إلى 5.8 مليار دولار بحلول عام 2010 وأن الحكومة الهندية غيرت سياستها في مجال الإعلام عام 2002 وخففت من قيود ملكية الأجانب للصحف بحيث يسمح القانون الهندي للأجانب بملكية 26 في المائة من أسهم المطبوعات الهندية، إلا أن الإدارة التحريرية يجب أن تبقى هندية. وأظهرت إستبيانات عدد القراء في الهند أن عدد قراء الصحف اليومية والمجلات مستمر في الزيادة من 206 ملايين قارئ إلى 222 مليون قارئ في عام 2005 وأن 12 صحيفة هندية يومية من بين 5 آلاف صحيفة يومية تبيع أكثر من مليون نسخة يومية، وتصل مبيعات الصحف اليومية إلى ما يتراوح بين 16 إلى 17 مليون نسخة يوميا.
وقد دفعت صحيفة فاينانشيال تايمز الانجليزية المملوكة لشركة بيرسون 3.4 مليون دولار أميركي للحصول على 14% من صحيفة بيزنيس ستاندرد ثاني أكبر صحيفة يومية في الهند. بينما بدأ مؤشر داو جونز الأميركي في عام 2005 شراكة مع بينت وكولمان لطباعة النسخة الآسيوية من صحيفة وول ستريت المالية. وإشترى هندرسون برايفت كابيتال آسيا فاند حصة قيمتها 20 مليون دولار في صحيفة هندوستان تايمز اليومية. كما بدأت صحيفة إنترناشونال هيرالد تريبيون في طباعة نسخة في الهند في أوائل عام 2006. وأن مجموعة مترو وهي أسرع المجموعات الصحفية نموا في العالم تعد نسخة للسوق الهندي. وأن مجموعة إندبندنت نيوز وميديا لندن إشترت 26 في المائة من مجموعة جاغران براكشان الهندية بقيمة 18.6 مليون جنيه إسترليني.
وأوضح سنجاي غوبتا المدير التنفيذي ورئيس تحرير داينك جاغران، أن رئيس مجلس إدارة الاندبندنت نيوز وميديا لندن توني اوريلي كان السباق في إكتشاف إمكانات السوق الهندي. وأن عدد قراء داينك جاغران يصل 21 مليون قارئ وهي رسمياً أكبر صحيفة تصدر في الهند. وقال غوبتا «سنطبع نسخة دولية من الاندبندنت في الهند قريبا ولكنها ستكون بالانجليزية»، لأن السلطات الهندية تسمح الآن بطباعة نسخ من الصحف الأجنبية في الهند، وهذه السياسة تساعد الصحف الأجنبية على توفير نفقات توزيعها في السوق الهندي. وتعتبر تكلفة الإنتاج الرخيصة نقطة جذب رئيسية بالنسبة لدور النشر.
ويتوقع تقرير إتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية، أن يجلب قطاع إذاعات الـ إف إم في الهند توظيفا ماليا أجنبيا يصل إلى 111 مليون دولار أميركي خلال الفترة القادمة، ليحقق نمواً قدره 22% من حجمه الحالي البالغ 53 مليون دولار أميركي وليصل إلى 145.9 مليون دولار قبل انتهاء عام 2010. وأن قطاع المحطات الإذاعية المرئية في الهند أصبح ثالث أكبر سوق للإذاعة المرئية في عالم اليوم ويبلغ عدد القنوات الإذاعية المرئية في الهند أكثر من 350 قناة تحقق دخلاً من الإعلانات عبر الإذاعات المرئية والدارات المغلقة (الكبل) يبلغ 1.02 مليار دولار عام 2005، ومن المتوقع أن يبلغ هذا الدخل 1.8 مليار دولار قبل انتهاء عام 2010 بزيادة قدرها 24%. وأن 50 قناة إذاعية مرئية تبدأ البث سنوياً. ولا تزال شركات البث الإذاعي المرئي الهندية تبحث عن شركات منتجة للبرامج لتغطية ساعات بثها. بالإضافة إلى زيادة عدد البيوت التي تستخدم شبكات التوزيع عن طريق الكبلات لإستقبال البث عبر الأقمار الصطناعية في الهند بنسبة 12% ليصبح عددها 68 مليون بيت عام 2006. وأن شركة والت ديزني إشترت حصة من أسهم يو تي في التي تمتلك قناة للأطفال مقابل 30 مليون دولار. بالإضافة لحصة قناة سي إن إن ـ إي بي إن، في الشركة الهندية غلوبال برودكاست نيوز. وإشترت رويترز حصة 26% بمبلغ 19 مليون دولار أميركي في الأخبار التي تبث على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم وقناة تايمز تي في ناو. وإطلاق الشركة الإعلامية المتمركزة في الولايات المتحدة بلومبيرغ قناة لرجال الأعمال مع شركة تي في غروب الهندية.
وهذه صورة من الصور الحديثة لتغلغل رؤوس الأموال الغربية إلى الساحات الإعلامية الوطنية والهند مثال جيد لها لإستثمارها والحد من نموها وربطها بالمصالح الغربية على حساب المصالح الوطنية ولن نتطرق للتغلغل الواضح في الساحات الإعلامية الأوروبية والروسية والدول الأقل تطوراً والنامية في العالم المستعدة طوعاً للقبول بمثل هذا التغلغل، والساحة الإعلامية العربية جزء منها وتحتاج للبحث والدراسات الحيادية خدمة للقائمين على تخطيط السياسات الإعلامية العربية ولوضع النقاط على حروف الأبجدية الإعلامية الوطنية.