الأحد، 16 يونيو 2013

المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي


أ.د. محمد البخاري: المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي 22 من كتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
22
المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي
ويتزايد الدور العالمي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، واسعة الانتشار وخاصة منها برامج الإذاعات المرئية المنقولة عبر الأقمار الصناعية منذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين، رغم تباين النظم السياسية والإيديولوجية ودرجات النمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لدول العالم المختلفة، ورغم عدم التكافؤ الواضح بين القلة القليلة التي تبث سيلاً هائلاً من المعلومات على مدار الساعة يومياً، وبين الغالبية العظمى من دول العالم التي تستقبل ما يرسل إليها، بغض النظر عن وضعها الاقتصادي غنية كانت أم فقيرة. لأن من يصنع ويملك تقنيات وتكنولوجيا الاتصال ويتحكم بصياغة المادة الإعلامية هو المسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي دون منازع يذكر، ومن عداه فهو مستهلك لتكنولوجيا وتقنيات الاتصال وللمادة الإعلامية باهظة النفقات والتكاليف. لأن العلاقة شديدة الصلة بين السياسات الخارجية للدول، والرأي العام الوطني والإقليمي والعالمي، وكل منها يؤثر ويتأثر بالآخر، وهذا بحد ذاته يبرز مشكلة سياسية عويصة أمام عملية التبادل الإعلامي الدولي، مفادها ضخامة وتضارب المصالح الحيوية لمختلف دول العالم وخاصة الدول المتطورة والغنية، التي تتجاوز حدودها الجغرافية المعترف بها إلى مناطق أخرى بعيدة كل البعد جغرافياً عنها. وتعدد المشاكل السياسية والاقتصادية والإيديولوجية بينها يجعل عملية التبادل الإعلامي تؤثر وتتأثر حتماً بوسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول الأخرى، وهذا مرتبط بمدى قوة وفاعلية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج لكل دولة.
لأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولية، تسعى لخدمة سياسة معينة كثيراً ما لا تتماشى هذه السياسة مع متطلبات التفاهم الدولي، ولأن هذه الوسائل بالأساس تتصدى لمشكلة أو مشاكل سياسية معينة، وتسير في خط معين مرسوم لها ضمن السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما يبتعد هذا الخط عن الموضوعية والدقة في عرض الوقائع، وقد ينجح في إقناع عدد كبير من مستقبلي الرسائل الإعلامية، بعدالة وصدق موقفها من المشكلة المطروحة، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، ومرد ذلك إما للظروف المتاحة دولياً والتفاهم والتعاطف الدولي مع سياسة خارجية معينة، أو قوة أساليب عمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية التي يملكها هذا الطرف أو ذاك، أو ضعف أساليب عمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للطرف المواجه، أو غيابها تماماً عن الساحة الدولية مما يتيح للخصم ظروفاً ممتازة لإقناع الرأي العام العالمي بعدالة وصدق مواقفه كما يشاء دون منازع. على مثال القضايا العربية والإسلامية ومنها القضية الفلسطينية.
وقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي، إلى انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وإلى انفراج نسبي في العلاقات الدولية، وخفف نوعاً ما من الصراع الإيديولوجي الذي كان قائماً، ولكن سرعان ما استبدل بصراع من نوع جديد أخذ طابعاً آخر كأنه يدعم الديمقراطية والانفراج الدولي ومحاربة التطرف الديني، والإرهاب الدولي من وجهة نظر القوي المسيطر على عملية التدفق الإعلامي الدولي. وأدى غياب الصراع الإيديولوجي إلى تخفيف السباق المتسارع بين التكتلات الإقليمية والدولية المتصارعة للإمساك بزمام المبادرة في توجيه الحملات والضربات الإعلامية ضد بعضها البعض، ولكن لا أحد ينكر فضلها الأكبر في دفع التطور السريع لتقنيات ومعدات الاتصال التي نعرفها اليوم، وكانت محض خيال قبل نصف قرن من الزمن. وتقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لأية دولة في العالم، بتوجيه حملات إعلامية مركزة للتأثير على الرأي العام الدولي وتقوية الرأي العام المحلي داخلياً وتحصينه ضد الحملات الإعلامية الخارجية، وتشترك بنفس النشاط تقريباً مع وسائل إعلام الدول الأخرى التي تشترك معها في تحالفات وتكتلات إقليمية ودولية، ويظهر من خلالها مدى ضلوع عملية التبادل الإعلامي الدولي في مشاكل ومتناقضات السياسة الدولية، محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومن المشاكل العويصة التي تواجه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية للدولة، العلاقة الموضوعية بين السياسة الخارجية للدولة، والرأي العام الوطني، والرأي العام الإقليمي، والرأي العام الدولي، خاصة عندما يبرز تضارب واضح وتباين بينها. فبينما تعمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على تهيئة الرأي العام العالمي لاتخاذ موقف معين من قضية معينة تتفق والسياسة الخارجية للدولة المعنية، نراها في أكثر الأحيان مضطرة لاتخاذ موقف آخر قد يكون مغايير تماماً، لتهيئة الرأي العام المحلي من القضية ذاتها، وهذه مشكلة عويصة بحد ذاتها أمام المخططين والمنفذين للسياسات الإعلامية الداخلية والإقليمية والخارجية. خاصة بعد التطور الهائل الحاصل في مجال وسائل الاتصال الحديثة، وتعدد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتنوعها وتجاوزها للزمن والمسافات والحدود الجغرافية واللغوية والحضارية، ليصبح ما يحدث اليوم في أي جزء من العالم في متناول الإنسان أينما كان ومهما بعدت المسافات خلال دقائق عبر قنوات الإذاعة المرئية الفضائية وشبكات الحاسبات الإلكترونية، ولتصبح قدرة الدول في التحكم الفعلي بالرأي العام المحلي محض خيال، بعد أن طالته وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، وأصبح الخيار في أيدي من يملك وسائل اتصال حديثة، ومن يوجه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، ويسيطر على صياغة الخبر بالطريقة التي تحلو له.
وإذا كان عالم اليوم يتجه حسيساً نحو الانفراج والتعاون الإيجابي بين الأمم، فإن هذا لا يعني انتهاء المشاكل والصراعات الدولية القديمة منها والجديدة والمتجددة، وكل ما يحدث هو تغيير الظروف الدولية وديناميكية العلاقات الدولية، وزيادة في عملية التفاعل والتبادل الإعلامي الدولي. وهذا يفرض على خبراء الإعلام الإلمام بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية الدولية، ومسارها التاريخي، والنظم والاتجاهات السياسية السائدة في دول العالم، وخلفية مواقفها من العلاقات الدولية المعاصرة، ليستطيع كلاً منهم أخذ مكانه الفاعل والمؤثر في عملية التبادل الإعلامي الدولي المتجددة، وخدمة سياسات بلده الداخلية والإقليمية والدولية بعد أن تجاوزت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية فعلاً الحدود الفاصلة بين تلك السياسات.