الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

جلال الدين رومي

جلال الدين رومي
جلال الدين محمد رومي، شاعر متصوف كبير من كلاسيكيي الأدب العالمي، ولد بمدينة بلخ في خراسان سبتمبر/أيلول عام 1207م، بأسرة رجل الدين البارز محمد بن حسين الخطيب البلخي، الذي مارس الدعوة الدينية تحت الاسم المستعار  بهاء الدين ولد، معتبراً نفسه الوريث الفكري والروحي للمفكر الصوفي العظيم الغزالي.
سيرة حياته



اضطر جلال الدين محمد رومي لمغادرة موطنه بلخ أهم مدن خراسان في طفولته. وكان الده محمد بهاء الدين ولد، عالم دين صوفي، ولهذا السبب دعاه شاه خوارزم محمد لخدمته في القصر. ولكن محمد بهاء الدين ولد، كان ثابت الإيمان واسع المعرفة وعادل. وتحت مختلف الحجج تهرب من دعوة الشاه وبقي يعلم الأطفال في المدرسة مستمراً بنشاطاته العلمية الإبداعية. وعلى هذه الخلفية اختلف مع شاه خوارزم. وبحجة أداء فريضة الحج غادر وأسرته مدينة بلخ.
وأثناء رحلته إلى مكة المكرمة التقى جلال الدين محمد رومي وتحدث مع الشيخ فريد الدين محمد التور. وتعلق الشيخ المحب للمعرفة بالرومي وأهداه كتابه "أسرار نامة"، الذي حرص جلال الدين رومي على حمله معه دائماً.
وبفضل العلوم التي حصل عليها من علماء ذلك العصر: الشيخ شمسي تبريزي، وفريد الدين محمد التور، وصل إلى مستويات رفيعة في الشعر والفلسفة والعلوم الدينية. وتعلم الفلسفة عند شمسي تبريزي، وتعرف على أصول الصوفية.
وفي عام 1228م حصل محمد بهاء الدين ولد، على دعوة لممارسة التعليم في مدرسة قونيه وتوجه إلى هناك، وسرعان ما توفي في عام 1231م وأخذ مكانه في المدرسة جلال الدين. وخلال سنة مارس فيها جلال الدين التعليم في المدرسة وأصبح تلميذاً وآمن بأفكار وليد شيخ برهان الدين محقق. واستمرت تربيته الدينية نحو عشر سنوات، ولكن حياة جلال الدين لم تتغير: وبقي معلماً محترماً في المدرسة وإماماً في المسجد وعاش مع أسرته بسعادة وهناء.
وحصل جلال الدين على تربية بالطريقة الصوفية من الداعية الصوفي شمس الدين تبريزي. وكانت تعاليم هذا الدرويش تتم من خلال محادثاتهما الشخصية، وسرعان ما جرت تبدلات خفية في صميم  جلال الدين الذي كان يلتقي تعاليمه بسعادة وحب متبادل بينهما، وكان فقدانه مأساة له وهو الشاعر الموهوب الذي عرفه العالم.
ولم يستطيع جلال الدين الحياة والإبداع دون ملهم روحي، يذكره بالصفات الروحية لشمس الدين الذي غادر الحياة عام 1247م. وأصبح ملهمه الروحي الصائغ الشاب صلاح الدين زركوب، وعندما توفي عام 1258م، شغل مكانه حسام الدين حسن، الذي ترأس تلاميذ الشاعر والشيخ الصوفي كما كان يطلق على جلال الدين آنذاك.
وبفضل حسام الدين تعرف العالم على أكثر أشعار جلال الدين التي كتبها وحافظ عليها للإنسانية، لأنه وكما هو معروف تنسى الأشعار بمجرد أن يكتبها أو يقرأها الشاعر على المسامع. وباقتراح منه أو بمساعدته تم إصدار مؤلفات جلال الدين الرئيسية، وهي ستة أجزاء لقصيدته "مثنوي" ("قصيدة عن الأفكار المخفية"). التي تعتبر موسوعة صوفية، يستطيع تقييمها فقط من سار على الطريقة الصوفية، والنظر إليها من خلال أفكار الغزالي، وثنائي، وعطاره المتطورة وغيرهم من الشعراء الصوفيين في تلك المرحلة.
وجاءت عظمة جلال الدين رومي من أنه إستطاع الصعود إلى مستوى شاعر ومربي عظيم في العالم التركي. وفي كل التيارات الدينية الإسلامية وغيرها من الأديان، ودعى لفكرة واحدة تدعو لحب الخالق، والإيمان بقدراته، والطهارة في الأفكار والأعمال. وكتب: "الطرق يمكن تكون مختلفة، ولكن الهدف النهائي واحد، هو الوقوف أمام الله (ج)". وحتى نهاية حياته دعى بأن الجميع متساوون أمام الله (ج).
ويعتبر كتاب رومي "جوهر المعرفة" فريداً من نوعة، ولايوجد مثيل له وكتبه بأسلوب خاص. ولم يكتبه بأسلوب الرباعي بل بأسلوب النثر. وتعبر كلمات الكتاب عن نفسها كجوهر في التعبير. وعبرت بحرية كاملة عن: الروح، والفكر، وعن الأوضاع من خلال الجمل. وبعد رومي بنحو ثمانية قرون أخذ شعراء القرن العشرين باستخدامها في الأساليب الأدبية، التي أطلقوا عليها تسمية الشعر الأبيض. وهي التي اكتشفها واستخدمها جلال الدين رومي بمؤلفاتة في القرن الـ 13م.
وكتب جلال الدين رومي مؤلفاته المحببة في سن الـ 15. وتضمنت 25618 بيتاً شعرياً. ويمكن اعتبار كتابه من روائع الأدب العالمي. ولهذا سمي دائماً بـ"قانون الصوفية".
وفي ذلك الوقت كانت التعبير عن الرأي بطولة عظيمة وخاصة أن منشأ كل البشر على الأرض واحد، بغض النظر عن أديانهم، وهو ما كتبه رومي.
وكتب جلال الدين مؤلفاته تحت مختلف الأسماء المستعارة: "بلخي"، وفق المكان الذي ولد فيه، و"شمس تبريزي"، باسم صديقه ومعلمه الروحي، ولكن الاسم المستعار الأكثر استعمالاً كان "رومي" وفق البلد الذي اختاره وأصدقائه المقربين وطناً ثانياً لهم.
توفي جلال الدين رومي بقونيه في ديسمبر/كانون أول عام 1273م ودفن في الضريح إلى جانب أبيه. ويعتبر قبرهم مكاناً للزيارة والتبرك حتى اليوم.
من الأمثلة الصوفية للرومي
يعتبر جلال الدين رومي أحد أعمدة الصوفية. وجاء إليه الكثير من الناس من أجل النصيحة والكلمات الحكيمة. وذات مرة حضرت إليه جارته مع صبي وقالت:
- جربت كل الأساليب، ولكن الطفل لا يسمعني. فهو يأكل السكر بكثرة. من فضلكم قولوا له أنتم، أن هذا سيء. فهو سيسمعكم، لأنه بحترمكم كثيراً.
 نظر رومي إلى الطفل، ورأى الصدق في عينية، وقال:
- تعالوا بعد ثلاثة أسابيع.
ولم تفهم المرأة شيئاً. وهذه من بسائط الأشياء ! لا أفهم... الناس يأتون من بلدان بعيدة، ورومي يساعدهم على حل مشاكلهم مباشرة... ولكنها أطاعته وعادت بعد ثلاثة أسابيع. ونظر رومي مرة أخرى إلى الطفل وقال:
- عودوا مرة أخرى بعد ثلاثة أسابيع.
وهنا لم تتماسك المرأة نفسها، وتشجعت وسألته، ما السبب ؟ ولكن رومي كرر ما قاله فقط.
وعندما عادا في المرة الثالثة، قال رومي للفتى:
- يابني، اسمع نصيحتي، لا تأكل الكثير من السكر، لأن هذا مضر بالصحة.
- وأجاب الطفل: طالما تنصحني، لن أفعل ذلك بعد اليوم.
وطلبت الأم من الطفل أن ينتظر في الشارع. وبعد أن خرج سألت رومي، لماذا لم تفعل ذلك من المرة الأولى، وهذا بسيط ؟ فاعترف لها جلال الدين بأنه أحب أكل السكر، وقبل أن يعطي النصيحة، عليه أن يتخلص من ذلك. وفي البداية اعتقد أن ثلاثة أسابيع كافية، ولكنه أخطأ... لأن صفات المعلم الحقيقي: أنه لا يعلم سوى ما جربه بنفسه. والمعلم يجب أن يكون صادقاً وبالدرجة الأولى مع نفسه. وكلماته ستأخذ طريقها للتنفيذ. وكلمات المعلم تأتي من خبرته الذاتية، وحكمته التي تعيش داخل نفسه، وليس فيما يكتبه. وهنا من الصعب عدم تذكر المثل القائل: "عندما يقوم إنسان طيب بتعليم دراسات كاذبة، تصبح حقيقية. وعندما يقوم إنسان سيء بتعليم دراسات صادقة، تصبح كاذبة".
أ.د. محمد البخاري، طشقند: 25/9/2013م