الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

كلمة الرئيس إسلام كريموف بمناسبة مرور 13 عاماًَ على صدور الدستور


كلمة الرئيس إسلام كريموف أمام المحتفلين بذكرى مرور ثلاثة عشر عاماً على صدور دستور جمهورية أوزبكستان

الإنسان وحقوقه وحرياته ومصالحه – القيم العليا
ترجمها إلى اللغة العربية: أ.د. محمد البخاري
المواطنين المحترمين
اسمحوا لي أعزائي قبل كل شيء أن أهنئكم من صميم قلبي بمناسبة الذكرى الثالثة عشر لدستور جمهورية أوزبكستان وأن أعبر لكم ومن خلالكم لكل الشعب الأوزبكستاني عن عميق المودة والاحترام.
أصدقائي الأعزاء !
لمن دواعي سروري أن الاحتفالات الواسعة بيوم 8 ديسمبر - يوم إصدار الدستور – امتدت جذوره عميقاً في حياتنا كحدث اجتماعي وسياسي هام. وأصبحت هذه المناسبة الهامة تشغل مكاناً هاماً بين الأعياد الشعبية ليأخذ الدستور مرة أخرى دوراً كبيراً في الحفاظ على حقوق وحريات الإنسان ولتزيد من تأثيره على مصير كل مواطن وكل أسرة، وعلى حياتنا اليوم وغداً.
وهكذا مضت ثلاثة عشر عاماً منذ أن رفضنا النظام السابق ورفضنا النظريات الأيديولوجية الغريبة عن نمط تفكيرنا لنعتمد على القانون الأساسي للجمهورية عند تحديد الأسس الدستورية ومبادئ بناء الحياة الجديدة للمجتمع. لنقتنع خلال الفترة الماضية أكثر فأكثر بالحد القوي الذي يشغله الدستور في حياة بلدنا والحد الذي يلبي فيه قيمنا الدستورية والإنسانية التي تعكس التفكير التاريخي والسياسي والقدرات الفكرية للشعب.
ولا أضخم إن تحدثت عن الصعوبات التي واجهتنا خلال المرحلة الصعبة والمسؤولة من التطور المستقل، وأية اختبارات صعبة مررنا بها، وكان الدستور وسيبقى الأساس الذي نعتمد عليه للدفاع عن بلادنا وعن شعبنا لمواجهة كل الصعوبات أثناء اختيار الطريق الصحيح والوحيد في أصعب الحالات لتعزيز الإيمان بالمستقبل.
والتفكير اليوم بالدستور ومضمونه ومبادئه الأساسية تدعونا للانتباه بأنه القانون الأساسي الذي يشتمل المصالح الرئيسية للفرد ويعتبرها فوق الدولة، ويعتبر أن الإنسان وحقوقه وحرياته ومصالحه هي من القيم العليا. والمهم ليس تحديد تلك المبادئ في القوانين والقواعد القانونية ولكن في تطبيقها الدائم عملياً. ومن أجل ذلك برأيي على كل مواطن أن يعرف حقوقه وواجباته، وأن يعمل دائماً على رفع مستواه السياسي والثقافي. وأعتقد أنه الصواب فيما لو أنه ومن اليوم نلتزم بالمبدأ الذي أشرنا إليه وقبل كل شيء في الحياة اليومية للمسؤولين ورجال الأمن.
ونحن في هذا وأثناء تشييد الحكومة وتجديد المجتمع ديمقراطياً، وفي ليبرالية الاقتصاد، والعمل التربوي والديني، وبكلمة واحدة في حل كل المشاكل والمهام التي تعترض طريقنا، علينا أن لا ننسى أن مبدأ "الإصلاحات – ليس في الإصلاح فقط ولكنها قبل كل شيء من أجل الإنسان ومن أجل تأمين مصالحه".
ونقتنع بأنه في أي قطاع أو مجال ننظر اليوم إلى زراعة القطن أو إلى زراعة الحبوب وغلى الحياة الاجتماعية وبناء المواقع الجديدة وتحسين المدن والقرى، وفي الحقيقة كلها في النهاية من أجل الناس الذين يعيشون في بلادنا. وأنه يجب علينا الاعتراف مباشرة ومن خلال الأعمال الجارية ولكننا مع الأسف أحياناً ننسى هذه الحقيقة البسيطة. وأعتقد هنا أنه يجب التوقف عند هذا الموضوع الهام فالتبدلات العميقة الجارية في بلادنا والموجهة نحو بناء الدولة الديمقراطية والحياة الزاهرة لا يمكن أن ينكرها لا المراقبين الغرباء ولا حتى غير الأصدقاء.
ومع الأسف لم نزل دائماً بعيدين عن الانفتاح عندما نناقش مشاكل الصعوبات والحسابات عن الإنجازات المحددة مخافة القانون وأن نكتشف الأخطاء والتقصير التي نصادفها في أماكنها والحواجز والعوائق وأحياناً نقصر حتى في تقديم الحقائق والأخبار الصحيحة للناس عن ذلك. وبصراحة أقول أن السبب الرئيسي لهذا الوضع هو الصعوبات والنواقص الحياتية المتبقية من النظام السابق الذي تعمق في وعينا وفي الأساليب القديمة التي اعتدنا عليها. ومن الضروري أن نفهم وأن نعترف بأن النجاحات التي تحققت أن تناقض تقييمنا للنواقص الحالية التي ترتبت عن الأخطاء، وإن كانت الحقيقة المرة فيجب أن نقولها لأنفسنا لتساعدنا مع الوقت لاقتلاع الحسابات غير الواقعية من أعمالنا لنضيف من قوتنا. وعند الحديث عنها لابد من التوقف عند ثلاثة أسئلة هامة.
الأول: علينا جميعاً التخلص بالكامل من عدم الشعور بالمسؤولية وعدم الصبر التي نصادفها في حياتنا اليومية.
ثانياً: علينا أن نشعر بأننا مشاركين في الأحداث الجارية في بلادنا ومن حولها، ومن الضروري أن يعلم كل إنسان يعيش على هذه الأرض بما يجري عيها من تفاعلات اجتماعية صعبة ليكون له رأيه الخاص في المناقشات وليفرق بين الحقيقة والكذب والاتهام.
ثالثاً: يجب على كل مواطن أن يناضل بحزم ضد الحواجز القائمة على طريقنا من أجل مصيره الخاص ومن أجل مستقبل عائلته. وهذه الأمور تفرضها الحياة نفسها علينا ولا يستطيع أحد أن يبقى جانباً بعيداً عن تحديات الوقت. وهنا يدور الحديث ليس عن عمل دعائي بل من أجل فتح أعين الناس على الحقيقة وإيقاظ إمكانية التفكير عندهم بالمستقل. وفي الظروف الحالية عندما تتصادم على الساحة الدولية مختلف المصالح السياسية الشعب الذي يملك رأيه الخاص ويملك موقف حياتي صلب فقط يصبح قوياً وقادراً على بناء المستقبل بأياديه أي مستقبله ومستقبل مقدراته الفكرية دون أدنى شك.
وعند الحديث عن حقوق ومصالح الإنسان اليوم والدفاع عنهم وعن الديمقراطية والليبرالية في المجتمع بالكامل ويمكن هنا الإشارة إلى أن هذا الموضوع كان دائماً مهماً وأصبح أكثر إلحاحاً في الآونة الأخيرة وهذا طبيعي بالكامل. وأريد أن أنتهز الفرصة لأذكر باختصار المبادئ الأساسية التي هي أسس تطور أوزبكستان على طريق التجديد الديمقراطي والمتسلسل للمجتمع الجديد.وهي:
أولا: الثقة بأنه لا توجد في الوقت الحاضر أية دولة في العالم لا تقبل بأسس المبادئ الديمقراطية، ولكن الكثير من الدول تعمل من أجل تحقيق الديمقراطية وإقامتها على الأساس التي حققوها خلال عشرات ومئات السنين، ولكن غيرهم بدءوا هذه العملية الآن فقط.
ثانياً: لا يوجد ومن غير الممكن وجود نموذج شامل للديمقراطية ومدخلاً واحداً لكل الدول يراعي خصائصهم وأوضاعهم. تصدير الديمقراطية وتطبيقها بالقوة يتعارض مع طبيعتها وهو ما ظهر في الآونة الأخيرة كحقيقة تثبتها الأمثلة الكثيرة. لأن السعي لزرع الديمقراطية من الخارج ومن دون مراعاة الخصائص التي يتميز بها كل شعب وكل دولة سيؤدي من دون أدنى شك إلى الإكراه والنتائج الوخيمة – كما كان يحدث أثناء محاولات تصدير الشيوعية.
ثالثاً: أوزبكستان حددت لنفسها طريق التطور الديمقراطي وبناء مجتمع المواطنة وتضمن الدستور هذا الهدف. وهذا الطريق يعتمد على الاعتراف الشامل بالمبادئ الديمقراطية والحرية، ويعتمد على القيم التاريخية القومية والدينية وعلى تصورات شعبنا.
وبخطوات متتابعة يتم بناء المجتمع الديمقراطي، ونحن نفعل ذلك ليس من أجل أن نعجب أحد ما أو تقديم التقارير لأحد ما وليس من أجل الصور الكاذبة، ولكن من أجل السير على الطريق الذي اختاره شعبنا بحرية ليلبي المصالح القومية الأوزبكية، ولن نتحول أبداً عن هذا الطريق. ومع ذلك يجب علينا قول الحقيقة بأننا غير موافقين أبداً على المحاولات التي تبذل لثني أوزبكستان عن خطها السياسي الخاص وتحويلنا لتابع لأي كان من خلال فرض الضغوط علينا من الخارج بحجج مختلفة والتدخل في شؤوننا الداخلية. وهنا أريد أن أشير إلى أن مثل هذه المساعي من دون شك عديمة الجدوى ولابد في النهاية من وقف كل الألاعيب ضد بلدنا.
أصدقائي الأعزاء
كم يمضي الوقت سريعاً وهاهو عام 2005 يقارب على الانتهاء العام الذي أعلن في بلدنا عاماً للصحة. ونشير اليوم بارتياح إلى أننا قمنا بأعمال واسعة أدت إلى نتائج إيجابية كبيرة خلال هذا العام الذي ضمن لنفسه مضمون وفلسفة مبدأ "صحة الشعب فقط، وصحة القومية يمكن أن تؤدي إلى إعمال عظيمة". وأريد أن أنتهز الفرصة لأشير بشكل مختصر إلى التأثير الإيجابي لرفع مستوى خدمات الصحة على حياة الناس ، حيث قدم للشعب خلال العام المنتهي برنامج شامل وإجراءات محددة وأعمال واسعة في هذا الاتجاه ونكتفي بتقديم مثال مقنع بأنه خلال الفترة الماضية في الجمهورية تم بناء وصيانة وإعادة بناء 38 مستشفى ومصحة، وزودت 93 مؤسسة علاجية ووقائية بالمعدات الطبية الحديثة. ووضعت قيد الاستخدام مستوصفات علاجية قادرة على خدمة 10 آلاف و500 مريض في نوبة عمل واحدة و210 مركز طبية في المناطق الريفية ستخدم من دون أي شك تحسين صحة عدد كبير من الناس وستعمل على وقايتهم من الأمراض.
ونتيجة لخطوات الصيانة وإعادة بناء المراكز الطبية الريفية تم إحداث إمكانيات إضافية لتقديم خدمات لـ 2 مليون إنسان، وأن 800 ألف مواطن من استفادوا من الخدمة الطبية الجيدة. وهنا يجب الإشارة إلى أن العمل القائم من أجل دعم القاعدة المادية والتقنية للمؤسسات الطبية يتم ليس في العاصمة فقط بل وفي كل الولايات والمناطق. وقد تم بمدينة كاغان بولاية بخارى ومنطقة ينغي بازار بولاية خوارزم بناء مستشفيات جديدة وفي منطقة بغداد داراً للتوليد وفي المستشفى المركزي بمنطقة قره أوز بجمهورية قره قلباقستان تم تنفيذ حجم كبير من أعمال البناء والصيانة وفي عدد من مناطق ولايات أنديجان وجيزاخ وسمرقند وسيرداريا ونمنغان زودت المستشفيات المركزية بمعدات حديثة صرف من أجلها 1,5 مليار صوم.
وإلى جانب هذا تم إنشاء مراكز لأمراض القلب ومراكز متخصصة بأمراض المسالك البولية بمدينة قارشي، وفرعاً لمركز الإسعاف السريع بولاية سمرقند، ومصحة للمحاربين والعمال القدماء في منطقة غلا أورال بولاية جيزاخ، ومبنى جديد في مصحة "تشيميون" بولاية فرغانة، وحديقة لألعاب الأطفال بمدينة فرغانه وغيرها من المنشآت الطبية وأبنية البنية التحتية للمجتمع. وتم تزويد المستشفيات المركزية والمحلية في مراكز الإسعاف السريع بالجمهورية بـ 127 سيارة مجهزة خصيصاً بمعدات الاتصال ومن دون شك سترفع من فاعلية عمل هذا النظام.
ومن أجل إعداد الكوادر الطبية المتخصصة التي تلبي الحاجات الحديثة وعلى قاعدة مؤسستي التعليم الطبي العالي أسست أكاديمية طشقند الطبية. وفي الوقت الحاضر بدأ العمل مركز رفع مستوى المعلمين في الأكاديمية بالإضافة لبناء ثلاث معاهد طبية متوسطة (كوليج) يدرس فيها ألف طالب من أجل تحسين نوعية إعداد الكوادر الطبية المتخصصة. ومما يدعوا للارتياح أنه تم التوصل إلى نتائج هامة خلال عام الصحة مثل رعاية الأمومة والطفولة وتقوية الصحة وصحة الأسرة ورفع مستوى الثقافة الطبية عند السكان. و بفضل تطوير نظم رعاية الأمومة والطفولة تم تطبيق الكشف الطبي الإلزامي قبل الزواج والتوسع في تطعيم الأطفال حتى سن السنة الواحدة، وتم تخفيض وفيات الأطفال مقارنة بالعام الماضي إلى نسبة 7.4% ووفيات الأمهات إلى 6.8%. وخلال العام الحالي تم إضافة لمراكز الرعاية الصحية الحديثة التسعة العاملة في بلادنا مركزين جديدين بمدينة أورغينيتش ومدينة نوائي.
ولكن علينا الاعتراف بأنه في الوقت الحاضر لا توجد إمكانية السفر إلى العاصمة أو غيرها من المدن الكبيرة عند الجميع للحصول هناك على الكشف الطبي من قبل أطباء متخصصين والحصول على نصائحهم الطبية العلاجية الضرورية. ونحن نفهم ذلك جيداً وهذه المشكلة هامة بشكل خاص لسكان المناطق البعيدة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه من مارس إلى سبتمبر من العام الحالي زار مناطق الأحوال الجوية القاسية في جمهورية قره قلباقستان وولايات خوارزم، وبخارى، ونوائي فطار المساعدة الطبية والوقائية "سلاماتليك" وقدم خدماته في الكشف الطبي لأكثر من 20 ألف إنسان.
وهنا يجب أن نشير إلى جانب ذلك أنه خلال العطلة الصيفية وبمساعدة وزارة التعليم الشعبي واتحاد نقابات العمال في الجمهورية استراح في معسكرات الأطفال وحصل على الرعاية الصحية 247 ألف تلميذ. وخلال الفترة الماضية وبهدف تحقيق برنامج لمحاربة فقر الدم تم إنتاج دقيق خاص غني بالحديد. وتم وضع وتنفيذ برنامج للوقاية من نقص اليود.
وأعتقد أنكم تعرفون أنه اليوم وفي مختلف زوايا العالم تنتشر الكثير من الأمراض المعدية وهذا الموضوع يتطلب منا جميعاً وقبل كل شيء من العاملين في الطب اليقظة الدائمة والحذر والانتباه. وأريد أن أشير بارتياح كبير بأنه وبفضل الإجراءات التي تم اتخاذها في الوقت المناسب ومن خلال عمل المؤسسات الطبية تم اتخاذ إجراءات الوقاية من دخول الأمراض المعدية الخطيرة لبلادنا، وعلينا أن نعرب خالص تقديرنا للعاملين في مجال الطب على إنجازهم الكبير هذا لمنع مثل هذه المصائب عنا.
هذا والعمل مستمر خلال عام 2005 لحماية صحة كبار السن الوحيدين والعجزة والمحتاجين للمساعدة ويبقى هذا الموضوع مهماً لدينا. كما وتم بمشاركة أمهر المختصين في الجمهورية وزملائهم الأجانب إجراء كشوف طبية معمقة لأكثر من 2500 طفل معاق ومن أطفال الأسر الفقيرة في ولايات قشقاداريا وسمرقند وجيزاخ وسيرداريا وطشقند ومدينة طشقند شارك فيه صندوق "صغلام أولاد أوتشون" وتم إجراء عمليات جراحة تجميلية لـ280 طفل معاق. وبفضل هذه الجهود التي تحتاج لاختصاص عالي وإمكانيات كبيرة تم إزالة هموم مئات أولياء الأمور والأهم أن هؤلاء الأولاد أصبحوا من جديد وبثقة وأمل ينظرون للعالم من حولهم. وجرى عدد من هذه الأعمال الفاضلة في مستشفى "نوراني" والمركز الجمهوري الذي يتسع لـ150 مريض وتحسنت صحة أربعة آلاف معاق ومن المحاربين والعمال القدماء. وفي المراكز الطبية المتخصصة في البلاد تم معالجة 15 ألف و570 مريض من هذه الفئة، وهذا المؤشر يزيد بـ 2500 إنسان عن العام الماضي. وقدمت المساعدة الطبية في مراكز أمراض المسالك البولية والجراحة وجراحة العيون الدقيقة وأمراض القلب في الجمهورية لأكثر من 2300 مريض وصرف على هذه الأغراض من موازنة الدولة أكثر من مليار ونصف صوم. ومثل هذه الأعمال يمكن ذكر الكثير.
وخلال هذا العام تم تعزيز القاعدة القانونية والحقوقية للحفاظ على الصحة في البلاد، وتم إعداد مشروع قانون "النشاطات الطبية" الذي تجري مناقشته في المؤسسات المختصة في الوقت الحاضر بالإضافة لإجراء تعديلات وإضافات في قانون "حماية صحة المواطنين"، و"الأدوية والعمل الصيدلي". وتجري مناقشات واسعة لشرح موضوع هام يتضمنه برنامج "عام الصحة"، ورفع مستوى الثقافة الطبية عند السكان وتشكيل وجهات نظر ومداخل تتعلق بأسلوب صحي للحياة. وفي هذا المجال يجب الإشارة إلى أنه وعلى مستوى الجمهورية تم إجراء أكثر من 80 ألف نشاط بمواضيع واتجاهات مختلفة شارك فيها أكثر من 2 مليون إنسان. وتم إصدار كتاب من جزأين يتضمن "أسس أسلوب الحياة الصحية". وقام التلفزيون والإذاعة في العاصمة، وفي الولايات بتنظيم أكثر من 1200 برنامج لهذا الموضوع وبرنامج التلفزيون الأوزبكي "أربع مرات – لا !". ومن دون أدنى شك فإن رفع الثقافة الطبية للسكان تتم عن طريق إصدار الكتيبات التي تتضمن مقترحات وأساليب مخصصة لـ "عام الصحة: الجوهر والمضمون" ويتم إنتاج برامج تلفزيونية وإذاعية. وللدعوة لأسلوب صحي لحياة التلاميذ والطلاب والتنبيه لأخطار المخدرات ونقص المناعة تم استخدام أوسع المصادر المعلوماتية الحديثة كشبكة الانترنيت. وفي الأرياف وفي الكثير من الأحياء تتم لقاءات ومشاورات مكرسة لهذا لموضوع هام مثل صحة المرأة وصحة الأسرة.
ومن الضروري التوقف خاصة عند الأعمال التي تمت في الدعوة لممارسة الرياضة البدنية والتي يجب أن تصبح أسلوباً لحياتنا. وإجراء مختلف المباريات والألعاب الرياضية في الأحياء والمؤسسات والمنشآت يعتبر مشاركة جماعية بالرياضة في بلادنا. ومما يبعث بالسرور حقيقة زيادة عدد النساء المشاركات بمثل هذه النشاطات ففي العام الحالي شاركت في المباريات الرياضية أكثر من ثلاثة ملايين ونصف فتاة.و في الوقت الحاضر يزور النوادي الرياضية في البلاد 2 مليون دارس أكثر من 40% منهم فتيات. ويسعدنا أيضاً أن عدد التلاميذ في المدارس الذين يمارسون الرياضة زاد عن 20 %. ومن المناسبات الهامة في الحياة الرياضية خلال عام 2005 في الجمهورية كانت "باركمول أولاد"، وسبارتاكياد النساء، والمباريات الدولية "شرق غزالي" لألعاب الرياضة الفنية، كما وجرت من وقت قريب بطولة العالم بالمصارعة الأوزبكية وغيرها من المباريات الهامة.
ومن أجل تنفيذ برنامج "عام الصحة" حتى 1 نوفمبر من العام الحالي تم صرف 165 مليار و 800 مليون صوم، وهو ما يظهر ويشهد عن حجم وسعة الأعمال المنفذة في هذا الاتجاه. واسمحوا لي باسمكم وباسمي وباسم كل شعبنا أن أعبر عن الشكر للذين شاركوا بفاعلية في تنفيذ برنامج الإدارات الحكومية والمنظمات غير الحكومية ومنظمة الصحة العالمية وفرعها الإقليمي والهيئات الدولية الخيرية والممولين وكل من قدم شيئاً بكل طيبة من أجل هذا العمل الخير. اليوم ومن تحليل النتائج الأولى لعام الصحة يحق لنا أن نشير بارتياح لجودة أداء المهام الكبيرة والوصول لأرقام عالية تتحدث عن الكثير.
وهنا أعتبر أنه من الضروري ذكر فكرة أخرى وأعتقد أن الإعلان عن عام تحت هذا الاسم برر نفسه، لأن أعمالنا خلال عام الصحة بالنتيجة تمكنت من المحافظة على حياة ولو طفل واحد وأعطت الصحة لمريض واحد وأتمنى أنكم توافقوني وأننا كلنا متفقون على هذه الرأي.
أعزائي المواطنين!
هنا يبرز السؤال التالي أي هدف نريده عندما نعطي كل عام تسمية معينة ؟ وقبل كل شيء يجب أن نشير هنا إلى أن هذا السؤال مثله مثل غيره من الأسئلة الهامة تبدأ من مبادئ رعاية الإنسان والطيبة والإنسانية وحل المشاكل الهامة التي تشغل الناس عندنا. وفي كل مرة نقوم بدراسة رأي الشعب بالتفصيل ونجري تحليل تفصيلي وعمل جدي لهذا الموضوع. لأنه إعلان عام تحت اسم معين واتخاذ برنامج خاص وتطبيقه يتمتع بأهمية خاصة لجميع الناس الذين يعيشون في بلادنا، وتحمل في طياتها أفكاراً اجتماعية واقتصادية ودينية وسياسية. ونفهم طبعاً جيداً أن كل المهام والمشاكل لا يمكن حلها خلال عام واحد ولكن تركيز الانتباه وتعبئة الموارد المادية والإمكانيات من أجل الوصول لحلها من خلال برنامج الأهداف من دون شك يخدم الحقيقة ويحقق النجاح.
ولتحقيق ذلك لا بد من تحديد المصادر التمويلية لتحقيق هذه المهام التي تتمتع بالأولوية فإلى جانب موارد موازنة الدولة يجب تسخير موارد أجهزة السلطة المحلية والمنظمات غير الحكومية، وفي البداية موارد المؤسسات الاجتماعية وأجهزة الإدارة المحلية بما فيها الأحياء، والناس الذين يمكنهم تنفيذ المهام العملية وتقديم المساعدة العملية. وتتمتع النشاطات اللازمة بأهمية خاصة للقيام بشرحها لتشكيل الرأي العام.
وأثناء تطبيق البرنامج الاجتماعي المحدد لا بد قبل كل شيء من دراسة التفاصيل والقاعدة القانونية والحقوقية الموجودة، واختيار ملف للقوانين الجديدة والوثائق، الضرورية لاتخاذها وإبعاد التضارب عن هذا الطريق وإذا كان ضرورياً تقديم الدولة لحوافز مناسبة وإمكانيات إضافية. وطبعاً يمكننا أن نحلم بالكثير وأن نفكر بالتسميات الجميلة المختلفة كل عام. ولكن وكما يقال الرغبة ليست كل شيء ونحن يجب أن لا نهتم بالكلمات الرنانة وأن نفكر أكثر بالنواحي العملية للعمل بطرق محددة لتحقيقه. ويجب الوصول للأهداف المحددة واستقطاب اهتمام الأوساط الاجتماعية ويدخلوا في قلوبهم ليشاركوا في تطبيقها.
أصدقائي الأعزاء
ولنتصور مرة أخرى كيف يمكننا تحقق الأهداف والمساعي الطيبة المشار إليها أعلاه وأعتقد أن أية تسميات أطلقناها في السنوات الماضية. عام 1997 الذي أعلن عام لمصالح الإنسان، وعام 1998 للأسرة، وعام 1999 للمرأة، وعام 2000 لصحة الجيل الناشئ، وعام 2001 للأم والطفل، وعام 2002 للدفاع عن مصالح كبار المسن، وعام 2003 للحي، وعام 2004 للطيبة والإحسان، والعام الحالي للصحة وكلها شغلت مكاناً لائقاً في تاريخ بلدنا المستقل. وتنفيذها كما يبدوا من أسمائها المتعلقة بالإنسانية الجوهر الفلسفي والاتجاه الاجتماعي ومن أجل متابعة هذا التقليد الطيب أقترح تسمية العام القادم 2006 عام الإحسان والعاملين في المجال الطبي. وهنا من الممكن أن يظهر عندكم الجالسون في هذه الصالة سؤال عن العلاقة بين هذا المعنيين ؟ وهنا أريد أن ألفت انتباهكم إلى فكرة الإحسان التي يمكن مقارنتها بالعمل الطيب للعاملين في الطب، ويدور فيهما الحديث يدور تقديم المساعدة للإنسان. فماذا نفهم من معنى "المحسن"، "الإحسان" ؟ هو أن تكون محسناً وأن تكون قبل كل شيء واسع الصدر وخير تقدم للناس المساعدة المجانية.
وفي الكتب المقدسة وفي مقدمتها القرآن الكريم فهناك دعوات كثيرة للمؤمنين وإشارات واضحة لأهمية الإحسان والطيبة وهنا أريد أن أذكر الحديث الشريف: الله محسن ويحب المحسنين، الله رحيم ويحب الرحماء. والإحسان نتيجة تفرزها الأحاسيس السامية للإنسان وتأتي من صميم قلبه وتحت كلمة "المحسنين" ظهر الناس القادرين عل الإحساس مقارنة بغيرهم من الناس الذين يسعون لتقديم العون والمساعدة للمحتاجين واليتامى والأسر الفقيرة وتحسين أوضاع قريته أو مدينته وبكلمة واحدة الناس الذي يعيشون بالنوايا والأعمال الحسنة.
وفي كل مرة عندما نعلم عن الأماكن الكثيرة في صدرنا الرحب للمحسنين الذين يساعدون بيوت الرحمة والعائلات المحتاجة والعجزة والمسنين الوحيدين ولا يتحدثون عن ذلك ويشعر الناس بأحاسيس الإعجاب العميق لهم. ويمكن كل واحد منا على أداء هذه الأعمال الخيرة بصراحة. ومن أجل ذلك يجب على الإنسان أن يملك شعوراً دينياً عالياً.
وانطلاقاً من فكرة العمل المحسن الذي يقوم به الناس الخيرين دون مقابل ومرتبط بالكامل بنشاطات آلاف العاملين المتخصصين في الحقل الطبي والجراحين الماهرين والمختصين بأمراض القلب المهرة والأطباء العامين وأطباء الأطفال والممرضات المخلصات لعملهم. ولكن علينا أن نذكر بأنفسنا يا أصدقائي الأعزاء هل نخصهم بالاهتمام الكافي هل نقدرهم التقدير الكافي ونشجعهم مادياً ومعنوياً على عملهم السؤال الصعب ؟ هل نتذكر عمل خبراء زراعة القطن والحبوب والعمال والبنائين وهل نمنحهم ألقاب البطولة ونشيد النصب التذكارية لهم لأنهم يستحقون الاحترام الرفيع هذا. نتذكر جدنا العظيم ابن سينا ولكننا لم نقم حتى نصب تذكاري واحد لطبيب عمله ليس أقل قيمة بالمقارنة مع أصحاب المهن الأخرى. يجب أن لا ننسى بأنه ليست الدولة وحدها والمجتمع وحده بل نحن جميعاً مدانون لأولئك العاملين على حماية الصحة.
أصدقائي الأعزاء
فإعلان عام 2006 عاماً للإحسان والعاملين في الطب نتوقع منه بالدرجة الأولى رفع مستوى الإحسان وتعزيز مركز وموضع المحسنين وإقامة القاعدة القانونية المناسبة التي تشكل الرأي العام من أجل السعي لشغل مكاناً لائقاً في حياة مجتمعنا. أفكر بكل أولئك الذين يشتغلون بالإحسان وأعتبر أن هذا لا ينفصل عن الحياة والدولة يجب أن تقيم ضمانات حقوقية وأن تقدم التسهيلات والتشجيع الشامل وأن تتخذ نظام للأعمال الإحسانية.
ومن ضمن اهتماماتنا موضوع تعزيز الخصال الحميدة للإنسان في ذاكرة الشعب وخاصة الشباب مثل الإحسان والكرم وسعة الصدر وتوسيع حركة الإحسان التي هي قيمة قومية عندنا. وليس سراً في أن علاقات السوق هناك من يستخدم العقل والقوة التي منحها الله الحي الباقي له ويعمل بنشاط ويعيش بيسر وهناك من لم يستطع بعد التعامل مع الظروف الصعبة. وهنا لا يجب أن ننسى أن بيننا بشر لأسباب مختلفة يحتاجون للمساعدة والمساندة ولم يسعدهم الحظ في الحياة والدولة والمجتمع كلنا يجب أن ننتبه إلى هؤلاء الناس وأن نقدم لهم المساعدة.
أما ما يتعلق بالطب فيعني أنه علينا متابعة العمل الذي بدأ وأن نعطي الأفضلية لتعزيز القاعدة المادية والتقنية لنظام حماية الصحة وإقامة الظروف الملائمة لحياة العاملين في الطب وأن نحفز عملهم. وقد نشرت منذ أيام الصحافة قرار "تطوير نظم دفع أجور العاملين في الطب" واستناداً لهذا القرار وبدءاً من عام 2006 سيبدأ تطوير نظام دفع أجور العاملين في الطب وحساب الأجور من خلال التخصص وصعوبة أداء العمل والمعرفة والخبرة والقيام بالواجبات المهنية والإسهام في معالجة المرضى وتطبيق نظام جديد للحوافز وبالنتيجة وسيرتفع وسطي الرواتب 30 %.
والمهم الآن الأهداف التي وضعت في القرار وصدر ليكون محققاً لكل العاملين في قطاع الطب بدءاً من الأطباء عالي التخصص وحتى الممرضات العاديات والعاملين في المجالات الطبية الشعور بالتأثير الفعلي للقرار المذكور في حياتهم.
أصدقائي الأعزاء
اعتماداً على الخبرة السنوية المحققة نحن نضع الآن برنامجاً للعام الجديد وفيه أهم الفعاليات الضرورية لتنفيذه وأتمنى مشاركة جميع أجهزة السلطة والوزارات والمنظمات غير الحكومية في هذا العمل بنشاط وأن يشترك ممثلي الأوساط الاجتماعية وكل إنسان يريد المشاركة بدوره في هذا العمل الطيب.
إذا كل الناس الذين يعيشون على أرضنا المقدسة بغض النظر عن قوميتهم ولغتهم ودينهم يعتبرون أوزبكستان وطنهم وبإخلاص سيعملون من أجل مستقبلها وهذا يعني أننا يمكننا الانتصار على أية قوة وبلادنا وشعبنا لا يتبعون لأحد.
وأنا واثق من أن الاعتماد على النفس وقرار شعبنا الذي طيلة فترة تطوره ومستقبله صادف صعاباً كبيرة ونحن قادرون على تذليل أية صعوبات للوصول إلى الأهداف السامية التي وضعناها أمامنا. ومرة أخرى أهنئكم بعيد يوم الدستور وأتمنى لكم الصحة والسعادة والنجاح والتوفيق والكفاية في بيوتكم.

تأسيس المملكة العربية السعودية


بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد كانت انطلاقة المغفور له عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه من الكويت الشقيقة على رأس جيش صغير مؤمن بالله وبتوحيد الوطن المجزأ وجمع الشتات، مع إطلالة شمس اليوم الخامس عشر من يناير عام 1902، نقطة تحول في تاريخ شبه جزيرة العرب التي كانت آنذاك تفتقر للأمن وتتطلع للتخلص من الجهل والفقر والمرض.
ومضى جلالته في كفاحه يوحد أجزاء البلاد المشتتة واحدة تلو الأخرى، حتى تمكن بعد زهاء ثلاثة عقود من الكفاح المستمر من إعلان قيام المملكة العربية السعودية في 22 سبتمبر عام 1932 راسخة شامخة متماسكة البنيان، لتصبح تلك الذكرى العزيزة على كل سعودي وعربي ومسلم اليوم الوطني للمملكة الذي نحتفل به معكم اليوم.
ولم يكن إعلان قيام المملكة العربية السعودية نهاية للكفاح الذي قاده المغفور له جلالة الملك عبد العزيز، بل تابع كفاحه من أجل رفاهية شعبه، متابعاً مسيرة البناء والتنظيم وترسيخ الأمن وتأمين طرق الحج، وتعمير البلاد وتوطين البادية، وتعزيز موقع المملكة الفتية على الساحة الدولية، وتحسين علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، والوقوف إلى جانب القضايا العربية والإسلامية العادلة في المحافل الدولية. وجاعلاً من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دستوراً للبلاد، وأسس مجلس الشورى، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وافتتح المدارس الحديثة واستقدم المدرسين، وأرسل البعثات وطبع الكتب ووزعها مجاناً من أجل اجتثاث جذور الجهل إلى الأبد، وعمل على تحديث وتطوير أساليب الحياة في مملكته الفتية وإدخال التقنيات الحديثة إليها.
وعندما أنعم الله عليه بتدفق البترول عام 1938 أخذت البلاد تتقدم في جميع النواحي، التعليمية والصحية والعمرانية وبدأ بشق الطرق وتعبيدها، ومد السكك الحديدية، وبناء الموانئ البحرية والجوية، وسك العملة الوطنية، وبدأ في تنفيذ مشروعات توسيع الحرمين الشريفين التي لم تتوقف منذ تأسيس المملكة وحتى يومنا هذا وهو النهج الذي سار عليه أبناءه من بعده.
وفي عام 1945 ساهم جلالته رحمه الله في إنشاء جامعة الدول العربية، وضم المملكة لمنظمة الأمم المتحدة، داعياً دائماً إلى التضامن الإسلامي وجمع كلمة المسلمين، مدافعاً بكل قوة عن القضايا العربية والإسلامية.
وبعد انتقاله إلى جوار ربه في عام 1953 انتقلت مقاليد القيادة من بعده إلى ابنه الملك سعود يرحمه الله، الذي سار بثبات على نهج والده إلى أن تنازل لأسباب صحية عن مقاليد القيادة لأخيه المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز. واستطاع المغفور له الملك فيصل خلال فترة حكمه أن يرسي أسس التغيير الاجتماعي، وأن يحقق للمملكة الاستقرار الاقتصادي، وعمل على تقوية روابط المملكة مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة معززاً بذلك التضامن الإسلامي. وبعد وفاته في عام 1975 بويع المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز، فواصل نفس النهج الذي سار عليه أسلافه البررة من حيث التمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومواصلة مسيرة البناء والتشييد. وإثر وفاته رحمه الله في عام 1982 تمت مبايعة ولي العهد فهد بن عبد العزيز ملكاً على البلاد، الذي اختار صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولياً للعهد، وعينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب رئاسته للحرس الوطني. وعين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزيراً للدفاع والطيران ومفتشاً عاماً ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
وهاهي المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز تتابع مسيرة التنمية وتحقيق الرفاهية لأبنائها بخطى واثقة وقوية وثابتة يظللها الأمن والرخاء والاستقرار. ولا أحد ينكر اليوم الدور البارز والمتميز لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في تطوير المملكة والارتقاء بها، وتحقيق نهضتها الحضارية الشاملة، لأنه كان دائماً القاسم المشترك في كل ماحققته المملكة من منجزات وتقدم وتطور حتى قبل توليه مقاليد الحكم ومسؤولية القيادة في المملكة.
واليوم وفي زمن قياسي، نجد المدارس والجامعات والمستشفيات تملأ كل مدن المملكة، حتى أصبحت بلادنا تضاهي البلاد المتحضرة في المؤسسات العلمية والخدمات الصحية، والاحتياجات الضرورية كالماء والكهرباء والطرق المعبدة، وهاهي المعاهد الصناعية والعلمية تخرج آلاف الطلاب كل عام حتى أصبح لدينا المهندس والطبيب والأستاذ والأديب والمفكر وعامل البناء والتنمية في جميع المجالات الإنسانية، وتأتي مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله الموهوبين والتي أسسها ويرعاها صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز لتكون لبنة جديدة تعني بالثروة الإنسانية من أبناء هذا الكيان الرائع.
أما نصيب المرأة من الاهتمام والتعليم فهو مثل نصيب الرجل، فقد أصبح لدينا أعداد من حاملات الماجستير والدكتوراه، وهناك الطبيبة، والأستاذة الجامعية، والأخصائية الاجتماعية، والممرضة، والأديبة والصحفية، وفي هذا العام احتفلنا بنخبة من السعوديات مثل: الدكتورة سميرة إسلام، والدكتورة وفاء فقيه، والأستاذة حياة سندي، والدكتورة سلوى الهزاع، لإنجازهن العلمي ولحصولهن على جوائز محلية وعالمية.
وقد عمل خادم الحرمين الشريفين دائماً على تعزيز الدعوة إلى التضامن الإسلامي الذي هو من ركائز السياسة الخارجية للمملكة، ودعى للتضامن الإسلامي من على منابر مؤتمرات القمة الإسلامية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي وغيرها من الهيئات الإسلامية من أجل جمع كلمة المسلمين. ولا تخفى عن أحد جهود خادم الحرمين الشريفين ومساعيه من أجل رفع شأن الإسلام وتعزيز التعاون بين الشعوب الإسلامية، وتقوية الروابط فيما بينها، وجهوده من أجل تصفية الأجواء وحل الخلافات والتقريب بين وجهات النظر وجعل التضامن بين المسلمين حقيقة واقعة.
ويحفظ تاريخ القضية الفلسطينية أيضاً أكثر من ربع قرن من جهود خادم الحرمين الشريفين في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وشرحه لهذه القضية العادلة لقادة وزعماء العالم. وقدم مبادرته (مشروع فهد للسلام) في عام 1982، المشروع الذي أصبح (المشروع العربي للسلام). إلى جانب جهوده المخلصة لحل القضية اللبنانية حرصاً على استتباب الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ووقفت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين بكل إمكانياتها وثقلها في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية لرد الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة، وتحريرها وإعادة الشرعية إليها.
ومع التغيرات الكبيرة في النظام الدولي، كان لخادم الحرمين الشريفين مواقفه المشهودة في التغلب على الأزمات الاقتصادية والسياسية، وكانت وقفته التاريخية من قضية أسعار البترول وحجم الإنتاج في دول (أوبيك) موضع تقدير العالم كله، لأن دوره الحيوي الذي أخذ مصالح دول العالم بعين الاعتبار، كان علاجاً لتلك القضية، وعاملاً من عوامل الاستقرار العالمي. داعياً إلى نبذ العنف واستخدام القوة في حل الخلافات عن طريق التفاهم والحوار، وحرصه على معالجة القضايا المتفجرة بكل حكمة وروية من منظور مصلحة العالم والمصلحة الإسلامية والعربية، حتى سمي بـ"رجل السلام" وهو اللقب الذي يحمله خادم الحرمين الشريفين بجدارة.
وحرصت المملكة في عهده كما كانت دائماً على تقديم الدعم والعون النزيه لكل محتاج إليها وخاصة الدول النامية للخروج من محنها وأزماتها الاقتصادية وتحقيق الرفاهية لشعوبها. وأنشأت في عام 1974 الصندوق السعودي للتنمية ليساهم في مشاريع التنمية في البلدان النامية عن طريق منح القروض لتلك الدول. وقد قدمت المملكة عن طريق هذا الصندوق خلال الفترة من عام 1975 وحتى عام 1994 21 ألف مليون ريال سعودي على شكل قروض ميسرة لتمويل 300 مشروعاً في 61 دولة نامية لتعزيز جهودها التنموية ومساعدتها على تطبيق برامج التصميم الهيكلي وإعادة التعمير. وشكلت تلك المساعدات 5% من إجمالي الدخل الوطني للمملكة.
وتجسيداً للتضامن الإسلامي أصدر خادم الحرمين الشريفين توجيهاته السامية إلى الجهات الرسمية والشعبية في المملكة لبذل أقصى الجهود الممكنة لنجدة إخوتهم في العقيدة الذين يواجهون ظروفاً مأساوية من جراء العدوان والحروب والفتن الأهلية العمياء. ونهضت المملكة مقتدية بخادم الحرمين الشريفين الذي كان أول المتبرعين من ماله الخاص للتبرع بالغالي والنفيس للتخفيف من الويلات التي تعاني منها شعوب مسلمة. وأمر بمد الجسور الجوية لنقل المعونة والأغذية والأدوية والخيام، والأطباء والأجهزة والمعدات الطبية، على متن الطائرات السعودية من المملكة إلى تلك البلدان الإسلامية المنكوبة. وإلى جانب ذلك نشطت هيئات الإغاثة السعودية التي يترأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض لجمع التبرعات المادية والعينية التي يجود بها أبناء الشعب السعودي عن طيب خاطر.
وإلى جانب ذلك قدمت المملكة العديد من المساعدات للكثير من دول العالم، وساهمت مساهمة فعالة في دعم مشروعات وبرامج عدد من المنظمات والهيئات الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وبلغت قيمة تلك المساعدات حتى نهاية عام 1995 أكثر من 71 مليار دولار أمريكي على شكل منح وقروض ميسرة استفاد منها أكثر من 71 دولة من دول العالم. إضافة لمساهمتها في مواجهة الجفاف والتصحر في إفريقيا وتخصيصها مبلغ 100 مليون دولار أمريكي لتنفيذ مشاريع حفر الآبار والتنمية الريفية في دول الساحل الإفريقي. وأعفت المملكة ثمان من الدول الإفريقية من تسديد القروض المستحقة عليها للمملكة والبالغة 310 مليون دولار أمريكي. والمملكة تقدم المساعدات والإعانات والقروض إلى الدول العربية والإسلامية والنامية خالصة لوجه الله تعالى، ومن منطلق إسلامي بحت كما أوضح خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة.
وتأتي مناسبة العيد الوطني لهذا العام والمملكة تحتفل بعيد عاصمتها الرياض التي اختيرت عاصمة للثقافة العربية. وتضم العاصمة اليوم مقر الحكومة والوزارات والمؤسسات الحكومية المركزية والسفارات والبعثات الدبلوماسية والأجنبية. وتعد من أكثر مدن العالم جمالاً وعمراناً وتنظيماً وتدعى "لؤلؤة الصحراء"، وتتركز فيها مختلف أنواع النشاطات العلمية والمالية والصناعية والزراعية والتجارية، علاوة على الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية وخاصة مهرجان الجنادرية للفنون الشعبية. ويبلغ نطاقها العمراني أكثر من 1600 كم2، ويزيد عدد سكانها على مليوني نسمة، وتشتمل على مدينتين جامعيتين فيهما جامعتان عريقتان هما: جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وتضم الرياض عاصمة الثقافة العربية العديد من الكليات العسكرية والأمنية المتخصصة إضافة إلى المعاهد والمراكز الإعلامية والثقافية والرياضية، والأندية الأدبية والرياضية والمكتبات العامة. ولها أمانة و17 بلدية فرعية لخدمة أحيائها العديدة. وفيها قصر الحكم ومباني إمارة الرياض التي تجمع بين الطراز التقليدي الأصيل والعمران العصري الحديث. وحي السفارات الذي يضم أكثر من 90 سفارة ومفوضية ومؤسسة دولية. ومجمعات وزارة الإعلام، ووزارة الخارجية، ومبنى وزارة الداخلية وإستاد الملك فهد الدولي الذي يتسع لـ 80 ألف متفرج. والمتحف الوطني، ونادي الفروسية ومطار الملك خالد الدولي. وفيها مقر مؤسسة الملك فيصل الخيرية، التي خصصت جائزة الملك فيصل العالمية في مجالات: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي، والطب، والعلوم. وتمنح المؤسسة الجوائز بناءً على قرار لجان الاختيار من بين مرشحي المنظمات الإسلامية والجامعات والمؤسسات العلمية في مختلف أرجاء العالم. وتتكون الجائزة من: شهادة (براءة) تحمل اسم الفائز وملخصاً للعمل الذي أهله لنيل الجائزة؛ قطعة (ميدالية ذهبية)؛ مبلغ خمسين وسبع مئة ألف ريال سعودي ( 200000 دولار أمريكي ).
وبلغ عدد الفائزين بالجائزة حتى الآن أكثر من 118 فائز من 32 دولة، منها 23 في خدمة الإسلام، و19 في الدراسات الإسلامية، و24 في الأدب العربي، و31 في الطب، و21 في العلوم. ومن بين تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومصر والمملكة العربية السعودية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والعراق وسوريا وغيرها من دول العالم.
وقد أعدت الأمانة العامة للرياض عاصمة الثقافة العربية 2000 تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، برنامجاً حافلاً للاحتفال بهذه المناسبة شمل كل أوجه النشاطات الثقافية والفنية والإعلامية والشعبية والمسرحية والموسيقية، يليق بالمناسبة ويعرف العالم بمدينة الرياض، يجري تنفيذه حالياً داخل المملكة وخارجها.
وتأتي مناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية هذا العام والشعب الأوزبكستاني الشقيق بقيادة فخامة الرئيس إسلام كريموف يحتفل بالذكرى التاسعة للاستقلال، وبهذه المناسبة العزيزة نتقدم لفخامة الرئيس إسلام كريموف وللحكومة الأوزبكستانية وللشعب الأوزبكستاني الشقيق، بأجمل التهاني والتبريكات، مبتهلين إلى الله عز وجل أن يوفق فخامة الرئيس إسلام كريموف والقيادة الأوزبكستانية في جهودها المخلصة لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية للشعب الأوزبكستاني الشقيق.
وهنا لابد من التوقف عند العلاقات السعودية الأوزبكستانية التي تتطور وتتعزز وتتوسع كل يوم، منذ لقاء خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وفخامة أخيه إسلام كريموف عام 1992، في الرياض عاصمة العرب الثقافية، وتبادل السفارات، وتوقيع مجموعة من اتفاقيات التعاون الثنائية بين البلدين الشقيقين في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والرياضة، وقعها عن الجانب السعودي صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وعن الجانب الأوزبكي معالي البروفيسور عبد العزيز كاميلوف وزير خارجية جمهورية أوزبكستان.
وفي المجالات الاقتصادية: قدمت المملكة العربية السعودية في عام 1992 معونة اقتصادية لأوزبكستان شملت 800 ألف طن من القمح؛ وفي عام 1997 أسست مجموعة من رجال الأعمال السعوديين "الشركة الدولية للإستثمارات في دول آسيا المركزية"، وفي يونيه من نفس العام زار وفد من الشركة، أوزبكستان لتنشيط المشروعات الاستثمارية المشتركة، وتم خلال الزيارة الاتفاق على إقامة جملة من المشاريع الاستثمارية المشتركة في مجالات الصناعات الغذائية والتشييد والبناء. والتفاوض على إنشاء شركة أوزبكستانية سعودية مشتركة لإنتاج الأنابيب البلاستيكية في أوزبكستان؛ وبدأت المفاوضات لإنشاء لجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي بين الدولتين، بعد أن وصل مؤشر التبادل التجاري بين الجانبين الأوزبكستاني والسعودي 2,83 مليون دولار أمريكي عام 1997، وبلوغ الصادرات الأوزبكستانية إلى المملكة 1,442 مليون دولار أمريكي في نفس العام. وفي 18 أغسطس 1999 قام معالي الأستاذ أسامة بن جعفر فقيه وزير التجارة السعودي بزيارة أوزبكستان للمشاركة في الدورة الأولى للجنة السعودية الأوزبكية المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين البلدين، والتي يرأسها عن الجانب الأوزبكي معالي أبرار عثمانوف نائب رئيس الوزراء. وسجل مؤشر التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 1999 إرتفاعاً ملحوظاً حيث بلغ 3,678,6 مليون دولار أمريكي، منها 2,080,1 مليون دولار أمريكي صادرات، و1,598,5 مليون دولار أمريكي واردات. ومسجل في قيود وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية الأوزبكستانية في الوقت الحاضر 7 شركات بمشاركة سعودية، منها 4 شركات مشتركة، و3 شركات برأس مال سعودي بالكامل، إضافة لممثلية "مجموعة دار السلام". وقيام الشركة الأوزبكستانية السعودية المشتركة "م س فود بروغريسينغ كو" التي يشارك فيها المستثمر السعودي سعادة الشيخ محمد سعيد، التي قامت بتجديد معدات وتوسيع مصنع الكونسروة القائم في فرغانة. والمصنع أصبح اليوم بإمكانه تصنيع مابين 70 إلى 80 طن من الخضار والفواكه، وينتج حوالي 20 صنفاً من المعلبات والعصير بعد إدخال أحدث المعدات التكنولوجية الأمريكية والإيطالية على خطوطه الإنتاجية، ليتيح 350 فرصة عمل جديدة لأبناء المنطقة، وليصبح بذلك عدد العاملين فيه 647 عاملاً. وتم افتتاحه بتاريخ 22/7/2000 بحضور المسؤولين الأوزبكستانيين وأعضاء السفارة السعودية وعدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في أوزبكستان.
وفي المجال العلمي والثقافي: زار معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي السعودي أوزبكستان في تشرين أول/أكتوبر 1997 على رأس وفد رسمي كبير ضم بعض رؤساء الجامعات في المملكة من بينهم الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الفيصل مدير جامعة الملك سعود، والأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني مدير جامعة الملك عبد العزيز، والأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الدخيل مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وسبق الزيارة قيام الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف رئيس جامعة طشقد الحكومية للدراسات الشرقية، بزيارة للملكة في يونيو من نفس العام، وأعارت الجامعة إثنين من مدرسيها يعملان حالياً في جامعات المملكة. ويدرس عدد من الطلاب الأوزبك في الجامعات السعودية، وعدد من الطلاب السعوديون في مؤسسات التعليم العالي الأوزبكستانية. كما وتقوم بعض الهيئات السعودية بتقديم المعونة للمؤسسات الإسلامية الأوزبكستانية في مجال طباعة الكتب الدينية باللغتين العربية والأوزبكية، وفي ترميم المساجد، ودعم الجامعة الحكومية الإسلامية في طشقند التي أسست بمبادرة خيرة من فخامة الرئيس إسلام كريموف، وفتحت أبوابها للدارسين في سبتمبر 1999. كما وأصدرت مجموعة دار السلام السعودية ومطابع السروات بجدة كتاب فخامة الرئيس إسلام كريموف "أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم" الذي ترجمه إلى اللغة العربية أ.د. محمد البخاري عام 1999. وفي الفترة من 18-25 مايو 2000 زار أوزبكستان وفد من وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، برئاسة الدكتور خالد عبد الرحمن الحمودي وكيل جامعة الملك سعود في الرياض.
والمملكة العربية السعودية اليوم تتطلع إلى المزيد من الخطوات المشتركة التي تعزز الصداقة والأخوة بين الشعبين الشقيقين برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وأخيه فخامة إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مداخلة ألقاها أ.د. محمد البخاري خلال الندوة الخاصة التي عقدت عن المملكة العربية السعودية بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية يوم 11/3/2000

قضايا الأمن الوطني في إطار العولمة والتبادل الإعلامي الدولي 1 من 2

قضايا الأمن الوطني في إطار العولمة والتبادل الإعلامي الدولي
 1 - 2
طشقند – 2004
تأليف: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه فلسفة في الأدب PhD (صحافة)، مستشار في العلاقات الدولية، وعضو هيئة التدريس بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
المحتويات: المقدمة؛ الفصل الأول: التبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي: وظائف الدولة الأساسية؛ مجالات سياسة الأمن القومي؛ المجال السياسي؛ السياسة الخارجية؛ السياسة الداخلية؛ النشاط الدبلوماسي؛ المجال الاقتصادي.؛ المجال العسكري؛ التوازن بين المصادر المتاحة، والأهداف المطلوب تحقيقها؛ الحصانة الدبلوماسية من وجهة نظر: سلامة الدولة المضيفة، والمعلومات؛ المعلومات الحربية؛ المعلومات السياسية؛ المعلومات الاقتصادية؛ منظمة الأمم المتحدة، ومشكلات الحصول على المعلومات بواسطة الأقمار الصناعية؛ التعاون الدولي والنوايا الحسنة بين الدول. الفصل الثاني: العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي: تعريف "العولمة"؛ مقدمات "العولمة"؛ "العولمة" والدولة والسيادة الوطنية؛ موقف الأمم المتحدة من الأمن الإعلامي الدولي؛ الأمن الإعلامي الدولي والتفوق في تكنولوجيا الاتصال؛ البنى الإعلامية الدولية فوق الدولة؛ التهديدات الجديدة لـ"العولمة الإعلامية"؛ العولمة الإعلامية" والسيطرة على الموارد الإعلامية؛ السلاح الإعلامي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة؛ السلاح الإعلامي وإدارة الصراع؛ مشكلة الأمن الإعلامي والمصالح الوطنية والدولية؛ أطر مشاكل الأمن الإعلامي الوطني والدولي. الفصل الثالث: المصطلح والحرب الإعلامية، ومجالات تأثير الصراع الإعلامي الدولي: الحرب الإعلامية؛ الصراع الإعلامي؛ التأثير الإعلامي؛ الأسلحة الإعلامية؛ الأمن الإعلامي؛ المجال الإعلامي؛ الجريمة الإعلامية؛إجراءات عاجلة توفر الأمن الإعلامي؛ السياسية؛ الوعي الاجتماعي والتربوي؛ الاقتصادية؛ المالية؛ الدفاعية؛ العلمية والتكنولوجية؛ الأمن الداخلي؛ تهديدات البنى التحتية الإعلامية؛ تهديدات الأمن الإعلامي؛ تهديدات الحياة الأخلاقية للمجتمع؛ تهديدات حقوق الفرد والحريات العامة؛ أنظمة نقل المعلومات؛ الوعي الاجتماعي (الرأي العام) ونظم تشكيله، الوعي الفردي أو الشخصي؛ مجالات استخدام السلاح الإعلامي؛ الرقابة أو الإشراف على المجال الإعلامي الدولي. الدولة المبادر الأساسي في شن الحرب الإعلامية؛ الدول المتقدمة بقدرات وإمكانيات شن الحرب الإعلامية واحتكار تلك الدول للسلاح الإعلامي؛ الدولة المتفوقة إعلامياً؛ الأمن الإعلامي الدولي من وجهة نظر المعارضين للمشكلة؛ الأمن الإعلامي الدولي من وجهة نظر البحث العلمي والتفاهم الدولي. الفصل الرابع: التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة للدبلوماسية الرسمية والشعبية: الدبلوماسية التقليدية؛ دبلوماسية المؤتمرات؛ الدبلوماسية الجماعية؛ الدبلوماسية البرلمانية؛ الدبلوماسية الشعبية؛ إدارة العلاقات الدولية من خلال التفاوض؛ الملحقون الإعلاميون؛ وظيفة المستشارون والملحقون الصحفيون؛ وظيفة المكاتب الإعلامية في الخارج؛ الوظيفة الإعلامية للدبلوماسية الشعبية؛ التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة دولية؛ المراكز الإعلامية للمنظمات الدولية؛ دور اليونسكو في مجال التبادل الإعلامي الدولي. الفصل الخامس: العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية)، كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي، الإعلان كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي، والتخطيط الإعلامي، والحملات الإعلامية الدولية: تعريف العلاقات العامة الدولية؛ التعريف المهني المتخصص؛ التعريف الاجتماعي الشامل؛ وظيفة خبير العلاقات العامة الدولية؛ وظيفة العلاقات العامة الدولية؛ نشاطات العلاقات العامة الدولية؛ في المجال الحكومي؛ في مجال المنظمات والهيئات الحكومية؛ العلاقات العامة الدولية في الدول المتقدمة؛ اختلاف الإعلان الدولي عن الإعلان المحلي؛ وظيفة الإعلان الدولي؛ الإعلان الدولي، وحماية الثقافة القومية؛ شبكات الاتصال الجماهيرية الحديثة؛ إطارات تخطيط العمل الإعلامي الدولي: الإطار النظري للخطة الإعلامية؛ الإطار التطبيقي للخطة الإعلامية. الخاتمة. المراجع.
المقدمة: ازدادت أهمية الاتصال في العصر الحديث بشكل كبير، بفضل تطور وسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة. فالمعلومات تحيط بنا في كل مكان ومن كل اتجاه حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، طبقة تعود الإنسان عليها حتى كاد ينساها أو يجهل وجودها، عدا قلة من الناس الذين يتعاملون مع هذه الطبقة المعلوماتية ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها.
وقد أطلق الباحث في علم الاتصال بيير تايلهارد على هذه الطبقة المعلوماتية التي تحيط بالكرة الأرضية اسم "نوسفير"، ويستفيد الإنسان المعاصر من هذه الطبقة متلقياً سيلاَ من المعلومات تتضمن حقائق وآراء مختلفة يستخدمها في مواقف اتصالية يدخل فيها مع آخرين كمتحدث أو مستمع، ولكنه لا يؤثر في عملية الاتصال كغيره من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيراً في عملية الاتصال كالمفكرين والصحفيين والكتاب والسياسيين ورجال الدين والأساتذة والمعلنين الذين يعطون من خلال وسائل الاتصال أفكاراً ومعلومات في المواقف الاتصالية أكثر مما يأخذون من معلومات، بحكم أدوارهم الاجتماعية التي تسمح لهم بالتأثير والتحكم بتفكير غيرهم من الناس.
وأصبح الاتصال اليوم حقيقة طاغية في حياتنا اليومية المعاصرة، وأصبح الناس أداة فاعلة في عملية الاتصال المستمرة على مدار الساعة مرسلين ومستقبلين على حد سواء بفضل تقنيات الاتصال الحديثة التي حولت العالم بأسره إلى قرية الأمس في عمليات الاتصال المباشرة والمعقدة، والتي لم تعد تعترف لا بالحدود الجغرافية ولا بالحدود السياسية للدول المختلفة في العالم.
وفرض تطور التقنيات الحديثة للاتصال على الإنسان المعاصر تعلم مهارات جديدة لم يكن بحاجة لتعلمها قبل عدة عقود فقط، وأصبحت ضرورية له لمواكبة العصر واستخدام وسائل الاتصال الحديثة المعقدة حتى في اتصالاته الشخصية عبر شبكات الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) التي جعلت من الاتصال عملية سريعة وفورية وسهلة بالاتجاهين. ومع تزايد أهمية الاتصال في حياتنا اليومية المعاصرة، ازدادت أهمية أبحاث الاتصال.
ويميل بعض علماء الاجتماع إلى التفريق بين الأبحاث الصحفية، والأبحاث الإعلامية. رغم امتداد الدراسات التي استهدفت الصحافة خلال القرن العشرين إلى سائر مجالات الإعلام وقنواته انطلاقاً من مفهوم وحدة المجالات الإعلامية رغم تشعبها. ورغم اهتمام بعض المعاهد الصحفية في العالم بدراسة مجال واحد من المجالات الإعلامية، كدراسة الإذاعتين المسموعة والمرئية، أو الصحافة المطبوعة، أو الاتصال الشخصي كل على حدى. إلا أننا نعتبر أن مثل تلك الدراسات الناقصة لا تلبي حاجة البحث العلمي في مجال الإعلام والاتصال بشكله الملائم والمطلوب مع بداية القرن الواحد العشرين، في زمن تشعبت فيه قنوات الاتصال وتداخلت من خلال شبكات الاتصال الحديثة التي كانت سمة الحقبة الأخيرة من القرن العشرين.
فالأسلوب العلمي الصحيح اليوم يربط بين أساليب الاتصال وتقنياته الحديثة كوحدة واحدة تتلاقى فيها قنوات الإعلام أصولاً وفروعاً. رغم التقسيم الذي سار عليه بعض الباحثين حينما فرقوا بين الأبحاث الصحفية، التي حاولوا حصرها بدراسة وسائل الإعلام أو الرسائل الإعلامية فقط، بينما حاول البعض الآخر حصر أبحاث الاتصال بعملية الاتصال فقط.
لأنه من الصعب جداً دراسة وسائل الإعلام الجماهيرية دون الاهتمام بعمليات الاتصال والمواقف الاتصالية التي يتم من خلالها توجيه وتبادل المعلومات. فأي بحث يتناول الاتصال يجب أن يهتم بالجانبين معاً. فنحن لا نستطيع فهم ما تنشره وما تنقله أو تذيعه أو تبثه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية، دون أن ندرك عملية الاتصال، وكيف يؤثر مضمون وسائل الإعلام الجماهيرية على الأفراد والجماعات المختلفة.
وحينما نحاول أن نعرِّف المادة الإعلامية، نجد صعوبة بالغة في وضع حدود واضحة تحدد الأبحاث الإعلامية وتميزها عن غيرها من أبحاث العلوم الإنسانية. فأهداف واهتمامات أبحاث الاتصال واسعة جداً، لأنها لا تدرس وسائل الاتصال فقط، بل تتعداها لدراسة عمليات الاتصال. وهذا يحتم علينا الاهتمام بعلوم إنسانية أخرى منها التربية، وعلم النفس الفردي، وعلم النفس الاجتماعي، والاقتصاد، والأنثروبولوجيا، والقانون، والستسيولوجيا، والسياسة، والتاريخ... الخ، فالإعلام يشارك العلوم الإنسانية مسؤولية الكشف عن مختلف أوجه المشاكل التي تتضمنها عملية الاتصال في مختلف مراحلها.
ولقد أدرك علماء الاتصال منذ أواسط القرن العشرين، حقيقة أنه لا يمكن فهم الاتصال عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية بدون فهم عملية الاتصال المباشر بين شخص وآخر، وعملية الاتصال داخل الجماعة الصغيرة. فبدون إدراك وفهم عملية الاتصال الفردي، والاتصال داخل الجماعة الصغيرة، لا يمكن فهم عملية الاتصال عن طريق مؤسسات ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية، ولا نستطيع كذلك تقدير تأثير تلك المؤسسات والوسائل.
ومن المسلم به أن فهم ودراسة وسائل الاتصال والإعلام والاتصال الجماهيرية هي من مسؤولية علماء الإعلام أساساً، ولكننا لا نستطيع أن ننكر اشتراك علماء العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المسؤولية بشكل أو بآخر. ولكن المسؤولية تبقى أساساً على عاتق علماء الإعلام والاتصال المسؤولين عن دراسة عمليات الاتصال الجماهيري، والتعرف على نظم مؤسسات الاتصال والإعلام، وأساليب السيطرة الاجتماعية عليها، ومركز تلك المؤسسات في التنظيم الاجتماعي بشكل عام، ووظيفة تلك المؤسسات وجمهورها ومسؤوليتها، وطريقة اضطلاعها بتلك المسؤوليات، ودراسة طبيعة تأثير تلك المؤسسات. واكتشاف السبل لتحقيق فاعلية الإعلام والاتصال، واختيار أنجع الوسائل، والتعرف على طبيعة كل وسيلة منها. وطبيعة الجمهور المتلقي، ومشاكل نقل المعاني والرموز عبر وسائل الاتصال المختلفة.
ويمر التطور التاريخي لأي علم من العلوم الحديثة، بمراحل تطور متشابهة تبدأ بالمرحلة الفلسفية، حيث ينصب الاهتمام فيها على تحديد المسارات الأساسية، وتكوين مفاهيم كلية وافتراضات أساسية، وتحديد طرق وأساليب للبحث العلمي، ويعاد النظر فيها بشكل يمكن بواسطتها جمع المعلومات والحقائق عن العلم المقصود. وتنتهي هذه المرحلة عند التوصل إلى اتفاق عام على بعض المبادئ والافتراضات الأساسية وبعض طرق وأساليب البحث العلمي.
وينتقل الاهتمام في المرحلة الثانية إلى تطبيق أساليب جديدة للبحث، مهمتها قياس صحة الافتراضات التي تم الاتفاق عليها في المرحلة الأولى الفلسفية، يرافقها تجميع حقائق مفصلة عن تلك الافتراضات. وتنتهي المراحل التجريبية بجمع جملة من الحقائق تستخدم في بناء نظرية علمية محددة، وهي المرحلة الثالثة التي تتابع فيها الأبحاث والتجارب التي تؤدي إلى تطور البحث العلمي والوصول إلى نتائج جديدة ومقترحات تؤدي للوصول إلى نظريات علمية جديدة.
وقد بدأت الأبحاث العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرينات من القرن العشرين، وركزت الأبحاث الأولى على دراسة وصفية لتاريخ الصحافة، والشخصيات الصحفية التي قامت بإصدار وتحرير صحف كل مرحلة من المراحل المدروسة. وركزت على مفاهيم فلسفية معينة كحرية الصحافة وحق الأفراد في نشر آرائهم بدون تدخل السلطات، ودور الصحافة في المجتمع إلى آخره من الاهتمامات العلمية.
وظهرت في المرحلة التالية دراسات اعتمدت على الأبحاث التجريبية والميدانية الكمية. خرجت بدراسات موضوعية بعيدة عن تحيز الباحث، معتمدة على حقائق علمية ثابتة، مستخدمة أساليب القياس والتجربة للوصول إلى نتائج علمية مقنعة. توصل العلماء بفضلها إلى تكوين نظرية علمية طورت خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين. وتوسع البحث العلمي في مجال الاتصال ليشمل دراسات في الإعلام الدولي وطبيعة الإعلام في الدول الأخرى وخاصة تلك التي تختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية إيديولوجياً، أو التي تدخل ضمن مجال اهتمامات سياستها الخارجية والمصالح الأمريكية في العالم عامة.
ورافق هذا التطور في الأبحاث العلمية بمجال الإعلام اهتمام علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس والأنثروبولوجيا بعلوم الاتصال، الذين ساهموا في تطوير وبناء نظريات ومفاهيم أساسية لعلم الاتصال. مما أعطى الدراسات الإعلامية طابعاً متميزاً ساهم في اتساعها وإثرائها خلال النصف الثاني من القرن العشرين خاصة بعد أن وظفت بعض اتجاهاتها لأغراض عسكرية، وبقيت تلك الأبحاث حكراً على الدول المتقدمة فقط.
وفي تلك الفترة ذاتها تنبأ الكاتب الألماني شارل بروتس بأنه "سيأتي عصر للأمم الصغيرة المستقلة، يكون أول خط دفاعي لها هو المعرفة". وهي المقولة التي اقتنع بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي قام في عام 1953 عندما كان رئيساً للوزارة في عهد الرئيس محمد نجيب، بتأسيس وحدة للشؤون العربية لجمع المعلومات عن العالم العربي كله ! ؟ وكان ذلك في وقت اشتد فيه الصراع بين الشرق الأحمر بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، والغرب الديمقراطي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وكان ذلك في وقت لم تزل ترزح فيه أجزاء كبيرة من العالمين العربي والإسلامي للاستعمار البريطاني والفرنسي والإسباني و الإيطالي والبرتغالي والروسي .. الخ، وتخوض فيه الأمة العربية حرباً شرسة غير متكافئة مع عدو شرس اغتصب الأرض والحقوق والمقدسات في فلسطين المحتلة، معتمداً على الشرعية الدولية في تبرير عدوانه أمام الرأي العام العالمي من خلال إدراكه لأهمية الرأي العام في عملية اتخاذ القرارات الهامة، وبراعته في توجيه الخطاب الإعلامي إليه. وفي هذا دليل واضح يشير إلى نموذج من نماذج تعامل واحدة من الأقطار العربية والإسلامية المستقلة مع مشكلة المعرفة والإعلام آنذاك، وتنبهها لأهمية المعرفة ودور الإعلام في الدفاع عن الذات الوطنية والسيادة والاستقلال.
ومعروف أن الإعلام هو قناة لنقل ونشر المعرفة، وهو ما دفع ويدفع بعض الأقلام أحياناً لتتبارى في الإشارة إلى ضعف قناة المعرفة تلك وضعف وتشتت الخطاب الإعلامي العربي والإسلامي الموجه للرأي العام العالمي، وبعده عن العلمية واستخدام نتائج الأبحاث الإعلامية الأجنبية من ضمن تقنيات الخطاب الإعلامي واختيار القناة الإعلامية المناسبة للتأثير على الرأي العام المحلي والعالمي، رغم الإشارة إلى تفوق الإعلام المضاد دون ذكر الأسباب الجوهرية لذلك التفوق، أو محاولة تقديم حلول مقترحة واقعية قابلة للتحقيق في الواقع الراهن للعالمين العربي والإسلامي كجزء من الدول النامية، تخرج الإعلام العربي والإسلامي من مأزقه، وخاصة بعد المنعطف الخطير الذي حدث إثر أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وتداعياته المستمرة حتى الآن.
واليوم وبعد أن طورت الدول المتقدمة في العالم أحادي القطبية وأدخلت أسلوباً جديداً في العلاقات الدولية أطلقت عليه اسم "العولمة" قارعت به بعضها بعضاً وطرقت أبواب الدول الأقل تطوراً والدول النامية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ومنظومته الاشتراكية، لتضع أمام تلك الدول، والدول المستقلة حديثاً تحديات مصيرية تنال ليس السياسة والاقتصاد والمقدرات والمعتقدات وحسب، بل وتهدد شخصية وثقافات وسيادة واستقلال تلك الدول. اثر توسع الهوة المعرفية بين العالمين المتقدم والأقل تطوراً والنامي، رغم بساطة وتعقد قنوات المعرفة المتاحة اليوم في آن معاً، إثر الانفجار المعرفي والإعلامي الذي سببه التطور الهائل لوسائل الاتصال الجماهيرية وتنوع قنواتها. وتقف في طليعة تلك الوسائل المتطورة شبكات المعلومات العالمية التي وظفت لخدمتها ليس شبكات الاتصال الأرضية وحسب، بل وشبكات الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية، والمحطات الفضائية التي أصبحت مألوفة للإنسان منذ أواسط النصف الثاني من القرن المنصرم.
مما طرح تحديات جديدة سببتها "العولمة الإعلامية" تهدد باكتساح كل شيء، حاملة معها أنواعاً جديدة من الأسلحة أصبحت معروفة بوضوح باسم "الأسلحة الإعلامية"، وأصبحت تستخدم في الحروب والصراعات، لتأخذ حيزاً هاماً من تفكير بعض الدول في العالم المتقدم والأقل نمواً وحتى النامي على حد سواء، وأنشأت له المؤسسات المتخصصة. ودفعت المشكلة ببعض الدول للعمل الجاد من أجل تحقيق أمن إعلامي وطني، وللمطالبة بتحقيق أمن إعلامي دولي يصون الحقوق، ويحمي المقدسات من التطاول والاعتداء والتحريف والتخريب.
ولهذا تناولت ضمن هذه الدراسة قضايا الأمن الوطني في إطار العولمة والتبادل الإعلامي الدولي لسد شيء من حاجة طلاب كليات الصحافة، والصحافة الدولية، والعلاقات الدولية، والعلوم السياسية، والتاريخ للمراجع في هذا المجال.
حيث استعرضت في الفصل الأول: التبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي. وفي الفصل الثاني: العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. وفي الفصل الثالث: المصطلح والحرب الإعلامية، ومجالات تأثير الصراع الإعلامي الدولي، والتهديدات المتوقعة للأمن الإعلامي الوطني؛ والخصائص الأساسية للأسلحة الإعلامية وأهدافها، وسيناريوهات الحرب الإعلامية. وفي الفصل الرابع: التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة للدبلوماسية الرسمية. وفي الفصل الخامس: العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية)، كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي، الإعلان كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي، والتخطيط الإعلامي، والحملات الإعلامية الدولية.
أملا أن يكون هذا الجهد العلمي المتواضع خدمة تمد الباحثين وطلاب الصحافة والعلاقات الدولية والعلوم السياسية والاجتماعية بالمعلومات عن بعض أوجه الأمن الوطني في ظل العولمة والتبادل الإعلامي الدولي للاستفادة منها في دراستهم وبحثهم في قضايا الإعلام والاتصال الدولي.
الأحد 25/4/2004                                                        أ.د. محمد البخاري
الفصل الأول: التبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي. تنحصر وظائف الدولة عامة في ثلاث وظائف رئيسية، هي: حماية الاستقلال؛ وتأكيد سيادة الدولة؛ وحفظ الأمن الداخلي، بمفهومه الواسع. بما يتضمنه من وجود سلطات شرعية، تعمل على تحقيق الحياة الأفضل، أو تحقيق الرفاهية ، وإشباع رغبات الأفراد في كافة المجالات.
وتسعى الدولة لتحقيق هذه الأهداف من خلال مجموعة من الخطط تتعلق كل منها بتحقيق أحد تلك الأهداف، وتحاول أيضاً إحداث التوازن والتكامل بين تلك الأهداف من خلال إستراتيجية واحدة تضعها في محاولة لأن يكون هناك تناسق بين تلك الأهداف وبين متطلبات تحقيقها على المستويين الداخلي والخارجي. وهذه السياسة الواحدة هي سياسة الأمن القومي التي تهدف بشكل عام إلى دعم قوة الدولة في مواجهة غيرها من القوى والدول بما يمكنها من المحافظة على كيانها القومي ووحدة أراضيها.
ولا تختلف الدول مهما تباعدت مصالحها في فهم وتطبيق الوظيفتين الأولى والثانية، ولكن عندما نأتي إلى الوظيفة الثالثة، أي تحقيق الحياة الأفضل لمواطنيها، تظهر لنا الخلافات الناتجة عن تباين الأنظمة والمصالح. وكان الخلاف أكثر وضوحاً بين الدول التي تأخذ بالأفكار الرأسمالية، وتلك التي كانت أخذت بالأفكار الاشتراكية أو الشيوعية، قبل انهيار المنظومة الاشتراكية، والاتحاد السوفييتي السابق.
وتحاول الدولة من خلال سياسة الأمن القومي، الدفاع عن كيانها اعتماداً على قدراتها الذاتية في مواجهة ما قد يتهددها من أخطار، فتخصص من الموارد والإمكانيات ما يتناسب مع حجم وطبيعة هذه الأخطار، واضعة نصب أعينها، عجز الأمم المتحدة عن القيام بمسؤولياتها كاملة، وتأثير الدول الكبرى على كل تحرك تقوم به الأمم المتحدة.
ولذلك تحاول الدولة أن تقدر بطريقة موضوعية المخاطر التي تواجهها في الداخل، أو من الخارج، آخذة بعين الاعتبار ما لديها من مقدرات عسكرية، واقتصادية، وسياسية، وكيف يمكن استخدام هذه المقدرات استخداماً سليماً حينما يتطلب الأمر استخدامها. وبعبارة أخرى كيف توازن بين مواردها والغايات التي ترجوها.
وسياسة الأمن القومي تتضمن كافة الإجراءات التي تراها الدولة كفيلة بحماية كيانها، وتحقيق أمنها في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وعادة تتولى هيئات متخصصة داخل الدول وضع تلك السياسات التي تشمل عادة ثلاثة مجالات رئيسية، وهي:
المجال السياسي: وينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، هي:
السياسة الخارجية: إذ أدى تشابك المصالح بين الدول بفعل التقدم العلمي والتقني في مجال النقل والاتصال إلى إلغاء الحدود والمسافات بين الدول. وأصبح لكل دولة مجموعة من العلاقات المختلفة مع العديد من الدول بمختلف اتجاهاتها الإيديولوجية. وقد تتراوح السياسة الخارجية للدولة مع غيرها من الدول بين التعاون الكامل الذي يصل أحياناً إلى الوحدة أو الاتحاد بمختلف أشكاله، وبين الصراع واستخدام القوة المسلحة، أو اللجوء إلى الحرب الباردة، ومحاولة فرض السيطرة والنفوذ.
والسياسة الداخلية: وهي كل ما يتعلق بسياسة الدولة الداخلية كنظام الحكم، كما تحدده دساتيرها وقوانينها وتشريعاتها المختلفة. ويدخل في ذلك الإطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على توفير الأمن والنظام داخل الدولة.
والنشاطات الدبلوماسية: إذ تتصل الدولة بغيرها من الدول بالطرق الدبلوماسية، وتعمل على تدعيم أجهزة هذا الاتصال ووسائله، حتى تتجنب الصدام المباشر مع الدول الأخرى عن طريق اللجوء إلى المفاوضات وإلى الإقناع، أو إبرام الاتفاقيات والدخول في تحالفات. كما تعمل على الاستفادة من نظام الأمن الجماعي، في إطار الأمم المتحدة، لتحقيق أهدافها.
وتهدف سياسة الأمن القومي في هذه الحالة إلى تأكيد مكانة الدولة في المجتمع الدولي، ومحاولة التأثير وممارسة النفوذ على غيرها من الدول المجاورة والبعيدة.
المجال الاقتصادي: ويعد الجانب الاقتصادي لسياسة الأمن القومي من الأهمية بمكان، لارتباطه أساساً بتوفير الاحتياجات الاقتصادية للدولة أو بقدراتها تجاه الدول الأخرى. وكما تحس الدول باحتياجاتها الاقتصادية من الدول الأخرى، فهي تشعر أيضاً بأهمية ما تملكه من إمكانيات اقتصادية تستطيع استخدامها كورقة رابحة لتحقيق أمنها. وقد تتمثل هذه الإمكانيات فيما تملكه الدولة من رؤوس أموال، أو خبرة، أو منتجات مصنعة، أو مواد أولية، أو أسواق لامتصاص التجارة ورؤوس الأموال.
ولذا تسعى الدولة لزيادة قدرتها الصناعية، وتعمل على توفير المواد الخام أو المواد الغذائية اللازمة، ورفع كفاءة العاملين في المجالات الصناعية، بالإضافة إلى دعم قدراتها المالية للوفاء بالتزاماتها المالية دون مساس باحتياجات الدولة الأساسية.
ويشمل الجانب الاقتصادي في هذا النطاق مجالاً واسعاً يتجاوز إمكانيات الدولة الفعلية ومجموع نشاط الأفراد، ليشمل العلاقات الداخلية والخارجية، بما في ذلك تطوير إمكانيات التطور العلمي لوسائل الإنتاج وغيرها. وذلك عن طريق استغلال العوامل الاقتصادية لمباشرة النفوذ في ميدان العلاقات الدولية، من خلال أساليب معينة وفقاً لما تمليه عليه سياستها الخارجية.
ونتيجة لأهمية تأثير الجانب الاقتصادي على سياسة الأمن القومي، فقد أصبح للمعلومات الاقتصادية أهمية قصوى جعلها تماثل أهمية المعلومات العسكرية والدبلوماسية، فهي تشمل كل ما يتعلق بمصالح الدولة الاقتصادية من مختلف جوانبها، سواء المتعلقة بمصالحها الذاتية أو بمصالحها مع مختلف دول العالم، أياً كانت درجة علاقاتها بها. لذلك فإن المجال الاقتصادي يمثل جانباً هاماً لما له من تأثير على الأمن القومي للدولة.
المجال العسكري: ويهدف الجانب العسكري لسياسة الأمن القومي إلى حماية استقلال الدولة، وسلامة أراضيها ضد أي عدوان خارجي قد تتعرض له من الخارج، لذلك فهي تعمل على تدريب قواتها العسكرية، وتسليحها بالأسلحة الحديثة، والاهتمام بخطط الدفاع سواء في أوقات النزاع المسلح، أو في أوقات السلم، وتقوم بإعداد الخطط الدفاعية، والدراسات اللازمة لمواجهة الأخطار المحتملة أو المتوقعة، كما تقوم الدولة في ذات الوقت بالارتباط بمجموعة من مواثيق الدفاع القادرة على ردع أي عدوان من أي نوع قد تتعرض له من الخارج.
وعادة ما يكون الجانب العسكري في سياسة الأمن القومي للدول الصغرى مقتصراً على دعم قدرة الدولة دفاعاً عن النفس، في مواجهة ما يمكن أن تتعرض له من عدوان. أما الدول ذات السياسات التوسعية فتستغل قدراتها العسكرية لتهديد الدول الأخرى أو العدوان عليها. لذلك تسعى تلك الدول إلى زيادة نفوذها من خلال مجموعة من مواثيق الدفاع أو التحالفات العسكرية مع غيرها من الدول التي يكون الهدف المعلن عنها عادة الدفاع عن النفس.
وتجدر الإشارة إلى أن أثر القدرة العسكرية للدولة لا يقتصر على المسائل المرتبطة بالدفاع عن الدولة فحسب، فمن الواضح أنه لا يمكن إنكار أهمية ما تملكه الدولة من قوة عسكرية حتى في مجال المفاوضات السياسية، حيث تكون الدولة ذات القوة العسكرية في مركز القوة في مواجهة الدولة الأضعف تسليحاً.
ولتحقيق الأمن القومي الحقيقي لابد من إيجاد توازن بين المصادر المتاحة، والأهداف المطلوب تحقيقها، وبمعنى آخر تقدير الموارد الاقتصادية والمالية المتاحة للدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار القدر اللازم من الموارد لدعم قدرات الدولة العسكرية، والحد الأدنى الواجب الحفاظ عليه من أجل مواطني الدولة، ومدى قدرة البناء الاقتصادي للدولة على تحمل الأعباء الاقتصادية الناجمة عن تحقيق سياستيها الداخلية والخارجية.
إضافة للعوامل الأخرى التي تشكل بمجملها سياسة الأمن القومي الداخلية والخارجية، وأسلوب تنفيذها. الذي ينبع أساساً من التصرفات البشرية والرغبات الجماعية والفردية التي تمارس على نطاق الدولة، مستمدة من خصائص مواطني تلك الدولة ومدى ثقافتهم، وشكل الحكومة التي تدير شؤونهم، والأحوال الاقتصادية والاجتماعية السائدة بين أفراد المجتمع، والزعامات الموجودة فيه في وقت معين، وكذلك النظريات والأفكار التي يتبناها الرأي العام داخل الدول.
وبعبارة أخرى، القوة البشرية التي تمتلكها الدولة ومدى ما يمكن أن تقدمه هذه القوة من تضحيات من أجل سلامة الدولة، والتنظيم الاجتماعي السائد الذي ينظم الأوضاع الداخلية، ومصادر الثروة التي تمتلكها الجماعة، ومدى قوتها العسكرية وقدرتها على استخدامها، وكلها عوامل هامة وأساسية لنجاح سياسة الأمن القومي، وتحتاج قبل كل شيء للمعلومات.
إذ لا يكفي أن تتمتع الدولة بنظام داخلي يحفظ لها تيسير علاقاتها الخارجية، بل يجب حتى تمارس الدولة علاقاتها بنجاح، أن يكون لديها الإمكانيات التي تيسر لها العلم بما يدور في أرجاء العالم المختلفة، والقدرة على تحليل المواقف والأشخاص، والزعامات القادرة على حسن التوجيه حتى تصل إلى تحقيق أهدافها القومية.
وليس للمعلومات في ذاتها أهمية للدولة، ما لم تحسن استغلالها، ولذلك يتطلب الأمر وجود ثلاث أنواع من الأجهزة: الأول ويناط به جمع المعلومات وتوخي الدقة الكاملة قدر المستطاع؛ والثاني ويتولى تفسير المعلومات، وعادة ما تقوم به أجهزة فنية متخصصة تعمل على تحليل المعلومات وتصنيفها حسب أهميتها ودلالاتها؛ والثالث ويقوم بمراجعة هذه التحليلات واتخاذ القرارات النهائية بشأن المشاكل التي تواجهها الدولة.
وقد أصبح من المتعارف عليه قيام الدول بجمع المعلومات اللازمة لها في مختلف المجالات، على الرغم من عدم وجود سند قانوني يبيح لها هذا العمل، ولم يأت القانون الدولي التقليدي صراحة بالتزامات، ولم ينص على منح الدول حقوقاً في مجال الحصول على المعلومات، أو تقديمها لغيرها من الدول، إلا إذا اعتبرنا حق الدولة في إرسال البعثات الدبلوماسية والتزامها باستقبالها، هو الأساس في تحقيق هذا الحق على ضوء ما هو معروف من أساليب المراقبة بهدف الحصول على المعلومات في نطاق القيود التي يفرضها القانون الدولي. والممارسة الفعلية لهذا الحق، هو أحد الوظائف الرئيسية للبعثات الدبلوماسية.
ونتيجة لذلك يثير العمل الذي تقوم به البعثات الدبلوماسية كثيراً من الخلاف، خاصة وأن التفرقة بين العمل الدبلوماسي البحت، والعمل الدبلوماسي الذي يقوم أساساً، أو ينطوي على جمع للمعلومات، هو من الأمور الدقيقة التي يصعب وضع الحدود بينها.
ومن الأمثلة على هذا الخلاف أيام الحرب الباردة بين الشرق والغرب في النصف الثاني من القرن العشرين، ماشهدته الولايات المتحدة الأمريكية من انقسام في الرأي حول نشاط أجهزة الأمن السوفييتية التي تعمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فالمسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية يشكون من الإجراءات الشديدة التي تتخذها وزارة العدل ضدهم، والتي لا تتفق مع "القواعد العرفية غير المكتوبة" بين الدولتين في مجال الأمن، خاصة إذا تعلق الأمر بمن يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية.
ومن الأمثلة بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، أيضاً ما أعلن في أيار/مايو 1996 عن قيام مجموعة من الدبلوماسيين البريطانيين العاملين في موسكو بالتجسس ، بقيامهم بالتحقق من شراء عملاء للجيش الجمهورية الأيرلندي IRA أسلحة ومواد نووية من عصابات المافيا الروسية، وهو ما دعى روسيا إلى طرد أربعة دبلوماسيين بريطانيين من روسيا بتهمة التجسس، وهو ما تردد من جهاز المخابرات البريطانية M16 وقيام بريطانيا باتخاذ إجراء مماثل.
ومن ثم كان من أوجه النقد الجدية التي توجه إلى الحصانات الدبلوماسية أنها قد تكون غطاء للعمل غير الدبلوماسي. فالحصانات الدبلوماسية تتطلب المواءمة بين اعتبارين: الأول: هو سلامة الدولة المستقبلة؛ والثاني: هو دواعي الأمن التي يتطلبها العمل الدبلوماسي من حصانات دبلوماسية، للبعثات الدبلوماسية أو العاملين فيها. كتسهيلات المواصلات، والإعفاء من الرقابة على البريد والبرقيات والمكالمات الهاتفية وحرية التنقل ... الخ.
وتحديد ما يعتبر من المعلومات التي تدخل في إطار السرية، وتلك التي لا تدخل في هذا الإطار، وهي مسألة معقدة، والحد الفاصل بين النوعين يكاد يكون متداخلاً. وتتزايد هذه المشكلة تعقيداً في عالم اليوم الذي يشهد ثورة معلوماتية، أصبح الحصول فيه على المعلومات أمراً هيناً بفعل التقدم العلمي المستمر في مجال تجميع ونقل المعلومات التي يسري عليها هذا القيد، فتدخل في إطار الأسرار التي تهدد أمن الدولة، وتلك التي تخرج عن دائرة السرية.
ويثير قيام الدولة بجمع المعلومات اللازمة لها عن غيرها من الدول قضية هامة، هي أن المعلومات التي قد تحصل عليها دولة، من دولة أخرى تؤثر على أمنها القومي، خاصة إذا تعلق الأمر بمعلومات تراها الدولة المعنية مرتبطة بأمنها وسلامتها، ومن ثم فإنه من الضروري التفرقة بين المعلومات التي يترتب على الحصول عليها مساس بأمن الدولة وسلامتها وتلك التي لا ينطبق عليها هذا الوصف.
ونظراً لأهمية المعلومات المتعلقة بأمن الدولة وسلامتها، جرت العادة على استبعاد مجموعة منها من نطاق المعاملات المباشرة، سواء في داخل الدولة أو خارجها، وتفرض عليها نطاقاً من السرية والكتمان، معتبرة أن محاولة الحصول عليها، أو الحصول عليها يدخل في دائرة التجريم وفقاً لتشريعاتها الجزائية. وتتعدد هذه المعلومات بتعدد المصالح المرتبطة بها، وهي تنحصر عادة في الأسرار السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، التي هي بالنظر إلى طبيعتها يجب أن تبقى في طي الكتمان حرصاً على سلامة الدولة، أو التي يقتصر العلم بها على أشخاص محدودين بذواتهم، أو التي يترتب على كشفها تقييم المقدرة الدفاعية للدولة في جوانبها السلبية والإيجابية.
وتختلف الدول فيما بينها من حيث طبيعة هذه المعلومات أو الصفة التي تلحق بها، نظراً لارتباط هذا الموضوع بموضوعات أخرى كالحريات العامة، داخل الدولة نفسها، أمام مشكلة تحقيق التوازن بين مقتضيات أمنها، وبين ما ينشده الفرد من حماية لحقوقه وحرياته، فمن الأهمية بمكان إحداث التوازن والتوافق بين حق الدولة في الأمن وحقوق الأفراد في المعرفة، دون أن يطغى أحدهما على الآخر.
وذهبت تشريعات بعض الدول إلى تحديد طبيعة المعلومات التي تدخل في دائرة السرية. فقد تكون هذه المعلومات متعلقة بحماية إقليم الدولة وتأمينها كما في بلجيكا ولوكسمبورغ، وقد تكون معلومات تتعلق بحقوق الدولة تجاه الدول الأخرى كما في أيسلندا، أو الأمور التي يفترض أنها تهم أمن الدولة كما في هولندا، أو تلك التي تتعلق بمصالح الدفاع القومي، أو المتعلقة بالأسرار العسكرية والاقتصادية والسياسية كما في سويسرا، وفرنسا.
ولا تتناول تشريعات دول أخرى كبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وسويسرا، ويوغوسلافيا، وضع تعريف محدد للأسرار المتعلقة بأمنها والدفاع عنها باعتبارها فكرة واسعة تختلف وتتنوع إلى صور كثيرة، مما لا يجوز معه تقييدها بتعريف ضيق محدد. ويؤدي هذا الاتجاه إلى تخويل القضاء سلطات واسعة في تفسير النصوص القانونية.
وتحاول دول أخري التصدي لمحاولة وضع تعريف لأسرار الدفاع، وتعدادها في صيغ عامة. مثال: التفرقة التي أقرها القانون الفرنسي في المادة 78/1/2، والقانون الإيطالي في المادة 257 من قانون العقوبات. بين الأسرار وطبيعتها، وبين الأسرار الحكيمة في المادة 258 من قانون العقوبات الفرنسي والإيطالي. وذلك تبعاً لكون السرية منبثقة من طبيعة الشيء ذاته، أو بناء على أمر من السلطة المختصة. ويلاحظ هنا أن المشرع الفرنسي لم يقصر الحماية على الأسرار المتعلقة بالدفاع القومي عن فرنسا وحدها فحسب، بل امتدت وفقاً للمرسوم الصادر 11 تموز/يوليو 1952 لتشمل أسرار الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
ومن خبرات الدول النامية نرى أن المشرع المصري قد أخذ مجموعة الأسرار المرتبطة بالدفاع عن البلاد، بحكم طبيعتها، فنصت الفقرة 1 من المادة 52 من قانون العقوبات على أنه "يعتبر من أسرار الدفاع عن البلاد، المعلومات العسكرية والسياسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم صفتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك، ويجب مراعاة أنه لمصلحة الدفاع عن البلاد، يجب أن تبقى سراً على ماعدا أولئك الأشخاص". وأوضحها الدكتور ممدوح شوقي السفير بوزارة الخارجية المصرية، في مقالته "الأمن القومي والعلاقات الدولية" المنشورة في مجلة السياسة الدولية، على الشكل التالي:
المعلومات العسكرية: الحقائق التي تتعلق باستعداد البلاد العسكرية وكفايتها الدفاعية، ووسائل الدفاع عنها، وعملياتها الحربية في البر والبحر والجو، سواء في وقت السلم أم في وقت الحرب. كالمعلومات المتعلقة بسلاح سري، أو طرق الوقاية منه، والخطط العسكرية وتاريخ ومكان إجراء التجارب العسكرية، والتعليمات الصادرة من القيادة العسكرية لضباطها وجنودها.
المعلومات السياسية: وهي تتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية المتبعة، أو التي تنوي الدولة السير عليها، متى كانت ترتبط بشؤون الدفاع عن البلاد، ولو بطرق غير مباشرة. فلا عبرة بالمعلومات التي تتعلق بسياسة الحكومة في السابق.
المعلومات الدبلوماسية: الحقائق المتعلقة بعلاقة الدولة دبلوماسياً مع غيرها من الدول، مثال: اعتزام الدولة قطع علاقاتها السياسية بدولة معينة، أو الاعتراف بهيئة ثورية تناهض الحكومة، والاتصالات الدبلوماسية بين الدولة ودولة أخرى أجنبية للتوسط في حل نزاع دولي يمس أمن الدولة.
المعلومات الاقتصادية: وهي ليست إلا نوعاً من المعلومات الاقتصادية التي ترتبط بالمجهود الصناعي للدولة، ولا يقتصر الأمر على الإنتاج الصناعي للدولة، بل يمتد إلى الشركات الخاصة التي تفيد الدولة في إنتاجها في الدفاع عن البلاد، مثال: ما تورده إحدى الشركات من إنتاج للقوات المسلحة، لاستعمالها الخاص في العتاد الحربي.
ولا ينبغي أن يفهم أن جمع المعلومات العسكرية أو السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية تعد متعلقة بأسرار الدفاع عن البلاد، بل يجب توافر شرطين لذلك:
الأول: أن تكون المعلومات متعلقة بالدفاع عن البلاد، أي تتعلق بسلامة الدولة وسيادتها، ووسائل الدفاع عنها وعن كيانها في شتى الميادين في زمن السلم وفي زمن الحرب.
والثاني: أن تكون هذه المعلومات بطبيعتها من الأسرار التي لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك. ومن ثم لا يقتصر معنى الدفاع عن البلاد على المدلول العسكري وحده، بل يتسع لكل ما بتعلق بأمن الدولة الخارجي، من النواحي العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية في زمن السلم أو في زمن الحرب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وعلى ذلك، فالسرية ليست صفة لصيقة بالمعلومات، ولكنها صفة تخلعها عليها الدولة من زاوية معينة، فهي طبيعة اعتبارية للمعلومات، وهي مسألة نسبية، فما يعتبر سراً في فترة معينة، لا يعتبر سراً بعد مرور فترة زمنية معينة. فالسرية صفة تلحق بالمعلومات في لحظة معينة تمليها سلامة الدولة في تلك اللحظة. ولهذا على المراسلين الأجانب والمستشارين والملحقين الإعلاميين المعتمدين في أي دولة أن يتعرفوا على مضمون ليس القوانين الناظمة للعمل الصحفي في البلاد المعتمدين فيها وحسب، بل والتعرف على مضمون قوانين العقوبات فيها، وخاصة ما يمس منها العمل الصحفي.
وهناك طائفة أخرى من المشكلات التي ترتبط بقيام دولة ما بالحصول على المعلومات عن غيرها من الدول، بغير الطرق المشروعة أو العلنية، وهي مشكلة نتجت عن التقدم العلمي في مجال المعلومات ونقلها، فالصورة التقليدية للحصول على المعلومات هي عبارة عن علاقة مباشرة بين دولة وأحد الأفراد الذين ينتمون إليها، أو من رعايا دولة أخرى، يقوم بنقل المعلومات إليها، أو قيام مواطن دولة محايدة بجمع المعلومات لصالح إحدى الدول. ولكن الصورة التقليدية تغيرت وأصبحت العلاقة مباشرة بين دولتين دون طرف آخر، يتوسط عملية نقل المعلومات، وذلك نتيجة لحصول الدولة على المعلومات اللازمة لها بصورة مباشرة عن طريق الاستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية أو طائرات التجسس والوسائل الإلكترونية الأخرى. فكان الهدف أو الغاية، فيما مضى هما اللذان يحددان طبيعة الفعل، ثم حدث تطور بظهور العنصر العام للدولة في هذه العلاقة فأصبحت الوسيلة هي التي تحدد طبيعة الفعل.
ويرتبط بذلك أيضاً، مشكلة أخرى يثيرها الحصول على المعلومات عن طريق الأقمار الصناعية، أو طائرات التجسس أو الاستشعار عن بعد بواسطة دولة معينة، ولا تكون الدولة صاحبة الشأن على علم بذلك. وهو ما يطرح بدوره تساؤلات عن مدى التزام الدولة التي حصلت على هذه المعلومات باطلاع الدولة صاحبة الشأن عليها، أم أن لها أن تبقيها كورقة رابحة تستخدمها في مجال الضغوط السياسية ! وما مدى مسؤولية الدولة التي حصلت على هذه المعلومات، إذا قامت بتزويد دولة ثالثة بما حصلت عليه من معلومات.
وقد حاولت منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1960 من خلال اللجان المتخصصة، ولجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي، البحث عن إطار قانوني يحدد هذه العلاقة، بالإضافة إلى تنظيم اكتشاف ثروات الأرض عن طريق الاستشعار عن بعد. والمشكلات الأخرى المترتبة على الثورة في مجال نقل المعلومات أو ما يمكن أن يطلق عليه النظام الدولي الجديد للاتصالات والمعلومات New Word Information and Communication Order واحتمالات تأثير هذا المجال الجديد على سيادة الدولة. وأمنها القومي، وقدرتها الاقتصادية والصناعية وغيرها.
وكررت منظمة الأمم المتحدة محاولة التصدي للمشكلات الناتجة عن الحصول على المعلومات بواسطة الأقمار الصناعية في أعوام 1979، 1980، 1981. ولكن جهود اللجان الفرعية ومجموعات العمل الفنية، باءت بالفشل بسبب الخلاف على المصالح القومية للدول، وعلى وجه التحديد بين الدول المتقدمة في هذا المجال وتلك التي لم تنل حظها منه بعد. وبمعنى آخر خلاف الدول التي تستطيع الحصول على المعلومات وتلك التي تتلقى المعلومات فقط، وهو صراع بين حرية نقل المعلومات والتمسك بالسيادة القومية، بما في ذلك مصادر الثروة الطبيعية وأية معلومات عنها.
فالدول المتقدمة ترى أن المادة 19 من اتفاقية الأمم المتحدة للحقوق السياسية والمدنية، قد نصت على مبدأ حرية نقل المعلومات. في الوقت الذي تمسكت فيه الدول الأخرى بالفقرة 3/ب من نفس المادة التي قيدت هذا الحق بمقتضيات الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة والأخلاقيات.
ومن ثم تبلور الخلاف بين فريقين: الأول: ويضم الدول الصناعية المتقدمة؛ والثاني: ويضم الدول التي تدافع عن النظام الاقتصادي الدولي الجديد، الذي نص عليه قرار منظمة الأمم المتحدة عام 1974. وبمعنى آخر الخلاف بين دول الشمال، ودول الجنوب.
وقد توصلت المناقشات التي تمت بين أعضاء اللجان الفرعية الفنية إلى ضرورة أن يكون هناك تنسيق بين الدول في حالات الكوارث الطبيعية، وبضرورة إبلاغ الدول المعنية بأية معلومات قد تتوافر في هذا الشأن. أما بالنسبة للمعلومات الأخرى، التي يتم الحصول عليها بواسطة الأقمار الصناعية فكان هناك نوع من الاتفاق على بعض الموضوعات الخلافية، ومنها:
أن تمتنع الدولة التي تقوم بالاستشعار عن بعد - دون موافقة الدول التي يتم تصوير أراضيها، عن تقديم المعلومات لدولة أخرى أو منظمة دولية أو المؤسسات العامة أو الخاصة. وقد أيدت غالبية الدول النامية هذا الاتجاه في حين عارضته الدول المتقدمة.
وأن يكون الاستشعار عن بعد بما يتفق مع حق الدولة المعنية في التصرف في مصادرها الطبيعية بما في ذلك المعلومات المتاحة عنها.
ومن ثم وفي ظل قواعد قانونية غير واضحة لا يزال المجتمع الدولي بعيداً عن وضع قواعد لتنظيم نقل المعلومات والحصول عليها عن طريق الأقمار الصناعية، مما يدعو إلى وضع بعض القواعد العامة التي يمكن أن يسترشد بها في هذا المجال.
أولها: تقييد حرية الفضاء الخارجي باعتبارات الأمن للدولة صاحبة الشأن.
وثانيها: حق جميع الدول في الحصول على المعلومات التي تتعلق بأراضيها وثرواتها.
وثالثها: ضرورة التعاون الدولي من أجل مساعدة جميع الدول على الحصول والاستفادة من المعلومات التي يتوصل إليها.
هذا مع الإبقاء على حق الدولة المعنية في إثارة المسؤولية الدولية ضد الدولة التي تحصل على معلومات عنها، وأن تطالبها بتقديم هذه المعلومات مع اعتبار أن ما قامت به يشكل عملاً غير مشروع.
والحل يبقى في التعاون الدولي، وفي النوايا الحسنة بين الدول. لأن الصراع غير ملائم لعالم اليوم، ويؤدي إلى تشتيت الجهود الدولية التي يمكن أن توجه إلى ما فيه صالح المجتمع الدولي نفسه. خاصة في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في مجالات النقل والاتصال التي عملت على تقريب المسافات بين أجزاء العالم المختلفة، وأصبح العالم معها اليوم أكثر ترابطاً من ذي قبل، وهو ما يؤكد أن تحقيق الأمن القومي لا يتم من خلال الصراع بين الدول بل من خلال التعاون الوثيق بينها.
ولا ريب في أن تخلي الدول عن سياسة القوة، والتزامها بمبادئ القانون الدولي وقواعده، بروح من التضامن والإخاء، لن يؤتي ثماره بتحقيق الأمن لدولة بعينها فحسب، بل سوف يحقق الأمن لكافة الدول في العالم. ويجنب البشرية ويلات الحروب المدمرة، التي ضاعف من خطورتها التطور التكنولوجي الهائل في كل ميادين الحياة ومن بينها ميدان صناعات وإنتاج الأسلحة التدمير الشامل الفتاكة والمدمرة.
وأن تصب جهود التعاون الدولي في مجال مواجهة الآثار الناجمة عن المخاطر الاقتصادية داخل الدولة، وأن تسعى الدول إلى توفير الغذاء ورفع المستوى الثقافي والاقتصادي لمواطنيها، وأن تعيد البناء الاجتماعي داخل الدولة، بما يحقق تنمية حقيقية، بدلاً من إضاعة الوقت والجهود في الصراع من أجل تركيز القوة للمواجهة مع الغير.
خاصة وأن الاكتشافات العلمية في مجال النقل والاتصالات ونقل المعلومات عبر الأقمار الصناعية وقنوات الاتصال ونقل المعلومات الأخرى، قد أحدثت تغييراً شاملاً في مفهوم السيادة، وأصبحت الممارسة الفعلية لمظاهر السيادة تتحقق بقدر ما تحوزه الدولة أو ما يتيسر لها من إمكانيات يوفرها التقدم العلمي في شتى المجالات.
فأصبحت ممارسة السيادة كاملة لدى بعض الدول، ومحدودة لدى البعض الآخر، وأصبح كمال السيادة ونقصها، من الناحية السياسية، مرتبط بما للدولة من إمكانيات علمية وفنية متقدمة، تتيح لها معرفة ما يدور في منطقتها، بل وفي مناطق غيرها من الدول، وأصبح لبعض الدول معلومات، تزيد في كثير من الأحيان، عما يتوافر من معلومات لدى الدولة صاحبة الشأن، ولم تعد الحدود السياسية صعبة الاختراق، بل أصبحت أقل صموداً أمام التقدم التكنولوجي، وعلى سبيل المثال: فإن موجات الإذاعتين المسموعة والمرئية، وشبكات المعلومات الدولية أصبحت تدخل حدود الدولة السياسية دون إذن منها، ولا تستطيع الدولة حيالها شيئاً، إلا من خلال سن التشريعات التي تحظر ذلك، أو بث موجات مضادة، أو الدخول في منافسة تكون غير متكافئة في أكثر الأحيان.
وأن الإطار الجديد للتنافس بين الدول في العالم قد أصبح اقتصادياً، وأصبح تحقيق التفوق أو التقدم الاقتصادي يعادل القوة العسكرية، كما أن التقدم الإنتاجي يعادل تطوير الأسلحة الفتاكة، وأن اقتحام الأسواق العالمية الذي تسانده الدولة، لا يقل أهمية عن القواعد العسكرية في أراضي الدول الأجنبية، ولا يقل أهمية عن النفوذ الدبلوماسي في تلك الدول.
الفصل الثاني: العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. تعريف العولمة: العولمة Globalization حسب تعبير خبراء السياسة في الدول النامية، تحمل معنى "جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من حيز المحدود إلى آفاق "اللامحدود". واللامحدود هنا يعني العالم بأسره، فيكون إطاره النشاط والعلاقات والتعامل والتبادل والتفاعل على اختلاف صوره السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعلمية وغيرها، متجاوزاً الحدود الجغرافية المعترف بها لدول العالم، وهذا المعنى يجعل "العولمة" تطرح ضمناً مستقبل الدولة القومية Nation-State وحدود سيادتها الوطنية، ودورها على الصعيدين الداخلي و الخارجي". بعد أن تمكنت وسائط الاستشعار عن بعد المتطورة من اختراق الحدود السياسية والجغرافية المعترف بها لكافة دول العالم.
بينما جاء تعريف "العولمة الإعلامية" حسب المفهوم الأمريكي "بتعميم نمط من الأنماط الفكرية والسياسية والاقتصادية لجماعة معينة، أو نطاق معين، أو أمة معينة على الجميع، أو العالم بأسره". وبما أن "العولمة" بدأت أساساً من الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاءت نظرياً كدعوة لتبني النموذج الأمريكي في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم وبالتالي طريقة الحياة الأمريكية بشكل عام.
مقدمات العولمة: وجاءت العولمة أساساً كنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية، التي كانت نقلة نوعية في تطور الرأسمالية العالمية، في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ظهرت في منتصف القرن 18 في أوروبا، ونتيجة لاستخدام الطاقة، التي غيرت بشكل جذري أسلوب وعلاقات الإنتاج، لتبدأ معها مرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني، اتصف بالتوسع الاقتصادي، والبحث عن الموارد الطبيعية، وفتح الأسواق العالمية. وهي المسببات التي أدت لظهور الاستعمار التقليدي، وقيام الحروب الأوروبية لتلبية حاجات الرأسمالية الصاعدة.
ومما سارع في شيوع "العولمة" استمرار التطور العلمي والتكنولوجي، وما رافقه من تطور هائل لوسائل الاتصال والاستشعار عن بعد ونقل المعلومات الحديثة، التي شكلت بدورها تجديداً لنمط وطبيعة الإنتاج والتفاعلات والتعاملات الدولية. وبذلك لم تعد الحروب التقليدية، واستخدام القوة وسيلة لحسم الخلافات بين الدول الرأسمالية كما كان الوضع حتى الحرب العالمية الثانية، بل أصبحت الحاجة ملحة لتوحيد أسواق الدول الصناعية المتقدمة من خلال سوق عالمية واحدة، أي ضرورة تجاوز الحدود السياسية القومية المعترف بها، وإعادة توزيع الدخل القومي، والعمل على رفع المستوى المعيشي للإنسان ليمكن معه توسيع سوق الدول الصناعية المتقدمة، لاستيعاب المنتجات الحديثة، أي خلق مجتمع من نوع جديد أصطلح على تسميته بـ"مجتمع الاستهلاك الكبير".
وشكلت هذه السمات كلها نقطة التحول من "الرأسمالية القومية" إلى "الرأسمالية العابرة للقوميات" التي نعيشها اليوم من خلال الشركات متعددة الجنسيات، التي ارتبط فيها ظهور مفهوم العولمة الذي عبر عن ظاهرة اتساع مجال الإنتاج والتجارة، ليشمل السوق العالمية بأسرها. وتجاوز الفاعلية الاقتصادية التي كانت لمالكي رؤوس الأموال، من تجار وصناعيين، الذين كانت تصرفاتهم محكومة في السابق بحدود الدولة القومية التي ينتمون إليها، لتصبح الفاعلية الاقتصادية مرهونة بالمجموعات المالية والصناعية العالمية الحرة، المدعومة من قبل الدول المشاركة في رأس مالها، عبر الشركات متعددة الجنسيات. وهكذا لم تعد الدولة القومية هي المحرك الرئيسي للفاعلية الاقتصادية على المستوى العالمي، بل حل مكانها القطاع الخاص بالدرجة الأولى في مجالات الإنتاج والتسويق والمنافسة العالمية.
والعولمة ليست نظاماً اقتصاديا فقط، بل تعدته إلى كافة مجالات الحياة السياسية والثقافية والعلمية والإعلامية. لأن النمو الاقتصادي الرأسمالي العالمي استلزم وجود أسواق حرة، ووجود أنظمة سياسية من شكل معين لإدارة الحكم. كما وتعددت مراكز القوة الاقتصادية العالمية للرأسمالية الدولية الحديثة، وتعددت معها مراكز القوة السياسية، مما خلق بدائل وتعددية في القوى على مستوى السلطة، وهو ما دعم إمكانيات التطور الديمقراطي بكل شروطه، من عدم احتكار السلطة، وتداولها، وتعدد وتنوع مراكز القوة والنفوذ في المجتمع، ومنع تركيز الثروة في يد الدولة وحدها، وفرض توزيعها لتحقق "العولمة" بذلك نوعاً من اللامركزية في الإدارة والحكم.
ومما ساعد على الانتشار السريع للعولمة انتصار الرأسمالية على الأنظمة الأخرى، من نازية وفاشية وشيوعية، وكان أخر تلك الانتصارات انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ودول ما كان يعرف بالمنظومة الاشتراكية أو الكتلة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق، لتحل محله الجمهوريات المستقلة الخمس عشرة. وسقوط النظم الشمولية في أوروبا الشرقية، وتحول الأنظمة الجديدة في تلك الدول نحو أشكال جديدة من الحكم الديمقراطي، الذي يربط في جوهره بين التطور الديمقراطي والنمط الرأسمالي، الذي يعتمد على الديمقراطية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأتاح الاتصال المباشر عبر القارات من خلال شبكات الاتصال العالمية للحاسب الآلي ومحطات الإذاعة الفضائية المسموعة والمرئية، الفرصة لإبراز ملامح العولمة الإعلامية التي أصبحت ملموسة حتى من قبل الأشخاص العاديين في أي مكان من العالم. ومن المنتظر أن يتيح هذا التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة، إمكانية زيادة التواصل والحوار الثقافي والحضاري بين شعوب العالم، ويساعد على إيجاد آمال وأهداف ومصالح مشتركة تتجاوز المصالح القومية للشعوب والدول ولا تتناقض معها،.فيما إذا لم يساء استخدامها.
العولمة والدولة والسيادة الوطنية: ومع ذلك فقد أثارت العديد من الحكومات مخاوف وشكوك كثيرة. منها المخاوف السياسية التي يمكن أن تنجم عن بث برامج معادية لأنظمة الحكم، وأفكاراً وأيديولوجيات تهدد الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي داخل الدول. وعبرت بعض القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في العديد من دول العالم عن خشيتها من النظام الإعلامي المفتوح الجديد الذي قد يهدد ثقافات وتقاليد وعادات ومقدسات الشعوب، وانطلقت الأصوات تطالب بتحقيق أمن إعلامي وطني ودولي يراعي المصالح الوطنية ولا يتناقض مع المصالح الوطنية لكل دول العالم.
فإذا كانت العولمة ترتبط بسيادة نموذج اقتصاد السوق، فإن هذا النموذج بدوره يثير قضية العلاقة بالدولة ودورها، ولا يبرر الانتقال إلى اقتصاد السوق أبداً اختفاء دور الدولة، وكل ما هنالك حدوث تغييرات محدودة لذلك الدور الرتيب الذي اعتادت عليه بعض الدول بطيئة التطور.
ومعظم من كتب في أهمية نظام السوق، كان يقرن طروحاته دائماً بضرورة وجود دولة قوية قادرة على تأمين الأمن والاستقرار، ودون تلك الدولة القوية لا تستطيع السوق أن تقوم بدورها. ومن هنا فليس هناك مجال للحديث عن محاولة إلغاء أو تقليص دور الدولة، بل بالعكس لابد من التأكيد على هذا الدور وأهميته وضرورته، مع ضرورة إجراء تعديلات معينة لهذا الدور ليتوافق مع نظام السوق المنفتح عالمياً.
فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً وهي أكبر دولة رأسمالية في العالم، تتدخل في الحياة الاقتصادية، وتحدد شروط النشاطات الاقتصادية، والسياسات النقدية والمالية والتجارية، والفارق المهم بين النظم المركزية، ونظم السوق، هو أن الدولة تتدخل في الحياة الاقتصادية باعتبارها سلطة، وليس باعتبارها منتجاً. لأن سلطة الدولة لا غنى عنها ولا تتناقض مع تطور الحياة الاقتصادية.
والاقتصاد الحر لا يعني أبداً غياب الدولة عن النظام الاقتصادي. والفرق بين النظام الليبرالي ونظام التخطيط المركزي، ليس في مبدأ "التدخل" ولكن في مضمونه. ففي ظل التخطيط المركزي تقوم الدولة بالإنتاج المباشر للسلع والخدمات، وتسيطر على مجمل النشاطات الاقتصادية، عن طريق القطاع العام. أما في ظل الاقتصاد الحر، فإن الدولة تترك الإنتاج المباشر للسلع والخدمات للأفراد والمشروعات الخاصة، أي تحقق التكامل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص، ويكون تدخلها في سير الحياة الاقتصادية، بوسائل أخرى أكثر فعالية، من حيث الكفاءة الإنتاجية وتحقيق العدالة الاجتماعية. من خلال المحافظة على مستويات عالية في نمو الناتج القومي. والقيام بتوفير الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة، والقضاء والأمن والدفاع، ويدخل فيها قيام الدولة بمشروعات البنية الأساسية.
ومبدأ الحرية الاقتصادية لا يعني أبداً إهمال مبدأ العدالة الاجتماعية، فالبلاد التي أخذت بهذا المبدأ، هي في مقدمة بلاد العالم من حيث الاهتمام بالفقراء، وتحقيق العدالة في التوزيع، وتوفير شبكة الأمان لكل المواطنين، ضد المخاطر الاجتماعية بما في ذلك البطالة والعجز والشيخوخة، وغيرها من الأمراض الاجتماعية. وهناك علاقة وثيقة بين الكفاءة في الأداء الاقتصادي وبين شروط العدالة. ذلك أن الكفاءة تعني نمو الاقتصاد القومي بمعدلات عالية، وتعاظم قدرة النظام الاقتصادي لتوفير فرص العمل المنتج لكل القادرين عليه، وهي من المقومات الأساسية للعدالة الاجتماعية التي يؤكدها ويحرص عليها الشرع الإسلامي من خلال التكافل والتضامن.
والدور الجديد هذا للدولة يؤهلها للتكيف مع المتغيرات العالمية الجديدة، دون الانتقاص من سيادتها الوطنية، في ظل انتشار مفهوم العولمة، وشروط النظام العالمي الجديد. الذي يقوم على مبدأ الاعتماد المتبادل وليس على فرض الآراء بين دول وشعوب العالم. والاندماج الإيجابي والواعي في النظام العالمي الجديد. انطلاقا من حقائق أن العولمة ليست ظاهرة بلا جذور، بل هي ظاهرة تاريخية وموضوعية نتجت عن التطور الهائل لتكنولوجيا وسائط النقل ووسائل الاتصال ونقل المعلومات الحديثة وتغير طبيعة دورها الاجتماعي، والطبيعة التوسعية للإنتاج الرأسمالي. وعدم جواز البقاء خارج الظاهرة التاريخية هذه، وضرورة اللحاق بما يجري في العالم، والتعامل معه بوعي ووفقاً لقواعد محددة تجنباً للبقاء خارج إطار التاريخ.
والنظام الاقتصادي الجديد جاء نتيجة لإنجازات كبرى في تاريخ تطور البشرية على كافة المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية والتقنية والسياسية والفكرية، ويمثل نقطة جذرية مختلفة تماماً عن كل ما سبقتها من نظم. وأن الحضارة العالمية الحديثة قامت على ما خلفته حضارات القرون الوسطى وثقافاتها وخاصة منها الحضارة الإسلامية التي كانت في أوج ازدهارها آنذاك، وفسحت المجال أمام الجميع للانتماء إلى الوطن المشترك والعمل على رفعته وتقدمه دون تفريق، كما هي الحال في أكثر دول العالم الحديث. وزودت الفكر البشري برؤية عقلانية تاريخية تنويرية، بتوجه ديمقراطي يقوم على أساس الشورى واحترام الرأي، والرأي الآخر، والتعددية، وحرية التعبير، وتكريس مبادئ حقوق الإنسان التي لا تعرف الحدود القومية أو الجغرافية أو السياسية.
والعولمة الإعلامية تفرض على الدول الأقل تقدماً، القيام بمزيد من خطوات التحديث الشامل الذي لا يمكن دون الدور الفاعل للدولة، التي تضطلع به من خلال الترشيد والأداء الاقتصادي، وتنظيم تفاعلات السوق، وما تتطلبه تلك العملية من وسائل وتقنيات تجعل الساحة والموارد الإعلامية الخاصة والعامة متاحة للجميع ضمن الأطر والأنظمة التي تضبط عملها في إطار العلاقات على صعيد الدولة نفسها وفي علاقاتها مع غيرها من دول العالم. ولكن التجاوزات الكثيرة والأعمال التخريبية التي تعرضت لها الموارد الإعلامية لبعض الدول، إضافة للأخطار التي يتنبأ بها المختصون بين الفينة والأخرى، فرض على المجتمع الدولي ضرورة النظر في خطر جديد أصبح يهدد المجتمع الإنساني وعرف بتهديد الأمن الإعلامي الدولي.
موقف الأمم المتحدة من الأمن الإعلامي الدولي: وكانت منظمة الأمم المتحدة دائماً السباقة في دراسة مشاكل التدفق الحر للمعلومات منذ تأسيسها وحتى اليوم. ولهذا لم يكن غريباً أن تتضمن الوثائق الهامة التي صدرت عن الدورة 54 للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، وثيقة حملت في مضمونها أبعاداً سياسية وإنسانية عميقة، تناولت موضوع "العولمة الإعلامية" واستقرار إستراتيجية العمل السياسي والدبلوماسي في القرن الحادي والعشرين، بعد أن اعترف المجتمع الدولي وللمرة الأولى بوجود مشكلة الأمن الإعلامي الدولي كنتيجة حتمية لـ"العولمة الإعلامية"، على أنها مشكلة تهدد المجتمع الإنساني في المرحلة التالية للقرن النووي. وجاء هذا الاعتراف من خلال القرار 54/49 الذي تناول مشكلة "تحقيق الأمن الدولي في الإعلام والاتصالات المسموعة والمرئية".
فقد برزت تلك المشكلة بحدة بعد التقدم الهائل في تكنولوجيا الإعلام ووسائله المختلفة، وخلق هذا التقدم إلى جانب النواحي الإيجابية التي حملها للبشرية التي تنتظر منه الكثير في المستقبل، مجالاً جديداً تماماً من التهديد تمثل في خطر استخدام منجزات التقدم التكنولوجي في الإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد لأغراض تتعارض والمهام المنتظرة منها في دعم وتعزيز التفاهم والأمن والاستقرار الدولي.
ومشكلة الأخطار التي تهدد الأمن الإعلامي للدول الأقل تطوراً، لم تعد مشكلة منتظرة بل حقيقة قائمة خلقت نوعاً من التبعية الواقعية للدول الأكثر تطوراً في كل مجالات النشاط الإنساني داخل المجتمعات المحلية في الدول ذات السيادة، وشملت كل النواحي الاقتصادية والسياسية والعلمية، والثقافية، والإعلامية، وأصبحت الحاجة معها ملحة لتأمين نوع من الأمن القومي داخل المصالح الدولية المتشابكة بفعل العولمة الإعلامية وابتعاد التبادل الإعلامي الدولي عن دوره الطبيعي، وابتعاد استخدام شبكات المعلومات الدولية وشبكات الاتصالات المرئية والمسموعة العالمية، وتقنياتها ووسائلها عن أداء وظيفتها الإيجابية المنتظرة منها.
الأمن الإعلامي الدولي والتفوق في تكنولوجيا الاتصال: وأدى اتساع وشمولية تلك الشبكات بفضل تكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية الحديثة، إلى زيادة تأثيرها على وعي الأفراد والمجتمعات. مما دفع بالكثير من الدول لإضافتها أو التفكير في إضافتها للإمكانيات العسكرية الهائلة المتوفرة لديها، والتي تملكها بالدرجة الأولى الدول عالية التطور، والمعدة للاستخدام في الصراعات والنزاعات الدولية. مما أدى بدوره إلى خلق تبدلات هائلة أصبحت تؤثر على توازن القوى الدولية والإقليمية.
هذا إن لم نقل أنها أضافت بذلك مصادر جديدة للتوتر بين مراكز القوى التقليدية والناشئة، وإلى خلق مجالات جديدة للصراع لم تكن في الحسبان لفترة قريبة. وقد أدى تفوق الدول المتقدمة في مجال تكنولوجيا ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي تملكها، إلى احتكار الوعي الفكري والاجتماعي، وأدى إلى استغلال التفوق التكنولوجي والإعلامي والسياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري، وإلى تشجيع تلك الدول على استخدام ما تملكه من إمكانيات كسلاح إعلامي لا يتعارض استخدامه وقواعد القانون الدولي الذي لم يتعرض جدياً حتى الآن لهذه المشكلة الهامة والعويصة التي أفرزتها العولمة الإعلامية.
فالتقدم الهائل في تقنيات وتكنولوجيا الاتصال والإعلام الجماهيري أصبح اليوم يعادل في خطره، خطر السلاح النووي الذي كان سمة من سمات القرن العشرين. وأصبح فرعاً من فروع سباق التسلح، الذي أصبح مرة أخرى يستنزف موارد ضخمة، كان يجب أن توجه لخير البشرية وليس لتهديدها. خاصة وأن أكثر دول العالم غير مهيأة حالياً وغير مستعدة، أو غير قادرة على إقامة أو تحديث وسائلها الإعلامية المؤثرة، رغم أن الكثير منها بدأت بالميل نحو شراء وامتلاك مثل تلك الوسائل، من الدول المتقدمة التي أصبحت مسيطرة تماماً على الأشكال الجديدة من أسلحة الدمار الشامل ومن بينها السلاح الإعلامي. ولم يقتصر الأمر على الدول فقط، بل اتسع ليشمل القوى السياسية المختلفة المتصارعة، والتنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، مما خلق نوعاً جديداً وسوقاً مربحة لتجارة الأسلحة الجديدة التي أصبحت تتضمن قوائمها تقنيات وتكنولوجيا وبرامج الحاسب الآلي ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية.
البنى الإعلامية الدولية فوق الدولة: وفي ظروف "العولمة الإعلامية" وتشابك الحياة على الكرة الأرضية، وظهور وتشكل شبكات وبنى إعلامية دولية فوق الدول، أصبحت بما لا يدع المجال لأي شك تستخدم كسلاح معلوماتي مؤثر على العقول والمواقف، ووسيلة لشن حروب واسعة النطاق تطال الإنسان أينما كان، بفاعلية يمكن أن تؤدي نتائجها بل وتعادل قوتها وتأثيرها التدميري وتتفوق في بعض الظروف على أسلحة الدمار الشامل التقليدية المعروفة.
وليس عبثاً أن ترصد بعض الدول المتقدمة في ميزانياتها مخصصات للأمن الإعلامي تعادل بمستواها المخصصات التي ترصد لمواجهة أخطار استخدام أسلحة الدمار الشامل التقليدية. رغم اختلاف استخدام السلاح الإعلامي في الحرب عن الأشكال التقليدية من أسلحة الدمار الشامل، لأن تأثيرها يمكن أن يطال الجبهة الداخلية في الصميم. مع إمكانية استخدام الأسلحة المعلوماتية الدولية التي تتميز بالقدرة المؤثرة الكبيرة ضد الأهداف المدنية، كوسيلة من وسائل الصراع على السلطة، وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية. والأمثلة على ذلك في عالم اليوم كثيرة، ولا ينحصر تهديدها الواقعي على القوى البشرية فقط، بل اتسع ليشمل الأنظمة الإعلامية التي تملكها الدول، والمنظمات والهيئات الدولية، من قبل دول معادية أو قوى الإرهاب والإجرام المنظم على السواء، مما أعطى لطابع تأثيرها طبيعة كارثية من خلال ليس التسلل لداخل تلك الأنظمة وحسب، بل وفي تخريب تلك الأنظمة، والتأثير على محتوياتها من معلومات وإتلافها. وهو ما كان الدافع على ما أعتقد لاتخاذ القرار 54/49 أثناء الدورة 54 للهيئة العامة للأمم المتحدة في 1/12/1999.
التهديدات الجديدة للعولمة الإعلامية: وكان من الطبيعي أن تتوصل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتفاهم حول موضوع هام يمس البشرية بأسرها في ظل "العولمة الإعلامية". سبق ونوقش في أيار/مايو 1996 أثناء المؤتمر الدولي للعولمة في المجتمع الإعلامي الذي انعقد في ميدراند بجنوب إفريقيا. واستعرض بجدية موضوع التهديدات الجديدة للعولمة، وأسفر عن نتائج واستجابة عاصفة من قبل كل المشاركين في المؤتمر. مما رفع من مستوى القضية لتصبح من بين القضايا الملحة التي تنتظر الحل من قبل المجتمع الدولي، وتتطلب إيجاد حل ملائم لها قبل أن تتفاقم وتصبح مستعصية كغيرها من المشاكل العالقة في إطار الدبلوماسية الدولية حتى اليوم.
وقد تبلورت المشكلة أكثر أثناء التحضيرات التي جرت للإعداد للقاء القمة بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس الروسي في أيلول/سبتمبر 1998. فقد اقترح الجانب الروسي مشروع بيان مشترك للقاء القمة تناول مشكلة الأمن الإعلامي. لكن الأمريكيون اكتفوا بالإطلاع على المشروع، وامتنعوا عن مناقشته. ورغم ذلك فقد تضمن البيان الختامي للقاء القمة، إشارة صريحة للتهديدات العامة للأمن على عتبة القرن الحادي والعشرين، حيث أعلن الجانبان أنهما: وافقا على "تنشيط الجهود المشتركة للتصدي للتهديدات عبر القوميات في الاقتصاد والأمن للبلدين، بما فيها تلك التي تعتبر جرائم عن طريق استخدام تكنولوجيا الحاسب الآلي وغيرها من الوسائل التكنولوجية المتقدمة"؛ واعترفا "بأهمية الجهود الإيجابية المشتركة لإضعاف التأثيرات السلبية الجارية الآن نتيجة لثورة تكنولوجيا الاتصال، التي تعتبر مهمة وجادة في الجهود الرامية لحماية مصالح الأمن الإستراتيجي للبلدين في المستقبل".
وأصبح واضحاً بعد ذلك عزم روسيا إثارة المشكلة أبعد من ذلك، فقام وزير الخارجية الروسي ي.س. إيفانوف بتوجيه رسالة خاصة إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في 23 أيلول/سبتمبر 1998 تضمنت اقتراحا بإدراج مشكلة الأمن الإعلامي الدولي بين مواضيع عمل المنظمة الدولية، والنظر في مشروع قرار خاص حول هذا الموضوع. وأعلن في كلمته من على منبر الدورة 53 للهيئة العامة للأمم المتحدة، بأن جوهر الاقتراح الروسي يتضمن الاقتراح على الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، التوصل لمفهوم محدد حول التهديد في مجال الأمن الإعلامي، وأن تقدم كل دولة تقديراتها الخاصة للمشكلة، بما في ذلك إعداد مبادئ دولية توفر الأمن في ظروف عولمة المنظومات الإعلامية الدولية. وأن تتضمن تلك التقييمات التي تقدمها الدول الأعضاء في المنظمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، إلزامه بتقديم تقرير خاص عن المشكلة يبحث خلال الدورة التالية للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة. بشكل تتوضح معه جوانب الصراع المبدئي حول موضوع التهديد باستخدام المنجزات العلمية والتقنية والتكنولوجية الحديثة في أغراض تتعارض مع أهداف تعزيز الأمن والاستقرار العالمي.
وجاء القرار الذي استند على الاقتراح الروسي خلال الدورة 53 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة 53/70 عن "المنجزات في مجال الإعلام والاتصالات المرئية في إطار الأمن الدولي" في 4/12/1998، بشكل ملطف عن المشروع الروسي حيث اختفت من القرار الكثير من المقترحات التي حددت الإجراءات اللازمة حسب التصور الروسي، لتنظيم عملية التصدي لإمكانية استخدام التكنولوجيا الإعلامية في الحرب، وشرح خطر تطوير السلاح الإعلامي، وإشعال الحروب الإعلامية. وبذلك اعترف المجتمع الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة ولأول مرة بوجود الحرب المعلوماتية على المستوى الدولي. واعتبر هذا الإنجاز تقدماً سياسياً هاماً رغم عدم استعداد أكثرية الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة لتقبل القضية كمشكلة من كل جوانبها. وعاد المجتمع الدولي وغير من موقفه من المشكلة خلال الدورة 54 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
فما الذي حدث بين الدورتين 53-54 لمنظمة الأمم المتحدة ؟ وهل جاء تغيير المواقف تلك نتيجة للجهود الدبلوماسية والمجاملات السياسية بين الدول ؟ أم لأن العالم استطاع خلال تلك الفترة من التعرف أكثر على أخطار العولمة الإعلامية، والدور المتصاعد للإعلام في عالم اليوم. واستخلص العبر من استخدام سلاح المعلوماتية في الحروب التي جرت خلال تلك الفترة. ومن خلال أمثلة محددة تم فيها استخدام السلاح المعلوماتي في عمليات محددة، اجتاز من خلالها الحدود السياسية المعترف بها لمختلف دول العالم، جنباً إلى جنب مع الأسلحة التقليدية والمتقدمة الأخرى المستخدمة في الاستطلاع والعمليات العسكرية، للقضاء على الخصم أو الحد من إمكانيات دفاعاته الذاتية.
العولمة الإعلامية والسيطرة على الموارد الإعلامية: فالمعارك للسيطرة على عقول الكثير من الشخصيات السياسية في موقع القرار وتوجيهها هي حرب غير مرئية على الرغم من أنها أخذت خطاً واقعياً، وأصبحت بالتدريج تهدد جوهر الصراع من أجل السيطرة على وعي صاحب القرار، ولتحد من إمكانيات أي مواجهة جادة للأخطار الخارجية، إضافة لأخطار التأثير والتخريب المتعمد للموارد الإعلامية المتاحة لكل دولة، ووسائل الحصول عليها وحفظها ونشرها واستعادتها والتعامل معها.
مما دفع ببعض الدول إلى الشروع بتطبيق برامج حكومية طويلة المدى على المستوى القومي، الهدف منها تأمين الأمن الإعلامي القومي وسلامة البنى التحتية الإعلامية الوطنية الأساسية. في نفس الوقت الذي بدأت فيه بالتعامل مع "العولمة الإعلامية" وآثار التشابك المتبادل بين المجالين الإعلامي الوطني والدولي. واضطرت مجبرة على الاعتراف بأن نجاح الجهود الوطنية للحفاظ على الموارد الإعلامية الخاصة بكل دولة، ليست في النهاية سوى جهود حثيثة لرفع مستوى "المناعة السلمية" للنظام الإعلامي الوطني في مواجهة الساحات الإعلامية للدول الأخرى التي أصبحت تشمل دولاً بعيدة عنها جغرافياً، وليس بالضرورة أن تكون تلك الدول مجاورة، ولكن يكفي أن تكون متشابكة معها من خلال شبكات الاتصال الدولية وفي الموارد الإعلامية بشكل موضوعي ومتشعب يصعب فصله.
وموضوع السلاح الإعلامي والحرب الإعلامية أصبح مثاراً للمناقشة من قبل المتخصصين بشكل واسع، منذ بداية الـتسعينات من القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر أعداداً كبيرة من المقالات والدراسات حول هذا الموضوع الهام في العديد من الصحف والمجلات. وبدأ يناقش ضمن موضوعات الكثير من المؤتمرات واللقاءات العلمية الوطنية والإقليمية والدولية، التي صبت اهتمامها بمعظمها على مواضيع الأبحاث التي لا تتفق ومبادئ السلام العالمي، وبرامج تطوير التكنولوجيا الخاصة بطرق حماية الموارد الإعلامية من التأثير الخارجي. ولكن كل تلك المناقشات والمقالات والدراسات المنشورة حملت طابع المحلية، وكانت بعيدة كل البعد عن المناقشات الدولية التي كان يجب أن تتناول مشاكل العولمة الإعلامية، والأمن الإعلامي. رغم أن المشكلة حظيت ليس باهتمام المتخصصين وحسب، بل واستحوذت على اهتمام عدد كبير من غير المتخصصين وقادة الرأي. ولهذا يمكننا اعتبار صدور القرار 53/70 عن منظمة الأمم المتحدة بمثابة إنذار يشير بجدية للخطر الجاثم، الذي وقعت فيه البشرية ويهدد صميم النظم الإعلامية الوطنية، ويهدد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
بعد أن ظهر جلياً للمجتمع الدولي بما لا يدع مجالاً للشك، أنه أصبح متوفراً لدى العديد من الدول المتقدمة تكنولوجيا إعلامية متطورة، ونتائج أبحاث جاهزة وهامة يمكن استخدامها في التأثير على الموارد الإعلامية للغير. وحقائق لا تقبل الجدل من أن نتائج الأبحاث تلك أدت إلى صنع وسائل تستخدم في الأغراض العسكرية البحتة، حتى ولو لم يتم تسميتها بالأسلحة الإعلامية.
السلاح الإعلامي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة: وأصبح واضحاً أيضاً بعد توفر معلومات كافية، تتحدث عن شروع العديد من الدول الصناعية المتقدمة في إجراء أبحاث للحصول على تقنيات وتكنولوجيا متطورة في مجال الاتصال، وإعداد تكنولوجيا متطورة وتقنيات وطرق لاستخدامها بهدف السيطرة المباشرة على الموارد الإعلامية للخصم، والتأثير المباشر عليه. حيث أشارت بعض المصادر إلى أن أكثر من 120 دولة من دول العالم وصلت وفي مستويات مختلفة لنتائج ملموسة في هذا المجال الذي لا يقل خطورة عن السلاح النووي. بينما تجرى أبحاثاً لتطوير السلاح النووي في 20 دولة فقط من دول العالم تقريباً.
وتذكر بعض المصادر أن بعض الدول أصبحت تملك وسائل جاهزة للدفاع ضد أخطار السلاح الإعلامي ضد العدو المتوقع في ظروف الصراعات العسكرية على مختلف المجالات والمستويات، حتى في زمن السلم. ويشمل الإطارين الإستراتيجي والعملياتي التكتيكي، وصولاً إلى أرض المعركة. وأن الاهتمام منصب الآن على مواضيع تتعلق بحماية المجال الإعلامي الخاص بتلك الدول من تأثير استخدام السلاح الإعلامي من قبل دول معادية، تفادياً لتأثير الحرب غير المعلنة في المجال الإعلامي. كما وبات معروفاً أيضاً من أن بعض الدول التي تقوم فعلاً بشن الحرب الإعلامية، أو شنتها قد أدخلت السلاح الإعلامي فعلاً في نظمها العسكرية وتقوم بإعداد وحدات عسكرية مدربة خاصة ومدعومة بالمتخصصين في هذا المجال الهام، للقيام بالعمليات الإعلامية الهجومية كأداة من أدوات الصراع الأخرى لتحقيق النصر العسكري الحاسم على العدو.
ويعتبر المهتمون بالمشكلة أن الستار قد انكشف فعلاً عن استخدام السلاح الإعلامي عملياً في الحروب الأهلية الجارية هنا وهناك، وفي الصراع على السلطة في معظم دول العالم، وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية سمة الحقبة الأخيرة من القرن العشرين. وأن الأسلحة الإعلامية أظهرت مقدراتها الفريدة على أرض المعركة وتأثيرها النفسي والمادي والمعنوي سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب، وتجاوزها عملياً لكافة الحدود الوطنية والسياسية والجغرافية بتجاهل تام لاستقلال وسيادة تلك الدول.
السلاح الإعلامي وإدارة الصراع: ومن خلال الصراعات الداخلية الأخيرة والهامة، أكتشف المراقبون أنها تتم ومع الأسف بمساعدة ودعم كبيرين من الخارج. لنستشف من ذلك أن تلك الصراعات لم تنجو من استخدام بعض الوسائل الحديثة في الصراع ضمن المجال الإعلامي، والتي يمكن اعتبارها أسلحة إعلامية. وأصبح واضحاً: أن وقت الأشكال التقليدية من "التخريب الإيديولوجي" وعمليات الاختراق الفكري والحرب النفسية قد ذهبت، لتحل محلها الوسائل الحديثة، وعلى مستوى جديد من التأثير. وأن مستوى استخدام تلك الوسائل قد أرتفع بشكل لا يوصف. إذ لا يمكن مقارنة الخطابة أمام حشد من الجمهور يمكن تفريقه، أو مقالة في صحيفة يمكن مصادرتها، أو برنامج إذاعي مسموع أو مرئي يمكن التشويش عليه، بسرعة انتشار المعلومات في كل أنحاء العالم، أو اختفاء تلك المعلومات مباشرة وبسرعة هائلة من كل أنحاء العالم، عبر شبكات الحاسب الآلي وأشهرها شبكة الانترنيت العالمية، وهي معلومات أصبحت اليوم مزودة بالصورة الثابتة والمتحركة، والتسجيلات المرئية والمسموعة. وكلها يمكن أن تعادل بفعاليتها الأسلحة الإعلامية، التي يهدف من استخدامها أن تكون فوق القوميات، وفوق الدول، وثبت عملياً أن في كل أنواع "الحروب الإعلامية الأهلية" وبشكل غير مباشر هناك قوة ثالثة، وضعت ضمن أهدافها الحيوية الاختراق وتخطي الحدود لداخل ضمير تلك المجتمعات الضحية. وظهر ذلك جلياً خلال الأعوام الماضية عندما استخدمت أراض الغير لإدارة هذا النوع من الصراعات كما حدث في العراق (قبل وأثناء وبعد حرب تحرير الكويت)، وإندونيسيا (أثناء انفصال تيمور الشرقية)، وجمهورية إشكيريا (الشيشان) وفي حربها المستمرة من أجل الاستقلال، والحرب التي خاضتها وتخوضها بعض دول الاتحاد اليوغوسلافي السابق من أجل الاستقلال. فعلى مثال يوغوسلافيا انكشفت محاولات توريط الاتحاد الدولي للاتصالات الإلكترونية من خلال مبادرة الأمم المتحدة في كوسفو، وقرار تحديد نهايات الأقنية المستقلة للاتصالات التلفونية والاستيلاء على الرمز الدولي لتلك الدولة، وكان من الممكن أن يبقى ذلك الإجراء شبه مجهول لو لم يعلن. ومثل تلك الخطوة يمكن اعتبارها بالكامل جهوداً إضافية، الهدف منها عزل الأقنية الإعلامية للخصم وبالتالي الحد من تأثيرها وإخراجها من معادلة الصراع. ومثال أدوات الصراع من أجل استقلال تيمور الشرقية، قيام منظمة: East Timor campaign مباشرة بعد الاقتراع على استقلال المحافظة الإندونيسية السابقة تلك، ومن أراضي إسبانيا والبرتغال وفرنسا بهجوم كاسح استهدف مواقع الحكومية الإندونيسية في شبكة الانترنيت العالمية، خربت بنتيجتها صفحاتWEB ، الخاصة ليس بالحكومة وحدها، بل وصفحات المنظمات الإندونيسية، وأطلقت فيروسات كمبيوتر جديدة، بدأت بالعمل مباشرة للقضاء على المواقع الإعلامية الإندونيسية في شبكات الكمبيوتر العالمية. ولا يمكن أن تعتبر تلك العملية الإعلامية المنفذة من أراضي دول أوروبية بعيدة جداً عن جنوب شرق آسيا، إلا حقيقة تثبت لا حدودية استخدام الأسلحة الإعلامية، ومثال لاستخدامات الأسلحة الإعلامية بشكل مباشر من أجل الوصول إلى أهداف سياسية داخلية محددة رغم البعد الجغرافي الشاسع بين المؤثر والمتأثر من استخدام السلاح الإعلامي. وفي الصراع الدائر بين قوات الحكومة الإشكيرية المتطلعة للاستقلال عن الاتحاد الروسي، والمقاتلين الشيشان من جهة، والقوات الفيدرالية الروسية من جهة أخرى على الأرض الشيشانية، فنرى أن الأسلحة الإعلامية لم تبقى جانباً فقد استخدم المقاتلون الشيشان مختلف وسائل الإعلام، وكانت صفحات الانترنيت واحدة من ساحات القتال من أجل "استقلال إشكيريا" والتخلص من الظلم الروسي. وبفضلها اطلع العالم كله على مواد إعلامية ملموسة وواقعية تتحدث عن الوضع في شمال القوقاز، وعن جهود أعضاء الحكومة والدبلوماسية الإيشكيرية لإطلاع العاملين في مؤسسات العلاقات الخارجية الرسمية بالدول المتقدمة في العالم على الحقائق، من خلال محاضراتهم التي دعتهم لإلقائها بعض أقسام الجامعات في تلك الدول وتحدثوا من خلالها عن الشؤون الشيشانية. وفي الحالة العراقية عندما وضعت بعض المواقع العراقية تحت المراقبة المستمرة من قبل أجهزة مراقبة متطورة ثبتتها فيها فرق التفتيش الدولية، وعندما أجبرت الحكومة العراقية على إغلاق مواقعها في الانترنيت بعد أن تم التسلل إليها، وتغيير مضمونها لصالح المعارضة العراقية، وفقاً للنبأ الذي أذاعته إذاعة صوت العراق الحر من براغ يوم 3/6/2000، وعندما سيطرت القوات الأمريكية على الساحة الإعلامية العراقية تماماً قبل وأثناء وبعد دخول قوات التحالف الدولي للأراضي العراقية للقضاء على نظام حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين عام 2003.
هذا إن لم نتحدث عن العزل الإعلامي والتعتيم الإعلامي شبه الكامل، من قبل أكثرية وسائل الإعلام الدولية المؤثرة والتي هي فوق الدول، لرأي الجانب العربي في الصراع الدائر من أجل تحقيق سلام عادل وحقيقي بين العرب وإسرائيل، والاستعاضة عنه بإبراز رأي الجانب الإسرائيلي فقط بشكل سافر، وزج الإسلام بأحداث لا علاقة له بها (وخاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية)، تحدث هنا وهناك في أنحاء مختلفة من العالم عن طريق تشويه الحقائق بشكل مقصود، مما يوحي بخلق رأي عام دولي متحيز أحادي الجانب يشوه الحقائق وينصر المعتدي على الضحية، ويؤدي إلى حرمان المعتدى عليه ضمن إطار هذا الوضع غير الطبيعي من التعبير عن رأيه وتوضيح الحقائق أمام الرأي العام العالمي. ناهيك عن الحرب الإعلامية غير المعلنة من الخارج لإشعال نار الفتنة وتفعيل الخلافات العربية العربية، والعربية مع دول الجوار الإقليمي، والإسلامية الإسلامية. وهي أحادية الجانب لا تواجه أية مقاومة تذكر لضعف أدوات وفعاليات الإعلام العربي والإسلامي الموجه نحو الساحة الدولية حالياً على الأقل.
ولابد أن تلك الصورة هي التي أثرت بشكل نهائي على تقدير المشكلة بالكامل من قبل دول العالم الأقل تطوراً. وهي التي أدت إلى تغيير مواقف الكثير منها بشكل جذري عما كان في السابق. وظهر هذا من خلال مؤتمر جنيف حول الأمن الإعلامي الذي انعقد في آب/أغسطس 1999، والذي نظمه معهد الأمم المتحدة لمشاكل نزع السلاح (يونيدير)، وإدارة قضية نزع السلاح في الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، من ضمن إطار إجراءات تطبيق القرار 53/70 للهيئة العامة للأمم المتحدة. وشارك في المؤتمر ممثلين عن أكثر من 50 بلداً، من بينهم كل اللاعبين الأساسيين على أرض تكنولوجيا الإعلام الدولية المتقدمة، مما سمح برفع مستوى نتائجه، ولو في إثارة المشكلة على المستوى العالمي على الأقل، بعد أن كانت حصراً بلقا آت المتخصصين وحدهم.
مشكلة الأمن الإعلامي والمصالح الوطنية والدولية: كما ويمكننا اعتبار أن الهدف الرئيسي لأكثرية المشاركين في المؤتمر آنف الذكر، كان إظهار الطريقة التي تتعامل فيها كل جهة من الجهات المشاركة، مع مشكلة الأمن الإعلامي الدولي، من خلال المناقشات التي جرت في إطار مواضيع الدورة 54 للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة. ولكن كان من الملاحظ أنها لم تكن مستعدة لذلك مما أدى إلى حصر المناقشات حول الاقتراح الروسي فقط، ومتابعة إعداد كل المواضيع المتعلقة بالأمن الإعلامي الدولي على مستوى خبراء الدول المهتمة، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة. وهذا من حيث الجوهر يعتبر اعترافاً دولياً بأهمية المشكلة ونجاحاً للدبلوماسية الروسية التي أحسنت اختيار التوقيت لعرض الاقتراح سالف الذكر. ومحاولة التأثير في مضمون المشكلة وتوجيهها نحو مداخل تعتبر ذات أهمية خاصة لروسيا، واعتبارها المدخل للتحديد الدقيق لتصور دولي ونهائي تدور من خلاله المناقشات التالية لمشاكل الأمن الإعلامي الدولي، حتى وإن لم تتفق وجهات نظر الكثيرين حول المشكلة، ولكنها قد تساعد على حلها.
أطر مشاكل الأمن الإعلامي الوطني والدولي: ويرى البعض أن مشاكل الأمن الإعلامي الوطني الدولي تنحصر في إطارين اثنين، هما:
الإطار الأول: الذي يؤدي عملياً إلى إلغاء الوحدة الموضوعية للمشكلة ويحاول تجزئتها إلى قضيتين فرعيتين هما: الأولى: وتتناول الجريمة الإعلامية؛ والثانية: وتتناول الإرهاب الإعلامي.
وفي هذا الإطار يمكن الاستمرار في إعداد الأسلحة الإعلامية وتطويرها مما يهدد بخطر اندلاع الحروب الإعلامية. ولا يعترف المؤيدين لهذا الإطار بوجود المشكلة أساساً، بل يعتبرونها أعراضاً ثانوية يمكن علاجها. وبالتالي وبشكل منطقي كامل تصبح وفق وجهة النظر تلك مشكلة نزع السلاح الإعلامي ملغاة تلقائياً، ولا حاجة لمناقشها. وهو ما يسمح بإخراجها من إطار منظمة الأمم المتحدة وتحويلها إلى المنابر الإقليمية والمتخصصة، لتبقى مشكلة هامشية عالقة إلى الأبد تتحول من لجنة إلى أخرى وهكذا دواليك.
الإطار الثاني: ويمثل خط الدول التي أظهرت استعدادها الفوري للمشاركة في إعداد آلية دولية محددة تواجه إقامة واستخدام وسائل مؤثرة على الموارد الإعلامية خارج إطار الشرعية والقانون الدولي. واقترحت بذلك تقديم المشكلة للمجتمع الدولي، واتخاذ تدابير من بينها إحداث محكمة دولية خاصة للنظر في الجرائم الإعلامية. والقيام في نفس الوقت بإعداد تكنولوجيا عالمية للوقاية من الهجمات والتعديات الإعلامية الدولية.
ورغم ذلك فإنه يمكننا اعتبار الاعتراف بالمشكلة دولياً، والاعتراف بضرورة إيجاد حلول لها في إطار قرارات الشرعية الدولية من خلال قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة، ودفعها إلى الأمام لتصبح واحدة من المشاكل التي تناقش في إطار منظمة الأمم المتحدة من أهم نتائج المؤتمر. وبذلك يكون الهدف النهائي من القضية إعداد برامج عملية تمكن الدول من اتخاذ إجراءات ذاتية أو مشتركة لمواجهة خطر التهديدات الإعلامية الدولية. لتتحول نتائج هذا المؤتمر من حيث الجوهر إلى مرحلة تحضيرية لنقل المشكلة الناتجة عن العولمة إلى إطار الهيئة العامة للأمم المتحدة، بغض النظر عن الخلافات في وجهات النظر حول الاعتراف بها، أو بطرق التعامل معها بشكل مكشوف، انطلاقا من مصالح الأمن الوطني والقومي والعالمي.
الفصل الثالث: المصطلح والحرب الإعلامية، ومجالات تأثير الصراع الإعلامي الدولي. المصطلح والحرب الإعلامية: ومن القضايا الهامة التي تنتظر الحل من قبل المجتمع الدولي، وخاصة منه الوسط الأكاديمي الدولي في إطار المنظمات الدولية المتخصصة، مشكلة الاتفاق من حيث المبدأ على المصطلح والتوصل لتعريف مشترك لماهية الحرب الإعلامية غير المرئية تلك، وأسلحتها وأدواتها ووسائلها المشتركة في جوهر الصراع. لتؤدي في النهاية إلى الاعتراف بالحرب الإعلامية، مثلها مثل الاعتراف بالحروب التقليدية، والمحدودة، والنووية، والباردة، والأسلحة التقليدية وغير التقليدية المستخدمة في الصراعات بين الدول. ورغم ضيق الهوة بين فهم الخبراء في الدول المختلفة حول المصطلح، فقد لوحظ تباين واضح في التوجهات. التي يمكن تحديدها ببعض الاتجاهات الرئيسية والتي نلخصها بالتالي:
الحرب الإعلامية: ويمكن أن تعبر عن المواجهات الإعلامية التي تهدف إلحاق الضرر أو تخريب الأنظمة الإعلامية الهامة للخصم، وتخريب نظمه السياسية والاجتماعية، وزعزعة الأمن والاستقرار داخل المجتمع والدولة الخصم.
الصراع الإعلامي: ويمكن أن يعبر عن شكل من أشكال الصراع بين الدول، من خلال تأثير دولة ما إعلامياً على نظم إدارة الصراع في غيرها من الدول أو على قواتها المسلحة، والتأثير على القيادات السياسية والعسكرية وحتى المجتمع بأسره. وكذلك التأثير على الأنظمة الإعلامية ووسائل الإعلام الجماهيرية لتلك الدول من أجل تحقيق أهداف محددة ومناسبة لها، والحد من تأثير أية ممارسات مشابهة قد تخرق المجال الإعلامي للقائم بالصراع.
التأثير الإعلامي: ويمكن أن يعبر عن الفعل الموجه ضد الخصم باستخدام الأسلحة الإعلامية المختلفة.
الأسلحة الإعلامية: ويمكن أن تعبر عن مجموعة من الوسائل التكنولوجية وغيرها من التقنيات والأساليب والتقنيات المستخدمة من قبل القائم بالصراع بغرض: السيطرة على الموارد الإعلامية والإمكانيات المعلوماتية والتقنية المتاحة للخصم؛ والتدخل في عمل أنظمة إدارة الخصم وشبكاته الإعلامية، ونظم اتصاله وغيرها، بهدف تخريبها عملياً، وإخراجها تماماً من حيز العمل. والتسلل للمواقع الإعلامية للخصم بهدف الاستيلاء على موارده الإعلامية فيها، وتحريف مضمونها أو إدخال معلومات مغايرة، أو استبدالها بمعلومات أخرى، أو تخريبها بشكل موجه ومدروس؛ ونشر معلومات أخرى منافية، أو معلومات مضللة من خلال نظم تشكيل الرأي العام ومراكز اتخاذ القرار، لصالح القائم بالصراع؛ وإتباع مجموعة من الأساليب الخاصة باستخدام وسائل تؤثر على وعي وسلوك القيادة السياسية والعسكرية، وتؤثر على الحالة المعنوية للقوات المسلحة، وأجهزة الأمن الوطني، ومواطني الدولة الخصم، لتحقيق التفوق عليها أو إضعاف تأثيرها الإعلامي.
الأمن الإعلامي، ويمكن أن يعبر عن: إجراءات محددة لحماية المجال الإعلامي والموارد الإعلامية، بشكل يؤمن تشكلها وتطورها لصالح المواطنين والمؤسسات والمنظمات والدول؛ وإجراءات محددة لحماية نظم الإعلام الخاصة بالأفراد والمنظمات والدول، التي يتم من خلالها استخدام المعلومات ومواردها بأشكال محددة ودقيقة، وضمان عدم التأثير السلبي عليها أثناء الاستخدام؛ وإجراءات محددة لحماية المعلومات التي تحمل طابع السرية ومواردها، لضمان عدم وصول الغير إليها بسهولة، وتوفير إجراءات تؤكد صعوبة الوصول إليها أو تخريبها، والمحافظة على خصائصها وسريتها وسلامتها، واسترجاعها عند الحاجة من قبل الأشخاص والجهات المصرح لها بالوصول إلى تلك المعلومات.
المجال الإعلامي: ويمكن أن يعبر عن مجال النشاط الإنساني الذي يتضمن إحداث وتشكيل واستخدام نظم المعلومات من أجل: تشكيل الوعي المعرفي الفردي والاجتماعي؛ وتوفير الموارد الإعلامية، أي البنية التحتية الإعلامية بما فيها مجموعة الأجهزة والأنظمة، والتجهيزات التكنولوجية والتقنيات، والبرامج وغيرها، التي تؤمن تكوين وحفظ المعلومات، وإعدادها والتعامل معها وإرسالها واستردادها وتدفقها؛ وتكوين وتوفير المعلومات الخاصة وتأمين تدفقها.
الجريمة الإعلامية، ويمكن أن تعبر عن: أي تصرف يؤدي إلى حدوث تأثير سلبي على المجال الإعلامي وموارده، لفرد أو جماعة أو منظمة أو دولة، أو لأي جزء منه بشكل مخالف للقانون. وينتج عنها أضراراً اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية بما فيها تخريب المجال الإعلامي للغير وموارده، لأهداف أيديولوجية أو اقتصادية أو سياسية أو عسكرية.
مجالات تأثير الصراع الإعلامي الدولي: لا يستطيع أحد في الوقت الحاضر، أن ينكر الصعاب الكثيرة التي تعترض توفير الأمن الإعلامي في ظروف الصراع الإعلامي الإقليمي والدولي. الذي أصبح يستهدف كل مجالات حياة الإنسان اليومية. الأمر الذي دعى الكثير من الخبراء للنظر في ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة توفر الأمن الإعلامي في المجالات:
السياسية: بما فيها بنية النظام السياسي والاجتماعي والحكومي للدولة، ونظم دراسة وإعداد واتخاذ القرار السياسي. والأجهزة المختصة بإجراء الانتخابات والاستفتاء العام وغيرها من أدوات قياس الرأي العام. ونظم الإدارة المحلية والمركزية والإقليمية، والهياكل الإعلامية ووسائل الاتصالات المرئية والمسموعة، وشبكات الحاسب الآلي التابعة لأجهزة السلطات الحكومية والإدارية.
الوعي الاجتماعي والتربوي: وتشمل نظم التعليم، ووسائل تشكيل الرأي العام، ووسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، والأحزاب السياسية والمنظمات والاتحادات والهيئات الاجتماعية والثقافية والدينية والقومية والوطنية؛
الاقتصادية: وتشمل نظم الإدارة الاقتصادية، ونظم جمع وتخزين واسترداد وإعداد المعلومات الخاصة بالمقدرات الإنتاجية للاقتصاد الوطني، ونظم التحليل الاقتصادي العامة، وتوقعات تطور الاقتصاد الوطني العام والخاص، ونظم الإدارة والتنسيق في المجالات الصناعية والزراعية والمواصلات، ونظم الإدارة والإمداد المركزية للطاقة، ونظم اتخاذ القرار والتنسيق في حالات الطوارئ، ونظم الإعلام الاقتصادي المقروءة والمسموعة والمرئية، وشبكات الحاسب الآلي؛
المالية: بما فيها بنوك المعلومات وشبكات الاتصال وتبادل المعلومات، بين البنوك والاتحادات المصرفية، ونظم الاتصال الخاصة بالتبادل المالي والحسابات المالية، الخاصة والحكومية والدولية؛
الدفاعية: وتشمل موارد المعلومات الخاصة بالقوات المسلحة، والهيئات العلمية والمنشآت العاملة في المجالات الصناعة الدفاعية، ونظم إمداد وإدارة القوات المسلحة، ونظم السيطرة والمراقبة الدائمة، وقنوات تدفق المعلومات ذات الطبيعة الإستراتيجية والعملياتية والاستطلاعية؛
العلمية والتكنولوجية: بما فيها نظم إجراء البحوث العلمية النظرية والتطبيقية، ونظم جمع وتخزين واستعادة المعلومات الخاصة بالبحوث العلمية الجارية، والاكتشافات العلمية، والاختراعات التي تم التوصل إليها، سواء أكانت في المجالات التكنولوجية أم في مجالات العلوم الإنسانية أم في مجالات العلوم الحية وغيرها من المواضيع الخاصة بالملكية الفكرية؛
الأمن الداخلي: وتشمل نظام التحقيق، والتحقق، والنيابة العامة، والإجراءات العدلية، والموارد الإعلامية لأجهزة الأمن، ومنظومات جمع وحفظ وإعداد واسترجاع المعلومات والإحصائيات الخاصة بالجريمة، بما فيها بنوك معلومات الشرطة الدولية (الإنتربول).