بعث نشاطات أكاديمية المأمون
الخوارزمية من جديد في أوزبكستان
اشتهرت الأرض الأوزبكية منذ القدم بالعلماء والمفكرين العظام الذين قدموا
إسهامات لاتقدر من تحف الحضارة الإنسانية، التي ساهمت في تحديد تقدم وتطور العلوم
والثقافة الإنسانية إلى حد كبير. ويستمر علماء أكاديمية المأمون الخوارزمية اليوم على
تقاليد أجدادهم العظام، ويعملون على تقدم وتطور بلدهم أوزبكستان المعاصرة في
المجالات: العلمية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والثقافية، والروحية، والأخلاقية.
وكل زائر لمدينة خيوة العريقة يشاهد اليوم المبنى الضخم لأكاديمية المأمون
الخوارزمية. التي كتبت الكثير من المقالات والأطروحات العلمية عن سابق عهدها. ومن
المعروف أنه في نهاية القرن العاشر الميلادي وبداية القرن الحادي عشر الميلادي جمع
الشاه أبو العباس مأمون بن مأمون في قصره مجموعة كبيرة من العلماء. الذين
جرت بإسهاماتهم الإكتشافات العلمية الفريدة في: الفلك، والطب، والكيمياء،
والجغرافيا، والمعادن، وأغنت هذه الإكتشافات إلى حد كبير المعارف الإنسانية. وحصل
التاريخ، والفلسفة، والأدب، والمعارف اللغوية، والحقوقية، بنتيجتها على تطور كبير.
وعمل في أكاديمية المأمون آنذاك علماء الرياضيات أبو منصور عراق، وأبو
الخير خَمّور، والموسوعي أبو ريحان البيروني. وفي يونية/حزيران عام
1004م تم فيها رصد كسوف القمر. وحتى يومنا هذا بقيت أجزاء من كتاب "أشهر شخصيات
خوارزم" أو "تاريخ خوارزم". والحوار الذي بقيت آثاره
حتى اليوم من خلال المراسلات التي تبادلها ابن سينا والبيروني حول
"كتاب عن السماء" لأرسطو، تعتبر مثالاً كلاسيكياً يحتذى لحوار
جرى على مستوى علمي رفيع.
ونتيجة للدراسات الفلكية التي جرت في خوارزم، أدخلت تصحيحات على الجداول
الفلكلية العلمية. وبمساعدة أدوات عالية الدقيقة، جرى حساب أماكن توضع النجوم. وأضيفت
آخر التصحيحات على كتاب العالم العظيم ابن سينا "دفع المقدور"
في الطب. وهذه قائمة تهتبر غير كاملة للإختراقات العلمية التي جرت في خوارزم
العريقة واذهلت كل العالم آنذاك.
وخلال إفتتاح المؤتمر الدولي "التراث التاريخي لعلماء ومفكري
القرون الوسطى في الشرق، ودوره وأهميته للحضارة المعاصرة"، أشار الرئيس إسلام
كريموف إلى خدمات البيروني، وابن سينا، وغيرهم من العلماء
والمفكرين العظام الذين عاشوا وأبدعوا في خوارزم خلال القرنين العاشر، والحادي عشر
الميلاديين، ولم تقتصر على أعمالهم واكتشافاتهم العلمية، بل تجاوزتها لتنناول المسائل
الهامة وتأسيس مدرسة علمية ضخمة، أطلق عليها آنذاك اسم أكاديمية المأمون
الخوارزمية. الأكاديمية التي خلفت وراءها أثراً عميقاً في التاريخ الفكري الإنساني.
وإذا أخذنا بعين الإعتبار الإهتمام الكبير الذي تبديه أوزبكستان المعاصرة اليوم
لدراسة التاريخ والعلوم بشكل كامل، فإننا نجد أن إقترح القائد الأوزبكستاني الذي
قدمه خلال الإحتفال الرسمي الذي كرس لذكرى مرور 2500 عام على تأسيس مدينة خيوة، وتناول
الدعوة لإحياء أكاديمية المأمون الخوارزمية. وسرعان ما تبعه بتاريخ 11/11/1997 إصدار
الرئيس الأوزبكي قراراً "بإحياء أكاديمية المأمون الخوارزمية". وخلال
الدورة الـ 32 للمؤتمر العام لليونسكو عام 2003 تم إصدار قرار للإحتفال بذكرى مرو
1000 عام على تأسيس الأكاديمية. وكان هذا القرار بمثابة دفعة قوية لدراسة نشاطات
الأكاديمية، وتقديم التراث الثقافي الغني للشعب الأوزبكي، إلى المجتمع الدولي.
