الخميس، 6 يوليو 2017

المتصوف العظيم بهاء الدين نقشبند


المتصوف العظيم بهاء الدين نقشبند

تحت غطاء الدين الإسلامي المقدس تبذل محاولات في مختاف زوايا العالم لسفك دماء الناس الأبرياء، وزعزعزعة الأوضاع. ولهذا السبب تظهر ضرورة نشر القيم الحقيقية للإسلام أكثر إلحاحاً. ولهذا هناك أهمية كبيرة لدراسة خبرة المدرسة الدينية الأوزبكية بعمق.
وهذه المدرسة بنيت على تراث عقول عظيمة، أبقت لأحفادها إرشادات وأفكار قيمة. والمفكرين البارزين الذي ولدوا على أرضنا قدموا إسهاماً ضخماً لتطوير العالم الروحي ليس في الشرق وحسب، بل وفي الغرب أيضاً، وأعمالهم الخالدة أصبحت في متناول الإنسانية جمعاء.
ومن أجل خلق الظروف المناسبة لدراسة الكنوز الروحية للشعب الأوزبكي بعمق والدعوة الواسعة لها وقع رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرزيوييف يوم 23 يوليه/تموز من العام الجاري على قرار "حول إحداث مركز الثقافة الإسلامية في أوزبكستان وإتباعه لديوان الوزراء بجمهورية أوزبكستان". وورد في الوثيقة إسم المبدع في العالم الإسلامي بهاء الدين نقشبند.
وكما هو معروف أسس رجل الدين الفاضل في القرن الـ 14 الميلادي واحدة من أضخم طرق التصوف "النقشبندية". ورغم مرور سبعة قرون لم يزل المسلمون ملتزمون بالمبادئ والأفكار التي وضعها، والتي تدعوا إلى الطهارة الروحية والعدالة والأمانة. وخلال حياة المتصوف كلها، كل منهم يقدم مثالاً بأفعاله، ويزيد من دور الدين في حياة المجتمع وفي أعماله الصالحة.
ومع الأسف القسم الأكبر من قصة حياة بهاء الدين نقشبند غير معروف عملياً، لأنه نهى تلاميذه عن تدوين أعماله. ومن المعلومات القليلة التي وصلت إلينا، أنه ولد في قرية قصري هندوان القريبة من بخارى في عام 1318م. وفي ما بعد أعيد تسمية هذه القرية على شرفه بقصر العرفان، وكان أبيه سعيد جلال الدين حرفي يمارس النقش والحياكة. واشتهرت أمه بيبي عارفه بسعة معارفها العلمية الكبيرة. وكلاهما كانا ملتزمان بالإسلام وتعاليمه. ومن دون شك انتقلت صفات والديه مثل: حب العمل، وصفاء الضمير، والسعي لتحصيل المعرفة، إلى إبنهم الذي بدأ تحت إشراف الصوفي حجي محمد بوبو ساموسو، ومن بعده الشيخ البارز في ذلك الوقت سيد أمير قولول، بدراسة أسس التصوف بجد واجتهاد.
وفي البداية اتبع الطريقة النقشبندية أبناء بلده، وسرعان ما ذاعت شهرتها في أوساط البدو الرحل. ولاحقاً أصبحت دراساتها تلعب دوراً كبيراً في الحياة الإجتماعية والسياسية والروحية والثقافية والأخلاقية لشعوب وسط آسيا، والشرقين الأدنى والأوسط. وكانت غريبة على هذه الطريقه الظواهر السلبية مثل: العنف الإجتماعي، والتطفل، والا مبالاة. وسرعان ما أصبح من أتباع هذه الطريقة أبرز ممثلي العلوم، والثقافة، والأدب في ذلك العصر، من المعبرين عن الآراء الإنسانية. وعكسوا في إبداعاتهم أفكار ومبادئ رجل الدين العظيم. مثل: الصراحة، والصدق، والحقيقة، والأدب، وحب العمل، والعدالة، وحب الوطن، والتسامح، والإحساس بالألم، وحب الإنسان والتساهل، التي لم تفقد أهميتها حتى اليوم.
وبعد وفاة بهاء الدين نقشبند في عام 1389م ألحق بصفوف القديسين واعترف به كراع لبخارى، و"قبلة للإسلام في الشرق"، والمناطق التي قضى فيها حياته، وعلى قبره الذي شيد عام 1544م ضريح، أصبحت مكاناً يحج إليه المسلمون من كل أنحاء العالم.
وخلال السلطة السوفييتية تعرض الضريح للخراب. ولكن بعد حصول أوزبكستان على الإستقلال اتخذ خطاً عرف بخط إحياء القيم القومية، والثقافية،والروحية، وترميم الآثار التاريخية. وهكذا جرى في عام 1993م وبمناسبة مرور 675 عاماً على ميلاد جدنا العظيم وبالكامل ترميم وإعادة الملامح الأولى للمجمع الأثري في بخارى وقام الرئيس شوكت ميرزيوييف في مارس/آذار من عام 2017 بزيارة الضريح وأعطى الأوامر المناسبة للشخصيات المسؤولة لتحويل المجمع التذكاري إلى مكان من أكثر الأماكن جمالاً.
وبالكامل يظهر مثال بهاء الدين نقشبند أن السعي نحو العلم والتوصل إلى الأهداف النبيلة يؤدي ليس إلى التطور الذاتي والغناء الروحي وحسب، بل وإلى التقدم الإنساني. وأن دراسة "النقشبندية" تساعد على الحفاظ وتقدم القيم الإسلامية المقدسة وتعزيز التضامن بين الشعوب.
* * * * *
طشقند 6/7/2017 دراسة مختصرة أعدها: أ.د. محمد البخاري، دكتوراه في العلوم السياسية (DC)، تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب (PhD)، تخصص صحافة. بروفيسور. بتصرف عن المادة التي نشرتها وكالة أنباء "Jahon" يوم 2/7/2017.