الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

مشروع جر المياه السيبيرية إلى آسيا المركزية

مشروع جر المياه السيبيرية إلى آسيا المركزية

أ.د. محمد البخاري

ظهرت فكرة مشروع تزويد آسيا المركزية بقسم من المياه الجارية في الأنهار السيبيرية، في عام 1868، أي أن الإعدادات التقنية للمشروع بدأت فعلاً قبل مائة عام مضت تقريباً، وعاد المشروع للظهور في ستينات القرن الماضي، وبدأ تنفيذه فعلاً في عام 1986، ولكن ومن تم إيقافه دون وجه نظر واقعية.
وكان من المنتظر من المشروع أن يؤخذ قسماً صغيراً جداً من المياه الجارية في واحدة من الأنهار السيبيرية الوفيرة جداً، وبالتحديد من نهر أوب. وكان من المتوقع القيام بذلك في مكان التقائه مع نهر إرتيش بالقرب من مدينة خانتي مانسيسك. لأخذ حوالي 27 كيلومتر مكعبة أو سبعة بالمائة من المياه الجارية في نهر أوب، الذي يحمل كما هو معروف مياهه إلى المحيط المتجمد الشمالي. وأخذ مثل تلك الكمية غير المهمة من مياه مجاري الأنهار السيبيرية كان لا يمكن أن يؤدي إلى أية أضرار لسيبيريا من النواحي الاقتصادية، ولا من النواحي البيئية، والأكثر من ذلك أنه في أسفل خانتي مانسيسك لا يوجد أي موانع مائية بل نهر أوب وحده الذي من دون أية فائدة يلقي بمياهه في المحيط. ولكنه يحمل فوائد للبيئة السيبيرية، ومن دون شك كان من الممكن لو أخذ سبعة بالمائة من مياه نهر أوب لتحسن الوضع المائي في هذا النهر.
وفي نفس الوقت، يزود نهر أوب ناري آسيا المركزية سيرداريا وأموداريا بالمياه العذبة النقية من التي يعاني وسط وأسفل مجراهما من كثيرة الملوحة، وتحويل تلك الكمية من المياه العذبة كان سيلطف إلى درجة كبيرة من الأزمة البيئية التي تعيشها منطقة آسيا المركزية بسبب النقص الشديد للموارد المائية، التي أدت بالنتيجة لجفاف بحر الأورال.
ولكن المياه المنتظرة نتيجة للمشروع والتي دار الحديث عنها كانت ستخصص ليس فقط لنهري أموداريا وسيرداريا فقط لأنها في بداية ستنقل قناة جر المياه من سيبيريا إلى آسيا المركزية قسماً من المياه بحجم كيلو متر مكعب، إلى المنطقة الصناعية في جنوب الأورال، ومنطقة كوغانسك شحيحة المياه في الفيدرالية الروسية، و 4 كيلو مترات مكعبة إلى المناطق الجافة شمال قازاقستان من أجل ري محاصيل الحبوب هناك.
ولكن الفائدة من تحقيق مشروع بناء قناة سيبيريا لجر المياه إلى آسيا المركزية لا تنتهي عند هذه الحدود، وقبل كل شيء كان هذا المشروع موجهاً لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة، في المنطقة الوسطى غرب سيبيريا من الفيدرالية الروسية، ومناطق واسعة من شمال الفيدرالية الروسية والمراكز الصناعية جنوب الأورال، ومنطقة ضخمة في آسيا المركزية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأوضاع السياسية الجغرافية على أراضي الاتحاد السوفييتي السابق شكلت دولاً مستقلة تحتاج لحل هذه المشكلة الصعبة، وكان من المعقول على أساس مصالح المنافع المتبادلة الجديدة من أساس اقتصادي أن تأخذ أهمية ودلالة خاصة للفيدرالية الروسية ولدول آسيا المركزية مجتمعة.
وتحقيق مشروع كهذا يتيح الفرصة لإقامة جسراً اقتصادياً قوياً يربط مباشرة بين الدول المشار إليها. وهذا سيوفر الفرصة من أجل:
أولاً: تحقيق استقرار في التطور الداخلي لكل تلك الدول؛
وثانياً: تطوير التعاون الاقتصادي الواسع بين تلك الدول. من خلال المياه السيبيرية التي ستصل إلى دول آسيا المركزية، بالإضافة إلى تخفيف الأزمة البيئية في منطقة بحر الأورال، وتوفر الإمكانية لها لتطوير مساحات الأراضي المروية، التي تحتاج إلى تلك المياه بشدة، وتوفر فرص العمل للسكان، وترفع من مستوى إنتاج المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الزراعية. وبالنتيجة تتوفر إمكانية كبيرة لتوريد المنتجات الغذائية الخالية من التلوث المنتجة من الري بالمياه السيبيرية وخاصة الفواكه والخضار والعنب وغيرها من المنتجات الزراعية الغذائية، والقطن وغيرها من المنتجات الزراعية في الأراضي الخصبة بالمناطق الوسطى في الفيدرالية الروسية وآسيا المركزية وغيرها من المناطق وتنعش المدن التي تمر بها قناة جر المياه السيبيرية لتتمكن آسيا المركزية من تطوير الصناعة، وإنتاج الطاقة، والنقل والمواصلات وحتى النقل بالسكك الحديدية على طول القناة، تساعد على تشكل بنية تحتية متنوعة.
ولكن لماذا توقف هذا المشروع الهام ولماذا اصطدم بـ"الفيتو" ؟ والجواب يأتي فيما حدث أثناء البريسترويكا الشهيرة في الاتحاد السوفييتي السابق عندما احتاج مفكري "التوجه الجديد" إلى مأخذ لتوجيه النقد لأسلوب وطرق عمل القيادة السابقة، والمأخذ الأكثر تأثيراً لذلك كان مشروع "تحويل الأنهار السيبيرية"، مثال للإجراءات الإجرامية للسلطة السابقة ضد الطبيعة. وبدأت حملة دبرها دعاة البريسترويكا لتوجيه النقد لهذا المشروع، وكأنه موجه ضد الطبيعة وضار بيئياً. وجوهره وأهدافه كانت محرفة بشكل شنيع وقدم وكأنه مشروع موجه لتحويل كل الأنهار السيبيرية العظيمة بعنف إلى صحاري آسيا المركزية. وقدمت تلك الحملة التي وجهها مفكري "التوجه الجديد" الأوضاع في آسيا المركزية وكأنها لا تعاني أبداً من العجز في الموارد المائية، وكأن هذه المنطقة ليست بحاجة للمياه، ولهذا لا توجد أية ضرورة لـ"تحويل" مياه الأنهار السيبيرية إلى هناك، وهنا أظهرت إدارة الثروة المائية شكل من أشكال "الإهمال وعدم المسؤولية" حيال الأزمة التي تعاني منها آسيا المركزية، وأن خبراء الري المحليين ببساطة "أغبياء"، أو بشكل آخر "مجرمين بحق البيئة"، وأنهم يقومون "بهدر المياه" فقط وبشكل " غير معقول وبدون أية إجراءات فعالة" لري الأراضي المروية التي "بنو عليها قنوات للري وسدوداً غير لازمة قط" ولهذا السبب حرموا بحر الأورال من المياه مما أدى إلى جفافه. والكلمات في الأقواس هي من المقالات التي نشرت خلال تلك السنوات.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما فعله أنصار "البريسترويكا" نتيجة لحملتهم قد حققوا ما أرادوا فعلاً، استطاعوا تشكيل وجهة نظر محرفة في عقول الرأي العام، تصور أن مشروع بناء قنال سيبيريا آسيا المركزية هي سيئة بشكل كبير، وكذلك عن الأوضاع والاحتياجات المائية في منطقة آسيا المركزية، وهي لم تزل تدور في رؤوس الكثير من الناس حتى الآن.
وانتهت الحملة في عام 1986 بقرار من المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، وقراره كما هو معروف غير قابل للمناقشة أو النقد، واضعاً "فيتو" على المشروع، وبقي "فيتو" نافذاً حتى الآن، وهذا أمر عجيب لأن الجهاز الذي اتخذه لم يعد موجوداً منذ زمن بعيد.
ومع ذلك لم تزل تلك الآراء حول عدم وجود عجز مائي في آسيا المركزية متداولة، ولهذا لا حاجة لتحويل المياه السيبيرية لآسيا المركزية، وأن السبب الرئيسي لأزمة الأورال هي وكأنها بسبب "الهدر" وسوء التصرف بالمصادر المائية المتوفرة، ويتمسك بوجهة النظر هذه بعض الخبراء الأجانب الذين يعملون في آسيا المركزية. ولهذا لن يتوقع أي تطور لهذا الموضوع لاحقاً، لأنها تعتمد فقط على آراء أولئك الذين يعرفون المشكلة والظروف المترتبة عنها والمشاكل المائية في آسيا المركزية سطحياً فقط، ولا يفهمون خاصية الأراضي المروية، وشكلوا تصوراتهم عن الأوضاع في آسيا المركزية أساساً من المواد التي نشرت خلال "البريسترويكا".
وفي الحقيقة أن المزارعين يتصرفون بالمياه في آسيا المركزية بحرص شديد، ولكن مؤشرات استخدامها عالية جداً. ولكن إذا كانت قنوات الري في المنطقة تجري في مجار أرضية ترشح منها، فهذا لا يعني أن قسماً كبيراً من المياه يذهب دون رجعة، فقسم كبير من المياه الجوفية تعود عن طريق الينابيع، ويعود استخدامها في مجاري الأنهار مرة أخرى. وهو ما يسمى بدورة استخدم المياه الطبيعية مرة أخرى. وتوجه دول المنطقة عناية خاصة لشبكة الري والصرف وري المحاصيل الزراعية من المياه الجوفية التي تختلط بالمياه المأخوذة من الأنهار أيضاً.
ورغم الكوارث المدمرة التي تسببها وفرة المياه الجارية في الأنهار السيبيرية وفي نهري أوب وإرتيش وغيرهم من الأنهار، نرى أن آسيا المركزية تعيش أزمة بحر الأورال، بسبب شح المصادر المائية. بسبب شح المياه توقف خلال عشرين عاماً تقريباً تطور مساحات الأراضي المروية في آسيا المركزية، إضافة لمشاكل تزويد أعداد هائلة من السكان في آسيا المركزية الذين يزداد عددهم باستمرار بالمواد الغذائية وتحتاج للمياه لحلها. في نفس الوقت الذي تلاحظ فيه مساعي دول العالم الأخرى لتطوير مقدراتها على الري بشكل دائم. ويكفي أن نذكر على سبيل المثال أنه في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفع معدل مساحات الأراضي المروية خلال السنوات الأخيرة بـ 1,5 مرة، وفي كندا بـ 1,7 مرة، وفي برازيليا بمعدل 2,8 مرة وهكذا نرى أن توسيع أراضيهم المروية مسموح بها بينما هو ممنوع على آسيا المركزية، وكأن شبكات الري متطورة "فوق كل الإمكانيات والإجراءات" في آسيا المركزية.
وفي النصف الثاني من القرن الماضي حققت في دول العالم أكثر من ستين مشروعاً واسعاً لتوزيع مجاري مياه الأنهار جغرافياً بهدف رفع مستوى تزويد المناطق شحيحة المياه بالمياه، دون أية آثار بيئية سلبية لا في المناطق التي أخذت منها المياه ولا في المناطق التي وصلتها المياه، بل بالعكس تشكلت في المناطق التي وصلتها المياه مناطق زراعية مروية جديدة.
ومن مشاريع الموارد المائية الهامة من حيث الحجم حققت الهند على سبيل المثال مشاريع أعطت جزء من مياه نهر الغانج لتطوير الزراعة المروية في الولايات المركزية الجافة. وفي جمهورية الصين الشعبية من خلال مشاريع إعادة توزيع مجاري الأنهار تضاعفت المساحات المروية في المناطق الفقيرة بالمياه في البلاد بنحو ثمانية ملايين هكتار. والأمثلة عل ذلك كثيرة جداً.
ومما تم تحقيقه من هذه المشاريع الدولية، نرى جزء من المياه الجارية في أنهار دولة معينة حولت إلى دولة أخرى. ومثال على ذلك تحويل المياه من الأراضي الكندية إلى المناطق الفقيرة بالمياه في الولايات المتحدة الأمريكية مع الاحتفاظ بمقدرات الأنهار الكبيرة فيها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن آسيا المركزية خلال القرن العشرين تخلفت كثيراً عن المعطيات الدولية تحت ضغط حركة تطوير المساحات المروية بقدر كبير، ولو أن تلك الأراضي المروية تخدم أساساً توفير فرص الحياة الكريمة للسكان فيها، ولأن تطوير مساحات الري فيها تعتبر من ضروريات الحياة لأعداد هائلة من السكان.
وخلال القرن الماضي توسعت مساحات الأراضي المروية تقريباً لثمان أضعاف وبلغت في الوقت الحاضر أكثر من 300 مليون هكتار. وفي آسيا المركزية بمنطقة حوض بحر الأورال تضاعفت خلال الفترة نفسها مساحات الأراضي المروية بنحو 2,3 مرة ومن 3,4 مليون هكتار إلى 7,9 مليون هكتار، وفي أوزبكستان من 1,8 مليون هكتار إلى 4,2 مليون هكتار. ومع ذلك فإن حركة استصلاح مساحات الأراضي المروية الجديدة في آسيا المركزية تتخلف كثيراً عن المستويات الدولية بـ 3,5 مرة (!). بينما في نفس الوقت كانت حركة نمو السكان في حوض بحر الأورال أعلى من المستويات الدولية، وتزايد عدد السكان بـ 7,7 مرة (!)، وازداد عددهم من 6 مليون نسمة إلى 46 مليون نسمة، وفي أوزبكستان من 3,8 مليون نسمة إلى 25 مليون نسمة. وإذا كانت حصة الفرد من السكان في بداية القرن في أوزبكستان كانت 0,6 هكتار من الأراضي المروية، فهي الآن 0,17 هكتار، وفي نفس الوقت كان من الضروري من أجل تأمين الكفاية الطبيعية من المواد الغذائية والمحافظة على المستوى الحديث لحجم إنتاج القطن وغيره من المنتجات الزراعية الصناعية وتطوير الإنتاج الزراعي بشكل عام من زيادة 0,3 هكتار تقريباً. الأمر الذي يرد على ما تتداوله تلك الأوساط من أن آسيا المركزية وأوزبكستان طورت "أكثر من اللازم المسحات المروية" فأين الموضوعية عند أولئك الذين يقولون هذا ؟
وفي عام 1986 كانت الموارد المائية لأنهار آسيا المركزية مستهلكة بالكامل عملياً، ولهذا اتجهت الآمال نحو دعمها بالمياه السيبيرية التي ارتبطت ببرامج مستقبل تطوير مصادر الري، وهي آمال ضائعة. ونتيجة لها توقف استصلاح الأراضي المروية الجديدة في أوزبكستان، وكان توفير المياه للري القائم حتى في السنوات التي توفرت فيها المياه يبلغ وسطياً ليس أكثر من 80 بالمائة.
وهذا على ما أعتقد يكفي للاقتناع بأن مشروع تزويد آسيا المركزية بجزء من المياه الجارية في الأنهار السيبيرية وبالضبط نهر أوبي من الضروري إحياءه من جديد لأنه لا يوجد أي بديل لهذا المشروع، وحان الوقت لوقف النقاشات الحساسة الدائرة حول هذا الموضوع ومنها المناقشات للانتقال إلى الخطوات العملية.