والأكاديمية اليوم تحافظ على مجدها السابق هي بمثابة مصنع للكوادر الشابة.
ولهذا الغرض وقعت الأكاديمية إتفاقيات تعاون مع جامعة أورغينيتش الحكومية، وفرع
أكاديمية طشقند للطب، وجامعة طشقند لتكنولوجيا المعلوماتية. وتعمل فيها اليوم فروعاً
لعشرات الأقسام بجامعة أورغينيتش الحكومية، حيث يقوم الطلاب بإجراء تطبيقاتهم العملية
للحصول على دبلوم التخرج تحت إشراف الباحثين العلميين في الأكاديمية. كما تعير
الأكاديمية اهتماماً كبيراً لعملية جذب الشباب إلى العلوم، حيث يقوم العلماء
بتنظيم صفوف نموذجية في مدارس التعليم العام لهذا الغرض.
وتعير الأكاديمية إهتماماً كبيراً للتعاون الدولي. وفي إطاره أقامت الأكاديمية
علاقات تعاون مع أكثر من 20 جامعة، ومركز علمي في دول أجنبية. ومن بينها: جمعية
ماكس بلانكا (ألمانيا)، وجامعة كينغ خي (كوريا الجنوبية)، ومركز الملك فيصل
(العربية السعودية)، وجامعة غينت (بلغاريا)، وجامعة عين شمس (مصر)، ويجري توقيع
إتفاقيات نوايا مع مراكز البحث العلمي في الفيدرالية الروسية، ودول رابطة الدول
المستقلة، لتنفيذ مشاريع مشتركة، وتنظيم مؤتمرات علمية، وتبادل الخبرات، ورفع
الكفاية المهنية للعاملين.
وخلال السنوات الأخيرة نفذ علماء الأكاديمية جملة من المشاريع في مختلف
الإتجاهات العلمية وحققوا نتائج عالية. وجرت أبحاث علمية تناولت مواضيع إيجاد
تكنولوجيا فعالة لإنبات المحاصيل الأساسية بين المواسم الزراعية وإعادة زراعة
الأعلاف، وتنظيم إنتاج حبوب الذرة، في ظروف ولاية خوارزم. وأعدت مقترحات لغسيل
وترطيب الأراضي خلال فترات إنبات القطن، واستخدام نظم قنوات المياه لري النباتات
في ظروف شح المياه. كما جرى جمع وتحليل معلومات إحصائية تم من خلالها تقييم خصوبة
المساحات الزراعية، ودراسة أوضاع الأراضي المروية. كما توصل العاملون لأشكال جديدة
من الأجسام الدقيقة، القادرة على توفير اتحاد الفوسفور في ظروف الأراضي المالحة بالولاية.
وفي الوقت الراهن يقوم علماء أكاديمة المأمون الخوارزمية بتنفيذ خمسة
مشاريع أساسية، وأربعة مشاريع تطبيقية، ومشروعين حديثين. تتناول مواضيع متنوعة
جداً، تبدأ من دراسة المدن القديمة، وتقييم المخطوطات، وحتى إكتشاف محاصيل زراعية
حديثة، والحفاظ على أنواع من السمك الآخذة بالإنقراض. وغدت المكتبة العلمية الغنية
بمحتوياتها لؤلؤة لهذه المدرسة العلمية الشهيرة، وتحتوي على قرابة عشرات آلاف كتاب،
بالإضافة لمركز المصادر المعلوماتية الحديث. كما أحدث فيها متحف للحفاظ على
المعروضات النادرة والقيمة.
والباحث العلمي في الأكاديمية ماشاريب عبد اللاييف قال: أن قرار
رئيس الجمهورية حول إحياء أكاديمية المأمون الخوارزمية شكل خطوة هامة على طريق
مستقبل تطوير العلوم في المنطقة، ووفر الإمكانية لجذب نشيط للشباب الموهوبين، كما ويقدم
العاملون في الأكاديمية إسهاماتهم أيضاً في الإنجازات العلمية بالبلاد. ونتيجة
للتنقيبات الأثرية الجارية في موقع خومبوز تيبه، ومدينتي خازاراسب، وتاش قلعة، تم إكتشاف
صفحات مجهولة من تاريخ خوارزم العريقة، تتحدث عن التحضر، وظهور وتطور المدن،
وإنتاج المحاصيل الزراعية المستقرة، وممارسة الحرف اليدوية، والحياة المعنوية والدينية.
وأظهر مركز الصناعات الحرفية في خومبوز تيبه، على أراضي خازاراسب، أنه من أقدم
المناطق المعروفة على اراضي وسط آسيا من مراكز الزردشتية. كما جرت دراسات على المراجع المكتوبة،
والأساطير والخرافات المتوفرة في الآثار المكتوبة الفريدة "أفيستا".
وإلى جانب الأبحاث الأصيلة تعار أهمية كبيرة للجوانب التطبيقية. ومما يستدعي
اهتمام الباحثين في الأكاديمية الأوضاع البيئية بالمنطقة. ومن بين المتابعات
الهامة كان مشروع الحفاظ على المجرى الكبير لنهر أموداريا،
والأحياء التي تعيش في مجرى النهر منذ القدم ، والتي هي على شفا الإنقراض في وقتنا
الراهن.
وقال نائب رئيس الأكاديمية مدير المشروع ز. رجابوف: أنها صنف من
الأسماك من نوع سمك الحفش، ويضم ثلاثة أنواع، إثنين منها
سجلت في الكتاب الأحمر بأوزبكستان، ومن أجل حماية الأحياء النادرة التي تعيش في
المياه العميقة، أنشأنا مركزاً صغيراً لإنتاج الأسماك، ومتابعة دراسة المجرى
الكبير لنهر أموداريا. ونخطط في المستقبل لإطلاق أسماك فتية في النهر لتوفير ظروف
التزاوج والتكاثر الطبيعي.
ومن المسائل الهامة لمزارعي المنطقة، مسألة إعداد طرق لزيادة كمية الغلوتين في القمح الشتوي. وتحليل
المعدات الزراعية الخاصة للقيام بالأعمال، إلى جانب الظواهر، والمحاصيل العالية لأصناف
"دوستليك"، و"ياكسارت"، و"كراسنودارسكايا 99"،
القادرة على النمو في ظروف التربة المالحة. ويمكن أن تقترح الآن للإنتاج كاصناف
قمح شتوية مع محتوى عال من الغلوتين.
وتتمتع بأهمية خاصة بين المشاريع، مشروع دراسة الأشجار اللازمة لنشر الخضرة
في مدن جنوب حوض بحر الأورال.
- وأشار مدير المشروع أ. جمعة نيازوف: إلى أنه انتهت ثلاث مراحل من
العمل لزراعة أشكال معينة من الأشجار. وتمت دراسة وتحليل تركيبتها وكمية أوراقها،
وعملية تركيبها الضوئي، وكيفية نموها السريع،
وامتصاصها للغاز والغبار، وبالنتيجة سيجري اختيار الأشجار الأكثر ملائمة لمدن جنوب
حوض بحر الأورال.
وأعتقد أنه حان الوقت لوضع أمام أكاديمية المأمون الخوارزمية مهام جديدة، ينتظر
من العلماء التجاوب بمقدراتهم وفي الوقت المناسب معها، وتقديم اقتراحات وطرقة وأشكال
جديدة للتنمية، لأنه عليها يعتمد نجاح العلوم في المنطقة بالكامل. والإستمرار كذلك
بالبحث عن طرق فعالة ومتقدمة، وإيجاد أجوبة على المسائل المعاصرة الهامة، وتقديم
إسهاماتهم في تطوير العلوم الوطنية.
*****
دراسة أعدها أ.د. محمد
البخاري. طشقند، بنتاريخ 30/9/2015 نقلاً عن المادة المنشورة عن الحياة
الثانية لأكاديمية المأمون. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 18/9/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق