الأحد، 18 أكتوبر 2015

مؤرخ وسط آسيا العالم أبو بكر نارشاهي


مؤرخ وسط آسيا العالم أبو بكر نارشاهي


أبو بكر نارشاهي (899م-959م) هو مؤلف كتاب "تاريخ بخارى"، الذي تمتع بشهرة كبيرة في العالم كمصدر قيم، وموسوعة فريدة عن تاريخ مدينة بخارى أهم المراكز الثقافية في وسط آسيا. ويصعب اليوم إعادة تقييم أهمية هذا الكتاب.
ونارشاهي كتب كتابه خلال عامي 943م-944م، باللغة العربية وكرسه لحاكم دولة السامانيين أبو محمد نوح بن ناصر بن أحمد إسماعيل الساماني. ولكن النص الأصلي المكتوب باللغة العربية فقد ولم يبقى حتى اليوم.
وفي عام 1129م ترجم أبو ناصر أحمد بن محمد بن ناصر الكوباوي (الذي جاء من مدينة كوبة بولاية فرغانة) الكتاب إلى اللغة الفارسية بتكليف من أصدقاء نارشاهي. وقبل ذلك وخلال 185 سنة تعرض الكتاب لأكثر من مرة للتحرير، والإختصار، والإضافة. حتى مد المترجم يده إلى المخطوطة وقام بإجراء تعديلات وإضافات عليها.
وبعد نصف قرن وخلال عامي 1178م-1179م جرى اختصار النسخة الفارسية من الكتاب مرة أخرى، وخلال الأعوام الممتدة من عام 1178م وحتى عام 1220م جرى تحرير الكتاب وأضيفت إليه أحداث السنوات التالية، وهو ما يشهد عليه ترجمة وقائع تاريخية عن الفترة اللاحقة لتأليفه. كما تضمن كتاب "تاريخ بخارى" مقتطفات من كتب غيره، مثل كتاب "خزائن العلوم" من تأليف أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد نيشابوري، وكتاب "أخباري مقنع" من تأليف أبو إسحاق إبراهيم بن العباس السولي، وكتاب "تاريخ الطبري" من تأليف أبو جعفر محمد الطبري. ومع ذلك كل الذين شاركوا في تطوير الكتاب حافظوا على اسم نارشاهي كمؤلف للكتاب.


كما تجب الإشارة إلى حقيقة أن التسمية الأولى للكتاب التي أطلقها نارشاهي على كتابه بقيت أحجية. لأن الكتاب ذكر في مخطوطات المؤرخين والأدباء باسم "تاريخي نارشاهي"، و"تحقيق الولاية"، و"تاريخي بخارى". ولكن التسمية الأخيرة تعتبر الأصح والأكثر إنتشاراً في المراجع العلمية.
ويتضمن الكتاب معلومات اقتصادية، وثقافية، وإجتماعية، وسياسية، هامة عن تطور الشعوب التي سكنت المنطقة خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين.كما تضمن الكتاب وصفاً للأوضاع الجغرافية في واحة بخارى، وتاريخها الطوبوغرافي، وبدايات التشييد والبناء والتحسين، وظهور القرى الجديدة فيها، وظهور مدينة بخارى نفسها. وإلى جانب ذلك روى عن مراحل حكم بعض الملوك، وبناء القصور، والبنية التحتية لإدارة الدولة، وأدخال النظام النقدي، قطع نقدية فضية، وقطع بابور، التي سحبت من السكان. وشغلت مواضيع بناء منشآت الري وقنوات الري، وتطور الزراعة، والحرف، والتجارة مكانة هامة في الكتاب. ومع ذلك أعار إهتماماً خاصاً لأعمال تشييد جدران تحمي السكان من الغزاة الخارجيين حول الواحة (782م-831م) ومدينة بخارى (850م). وذكر أن المدينة منذ القدم كانت معروفة بأسماء آخرى، مثل: نوميجكات، وبوميسكات، وفاخرة، ومدينة الصوفية، وأنه كانت لها سبعة أبواب.
وأعطى أهمية خاصة لمعلومات تتحدث عن إرساء سيادة الخلفاء العرب في المنطقة، وإنتشار الإسلام، والمقاومة الشديدة للسكان المحليين، الذين كانوا ضد إتباع الدين والثقافة الجديدة. ووصف نارشاهي الأساليب القاسية التي إتبعها العرب الغزاة والإكراه لنشر الإسلام والإلزام بالقوانين الشرعية، وتحدث عن تقسيم بخارى إلى أقسام عربية وغير عربية.
وكتب إ. يو. كراتشوفسكي (مستشرق روسي) عن كتاب "تاريخ بخارى" التالي: "جرى تقييم تاريخ وسط آسيا منذ القدم من حيث الأهمية، وكان موضع دراسة منظمة... وحفظت جملة من المعلومات المفقودة في مصادر أخرى تتحدث عن وسط آسيا قبل الإسلام والغزاة العرب؛ ومثل هذه المعلومات القيمة ذات الطبيعة الجغرافية عن المناطق المأهولة في واحة بخارى.
وكل هذه المواضيع والأسئلة وجدت إنعكاساً لها فيما بعد، وإلى حد ما لدى الكثيرين من العلماء والمستشرقين الغربيين، والشرقيين، والروس البارزين، وكانت بمثابة إغناء لمعارف ذلك الزمن.
وخلال السنوات اللاحقة ترجم الكتاب عدة مرات إلى اللغات: الفارسية، والعربية، والإنكليزية، والروسية، والأوزبكية، وهو ما يشهد على دراسته الواسعة في أبحاث الأوساط العلمية والمراكز البحثية في الدول الأجنبية.
ومع الأسف كتاب "تاريخ بخارى"  وغيره من المراجع لم تقدم معلومات تفصيلية عن حياة وأعمال المؤلف. واسمه الكامل، ولا عن مكان وتاريخ ميلاده ووفاته، ولكنها ذكرت مرة واحدة فقط في كتاب عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني "كتاب الأنساب"، الذي كتب في القرن الثامن الميلادي وتناول تاريخ وثقافة وسط آسيا. وذكر فيه الإسم الكامل لأحد الأجداد الأوزبك، أبو بكر محمد بن جعفر بن زكريا بن خطاب شريك بإضافة إلى إسمه قرية نارشاهي التي ينتسب إليها.
**********
بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 18/10/2015 بتصرف عن مقالة: أبو بكر نارشاهي: عالم أبقى أثراً كبيراً في تاريخ وسط آسيا. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 12/10/2015

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

مجمع المعبد البوذي فايازتيبه في أوزبكستان


مجمع المعبد البوذي فايازتيبه في أوزبكستان


تعتبر أوزبكستان مهداً من أقدم المهود الحضارية في العالم، حيث أكتشفت فيها عبر نحو مائة عام من أعمال التنقيب والأبحاث الأثرية مراكز ملموسة للحضارات: البكتيرية، والخوارزمية، والسغديانية، لا تقل أهميتها عن غيرها من المراكز الثقافية العالمية المعروفة حتى اليوم من حيث التطور الحضاري.
ومنذ القدم كانت أراضي أوزبكستان المعاصرة المكان الذي تقاطعت فيه طرق القوافل، وكانت مهداً تعايشت فيه مختلف الأديان بسلام ووئام لفترات سحيقة القدم، ومن بينها: الزردشتية، والبوذية، والمانوية. واليوم وفي أقصى المناطق الجنوبية من أوزبكستان، بولاية سورخانداريا، اكتشفت بقايا مجمعات أثرية تضم معابد بوذية ومن بينها مجمعات: توي تيبه، وقره تيبه، وفايازتيبه، وأيراتام الذي يتمتع بشهرة كببرة حتى خارج أوزبكستان.
واكتشف المنقب عن الاثار ل. ألباوم أثناء أعمال التنقيب التي أجراها في مجمع فايازتيبه عام 1963 بالقرب من قمة قره تيبه في مركز مدينة ترمذ القديمة على معبد بوذي. والجدير بالذكر أن تسمية فايازتيبه أطلقت على الموقع الأثري تخليداً لذكرى العالم والمنقب عن الاثار الأوزبكي المعروف ر. فايازف، الذي قدم مساعدات كبيرة للمنقبين عن الآثار أثناء قيامهم بالتنقيب عن الآثار هناك.


وفي هذا الموقع الأثري تم العثور على قطع نقدية لأباطرة كوشانيين سمحت بتحديد الفترة التاريخية لإنشاء مشيدات هذا الموقع والتي تعود للفترة الممتدة من القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السادس بعد الميلاد.
ويتميز مجمع معبد فايازتيبه بغناه بالنقوش والتماثيل التي بقيت بحالة جيدة. ويضم 19 مبنى منفصل، ومحاريب عميقة في الجدران التي تربط بينها أغطية واسعة. بالإضافة لوجود جرن بوذي منفصل، أثار إهتماماً كبيراً لدي الباحثين.
والمبنى يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام منفصلة عن بعضها البعض:
- قسم يضم المبنى السكني مع أبنية مساعدة؛
- وقسم آخر على شكل مطعم ومطبخ؛
- والقسم الثالث مخصص لأداء الشعائر الدينية.
وزود المجمع بالمياه من نهر أموداريا عن طريق أنبوب ببلغ طوله 2,5 كيلو متر لنقل المياه.
ويعتبر مجمع فايازتيبه من آثار العبادة البوذية على أراضي وسط آسيا، ويتمتع بقيمة أثرية كبيرة كواحد من المشيدات الأثرية البوذية القليلة التي حافظت على طبيعيتها الغنية، وعلى جدرانها المزينة بالنقوش والزخارف. وجدران على طول المعبد مغطاة بنقوش وزخارف، تشمل نقوش لمختلف أشكال بوذا. كما زينت حواجز المعبد بخطوط ونقوش معبرة، تضمن أحدها صورتين لبوذا، وحولها شخصيات نسائية. وعلى الجدران المواجه نقشت صوراً لحاملي الهدايا وهم يرتدون ملابس كوشانية. وتتمتع نقوش رسوم بوذا في فيازتيبه بأهمية خاصة لأنها تعتبر من أقدم النقوش التي بقيت حتى اليوم وتعود للقرن الأول قبل الميلاد.

كما وتجدر الإشارة إلى أن اللقيات الأثرية التي عثر عليها منقبي الآثار في مجمع فايازتيبه. تضم تمثالاً لبوذا، وهو جالس تحت الشجرة المقدسة "بودخي"، وإلى جانبيه يقف كاهنين. والتمثال مصنوع من الحجر الكلسي المغطى بالذهب. ويعتبر هذا التمثال أحد المعروضات القيمة في متحف تاريخ أوزبكستان اليوم.
وبالقرب من المعبد اكتشف جرن بإرتفاع 10 أمتار. وداخله جرن أصغر بارتفاع ثلاثة أمتار. ويرجع عمر هذه اللقيات إلى القرن الأول قبل الميلاد. وإلى جانبها عثر العلماء والمنقبون عن الآثار خلال عمليات التنقيب في فايازتيبه على الكثير من اللقيات الهامة، تضم: تماثيل للآلهة المحلية، والحكام والأباطرة، وبوذيين، وكهنة، وعلمانيين، يسيرون وهم منحنون أمام بوذا.
وأكدت التنقيبات الأثرية على أن مجمع فايازتيبه يمثل كل المراحل التي تصور بوذا، بدأ من الرمزية وإنتهاءاً باللوحات الشخصية التعبيرية.
ومن المعروف تاريخياً أن الجيوش الساسانية إجتاحت أراضي ترمذ في القرن الثالث قبل الميلاد، ونتيجة لذلك الإجتياح دمرت الكثير من المعابد البوذية، ومن ضمنها مجمع فيازتيبه. واظهرت التنقيبات الأثرية المبنى وهو مدمر بشدة، تغطيه طبقات سميكة من الرمال والغبار.
وأثاء المراحل الأخيرة لأعمال التنقيب الأثري الكبيرة التي جرت في مجمع فايازتيبه، أكتشفت لقيات أثرية قيمة علمياً خلال سنوات إستقلال جمهورية أوزبكستان، وتجري دراستها في الوقت الراهن. وخلال السنوات الأخيرة تعمل في الموقع البعثة الأثرية الأوزبكية اليابانية المشتركة بإدارة عضو أكاديمية العلوم الأوزبكستانية إ. ريتفيلادزة، والبروفيسور الياباني المشهور ك. كاتو بشكل مثمر.
واليوم تؤخذ الأهمية التاريخية والأثرية لدراسة العصر البوذي بعين الإعتبار في أوزبكستان، لهذا الغرض خصصت وزارة الشؤون الثقافية والرياضة بجمهورية أوزبكستان، وومنظمة اليونيسكو، والصندوق الياباني "تراست"، منحاً مالية لترميم وإعادة بناء موقع فايازتيبه. وبانتهاء أعمال الترميم وإعادة البناء التي جرت خلال الفترة الممتدة من عام 2004 وحتى عام 2006 تحول مجمع المعبد البوذي فايازتيبه إلى متحف تحت قبة السماء وجرى فتحه مرة أخرى أمام الزوار ليطلعوا على آثاره العريقة.
*****
بحث أعده أ.د. محمد البخاري، في طشقند بتاريخ 7/10/2015 بتصرف نقلاً عن مقالة: ش. صاديقوف. الآثار التاريخية والثقافية في أوزبكستان: مجمع المعبد البوذي فايازتيبه. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 28/9/2015

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

إسماعيل الجرجاني عالم عظيم خصص حياته للطب


إسماعيل الجرجاني عالم عظيم خصص حياته للطب


إسماعيل الجرجاني (1042-1136م) من أشهر العلماء، وأكثر الأطباء شهرة في عصره، ولهذا لقب بـ"أبقراط الثاني".
وإسماعيل الجرجاني ولد بمدينة  جرجان، وعاش معظم سنين حياته في خوارزم، ولهذا أضيفت كلمة "الخوارزمي" لاسمه الكامل ليصبح زين الدين أبو الفضل إسماعيل بن حسين الجرجاني الخوزارزمي.
وشغل الجرجاني منصب الطبيب الأعظم في قصر خوارزم شاه كتب الدين محمد بن أنوشتاغين (1097-1127م)، وفي قصر إبنه علاء الدولة (1127-1156م).
وصب الجرجاني جل إهتمامه للتعمق في دراسة أعمال قدماء الطب اليوناني القديم، والأطباء الذين سبقوه جالينوس، وابقراط، وأبو بكر الرازي، وابن سينا.
وكتب المؤرخ الشهير في القرن الثاني عشر ميلادي ظهير الدين أبو الحسن بيهاقي في كتابه "تتمة ثواني الحكمة" عن الجرجاني: "شاهدت هذا الإنسان وهو في سن متقدمة، عام 531 هجري (1136 وفق التقويم الغريغوري) بمدينة سراخس. ومؤلفاته الفريدة أحيت الطب وغيرها من العلوم".
وعند وصول الجرجاني إلى خوارزم بدعوة من حاكمها، ألف فيها أعمالاً حصلت على شهرة كبيرة وانتشاراً ليس في الشرق وحده، بل وفي الغرب أيضاً. ومن بينها "زبدة الطب"، و"كتاب في الرد على الفلسفة"، و"الطب الملوكي"، و"كتاب الظاهرة الخوارزمشاهية"، و"كتاب تدبير يوم وليلة"، و"كتاب في الأورام والبثور"، و"رسالة في أمراض العين"، وغيرها من المؤلفات في الطب والفلسفة.
والأكثر قيمة بين هذه المؤلفات "زبدة الطب"، و"كتاب الظاهرة الخوارزمشاهية". والمؤلف الأول نسخ بعدة نسخ، والثاني محفوظ اليوم في مخازن الكتب بالعديد من الدول الأجنبية. والعمل الأول مؤلف من ثلاثة أجزاء: "مقدمة في معرفة أسس الطب وعوارض شفاء المريض"، و"التشريح الجراحي لأعضاء جسم الإنسان"، و"معالجة الأمراض والحمية". وأحد نسخ القسم الأخير محفوظة اليوم في مكتبة الإسكندرية بمصر.
والعمل الثاني هو مؤلف هام كما أشير إليه أعلاه وهو "كتاب الظاهرة الخوارزمشاهية". ونسختين مخطوطتين منه، إحداها مترجمة إلى اللغة العربية، والأخرى باللغة الفارسية، وهي محفوظة بمكتبة المسجد الجامع الكبير في استنبول. والعمل عبارة عن موسوعة مؤلفة من عشرة أجزاء، عرض المولف فيها معارف عصره الطبية، مضيفاً عليها نتائج ملاحظاته الشخصية. وجزئياً عكس فيها بعض جوانب مختلف العلوم، وشملت: مهام الطب، وآراء العالم حول الطبيعة والكون، وكذلك العناصر الأساسية التي يتألف منها جسم الإنسان. واعار الجرجاني إهتماماً خاصاً لمختلف أنواع الأمراض، وأعراضها وتشخيصها عن طريق النبض أو غيرها من الأساليب، وكذلك إمكانية التنبؤ بمستقبل تطور المرض. ووصف العالم أمراض: الملاريا، والسرطان، وشرح أسباب الإصابة بها، وطرق علاجها. وأشار إلى عدم إمكانية شفاء جملة من الأمراض، وقدم مقترحاته لعزل المريض عن تأثير الوسط المحيط.
وإلى جانب ذلك وصف الجرجاني بالتفصيل مناخ وجغرافية خوارزم، والأمراض المنتشرة فيها. وبقي هذا العمل متعدد الأجزاء ولعدة قرون المصدر الرئيسي في الطب، وحصل منه أطباء الشرق على معارفهم. وتمت ترجمته إلى اللغة العبرية، ولغة الأوردو، واللغة التركية. وهناك ترجمة غير كاملة إلى اللغة الأوزبكية القديمة (بالحروف العربية)، أنجزت في القرن الثامن عشر الميلادي. وأجزاء منها ترجمت إلى اللغة الأوزبكية الحديثة (بالحروف الكيريلية).
وعلى هذا الشكل يعتبر "كتاب الظاهرة الخوارزمشاهية" من تحفة من تحف القرون الوسطى في علوم الطب. وتم وضعه على مستوى واحد مع أعمال: جالينوس، وأبو بكر الرازي، وابن سينا، وغيرهم من قدماء علماء الطب المخضرمين.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 6/10/2015 بتصرف عن مقالة: عالم عظيم خصص حياته للطب. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 5/10/2015

الاثنين، 5 أكتوبر 2015

التراث القيم للخوارزمي ملك للإنسانية


التراث القيم للخوارزمي ملك للإنسانية


برعاية القيادة الأوزبكية يعار إهتمام كبير لإحياء ومضاعفة القيم القومية، ودراسة التراث العلمي والمعنوي الغني لأجداد الشعب الأوزبكي العظام، الذين قدموا إسهاماً قيماً لتطوير الحضارة الشرقية والعالمية. وخلال سنوات الإستقلال جرت في أوزبكستان أعمالاً واسعة وجهت لدراسة حياة ونشاطات العلماء والمفكرين العظام الذين ولدوا على الأرض الأوزبكية بمن كل الجوانب وبعمق، وهم الذين حصلوا على سمعة جيدة من خلال إنجازاتهم واكتشافاتهم العلمية العظيمة.
وفي كلمته أمام المؤتمر الدولي "التراث التاريخي لعلماء ومفكري الشرق في القرون الوسطى، ودوره وأهميته للحضارة الحديثة" الذي انعقد في مايو/أيار من العام الماضي بمدينة سمرقند، أشار القائد الأوزبكستاني خاصة إلى الإسهام القيم للعالم والموسوعي الكبير محمد بن موسى الخوارزمي في: علم الرياضيات الحديثة، وعلم المثلثات، وعلم الجغرافيا. وأشار إلى أن " الجميع اعترفوا بخدمات الخوارزمي في تطوير العلوم العالمية، وأن اسمه ومؤلفاته هي الوحيدة بين علماء الشرق في القرون الوسطى، التي أدخلت في المصطلحات العلمية الحديثة، مصطلحات مثل: الـ"ألغوريتم" و"الجبر".
ومحمد بن موسى الخوارزمي هو مؤلف أكثر من 20 عملاً علمياً، 7 منها بقيت حتى يومنا هذا. وكان لأعماله تأثير قوي على علماء الشرق والغرب طيلة مئآت السنين، ولفترة طويلة كانت من النماذج المفضلة في تأليف الكتب التعليمية في الرياضيات. ومن الصعب أن لا نقيم أهمية هذه المؤلفات في تطوير الفكر العلمي خلال القرون الوسطى. وعلى سبيل المثال: قدم العالم في مؤلفه "الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة" ستة أشكال أساسية من المعادلات مع بيان طرق لحلها. ومن خلال استخدام مصطلح "الجبر" الذي ابتكره بعد نقله إلى الحروف اللاتينية، أخذ العلماء الأوروبيون بدراسة ما وضعه الخوارزمي من علوم لحل المعادلات التربيعية والمستقيمة، وفي نهاية المطاف تحولت إلى الجبر الحديث الذي نعرفه اليوم.
وحصلت الطريقة الجديدة لوضع المؤلفات العلمية والتعليمية وفق القواعد الدقيقة والصحيحة في المراجع الأوروبية على تسمية "الغوريتم"، وتنطلق هذه التسمية من اسم الخوارزمي ولكن بالحروف اللاتينية. ودخل هذا المصطلح في أسس المعلوماتية الرقمية وتكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية "الكمبيوتر" الحديثة.
وفي كتابه الفلكي "الزيج" بحث الخوارزمي في حركة الشمس, والقمر، والمجرات السماوية الخمس، وفي مسائل علم الرياضيات الجغرافية، وعلم المثلثات،  وفي كسوف الشمس والقمر. وترجم هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية في عام 1126م، وفي عام 1914م ترجم إلى اللغة الألمانية، وفي عام 1962م ترجم إلى اللغة الإنكليزية.
وتضمنت مؤلفاته الجغرافية وصفاً للأجزاء المأهولة من الأراضي المعروفة آنذاك. وأرفقها بخرائط تفصيلية، وأدخل عليها الأنهار، والبحار، والمحيطات، والمراكز المأهولة الهامة، التي وصل عددها إلى 2402 إحداثية. وكتب أول عمل في جغرافيا القرون الوسطى باللغة العربية. وساهمت نظريته عن المناخ إلى حد كبير في تطوير علم الجغرافيا.
وتجري اليوم في أوزبكستان جملة من الأعمال لتخليد الشخصيات العظيمة التي ولدت في منطقة وسط آسيا، وإقيم تمثال على شرف الخوارزمي ، وإطلق اسمه على جامعة أورغينيتش الحكومية للتكنولوجيا، وأطلق على شوارع، وأحياء سكنية.
وإلى جانب ذلك يجري تنظيم مختلف النشاطات في أوزبكستان مكرسة لحياة ونشاطات المفكر العظيم، وإسهاماته الضخمة في تطوير العلوم. وهذا يسمح للمتخصصين والمبدعين الشباب في المجالات للرياضيات النظرية والتطبيقية وتكنولوجيا المعلوماتية، بالبحث في المستوى المهني الذي وصلت إليه آخر إنجازات هذا العالم العظيم.
وفي العام الماضي نظم فرع سمرقند لجامعة طشقند لتكنولوجيا المعلوماتية المؤتمر الدولي الرابع لمناقشة موضوع "القضايا الهامة للرياضيات التطبيقية وتكنولوجيا المعلوماتية، الخوارزمي – 2014".
وشارك علماء ومتخصصون من مؤسسات التعليم العالي، ومراكز الأبحاث والدراسات العلمية، من نحو 20 دولة من دول العالم في الحدث العلمي الذي نظمته جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكستانية، وجامعة طشقند لتكنولوجيا المعلوماتية، وجامعة علي شير نوائي الحكومية في سمرقند،.
وأشارت الوفود المشاركة في المؤتمر إلى إسهام الخوارزمي القيم في الكنوز الفكرية العالمية، والدور المتصاعد لتراثه العلمي في حل المهام العملية في مجال علم الرياضيات وتكنولوجيا المعلوماتية في القرن الحادي والعشرين. وأشير خلال اللقاء إلى أن ولادة وتشكل التفكير الألغوريتمي، الذي يعتبر مؤسسه أحد ألمع المفكرين والموسوعيين اللامعين في الشرق، غدت قاعدة لنشوء تفكير تكنولوجي جديد، دخل في المناهج الدراسية بمؤسسات التعليم العالي كأحد التخصصات الرئيسية.
وبالإضافة لذلك جرى في أبريل/نيسان عام 2015 بمكتبة علي شير نوائي القومية الأوزبكستانية مؤتمر علمي تطبيقي، بمناسبة مرور 1235 عاماً على مولد الخوارزمي عالم الشرق البارز. وكرس هذا الحدث للإشارة إلى دور أعماله في تشكيل مناهج: علم الجبر، وعلم المثلثات، وعلم الهندسة، وعلم الحساب، والموضوعات الأساسية في العلوم الطبيعية. وأشار المشاركون خلال هذه الحدث إلى خدمات المفكر في نشر الثقافة الشرقية في أوروبا والثقافة الأوروبية في الشرق.
وبالإجماع يعترف المجتمع العلمي العالمي اليوم بالإسهامات القيمة لابن للشعب الأوزبكي العظيم في بعث وتقدم الفكر العلمي. كما ويمكن ومن دون أدنى شك التأكيد على أن الخوارزمي وبحق يعتبر: عالم رياضيات، وعالم فلك، وجغرافي بارز، خاصة وأن أعماله تدرس في جميع بلدان العالم حتى الآن.
*****
بحث أعده أ.د. محمد البخاري، في طشقند بتاريخ 5/10/2015 نقلاً عن مقالة التراث القيم للخوارزمي ملك للإنسانية. وفخر ومجد الشعب الأوزبكي. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 24/9/2015

الجمعة، 2 أكتوبر 2015

إسهامات أبو ريحان البيروني في تطوير العلوم العالمية


إسهامات أبو ريحان البيروني في تطوير العلوم العالمية
كانت أوزبكستان ومنذ أقدم العصور من المهود القديمة للحضارة العالمية، وجرى على أرضها توحيد الثروات الثقافية والعلمية للإنسانية. وهذه الأرض الخيرة هي موطن العلماء والمفكرين العظام، أمثال: الخوارزمي، والبيروني، وأبو علي بن سينا، وميرزة ألوغ بيك، وغيرهم من العلماء والمفكرين العظام، الذين غدت إنجازاتهم العلمية وإلى الأبد جزءاً لا يتجزأ من العلوم والثقافة العالمية.


وكان أبو ريحان البيروني وبحق إنتصاراً لعلوم الشرق في القرون الوسطى. حتى أن رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمر الدولي "التراث التاريخي لعلماء ومفكري الشرق في القرون الوسطى، ودوره وأهميته للحضارة الحديثة" قيم عالياً الأعمال العظيمة التي قام بها الموسوعيون البارزون الذين أبدعوا على الأرض الأوزبكية. وأشار القائد الأوزبكي إلى أنه ليس صدفة أن يطلق مؤرخي العلوم الطبيعية في جميع أنحاء العالم على القرن الحادي عشر الميلادي "قرن البيروني".
والعالم الخوارزمي العظيم أبو ريحان البيروني ألف نحو 150 عملاً أساسياً في: التاريخ، والجغرافيا، والعلوم اللغوية، وعلم الفلك، والرياضيات، والجوديسيا (فرع من الرياضيات)، وعلم المعادن، وعلم الصيدلة، والجيولوجيا، وغيرها من المجالات العلمية. وكعالم في الطبيعة، قدم إسهامات وسعت من فهم العدد، ونظرية المعادلات التكعيبية، وعلم المثلثات الكروية، ووضع جداول للمثلثات.
واعترف تاريخ العلوم بالبيروني كمؤسس لاتجاهات جديدة في العلوم، وهي علوم: قياسات الأرض، وسطح الأرض - الجيوديسيا. وتمكن لأول مرة في مجال دراسة علم المعادن من قياس وزن المواد الصلبة والسوائل بمساعدة جهازه الخاص، ومن خلالها اقترح تصنيف للمعادن، وأعد نظرية منشأ المعادن وقدم معلومات عنها.
وأجاد البيروني اللغات: العربية، والفارسية، واليونانية، والسريانية، والسنسكريتية. واسهم في إعداد مبادئ ترجمة مصطلحات العلوم الحية من لغة إلى لغة أخرى.
وقال المؤرخ الأمريكي جورج سارتون، عن هذا العالم الموسوعي البارز: أن تاريخ علم الفلك والرياضيات، وعلم الفلك والجغرافيا، والأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا، وعلم الآثار والفلسفة، وعلم النبات والمعادن، غدت يتيمة دون إسمه العظيم".
واعتقد جدنا العظيم أن كل شيء في الطبيعة موجود ويتغير وفق قوانين الطبيعة، والتأكد منها ممكن من خلال هذه القوانين فقط. وكرس أعماله للرياضيات والفلك، وكان متمكناً من المعارف العملية الضخمة للحياة الاقتصادية في خوارزم، ومن ضمنها ري الأراضي الزراعية، والتبادل التجاري.
وفي مؤلفه الأول "التسلسل الزمني للشعوب القديمة" جمع العبقري ووصف كل نظم التقاويم المعروفه، والتي استخدمتها مختلف شعوب العالم آنذاك. وأورد أبحاثه الفلكية في "كتاب تفسير المبادئ الأساسية لعلم الفلك" وغيرها من مؤلفاته العلمية.
وفي كتابه "الهند" أعطى البيروني وصفاً دقيقاً لحياة وثقافة وعلوم الهنود، وأوجز نظمهم الدينية والفلسفية. ووضع نظاماً للنسخ على أساس الكتابة بالحروف العربية، وتفوق هذا النظام كثيراً على النظم الحديثة المعروفة لنقل الكلمات الهندية إلى لغة الأردو.
وفي كتابه "الصيدلة" وصف المفكر العظيم بالتفصيل أكثر من ألف نبتة علاجية، و150 نبتة عادية، وأكثر من مائة حيوان.
وجمع العالم معلومات باللغات: العربية، واليونانية، والهندية، والفارسية، والصغديانية، وغيرها من اللغات شملت 4 آلاف نوع من النباتات، والحيوانات، والمعادن، والمواد المشتقة منها، وقدم إسهاماً ضخماً في مجال تنظيم المصطلحات الصيدلانية.
وتم حتى اليوم ترجمة 31 عملاً من أعمال البيروني إلى اللغات: الألمانية، والإنكليزية، والروسية، والأوزبكية، وتمت دراسة 24 مؤلفاً من مؤلفاته، وصدرت ثلاث مؤلفات له بنصها العربي الأصلي. وأطلق اسمه على جامعة طشقند التقنية الحكومية، ومركز المخطوطات الشرقية التابع لمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، وعلى مناطق، وشوارع، وغيرها. وبالإضافة لذلك ووفقاً لقرار الرئيس الوزبكستاني "عن إجراءآت تشجيع الدارسين الشباب في أوزبكستان" أسست لطلاب السنوات الدراسية المتقدمة في الكليات التقنية، الحاصلين على امتياز في التحصيل العلمي والمشاركين في الأعمال الإبداعية، منحة دراسية تحمل اسم البيروني.
وإلى جانب هذا خلد اسم هذا العبقري العظيم بإطلاقه على حفرة في خارطة سطح القمر. وأطلق على كوكب صغير في المنظومة الشمسية، اكتشف عام 1986، وسجل باسمه في مركز هارفارد تحت رقم 9936.
وعلى هذا الشكل نرى أن مؤلفات البيروني العلمية الخالدة حظيت بأهمية بالغة في تطوير الفكر العلمي العالمي. وأن عظمته كأحد العلماء الموسوعيين في القرون الوسطى، انعكست بشكل واسع النطاق في التراث العلمي، وفي إسهامه الكبير بتطوير الكثير من العلوم ليس في عصره فقط بل ولآلاف السنين اللاحقة.
*****
دراسة كتبها أ.د. محمد البخاري. في طشقند: بتاريخ 1/10/2015 بتصرف نقلاً عن مقالة د. أتاخانوفا: إسهام البيروني في تطوير العلوم العالمية. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 25/9/2015

الخميس، 1 أكتوبر 2015

بعث نشاطات أكاديمية المأمون الخوارزمية من جديد في أوزبكستان

بعث نشاطات أكاديمية المأمون الخوارزمية من جديد في أوزبكستان
اشتهرت الأرض الأوزبكية منذ القدم بالعلماء والمفكرين العظام الذين قدموا إسهامات لاتقدر من تحف الحضارة الإنسانية، التي ساهمت في تحديد تقدم وتطور العلوم والثقافة الإنسانية إلى حد كبير. ويستمر علماء أكاديمية المأمون الخوارزمية اليوم على تقاليد أجدادهم العظام، ويعملون على تقدم وتطور بلدهم أوزبكستان المعاصرة في المجالات: العلمية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والثقافية، والروحية، والأخلاقية.


وكل زائر لمدينة خيوة العريقة يشاهد اليوم المبنى الضخم لأكاديمية المأمون الخوارزمية. التي كتبت الكثير من المقالات والأطروحات العلمية عن سابق عهدها. ومن المعروف أنه في نهاية القرن العاشر الميلادي وبداية القرن الحادي عشر الميلادي جمع الشاه أبو العباس مأمون بن مأمون في قصره مجموعة كبيرة من العلماء. الذين جرت بإسهاماتهم الإكتشافات العلمية الفريدة في: الفلك، والطب، والكيمياء، والجغرافيا، والمعادن، وأغنت هذه الإكتشافات إلى حد كبير المعارف الإنسانية. وحصل التاريخ، والفلسفة، والأدب، والمعارف اللغوية، والحقوقية، بنتيجتها على تطور كبير.
وعمل في أكاديمية المأمون آنذاك علماء الرياضيات أبو منصور عراق، وأبو الخير خَمّور، والموسوعي أبو ريحان البيروني. وفي يونية/حزيران عام 1004م تم فيها رصد كسوف القمر. وحتى يومنا هذا بقيت أجزاء من كتاب "أشهر شخصيات خوارزم" أو "تاريخ خوارزم". والحوار الذي بقيت آثاره حتى اليوم من خلال المراسلات التي تبادلها ابن سينا والبيروني حول "كتاب عن السماء" لأرسطو، تعتبر مثالاً كلاسيكياً يحتذى لحوار جرى على مستوى علمي رفيع.
ونتيجة للدراسات الفلكية التي جرت في خوارزم، أدخلت تصحيحات على الجداول الفلكلية العلمية. وبمساعدة أدوات عالية الدقيقة، جرى حساب أماكن توضع النجوم. وأضيفت آخر التصحيحات على كتاب العالم العظيم ابن سينا "دفع المقدور" في الطب. وهذه قائمة تهتبر غير كاملة للإختراقات العلمية التي جرت في خوارزم العريقة واذهلت كل العالم آنذاك.
وخلال إفتتاح المؤتمر الدولي "التراث التاريخي لعلماء ومفكري القرون الوسطى في الشرق، ودوره وأهميته للحضارة المعاصرة"، أشار الرئيس إسلام كريموف إلى خدمات البيروني، وابن سينا، وغيرهم من العلماء والمفكرين العظام الذين عاشوا وأبدعوا في خوارزم خلال القرنين العاشر، والحادي عشر الميلاديين، ولم تقتصر على أعمالهم واكتشافاتهم العلمية، بل تجاوزتها لتنناول المسائل الهامة وتأسيس مدرسة علمية ضخمة، أطلق عليها آنذاك اسم أكاديمية المأمون الخوارزمية. الأكاديمية التي خلفت وراءها أثراً عميقاً في التاريخ الفكري الإنساني.
وإذا أخذنا بعين الإعتبار الإهتمام الكبير الذي تبديه أوزبكستان المعاصرة اليوم لدراسة التاريخ والعلوم بشكل كامل، فإننا نجد أن إقترح القائد الأوزبكستاني الذي قدمه خلال الإحتفال الرسمي الذي كرس لذكرى مرور 2500 عام على تأسيس مدينة خيوة، وتناول الدعوة لإحياء أكاديمية المأمون الخوارزمية. وسرعان ما تبعه بتاريخ 11/11/1997 إصدار الرئيس الأوزبكي قراراً "بإحياء أكاديمية المأمون الخوارزمية". وخلال الدورة الـ 32 للمؤتمر العام لليونسكو عام 2003 تم إصدار قرار للإحتفال بذكرى مرو 1000 عام على تأسيس الأكاديمية. وكان هذا القرار بمثابة دفعة قوية لدراسة نشاطات الأكاديمية، وتقديم التراث الثقافي الغني للشعب الأوزبكي، إلى المجتمع الدولي.
والأكاديمية اليوم تحافظ على مجدها السابق هي بمثابة مصنع للكوادر الشابة. ولهذا الغرض وقعت الأكاديمية إتفاقيات تعاون مع جامعة أورغينيتش الحكومية، وفرع أكاديمية طشقند للطب، وجامعة طشقند لتكنولوجيا المعلوماتية. وتعمل فيها اليوم فروعاً لعشرات الأقسام بجامعة أورغينيتش الحكومية، حيث يقوم الطلاب بإجراء تطبيقاتهم العملية للحصول على دبلوم التخرج تحت إشراف الباحثين العلميين في الأكاديمية. كما تعير الأكاديمية اهتماماً كبيراً لعملية جذب الشباب إلى العلوم، حيث يقوم العلماء بتنظيم صفوف نموذجية في مدارس التعليم العام لهذا الغرض.
وتعير الأكاديمية إهتماماً كبيراً للتعاون الدولي. وفي إطاره أقامت الأكاديمية علاقات تعاون مع أكثر من 20 جامعة، ومركز علمي في دول أجنبية. ومن بينها: جمعية ماكس بلانكا (ألمانيا)، وجامعة كينغ خي (كوريا الجنوبية)، ومركز الملك فيصل (العربية السعودية)، وجامعة غينت (بلغاريا)، وجامعة عين شمس (مصر)، ويجري توقيع إتفاقيات نوايا مع مراكز البحث العلمي في الفيدرالية الروسية، ودول رابطة الدول المستقلة، لتنفيذ مشاريع مشتركة، وتنظيم مؤتمرات علمية، وتبادل الخبرات، ورفع الكفاية المهنية للعاملين.
وخلال السنوات الأخيرة نفذ علماء الأكاديمية جملة من المشاريع في مختلف الإتجاهات العلمية وحققوا نتائج عالية. وجرت أبحاث علمية تناولت مواضيع إيجاد تكنولوجيا فعالة لإنبات المحاصيل الأساسية بين المواسم الزراعية وإعادة زراعة الأعلاف، وتنظيم إنتاج حبوب الذرة، في ظروف ولاية خوارزم. وأعدت مقترحات لغسيل وترطيب الأراضي خلال فترات إنبات القطن، واستخدام نظم قنوات المياه لري النباتات في ظروف شح المياه. كما جرى جمع وتحليل معلومات إحصائية تم من خلالها تقييم خصوبة المساحات الزراعية، ودراسة أوضاع الأراضي المروية. كما توصل العاملون لأشكال جديدة من الأجسام الدقيقة، القادرة على توفير اتحاد الفوسفور في ظروف الأراضي المالحة بالولاية.


وفي الوقت الراهن يقوم علماء أكاديمة المأمون الخوارزمية بتنفيذ خمسة مشاريع أساسية، وأربعة مشاريع تطبيقية، ومشروعين حديثين. تتناول مواضيع متنوعة جداً، تبدأ من دراسة المدن القديمة، وتقييم المخطوطات، وحتى إكتشاف محاصيل زراعية حديثة، والحفاظ على أنواع من السمك الآخذة بالإنقراض. وغدت المكتبة العلمية الغنية بمحتوياتها لؤلؤة لهذه المدرسة العلمية الشهيرة، وتحتوي على قرابة عشرات آلاف كتاب، بالإضافة لمركز المصادر المعلوماتية الحديث. كما أحدث فيها متحف للحفاظ على المعروضات النادرة والقيمة.
والباحث العلمي في الأكاديمية ماشاريب عبد اللاييف قال: أن قرار رئيس الجمهورية حول إحياء أكاديمية المأمون الخوارزمية شكل خطوة هامة على طريق مستقبل تطوير العلوم في المنطقة، ووفر الإمكانية لجذب نشيط للشباب الموهوبين، كما ويقدم العاملون في الأكاديمية إسهاماتهم أيضاً في الإنجازات العلمية بالبلاد. ونتيجة للتنقيبات الأثرية الجارية في موقع خومبوز تيبه، ومدينتي خازاراسب، وتاش قلعة، تم إكتشاف صفحات مجهولة من تاريخ خوارزم العريقة، تتحدث عن التحضر، وظهور وتطور المدن، وإنتاج المحاصيل الزراعية المستقرة، وممارسة الحرف اليدوية، والحياة المعنوية والدينية.
وأظهر مركز الصناعات الحرفية في خومبوز تيبه، على أراضي خازاراسب، أنه من أقدم المناطق المعروفة على اراضي وسط آسيا من مراكز الزردشتية.  كما جرت دراسات على المراجع المكتوبة، والأساطير والخرافات المتوفرة في الآثار المكتوبة الفريدة "أفيستا".
وإلى جانب الأبحاث الأصيلة تعار أهمية كبيرة للجوانب التطبيقية. ومما يستدعي اهتمام الباحثين في الأكاديمية الأوضاع البيئية بالمنطقة. ومن بين المتابعات الهامة كان مشروع الحفاظ على المجرى الكبير لنهر أموداريا، والأحياء التي تعيش في مجرى النهر منذ القدم ، والتي هي على شفا الإنقراض في وقتنا الراهن.


وقال نائب رئيس الأكاديمية مدير المشروع ز. رجابوف: أنها صنف من الأسماك من نوع سمك الحفش، ويضم ثلاثة أنواع، إثنين منها سجلت في الكتاب الأحمر بأوزبكستان، ومن أجل حماية الأحياء النادرة التي تعيش في المياه العميقة، أنشأنا مركزاً صغيراً لإنتاج الأسماك، ومتابعة دراسة المجرى الكبير لنهر أموداريا. ونخطط في المستقبل لإطلاق أسماك فتية في النهر لتوفير ظروف التزاوج والتكاثر الطبيعي.
ومن المسائل الهامة لمزارعي المنطقة، مسألة إعداد طرق لزيادة كمية الغلوتين في القمح الشتوي. وتحليل المعدات الزراعية الخاصة للقيام بالأعمال، إلى جانب الظواهر، والمحاصيل العالية لأصناف "دوستليك"، و"ياكسارت"، و"كراسنودارسكايا 99"، القادرة على النمو في ظروف التربة المالحة. ويمكن أن تقترح الآن للإنتاج كاصناف قمح شتوية مع محتوى عال من الغلوتين.
وتتمتع بأهمية خاصة بين المشاريع، مشروع دراسة الأشجار اللازمة لنشر الخضرة في مدن جنوب حوض بحر الأورال.
- وأشار مدير المشروع أ. جمعة نيازوف: إلى أنه انتهت ثلاث مراحل من العمل لزراعة أشكال معينة من الأشجار. وتمت دراسة وتحليل تركيبتها وكمية أوراقها، وعملية تركيبها الضوئي، وكيفية نموها السريع، وامتصاصها للغاز والغبار، وبالنتيجة سيجري اختيار الأشجار الأكثر ملائمة لمدن جنوب حوض بحر الأورال.
وأعتقد أنه حان الوقت لوضع أمام أكاديمية المأمون الخوارزمية مهام جديدة، ينتظر من العلماء التجاوب بمقدراتهم وفي الوقت المناسب معها، وتقديم اقتراحات وطرقة وأشكال جديدة للتنمية، لأنه عليها يعتمد نجاح العلوم في المنطقة بالكامل. والإستمرار كذلك بالبحث عن طرق فعالة ومتقدمة، وإيجاد أجوبة على المسائل المعاصرة الهامة، وتقديم إسهاماتهم في تطوير العلوم الوطنية.
*****
دراسة أعدها أ.د. محمد البخاري. طشقند، بنتاريخ 30/9/2015 نقلاً عن المادة المنشورة عن الحياة الثانية لأكاديمية المأمون. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 18/9/2015