وما يؤكد ذلك المسابقة التي أجرتها أكاديمية العلوم واللجنة الحكومية للطبيعة في الاتحاد السوفييتي السابق عام 1990 من أجل إعداد أفضل مشروع لحل مشاكل أزمة بحر الأورال. وشارك في المسابقة 473 مشارك، سجلت اقتراحاتهم رسمياً ودرست من قبل لجنة خاصة. وجاءت شروط المسابقة تحت إلحاح الحاجة بأن المشكلة يجب أن تحل من دون تزويد منطقة آسيا المركزية بمياه إضافية. وبالنتيجة تم الاعتراف بأن أي مشروع من التي قدمت للمسابقة لم يكن واقعياً. وبعد مرور السنين لم نطالع أية أفكار جديدة لحل هذه المشكلة. ولكن دول آسيا المركزية كما في السابق تتابع نضالها لتصفية آثار الأزمة الكارثية التي تعاني منها ولكن دون اتخاذ أي إجراء من أجل القضاء على السبب الجوهري الذي سبب ما تعاني منه المنطقة من قلة حادة في الموارد المائية.
وموضوع إحياء مشروع بناء قناة سيبيريا آسيا المركزية كان موضوع بحثه المؤتمر الدولي الذي انعقد في طشقند خلال أبريل 2002 تحت عنوان "مشاكل الأورال والمنطقة المحيطة بالأورال، نحو تعاون دولي". والمبادرين لعقده كانوا نادي طشقند "إكوسان" وممثلية روس زاروبيج تسنتر في جمهورية أوزبكستان. وهذا المؤتمر كان عبارة عن تظاهرة لحماية البيئة وشارك فيه طليعة العلماء والمتخصصين في المياه من الفيدرالية الروسية وأوزبكستان، وممثلين عن والوزارات والمؤسسات التي لها علاقة باستخدام الطبيعة، وممثلين عن المنظمات غير الحكومية، والسلك الدبلوماسي، ورجال الدين، وعدد من المنظمات الدولية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
والبيان الذي خرج عن المؤتمر عبر عن ضرورة إحياء العمل في مشروع بناء قناة سيبيريا آسيا المركزية وتحقيقه. وأخذ باعتباره بشكل خاص أن هذا العمل من الضروري إحيائه على أساس تنظيم اقتصادي جديد، يحدد الأوضاع الحديثة وجذب موارد الميزانيات الحكومية للدول المعنية، والمستثمرين الأجانب ورؤوس الأموال الخاصة لرجال الأعمال والتجار من خلال إقامة شركة مساهمة خاصة. أعتقد أن هذا الاقتراح معقول جداً لتحقيق المشروع.
وعبر المشاركين في مؤتمر حماية البيئة أيضاً عن أن النظرة السلبية لهذا المشروع التي تشكلت في عقول الرأي العام يجب إزالتها نهائياً وأن تلعب وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، والكتاب، والعلماء، وممثلي المنظمات غير الحكومية والمنظمات الشعبية دوراً في ذلك وهذا صحيح، لأن الناس حتى الآن وحتى بعد المؤتمر الذي عقد في طشقند، يطلعون على مشروع قناة سيبيريا – آسيا المركزية من خلال السماع فقط يمكن أن نسمع منهم أيضاً عبارة "يا للهول ! مرة أخرى يريدون تحويل الأنهار السيبيرية ؟"
