الأربعاء، 29 يوليو 2020

وكالات الأنباء العالمية ودورها في تحديد أطر السياسات الخارجية وتنفيذها 2

وكالات الأنباء العالمية ودورها في تحديد أطر السياسات الخارجية وتنفيذها 2
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف  العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند - 2011
تأليف:
محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

وفي ألمانيا افتتح اليهودي الألماني برنارد وولف الذي تتلمذ في باريس على يد شارل هافاس، مكتباً صحفياً في العاصمة الألمانية برلين أطلق عليه اسمه عام 1849. ومن ثم أنشأ خط تلغراف للدولة البروسية ربط بين برلين وأكس لاشبال، وبقيت وكالة وولف للأنباء أكبر وكالة أنباء في أوروبا حتى هزيمة ألمانيا النازية على أيدي الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه الوكالة واحدة من أكثر الوسائل الفعالة من بين وسائل تنفيذ السياسة الخارجية الألمانية، وخاصة أثناء العهد النازي، حيث أثبتت تفوقها حتى على وكالة معلمه هافاس الفرنسية. وانتهت هذه الوكالة بهزيمة ألمانيا النازية، لتحل محلها وكالة الصحافة الألمانية DPA التي تأسست عام 1949 في هامبورغ كشركة تعاونية يملكها ناشري الصحف ومحطات البث الإذاعي، على قاعدة وكالة الأنباء DENA في المنطقة الخاضعة للولايات المتحدة الأمريكية من ألمانيا، ووكالة الأنباء DPD في المنطقة الخاضعة لبريطانيا، ووكالة أنباء SUEDENA في المنطقة الخاضعة لفرنسا، وافتتحت 46 مكتباً لها في ألمانيا و70 مكتباً في الدول الأجنبية. وحصلت DPA من مراسليها في ألمانيا ومختلف العواصم العالمية على 200 ألف كلمة يومياً وزعت منها الثلث على مشتركيها عبر شبكتها الإلكترونية للتوزيع، لتصبح بذلك وسيلة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية لألمانيا الاتحادية، وفق الدور المسموح لها به في السياسة الدولية.
وبعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وحلف وارسو، والمنظومة الاشتراكية، وهدم جدار برلين الشهير، وانضمام الأراضي الشرقية التي كانت تعرف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى ألمانيا الاتحادية في مطلع تسعينات القرن العشرين، جرت محاولة فاشلة خلال صيف 1990 لدمج وكالة أنباء  DPA مع منافستها وكالة أنباء جمهورية ألمانيا الديمقراطية ADN، وفي عام 1992 سلم مجلس الوصاية وكالة الأنباء ADN لبولكو هوفمان صاحب Effectenspiegel A G  في دوسلدورف، الذي يملك أيضاً القسم الأكبر من رأس مال وكالة: DEUTSCHER DEPESCHEH – DIENST لتصبح بذلك وكالة الأنباء الألمانية  DPA، ووكالة ADN، ووكالة DDP (DEUTSCHE DEPESCHEN - DIENST) من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، إلى جانب وكالات الأنباء الدينية EPD وKNA وVWD.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية كونت بعض الصحف عام 1848 جمعية في نيويورك أطلقت على نفسها اسم جمعية أخبار الميناء، لتستفيد من خدماتها الإخبارية. وفي عام 1856 تبدل اسم هذه الجمعية إلى نيويورك أسوشيتد بريس AP وتبع ذلك قيام عدد من وكالات الأنباء الصغيرة في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الهدف من إقامة تلك الوكالات، الاقتصاد في نفقات الحصول على الأنباء، وأدى اتجاه هذه الوكالات نحو التركيز إلى نشوء الاحتكارات الإعلامية داخل السوق الأمريكية. ويشترك في عضوية مجلس إدارة AP عدد من ممثلي الصحف والإذاعات الأمريكية، طبقاً لإسهاماتهم المالية، ويتكون مجلس الإدارة من 18 عضواً يتم انتخابهم مرة كل ثلاث سنوات، ويعين هذا المجلس المدير العام للوكالة. وتعمل الوكالة بشكل مستقل معتمدة في مواردها المالية على اشتراكات المشتركين فيها، وكان لها 34 مكتباً رئيسياً دائماً، ومئات المكاتب الصغيرة، وكانت تملك 600 ألف كم من خطوط التلغراف عبر أكثر من 100 دولة في العالم، وبلغ عدد موظفيها 7500 موظفاً، وتشكلت الوكالة أساساً على شكل جمعية تعاونية دون أهداف معلنة، وبلغ عدد المشتركين فيها 1778 صحيفة ومجلة أمريكية، و2042 محطة إذاعية مسموعة ومرئية، وكانت توزع في اليوم أكثر من 3 ملايين كلمة، على 8500 مشترك في العالم.
وفي عام 1958 اندمجت كلاً من: وكالة يونايتيد بريس أسوسييشين، التي تأسست عام 1907 نتيجة لاندماج عدد من وكالات الأنباء الأمريكية المحلية، ولم تشترك منذ تأسيسها في الاحتكار الدولي للأنباء مفضلة العمل بحرية داخل سوق الأنباء العالمية، كجمعية تعاونية (شركة تجارية)؛ مع وكالة إنترناشيونال نيوز سيرفيس. التي تأسست عام 1909 وكانت عضواً في الاحتكار الدولي للأنباء؛ وشكلتا مع بعضهما بعد الدمج وكالة اليونيتيد بريس إنترناشيونال UPI كمؤسسة تجارية عادية، لها 148 مكتباً في الولايات المتحدة الأمريكية، و100 مكتباً موزعة في مختلف دول العالم. وبلغ عدد موظفيها حوالي 10 آلاف موظفاً. ووزعت أكثر من 4 ملايين كلمة في اليوم إلى 114 دولة في أنحاء العالم بـ 48 لغة. إضافة لامتلاكها لقناة خاصة لتوزيع الصور الفوتوغرافية (أونيفاكس) تعمل على مدار الساعة. وبلغ عدد مشتركيها 3609 صحف، و2325 محطة إذاعية مسموعة و528 محطة إذاعة مرئية، و622 مشتركاً خاصاً.
وتعتبر وكالات الأنباء الأمريكية أداة فعالة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، بفضل الانتشار العالمي الواسع الذي تتمتع به، ولاعتماد الكثير من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في شتى أنحاء العالم عليها كمصدر لتلقي الأخبار العالمية. وهو ما أثبتته دراسات تحليل المضمون التي تناولت خدمات تلك الوكالات، حيث تبين أنها تعرض مختلف الموضوعات وفقاً لمفهوم السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، والأولويات التي تطرحها تلك السياسة، ومن خلال متابعتها لتطورات الأحداث من خلال الخبر والتعليق، واستخدام مصطلحات Semantics. ومن المعروف أن وكالات الأنباء العالمية توزع أخبارها وفقاً لأولويات سياستها الإعلامية الخاصة، فإذا كان هناك خبراً عاجلاً وضعت في مقدمته عبارة Snap أو Urgent التي ترتبط بالأصوات العالية التي تحدثها أجراس أجهزة استقبال الأخبار، بقصد التنبيه لأهمية الخبر، وأثبتت دراسات تحليل المضمون أن هذا التوزيع كان مطابقاً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في أكثر الحالات المدروسة. وهذا يعني أن وكالات الأنباء العالمية الأمريكية تعتبر أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية، وتعكس الأدوات الأخرى التي تعتمد عليها السياسة الخارجية الأمريكية، إضافة لتمتع وكالات الأنباء بخصائص إضافية منها تعدد المصادر التي تستقي منها الأخبار، ومنافستها لغيرها من وكالات الأنباء العالمية في الحصول على الأخبار، وتوزيعها لتلك الأخبار على مشتركيها قبل حصول الوكالات المنافسة على تلك الأخبار. وهو ما يعرف في عالم الصحافة بالسبق الصحفي. إضافة لتمتع وكالات الأنباء الأمريكية بقدرات مالية وتكنولوجية هائلة، وكوادر مؤهلة كفوءة تجعل منها أكثر قدرة على التنافس من وكالات الأنباء العالمية في دول العالم الأخرى.