الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط يكمل المنطقة المعلنة في آسيا المركزية

إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط يكمل المنطقة المعلنة في آسيا المركزية
أ.د. محمد البخاري
[1]
قد يتساءل المرء عن الأسباب والدوافع التي تدفع بحكومات بعض دول العالم للاتفاق فيما بينها لإعلان المنطقة الإقليمية التي تقع فيها منطقة خالية من الأسلحة النووية. فجمهوريات آسيا المركزية (أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وطاجكستان، وقرغيزستان) على سبيل المثال، سعت منذ باكورة استقلالها في مطلع تسعينات القرن العشرين إثر انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، أحد القوتين النوويتين الرئيسيتين في العالم حتى مطلع تسعينات القرن العشرين، إلى إعلان المنطقة المتواجدة عليها، منطقة خالية من السلاح النووي.
ولفهم تلك الدوافع والأسباب لا بد من إمعان النظر في الخارطة السياسية لعالمنا المعاصر. فآسيا المركزية جغرافياً تشغل منطقة حساسة من العالم، فهي تتوسط الفيدرالية الروسية، وجمهورية الصين الشعبية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتلاصق جنوب القارة الآسيوية (الهند، وباكستان)، وهي جميعها من الدول النووية باستثناء إيران التي تسعى للحصول على السلاح النووي استناداً لما تنشره وسائل الإعلام العالمية بين الحين والآخر. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه وحتى وقت قريب كانت تجارب الأسلحة النووية الروسية تجري في منطقة سيمبلاتينسك للتجارب النووية السوفييتية في جمهورية قازاقستان. وكانت الصين قبل أن توقف تجارب تفجيراتها النووية مؤقتاً، تجري تجاربها النووية قرب بحيرة لابنور غرب الصين، بالقرب من الحدود القازاقستانية، والقرغيزية، والطاجكستانية. ناهيك عن دخول الهند وباكستان اللتان تتحكمان بآسيا المركزية من الجنوب، والجنوب الشرقي، النادي النووي في نهاية القرن الماضي.
ومن هنا نستطيع تصور مدى القلق الشديد الذي تشعر به حكومات المنطقة حيال مستقبل أمن واستقرار آسيا المركزية، وضرورة إعلان المنطقة، منطقة خالية من الأسلحة النووية رغبة منها في تحقيق أهداف أمنها الوطني وتجنب ضرورة السعي لامتلاك مثل هذا الرادع الإستراتيجي كما تحب تسميته بعض الدول الساعية للحصول على السلاح النووي في العالم. وقد عززت الأحداث غير المتوقعة التي جرت خلال أيام 11 و 13/5/1998 عندما حملت الأنباء أخبار التجارب النووية الخمس التي أجرتها الهند تحت سطح الأرض بمنطقة التجارب النووية في باكهاران، بولاية راجستان، وبلغت قوة إحداها 43 كيلو طن.
ومما زاد الطين بلة استمرار الدراما النووية في جنوب آسيا بدخول باكستان حلبة التجارب النووية بعد أن أجرت سلسلة من التجارب النووية في ولاية بلوشستان القريبة من الحدود الإيرانية، يوم 28/5/1998، بلغ عددها نفس عدد التجارب النووية التي أجرتها الهند، ورداً على تلك التجارب النووية الهندية التي جرت قبل أسبوعين اثنين من ذلك التاريخ. وهكذا دخلت على حين غرة دولتين ناميتين من أكبر دول شبه القارة الهندية "النادي النووي"، لتعلنا أمام العالم عن استعدادهما للتعامل مع أعضائه على قدم المساواة.
هذا إن لم نتطرق إلى الخطر الجديد الذي حملته الدولتين، وحملتاه معهما للمناطق المجاورة لشبه القارة الهندية بامتلاكهما الأسلحة النووية، مما زاد من حدة التوتر بين الدولتين وفي شبه القارة الهندية بأسرها. وهما الدولتان اللتان خاضتا ثلاثة حروب طاحنة خلال أعوام 1947، و1948، و1965، و1971، في صراعهما الطويل للسيادة على ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها بين الدولتين، والتي أدت في النهاية كما رأينا إلى الشروع بسباق التسلح النووي الخطير، رغم محدودية دخلهما الوطني، وانخفاض مستوى المعيشة في الدولتين، ومع ذلك نراهما قد اختارتا السلاح النووي كأداة للردع الإستراتيجي تسعى كل منهما من خلاله إلى تحقيق أهداف سياستهما الخارجية وفي تسوية الأمور العالقة في علاقاتهما الثنائية منذ استقلال الدولتين قي نهاية النصف الأول من القرن العشرين. وهذا الوضع لا يمكن أن لا يهدد الاستقرار وأمن دول المناطق المحيطة بشبه القارة الهندية ومن بينها آسيا المركزية.
ونلمس قلق حكومات آسيا المركزية من خلال الخطاب السياسي لقادة تلك الدول التي تجري بالقرب من حدودها صراعات مسلحة حاولت بعض القوى نقلها إلى داخل أراضيها كما حدث على سبيل المثال في طاجيكستان منذ استقلالها، وما حدث في جنوب قرغيزستان، وفي أوزبكستان عامي 1999، و2000، فرضت عليها كلها الانضمام الفوري إلى الجهود الدولية الجارية في العالم لمحاربة الإرهاب والتطرف بكل أنواعه.
ولكن انتقال الصراع الدائر حول جامو وكشمير، بين الهند وباكستان اللتان تملكان السلاح النووي ووسائل نقله إلى أهدافه المرسومة، إلى صراع يهدد دول الجوار الإقليمي، أصبح يسبب حالة من القلق للمجتمع الدولي بشكل عام، ودول آسيا المركزية بشكل خاص. وهو ما أشار إليه رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف في كتابه (أوزبكستان على أعتاب القرن الحادي والعشرين: تهديدات الأمن، وشروط ضمان التقدم)، بقوله أن "ما يقلقنا هو أن الدول المجاورة لنا لا تخفي مساعيها لامتلاك السلاح النووي".
[2] وهو ما يؤكد أن التفجيرات النووية الهندية والباكستانية لم تكن مفاجئة البتة، وخلقت وضعاً جديداً قد يعرقل الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. ويهدد نظام منع انتشار التسلح النووي الذي يعتمد على معاهدة منع انتشار السلاح النووي الموقعة عام 1968، ويجعله في مهب الريح بعد تلك التجارب الهندية والباكستانية، وهو ما يبشر بنتائج لا يحمد عقباها، خاصة وأن مساعي الحصول على السلاح النووي في الهند وباكستان عل السواء جرى تحت أنظار الدول النووية والعالم بأسره، ورغم حصولهما على الرادع الاستراتيجي النووي لم يبرز ما يبشر يحل الأزمة المستعصية بين البلدين، بل على العكس زاد من خطورتها.
ولهذا نرى أن الخطاب السياسي لقادة دول آسيا المركزية أصبح أكثر من أي وقت مضى متمسكاً بمبدأ وقف سباق التسلح النووي كأساس لتحقيق الأمن النووي للمنطقة. واعتبر موضوع منع التجارب النووية، كأساس ضروري يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى وضع نظام لتخليص العالم من الأسلحة النووية، ويحقق الأمن والاستقرار لجميع دول العالم.
ففي 7/5/1992 كانت أوزبكستان أول دول في آسيا المركزية تنضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وأعقبه في 8/10/1994 توقيع اتفاقية الضمانات اللازمة لتطبيق معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وهي المعاهدة التي تدعو لإقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية. وهو ماحذى بالرئيس الأوزبكستاني لإطلاق دعوته لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية للمرة الأولى من على منبر الدورة 48 للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، في 28/9/1993، وتكررت تلك الدعوة مرة أخرى من على منبر الجلسة الاحتفالية للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 24/10/1995. ولقيت حينها ترحيب واهتمام من قبل المجتمع الدولي، ومن الدول النووية في العالم والدول المجاورة لأوزبكستان.
وتتابعت الجهود ووزعت وثيقة عمل حول " إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، على أساس معاهدة توقعها دول المنطقة"، في ختام اجتماع لجنة نزع الأسلحة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة الذي عقد خلال مايو/أيار 1997، أعدتها وفود جمهوريات آسيا المركزية الخمس. واعتبرت وثيقة من الوثائق الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، وتم كذلك توزيع نص بيان آلما آتا، الذي وقعه قادة دول آسيا المركزية (الأوزبكي: كريموف، والقازاقي: نازارباييف، والقرغيزي: أكاييف، والتركماني: نيازوف، والطاجيكي: رحمانوف) حول إعلان آسيا المركزية خالية من الأسلحة النووية.
وفي يونيو/حزيران 1997 شاركت أوزبكستان للمرة الأولى في جلسة العمل التي عقدتها إدارة المنظمة الدولية للطاقة الذرية بمدينة فيينا، وأعلن خلالها رئيس الوفد الأوزبكستاني موقف جمهوريات آسيا المركزية من موضوع إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة، ووزع نص البيان الذي أعلنه على الوفود المشاركة في جلسة المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وأشارت الصحف حينها إلى تأييد الدول الأعضاء في المنظمة للجهود الأوزبكستانية.
[3]
ورغم مرور عقد من الزمن منذ إعلان مبادرة إعلان منطقة آسيا المركزية، منطقة خالية من الأسلحة النووية، التي أطلقها الرئيس الأوزبكستاني في عام 1993، فإننا نرى أن المعاهدة التي وقعتها الدول الخمس في ألما آتا لم تدخل حيز التنفيذ بعد، لأنها وببساطة لم تحصل على الضمانات الخطية اللازمة من الدول النووية الرئيسية في العالم من أجل إعلان المنطقة، منطقة خالية من الأسلحة النووية رسمياً. فمن المعروف أن التوسع في إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية في العالم يتم تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة التي تعكف دائماً على تشجع كل الجهود الموجهة نحو جذب الدول التي لا تملك أسلحة نووية للانضمام إلى جهودها في إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية، وهو مادعى المنظمة الدولية للترحيب ومساندة الجهود الأوزبكستانية. إذ تعتبر أوزبكستان جهود إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية شكل من الأشكال المتميزة للتعاون الدولي الناجح، الذي تتساوى فيه الهيئات الحكومية وغير الحكومية على السواء من خلال العمل المشترك من أجل تعزيز السلام وخلق نظام عالمي تتفاهم من خلاله الإنسانية جمعاء.
وتطالعنا الخبرة العالمية بأشكال متعددة تهدف في النهاية إلى إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية، والسبب في ذلك تنوع أهمية وخصائص المناطق التي تعلن فيها مثل تلك المناطق. ويتفق المراقبون والباحثون على تعريف واحد تقريباً لتلك المناطق، وهو: أنها المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، أو التي تعمل على الحد من التسلح النووي، وتسهم في خفض خطر نشوب نزاع نووي، وتعزز أمن الدول الداخلة في المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، وتسهم في تحقيق أهداف معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1968.
وتعتبر المناطق منزوعة السلاح النووي، وفقاً لقواعد الاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل الدول المعنية وتمنع إجراء التجارب النووية، وإنتاج ونشر الأسلحة النووية، وتمنع استخدام الأسلحة النووية.
بينما تعتبر منظمة الأمم المتحدة "أي منطقة تعترف بها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتشكلها مجموعة من الدول المتمتعة بالسيادة، على شكل معاهدة أو اتفاقية جماعية" منطقة خالية من الأسلحة النووية. وتلزم مثل تلك المعاهدات والاتفاقيات الدول المتعاقدة على ضمان "الخلو التام للمنطقة من الأسلحة النووية، بما يتفق وإعلان المنطقة، منطقة خالية من الأسلحة النووية"، ووضع نظام دولي "للتفتيش والرقابة" بهدف ضمان الالتزام بمواد المعاهدة أو الاتفاقية. وتطلب منظمة الأمم المتحدة عادة من الدول النووية إخلاء تلك المناطق تماماً من الأسلحة النووية لتجنب مخالفة شروط إعلان تلك المناطق، مناطق خالية من الأسلحة النووية، والامتناع عن استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد تلك الدول الداخلة ضمن المناطق الخالية من الأسلحة النووية. وهذه من الشروط الأساسية لإعلان تلك المناطق، مناطق خالية من الأسلحة النووية.
ومنذ عام 1975 والأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة تكثف جهودها من أجل التوسع بإقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية كمناطق سلام آمنة، وشكلت لهذا الغرض مجموعة من الخبراء كلفتها بوضع مبادئ عامة يمكن أن تكون مدخلاً للتوسع بإقامة مثل تلك المناطق. وتضمنت وثيقة الخبراء بعض الالتزامات اللازم اتخاذها من أجل إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية، وصنفت دول العالم ضمن ثلاث مجموعات، وهي: الدول الداخلة في المنطقة الخالية من السلاح النووي؛ والدول التي تملك أسلحة نووية؛ والدول الأخرى.
وأوصت الوثيقة بإعطاء المشاركين في المنطقة الخالية من السلاح النووي بعض الامتيازات من خلال معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية تعكس: أنهم يقيمون منطقة خالية من الأسلحة النووية بالكامل، وتمنع تواجد الأسلحة النووية التي تملكها الدول النووية على أراضيها؛ وتمنح المشاركين في المناطق الخالية من الأسلحة النووية وضعاً قانونياً يلزم الدول النووية بضمان أمن تلك الدول. وتطالب وثيقة الخبراء الدول الداخلة في المناطق الخالية من الأسلحة النووية أن تلتزم من خلال وثيقة رسمية واضحة بإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية بالكامل.
وخلال العقود الثلاثة الماضية منذ تشكيل لجنة الخبراء وحتى الآن أكدت منظمة الأمم المتحدة بأن المناطق الخالية من الأسلحة النووية تعتبر وسيلة من الوسائل الفعالة اللازمة من أجل توفير الأمن الإقليمي والدولي، وهي لهذا تعمل على تشجيع الدول على إقامة مثل تلك المناطق. وأصدرت الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة قراراً خاصاً دعت فيه الدول الأعضاء في المنظمة لاتخاذ الإجراءات والجهود الضرورية من أجل إتمام إجراءات التصديق على المناطق القائمة حالياً، وإقامة مناطق جديدة خالية من الأسلحة النووية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تمتنع بعض الدول النووية الرئيسية في العالم حتى الآن عن تشجيع المشاريع المطروحة لإقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية ومنها المشروع العربي لإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، والتصديق على الاتفاقيات القائمة والمودعة لدى منظمة الأمم المتحدة ؟ في الوقت الذي تطالب فيه الدول الأخرى بالامتناع عن الحصول على أو إنتاج الأسلحة النووية كرادع استراتيجي، وتهدد باستخدام القوة ضدها كالحالة الكورية الشمالية، والإيرانية أو احتلالها عسكرياً كالحالة العراقية.
ونعتبر تصديق تلك المعاهدات القائمة والتشجيع على إقامة مناطق جديدة خالية من الأسلحة النووية أمر غاية في الأهمية في الوقت الحاضر، وهو الوقت الذي يتابع فيه التحالف الدولي حربه التي لا هوادة فيها ضد الإرهاب في العالم، فماذا سيحدث لو جرى "تسريب" لأسرار إنتاج الأسلحة النووية ومكونات تحضيرها ؟ وهي أخطار تهدد ليس الأمن الإقليمي وحسب، بل والأمن والاستقرار في العالم بأسره، وقد أثبتت ذلك الأحداث التي تلت 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية. وظهر أن الدول العظمى مع نهاية "الحرب الباردة" كانت غير مستعدة أو أنها غير جادة في الرقابة على زبائنها من مشتري الأسلحة الفتاكة من تلك الدول. وخير مثال على ذلك التجارب النووية الهندية والباكستانية، والاتهامات التي وجهت للعراق قبل احتلاله، وهي نفس الاتهامات التي توجه اليوم لإيران التي تنفي، وكوريا الشمالية التي تعترف بسعيها لامتلاك سلاح الردع الاستراتيجي لمواجهة الأخطار الخارجية المحتملة.
وأثبتت العلاقات الدولية الحديثة تعقد وصعوبة القيام برقابة فعلية على التكنولوجيا النووية، لأن بعض الدول الكبرى المالكة للسلاح النووي تتبع سياستها الخاصة في هذا المجال وتنظر للموضوع من منظور مصالحها الخاصة فقط، مما يجعل من عملية تطبيق نظام صارم للرقابة والحد من انتشار الأسلحة النووية أمر غاية في الصعوبة إن لم نقل أمر غير عادل البتة. ونعتقد أن الرقابة الفعلية على الأسلحة النووية، والسعي للحد من انتشارها في العالم يجب أن ينطلق من مبدأ التعددية القطبية، الذي تحترم فيه مصالح ومتطلبات الأمن القومي لكل الدول صغيرها وكبيرها، وهذا يمكن طبعاً من خلال نظام دولي مرتبط بمعاهدات واتفاقيات جماعية ومن خلال إتباع سياسة عادلة وواضحة المعالم تضمن إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية في أنحاء مختلفة من العالم. وهذا غير جديد لأن مشاكل الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل غدت صلب المناقشات في العديد من اللقاءات الدولية، وأصبح الحديث عن إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية مرادف لعبارة الحد من انتشار التسلح النووي. وظهر هذا جلياً عندما تم مناقشة هذه المواضيع في مؤتمر تمديد اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1995، واتفق جميع المشاركين حينها على أن إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية يعزز نظام الحد من انتشار الأسلحة النووية.
ومن هذا المنطلق نرى أن منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة والمجتمع الدولي، قد اهتمت بفكرة إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية منذ بدايتها. وظهر هذا واضحاً من خلال نتائج مؤتمر طشقند الدولي، الذي عقد خلال يومي 15 و16/9/1997 تحت شعار: "آسيا المركزية: منطقة خالية من الأسلحة النووية"، وشارك فيه أكثر من 200 مشارك، يمثلون 56 دولة، من بينها جمهورية مصر العربية التي تسعى منذ سنوات لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، و16 منظمة دولية، من بينها منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والنادي النووي، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والمنظمة الدولية للطاقة الذرية، ووكالة حظر الأسلحة النووية في أمريكا اللاتينية.
وأكد الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف حينها موقف بلاده من موضوع الأمن النووي، فقال: "واقعياً إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية، يعتبر جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي للأمن النووي، الذي حدد في إطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وفي الواقع هذا يعني أن الدول المشاركة في المنطقة الخالية من السلاح النووي في آسيا المركزية، قد اندمجت في نظام منع انتشار، ونزع السلاح النووي".
[4] وهو ما يعني دعم أوزبكستان وباقي دول آسيا المركزية الموقعة على اتفاق المنطقة الخالية من السلاح النووي، ومساندة كل الجهود العالمية المبذولة في أنحاء العالم المختلفة لإنشاء مثل هذه المناطق بما فيها ضمناً منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر مصر المبادر الأول لإنشاء مثل هذه المنطقة في الشرق الأوسط، وتبعتها مؤخراً سورية التي قدمت للأمم المتحدة المشروع العربي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط ضمن الخط الذي تؤمن به جميع الدول العربية على ما نعتقد.
وفي ديسمبر/كانون أول عام 1997، أصدرت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً "بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في آسيا المركزية"، مما عزز من أهمية نتائج مؤتمر طشقند آنف الذكر. وهنا يجب الإشارة إلى أن قراراً بهذا المستوى قد تم إصداره بمبادرة من الدول المستقلة الجديدة، التي انضمت لعضوية منظمة الأمم المتحدة، وهي: أوزبكستان، وقازاقستان، وقرغيزستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، ونعتقد أن موضوع إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط القريب من آسيا المركزية يهم تلك الدول ويجعله في مقدمة المشاكل التي يجب أن يناقشها قادة تلك الدول عند لقائهم، لتنسيق المواقف حولها في المحافل الدولية.
أما فيما يتعلق بموقف جمهورية أوزبكستان من المادة السابعة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فهو ثابت وأوضحه الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية ويدعوا إلى إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية معترفاً بها في جميع أنحاء العالم، لتسهم في تعزيز السلام والأمن على المستويين العالمي والإقليمي، وتضيق الخناق على إمكانية انتشار مثل تلك الأسلحة الفتاكة، وهو ما يعزز في الوقت نفسه نظام منع انتشار الأسلحة النووية.

طشقند في 31/5/2003
[1] أ.د. محمد البخاري: مستشار في العلاقات الدولية، وأستاذ التبادل الإعلامي الدولي بقسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. bukhari@mail.ru
[2] إسلام كريموف: أوزبكستان على أعتاب القرن الحادي والعشرين: تهديدات الأمن، وشروط ضمان التقدم. طشقند: دار أوزبكستان للنشر، 1997. ص 14. (باللغة الروسية)
[3] صحيفة نارودنوية صلوفا. طشقند: 2/7/1997. (باللغة الروسية)
[4] إسلام كريموف: من أجل الأمن والتطور الثابت. طشقند: // صحيفة نارودنويه صلوفا. 16/9/1997.

أوزبكستان تنظر إلى الدول العربية كشريك هام

أوزبكستان تنظر إلى الدول العربية كشريك هام، وهي مهتمة جداً بتطوير وتعميق العلاقات ذات المنفعة المتبادلة التجارية والاقتصادية مع الدول العربية
حوار مع الدكتور حسن إسلام حجاييف نائب رئيس وكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية في جمهورية أوزبكستان، أجراه في طشقد أ.د. محمد البخاري: مستشار في العلاقات الدولية، جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية.
كثرت في الآونة الأخيرة زيارات رجال الأعمال من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى جمهورية أوزبكستان. وهو ما يبشر بتحسن العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين تلك الدول وجمهورية أوزبكستان على المدى القريب. وكثيراً ما سئلت من قبل البعض كصحفي عربي وأستاذ جامعي متخصص في العلاقات الدولية مقيم منذ فترة طويلة في أوزبكستان عن واقع الاستثمار في أوزبكستان اليوم، وخاصة بعد الزخم الذي تشهده العلاقات الأوزبكستانية مع بنك التنمية الإسلامي الذي عقد لقاءاً كبيراً في طشقند منذ فترة وجيزة. ورأيت من الصائب إطلاع المستثمر والمهتم والقارئ العربي على وجهة نظر أحد المتخصصين في هذا المجال في أوزبكستان من خلال الحوار الذي دار بيني وبين الدكتور حسن إسلام حجاييف نائب رئيس وكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية (وزارة للعلاقات الاقتصادية الخارجية سابقاً) في جمهورية أوزبكستان، الذي جرى في مكتبه بالوكالة. وأتمنى أن يفي مضمونه ببعض ما يحتاجه رجال الأعمال العرب من معلومات.
- كيف ترى د. حسن واقع الاستثمارات العربية في جمهورية أوزبكستان اليوم ؟
اسمح لي أولاً أن أعرض عليك بشكل مقتضب بعض المعلومات عن بلادنا، وعن المنجزات الاقتصادية الأساسية المحققة خلال السنوات الأخيرة. وأريد هنا أن أشير إلى أنه خلال سنوات الاستقلال في بلادنا تحققت إصلاحات واسعة، وجهت كلها لبناء مجتمع علماني ديمقراطي، واقتصاد يتبع نظام السوق.
وانطلقنا في تحديد استراتيجية عمليات التجديد والإصلاحات الجارية في مجتمعنا على أعتاب القرن الحادي والعشرين، من نقطة الاختيار الواضحة والمحددة لاتجاهات مستقبل تعميق الإصلاحات اللازمة للوصول إلى هدف ليبرالية كل نواحي الحياة في حياتنا. وعملياً الليبرالية أصبحت بالنسبة لنا اليوم الأساس، وحلقة الوصل لكل التحولات الجارية في بلادنا.
ومجموعة الإجراءات التي نفذت خلال السنوات الأخيرة من أجل تعميق الإصلاحات وتحقيق الليبرالية في المجالات الاقتصادية، حازت على إعجاب وتقدير المؤسسات المالية الدولية الكبرى، وحكومات العديد من الدول الأجنبية المتطورة اقتصادياً.
وأود انتهاز الفرصة هنا لتقديم بعض الأرقام والحقائق التي يمكن أن تقدم لك تصوراً أوضح عما يجري في بلادنا. فأوزبكستان تشغل موقعاً استراتيجياً هاماً في المنطقة، يقع على نقطة الارتكاز في نظام خطوط المواصلات والطاقة في آسيا المركزية، وتملك أوزبكستان إمكانيات وثروات باطنية نادرة تقدر قيمتها حسب معطيات الخبراء الأجانب بأكثر من 3.3 تريليون دولار أمريكي.
وبالإضافة إلى ذلك، أوزبكستان تملك مقدرات صناعية هامة. إذ تنتج المصانع في جمهوريتنا الطائرات الحديثة، والسيارات، والمعدات الزراعية، والمنتجات الكيميائية المتطورة، والمواد الغذائية، والمنتجات النسيجية، والمعدات الإلكترونية، إضافة إلى إنتاج الحديد والصلب، والطاقة.
وتعتبر أوزبكستان من أكثر دول آسيا المركزية كثافة للسكان، مما يسمح لها أن تكون أفضل شريك تجاري في المنطقة. وتاريخها الثقافي والحضاري العريق، ووقوعها على طريق الحرير، يوفر لها الكثير من الإمكانيات الفريدة اللازمة لتطوير الصناعة السياحية. وخلال السنوات السبع الماضية فقط حققت أوزبكستان استقراراً لاقتصادها الوطني، وحققت نمواً اقتصادياً بمعدل 4 – 5 % سنوياً.
وقد حققت الإجراءات التي اتبعت في مجال تعزيز السياسة النقدية والمالية، وبض الإجراءات المحددة الموجهة نحو إشباع السوق المحلية بالمنتجات المحلية القادرة على منافسة المستورد منها نتائج ملموسة على معدلات التضخم. وعلى سبيل المثال: كان معدل التضخم خلال الأشهر التسعة من عام 2002 حوالي 17.4 %، بينما نراه خلال المدة نفسها من العام الحالي قد حقق تحسناً بنسبة 0.3 %. وخلال الأشهر التسع من العام الحالي بلغ العجز في موازنة الدولة 0.1 % بالمقارنة مع الناتج القومي. وفيما يتعلق بتحقيق هدف تحويل العملة الوطنية وفق أسعار السوق المالية العالمية، فقد قبلت جمهورية أوزبكستان اعتباراً من 15 أكتوبر من العام الحالي بالالتزامات الواردة في المادة الثامنة من نظام صندوق النقد الدولي.
وقد ارتفع حجم التجارة الخارجية خلال الأشهر التسع الماضية من العام الحالي بنحو 15 % بالمقارنة مع نفس المدة من العام الماضي، وحقق ميزان التجارة الخارجية نتائج إيجابية بلغت 515 مليون دولار أمريكي.
وبالموازاة مع تحقيق ليبرالية الاقتصاد، تتخذ خطوات عملية في مجال تشجيع الأعمال الحرة، وضمان الحريات الاقتصادية للأعمال الحرة، وخاصة من خلال توسيع مشاركة القطاع الخاص في عمليات خصخصة أملاك الدولة، وفي النشاطات الاقتصادية الخارجية، وتخفيض الضرائب.
ونتيجة لنقل ملكية أملاك الدولة والخصخصة، وتحويل المنشآت الحكومية إلى شركات مساهمة، تشكل وبشكل فعال القطاع غير الحكومي في الاقتصاد، وتشكلت طبقة من الملاك الحقيقيين، كأساس للقاعدة الاقتصادية اللازمة لتجديد المجتمع. وقد تشكل فعلاً لدينا اقتصاد متعدد الجوانب، تعطى الأولوية فيه لنمو الملكية الخاصة. وقد بلغت حصة القطاع غير الحكومي اليوم من الناتج القومي أكثر من 70 %.
وبالتتابع يتم في بلادنا إتباع سياسة إعادة هيكلة الاقتصاد. وخلال سنوات الاستقلال أنشأت عشرات المنشآت الإنتاجية الحديثة الضخمة. ويتم ترشيد وتجديد المعدات في حقل إنتاج الطاقة، وفي مجال منشآت التعدين والبترول والغاز، وأقيمت منشآت إنتاجية مزودة بتكنولوجيا عالية في مجالات الغزل والنسيج، والحرير، والصناعات الكيميائية والبنية التحتية للمواصلات. وبشكل سريع تتطور مجالات جديدة في الصناعة الأوزبكستانية، كصناعة السيارات، والتكنولوجيا البيولوجية، والصناعة الدوائية، ونظم الاستشعار عن بعد وغيرها من المجالات.
كما وهناك عناية خاصة في أوزبكستان بتطوير الأعمال الحرة الصغيرة والمتوسطة، والعمل الخاص. وحتى اليوم في مجال الأعمال الحرة الصغيرة والمتوسطة يشتغل 56 % من المشتغلين في كل قطاعات الاقتصاد الوطني، وبلغت حصته 34 % من الناتج الوطني. ولكننا نعتبر أنفسنا في بداية هذا الطريق، ونعمل على زيادة دور طبقة الملاك في الحياة الاقتصادية للبلاد.
وخلال السنوات الأخيرة خلقت الظروف المناسبة للاستثمار، والضمانات اللازمة للمستثمرين الأجانب. وفي مجال القاعدة القانونية للاستثمارات الأجنبية أنشأ نظام واسع من التسهيلات الضريبية، والضمانات. وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي في القطاع الاقتصادي بجمهورية أوزبكستان خلال سنوات الاستقلال، أكثر من 14 مليار دولار أمريكي، وهو ما سمح بتسريع عملية إدخال عشرات المنشآت الضخمة الهامة حيز العمل ضمن عملية تشكل وتجديد أكثر الهياكل الاقتصادية فاعلية.
وبلادنا تملك مصادر طبيعية هائلة وفي هذا السياق أوجدت الظروف الملائمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي يسمح لنا بتطوير جميع فروع الاقتصاد عملياً. وخلال السنوات الأخيرة تعزز تواجد رؤوس الأموال الأجنبية في الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني، ففي عام 1993 كان حجم الاستثمارات الأجنبية 0.8 % من حجم رؤوس الأموال المستثمرة، أما في عام 2002 فقد ارتفع هذا المؤشر إلى 20 %. وهنا يجب أن نشير إلى أن حجم الاستثمار في الاقتصاد عام 2002 زاد بمعدل 3.8 %، وتجاوز مبلغ 1.4 تريليون صوم (العملة الوطنية)، منها حوالي 650 مليون دولار أمريكي استثمارات أجنبية. وفي عام 2003 تضمن البرنامج الاستثماري لجمهورية أوزبكستان 87 مشروعاً. ولتنفيذ كامل البرنامج خطط لتوجيه 4.33 مليار دولار أمريكي بما فيها الاستثمارات الأجنبية المباشرة والبالغة أكثر من 1.3 مليار دولار أمريكي. وحجم الاستثمار المتوقع خلال عام 2003 يبلغ 1 مليار دولار أمريكي، أو 110.5 % مقارنة بعام 2002. وخطط خلال العام 2003 إنهاء العمل في 34 مشروعاً، قيمتها الإجمالية 857.5 مليون دولار أمريكي.
وفي الوقت الحاضر جمهورية أوزبكستان تقيم علاقات تعاون مع صندوق التنمية العربية الكويتي. وخلال الفترة من 24 – 26/7/1997 زار أوزبكستان وفد من الصندوق. وأثناء الزيارة تم التوقيع على اتفاقية قرض ميسر بقيمة 6 مليون دينار كويتي، أي 18 مليون دولار أمريكي حسب أسعار السوق يوم توقيع الاتفاقية من أجل تمويل مشروع توفير المياه لمدينتي نوقوس، وأورغينيتش. والقرض قدم لأوزبكستان لمدة 20 عاماً ضمنها فترة سماح تبلغ 5 سنوات. وأموال القرض الكويتي تستخدم في تمويل مشروعين استثماريين، هما: "تجديد نظم توزيع المياه في مدينتي نوقوس، وأورغينيتش"، بمبلغ 10.2 مليون دولار أمريكي، و"إعادة تصميم منشآت تصفية المياه في نوقوس"، بمبلغ 5.3 مليون دولار أمريكي.
وحتى اليوم تعمل في جمهورية أوزبكستان 99 منشأة أقيمت بمساهمة مستثمرين عرب من دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة البحرين، والجمهورية اللبنانية، والجمهورية العربية السورية، منها 46 شركة مشتركة، و53 منشأة برأس مال عربي 100 %. معظمها أقيمت بمساهمة شركاء من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول العربية.
ومع ذلك فهناك إمكانيات كبيرة غير مستخدمة بين الجانبين الأوزبكي والعربي، وأعتقد أن استخدام تلك الإمكانيات المتوفرة ممكنة من خلال رفع حجم الاستثمار العربي في أوزبكستان، ووضع الأسس لعلاقات مشتركة فيها خير لشعوب أوزبكستان والدول العربية.
- حسناً، ولكن ما هو تقديرك د. حسن لحجم التعاون التجاري والاقتصادي والمالي والاستثماري القائم حالياً بين أوزبكستان والدول العربية ؟
- في الوقت الحاضر مستوى التعاون التجاري والاقتصادي والمالي والاستثماري القائم بين أوزبكستان والدول العربية لا يتناسب وإمكانيات هذه الدول. فخلال العام الماضي 2002 كان حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان والدول العربية 56 مليون دولار أمريكي، منها صادرات أوزبكستانية على شكل بضائع مبلغ 30.2 مليون دولار أمريكي، ومستوردات من الدول العربية بمبلغ 25.7 مليون دولار أمريكي. وكان أكبر حصة في ميزان التبادل التجاري بين أوزبكستان والدول العربية من حصة دولة الإمارات العربية المتحدة والتي بلغت 48.3 مليون دولار أمريكي، تلتها حصة المملكة العربية السعودية التي بلغت 3.9 مليون دولار أمريكي. والظاهرة الإيجابية في تطور التعاون التجاري والاقتصادي والمالي والاستثماري بين جمهورية أوزبكستان والدول العربية، تمثلت في قبول أوزبكستان عضواً كامل الأهلية في بنك التنمية الإسلامي عام 2003، وهذه الحقيقة يجب أن تمثل دفعة قوية لتطوير تلك العلاقات التي أشرنا إليها.
وبغض النظر عن حجم الاستثمار في أوزبكستان والذي يزيد عن 14 مليار دولار أمريكي، وهو جزء من قدرة السوق الأوزبكستانية التي يمكن أن تستوعب استثمارات تبلغ عشرة أضعاف ذلك الرقم، فإني أرى أن هذا بحد ذاته يشير إلى مستقبل مبشر للاستثمارات الأجنبية في أوزبكستان، ومن ضمنها طبعاً الاستثمارات العربية، من أجل تحقيق المشاريع الاستثمارية، وإدخال التكنولوجيا المتطورة، وتصنيع الخامات المحلية، وللمشاركة في عملية خصخصة المؤسسات الصناعية الكبرى، والمصارف، والبنية التحتية في جمهورية أوزبكستان.
- هذا مبشر. ولكن ما الذي يعيق برأيكم توسيع التعاون المالي والتجاري والاستثماري بين أوزبكستان والدول العربية اليوم؟
- الحقيقة التي تعيق تطور العلاقات التجارية والاقتصادية والمالية والاستثمارية بين أوزبكستان والدول العربية هي قلة المعلومات لدى الجانب العربي عن الإمكانيات الاستثمارية والاقتصادية في أوزبكستان. لأن المعلومات الأساسية عن أوزبكستان والعالم العربي يتم الحصول عليها أساساً من وسائل الإعلام. وانطلاقاً من هذه الحقيقة فإن جمهورية أوزبكستان مهتمة بإقامة معارض تجارية، لإبراز قدراتها الاقتصادية، بمشاركة رجال الأعمال الأوزبك والعرب. ونحن في الوقت الحاضر نعد للقاء يشارك فيه رجال أعمال من الكويت في طشقند. وأنا أعتبر أن مثل تلك اللقاءات يجب أن تتم بشكل دوري وبمشاركة رجال أعمال من الدول العربية الأخرى.
- ولكن د. حسن في الواقع أن البعض يشكو من تعقيد إجراءات الاستثمار في أوزبكستان فما تعليقكم على ذلك ؟
- لا، فالحقيقة عكس ذلك. فآلية إنشاء مؤسسات بمشاركة مستثمرين أجانب اليوم أصبحت سهلة جداً وفقاً لمبدأ "الشباك الواحد". وهذا يعني أن أي مستثمر يمكنه تجميع الوثائق اللازمة وتقديمها ضمن وزارة العدل بجمهورية أوزبكستان.
وقد تم تهيئة أجواء استثمارية جيدة في أوزبكستان، ونظام واسع من الضمانات القانونية والحوافز من أجل المستثمرين الأجانب، انطلاقاً من القوانين النافذة في بلادنا مثل: قانون "ضمانات وإجراءات حماية حقوق المستثمرين الأجانب"، و قانون "الاستثمارات الأجنبية". وباعتراف الخبراء الأجانب، الجو ملائم للاستثمار في جمهورية أوزبكستان، ويعتبر من أفضل الظروف المتوافرة في دول رابطة الدول المستقلة الأخرى. والقوانين التي سبق وأشرت إليها تؤمن للمستثمرين الأجانب نظام عادل ومتساوي، وحماية وأمن، وضمانات قانونية ضد المصادرة والتأميم، وضمان استخدام وتحويل الأموال، وضمانات إعادة الاستثمارات الأجنبية، وما يتعلق بوقف النشاطات الاستثمارية والتصفية وغيرها. والمستثمر الأجنبي يمكنه القيام بنشاطات استثمارية في جمهورية أوزبكستان عن طريق: المساهمة بحصة في الشركات، والبنوك، والاتحادات، والروابط وغيرها من المؤسسات، القائمة بمشاركة الشخصيات الاعتبارية والعادية، المقيمة في جمهورية أوزبكستان؛ وإنشاء مؤسسات باستثمارات أجنبية 100 %؛ وحقائب استثمارية – عن طريق شراء الأسهم، والأوراق المالية، والسندات، وشهادات الاستثمار وغيرها من السندات المالية، التي تصدرها الشركات الأوزبكستانية؛ وشراء حق ملكية الأرض والأموال غير المنقولة جزئياً أو كلياً ، بما فيها حق استخدام الأرض والامتيازات المتعلقة باستخدام الثروات الباطنية.
وبالإضافة إلى ذلك أعددنا نظام شامل من الإجراءات الإضافية لتشجيع نشاطات المنشآت التي تشارك فيها استثمارات أجنبية، تتضمن تخفيضات ضرائبية وكل ما يتصل بها، ومنها: تخفيض الرسوم الضريبية وحتى الإعفاء الضريبي الكامل على الأرباح وفق حجم الاستثمارات الأجنبية واتجاهات النشاطات الإنتاجية من 2 عامين وحتى 7 سنوات؛ وتخفيض الرسوم الضرائبية وحتى الإعفاء الضريبي الكامل على الأملاك في حال زيادة التصدير من المنتجات المنتجة بمشاركة الاستثمارات الأجنبية، وأيضاً الإعفاء من دفع ضريبة الأرباح من عائدات تصدير البضائع الخاصة للاستثمارات الأجنبية؛ والإعفاء من ضريبة الأرض لمدة سنتين من لحظة إنشاء المنشأة بمشاركة مستثمرين أجانب؛ والإعفاء من ضريبة الأرباح لمدة ثلاث سنوات من تاريخ بداية الإنتاج، وتخفيض بمعدل 50 % من ضريبة الأرباح خلال السنتين التاليتين – في حال إذا كانت المنشاة قد أقيمت في المناطق الريفية؛ وجملة من التخفيضات الضريبية لمن يستخدم معدات ومواد محلية في الإنتاج؛ الإعفاء من الرسوم الجمركية عن المعدات التكنولوجية، التي أدخلت كجزء من رأس المال.
- أوافقكم د. حسن بأن الطريق مفتوحة أمام الاستثمارات الجادة في أوزبكستان، خاصة وأنها أصبحت مغرية بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة لتسهيل عمليات صرف العملة الوطنية "الصوم" وتحويلها إلى الخارج، ولكن ما هي المشاريع الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة التي يمكن لرؤوس الأموال العربية المشاركة فيها في أوزبكستان ؟
- كما نعرف فإن الموارد المالية للدول العربية الخليجية تشارك بشكل فعال في تقديم القروض الميسرة لتمويل العديد من المشاريع الاستثمارية في الخارج، عن طريق العديد من الصناديق الاستثمارية، والمؤسسات المالية في تلك الدول. والدول العربية الخليجية وفق معطيات الخبراء تستطيع أن تستثمر في اقتصاد الدول الأخرى مبلغ يتراوح ما بين 700 – 800 مليون دولار أمريكي. والقدرات الاستثمارية لبعض رجال الأعمال العرب كبيرة جداً، ورؤوس الأموال العربية الموظفة في دول العالم من قبل أبناء مجلس التعاون لدول الخليج العربية تقدر بحوالي 162 مليار دولار أمريكي. وفي حال تعرف الدول العربية على الإمكانيات الاستثمارية في أوزبكستان، فإن جزءاً من تلك الأموال قد يوجه للاستثمار في اقتصاد جمهورية أوزبكستان. خاصة وأن كل الظروف الملائمة لتقديم الضمانات والدفاع عن حقوق المستثمرين الأجانب، وتحويل الأرباح، وتقديم التسهيلات حيال الالتزامات المالية الإجبارية، ممن يمكنها تأمين أرباح عالية، متوفرة في جمهورية أوزبكستان.
وانطلاقاً من خصائص السياسة الاستثمارية للدول العربية الخليجية بشكل عام، وأفضليات جذب الاستثمارات الأجنبية إلى جمهورية أوزبكستان، والرغبة في التعاون مع المؤسسات المالية العربية الهامة كبنك التنمية الإسلامي، وصندوق التنمية العربية الكويتي، وصندوق التنمية السعودي التي لها علاقات متطورة جداً في المجالات الاقتصادية كالمواصلات، والبنى التحتية، وتوفير المياه والري، والصحة، وفي مجالات النفط والغاز، والزراعة، وقطاع السياحة، وإنشاء البنوك المشتركة، والشركات الاستثمارية، يمكن إقامة قاعدة متينة للعلاقات ذات المنفعة المتبادلة.
- من هي برأيكم د. حسن الجهة التي يجب أن يخاطبها المستثمر العربي الراغب في الاستثمار بجمهورية أوزبكستان ؟
- من أجل تنظيم نشاطات المستثمرين الأجانب يمكن التوجه إلى وكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية.
- هذا على صعيد الاستثمار، ولكن ما هي برأيكم د. حسن الطريقة المثلى لزيادة حجم التبادل التجاري، وتفعيل العلاقات الاقتصادية والمالية بين أوزبكستان والدول العربية ؟
- برأيي أن العامل الرئيسي الذي يمكن أن يساعد على تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي والاستثماري بين جمهورية أوزبكستان والدول العربية هو تعريف رجال الأعمال الأوزبك والعرب على الإمكانيات الاقتصادية والاستثمارية والمالية المتوفرة لدى الجانبين. ومن أجل هذا، من الضروري إقامة دراسات تسويقية مشتركة للبضائع والخدمات، وإقامة المعارض التجارية، والتعريف بالإمكانيات المتوفرة، وتنظيم لقاءات دورية بين رجال الأعمال بمشاركة القطاع الخاص في تلك الدول. وكما تعلم في 2 سبتمبر 2003 وفي إطار الاجتماع السنوي لمجموعة بنك التنمية الإسلامي، الذي جرى في مدينة ألما آتا (جمهورية قازاقستان)، أصبحت جمهورية أوزبكستان عضواً كامل الأهلية في البنك.
وخلال المدة من 29 إلى 30 سبتمبر 2003 عقد مؤتمراً استثمارياً لبنك التنمية الإسلامي في طشقند، وأثناء المؤتمر تم تنظيم معرض للإمكانيات الاستثمارية والتصديرية لجمهورية أوزبكستان في قاعة "أوزإكسبوتسينتر". واستناداً لرأي رئيس بنك التنمية الإسلامي محمد علي، فأوزبكستان تعتبر واحدة من أكثر الدول المتطورة صناعياً من بين الدول الأعضاء في البنك.
وفي الوقت الحاضر التعاون القائم بين أوزبكستان وبنك التنمية الإسلامي في تقدم ملحوظ، وخلال الفترة من 6 إلى 10 أكتوبر زارت أوزبكستان بعثة بنك التنمية الإسلامي، وخلال الزيارة تم بالمشاركة مع الحكومة الأوزبكستانية تحديد أفضليات واتجاهات التعاون، ومن بينها المواصلات، بما فيها الموصلات بالسكك الحديدية وبالسيارات، والصحة، والتعليم، وتوفير المياه، والري، وصناعة النفط والغاز والطاقة، والأعمال الحرة الصغيرة والمتوسطة.
وحتى اليوم يجري البحث في مسائل تمويل بعض المشاريع في المجالات التي سبق وذكرتها. وعلى ما أعتقد أن التعاون بين أوزبكستان والدول العربية في إطار بنك التنمية الإسلامي الذين يشتركون في عضويته، سيعطي دفعة قوية لتطوير التبادل التجاري بين دولنا، ويساعد على جذب الاستثمارات من الدول العربية للمشاركة في اقتصاد أوزبكستان.
- هل لكم د. حسن أن تعطونا لمحة موجزة عن الأهداف الرئيسية لوكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية في جمهورية أوزبكستان.
- الأهداف الرئيسية لوكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية في جمهورية أوزبكستان، أوجزها بالتالي: تطبيق سياسة حكومية موحدة في مجال النشاطات الاقتصادية الخارجية، والمساهمة في وضع استراتيجية تطويرها؛ وتوفير الظروف الملائمة والقيام بكل ما يمكنه تطوير وزيادة قدرات المنافسة لدى الاقتصاد الوطني وتكامله مع النظام الاقتصادي العالمي؛ والمساهمة في تطبيق برامج تطوير إمكانيات التصدير في الجمهورية؛ وتطبيق مجموعة من الإجراءات لتوفير الظروف الملائمة لخروج المنتجات الصناعة الوطنية إلى الأسواق الخارجية؛ والعمل على تطبيق السياسة الحكومية في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية؛ والقيام بجملة من الإجراءات لتنظيم النشاطات الاقتصادية الخارجية؛ والعمل على تطوير التعاون التجاري والاقتصادي والمالي لجمهورية أوزبكستان مع الدول الأجنبية، والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، وغيرها من أطراف معادلات قواعد العلاقات الدولية؛ والدفاع عن المصالح الاقتصادية لجمهورية أوزبكستان، وحقوق ومصالح أطراف معادلة العلاقات الاقتصادية الخارجية في جمهورية أوزبكستان؛ ووكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية تقوم بالمهام الأخرى التي يسندها إليها مكتب الوزراء التابع لرئيس الجمهورية وفقاً للقوانين النافذة في جمهورية أوزبكستان.
- د. حسن هل ترغبون في توجيه كلمة أخيرة للمستثمر العربي ؟
- نعم، أتمنى لكل المستثمرين العرب أن نتحقق كل آمالهم الطيبة، وأن يتمتعوا بالصحة الوافرة، والسعادة والسلام. وأريد أن أؤكد بأن بلادنا تنظر إلى الدول العربية كشريك هام، وهي مهتمة جداً بتطوير وتعميق العلاقات ذات المنفعة المتبادلة التجارية والاقتصادية مع الدول العربية. وأوزبكستان كدولة ديمقراطية دائمة التطور، تعتبر المدخل الذي يمكن عبره الوصول إلى دول آسيا المركزية الأخرى، وأوزبكستان بسكانها الـ 25 مليون نسمة، وإمكانياتها الصناعية والعلمية والتقنية يمكن أن تصبح الشريك المضمون للدول العربية في المنطقة.
نشرت تحت عنوان "أوزبكستان تنفتح على الاستثمارات الكويتية". // الكويت: صحيفة القبس، العدد 10970، 26/12/2003. ص 22.

العلاقات العامة (الدبلوماسية الشعبية) والمجتمع المعلوماتي


العلاقات العامة (الدبلوماسية الشعبية) والمجتمع المعلوماتي

بحث أعده: أ. د. محمد البخاري: عربي سوري مقيم في أوزبكستان، دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية
طشقند – 2009
العلاقات العامة (الدبلوماسية الشعبية) والمجتمع المعلوماتي
مخطط البحث
مخطط البحث؛ المقدمة؛ العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية) كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي؛ الإعلان كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي؛ التخطيط الإعلامي والحملات الإعلامية الدولية؛ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي؛ الأخطار لا تواجه بالانغلاق، بل بالانفتاح وتحصين المتلقي لمواجه سيل المعلومات المتدفقة عليه؛ ضرورة وضع ضوابط وخطط شاملة للعمل في ظروف المجتمع المعلوماتي؛ تطوير البنى التحتية اللازمة للمجتمع المعلوماتي رهن بالسياسات الحكومية؛ الثورة المعلوماتية طغت على حياة الناس وغيرت من طبيعة حياتهم اليومية؛ التكنولوجيا والمجتمع المعلوماتي؛ شبكة الانترنيت ووظائف وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ خصائص المجتمع المعلوماتي؛ وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية والدولة القومية؛ شبكة الانترنيت العالمية والمجالات الإعلامية للدول النامية؛ مشاكل يواجهها المجتمع المعلوماتي في الدول النامية؛ شروط بناء المجتمع المعلوماتي في الدول النامية؛ الشخصية أو الذات الفردية في المجتمع المعلوماتي؛ الخاتمة؛ المراجع المستخدمة في البحث؛ هوامش.
المقدمة
مع بداية تسعينات القرن العشرين ومع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ودول ما كان يعرف بالكتلة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى ضوء التطورات الهامة التي جرت على جميع الأصعدة العلمية والتقنية والتكنولوجية في العالم، وخاصة تكنولوجيا وسائل الاتصال والإعلام والاستشعار عن بعد، انطلقت بشدة شعارات تدعو للتكامل بين المجتمعات الصناعية المتقدمة، وفتح باب المنافسة الحرة وإزالة العوائق أمام انتقال الخبرات والبضائع ورؤوس الأموال وجعل الأسواق العالمية مفتوحة، وبرزت ظاهرة تدفق المعلومات عبر الحدود السياسية والجغرافية، ليصبح معها الإعلام والاتصال والمعلوماتية أداة فعالة في إدارة الصراعات والأزمات الدولية. ورافق تلك الشعارات بشائر ميلاد المجتمع المعلوماتي الذي يمكن أن تشارك في بنائه كل عناصر التركيبة الاجتماعية، في عملية تفاعل معلوماتي باتجاهين أخذاً وعطاء.[1] واعتبر الكثيرون أن ميلاد المجتمع المعلوماتي يبشر بالتحول من تقديم الخدمات الإعلامية للمتلقي السلبي في عملية الاتصال، المتلقي لسيل المعلومات الموجهة إليه ولمجتمعه دون مشاركة إيجابية منه في اختيار أو إعداد أو في أساليب نشر تلك المعلومات عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية المختلفة، إلى مشاركة عناصر التركيبة الاجتماعية القادرة كلها في عملية اختيار وإعداد وتخزين وتوجيه ونشر والاستفادة من المعلومات، والمشاركة المؤثرة والفاعلة في عملية التبادل والتفاعلات الإعلامية داخل المجتمع الواحد بكل عناصره وشرائحه، وبين المجتمعات المختلفة بشكل عام، بما يوفر فرص الحوار، والتفاهم، والتفاعل البناء لصالح تقدم الإنسانية جمعاء.
ومعروف أن أساليب الاتصال والإعلام المستخدمة والمنتشرة بشكل واسع حالياً، لم تكن إلا نتاجاً للتقدم العلمي في مجال وسائل الاتصال والإعلام، ونتيجة للأبحاث العلمية التامة في مجال الإعلام بفروعه المختلفة: الاقتصادية، والسياسية، والعلمية، والزراعية، والصناعية، والتجارية، والثقافية، والاجتماعية وغيرها من فروع المعرفة الإنسانية، التي جرت خلال النصف الأول من القرن العشرين ولم تزل مستمرة في التطور في العالم المتقدم كله حتى اليوم، وطالت تأثيراتها العالم النامي بأسره. وكما هو معروف أيضاً كان نشر تلك المعلومات يتم بالطرق التقليدية عبر الكلمة المطبوعة، والمسموعة والمرئية أحادية الجانب أي من المرسل إلى المستقبل، دون أن تكون هناك أية إمكانية للتفاعل الإيجابي بين المرسل والمستقبل عبر الطرق التقليدية السائدة لنقل تلك المواد الإعلامية التي حملتها إليه شتى وسائل نقل وتخزين وإيصال المعلومات المقروءة والمسموعة والمرئية. ولكن الثورة التي تفجرت بشدة خلال الربع الأخير من القرن العشرين في مجال تقنيات ووسائل الاتصال والإعلام والاستشعار عن بعد، وضعت البشرية أما منعطف تاريخي حاسم تشارك فيه اليوم، كل عناصر التركيبة الاجتماعية القادرة على المشاركة في عملية التأثير والتفاعل المتبادل من خلال عملية التبادل الإعلامي المستمرة داخل المجتمع المحلي والدولي، عبر وسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت فيها تقنيات الحاسب الآلي الحديثة دائمة التطور تشكل العنصر الهام والفاعل في حسم القضية كلها لصالح العولمة بكل أشكالها وأبعادها.[2]
وأصبح الحاسب الإلكتروني الشخصي المرتبط اليوم بشبكات المعلومات المحلية والإقليمية والدولية، يخزن وينقل وينشر المعرفة بكل أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، ليحدث بذلك ثورة حقيقية داخل أنظمة الاتصال والإعلام التقليدية، وأنظمة تراكم المعلومات واستعادتها. ويساهم في تطوير عملية نقل المعرفة التقليدية داخل المجتمعات بعد أن انتقلت لاستخدام تقنيات الأنظمة المعلوماتية الإلكترونية الحديثة في مجالات العلوم والبحث العلمي والتعليم إلى جانب فروع الأنشطة الإنسانية المختلفة. مما وفر فرصاً كبيرة لرفع مستوى الأداء العلمي والمعرفي وأفسح المجال أمام عملية الحصول على المعارف المختلفة ودمجها وإعادة نشرها، وتسهيل استخدامها في عملية تفاعل دائمة لا تتوقف.
وأصبح هذا الواقع الجديد بديلاً للطرق الإعلامية التقليدية، وبمثابة التحول من المألوف في أساليب الاتصال وطرق التعليم والإعداد المهني والمسلكي المتبعة حتى الآن في بعض الدول الأقل حظاً في العالم، إلى أساليب أكثر تطوراً وأكثر فاعلية من ذي قبل. وارتبط هذا التحول بظاهرة العولمة والتكامل المتنامية في النشاطات الإعلامية الضرورية واللازمة لتطور العلاقات العامة والتبادل الإعلامي الدولي والثقافة والعلوم والتعليم والبحث العلمي، في إطار ما أصبح يعرف اليوم بالمجتمع المعلوماتي.
العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية) كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي
كانت العلاقات في المجتمعات البدائية تتسم بالمباشرة والبساطة، وأخذت تلك العلاقات بالتعقد مع التقدم الحضاري والاجتماعي. وأدت التغييرات التقنية والعلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم، وخاصة مع نهاية ثمانينات القرن العشرين، إلى تداخل المصالح الدولية، بسبب سهولة الاتصال التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة. مما زاد من أهمية دور وفاعلية العلاقات العامة في العلاقات الدولية.
وتعتبر العلاقات العامة حلقة وصل بين مؤسسات المجتمع الواحد، وبين المجتمعات الأخرى. عن طريق تقديم خدمات معينة مبنية على الثقة المتبادلة، وانطلاقاً من أهمية الفرد والشرائح الاجتماعية المختلفة، وقوة وتأثير الرأي العام في المجتمعات على مختلف المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وللعلاقات العامة تعريفين أساسيين، هما: التعريف المهني المتخصص: ويقصد به إقامة علاقات حسنة داخل المؤسسات وبين المؤسسات بشكل عام، مبنية على التفاهم والثقة المتبادلة. من خلال إبراز والاهتمام بالوظائف الأساسية التي تضطلع بها إدارة العلاقات العامة، في المؤسسة أو المنظمة حكومية كانت أم خاصة، لتكون وظيفتها بذلك إدارية بحتة؛ وتبلور هذا التعريف مع ظهور جماعة من المتخصصين في العلاقات العامة مع بداية القرن العشرين، أمثال إيفي لي، وإدوارد بيرنيز، وجون هيل. وتبع ذلك قيام جمعيات واتحادات علمية ومهنية ضمت متخصصين بالعلاقات العامة في القارتين الأوروبية والأمريكية، خلال أربعينات وخمسينات القرن العشرين. وساهمت تلك الجمعيات والمنظمات بدورها في زيادة تعريف العلاقات العامة، وساعدت على تحديد مهامها ووظائفها.
وفي عام 1947 نشرت مجلة أخبار العلاقات العامة Public Relation News خلاصة لتعريف العلاقات العامة، أخذته من نتائج الاستقصاء الذي أجرته بين مشتركيها، والعاملين في مجال العلاقات العامة. جاء فيها: أن "العلاقات العامة: هي وظيفة الإدارة التي تقوم بتقويم اتجاهات الجمهور وربط سياسات وأعمال فرد أو منشأة مع الصالح العام، وتنفيذ برنامج لكسب تأييد الجمهور وتفهمه".
واعتبر إيفي لي أحد رواد العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن مهمتها مزدوجة، وتبدأ من دراسة اتجاهات الرأي العام، ونصح المؤسسات بتغيير خططها، وتعديل سياساتها لخدمة المصلحة العامة، ثم إعلام الجمهور بما تقوم به المؤسسات من أعمال تهمهم وتخدم مصالحهم.[3] أما إدوارد بيرنيز خبير العلاقات العامة الأمريكي، فاعتبر العلاقات العامة: محاولة لكسب تأييد الرأي العام لنشاط أو قضية أو حركة أو مؤسسة، عن طريق الإعلام والإقناع والتكيف. أي إيجاد التكيف والتكامل والتوافق بين مواقف مؤسسة معينة وسلوكها، مع مواقف جماهيرها ورغباتهم، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.
أما جمعية العلاقات العامة الأمريكية فقد عرفتها بأنها: نشاط أي صناعة أو إتحاد أو هيئة أو مهنة، أو حكومة، أو أي منشأة أخرى في بناء وتدعيم علاقات سليمة منتجة بينها وبين فئة من الجمهور: كالعملاء والموظفين والمساهمين والجمهور بشكل عام، والعمل على تكييف أهداف المؤسسة مع الظروف المحيطة بها، وشرح أهدافها للمجتمع.
وعرف معهد العلاقات العامة البريطاني، العلاقات العامة بأنها: الجهود الإدارية المرسومة، والمستمرة التي تهدف إلى إقامة وتدعيم التفاهم المتبادل بين المنظمة وجمهورها.
وجاء تعريف جمعية العلاقات العامة الفرنسية، بأن العلاقات العامة هي: طريقة للسلوك، وأسلوب للإعلام والاتصال، اللذان يهدفان إلى إقامة علاقات مفعمة بالثقة، والمحافظة عليها. وتقوم هذه العلاقات على المعرفة والفهم المتبادلين، بين المنشأة ذات الشخصية الاعتبارية، التي تمارس وظائف وأنشطة، وبين الجماهير الداخلية والخارجية التي تتأثر بتلك الأنشطة والخدمات.
وتوصلت جمعية العلاقات العامة الدولية، إلى تعريف العلاقات العامة بأنها: وظيفة الإدارة المستمرة والمخططة، التي تسعى بها المؤسسات والمنظمات الخاصة والعامة، إلى كسب التفاهم والتعاطف مع سياساتها وأنشطتها. وكسب المزيد من التعاون الخلاق، والأداء الفعال للمصالح المشتركة، باستخدام الإعلام الشامل والمخطط.[4]
والتعريف الاجتماعي الشامل: هو الاتجاه الاجتماعي للعلاقات العامة، الذي ظهر خلال ثلاثينات القرن العشرين، إثر الأزمة الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد العالمي عام 1929، وعرفه د. محمد البادي، بأنه: الاتجاه الاجتماعي للعلاقات العامة، كمهنة ذات طابع خاص، ويشمل كل ما يصدر عن المؤسسة من أعمال وتصرفات وقرارات، وكل ما يتصل بها من مظهر واستعداد وتكوينات مادية. لأن ما يصدر عن المؤسسة أو يتصل بها له تأثيراته المعنوية على الجماهير التي ترتبط مصالحها بها. وهذه التأثيرات هي التي تعطي لهذه العناصر طبيعتها، كأنشطة للعلاقات العامة، وهي أيضاً التي تعطي لاتجاه العلاقات العامة صفتها الاجتماعية.[5]
وهو نشاط يشترك فيه كل أفراد المؤسسة من خلال تكوين علاقات عامة مرنة في سلوكهم واتصالاتهم ومعاملاتهم مع الجماهير داخل المؤسسة وخارجها. وأن لا يكون الهدف من النشاط السعي لتحقيق الربح فقط، بل إلى تقديم خدمات للمجتمع، عن طريق إنتاج سلع وخدمات جيدة ومتطورة تناسب الأذواق، وأداء الوظيفة المسندة إليهم بشكل جيد، مراعين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، التي تفرضها المسؤولية الاجتماعية، في مشاركة المجتمع المحلي همومه وأفراحه وأحزانه، والعمل على تقليل الأضرار الناجمة عن نشاطاتهم، والمحافظة على البيئة، والعمل على النهوض بالمجتمع ثقافياً وعلمياً وحضارياً ومادياً.
وعرف كانفيلد العلاقات العامة، بأنها: الفلسفة الاجتماعية للإدارة، التي ترغب من خلال أنشطتها وسياساتها المعلنة للجمهور كسب ثقته وتفهمه.[6] أما نولت فقد عرف العلاقات العامة، بأنها: مسؤولية الإدارة التي تهدف إلى تكييف المنظمة مع بيئتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تماماً. كما تهدف إلى تكييف البيئة المحيطة لخدمة المنظمة لتحقيق مصلحة الطرفين.
ومما سبق نستطيع استنتاج أن دور خبير العلاقات العامة ينحصر في: إقناع الإدارة العليا للقيام بالنشاطات التي تجعل الجمهور راضياً عن المؤسسة؛ وإقناع الجمهور بأن المؤسسة تستحق بالفعل تأييده ودعمه المعنوي والمادي. وأن دور العلاقات العامة ينحصر في: تبني مصلحة الجمهور والمصلحة العامة؛ ووضع السياسات الملائمة لها؛ والسعي لإيصال المعلومات عن نشاطات المؤسسة وسياساتها للجمهور؛ وخلق رأي عام مؤيد للمؤسسة لدى الجمهور؛ وإنشاء مواقف محددة ومطلوبة اتجاه المؤسسة؛ وتقييم مواقف الرأي العام من قبل المتخصصين في العلاقات العامة؛ وإيصال المعلومات عن تلك المواقف لإدارة المؤسسة.
ويشمل نشاط العلاقات العامة اليوم:
المجال الحكومي: ويتولى التوعية والإرشاد والإعلام، في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية، للوصول إلى مساندة الجماهير لها، ومشاركتهم المعنوية والمادية في البرامج التنموية الشاملة التي تخطط لها الحكومة؛ وكسب الرأي العام للسياسات الحكومية الداخلية والخارجية؛ والتعرف على توجهات الرأي العام، وتقييم الخدمات العامة لوظائفها المحددة، ومدى تلبيتها لرغبات الجمهور؛ والعمل على دحض الشائعات، والتصدي للحملات الإعلامية المضادة، وإبراز الحقائق عن طريق مصارحة الجماهير؛ والاهتمام بشؤون الموظفين والمستخدمين الحكوميين.
ومجال المنظمات والهيئات الحكومية: ويتولى التعريف بالأهداف والسياسات، وتوثيق الصلة والتعاون بين المواطن والمنظمة والهيئة الحكومية للوصول إلى الهدف المطلوب؛ ودراسة مواقف الرأي العام، ونقل رغبات ومطالب الجماهير للمسؤولين فيها، تمهيداً لإيجاد الحلول لهل، وتلبيتها وفق الظروف المتاحة؛ والاهتمام بشؤون العاملين في تلك المنظمات والهيئات الحكومية؛ والاتصال بالهيئات والمنظمات الحكومية المشابهة، لتحقيق أفضل صورة من التعاون بينها في الداخل والخارج؛ وإصدار المواد الإعلامية المطبوعة والمرئية والمسموعة، عن نشاطات المنظمة أو الهيئة الحكومية، وتبادلها وتوزيعها في الداخل والخارج؛ وتوثيق كل ما ينشر في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وغيرها من الوسائل في الداخل والخارج؛ وتنظيم الزيارات الرسمية والخاصة.
وهناك مجالات أخرى تشمل المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية والخيرية، والمنظمات المهنية والسياسية وغيرها، ولا تختلف من حيث نشاطات العلاقات العامة عما تم تفصيله أعلاه.
ومن الملاحظ اليوم أن العلاقات العامة "الدبلوماسية الشعبية" في القارة الأوروبية، تستخدم كوسيلة من وسائل تدعيم الوحدة الأوروبية، وزيادة التلاحم والتفاهم بين مختلف شعوب القارة الأوروبية. لأنه من المعروف أنه كلما زاد التقدم الثقافي والعلمي والتقني في أي دولة من دول العالم، زاد دور الدبلوماسية الشعبية فيها، وتوجهت تلك الدولة نحو تأسيس جمعيات وهيئات تعنى بالعلاقات العامة، وإلى تدعيم المؤسسات الحكومية بأقسام خاصة تعنى بهذا المجال الهام، يطلق عليها تسمية أقسام العلاقات العامة.
وقد تطورت العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أصبحت تضاهي مثيلاتها في دول العالم الأخرى، وشهدت الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها من دول العالم، تطوراً خاصاً لمفهوم العلاقات العامة. لتصبح العلاقات العامة ممارسة ذات مفهوم دولي وتمارس فعلاً في العلاقات الدولية.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً: تتحمل وكالة الاستعلامات الأمريكية، التي تم إنشاؤها في عام 1953، مسؤولية العلاقات العامة الدولية، وغيرها من المسؤوليات، من أجل تحقيق أهداف السياسة الأمريكية، عن طريق شرح وتفسير ونشر تلك السياسة، ومواجهة الدعاية المضادة الموجهة ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم. ويقدم مدير الوكالة تقاريره عن سير العمل في الوكالة للرئيس الأمريكي مباشرة، من خلال مجلس الأمن القومي.[7]
وفي بريطانيا تم في عام 1948 تأسيس المعهد البريطاني للعلاقات العامة، بهدف تجميع جهود ممارسي وظيفة العلاقات العامة في بريطانيا. ليصب اهتمامه على العلاقات العامة في أجهزة الدولة المركزية والمحلية، وفي القوات المسلحة البريطانية، والمؤسسات الاقتصادية والاستشارية. ويمارس ضباط الإعلام في البعثات الدبلوماسية البريطانية المعتمدة في دول العالم، وظيفة العلاقات العامة الدولية من خلال وظيفتهم الإعلامية الأساسية.
وتطورت العلاقات العامة كوظيفة هامة من وظائف المشروعات الاقتصادية والتجارية والصناعية في فرنسا، بعد إنشاء الجمعية الفرنسة للعلاقات العامة عام 1955، بهدف تطوير العلاقات العامة الفرنسية. بينما تزايد الاهتمام في العلاقات العامة، في إيطاليا إثر إنشاء جمعية تطوير العلاقات العامة الإيطالية في روما عام 1954، ورافق ذلك تزايد اهتمام الشركات الإيطالية بوظيفة العلاقات العامة. وفي بلجيكا ظهر الاهتمام بالعلاقات العامة مع تأسيس جمعية العلاقات العامة عام 1953، لتطوير دور العلاقات العامة في بلجيكا.
أما في أوزبكستان، فقد بدأ الاهتمام الجدي بالعلاقات العامة الدولية بعد الاستقلال عام 1991، وتم في 8/11/1995 تأسيس وكالة أنباء "جهان" التابعة لوزارة الخارجية: لتوزيع الأخبار الإيجابية عن سير الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أوزبكستان؛ وتطوير الصلات مع وكالات الأنباء والمراكز الإعلامية الدولية؛ وتسريع عملية دخول الجمهورية للساحة الإعلامية الدولية؛ وجمع وتوزيع الأخبار داخل الجمهورية عن الأوضاع السياسية والحقوقية وغيرها الجارية في الدول الأجنبية؛ وعن احتياجات السوق العالمية؛ ونشاطات المنظمات الدولية؛ وكبريات المؤسسات والشركات الأجنبية المهتمة بالتعاون مع جمهورية أوزبكستان.
وفي 21/11/1996 تم إحداث مركز إعلامي في جهاز رئيس الجمهورية، لتعريف الرأي العام بالإصلاحات الديمقراطية الجارية في الجمهورية، والتجاوب مع التفاعلات الاجتماعية والسياسية المحلية والدولية، عبر شبكة الإنترنيت.[8]
ويقوم المجلس الأوزبكي لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية الذي تأسس عام 1997 كهيئة تطوعية غير حكومية بتنسيق العلاقات مع الهيئات الأجنبية غير الحكومية في إطار الدبلوماسية الشعبية.
ومع انتشار مفهوم العلاقات العامة في العالم، سارعت مؤسسات التعليم العالي في مختلف دول العالم لافتتاح أقسام لتدريس اختصاص العلاقات العامة في معاهدها وكلياتها المتخصصة.
وتعد العلاقات العامة الدولية اليوم وظيفة من وظائف المنظمات الدولية، ويمارسها في منظمة الأمم المتحدة، مكتب الإعلام في نيويورك من خلال العلاقات الخارجية والصحافة والمطبوعات والخدمات العامة، ويعرض من خلالها المشاكل التي تواجه منظمة الأمم المتحدة، وخلق فهم أفضل لأهداف المنظمة.[9] كما وتمارس مكاتب منظمة الأمم المتحدة في العالم العلاقات العامة الدولية من خلال الاتصال بالمنظمات غير الحكومية في الدول المعتمدة فيها، في جميع المجالات الثقافية والفنية والعلمية والتعليم والصحة والعمل … إلخ، وتوزيع الأفلام وبرامج الإذاعة المسموعة والمرئية والمطبوعات، والإدلاء بالتصريحات الصحفية في إطار مساعي خلق تفهم أفضل لمنظمة الأمم المتحدة.
ومما زاد من دور العلاقات العامة الدولية، دخول شبكات الكمبيوتر العالمية، عالم الاتصال المعاصر، واهتمام الشركات متعددة الجنسية بالعلاقات العامة الدولية عبر شبكات الاتصال الدولية، واعتمادها عليها في العلاقات التجارية والمصرفية والنقل والتأمين، وتبادل المعلومات على الصعيد الدولي.
وقد ساعدت العلاقات العامة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الحصول على المعلومات والمواد الإعلامية، وزادت من إمكانية انتشارها على الصعيد العالمي. ولعل منافذ وكالات الأنباء والصحف والمجلات والإذاعات ومحطات التلفزيون، والمراكز الإعلامية الدولية عبر شبكة الإنترنيت، خير مثال على تحول العالم في المجال الإعلامي بالفعل إلى قرية كونية.
ولم تستثنى العلاقات العامة الدولية، كوظيفة من وظائف السلك الدبلوماسي، حيث أصبحت من المهام الأساسية للبعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج، بما تسمح به إمكانيات كل دولة من دول العالم.
الإعلان كوظيفة للتبادل الإعلامي الدولي
يعتمد الإعلان الدولي على أسس يسعى من خلالها إلى خلق المناخ الملائم لترويج السلع والبضائع والخدمات أو الأفكار، ومهمته الأولى الوصول إلى الأسواق الخارجية والجمهور الإعلامي الأجنبي. ولكن يجب التنويه إلى أن أساليب الإعلان المحلي تختلف تماماً عن أساليب الإعلان الدولي، بسبب تباين خصائص مستقبل مادة الإعلان في الخارج عنها في الداخل.
ويجب أن يراعي الإعلان الدولي بدقة الخصائص المحلية لكل منطقة جغرافية وثقافية يتوجه إليها في العالم. بحيث لا يتعرض بالسوء لمشاعر ومقدسات أي شعب من شعوب العالم، سواء في النصوص أم في الصور الإعلانية. كما ويجب مراعاة المعاني التي ترمز إليها الألوان عند شعوب العالم المختلفة، فاللون الأبيض هو لون الحداد، واللون الأزرق هو رمز لقلة السعادة لدى الصينيين. واللون الأسود هو لون الحداد لدى شعوب الشرق الأوسط، واللون الأحمر هو رمز السعادة لدى شعوب القارة الإفريقية والشرقين الأدنى والأوسط.
كما ويجب تجنب استخدام الرموز الدينية المقدسة لمختلف الأديان في الإعلان الدولي، كالهلال لدى المسلمين، والصليب المقدس لدى المسيحيين، ونجمة داوود السداسية لدى اليهود، والبقرة المقدسة لدى الهندوس، وغيرها من الرموز الدينية المقدسة لدى شعوب العالم، كي لا ينقلب الإعلان الدولي رأساً على عقب، ويأتي بنتائج عكسية غير الأهداف التي صدر من أجلها.[10]
ويجب التنويه أيضاً إلى ضرورة الانتباه إلى الخصائص اللغوية عند ترجمة نصوص الإعلان الدولي، من لغة إلى أخرى. ومحاولة قدر الإمكان أن يتضمن النص المترجم، نفس المعاني التي يحملها النص الأصلي، حتى ولو تطلب الأمر إجراء بعض التعديلات على كلمات النص الأصلي، من أجل مراعاة الخصائص الثقافية واللغوية لكل شعب من شعوب العالم. كما هي الحال مثلاً للناطقين بالإنجليزية التي تختلف عنها في أمريكا وأستراليا، والعامية السائدة في كل منطقة من مناطق انتشار اللغة العربية وغيرها من اللغات العالمية واسعة الانتشار.
وظهر الإعلان الدولي في البداية على صفحات الصحف والمجلات المنتشرة دولياً، خدمة للمنتجين والتجار وأصحاب المهن الذين أرادوا من خلال إعلاناتهم في الصحف والمجلات اختصار الطريق إلى المستهلكين والأسواق التجارية في العالم. وتطور استخدام الإعلان الدولي فيما بعد ليشمل الإعلان على شاشات السينما، ومن خلال برامج الإعلان الإذاعية المسموعة والمرئية. وبالتدريج أصبحت المعارض والأسواق التجارية من أهم منابر الإعلان الدولي لأنها أفسحت المجال واسعاً ليس أمام الإعلان فقط، بل ووفرت الفرصة ليلتقي من خلالها المنتج ومقدم الخدمات والمستهلك وجهاً لوجه حول نماذج من السلع المنتجة أو الخدمات المعروضة أمام المستهلك. وهو الدور الذي تلعبه اليوم أيضاً شبكات الحاسب الإلكتروني (الكمبيوتر) الدولية التي ألغت المسافة والزمن اللذان يفصلان بين المعلن والمستهلك.
وقد شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين، تطوراً ملحوظاً في مجال الإعلان الدولي وأساليبه، عندما أصبح يستخدم قنوات الاتصال الحديثة، وشبكات الحاسب الإلكتروني العالمية، التي وفرت فرصة ذهبية للمعلن والمستهلك لإجراء حوار بينهما عن بعد، وعقد الصفقات التجارية، وإبرام العقود ومتابعة تنفيذها خلال دقائق فقط، بعد أن كانت في السابق تتطلب فترة زمنية طويلة ومشقة وعناء. وهذا بدوره ساعد على تطوير أساليب وطرق الإعلان الدولي وزاد من فاعليته.
ولم يقف التطور الهائل لوسائل الاتصال الجماهيرية عند هذا الحد، بل ساعد على انتشار الثقافات المختلفة، وتقريبها من بعضها البعض، من خلال الحوار الثقافي العالمي المفتوح عبر وسائل الاتصال الدولية الحديثة. مما ساعد على خلق قيم إنسانية مشتركة بين مختلف الشعوب، رافقتها عادات استهلاكية مشتركة، سهلت للإعلان الطريق للوصول إلى أهدافه المرجوة. وأدخلت أفكاراً قريبة يمكن ترجمتها بسهولة ويسر من لغة إلى لغة أخرى دون صعوبة تذكر.[11]
ومع ذلك فلم تزل الحاجة ماسة وملحة لمتابعة دراسة تأثير الإعلان الدولي، والتخطيط له من قبل الحكومات والمنظمات الدولية، بهدف حماية الثقافات الوطنية في الدول الأقل تطوراً والدول النامية والدول الفقيرة من احتوائها من قبل ثقافات الدول المتطورة والغنية، وبالتالي اندثارها إلى اللاعودة. وبهدف حماية الأجيال الصاعدة من الانحراف عن الخط القويم للمجتمع الذين ينتمون إليه، وحماية المستهلكين بصورة عامة من الإعلانات المنحرفة والمضللة، وتوخي الدقة عند اختيار وكالات الإعلان الدولية، وتسجيلها في المنظمات الحكومية الدولية، وإلزامها بمراعاة الخصائص الثقافية المحلية للمناطق التي يتوجه إليها الإعلان الدولي.
ولابد من أن تتحمل الحكومات، والمنظمات الدولية، ووكالات الإعلان الدولي، المسؤولية الإنسانية بصورة مشتركة، أمام البشرية جمعاء، لأن المعلن لا يهمه سوى: تصريف بضاعته أو خدماته؛ والتأثير على منافسيه في السوق الاستهلاكية الدولية.
ولهذا نعتقد أن الدراسات الدقيقة والمعمقة لمشاكل الإعلان الدولي تحمل فوائد للجميع، دون أن تقتصر الفائدة على المعلن ووكالة الإعلان فقط. خاصة في العصر الراهن، عصر العولمة والمعلوماتية، بعد أن أصبح للمستهلك دوراً يلعبه ويضغط من خلاله عبر وسائل الاتصال الحديثة على المنتج، والمعلن، ووكالة الإعلان، وحتى على وسيلة الاتصال الناقلة لمضمون الإعلان الدولي. ويدخل ضمن هذا الإطار التخطيط السليم للإعلان وللإعلام وللحملات الإعلامية الدولية.
التخطيط الإعلامي والحملات الإعلامية الدولية
أحدث التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في مجال وسائل الاتصال الجماهيرية، تغييرات جوهرية في العلاقات الدولية. أثرت بدورها على دور الدولة التي كانت تحتكر في السابق السياسة الدولية. وأضعفت دورها عندما تخلت الدولة عن بعض وظائفها لمؤسسات أخرى في المجتمع. ولم يعد هناك مجال للتحدث عن السيادة الإعلامية للدولة، أو التحكم شبه الكامل أو شبه المطلق بعملية التدفق الإعلامي إلى داخل وخارج الدول خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين. وأصبح أشبه بالمستحيل السيطرة التامة على نوع وكمية المعلومات التي تتدفق إلى عقول الناس، بعد ظهور شبكة شبكات المعلومات العالمية الإنترنيت وغيرها من قنوات وتقنيات الاتصال والإعلام الحديثة.
وقد ساهمت شبكات الاتصال الجماهيرية الحديثة إلى حد كبير في تخطي حاجزي الزمان والمكان. بعد أن أصبح عدد هائل من الأشخاص مرتبطين فيما بينهم، من خلال أجهزة الكمبيوتر الشخصية المرتبطة بشبكة اتصال عالمية عبر الأقمار الصناعية. مما زاد من تفاعل المجتمع الدولي، وأصبحت عملية التبادل الإعلامي الدولية أكثر يسراً وسهولة، مما زاد من أهمية تخطيط العمل الإعلامي، والتنسيق بين جهود مختلف الجهات على الساحتين المحلية والدولية.
ويعتبر تخطيط العمل الإعلامي من أساسيات التبادل الإعلامي الدولي، ويتم من خلاله تحديد الأهداف العامة للخطة الإعلامية التي يجب أن تراعي السياستين الداخلية والخارجية للدولة، وحشد الإمكانيات المادية والتقنية والبشرية وتصنيفها، وتحديد الوسائل والفترة الزمنية اللازمة لتنفيذها، مع المراعاة الدقيقة للتكاليف الاقتصادية، والجدوى الاقتصادية والسياسية للخطة الإعلامية.
ولتخطيط العمل الإعلامي إطارين أساسيين، هما:
الإطار النظري للخطة الإعلامية، ويشمل: الأهداف المحددة، والغايات الواضحة، والعناصر؛ والأهداف المرنة، التي لا تحتوي على درجة كبيرة من التحديد ويمكن تطويرها وتكييفها مع الظروف أثناء التطبيق العملي.
وتشمل عملية التخطيط بشكل عام: مشاكل اختيار الوسائل لتحقيق أهداف الخطة الإعلامية من بين البدائل المتعددة؛ ومشاكل التدابير والإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الخطة؛ ومشاكل التطبيق والتنفيذ الفعلي، للوصول إلى أهداف الخطة المرسومة:[12]
وعند وضع أي خطة إعلامية لابد من تحديد إطارها العام من أرقام ومؤشرات، ليتم معالجتها مع المشاكل المحتملة عند التنفيذ الفعلي للخطة المرسومة.
وبعد الانتهاء من تحديد الإطار العام للخطة الإعلامية، تبدأ عملية تحديد الإطار التفصيلي للخطة الإعلامية، عن طريق دراسة تفاصيل الخطة، وتحويل الأهداف العامة، إلى أهداف تفصيلية، مع تحديد الوسائل انطلاقاً من الإمكانيات المتاحة، والمدة الزمنية اللازمة للتنفيذ بدقة.
وكما هو متعارف عليه من الناحية الزمنية للخطة الإعلامية، فهناك خططاً: سنوية؛ وخطط متوسطة الأمد، تتراوح عادة مابين الأربع والسبع سنوات سنوات، ولكنها في أكثر الحالات هي خطط خمسية، أي لمدة خمس سنوات؛ وخطط طويلة الأمد، وهي الخطط التي تزيد عن السبع سنوات.[13]
وعادة ما تقسم الخطط متوسطة الأمد، والخطط طويلة الأمد إلى خطط سنوية متكاملة، للاستفادة من إمكانية التجربة، وإجراء الإصلاحات على الخطط للسنوات اللاحقة لزيادة فاعليتها. وفقاً لمعطيات تنفيذ خطط السنوات السابقة. والمتعارف عليه أيضاً في الخطط الإعلامية تقسيم الخطط السنوية إلى خطط ربع سنوية، يطلق عليها عادة في وسائل الاتصال والإعلام المسموعة والمرئية تسمية الدورة الإذاعية.
وهنا يجب على المخططين الإعلاميين أن يدركوا دائماً، أن تخطيط العمل الإعلامي الدولي، هو شكل من أشكال التخطيط السياسي، ويدخل في إطار العلاقات الدولية ولتحقيق أهداف السياستين الداخلية والخارجية للدولة، اللتان لا يجوز تخطيهما أبداً.
كما ويجب أن يدرك المخططون الإعلاميون، أن ضمان التنفيذ الناجح لأي خطة كانت، مرتبط بمدى تحديد الأساليب الممكنة والملائمة لتحقيق الأهداف الموضوعة انطلاقاً من الإمكانيات الفعلية والمتاحة. وأن الأهداف الواقعية والواضحة، تسهل عملية التنفيذ، وبالتالي الوصول للأهداف المرتقبة. ومن عوامل النجاح الأخرى، التقدير السليم للوسائل والإمكانيات والغايات، وبقدر ما تكون متناسقة، وتكون الغايات متوافقة مع الإمكانيات، بقدر ما يكون التنفيذ أكثر نجاحاً.
ولابد من دراسة صلاحية الأهداف، من وجهة نظر احتمالات تحقيقها من خلال الإمكانيات المتاحة، وتقييم احتمالات تحقيق الهدف مع متغيرات الإمكانيات المتاحة.[14]
وبعد الانتهاء من دراسة صلاحية الأهداف، يتم الانتقال إلى عملية اختيار الأساليب من خلال البدائل المتاحة، وبعد دراسة تلك البدائل من كافة الجوانب، يتم اختيار الأساليب الناجعة والملائمة من بين تلك البدائل، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة التالية، وهي وضع تفاصيل الخطة الإعلامية. والتي يجب أن تراعى فيها الخطوات العشر التالية:[15] تحديد أهداف؛ ومضمون الرسالة الإعلامية؛ على ضوء مستقبل الرسالة الإعلامية؛ وتحديد الأساليب؛ وعلى ضوء الإمكانيات المادية والبشرية؛ تحديد المدة الزمنية للخطة؛ ووضع نظام لمتابعة التنفيذ؛ وتحديد مجالات التنفيذ؛ وتحديد المسؤول عن متابعة التنفيذ؛ والجهة المسؤولة عن تقييم الفاعلية؛
وعلى المخططين الإعلاميين أن يأخذوا في اعتبارهم: قوة وإمكانيات الإعلام المضاد، ومحاولة الاحتفاظ بزمام المبادرة قدر الإمكان؛ وأن يبنوا خططهم على قدر كبير من المعلومات عن المستهدفين في الخطة الإعلامية الدولية؛ والاستعانة بفريق عمل من المتخصصين في مجالات التخطيط، وخبراء في الاقتصاد والسياسة الخارجية، والعلاقات الدولية، والتبادل الإعلامي الدولي، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، والنظم السياسية، وتكنولوجيا وسائل الاتصال الدولية، وغيرها من التخصصات حسبما تقتضي الظروف؛ وتوخي نتائج الخطط السابقة، والتجارب المحلية والإقليمية والعالمية في موضوع الخطة الإعلامية التي يعدونها؛ والأخذ بآراء الممارسين للعمل الإعلامي الدولي فعلاً، لأنه في ملاحظاتهم الكثير مما يمكن أن يفيد في نجاح تنفيذ الخطة الإعلامية، ووصولها لأهدافها المرسومة.
الإطار التطبيقي للخطة الإعلامية: ويأتي تلبية للمبادئ والأهداف التي تضمنتها خطة العمل الإعلامي الدولي، ومن أهم مبادئه الأساسية التنسيق بين الأجهزة والوسائل المختلفة، للوصول إلى أفضل تنفيذ للخطة الإعلامية، وأعلى درجة من الفاعلية. من خلال المعادلة التالية: { من يخاطب من ؟ }
فالدبلوماسية الرسمية المعتمدة في الخارج، والدبلوماسية الشعبية (العلاقات العامة الدولية)، والزيارات الرسمية والشخصية والإطلاعية والسياحية، والمعارض والمهرجانات الثقافية والفنية والرياضية، واللقاءات والمؤتمرات الدولية، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وغيرها، تعتبر كلها من وسائل تنفيذ الخطة الإعلامية. من خلال مخاطبتها القطاعات المستهدفة في الخطة الإعلامية الدولية، والتي يمكن أن تكون: قيادات حاكمة؛ وقيادات وأعضاء في البرلمان، والمعارضة البرلمانية؛ وقيادات الأحزاب السياسية، سواء أكانت داخل السلطة أم في صفوف المعارضة؛ وقيادات المنظمات الجماهيرية والمهنية والاجتماعية؛ وقيادات إعلامية؛ ورجال أعمال؛ وأقليات أو تجمعات دينية، أو عرقية، أو ثقافية، أو قومية؛ والجاليات المقيمة في الخارج؛ وهيئات ثقافية، ودينية؛ والمشاركين في المهرجانات الثقافية والفنية؛ والمشاركين في اللقاءات الرياضية؛ والمشاركين في المؤتمرات واللقاءات السياسية والاقتصادية والعلمية الدولية؛ وزوار المعارض الاقتصادية والتجارية والصناعية والسياحية والإعلامية والفنية الدولية؛ والجماهير العريضة من خلال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية.
ومن خلال متابعة مراحل تنفيذ الخطة الإعلامية الدولية، من المفيد جداً دراسة المتغيرات على الساحة التي ينشطون فيها. وتشمل: الوجود الإعلامي الصديق والمحايد والمضاد في تلك الساحة؛ ومجال التأثير الإعلامي على الفئات والقطاعات المستهدفة، من خلال المفاهيم المتكونة مسبقاً لديها؛ وتزويد الجهات المسؤولة بالمعلومات عن تنفيذ مراحل الخطة الإعلامية الدولية.
ومتابعة تلك المعلومات تباعاً، من أجل: المساعدة على تحديد المجموعات والفئات والقطاعات التي يجب مخاطبتها أكثر من غيرها؛ وتكييف القواعد التي يجب أن يلتزم بها كل المشاركين في تنفيذ الخطة الإعلامية الدولية؛ وإعداد المواد الإعلامية الرئيسية من معلومات وأخبار وملفات إعلامية تفيد في إنجاح تنفيذ الخطة الإعلامية الدولية، وتساعد على الوصول لأقصى قدر ممكن من الفاعلية والتأثير. من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي
لا أحد يستطيع إنكار أن تكنولوجيا وسائل الاتصال والإعلام المتقدمة قد فتحت آفاقاً جديدة واسعة أمام وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية: المقروءة والمسموعة والمرئية. وأن استخدام شبكات الحاسبات الإلكترونية وخاصة شبكة الانترنيت العالمية قد أتاح، سرعة إدخال وتلقي المعلومات وحفظها والتعامل معها، خاصة وأن تلك الشبكات قد ساعدت على انتقال ملفات كاملة تتضمن مواد وصحف ومجلات وكتب بكاملها لتطبع في أماكن أخرى بعيدة جداً عن مقرات إدارة تلك الصحف والمجلات ودور النشر، مثال صحيفة الأهرام والشرق الأوسط وغيرها. وساعدت على انتقال ملفات برامج إذاعية مسموعة ومرئية كاملة لأشهر المحطات العالمية، لتبث عبر موجات محطات بث أخذت منذ تسعينات القرن العشرين تقيد كمحطات إذاعية مرئية ومسموعة وطنية في بلدان بعيدة جداً جغرافياً عن دولة المنشأة وبسرعة كبيرة ووضوح خارق.
ومن ناحية أخرى أتاحت سرعة انتشار صفحات WIB في شبكات المعلومات الإلكترونية الحديثة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية، فرصة الإسراع بتقديم مضمون صفحاتها وبرامجها اليومية عبر شبكة الانترنيت العالمية، التي تتيح للمشترك ليس الاطلاع على الإعلانات المنشورة من خلالها ومطالعة الصحف والمجلات والكتب، والاستماع لبرامج الإذاعتين المسموعة والمرئية فقط، بل وإعادة استخدم الملفات والمعلومات الواردة عبرها. وهو ما يؤكد تكامل وسائل والاتصال الإعلام الجماهيرية التقليدية مع وسائل الاتصال والإعلام الحديثة، ويؤكد ويعزز دورها الفاعل داخل المجتمع المعلوماتي القائم في الدول المتقدمة، والقادم بتحد واضح منها إلى الدول العربية والإسلامية والنامية في العالم.[16]
ومن الملاحظ أن تكامل الأداء بين وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية، ووسائل الاتصال والإعلام الحديثة أدى بالضرورة إلى تحسين نوعية المعلومات المقدمة للجمهور الإعلامي، بسبب الازدحام الهائل للمعلومات المنقولة عبر أطراف الاتصال في شبكة المعلومات الدولية الانترنيت، وساعد في نفس الوقت على تحسين شكل ومضمون الصحف والمجلات، وأتاح لأطراف الاتصال على الساحة الإعلامية الدولية استخدام الموارد الإعلامية والتسجيلات الإخبارية والتحليلية الفريدة التي تملكها وسائل الاتصال والإعلام التقليدية وتراكمت لديها عبر السنين. ومن مظاهر التكامل أيضاً قيام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية بنشر مواد ترشد إلى كيفية استخدام العناوين المعلوماتية الإلكترونية المتاحة في شبكة الانترنيت الدولية.
ولكننا نرى أن هذا التكامل القائم والآخذ بالتوسع يوماً بعد يوم بين شبكات الاتصال والمعلومات الدولية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية لم يتبلور ولم يدرس بعد بشكل كاف حتى اليوم، وهو يحتاج لدراسة عميقة وتحليل جدي لمعرفة مدى تأثيره على الأمن الإعلامي الوطني، وفاعليته من الناحيتين السلبية والإيجابية على الدول العربية والإسلامية داخل ما يعرف اليوم بالمجتمع المعلوماتي المعاصر. والرد على التخوفات التي يطلقها البعض، والآمال التي يعقدها البعض الآخر بشكل علمي وتحليلي دقيق.[17] ولعله من المناسب التذكير بما قيل عن الصحافة المطبوعة عند ظهور الإذاعة المسموعة في بدايات القرن العشرين، وتنبؤ البعض بقرب نهاية الصحف. وتنبؤهم بتضاؤل دور الصحافة المطبوعة والمسموعة مع ظهور الإذاعة المرئية في النصف الأول من القرن العشرين. والتذكير بأن تلك التوقعات والتنبؤات كلها لم تجد ما يبررها طيلة القرن العشرين. الأمر الذي يسمح لنا بالتنبؤ بأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية ستحافظ على وجودها وتأثيرها حتى في القرن الحادي والعشرين. وأنها ستتطور وتزدهر في ظروف التعددية الإعلامية التي يتيحها المجتمع المعلوماتي.
والعلاقات العامة في المجتمع المعلوماتي الآخذ بالانتشار السريع تضع التجمعات القارية والإقليمية ومن بينها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وغيرها أمام تحد من نوع جديد يفرض عليها أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي للاتصالات اللذان قاما بإعداد مشروعات خاصة جديدة للانتقال الواعي والمدروس إلى المجتمع المعلوماتي الذي سنتحدث عنه بإسهاب نوعاً ما في هذه الدراسة، وهو المجتمع الذي يحتاج إلى معدات وتقنيات غالية الثمن وباهظة التكاليف تعجز عنها دولة عربية أو إسلامية نامية بحد ذاتها، لتبرز الحاجة "لجهود موحدة ترتكز على إرادة سياسية في قالب عربي وإسلامي متكامل حتى لا نبكي على حاضرنا ونتحسر على ماضينا ونلطم على مستقبلنا" حسب تعبير الباحث العربي طلال داعوس.[18]
وظروف العلاقات العامة في المجتمع المعلوماتي بالنسبة للدول العربية والإسلامية، لابد وأن تساهم بشكل فعال في عملية التفاعل المشترك بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية العربية والإسلامية كقنوات لتوصيل المعلومات، والساحة الإعلامية التي تشكل السوق الاستهلاكية الكبيرة للموارد الإعلامية التي تتيحها تلك الوسائل عبر شبكات الحاسب الآلي الآخذة في الانتشار يوماً بعد يوم.
وفي ظروف الدول العربية والإسلامية التي تملك ساحة إعلامية ضخمة تمتد من الخليج إلى المحيط الأطلسي عربياً، وتشمل معظم دول العالم إسلامياً، لابد من تطوير وتحسين قنوات الاتصال بشبكة المعلومات الدولية الانترنيت، وفي نفس الوقت تطوير البدائل اللغوية لمواردها المعلوماتية لجعلها في متناول أكبر ساحة ممكنة من الساحة الإعلامية العالمية وبلغاتها القومية، أخذاً وعطاءً، ولتوضيح وجهة النظر العربية والإسلامية من القضايا الراهنة التي يواجهها عالم اليوم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حملات التحريف والتشويه والتشهير والتضليل التي تقوم بها بعض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الدول المتقدمة الموجهة للعالم أجمع ضد الإسلام والعرب والمسلمين.[19]
والحفاظ في نفس الوقت على أمن وسلامة الساحة الإعلامية العربية والإسلامية وتطويرها بما يكفل الحوار الثقافي متعدد الأطراف بين الأمم والأديان، ويضمن في الوقت نفسه انتقال المعلومات العلمية والتقنية المتطورة من العالم المتقدم إلى المستخدم في العالمين العربي والإسلامي، وليساهم هذا الحوار بدوره في عملية تكامل وتطوير المجتمعات العربية والإسلامية اقتصادياً وعلمياً وثقافياً واجتماعياً. ويضمن للعرب والمسلمين وجوداً أكثر فاعلية على الساحة الإعلامية الدولية، وليكون لهذا الحوار تأثيراً أكبر على الرأي العام العالمي الذي هو اليوم أسيرا وحكراً للإعلام الصهيوني الذي يتحكم به.[20]
وهي الصورة التي أوضحها أيضاً بعفوية البابا شنودة، بابا المسيحيين الأقباط في مصر، وهو الإنسان غير المتخصص بتقنيات العلاقات العامة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، في واحدة من مقابلاته الصحفية، عندما قال: أن "اليهود ... لم يرجعوا إلى الأراضي المقدسة بوعد من الله وإنما رجعوا بوعد من بلفور ... فعلى الرغم من أن اليهود أعداء للعالم كله فإنهم يخططون بطريقة خطيرة ومدروسة منذ زمن طويل، فرغم قلتهم استطاعوا أخذ وعد بلفور، ثم دخول الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية البريطانية، وفي هذا الوقت كان العرب يشجبون ويدينون، وهم استطاعوا أن يتغلغلوا داخل الإعلام الأمريكي والأوروبي، وكذلك داخل السياسة والاقتصاد حتى جاء وقت كان عمدة نيويورك يهودياً، فهم ناس يخططون ويصلون إلى تنفيذ ما يخططون له، ونحن نزعق ونشجب ولا نعمل، والمفروض أن يوجد "لوبي" عربي في البلاد الأوروبية وفي أمريكا ينشط منها ويكون له نشاط سياسي مثلما فعل اليهود .. ثم لماذا لا يقوم العرب بما لديهم من أموال ضخمة وبترول بإنشاء إذاعة وتلفزيون خاصة بهم في أوروبا وأمريكا تنطق بلغاتهم وليس بلغتنا وكذلك صحف تتحدث باللغات الأجنبية تدخل البلاد الأجنبية وتؤثر عليهم وعلى سياستهم".[21] وأعتقد أن ما قاله البابا شنودة، لا يحتاج لأي شرح أو تعليق، بل إضافة أن غياب نشاطات العلاقات العامة والإعلام الخارجي العربي والإسلامي الموجه والمدروس، والواضح في المنهج والمنطلقات إلى الساحة الإعلامية العالمية وبلغات أقوامها هو خير عضد للتفوق الإعلامي المعادي للعرب والمسلمين على الساحة الدولية. في الوقت الذي نرى فيه سيل من الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة المرئية مملوكة أو بتمويل عربي توجه باللغة العربية من أوروبا إلى العالمين العربي والإسلامي، متأثرة بالمحيط والتوجهات الأوروبية، لا العكس. الواقع الذي يمكن لأي باحث التأكد منه من خلال المقارنة بين مضمون النسخ المطبوعة من العدد الواحد بنفس التاريخ في عواصم مختلفة.
ومن ناحية أخرى فإننا نرى، أن الصحافة العربية والإسلامية شأنها شأن الدول النامية كلها تواجه العديد من التحديات الخارجية، ويأتي في مقدمتها تحدي العولمة الإعلامية، التي أدت إلى زيادة هيمنة وسائل إعلام الدول المتقدمة،[22] مثل: وكالات الأنباء والقنوات الفضائية والصحف والمجلات وشبكات الاتصال الإلكترونية، ومنها طبعاً شبكة الانترنيت على الصعيد العالمي. وإضعاف قدرة الصحافة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ليس في الوطن العربي وحسب، بل وفي الدول الإسلامية والنامية بشكل عام، على المنافسة ومواجهة التدفق الهائل لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول المتقدمة. وتعتمد هذه الهيمنة الإعلامية على العديد من الوسائل والآليات، في مقدمتها بطبيعة الحال واقعة التطور التكنولوجي والقدرات المادية الضخمة وطغيان النموذج الغربي، بالإضافة إلى أن أجهزة العلاقات العامة الغربية تستخدم بنجاح وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتستخدم كل الوسائل والتقنيات المتاحة لها، مثل حرية تدفق المعلومات، من أجل التغلغل في الدول النامية ومن بينها الدول العربية والإسلامية وفرض هيمنتها الإعلامية عليها، وتيسير المزيد من التدفق للأنباء والمعلومات من الدول المتقدمة إلى مجتمعات العالم الثالث بأسره، لا لتساعد على تنميته بل لتكرس التخلف والصراعات الدينية والعرقية فيه.
وخلال الآونة الأخيرة، اتخذت العولمة الإعلامية العديد من المظاهر والتجليات الجديدة، ولعل أبرزها كان اتجاه بعض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وكبريات الصحف والمجلات الأمريكية والغربية نحو ترجمة بعض برامجها الإذاعية المسموعة والمرئية وإصداراتها الأسبوعية والشهرية إلى العربية، وبثها وتسويقها وتوزيعها في الدول العربية، وهو ما يمثل نموذجاً مصغراً لظاهرة يمكن أن يتسع نطاقها في المستقبل. وإذا لم يتم تطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية العربية والإسلامية، فإن قطاعات واسعة من القراء والمستمعين والمشاهدين قد يتجهون لتفضيل البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية والصحف والمجلات الغربية، وبالذات الأمريكية، سواء باللغات الأصلية أو المترجمة إلى العربية ولغات العالم الإسلامي الأخرى كالتركية، والأوزبكية، والأذربيجانية، والتترية، والألبانية، والفارسية، والأوردية، والإندونيسية، والماليزية، وغيرها من لغات العالم الإسلامي، إضافة لسهولة الانتشار ومخاطبة الساحة الإعلامية في الدول العربية والإسلامية ثنائية اللغة التي تستخدم إلى جانب لغاتها القومية إحدى اللغات كالإنكليزية، أو الفرنسية، أو الروسية، وهو ما يمثل دافعاً إضافياً أمام الدول العربية لتطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية التقليدية وتحسين أدائها ليشمل الجمهوريات التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. فهناك فارق أساسي بين متابعة البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية والصحف الغربية بغرض متابعة ما ينشر فيها، والتعرف على وجهات النظر الغربية الواردة فيها، وبين أن تصبح تلك البرامج والصحف مصدراً رئيسياً أو وحيداً للمتابعة والمعرفة للجمهور العربي والإسلامي، وهو ما نحذر منه بشدة، لخطورته البالغة على تشكيل الرأي العام وانحراف المواقف وابتعادها عن الحقائق التي يعتبرها البعض أنها مبدئية وثابتة، ولكنها فعلياً متغيرة تحت وطأة الإعلام المدروس والموجه بكثافة من الدول المتقدمة نحو دول العالم النامية ومن بينها الدول العربية والإسلامية.
وبالتالي، فإن هذه التحديات تؤكد أنه هناك ضرورات متنوعة داخلياً وخارجياً، للتفكير في مستقبل وسائل الاتصال والإعلام التقليدية العربية والإسلامية، ومستقبل الاتجاهات الضرورية لتطويرها، والمطلوب هو تقوية وتعزيز وتوسيع أدوار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية العربية والإسلامية في المستقبل من خلال التطوير التكنولوجي والمؤسسي والقانوني والمهني والسياسي والتكاملي بينها، لمواجهة طوفان العولمة بالتكتل سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً، والأخذ بأسباب القوة العسكرية والإعلامية.[23]
فعلى المستوى القانوني والمؤسسي، لابد من التركيز على معالجة الثغرات القانونية والمؤسسية التي تحد من انطلاق وسائل الاتصال والإعلام التقليدية العربية والإسلامية ومشاركتها في حملات العلاقات العامة الهادفة، وذلك من خلال مواصلة الجهود لتبني مشروع جديد لقوانين الصحافة تعده الجهات المختصة بالتعاون مع الخبراء والفقهاء من الدول العربية والإسلامية البارزين، والتحاور بشأنه مع القيادات السياسية والمؤسسات الدستورية، تمهيداً لإصداره في إطار جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، والاتحاد الاقتصادي لجمهوريات آسيا المركزية، الذي شكلته جمهوريات: أوزبكستان، وقازاقستان، وقرغيزيا، وتركمانستان، بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق، واندمج برابطة أوروآسيا للتعاون الاقتصادي التي تضم اليوم بالإضافة لتلك الدول روسيا، وبيلاروسيا، وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية. بالإضافة إلى ضرورة تنقية القوانين والأوامر التنفيذية الحالية من القيود غير المبررة والمعارضة للواقع الراهن الذي تفرضه العولمة والمجتمع المعلوماتي، سواء من أجل الوصول بحرية الصحافة إلى أعلى مستوياتها أو من أجل ضمان التجانس والانسجام التشريعي بين الدول العربية والإسلامية فيما يتعلق بالصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية. وفي الوقت نفسه لابد من العمل على ضمان التمتع بالحق في الإعلام والمعلومات والنص على هذا الحق في المشروع القومي والإسلامي لقانون الإعلام، وغيره من التشريعات ذات الصلة في حال صدورها، والعمل على تفعيل ميثاق الشرف الصحفي العربي والإسلامي والإفريقي والدفاع بحزم عن أخلاقيات المهنة، وتشجيع ارتياد مجالات الصحافة الإلكترونية والصحافة المسموعة والمرئية لتدعيم اقتصاديات مهنة الإعلام، واستخدام تقنيات العلاقات العامة وآليات المناقشة والحوار ونبذ الخلافات وتفعيلها بين الدول العربية والإسلامية في حوار إيجابي وبناء بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية التقليدية، ودفعها للحوار الإيجابي والفعال مع وسائل الإعلام الأجنبية سواء أكانت في الدول المتقدمة أو في الدول الإسلامية أو في الدول النامية الأخرى.
أما على المستوى المهني، فإن التركيز يجب أن ينصب كما نعتقد على النهوض بمؤسسات العلاقات العامة ووسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية التقليدية، واستعادة ريادتها على الساحتين العربية والإسلامية، والوصول بها إلى أعلى مستويات المصداقية والتنافسية والجدارة على المستويين العربي والإسلامي والدولي، بما يمكنها من مواجهة الإعلام المضاد. وهناك العديد من المجالات التي ينبغي العمل بها، في مقدمتها التحديث التكنولوجي وزيادة كفاءة نظم الإنتاج والتوزيع، وتوسيع سوق الاستهلاك الإعلامية والإعلان على المستوى العربي وضبطها وخاصة فيما يتعلق بالمواد الأجنبية منها بالتحديد، والعمل على تحقيق التوازن المطلوب بينها، والسعي لحل وإنهاء الاختناقات التمويلية الضرورية التي تحتاجها، وضرورة إسهام الدول العربية والإسلامية في الوفاء بمتطلبات تطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية التقليدية وخاصة من خلال الإعانات والهبات غير المشروطة، وإسقاط الديون وتخفيف العبء الضريبي وإعفاء المؤسسات الصغيرة منه.
ولا بد من نشر الوعي في الأوساط الإعلامية العربية والإسلامية، بمتطلبات النهضة العلمية والتقنية لوسائل الاتصال والإعلام الحديثة بدرجة أكبر تتفق ومتطلبات الثورة الإعلامية والعولمة، ولتشجيع المؤسسات الصحفية على تنويع أنشطتها، وقيام المؤسسات الصغيرة بأنشطة تعاونية مشتركة فيما بينها، وحثها على الاندماج والتركيز في مؤسسات أو اتحادات إعلامية قوية، ولتكوين هياكل أكبر عندما يكون ذلك مناسباً، لأن الاندماج والتركيز حتمياً لبقائها واستمرارها وازدهارها في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي. ولا بد من قيام الأجهزة والاتحادات والمؤسسات الإعلامية على المستوى الثنائي، والجماعي على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، والاتحاد الاقتصادي لجمهوريات آسيا المركزية، وغيرها من المنظمات بتدعيم أجهزتها ومؤسساتها الإعلامية ومراكز البحث العلمية فيها للقيام بوظائف أكثر حيوية وأوسع نطاقاً في مساندة التركيز والدمج بين تلك المؤسسات، بدلاً من مساندة جميع تلك المؤسسات وخاصة الصغيرة منها.
وفي الوقت نفسه، فإن النهوض بأجهزة العلاقات العامة ووسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية التقليدية يتطلب أيضاً ابتكار صيغة عامة للمشاركة بين مؤسسات العلاقات العامة والاتصال والإعلام والجماعات المثقفة والعلماء والباحثين في الداخل والخارج، من أجل استنباط أطر جديدة ومتنوعة للتعاون. ولا بد هنا من التركيز على مسائل التمويل وتنظيم الأنشطة المكلفة التي تتطلب درجة عالية من المخاطرة، مثل التوسع في فتح المكاتب الخارجية، ونشر النشاط الصحفي والإعلامي ليشمل أكبر ساحة إعلامية في العالم، وتغطية الأحداث المهمة في المناطق البعيدة والقيام بالدراسات والبحوث العلمية وعمليات التصنيع والاستيراد والتصدير ذات الصلة بالنشاط الصحفي والإعلامي، وبحوث التسويق والتوزيع في الداخل والخارج وغيره من النشاطات المرتبطة بالتحقق من الانتشار والتوزيع.
يضاف إلى ذلك، أن التعاون بين تلك الجهات سوف يساعد على النهوض بوسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية التقليدية من خلال تنمية التعاون بينها من أجل التوسع في إنشاء مراكز البحوث والدراسات الإعلامية القادرة على العمل والأداء المثمر، وعقد ورشات عمل مشتركة، ومنح فرص أكبر للمفكرين والباحثين للإسهام بالرأي لتطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية التقليدية، الرأي الذي يمكن أن يساعد على تقصير الطريق نحو ولوجها المدروس والسليم لعصر العولمة والمجتمع المعلوماتي الذي أصبح يطرق أبواب المجتمع العربي والإسلامي.
وهنا تبرز مسألة تدريب الكوادر وتأخذ مكان الصدارة بين القضايا المهنية الحيوية، لأن العاملين في مجال العلاقات العامة والصحافة هم جوهر عملية نهوض وتطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتقنياتها. لهذا لابد من الاهتمام بالوصول بهم إلى أعلى المستويات المتوفرة على الساحة العالمية من خلال التدريب الشامل والمستمر، بهدف زيادة المستوى المهني والتقني لمؤسسات العلاقات العامة والإعلام والصحفيين العرب والمسلمين بشكل عام. الأمر الذي يفرض الاهتمام ببرامج التدريب المستمر على مهارات استخدام تقنيات وتكنولوجيا الحاسب الآلي وبرامجه المتطورة، وتقنيات استخدام شبكات المعلومات الدولية وخاصة شبكة الانترنيت العالمية، والاهتمام بدراسة اللغات الأجنبية لأنها عصب عملية الاتصال، والتي اعتبرها بروفيسور الأكاديمية الدبلوماسية الروسية، غيورغي خازن دليلاً للثقافة الرفيعة.[24] وكحد أدنى الاهتمام باللغات الست الأكثر انتشاراً والمعتمدة في عمل المنظمات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والصينية، والعربية، والروسية. لأن اللغات الأجنبية هي صلب ومحور عملية الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي.[25] ولا بد كذلك من التوسع في إرسال واستقبال البعثات الإطلاعية، وإيفاد البعثات التدريبية إلى الدول الأجنبية المتقدمة في هذا المضمار من أجل الوصول إلى أعلى مستويات الأداء الإعلامية العالمية، وزيادة الكوادر الإعلامية المهنية والتقنية من أجل تقديم خدمات حقيقية ومتطورة للساحات الإعلامية المستهدفة من عملية الاتصال والإعلام ، وهو ما يمثل ضرورة قصوى في ظل الثورة المعلوماتية التي يشهدها المجتمع الدولي في مجال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والمعلومات.
الأخطار لا تواجه بالانغلاق، بل بالانفتاح وتحصين المتلقي لمواجه سيل المعلومات المتدفقة عليه
ومما سبق نرى أن الولوج في المجتمع المعلوماتي مرتبط بالعولمة الإعلامية التي تهيمن فيها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول المتقدمة، ولا يمكن مواجهة أخطارها في دول العالم الثالث، ومن بينها الدول العربية والإسلامية عن طريق الانغلاق أو منع التدفق الإعلامي الخارجي، وإنما من خلال تحصين المتلقي أينما كان في مواجهة سيل المعلومات والإعلام الجماهيري المتدفق من الدول المتقدمة، بحيث يستطيع المتلقي العربي والإسلامي كغيره من المتلقين في دول العالم الثالث الاستفادة من إيجابيات الإعلام الخارجي، وخاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وتحييد سلبياته التي تستهدف كيان الإنسان ووجدانه، كما أنه من الضروري زيادة قدرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية على المنافسة في الساحة الدولية.[26] ويأتي هذا عن طريق التركيز على كل المجالات والقضايا المهمة التي تمس وجهة النظر والمصالح العربية والإسلامية من مختلف القضايا الوطنية والعالمية، وعدم الاكتفاء بنقل المواقف ووجهات النظر الوطنية إلى الرأي العام العربي والإسلامي فقط كما هي الحال في الوقت الراهن، بل مضاعفة التركيز على الرأي العام العالمي في عملية النقل تلك دون تحريف أو تشويه بشأن تلك القضايا الهامة والملحة من وجهة النظر العربية والإسلامية، والتصدي للمغالطات والأكاذيب والافتراءات التي تنشرها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول المتقدمة ضد المصالح العربية والإسلامية.[27]
وأخيراً فإنه هناك دور حقيقي ومهم ينبغي على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية أن تقوم به مجتمعة على المستوى الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والعلمي الوطني والعالمي استمراراً لدورها الرائد والطليعي في خدمة القضايا الوطنية والدفاع عن القيم الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الأمة العربية والإسلامية، ومنها أن تخوض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية التقليدية والحديثة على السواء، المعركة الإعلامية الدولية للعلاقات العامة بهدف توضيح الحقائق الأساسية الناتجة عن الافتراءات على الدين الإسلامي، وأزمات النفط وأسعاره التي تسببها الاحتكارات والدول المتقدمة المستهلكة للنفط والتي تخلق مشاكل كثيرة للدول المنتجة للنفط وخاصة منها دول الخليج العربية التي يعتمد اقتصادها وخططها التنموية أساساً على الموارد النفطية.[28] والصراعات الحدودية مع دول الجوار التي خلفها الاستعمار الأوروبي وتغذيها وتؤججها بعض القوى الخارجية التي لها مصلحة في إبقاء التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، والصراع التاريخي والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وفضح ممارسات العدوان الإسرائيلي المستمر والمتعاظم ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بشكل عام، جنباً إلى جنب مع خوض المعركة للمطالبة بالتطبيق الكامل لقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومناهضة التطبيع الاقتصادي والمهني والسياسي مع إسرائيل قبل اعترافها وإعادتها للحقوق العربية المغتصبة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
كما أنه من الضروري الدفاع عن حقوق ومصالح جميع الشعوب العربية والإسلامية والإسهام في إنهاء النزاعات والصراعات العربية – العربية، والإسلامية – الإسلامية والعمل على تصفية نظام العقوبات المجحد الذي تعاني منه عدة أقطار عربية وإسلامية منذ سنوات طويلة، كالعقوبات التي فرضت على العراق وليبيا والسودان، لرفع الظلم والمعاناة الأليمة عن شعوب تلك الدول من جراء الحصار الطويل، عن طريق الحوار البناء الدائم والإيجابي مع الساحة الإعلامية الدولية ورموزها.
ويتطلب تحقيق تلك الأهداف حشد كل القدرات والإمكانيات الاقتصادية والعلمية والتقنية والمعرفية، والاستعانة بالإنجازات الحديثة لتكنولوجيا المعلومات والإعلام وتقنيات الاتصال المتطورة. ومن أجل هذا نكرر أنه لابد من إعداد الكوادر غير التقليدية المتخصصة والمدربة بشكل جيد للقيام بهذه المهمة على الصعيد الدولي، وتمكينها من التأثير على الرأي العام ليس المحلي فقط، بل والرأي العام العالمي في كل أرجاء العالم بما فيه التأثير الإيجابي على الرأي العام الإسرائيلي والمؤيد لإسرائيل. من خلال توضيح أهداف ومرامي الخيار الاستراتيجي للعرب الذين اختاروا هدف السلام العادل والحل السلمي للصراع المحتدم منذ أكثر من نصف قرن مضى.
ولابد من تعزيز التعاون بين مؤسسات العلاقات العامة ووسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية، والمؤسسات الإعلامية مع دول الجوار للدول العربية من خلال دعم كل صور التبادل العلمي والفكري والثقافي على المستوى القومي معها، وهي مهمة تقع في رأيي على عاتق أصحاب القرار السياسي في الدول العربية والإسلامية، واتحاد الصحفيين العرب، ومعه كل المنظمات المعنية بالإعلام، العربية والإسلامية للاضطلاع بالمهام الملقاة على عاتقها في المجال الإعلامي والفكري والعلمي، والعمل على تعزيز قدرة وسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية على إرساء أسس السلام وتعزيز الأمن والاستقرار داخل الأقطار العربية والإسلامية وفي مناطق التوتر وفي العالم أجمع، دون إغفال أهمية التعاون الإيجابي مع الاتحادات والمؤسسات الإعلامية العالمية المعنية بتقدم الإعلام وحرية التعبير والثقافة، وهي مسألة تأخر فيها العرب كثيراً حسب رأي الصحفي العربي المعروف إبراهيم نافع.[29]
وأرى أنه لابد من وضع برنامج منطقي وواقعي على المستوى العربي والإسلامي لتحقيق التعاون والتنسيق في العمل، بالشكل الذي يتعزز فيه مشاركة الصحفيين من الدول العربية والإسلامية من خلال نقاباتهم المهنية ومؤسساتهم الإعلامية ومن خلال المنابر الإعلامية والمهنية العالمية، ومشاركتهم الفاعلة في صناعة الخبر عن أهم الأحداث العالمية الجارية هنا وهناك وفي مقدمتها الأحداث الجارية في العالمين العربي والإسلامي. وقبل ذلك بطبيعة الحال، فإنه من الضروري تنمية علاقة المشاركة والتعاون البناء بين الأوساط الصحفية العربية والإسلامية والدولة ومؤسساتها السياسية والدستورية في كل الأقطار العربية والإسلامية، على أساس من العمل المشترك لمصلحة الوطن والنهوض به قطرياً وعربياً وإسلامياً، وفي الوقت نفسه الاضطلاع بالمهام المطلوبة على المستوى الإقليمي والعالمي.[30] وهذا يتطلب الإسراع في وضع وتطبيق برنامج إعلامي عربي وإسلامي يضمن فاعلية أكبر لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية، ويضمن لها دوراً أكثر فاعلية يساعدها على أداء أدوارها المتنوعة في مجالات التوعية العلمية والاقتصادية والتقنية والمعرفية والتنويرية والتثقيفية والتربوية وفي التصدي لأعباء التنمية الشاملة. كما أنه سوف يساعد أيضاً على الارتقاء بوسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية إلى مصاف كبريات وسائل الاتصال والإعلام العالمية، وسوف يساعد بالضرورة على تمكين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية من الأخذ بدورها الريادي والطليعي في كل القضايا الوطنية والقومية والإسلامية، في الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح وليد العولمة وتداعياتها الإعلامية، بشكل أكثر إيجابية وفاعلية وتأثير. وهنا يتبادر في الذهن عدة أسئلة عن ماهية المجتمع المعلوماتي، التي سنحاول الإجابة عليها في الفقرات التالية من الدراسة.
ضرورة وضع ضوابط وخطط شاملة للعمل في ظروف المجتمع المعلوماتي
الوضع الذي يفرض على تلك الدول الإسراع في وضع خطط شاملة تنطلق من أسس موضوعية وواقعية وموجهة في إطار برامج ومشاريع التنمية الشاملة لإنشاء بنية تحتية إعلامية وطنية تعتمد على برامج التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال الهام، وتوجيه تلك البرامج والمشاريع لخدمة وتطوير البحث العلمي وتأمين توزيع الموارد المعلوماتية توزيعاً سليماً وحمايتها، بما يكفل الوصول إلى المستوى العالمي المطلوب للخدمات المعلوماتية عبر الشبكات الإلكترونية في كل المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والطبية والاقتصادية والمواصلات والعلاقات العامة وغيرها من المجالات الهامة لمشاريع التنمية والاقتصاد الوطني بشكل عام.
وإقامة نظام متكامل لموارد المعلومات وتوزيعها، يعني إقامة شبكات اتصال إلكترونية تعتمد على الحاسبات الإلكترونية الشخصية، تستخدم مقاييس معينة متفق عليها لإدخال واسترجاع المعلومات بشكل مدروس وممنهج، وإعادة توزيع تلك المعلومات على المستخدمين محلياً وإقليمياً وعالمياً. ومشروع كهذا يمكن أن يبدأ في إطار شبكة المؤسسات الحكومية التي يمكن أن تتكامل مع شبكات الموارد الإعلامية وبنوك المعلومات الأخرى الكبرى داخل الدولة، وداخل دول الجوار الإقليمي، والشبكات العالمية، آخذين بعين الاعتبار مصالح الأمن القومي والمصالح العليا للدولة في إطار هذا التكامل، والذي يمكن أن يأخذ الشكل التالي: الشبكات الإلكترونية المرتبطة بوزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية أي المشروع الوطني لبنوك المعلومات؛ والشبكات الإلكترونية العلمية للمكتبات ومراكز المعلومات لمؤسسات التعليم المتوسط والعالي ومراكز البحث العلمي. والتي بدورها يمكن أن تتكامل مع الشبكات الإلكترونية الإقليمية والدولية. والإنفاق على مثل تلك الشبكات يمكن توفيره من خلال التعاون المشترك وتضافر الإسهامات المالية المحلية والإقليمية والدولية للمعنيين بتنظيم تراكم ومعالجة وتداول تلك المعلومات.
والأهم من كل ذلك أن تنظيم البنية التحتية الأساسية للموارد المعلوماتية العلمية الوطنية، وتنظيم تكاملها الشبكي مع الموارد المعلوماتية الإقليمية والدولية لابد وأن يمر عبر قاعدة قانونية دقيقة تشمل حمايتها عن طريق تنظيم: الضوابط القانونية للملكية الخاصة، وحقوق الملكية الفكرية المشتركة، التي تصبح في ظلها أية مادة إعلامية أو أي مصنف معلوماتي إلكتروني في الظروف التقنية الحديثة سهل السحب والنسخ؛ والوضع القانوني للإصدارات الإعلامية الإلكترونية ونشرها؛ الضوابط القانونية لضمان عدم مخالفة مضمون المصنفات الإعلامية الإلكترونية للقوانين النافذة؛ والوضع القانوني للقائمين على تقديم وتقييم الخدمات الإعلامية عبر شبكات المعلوماتية الإلكترونية المسموعة والمرئية؛ والأوضاع القانونية والمالية لموزعي المعلومات، وخاصة المؤسسات الممولة من ميزانية الدولة وغيرها من المؤسسات؛ وفاعلية الرقابة على تنفيذ مشاريع تنظيم البنية التحتية للموارد الإعلامية العلمية الوطنية، وتكاملها الشبكي الإقليمي والدولي؛ وضوابط الوصول للمعلومات الإلكترونية عن نتائج الأبحاث العلمية الوطنية، وشروط الاستفادة من تلك النتائج خدمة للأوساط العلمية المحلية والإقليمية والدولية.
وبقي أن نشير هنا إلى ضرورة وضع الأدلة (الفهارس) الإلكترونية والمطبوعة، ووضع أسس لنشرها في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الإلكترونية والتقليدية وتوزيعها، لضمان تسهيل عمليات الوصول للموارد المعلوماتية العلمية المحكمة عبر البنى التحتية لموارد المعلوماتية الوطنية، وعبر شبكات المعلوماتية الدولية بما فيها شبكة الانترنيت العالمية. لأنه دون التعريف بعناوين وطرق الوصول لتلك الموارد المعلوماتية العلمية المحكمة لا يمكن الاستفادة منها ومن الكم الهائل من المعلومات المتوفرة حتى الآن في شبكات المعلوماتية الوطنية والإقليمية والدولية بشكل كامل.
تطوير البنى التحتية اللازمة للمجتمع المعلوماتي رهن بالسياسات الحكومية
ولا أحد ينكر أن تطور البنى التحتية المعلوماتية العلمية الإلكترونية تحتاج لموارد مادية هائلة، وأنها تعتبر من مهام بناء المجتمع المعلوماتي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من حضارة القرن الحادي والعشرين، وهي رهن بالسياسات الحكومية الرسمية،[31] وأن عملية بناء المجتمع المعلوماتي هي عملية متكاملة، تحتاج لتكثيف جهود الجميع، ومختلف الاتجاهات العلمية، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كل التخصصات العلمية، ومصطلحاتها ومشاكلها الناشئة نتيجة لدخولها عصر المجتمع المعلوماتي، ودراسة المشاكل الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، وتأثيرها الناتج عن الانتشار الواسع والسريع للمعلومات وتكنولوجيا الاتصال المتقدمة، والقيام بمجموعة من الأبحاث العلمية النظرية والتطبيقية، دعماً للجهود المتواصلة لخلق الظروف المواتية للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي سمة القرن الحادي والعشرين.
الثورة المعلوماتية طغت على حياة الناس وغيرت من طبيعة حياتهم اليومية
فعالم اليوم يعيش ثورة معلوماتية حقيقية، طغت على حياة الناس وغيرت من طبيعة حياتهم اليومية بشكل جذري، وبدلت من تطلعاتهم، وخصائص تشكلهم في شرائح داخل المجتمع المحلي حتى أنها مست علاقة الفرد بذاته. وعلى العكس من الثورات التكنولوجية السابقة التي انطلقت من المادة والطاقة، فإن هذه التغييرات الجذرية الجديدة التي نعيشها اليوم وتعرضت لمفاهيمنا عن الزمان، والمكان، والأفق، والمسافة، والمعرفة،[32] تشكل في جوهرها الثورة المعلوماتية الناتجة عن التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيري المتنوعة، التي توصلت إليها عبقرية الإنسان خلال القرون الأخيرة. ورغم عدم كفاية واكتمال الدراسات العلمية التي تناولت مرحلة الثورة المعلوماتية التي تمر بها البشرية في الوقت الحاضر، فإننا نلمس من حيث الجوهر أنها قربت لنا مفاهيم الثورة المعلوماتية التي أضحت أكثر فهماً ووضوحاً من ذي قبل.
التكنولوجيا والمجتمع المعلوماتي
ومع حلول عصر العولمة بتداعياته العلمية، والإعلامية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والثقافية، برزت على الساحة آراء مختلفة تتباين في تقديرها لمدى تأثير تلك العولمة وخاصة الاقتصادية على تطور بعض الدول وعلى الحضارة الإنسانية بشكل عام. خاصة وأن العولمة كانت نتاجاً واقعياً لتطور وسائل وتقنيات وتكنولوجيا المعلوماتية والاستشعار عن بعد، ووسائل نقل وتخزين والتعامل مع المعلومات واسترجاعها. الأمر الذي سمح في نفس الوقت بإحداث نقلة نوعية وتغيير في الأدوار التي أصبحت تؤديها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية في المجتمع بعد حلول عصر العولمة المعلوماتية، وانتقالها من دور تقديم الخدمات الإعلامية للمجتمع، إلى دور المشارك الفعال في الشبكة الكثيفة متعددة الأطراف التي تشبه اليوم إلى حد ما شبكة عنكبوتيه ضخمة، يتصل من خلالها ويتفاعل مع غيره عبر اتصال كثيف وتبادل معلوماتي مباشر ملايين البشر على الكرة الأرضية، دون عوائق أو قيود تذكر، في مجتمع أصبح يطلق عليه تسمية "المجتمع المعلوماتي" المتشابك بواسطة شبكات الحاسبات الإلكترونية الشخصية المنتشرة في كل أرجاء العالم المتقدم والآخذ بالنمو.[33]
وصناعة وتطوير وانتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال والإعلام كأي تكنولوجيا أخرى توصلت إليها عبقرية الإنسان، مرتبطة بالمواقف والقرارات السياسية السليمة التي تأتي في الوقت المناسب، والمبنية على التقديرات الاقتصادية والمصالح الإستراتيجية والأمنية الوطنية العليا. وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والاتصال كغيرها انطلقت من فكرة رفع الطاقة الإنتاجية للعمل وتحسين أداؤه في بعض المواقع المحددة، وهو ما سبب بعض الإخفاقات التي واجهتها تكنولوجيا المعلوماتية، بسبب أخذها في الاعتبار النواحي التقنية فقط، وإهمالها للنواحي الاجتماعية المترتبة عن استخدام تكنولوجيا المعلوماتية بشكل عام. لأنها تشكل معاً نهايات ثلاثية الأبعاد في المجتمع المعلوماتي، بحيث تكون مقبولة، ومدعومة اجتماعياً، وتلبي حاجة أفراد المجتمع. وفي ظل المجتمع المعلوماتي يجب أن تكون تلك الثلاثية الأرضية التي ينطلق منها لتحقيق تطور هادف في وعي وحياة الإنسان، وتدعم مواقف جميع الشرائح الاجتماعية بكل اتجاهاتها مما يزيد من لحمتها، وإسهامها في تطوير المجتمع المعلوماتي بحد ذاته.[34]
وتكنولوجيا الاتصال والإعلام تنتشر اليوم من الدول المتطورة وتنتقل منها إلى الدول الأقل حظاً والنامية، حاملة معها ثقافة جديدة، تختلف كثيراً عن تلك الثقافة التي ولدت في إطارها تلك التكنولوجيا. وتحمل في طياتها ثقافة تعميم آليات ونظم الحاسبات الإلكترونية المعقدة والمتنوعة لتلك النظم صعبة الفهم. وفي أكثر الحالات نرى أنها تتهيب الخطر الناتج عن حتمية التأثير على حياة الأفراد والمجتمعات، وهو التأثير الذي يصعب فهمه وقبوله في بعض الحالات. ومن أجل تجنب الجمود في المجتمع المعلوماتي، كان لا بد من الوصول إلى تصور واضح ودقيق عن التأثيرات العارضة لدخول تكنولوجيا الاتصال والإعلام المتطورة إلى الحياة الاجتماعية اليومية، ومنها نتائج الصدمة التكنولوجية وما يرافقها من تخريب في السلوك والآداب والأخلاق العامة، وفقدان لفرص العمل في بعض التخصصات التقليدية، إضافة لشيوع جرائم الحاسبات الإلكترونية وغيرها من تلك التي تهدد الأمن الإعلامي الوطني والدولي.[35]
شبكة الانترنيت ووظائف وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية
المجتمعات الحديثة كما هو معروف هي مجتمعات المعرفة، ولفهم دور شبكات المعلومات الدولية في تلك المجتمعات التي تلعب فيها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية حسب ظروفها الذاتية، الدور الهام لاجتياز الحاجز النفسي الذي يعيق فهم المجتمع المحلي لدور شبكات المعلومات الدولية ومن بينها شبكة الانترنيت في الوسط الإعلامي للمجتمع المعلوماتي الجديد، الذي يبشر بالانفتاح على المعارف وخبرات ومنجزات الحضارة الإنسانية، ويفسح المجال واسعاً للوصول لأوسع المعلومات المتوفرة في شبكات المعلومات الدولية، لابد من الوقوف عند مشكلة الارتفاع المفاجئ لمستوى الخدمات الإعلامية المتوفرة للمجتمع الحديث، ومدى تطور إمكانية وصول الفرد في ذلك المجتمع إلى مختلف المعلومات والمعارف الجديدة عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية، ومدى محافظة تلك الوسائل التقليدية لوظائفها التقليدية كالسبق الصحفي، وجمع وحفظ وإعداد ونشر وتوثيق المعلومات، ومنها المعلومات عن آخر الأخبار التي هي دائماً في مقدمة اهتمامات ووظائف صحافة الأحداث، بعد دخول منافس جديد للساحة الإعلامية يوفر المعلومات التي يحتاجها الفرد من خلال شبكات المعلومات الدولية، التي أصبحت اليوم تمثل المؤثر الخارجي الأكثر فعالية، وأصبح لها شأناً كبيراً في تحديد مستوى الوعي الفردي والاجتماعي من خلال احتكاك الفرد بمضمون تلك الشبكات.
ويعتقد البعض أن الوصول للمعلومات الموثقة لا يمكن من دون وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية، التي تبقى الوسيلة الرئيسة والأهم لإعلام الرأي العام والإسهام في تطويره، وخاصة منها الوسائل المطبوعة، من خلال ما تسجله على صفحاتها من معلومات يمكن أن تحفظ وتنتشر أكثر إن كان بطرق التوزيع التقليدية، أو من خلال أجهزة الحاسب الآلي الشخصية المتصلة بشبكات المعلومات المحلية والإقليمية والدولية داخل المجتمع الواحد. نظراً للكلفة الزهيدة للحصول عليها والاستفادة منها، لأن ما يدفع ثمناً لها بالمقارنة مع تكاليف استخدام شبكات المعلومات الإلكترونية الحديثة، للحصول على مواد الصحف، والمجلات، ولقاء سماع البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية هو زهيد جداً. بالإضافة إلى أن تكاليف سماع ومشاهدة البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية بالطرق التقليدية خارج شبكة الانترنيت لا تكلفنا سوى قيمة استهلاك أجهزة الاستقبال الإذاعية المسموعة والمرئية، وقيمة الطاقة الكهربائية المستهلكة، وهذا بحد ذاته من الحقائق الهامة التي تؤكد حتمية التطور اللاحق لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية بأشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية. إلا أن استخدام شبكات المعلومات الإلكترونية يصبح بالتدريج حاجة ملحة بعد انتشارها وتعدد استخداماتها وقنواتها داخل المجتمعات الحديثة. لأن تلك الشبكات تصبح ناقلة لصفحات الصحف والمجلات قبل وصولها للمشتركين عبر شبكات التوزيع التقليدية بزمن كبير، هذا إن لم نتحدث عن جودة وصفاء الصوت والصورة للبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية المنقولة من أماكن بعيدة جداً عبر شبكات المعلومات الدولية.
ومع ذلك نلاحظ في بعض الدول كالنرويج، والسويد، وفنلندا، وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها المتقدمة جداً في هذا المجال،[36] أن استخدام شبكات المعلومات الإلكترونية لم يؤثر على أعداد المشتركين في الصحافة الدورية، بل على العكس كان عددهم أعلى بكثير من عدد المشتركين بشبكة الانترنيت الدولية. وهو ما يؤكد أن دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية وخاصة الصحافة المطبوعة في المجتمعات المتطورة سيبقى مهماً حتى في المجتمع المعلوماتي، الذي سيضيف أشكال متنوعة وجديدة وأكثر فاعلية وواقعية للخدمات الإعلامية المباشرة في ظروف الانفتاح الإعلامي. وهو ما يمكن اعتباره عنصراً هاماً من عناصر تطوير النظام التقليدي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وخاصة وظيفة نقل المعلومات عبر العالم بحرية ودون عوائق أو قيود، تلك التي هي من خصائص المجتمع المعلوماتي.
خصائص المجتمع المعلوماتي
وقد تباينت وجهات النظر حول خصائص "المجتمع المعلوماتي"، ولهذا سنحاول هنا التقريب بين وجهات النظر تلك لنجملها بالخصائص التالية وهي أن المجتمع المعلوماتي هو: مجتمع من شكل جديد، تشكل في الدول المتقدمة نتيجة للعولمة والثورات العلمية والمعلوماتية والتقنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي نتجت عن التطور الهائل لتكنولوجيا وتقنيات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ مجتمع المعرفة، الذي يتحقق فيه لكل إنسان وفي أية دولة من العالم الرفاهية والتقدم والنجاح عن طريق الوصول الحر للمعلومات التي يحتاجها دون أية حواجز أو معيقات. وكل ما يحتاجه الإنسان هنا هو إتقان مهارات استخدام وسائط ووسائل الاتصال بشبكات المعلومات الوطنية والإقليمية والدولية والتعامل مع المعلومات التي تتيحها له تلك الشبكات؛ مجتمع العولمة الإعلامية، الذي لا يوجد فيه ما يعيق تبادل المعلومات، من وقت ومساحة، وحدود سياسية؛ وهو المجتمع الذي تتحول فيه المعلومات تدريجياً إلى وسيلة من وسائل التكامل المتبادل للثقافات المختلفة، ولا يعيق من جانب آخر خلق الإمكانيات الجديدة للتطور الذاتي لكل مجتمع.[37]
وبذلك يتحول المجتمع المعلوماتي حسب رأي البعض بالتدريج إلى "مجتمع الحكمة"، من خلال القدرة على التعامل العلمي والواعي والمدرك لأبعاد الكم الهائل من المعطيات والمعلومات المتوفرة في شبكات المعلومات المحلية والإقليمية والدولية، والقدرة على تحليل هذا الكم الهائل انطلاقا من أسس علمية سليمة لأخذ شيء منه تمهيداً لاتخاذ قرار هادف لتحسين ظروف ومستوى الحياة. وبذلك تصبح الحكمة أساساً لاتخاذ القرارات المبنية على المعطيات والمعلومات التي تساعد على النهوض بالمجتمع نحو الأفضل، المجتمع المنفتح على المجتمعات الأخرى، المجتمع الذي يأخذ في اعتباره مصالح وأمن الدول والمجتمعات وإمكانياتها الذاتية، ويشجع على مشاركة كل أعضاء المجتمع في النشاطات الفكرية والإنتاجية التي تأخذ في اعتبارها الجوانب الثقافية والاجتماعية للحياة التي هي ليست أقل أهمية من الجوانب المادية والاقتصادية.[38]
بينما يرى العلماء الألمان أن المجتمع المعلوماتي، هو المجتمع الذي تتحكم فيه في نهاية المطاف الطرق التي يتم من خلالها الحصول على المعلومات، وطرق التعامل معها وحفظها ونقلها وتداولها ونشرها، واستخدام المعارف المستمدة من خلال الكم الهائل للمعلومات المختزنة في شبكات المعلومات، التي تتيح إمكانية توفير فرص الاعتماد المتبادل بين الدول في التعامل مع المعلومات وهو ما يحتاج بدوره إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة ورفع إمكانياتها بشكل مستمر. لأنه في المستقبل لابد وأن تبرز وتأخذ بالتشكل أشكال أخرى جديدة للمجتمع المعلوماتي، كما كانت الحال في السابق عندما تعددت نماذج وأشكال نظم الإدارة والحكم، ونماذج وأشكال المجتمع الصناعي، ونماذج وأشكال النظم الاقتصادية وهكذا. ولكن مع ذلك تبقى الملامح الرئيسية للمجتمع مع تبلور ملامح المجتمع المعلوماتي معتمدة على مستوى توفير المساواة في الحقوق لجميع المواطنين في الوصول إلى الموارد المعلوماتية الرئيسية؛ ومستوى مساهمة كل فرد في حياة المجتمع الذي هو عضو فيه، وتحقيق الذات الفردية لكل من يعاني من نقص في إمكانياته وقدراته الجسدية.
ومن الخصائص الهامة للمجتمع المعلوماتي أيضاً، التركيز على الإنتاج الفكري والمادي، اعتماداً على قطاع الخدمات المعلوماتية الذي لابد وأن توفر خدماته وتخفض من الهدر في الوقت، وفي استخراج واستثمار وتصنيع المواد الخام، وتقلل من نفقات الطاقة وغيرها. ومع تطور الخدمات المعلوماتية في المجتمعات لابد أن تحدث تغييرات جوهرية من حيث تكثيف الاعتماد على النواحي العلمية وتركيزها. وهو ما نلمسه من خلال إلقاء نظرة سريعة لما يجري في هذا المجال في الدول الأوروبية الآخذة في الانتقال الحثيث نحو المجتمع المعلوماتي الآخذ بالتطور بشكل ملحوظ فيها، حيث نلاحظ أن أكثر من النصف (55%) من الموارد في الصناعة المعلوماتية خصصت لتشكيل الموارد المعلوماتية، بينما خصصت 45% فقط لإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ بينما بقيت الهوة في ازدياد واتساع في صناعة وسائل الاتصال التي خصص 80% منها لقطاع خدمات الاتصال، و20% فقط خصصت لإنتاج وسائل الاتصال.[39]
وكما هو معروف فإن كل خصائص المجتمع الإعلامي مرتبطة إلى حد ما بطبيعة العولمة الآخذة بالتشكل والاتساع التدريجي لتشمل العالم بأسره، من خلال إصرارها على إزالة الحدود والحواجز بين الدول والمجتمعات، لتبدل جذرياً من تركيبة الاقتصاد العالمي الذي أخذ بالتحول التدريجي إلى اقتصاد السوق المفتوحة. وهنا تبرز حاجات تحقيق الذات القومية التي تتطلب من الجميع مراعاة أمن ومصالح كل دولة من الدول في ظروف العولمة، وفي نفس الوقت إيلاء أهمية خاصة لتطور البنى التحتية الإعلامية الوطنية والقومية، لتأمين دخولها الفاعل والمتساوي إلى ساحة المعلوماتية الدولية.[40]
وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية والدولة القومية
يتحدث الكثيرون اليوم عن اضمحلال الدولة القومية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. بينما يختلف معهم البعض الآخر عندما يؤكدون أن المعلوماتية تأتي في إطار الدول والقوميات، لأن المجتمع الإعلامي أساساً يحمل في طياته عناصر قومية عابرة للقوميات، تتخطى الحدود القومية عبر النشاطات العالمية للمؤسسات المالية والاقتصادية والسياسية الدولية، والاتحادات والشركات متعددة الجنسيات. ومن الأمثلة الواقعية للتطور الناجح للمجتمع المعلوماتي في إطار الدولة القومية: فنلندا، والسويد، والدانمرك، وغيرها من الدول الاسكندينافية التي تملك كل منها نظاماً متزناً خاصاً بها، لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الوطنية كاف لحماية خصائصها القومية الخاصة بها في إطار العولمة والمجتمع المعلوماتي.
أما فيما يتعلق بالشبكات العابرة للقوميات، فإن تلك الدول تشجع قيام جماعات محلية من مختلف الشرائح الاجتماعية، وطبعاً من بينها النخبة المثقفة ورجال الإعلام للحوار ومخاطبة مثيلاتها من النخب المثقفة ورجالات الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، واليابان والصين، وغيرها من دول العالم، بغض النظر عن المسائل القومية الخاصة بتلك النخب. ويؤدي هذا الحوار وبشكل عفوي إلى ظهور اتحادات إعلامية عابرة للقوميات بين المتحاورين، تتطور تلقائياً وتتعزز نشاطاتها مع اتساع رقعة حوارها عبر الدول القومية. ومن هنا يرى البعض أن حوار كهذا في بعض الأحيان قد يكون صعباً بسبب التناقضات العميقة والصعبة الحل بين بعض الجماعات القومية المتشددة، وهو ما يوحي بأن العولمة ليست حلاً للمشاكل القومية المستعصية، بل هي أسلوباً متقدماً للحوار الذي قد يساعد على إزالة العقبات عن طريق التفاهم بين تلك الجماعات، وبالتالي إزالة مشاكل التطور القومي بالحوار الواعي والبناء في إطار المجتمع المعلوماتي المفتوح، ولوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية طبعاً دوراً هاماً يجب أن تلعبه فيه.
شبكة الانترنيت العالمية والمجالات الإعلامية للدول النامية
ومن المعروف أن أوضاع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية في الدول النامية في وضع لا تحسد عليه، وحتى في بعض الدول الأقل تطوراً من الدول المتقدمة، ولا نبالغ إن قلنا أن من بين تلك الدول دولة عظمى سابقة هي الفيدرالية الروسية ومعظم الدول المستقلة حديثاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق والمعسكر الشرقي الذي كان يقوده. فعدد نسخ الصحف الصادرة في تلك الدول منخفض جداً، يرافقه انخفاض مستمر في عدد قراء الصحف، بسبب ارتفاع أسعار الصحف اليومية والإصدارات الدورية الأخرى بالمقارنة مع نسبة الدخل الفردي للمواطن في تلك الدول. لتبقى الخدمات الإعلامية المقدمة للمواطنين بذلك حكراً على الإذاعتين المسموعة والمرئية دون غيرها من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية الأخرى. ويمكننا هنا إضافة احتكار استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة وشبكات الاتصال الحديثة ومنها شبكة الانترنيت العالمية من قبل فئة محدودة جداً من القادرين على الإنفاق على مثل تلك الوسائل والتقنيات المتطورة باهظة التكاليف مقارنة بمستوى دخل الفرد المتوسط. وضمن تلك الفئة المحدودة طبعاً دور النشر وإدارات وسائل الاتصال والإعلام التقليدية المطبوعة والمسموعة والمرئية القادرة على تحمل تلك النفقات، وهي الوسائل التقليدية التي ستبقى على المدى المنظور المصدر الأكثر منالاً للمعلومات، للأكثرية المطلقة من شرائح الساحة الإعلامية في تلك الدول، ومصدراً شبه مجاني للدول المتقدمة عبر نوافذ تلك الوسائل التقليدية في شبكة الانترنيت، رغم أن تلك الوسائل لم تلعب الدور المنتظر منها في مجتمعاتها بشكل كامل منذ إنشائها وحتى الآن، حسب تعبير البروفيسور ياسن زاسورسكي، عميد كلية الصحافة بجامعة لومونوسوف الحكومية بموسكو.[41]
والمشكلة أن المجتمع المعلوماتي آخذ بالتطور والتوسع والثبات في دول العالم المتقدم، والتأخر عنه يزيد من هوة التخلف عن الركب الحضاري الإنساني سريع التطور، إن لم تتخذ حكومات تلك الدول إجراءات عاجلة تؤدي إلى تحقيق نقلة نوعية في البنى التحتية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية فيها. عن طريق إقامة البنية التحتية الأساسية الحديثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وإعداد الأجيال الناشئة وتمكينها من استخدام تقنيات وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة التي تكفل دخولها المتكافئ إلى المجتمع المعلوماتي الدولي الذي تفرضه العولمة وتجعله حتمياً لا مفر منه. مما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل يكتب لوسائل الاتصال و الإعلام الجماهيرية في الدول الأقل حظاً أن تعيش في ظل العولمة ؟
والجواب على هذا السؤال يكمن في أن تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة فتحت آفاقاً جديدة تماماً للحصول على المعلومات، وهو ما غير بشكل جذري اللوحة الاتصالية التقليدية، وفتح آفاقاً جديدة أمام عملية إيصال ونشر المعلومات. وظهرت قنوات وسبل جديدة، وتشكلت قنوات جديدة عديدة للحصول على المعلومات. وباتت الوسائل التقليدية كالصحف، والإذاعتين المسموعة والمرئية، واحدة من بين الوسائل غير التقليدية عبر شبكات المعلومات الدولية وخاصة شبكة الانترنيت وبنوك المعلومات المرتبطة بها. حيث تشكلت حالة تمكن معها الفرد من الحصول على المعلومات غير الجماهيرية وتبادلها بصورة فورية ودون عوائق. وهو ما دفع بالبعض للتنبؤ بانحسار دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية، ولو جزئياً مع التركيز على استخدام وسائل نقل المعلومات الحديثة. الوضع الذي طرح للنقاش وبحدة موضوع مستقبل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية وإمكانية احتفاظها بوجودها ودورها في المجتمع المعلوماتي المفيد لحملات العلاقات العامة. والطريقة التي يمكن أن تكيف تلك الوسائل نفسها في الظروف الجديدة الناشئة عن الانتقال من تقديم الخدمات الإعلامية للمجتمع إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح على العالم.
ولكننا نعتقد هنا أنه من الضروري النظر إلى المشكلة مثار النقاش من الناحية الموضوعية واقعياً، ومن خلال التركيز على بعض الخصائص الهامة التي يتميز بها دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية من خلال وظيفتها الاجتماعية التي لا بد وأن تستمر حتى بعد الانتقال إلى المجتمع الإعلامي. فلوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية دور بارز وهام في مختلف المجتمعات، عن طريق تقديمها للخبر والتحليل عن الأحداث والنشاطات الرسمية، ونشاطات المجتمع بمنظماته وتشكيلاته المختلفة، وتسليط الضوء على النجاحات والإخفاقات الاقتصادية السياسية وغيرها، والأحداث على الساحة العالمية. وقد بدأت هذه الوظيفة بالتبلور بعد الإجراءات الدستورية والتشريعية التي ضمنت حقوق الإنسان وحرية الكلمة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم المتقدم منذ عدة قرون. ورافقت تلك الإجراءات الديمقراطية عملية ظهور الصحافة المقروءة في تلك الدول وساعدت تلك الإجراءات بشكل عام على تطور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية تباعاً.[42]
أما المجتمع المعلوماتي المنفتح، فهو يتناقض مع المجتمع الشمولي الذي يقيد المجتمع بشدة، ويقيد حرية الكلمة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ويؤمن الانفتاح الإعلامي، ويتيح الوصول إلى المعلومات بشتى السبل، بما فيها حرية الوصول إلى المعلومات الرسمية وشبه الرسمية المفتوحة. لتصبح عملية الحصول على المعلومات وعملية التبادل الإعلامي في المجتمع المعلوماتي أداة تخدم المجتمع، وحقيقة ملموسة تخدم تقدم المجتمع ومنعته لو أحسن استخدامها. ومع ذلك فإننا نرى فعلاً أن ظهور شبكات المعلومات الإلكترونية الدولية وخاصة شبكة الانترنيت وما رافقها من تشييد وانتشار بنى تحتية للمعلومات الإلكترونية عبر العالم، رافقه انخفاض ملحوظ لدور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية. وأوضاعاً تهدد فعلاً بانقسام المجتمع إلى مجموعة كبيرة تحصل على المعلومات من خلال الصحافة المطبوعة رخيصة الثمن، والإذاعتين المسموعة والمرئية. ومجموعة محدودة جداً في المجتمع تحصل على المعلومات من شبكات المعلوماتية والاتصال الإلكترونية الحديثة وقنوات المؤسسات الإعلامية الضخمة عبر شبكة الانترنيت باهظة التكاليف في الدول النامية والأقل حظاً. مما جعل الكثيرين من الباحثين يرون في ذلك خطراً يهدد الديمقراطية في العلاقات الدولية ومن بينهم بروفيسور جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية شاليني فينتوريللي الذي أشار إلى تشعب وانقسام المجتمع في الكثير بالمقارنة مع الأوضاع التي سبقت ظهور المجتمع المعلوماتي.[43]
وفي الحقيقة فإن تطور المجتمع المعلوماتي يأتي معه بأخطار اجتماعية جديدة غير متوقعة، ولا بد من البحث عن طرق لحلها، وتجاوزها قبل استفحالها واستعصاء حلها. ومن أهم تلك الأخطار الصراعات الجديدة الناتجة عن التقسيم المتسع للسكان وفق درجة اشتراكهم وفعالية مشاركتهم في الوسط المعلوماتي. وخطر ازدياد الهوة بين الأغنياء معلوماتياً (الدول المتقدمة)، والفقراء معلوماتياً (الدول النامية ومن بينها الدول العربية والإسلامية)، وبين الشرائح الاجتماعية التي تشكل المجتمع الواحد، وهي الفروقات التي دفعت بالاتحاد الأوروبي للتفكير الجدي بإعداد برامج خاصة موجهة نحو الحد من تلك التناقضات داخل المجتمع الأوروبي المتقدم نفسه.[44] وهي الفروقات نفسها التي أخذت تظهر بحدة في بعض الدول المتقدمة والغنية، وفي دول العالم الأقل حظاً والدول النامية والفقيرة. ضمن إطار ما يعرف بدول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة. إضافة للتناقضات داخل الدول نفسها والتي تدور ضمن إطار التركيبة الاجتماعية الداخلية، ومنها التناقض بين الشرائح المثقفة القادرة على التعامل مع التقنيات الإعلامية الحديثة، والشرائح محدودة الثقافة أو شبه الأمية أو الأمية العاجزة عن التعامل مع تلك الوسائل، والتناقض بين القادرين على شراء أجهزة الاتصال الحديثة، والقادرين على ربط تلك الأجهزة بشبكات المعلومات الدولية، وأولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى تلك الأجهزة واستعمالها عند الحاجة، وأولئك الذين لا يملكون تلك الإمكانية بتاتاً.
إضافة للتناقضات حتى داخل الأسرة الواحدة والمتمثلة بالتناقض بين كبار السن الذين يستخدمون في بعض الأحيان خدمات الحاسب الإلكتروني الشخصي وشبكة المعلومات الدولية الانترنيت دون الإلمام بالتكنولوجيا الحديثة التي يستخدمونها فعلاً، وجيل الشباب الذين يقضون معظم أوقاتهم ليلاً ونهاراً أمام شاشات الحاسب الآلي الموصولة بشبكة الانترنيت. ويبدوا هذا التناقض أكثر حدة في الأوساط الطلابية وخاصة طلاب السنوات الأخيرة من الدراسة الجامعية في الدول الأقل حظاً من دول العالم، ناهيك عن طلاب معظم الدول النامية والفقيرة الذين يجيدون نظرياً على الأقل استخدام التكنولوجيا الحديثة، والتعامل مع شبكات المعلومات الدولية ومن بينها طبعاً شبكة الانترنيت نتيجة لدراستهم مبادئ التعامل مع تكنولوجيا المعلومات الحديثة في الجامعة، ويحتاجون لمعلومات شبكات المعلومات الدولية لمشاريع تخرجهم، ولكنهم لا يملكون إمكانية الوصول الكافي لتلك الشبكات. وقد أبرزت إحدى الدراسات أن نسبة ضئيلة جداً من طلاب كلية الصحافة بجامعة موسكو تملك إمكانيات الوصول لأجهزة وشبكات المعلومات والاتصال الحديثة، وأن أكثر من 70 % من طلاب السنة الأولى من طلاب الجامعات في روسيا لا يملكون مثل تلك الإمكانية عملياً،[45] وهي من الدول التي لا تنتمي للدول الغنية في مجال تقنيات الإعلام الحديثة نوعاً ما، وتعاني من مشاكل في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة.[46]
وهذا الوضع يشمل تقريباً كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الوسطى والشرقية الأقل تطوراً عن مثيلاتها الأوروبيات. وقد ظهر هذا جلياً في الأبحاث الميدانية الاستكشافية عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة في خمس دول من المعسكر الشرقي السابق وهي: بولونيا وبلغاريا وهنغاريا ورومانيا وروسيا. وتم من خلالها اكتشاف أن مصادر المعلومات في روسيا مثلاً موزعة بين عدة مصادر وفي أكثر الأحيان تحمل طابع الشكلية والعرضية. وظهر أن الإدارة المركزية للإحصاء في روسيا الاتحادية لا تقوم بإحصاء أجهزة الحاسبات الإلكترونية ولا أجهزة الهاتف المحمولة، ولا الأجهزة الموصولة فعلاً بشبكة المعلومات الدولية الانترنيت. وتقوم بإعطاء معلومات سطحية تقول أنه في روسيا الاتحادية هناك حاسب إلكتروني شخصي واحد لكل 10000 نسمة تقريباً، وطبعاً مثل هذه الإحصائيات ليست دقيقة ولا تفيد عملية البحث العلمي. وقد أثبتت نتائج الأبحاث التي جرت، أن الوضع يتفاوت من منطقة إلى أخرى، وأن من أكثر المناطق استيعابا لتكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة هي: العاصمة موسكو، وسانت بطرسبرغ، إضافة لمقاطعة ناديم التي تملك كل ثالث عائلة فيها حاسب إلكتروني شخصي نتيجة لعائدات النفط والغاز في المقاطعة. ومنه استنتج الباحثون أن روسيا وتلك الدول التي أشرنا إليها تعاني من خلل إعلامي واضح، إضافة لانعدام الجهود المخلصة لتطوير البنى التحتية الإعلامية الحديثة التي تعتبر المدخل الأساسي للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي، وأن الرأي العام داخل الفيدرالية الروسية غير مهيأ بعد لتقبل تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال الحديثة.
ويورد البروفيسور زاسورسكي في إحدى مقالاته مثالاً آخر عن الخلل الإعلامي في الفيدرالية الروسية استمده من القاموس الموسوعي الموجز الصادر في موسكو عام 1998، الذي لم يجد فيه أي ذكر أو أي تعريف أو إشارة لشبكة المعلوماتية الدولية الانترنيت، وعدم قيام الناشر في تحديث وترشيد المعلومات الواردة في القاموس، واكتفائه بالمعلومات القديمة الواردة في الطبعات السابقة فقط، وهو ما يثبت حسب رأيه واقع مصادر المعلومات التقليدية التي تسيطر على الوعي الجماهيري في روسيا. وفي نفس الوقت تعكس عدم اهتمام الأوساط العلمية والرسمية الروسية بمشاكل المجتمع المعلوماتي، التي أصبحت تشكل عنصراً هاما من العناصر التي تعيق المجتمع المعلوماتي وتعيق التطور اللاحق في مجالات الحياة الاقتصادية والمالية والتعليم والثقافة وغيرها. ومن هنا نستطيع أن نضع تصوراً للواقع الأكثر تخلفاً في الدول النامية والفقيرة على الإطلاق.
مشاكل يواجهها المجتمع المعلوماتي في الدول النامية
وهنا لابد أن نعترف بأن الثورة المعلوماتية والعولمة الإعلامية قد جلبتا معهما ملامح المجتمع المعلوماتي إلى الدول النامية، ذلك المجتمع الذي تتحول فيه الخدمات الإعلامية المتاحة لكل الشرائح الاجتماعية من مجرد خدمات إلى أعصاب وشرايين تتحكم بحياة المجتمع وتقدمه. ولابد أيضاً من الاعتراف بأنها جلبت معها العولمة الاقتصادية سريعة الانتشار، وجاءت بالخطر الأساسي الذي يهدد عملية تطور الإنتاج في الدول النامية والأقل نمواً في العالم ومن بينها الدول العربية والإسلامية، وأنها عززت من سلطة الاحتكارات والاتحادات الإنتاجية والصناعية والاقتصادية والمالية العالمية، وأصبحت تلك السلطة تهدد أمن وسلامة المجتمع والبيئة في الدول النامية والأقل تطوراً على السواء، وأصبحت تهدد بانتشار البطالة وتقليص فرص العمل التقليدية المتوفرة عالمياً. وهو وضع أشبه ما يكون بالوضع الذي رافق الثورة الصناعية في الدول الأوروبية المتقدمة.[47] وهو وضع تستفيد منه الدول المتقدمة فقط ويصب في مصلحة اقتصاد الدول الأكثر تطوراً، والاحتكارات الدولية والشركات متعددة القوميات، إن لم تحسن الدول النامية والأقل نمواً التصرف خلال الفترة الانتقالية التي قد تمتد وقد تقصر حسب الظروف. وهذا التصرف مرتبط كما نرى بمدى تجهيز البنى التحتية لوسائل الاتصال والإعلام التقليدية والموارد الإعلامية وتحديد قنواتها ومضمونها. وتهيئة المجتمع للتعامل مع الظروف الجديدة التي أصبح لا مفر منها، ومحاولة توظيفها بالشكل الذي يخدم رفاهية المجتمع، ويعزز الديمقراطية والسلطة الوطنية والاقتصاد الوطني.
ومن الطبيعي أن تظهر في ظروف استخدام شبكات المعلومات الدولية أشكالاً جديدة من التعديات وحتى حالات من العدوان الثقافي تهدد فيه الدول الأكثر تقدماً الأمن الإعلامي وثقافة الدول النامية والأقل تطوراً، بما يلوح بخطر ضياع الثقافات والخصائص والملامح القومية لمجتمعات بأكملها، وتهدد بضياع الخصائص اللغوية المميزة للأمم الضعيفة.[48] وتنتشر عملية فرض وتعويد الإنسانية على عادات استهلاكية تتفق ومصالح مجموعة ضيقة من الاحتكارات والشركات متعددة القومية. وكلها تتطلب من الدول النامية والأقل تطوراً تحصين وإعداد مجتمعاتها المحلية لمواجهة أخطار الانفتاح الإعلامي، وتدريبها على الطرق الفاعلة لمواجهة هذه وغيرها من أخطار العولمة والانفتاح، والمشاركة الإيجابية في عملية إنشاء المجتمع المعلوماتي الذي يحمي المصالح الوطنية وينفتح على المجتمعات الأخرى أخذاً وعطاء، ويجنب تلك الدول خطر الانغلاق على الذات الذي يفوق خطره أخطار العولمة نفسها.
وهي الأخطار التي تجاوزت عملياً خطر الانتشار الواسع لثقافة الشاشة الفضية الصغيرة أحادية الجانب، لتقف وجهاً لوجه أمام أخطار الساحة المعلوماتية العاملة باتجاهين، والتي يلعب فيها الفرد دور المتلقي ودور المرسل في نفس الوقت، بانفتاح على العالم دون حدود، مما خلف مشاكل وأثاراً نفسية واجتماعية لا حصر لها، إن لم نضف إليها خطر الخلط بين كم المعلومات الهائل الذي يتعرض له الفرد الذي أصبح عاجزاً تقريباً عن التمييز بين الواقع والخيال في مضمون هذا الكم الهائل من المعلومات، وعاجزاً عن حماية نفسه من أخطارها.[49]
ومع إمكانية الوصول السهل للشبكات المفتوحة المليئة بالمعلومات تظهر مشاكل ضرورة الحد من إمكانية الوصول للمعلومات التي تشكل خطراً على المجتمع والثقافة والاقتصاد. إضافة إلى مشكلة انتشار المعلومات الشخصية على الشبكات الإلكترونية، ومشكلة النخبة الإعلامية، التي تحظى بإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا وموارد المعلومات بما يحقق لها التفوق الإعلامي دون الشرائح الأخرى في المجتمع الواحد، ومشكلة احترام حقوق التأليف وحقوق منتجي المعلومات الإلكترونية. ولحل مثل تلك المشاكل وغيرها في المجتمع المعلوماتي لابد من تضافر الجهود الحقيقية للمتخصصين في كل المجالات في إطار الدول القومية، وإطار الجزء المتضرر في عالم اليوم، وبعلاقة إيجابية منفتحة على العالم المتقدم.
شروط بناء المجتمع المعلوماتي في الدول النامية
وهذا التعاون يمكن أن يتم من خلال تحقيق الشروط الأساسية لبناء المجتمع المعلوماتي والتي تتلخص في:
تشكيل ساحة معلوماتية عالمية موحدة. وتعميق عمليات التكامل الإعلامي والاقتصادي للأقاليم والدول والشعوب؛ وإنشاء القاعدة المادية المعتمدة على منجزات التكنولوجية الحديثة، ومنها تكنولوجيا المعلومات، وشبكات الحاسب الآلي، وشبكات الاتصال المسموعة والمرئية عبر الأقمار الصناعية، ووضعها في خدمة الاقتصاد الوطني، الذي لا بد وأن يعتمد على استخدام تكنولوجيا المعلومات وإمكانياتها الواعدة؛ وإنشاء سوق المعلومات واعتباره أحد عوامل الإنتاج مثله مثل الموارد الطبيعية، وقوة العمل، ورأس المال، لأن الموارد المعلوماتية هي من موارد التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والعمل على تلبية الحاجات الاستهلاكية للمجتمع من المنتجات والخدمات الإعلامية؛ وتطوير البنية التحتية للاتصالات المسموعة والمرئية، والمواصلات، وتنظيمها؛ ورفع مستوى التعليم بمستوياته وتخصصاته المختلفة، وتطوير العلوم والتكنولوجيا والثقافة من خلال توسيع إمكانيات نظم تبادل المعلومات على المستوى القومي والإقليمي والعالمي، ورفع مستوى الكفاءة المهنية وتشجيع المواهب الإبداعية؛ وتوفير سبل حماية الأمن الإعلامي للفرد، والمجتمع، والدولة؛ ووضع السبل الكفيلة باحترام وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة في حرية الوصول والحصول على المعلومات وتوزيعها كشرط من شروط التطور الديمقراطي.[50]
وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة السعي أثناء تشكل المجتمع المعلوماتي، نحو تعميم مهارات استخدام المنجزات التقنية والتكنولوجية لوسائل الاتصال والإعلام الحديثة على جميع أفراد المجتمع، لتمكينهم من الاستفادة والتعامل مع الخدمات الإعلامية المتاحة لهم، والتي لابد أن توفر شروط التنافس الشريف بين المؤسسات الإنتاجية والخدمية قدر الإمكان. والعمل على توفير أقصى قدر ممكن من التكامل بين الشبكات المعلوماتية الوطنية والقومية والإقليمية والدولية من خلال تطوير وسائل الاتصال ونقل المعلومات المرئية والمسموعة وتحديثها بشكل دائم. وطبعاً تحقيق هذا الطلب لا يمكن أن يتم بجهود حكومية فقط، بل بتضافر جهود كل الشرائح الاجتماعية والقطاعين العام والخاص، وجهود المؤسسات العلمية والهيئات والمنظمات الشعبية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية.
وتطور المجتمع المعلوماتي يجر وراءه توفير فرص عمل جديدة، لم تكن معروفة من قبل وتحتاج لإعداد مهني خاص رفيع المستوى، وإلى إعادة تأهيل الكوادر المهنية القائمة على عملها بشكل دائم. وهو ما يفرض الحاجة لتنظيم حملة وطنية تعليمية شاملة ودائمة، يشترك في إعدادها وتنفيذها كافة الإدارات والمؤسسات الحكومية والعامة والخاصة والمنظمات المهنية والشعبية، ومؤسسات التعليم والبحث العلمي والعلاقات العامة والهيئات الاستشارية وغيرها.
ولضمان نجاح الحملة التعليمية الوطنية لابد من ضمان حصول المشاركين في الدورات القائمة على المعلومات الجديدة في هذا المجال، واستخدام أحدث المنجزات التكنولوجية في مجال الإعلام والاتصال، وإدخال الإعلام المرئي ضمن وسائل التعليم عن بعد، والتوسع في تحديث نظام تأهيل وإعادة تأهيل المعلمين والمحاضرين والمدربين القائمين على الحملة الوطنية التعليمية الدائمة والشاملة، لإعداد وتهيئة الإنسان القادر على تقبل واقع المجتمع المعلوماتي. ولابد أيضاً من تدخل الدولة من أجل وضع مستوى مقبول من الأجور والتعرفات الخاصة باستخدام، وخدمات شبكات المعلوماتية والاتصالات الوطنية والإقليمية والدولية. ووضع تعرفات مخفضة خاصة لمؤسسات البحث العلمي ومؤسسات التعليم العالي والجامعي وما قبل الجامعي والطلاب والمدرسين، والعاملين في هيئات العلاقات العامة وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية.
ومن الشروط الضرورية لنجاح الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي، الاستمرار في إجراء واستكمال الأبحاث العلمية الجارية في مجالات تقنيات وتكنولوجيا ووسائل الاتصال والإعلام والعلاقات العامة وتطويرها، والعمل على تطبيق نتائجها في مختلف مناحي الحياة وخاصة فروع الاقتصاد الوطني مع مراعاة حاجة ومتطلبات السوق الإعلامية المحلية. والأخذ بنتائج تلك الأبحاث لدى وضع البرامج الخاصة بتطوير عملية إدخال واستخدام المعلومات العلمية والتقنية في خدمة المجتمع الإعلامي. ومراعاة حاجة جميع الشرائح الاجتماعية من المعلومات الإلكترونية المفتوحة للاستخدام العام، ونوعية وخصائص المعلومات الإلكترونية ذات الاستعمال الخاص والمعنية بالمعلومات الرسمية، وبأسرار الأبحاث العلمية الهامة، والأسرار التجارية والمالية والاقتصادية وكل ماله علاقة بالأمن القومي والإعلامي والمصالح الوطنية العليا، وأخذها كلها بعين الاعتبار عند العمل على توحيد مقاييس الانفتاح والتكامل مع الشبكات الإعلامية الإلكترونية القومية والإقليمية والدولية في ظروف العولمة، وعدم الاكتفاء بالنوايا الطيبة وحدها فيما يتعلق بالساحة الإعلامية المنفتحة.[51]
الشخصية أو الذات الفردية في المجتمع المعلوماتي
ويتحدث الكثيرون ممن تناولوا موضوع الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي عن حتمية هذا الانتقال. ويعتبرون المجتمع المعلوماتي، الأكثر ملائمة لتبادل ونقل المعلومات بانفتاح كامل ودون أية عوائق، بين مواطني المجتمع الواحد، والمجتمعات الأخرى. ويعتبر البعض أن المجتمع المعلوماتي ينقذنا أخيراً من الاحتكار الإعلامي ! ومن استغلال الاحتكارات الإعلامية الدولية ! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ألا يساعد ذلك على ظهور أنواعاً جديدة من الاحتكارات المسيطرة على شبكات نقل المعلومات الدولية ؟ ومنها مثلاً على سبيل المثال احتكار المتمكنين فقط لاستخدام شبكات المعلوماتية الإلكترونية الحديثة عالية التكاليف، بما ينبئ بتحولها إلى وسيلة للحوار بين شرائح معينة داخل كل مجتمع، وبين المجتمعات المختلفة.
ومن نظرة إلى السيل الجارف للمعلومات التي تحملها شبكات المعلوماتية الإلكترونية، نرى أنها تحمل سيلاً جارفاً من المعلومات التجارية والمالية، ونشرات أسعار البورصات العالمية، وأسعار الأسهم، ونشرات أسعار صرف العملات الأجنبية، وخدمات شركات التأمين، والإعلانات المختلفة، وحركة وسائط النقل البري والبحري والجوي، وخدمات شركات النقل، ونشرات الأحوال الجوية، وكلها معلومات تهم أساساً رجال الأعمال، وكلها طبعاً تسرع من عملية تطور وتكامل النظم المالية في الدول المختلفة سلباً وإيجاباً في آن معاً.
وهنا تظهر بحدة مشكلة الإدارة والتحكم بسيل المعلومات المتدفق إلى داخل المجتمع المعلوماتي، والمفترض أن تكون مفتوحة وحرة ولا تتعرض لأية حواجز أو عوائق. فأسلوب التحكم من الأعلى إلى الأسفل لا يصلح إذاً للمجتمع المعلوماتي. لأنه من المستحيل فيه تعميم المعلومات من خلال مركز واحد، لأن شبكات المعلومات الإلكترونية هي شبكات منفتحة ومتعددة الأطراف.
وشبكات المعلومات الإلكترونية تقدم المعلومات الواردة من شتى الاتجاهات والمستويات المختلفة إلى حد كبير، ويلبي هذا التنوع حاجات إقامة أساس لبنية كل خلية من خلايا شبكات تبادل المعلومات. ولكن هذه الخلايا والشبكات ليست بالضرورة بنى ديمقراطية تحترم فيها حقوق كل الأطراف المشاركة فيها. ومن الطبيعي جداً أن تطغى معلومات شرائح النخبة بإمكانياتها المادية والتقنية والتكنولوجية على المجال الإعلامي لتلك الشبكات، بحيث تصبح شبكات شرائح النخبة المسيطرة التي تحظى بمجال أكبر للحركة ونشر المعلومات داخل المجتمع المعلوماتي العالمي المنفتح. وهو ما يدعو مؤسسات العلاقات العامة الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية للتركيز في جهودها والعمل الجاد والجماعي لأخذ موقعها المبادر في ذلك المجتمع الجديد الذي أصبح يطرق الأبواب.
الخاتمة
ومما سبق نرى أن الولوج إلى المجتمع المعلوماتي مرتبط بالعولمة الإعلامية التي تهيمن فيها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول المتقدمة، ولا يمكن مواجهة أخطارها في دول العالم الثالث، والدول العربية والإسلامية عن طريق الانغلاق أو منع التدفق الإعلامي الخارجي، وإنما من خلال تحصين المتلقي أينما كان وزيادة وعيه وإدراكه في مواجهة سيل المعلومات والإعلام الجماهيري المتدفق من الدول المتقدمة، بحيث يستطيع المتلقي العربي كغيره من المتلقين في دول العالم الثالث الاستفادة من إيجابيات الإعلام الخارجي، وخاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وتحييد سلبياته التي تستهدف كيان الإنسان ووجدانه، كما أنه من الضروري زيادة قدرة وسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية على المنافسة على الساحة الدولية. ويأتي هذا عن طريق حملات العلاقات العامة والتركيز على كل المجالات والقضايا المهمة التي تمس وجهة النظر والمصالح العربية والإسلامية من مختلف القضايا العربية والإسلامية والعالمية، وعدم الاكتفاء بنقل المواقف ووجهات النظر العربية والإسلامية إلى الرأي العام المحلي فقط كما هي الحال في الوقت الراهن، بل مضاعفة التركيز على الرأي العام العالمي في عملية النقل تلك دون تحريف أو تشويه بشأن تلك القضايا الهامة والملحة من وجهة النظر العربية والإسلامية، والتصدي للمغالطات والأكاذيب والافتراءات التي تنشرها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول المتقدمة ضد المصالح العربية والإسلامية.
وأخيراً فإنه هناك دور حقيقي ومهم ينبغي على حملات العلاقات العامة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية والإسلامية أن تقوم به مجتمعة على المستوى الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والعلمي القومي استمراراً لدورها الرائد والطليعي في خدمة القضايا الوطنية والدفاع عن القيم الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الأمتين العربية والإسلامية، ومنها أن تخوض وسائل الاتصال والإعلام العربية التقليدية والحديثة على السواء، المعركة الإعلامية الدولية بهدف توضيح الحقائق الأساسية الناتجة عن أزمات النفط وأسعاره التي تسببها الاحتكارات والدول المتقدمة المستهلكة للنفط والتي تخلق مشاكل كثيرة للدول المنتجة للنفط وخاصة دول الخليج العربية التي يعتمد اقتصادها وخططها التنموية أساساً على الموارد النفطية. والصراعات الحدودية مع دول الجوار التي خلفها الاستعمار الأوروبي وتغذيها وتؤججها بعض القوى الخارجية التي لها مصلحة في إبقاء التوتر وعدم الاستقرار في العالمين العربي والإسلامي، والصراع التاريخي والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وفضح ممارسات العدوان الإسرائيلي المستمر والمتعاظم ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام، جنباً إلى جنب مع خوض المعركة للمطالبة بالتطبيق الكامل لقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومناهضة التطبيع الاقتصادي والمهني والسياسي مع إسرائيل قبل اعترافها وإعادتها للحقوق العربية المغتصبة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
كما أنه من الضروري الدفاع عن حقوق ومصالح جميع الشعوب العربية والإسلامية والإسهام في إنهاء النزاعات والصراعات العربية – العربية، والعربية – الإسلامية، والإسلامية – الإسلامية، والعمل على تصفية نظام العقوبات المجحد الذي تعاني منه عدة أقطار عربية منذ سنوات طويلة، ومن بينها العراق قبل احتلاله، وليبيا قبل تصالحها مع الغرب، والسودان، لرفع الظلم والمعاناة الأليمة عن شعوب تلك الدول من جراء الحصار الطويل، عن طريق الحوار البناء الدائم والإيجابي مع الساحات الإعلامية الدولية ورموزها.
ويتطلب تحقيق تلك الأهداف حشد كل القدرات والإمكانيات الاقتصادية والعلمية والتقنية والمعرفية، والاستعانة بالإنجازات الحديثة لتكنولوجيا المعلوماتية وتقنيات الاتصال والإعلام المتطورة. ومن أجل هذا نكرر أنه لابد من إعداد الكوادر غير التقليدية المتخصصة والمدربة بشكل جيد للقيام بهذه المهمة على الصعيد الدولي، وتمكينها من التأثير على الرأي العام ليس المحلي فقط، بل والرأي العام العالمي في كل أرجاء العالم بما فيه التأثير الإيجابي على الرأي العام الإسرائيلي والمؤيد لإسرائيل. من خلال توضيح أهداف ومرامي الخيار الاستراتيجي للعرب الذين اختاروا هدف السلام العادل والحل السلمي للصراع المحتدم منذ أكثر من نصف قرن مضى.[52]
ولابد من تعزيز التعاون بين وسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية، والمؤسسات الإعلامية والعلاقات العامة مع دول الجوار للدول العربية والإسلامية من خلال دعم كل صور التبادل العلمي والفكري والثقافي على المستوى القومي معها، وهي مهمة تقع في رأيي على عاتق أصحاب القرار السياسي في الدول العربية والإسلامية، واتحاد الصحفيين العرب، ومعه كل المنظمات الإعلامية العربية والإسلامية المعنية للاضطلاع بالمهام القومية في المجال الإعلامي والفكري والعلمي، والعمل على تعزيز قدرة وسائل الاتصال والإعلام العربية على إرساء أسس السلام وتعزيز الأمن والاستقرار داخل العالم الإسلامي وفي المنطقة العربية وفي العالم أجمع، دون إغفال أهمية التعاون الإيجابي مع الاتحادات والمؤسسات الإعلامية العالمية المعنية بتقدم الإعلام وحرية التعبير والثقافة، وهي مسألة تأخر فيها العرب كثيراً حسب رأي الصحفي وأرى أنه لابد من وضع برنامج منطقي وواقعي على المستوى العربي لتحقيق التعاون والتنسيق في العمل، بالشكل الذي يتعزز فيه مشاركة الصحفيين من خلال نقاباتهم المهنية ومؤسساتهم الإعلامية في المنابر الإعلامية والمهنية العالمية، ومشاركتهم الفاعلة في صناعة الخبر عن أهم الأحداث العالمية الجارية هنا وهناك. وقبل ذلك بطبيعة الحال، فإنه من الضروري تنمية علاقة المشاركة والتعاون البناء بين الأوساط الصحفية والدولة ومؤسساتها السياسية والدستورية في كل الأقطار العربية والإسلامية، على أساس من العمل المشترك لمصلحة الوطن والنهوض به قطرياً وعربياً وإسلامياً، وفي الوقت نفسه الاضطلاع بالمهام المطلوبة على المستوى الإقليمي والعالمي. وهذا يتطلب الإسراع في وضع وتطبيق برنامج إعلامي واقعي يضمن فاعلية أكبر لوسائل الإعلام العربية والإسلامية، ويضمن لها دوراً أكثر فاعلية يساعدها في أداء أدوارها المتنوعة في مجالات التوعية العلمية والاقتصادية والتقنية والمعرفية والتنويرية والتثقيفية والتربوية وفي التصدي لأعباء التنمية الشاملة. كما أنه سوف يساعد أيضاً على الارتقاء بوسائل الاتصال والإعلام العربية والإسلامية إلى مصاف كبريات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العالمية، وسوف يساعد بالضرورة على تمكين وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية والإسلامية من الأخذ بدورها الريادي والطليعي في كل القضايا الوطنية والقومية والإسلامية، وفي عملية الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح وليد العولمة وتداعياتها الإعلامية، بشكل أكثر إيجابية وفاعلية وتأثير.
المراجع المستخدمة في البحث
1. أحمد عبد الله: السيادة الوطنية في ظل التغيرات العالمية، تعليقات وأفكار للمناقشة. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 123/1996.
2. إبراهيم نافع: مستقبل الصحافة في مصر. // القاهرة: الأهرام، 29 يونيو/حزيران 2001، العدد 41843.
3. إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم. ترجمة: أ.د. محمد البخاري. جدة: السروات للطباعة والتصاميم، 1999.
4. إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الواحد والعشرين. ترجمة: د. مفيد قطيش. جدة: السروات للطباعة والتصاميم، 1999.
5. د. إحسان علي بوحليقة: تقنيات المعلومات وقضايا التنمية في الدول العربية. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
6. بسام زيود: د. بلال: تطوير الإعلام مسؤولية جماعية. // دمشق: الثورة، 15/5/2006.
7. بلال في مؤتمر وزراء إعلام الدول الإسلامية: ماضون بالتعاطي مع السلام ونؤمن بحوار الحضارات. جدة، السعودية. // دمشق: سانا، الثورة، 14 /9/2006.
8. حسام عبد القادر: البابا شنودة في لقاء مفتوح. // القاهرة: أكتوبر، العدد 1288، 1/يوليو 2001.
9. د. حمود عبد العزيز البدر: القنوات الفضائية: إيجابيات مشاهدتها وسلبياتها. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
10. خالد يوسف السلمي: العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الجماعة الأوروبية. الرياض: بحوث دبلوماسية. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1999.
11. خازن غ.س.: فوق حاجز اللغات. // موسكو: مجلة الولايات المتحدة وكندا، العدد 9/2000. (باللغة الروسية)
12. ريتشارد هيجوت: العولمة والأقلمة: اتجاهان جديدان في السياسات العالمية. أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1998.
13. زاسورسكي يا. ن.: المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/2_1.htm (باللغة الروسية)
14. سعود الفيصل وزير الخارجية ورئيس مجلس معهد الدراسات الدبلوماسية. كلمة في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
15. سعود عبد الحميد دهلوي: تأثير القنوات التلفزيونية الفضائية على البنية والعلاقات الاجتماعية – التأثيرات الأمنية على المجتمع. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
16. سليمان الخراشي: العولمة. الرياض: دار بلنسة، 1420 هـ.
17. سيونتيورينكو و.ف.: المجتمع المعلوماتي والمعلومات العلمية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_1.htm (باللغة الروسية)
18. د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: العولمة والتبادل الإعلامي الدولي. دمشق: دار علاء الدين، 1999.
19. صلاح سالم زرنوقة: أثر التحولات العالمية على مؤسسات الدولة في العالم الثالث. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 122.
20. طريق روسيا إلى المجتمع المعلوماتي (الأسس، المؤشرات، المشاكل، والخصائص). تأليف: غ.ل. صاموليان، د.س. تشيريشكين، و.ن. فيرشينسكايا، وآخرون. موسكو: معهد نظم التحليل في أكاديمية العلوم الروسية، 1997. (باللغة الروسية)
21. طلال محمد داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. // الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/1420 هـ – 2000 م.
22. د. عبد اللطيف العوفي، ود. عادل مرداد: نشأة ظاهرة الطرق السريعة للمعلومات: تطورها وانعكاساتها العربية والخليجية، مع رؤية مستقبلية. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
23. عبد الوهاب الحكمي: العولمة: معناها ومبناها ومفهومها في الثقافة العربية والإسلامية. // الرياض: صحيفة الشرق الأوسط، 27/10/1420هـ.
24. د. عبد القادر طاش: واقع الإعلام الخليجي في ظل ثورة التكنولوجيا والمعلومات، نحو رؤية إسلامية. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
25. علي راجح حميدان: الخليج وتحديات العولمة. // أبو ظبي: صحيفة الإتحاد، 24/4/1997.
26. غاكوف ف.: الحاسب الآلي على البخار. // موسكو: مودوس، 1999، العدد 2 (81). (باللغة الروسية)
27. كليمينكو س.، أورازميتوف ف.: وسط حياة المجتمع المعلوماتي. إفوي، ИФВЭ، МФТИ. – Протвино: РЦФТИ، 1995. (باللغة الروسية)
28. لقاء الرئيس الأسد مع الإعلاميين استمر ثلاث ساعات ونصف. // دمشق: الثورة، 16/6/2006.
29. ماريا معلوف: نحو إعلام عربي أكثر قدرة على الاستجابة لتحديات العصر. شؤون سياسية. // دمشق: الثورة، الخميس 4/5/2006.
30. د. محمد البخاري: الحرب الإعلامية والأمن الإعلامي الوطني. // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الثلاثاء 23 يناير 2001.
31. د. محمد البخاري: الأمن الإعلامي الوطني في ظل العولمة. // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الاثنين 22 يناير 2001
32. د. محمد البخاري: العلاقات العامة كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي، مقرر لطلاب الماجستير. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
33. د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. // دمشق: مجلة "معلومات دولية" العدد 65/ صيف 2000. ص 129 – 144.
34. د. محمد البخاري: وكالات الأنباء والصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. (باللغة الروسية)
35. د. محمد البخاري: مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب البكالوريوس. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 1999. (باللغة الروسية)
36. د. محمد نعمان جلال: العولمة بين الخصائص القومية والمقتضيات الدولي. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، عدد 145، يوليو 2001. ص 42-48.
37. د. محيي محمد سعيد: دور الدولة في ظل العولمة. الإسكندرية: مركز الإسكندرية للكتاب، 2004.
38. معروف سليمان: بلال يلتقي صحفيي (الثورة ): واجب الإعلام تسليط الضوء على الفساد. // دمشق: الثورة، الخميس 4/5/2006.
39. د. مصطفى المصمودي: شبكات الاتصال الدولية واقعها ومستقبلها. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
40. ميليوخين ي. س.: تكنولوجيا المعلومات والعمل الحر. موسكو: غارانت – بارك، 1997. (باللغة الروسية)
41. ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
42. نايف عبيد: العولمة والعرب. // بيروت: المستقبل العربي، العدد 120.
43. هيثم الكيلاني: العولمة والعسكرة وأثرها على العالم الإسلامي. // الرياض: مجلة الحرس الوطني، العدد 202.
44. وارتانوفا يي. ل.: النموذج الفنلندي على عتبة القرن الجديد. المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية الفنلندية في الآفاق الأوروبية. موسكو: جامعة موسكو الحكومية، 1999. (باللغة الروسية)
45. وارتانوفا يي.ل.: الاتحاد الأوروبي في البحث عن المجتمع المعلوماتي. // موسكو: فستنيك جامعة موسكو. سلسلة الصحافة. 1998، الأعداد 4 و 5. (باللغة الروسية)
46. يرشوفا ت.ف.: آفاق قضايا الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_5.htm (باللغة الروسية)
47. يرشوفا ت.ف.، خوخلوف يو.يي.: المجتمع المعلوماتي ومستقبل المكتبات // المعلومات التربوية، 1997، العدد 4. (باللغة الروسية)
48. Building the European Information Society for us all: Final policy report of the high-Level expert group, April 1997 / European Commission. Directorate- General for employment, industrial relations and social affairs. Unit V/B/4. - [Brussels, manuscript completed in April 1997]
49. Castells M. The Information Age. Economy, Society and Culture. Volume I. The Rise of the Network Society. - Oxford: Blackwell Publishers, 1996.
50. Information So city: Challenges for Politics, Economy and Society. - http://www.bmwi-info2000.de/gip/fakten/zvei e/index.html
51. Information Society: Concepts, Work Programme and Examples of Public and Private Initiatives.
52. Le Monde. Dossier et Documents. - 1997, Mai, No 254.
53. The Information Society and the Developing World: A South Africa Perspective (Draft 5, Version 5.1, April 1996).
54. The Global Information Infrastructure: Agenda For Cooperation / R. H. Brown, L. Inving, A. Prabhakar, S. Katzen. - [1994].
55. Vartanova E. National Infrastructure for the New Media in Russia // Changing Media and Communications / Ed. by Yassen N. Zassoursky and Elena Vrtanova. - Moscow: Faculty of Journalism/ICAR, 1998.
56. Venturelli S. Prospects for Human Rights in the Political and Regulatory Design of the Information Society // Media and Politics in Transition / Ed. by Jan Servaes and Rico Lie. - Leuven, 1997.
57. Wege in Informationsgesellschaft: Status quo und Perspekttiven Deutschlands im internationalen Vergleich / Fachverband Informationstechnik. - http://www.bmwi-info2000.de/gip/fakten/status/index.html
انتهت المراجعة والتعديل يوم الخميس 6/8/2009
هوامش
[1] للمزيد أنظر: د. عبد القادر طاش: واقع الإعلام الخليجي في ظل ثورة التكنولوجيا والمعلومات، نحو رؤية إسلامية. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995. ص 13-41.
[2] للمزيد أنظر: د. مصطفى المصمودي: شبكات الاتصال الدولية واقعها ومستقبلها. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995. 99-138.
[3] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 184. و
-
Bertrand R. Canfield, International public Relations, in International Communication, op. cit., pp. 384-385.
[4] للمزيد أنظر: وسائل الإعلام الجماهيرية في جمهورية أوزبكستان. وكالة أنباء "جهان"، طشقند 1997. ص 81-86. (باللغة الروسية)
[5] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 185. و
-
Ibid., p. 385.
[6] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 187. و
-
Roland L. Kramer, International Advertising Media, International Communication. Op. cit., pp. 346-349.
[7] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 188. و
-
Gordon E. Miracle, Client’s International Advertising Policies and Procedures, International Communication, op. cit., pp. 366-374.
[8] للمزيد أنظر: وسائل الإعلام الجماهيرية في جمهورية أوزبكستان. وكالة أنباء "جهان"، طشقند 1997. ص 81-86. (باللغة الروسية)
[9] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 188.
[10] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 196. وليدل هارت: الإستراتيجية وتاريخها في العالم. ترجمة: الهيثم الأيوبي. دار الطليعة، بيروت 1967. ص 408-409. وأندريه بوفر: مدخل إلى الإستراتيجية العسكرية. ترجمة: الهيثم الأيوبي. دار الطليعة، بيروت 1968. ص 45-46.
[11] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 198. و
-
B.E. Goetz, Management, Planning and control, Mc Grow-Hill Book Co., 1949. - J. Argenti, Corporate Planning, A practical Guide Edinburgh, G. Allen
[12] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 193. ود. محمد محمود الإمام: التخطيط من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. معهد الدراسات العربية العالية. جامعة الدول العربية، 1962. ص 21-22. وعمر الجويلي: العلاقات الدولية في عصر المعلومات. مجلة السياسة الدولية، العدد 123/يناير 1996. ص 83-101.
[13] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 195. و
-
Habil Erhart Knauthe, Industrialization, Planning, financing in Developing Countries, Wdition Leipzig, German Democratic Republic, 1970. P. 27.
[14] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 196. وليدل هارت: الإستراتيجية وتاريخها في العالم. ترجمة: الهيثم الأيوبي. دار الطليعة، بيروت 1967. ص 408-409. وأندريه بوفر: مدخل إلى الإستراتيجية العسكرية. ترجمة: الهيثم الأيوبي. دار الطليعة، بيروت 1968. ص 45-46.
[14] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 198. و
-
B.E. Goetz, Management, Planning and control, Mc Grow-Hill Book Co., 1949. - J. Argenti, Corporate Planning, A practical Guide Edinburgh, G. Allen
[15] للمزيد أنظر: د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 198. و
-
B.E. Goetz, Management, Planning and control, Mc Grow-Hill Book Co., 1949. - J. Argenti, Corporate Planning, A practical Guide Edinburgh, G. Allen
[16] للمزيد أنظر: طلال محمد داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/1420 هـ – 2000 م. ص 175-184.
[17] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: العلاقات العامة كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي، مقرر لطلاب الماجستير. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. ص 26-38. (باللغة الروسية)؛ وطلال داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/2000؛ وأحمد عبد الله: السيادة الوطنية في ظل التغيرات العالمية، تعليقات وأفكار للمناقشة. القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 123/1996؛ وعلي راجح حميدان: الخليج وتحديات العولمة. أبو ظبي: صحيفة الإتحاد، 24/4/1997؛ وسليمان الخراشي: العولمة. الرياض: دار بلنسة، 1420 هـ؛ ونايف عبيد: العولمة والعرب. المستقبل العربي، العدد 120؛ وعبد الوهاب الحكمي: العولمة: معناها ومبناها ومفهومها في الثقافة العربية والإسلامية. صحيفة الشرق الأوسط، 27/10/1420هـ؛ وريتشارد هيجوت: العولمة والأقلمة: اتجاهان جديدان في السياسات العالمية. أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1998؛ وهيثم الكيلاني: العولمة والعسكرة وأثرها على العالم الإسلامي. الرياض: مجلة الحرس الوطني، العدد 202؛ وندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995.
[18] للمزيد أنظر: طلال داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/2000. ص 183.
[19] للمزيد أنظر: طلال داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/2000. ص 180-181؛ وخالد يوسف السلمي: العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الجماعة الأوروبية. الرياض: في بحوث دبلوماسية. معهد الدراسات الدبلوماسية، 1999. ص 103- 180؛ وعبد الوهاب الحكمي: العولمة: معناها ومبناها ومفهومها في الثقافة العربية والإسلامية. صحيفة الشرق الأوسط، 27/10/1420هـ.
[20] للمزيد أنظر: نايف علي عبيد: العولمة والعرب. المستقبل العربي، العدد 120. ص 31.
[21] للمزيد أنظر: حسام عبد القادر: البابا شنودة في لقاء مفتوح. القاهرة: أكتوبر، العدد 1288، 1/يوليو 2001. ص 27.
[22] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: وكالات الأنباء والصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. (باللغة الروسية)؛ وسليمان الخراشي: العولمة. الرياض: دار بلنسة، 1420 هـ. ص 30؛ وهيثم الكيلاني: العولمة والعسكرة وأثرها على العالم الإسلامي. الرياض: مجلة الحرس الوطني، العدد 202. ص 56.
[23] للمزيد أنظر: سليمان الخراشي: العولمة. الرياض: دار بلنسة، 1420 هـ. ص 36-37؛ ونايف علي عبيد: العولمة والعرب. المستقبل العربي، العدد 120. ص 32-37.
[24] للمزيد أنظر: خازن غ.س.: فوق حاجز اللغات. موسكو: مجلة الولايات المتحدة وكندا، العدد 9/2000. ص 104. (باللغة الروسية)
[25] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. ص 52-55. (باللغة الروسية)
[26] للمزيد أنظر: سليمان الخراشي: العولمة. الرياض: دار بلنسة، 1420 هـ. ص 36-37؛ وهيثم الكيلاني: العولمة والعسكرة وأثرها على العالم الإسلامي. الرياض: مجلة الحرس الوطني، العدد 202. ص 56.
[27] للمزيد أنظر: طلال داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/2000. ص 180-182؛ وعبد الوهاب الحكمي: العولمة: معناها ومبناها ومفهومها في الثقافة العربية والإسلامية. صحيفة الشرق الأوسط، 27/10/1420هـ.
[28] للمزيد أنظر: خالد يوسف السلمي: العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الجماعة الأوروبية. الرياض: في بحوث دبلوماسية. معهد الدراسات الدبلوماسية، 1999. ص 103- 180.
[29] للمزيد أنظر: إبراهيم نافع: مستقبل الصحافة في مصر. القاهرة: الأهرام، 29 يونيو/حزيران 2001، العدد 41843.
[30] للمزيد أنظر: صلاح سالم زرنوقة: أثر التحولات العالمية على مؤسسات الدولة في العالم الثالث. القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 122. ص 57.
[31] للمزيد أنظر: صلاح سالم زرنوقة: أثر التحولات العالمية على مؤسسة الدولة في العالم الثالث. القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 122. ص 57. وطلال داعوس: العرب والعولمة: الظاهرة والتحديات. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 14/2000. ص 182.
[32] The Information Society and the Developing World: A South Africa Perspective (Draft 5, Version 5.1, April 1996).
[33] للمزيد أنظر: د. مصطفى المصمودي: شبكات الاتصال الدولية واقعها ومستقبلها. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995. 99-138.
[34] للمزيد أنظر: يرشوفا ت.ف.: آفاق قضايا الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_5.htm (باللغة الروسية)
[35] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: العلاقات العامة كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي، مقرر لطلاب الماجستير. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. (باللغة الروسية)
[36] أنظر: نفس المصدر السابق. ص 12-16.
[37] للمزيد أنظر: يرشوفا ت.ف.: آفاق قضايا الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_5.htm (باللغة الروسية)؛ وكليمينكو س.، أورازميتوف ف.: وسط حياة المجتمع المعلوماتي // ИФВЭ، МФТИ. – Протвино: РЦФТИ، 1995. (باللغة الروسية)؛ وزاسورسكي يا. ن.: المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/2_1.htm (باللغة الروسية)
- Building the European Information Society for us all: Final policy report of the high-Level expert group, April 1997 / European Commission. Directorate- General for employment, industrial relations and social affairs. Unit V/B/4. - [Brussels, manuscript completed in April 1997]
[38] Building the European Information Society for us all: Final policy report of the high-Level expert group, April 1997 / European Commission. Directorate- General for employment, industrial relations and social affairs. Unit V/B/4. - [Brussels, manuscript completed in April 1997]
[39] The Global Information Infrastructure: Agenda For Cooperation / R. H. Brown, L. Inving, A. Prabhakar, S. Katzen. - [1994].
[40] Information Society: Concepts, Work Programme and Examples of Public and Private Initiatives.
[41] للمزيد أنظر: زاسورسكي يا. ن.: المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/2_1.htm (باللغة الروسية)
[42] للمزيد أنظر: نفس المصدر السابق. ود. محمد البخاري: وكالات الأنباء والصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. ص 12-13. (باللغة الروسية)
[43] Venturelli S. Prospects for Human Rights in the Political and Regulatory Design of the Information Society // Media and Politics in Transition / Ed. by Jan Servaes and Rico Lie. - Leuven, 1997. - p.61.
[44] للمزيد أنظر: وارتانوفا يي.ل.: الإتحاد الأوروبي في البحث عن المجتمع المعلوماتي. موسكو: فستنيك جامعة موسكو. سلسلة الصحافة. 1998، الأعداد 4 و 5. (باللغة الروسية)
[45] للمزيد أنظر: زاسورسكي يا. ن.: المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/2_1.htm (باللغة الروسية)
[46] للمزيد أنظر: نفس المصدر السابق.
[47] The Information Society and the Developing World: A South Africa Perspective (Draft 5, Version 5.1, April 1996).
[48] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: الأمن الإعلامي الوطني في ظل العولمة. أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الاثنين 22 يناير 2001. صفحة 34. ود. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. مجلة "معلومات دولية" دمشق: العدد 65/ صيف 2000. ص 129 – 144.
[49] للمزيد أنظر: د. حمود عبد العزيز البدر: القنوات الفضائية: إيجابيات مشاهدتها وسلبياتها. في ندوة الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين. الرياض: معهد الدراسات الدبلوماسية، 1995. ص 175-202.
[50] للمزيد أنظر: طريق روسيا إلى المجتمع المعلوماتي (الأسس، المؤشرات، المشاكل، والخصائص). تأليف: غ.ل. صاموليان، د.س. تشيريشكين، و.ن. فيرشينسكايا، وآخرون. موسكو: معهد نظم التحليل في أكاديمية العلوم الروسية، 1997. ص 64. (باللغة الروسية)
[51] Castells M. The Information Age. Economy, Society and Culture. Volume I. The Rise of the Network Society. - Oxford: Blackwell Publishers, 1996. – 556 p.
[52] للمزيد أنظر: د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: العولمة والتبادل الإعلامي الدولي. دمشق: دار علاء الدين، 1999.
[53] للمزيد أنظر: إبراهيم نافع: مستقبل الصحافة في مصر. القاهرة: الأهرام، 29 يونيو/حزيران 2001، العدد 41843.