بحر الأورال: كان رابع بحيرة في العالم، وبعد جفاف قسم كبير منه تحول إلى ثلاث بحيرات منفصلة عالية الملوحة، وإلى ثامن بحيرة في العالم، إضافة لانخفاض منسوب عمق المياه في البحيرة من 70 متراً إلى 12 متراً، وتقلصت مساحته الإجمالية من 64 ألف كم مربع إلى 30000 كم مربع فقط، وتراجعت شواطئه إلى أكثر من 70 كيلو متراً عما كانت عليه في السابق، بسبب انخفاض مياه نهري سرداريا وأموداريا من 60 كيلو متر مكعب من المياه إلى الصفر، أمام احتياجات مياه الري التي ازداد الطلب عليها لري 8 مليون هكتار بدلاً من 3 مليون هكتار قبل جفاف قسم منه. مما أدى إلى تدهور الإنتاج الزراعي في المناطق الجنوبية من حوض الأورال الواقعة ضمن أراضي جمهورية أوزبكستان بسبب تبخر المياه وترسب الأملاح في التربة، وتقلص مساحة الأراضي الزراعية من 550 ألف هكتار إلى 20 ألف هكتار، وجفاف حوالي 50 بحيرة في دلتا نهر أموداريا. وهو ما انعكس سلباً على الحياة النباتية والحيوانية الطبيعية في شمال دلتا نهر أموداريا. ولم يبق من أصناف السمك العشرين التي كانت تعيش في مياهه إلى 4 فقط، إضافة لتوقف صيد الأسماك تجارياً بسبب انخفاض ثروته السمكية من 50 ألف طن إلى 3 آلاف طن فقط، ليفقد آلاف الصيادين والعمال مصدر رزقهم الرئيسي بعد توقف صناعة تعليب الأسماك التي كانت قائمة في مدينة موناك بجمهورية قره قلباقستان ذاتية الحكم بجمهورية أوزبكستان، وهي المدينة التي كانت في يوم من الأيام مرفأ ساحلياً هاماً على شاطئ بحر الأورال وأصبحت اليوم تبعد عن شواطئه عشرات الكيلومترات.
وعن دوره المناخي الذي كان يلعبه في تلطيف الجو صيفاً وشتاءاً، نرى أن فاعليته المناخية قد دمرت تماماً وتحول فصل الصيف في المنطقة إلى صيف حار جداً تنعدم فيه مياه الأمطار، وفصل الشتاء إلى فصل طويل بارد قارص بسبب الرياح الآتية من المناطق السيبيرية. وأصبحت الـ 3 ملايين هكتار المكشوفة من قاعه مصدراً للأملاح ومخلفات المبيدات والمواد الكيماوية الأخرى المستخدمة في الزراعة والتي تقدر كميتها بـ 70 مليون طن، لتنقلها الرياح إلى الأراضي المجاورة.
وعن الكارثة الصحية تكفي الأرقام التالية أن نسبة الوفيات أصبحت 120 لكل مئة ألف نسمة، و60 وفاة من كل ألف طفل، بسبب تلوث المياه والمزروعات وازدياد نسبة الرصاص والزنك في الدم، وانتشار أمراض الكلي والكبد والسرطان والغدة الدرقية والتهاب المفاصل وترسب الأملاح في الجسم وأمراض فقر الدم التي تعاني منها حوالي 80 % من النساء وتسبب وفاة 100 من كل ألف مريضة بفقر الدم.
وتبلغ مساحة السطح المائي لبحر الأورال عند مستوى مياه 53 م نحو 66,1 ألف كم مربع، والعمق الوسطي 16,1 متر، والعمق الأقصى 69 متراً. وأقصى طول للبحيرة 492 كم، وأقصى عرض 292 كم، وأقصى حجم لمخزون المياه 1062 كم مكعب، ونسبة ملوحة المياه 11 – 13 %، ويتغذي البحر بالمياه من نهري أموداريا وسرداريا، وخلال الفترة الممتدة مابين عامي 1962 و 1978 انخفض مستوى مياه بحيرته إلى 6 أمتار أي بمعدل 0,41 متراً في السنة. وتقلصت مساحة البحيرة لأكثر من 10 آلاف كم مربع، وانخفض حجم المياه إلى 352 كم مكعب، وتزايدت نسبة الأملاح المعدنية حتى 19 – 20 %.
للمزيد أنظر:
أنطونوف ف.: وجهة نظر مهندس ري. مشروع، يجب إحياءه.// طشقند: نارودنوية صلوفا 10/7/2002 العدد 140 (2962)
جمهورية أوزبكستان السوفييتة الاشتراكية. المحرر الرئيسي: زوفاروف ك.ا.، طشقند: دار الموسوعة السوفييتية الأوزبكية، 1981. ص 39.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق