الأربعاء، 19 أغسطس 2009

المخطوطات العربية الاسلامية في جمهورية أوزبكستان تنتظر التعاون لتحقيقها

المخطوطات الإسلامية في جمهورية أوزبكستان تنتظر التعاون لتحقيقها

أ.د. محمد البخاري
[1]

من المعروف أن المخطوطات الإسلامية في جمهورية أوزبكستان، كثيرة ومن بينها النسخة الوحيدة والأصلية المحفوظة في مكتبة الإدارة الدينية من المصحف الشريف الذي جمع في عهد الخليفة عثمان بن عفان (رض)، وأن معهد أبي ريحان البيروني للدراسات الشرقية التابع لمجمع العلوم بجمهورية أوزبكستان، يعتبر من أغنى وأشهر المؤسسات العلمية التي تحتفظ بنفائس التراث العلمي والأدبي المكتوب بلغات الشعوب الإسلامية. المعهد تأسس عام 1943 كمؤسسة متخصصة للبحث العلمي، لتحل محل قسم المخطوطات الشرقية الذي أحدثته سلطات الاحتلال الروسية، في المكتبة العامة بطشقند عاصمة تركستان الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان لذلك القسم الفضل الكبير في جمع وحفظ ودراسة المخطوطات النفيسة التي كانت تعج بها المكتبات الخاصة ومكتبات المدارس الإسلامية
[2] المنتشرة في مدن ما وراء النهر قبل الاجتياح الروسي للدول التي كانت قائمة في ما وراء النهر. وكان الهدف طبعاً من المصطلحات الثقافية ونظام التعليم التي فرضت في المناطق المحتلة خدمة أهداف الاحتلال والضم والسلطة الاستعمارية، والقضاء المخطط والمنظم على المؤسسات الثقافية، ومؤسسات التعليم التقليدية، لتحل محلها بالتدريج المؤسسات الثقافية ومؤسسات وأنظمة التعليم الاستعمارية. وعرف المعهد عند تأسيسه باسم "معهد دراسة المخطوطات الشرقية"، وسرعان ما تبدل فيما بعد ليصبح "معهد المخطوطات" في عام 1950، وتغير إلى "معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق" في عام 1957، وبعد الاستقلال كما يظهر على اللوحة المعلقة على مدخله إلى "معهد أبي ريحان البيروني للدراسات الشرقية".
ومنذ الاستقلال أصبح هدف المعهد استخدام الآثار الأدبية والعلمية والتاريخية النفيسة المحفوظة لديه لإعادة كتابة تاريخ الشعب الأوزبكي، وشعوب المنطقة بعد استقلال جمهورياتها الخمس (أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان)، والإسهام في تسليط الضوء على حقائق تاريخ شعوب وسط آسيا عبر القرون، وإحياء التراث التاريخي للدولة الإسلامية التي كانت في أوج ازدهارها يوماً ما، واستخلاص العبر من دروس وأسباب انهيار تلك الدولة، في دراسات مبنية على أسس علمية متينة وواضحة ما كانت لتتم لولا ذلك الكنز التراثي الضخم الذي يحتفظ به المعهد إلى اليوم. ويقوم أتباع المدرسة العلمية المعاصرة المتميزة عن مدارس الاستشراق الأخرى في العالم، من حيث الأهداف والمرامي، بأبحاث علمية شملت مختلف الاتجاهات العلمية، والتاريخية، والأدبية، وتاريخ العلوم، والثقافة، والمجتمع مستمدة مادتها العلمية من المخطوطات التي خلفها وراءهم علماء وجهابذة القرون الوسطى في وسط آسيا وأنحاء أخرى من العالم الإسلامي.
وتذكر المصادر التاريخية المعاصرة أن أول ذكر لمجموعات التراث العلمي والأدبي المخطوط المحفوظة في أوزبكستان اليوم يرجع لسبعينات القرن التاسع عشر، عندما أسست أول مكتبة عامة في طشقند بعد الاجتياح الروسي لأجزاء شاسعة من تركستان. وضمت المكتبة بين أقسامها المختلفة قسماً خاصاً بـ"المخطوطات الشرقية"، والمقصود بـ"المخطوطات الشرقية" عند المستشرقين الروس الدول الواقعة شرق أوروبا، والقارتين الآسيوية والإفريقية، ومن ضمنه العالم الإسلامي، فجاءت التسمية "الاستشراق" رغم وقوع أوزبكستان في دائرته، لأن الاستعمار في تلك المرحلة كان في أوج ازدهاره، والدول الاستعمارية ومن بينها الإمبراطورية الروسية تتطلع للمزيد من المستعمرات في الشرق المغلوب على أمره، والإستشراق كان واحداً من أدواته ووسائله الناجعة وأسلحته. وهنا لابد من أن نشير إلى حقيقة تاريخية لا تقبل الجدل، وهي أن تقاليد إقامة المكتبات العامة والخاصة وجمع والمحافظة على المخطوطات، فيما وراء النهر، كغيره من أجزاء العالم الإسلامي تمتد بجذورها إلى فجر الإسلام والقرون الوسطى حيث شهد ما وراء النهر حضارة إسلامية مزدهرة. وتذكر المصادر التاريخية لتلك الحقبة الزمنية من تاريخ العالم الإسلامي، المكتبات الغنية التي تركتها الدولة السامانية (204-395هـ/819-1005م)، والدولة الغزنوية (366-582هـ)، والدولة التيمورية (أسسها الأمير تيمور "تيمورلانك ولد عام 771/1370م وتوفي عام 912هـ/1506م)، واستمرت حتى سقطت آخر دولها في الهند على أيدي الغزاة الإنكليز في نهاية القرن التاسع عشر، والدولة الشيبانية (905-1007هـ/1500-1598م). وفي المدن الإسلامية العريقة بخارى شريف، ومرو، وسمرقند، وغزنة، وهيرات، وغيرها من الحواضر الإسلامية الشهيرة.
وشهدت الفترة التي امتدت مابين القرنين 17 و19، في وسط آسيا تشكل ثلاث دول، هي: إمارة بخارى، وخانية خيوة، وخانية قوقند، وكانت تجمع المخطوطات فيها بمكتبات القصور والمدارس، وفي مكتبات العلماء والمهتمين كمجموعات خاصة. وتشير المراجع إلى مجموعة التراث المكتوب والمخطوطات النادرة لدى المعهد.
[3] ومنها فهرس صغير صدر عام 1889 عن مجموعة صغيرة تحمل اسم "مخطوطات مكتبة تركستان العامة: باللغات الفارسية، والعربية، والتركية"، وضمت شروحاً لـ 87 مجلداً فقط، إضافة لـ 126 عنوان كتاب مخطوط، تحدثت كلها بشكل خاص عن تاريخ تركستان، وإيران، والهند، وتوزعت ضمن 78 مخطوطة باللغة الفارسية، و19 مخطوطة باللغة العربية، و29 مخطوطة باللغة الأوزبكية القديمة المكتوبة بالحرف العربي، قبل انتقال اللغة الأوزبكية إلى الحرف اللاتيني، ومن ثم إلى الحرف الكيريلي الروسي، ومن ثم إلى الحرف اللاتيني بالتدريج بعد الاستقلال.
وبعد وصول البلاشفة إلى السلطة في روسيا، قاموا باحتلال إمارة بخارى آخر دولة إسلامية مستقلة في تركستان عام 1920، ورافقها تبدل ملموس في السياسة التي اتبعها الروس منذ بدايات اجتياحهم للمنطقة. وتبدلت سياسة عدم التعرض للأديان إلى حرب شعواء شنها الشيوعيون ضد الدين، وبدأت حملة واسعة لمصادرة وإتلاف الكتب الدينية، ومعاقبة كل من يحاول إخفاءها. وتوجت تلك الحملة باستبدال الحروف العربية المستعملة آنذاك في الكتابة لتصعب قراءة تراث الأجداد على أبناء المنطقة.
وإثر تأسيس المجمع العلمي في جمهورية أوزبكستان عام 1943، زاد الاهتمام بالمخطوطات التراثية في الجمهورية. ولكن الاهتمام هذه المرة كان من الناحية الأكاديمية البحتة. فأنشأ المجمع العلمي لهذا الغرض معهداً لدراسات المخطوطات الشرقية في نفس العام، وتبعته جملة من الإجراءات الهامة وجهت ليس للحفاظ على التراث المكتوب ودراسته وحسب كما كانت الحال في السابق، بل لترميم تلك المخطوطات وإصلاح ما فسد منها بفعل الإنسان وعامل الزمن إضافة لدراستها، والأبعد من ذلك التوسع في جمع الجديد والمزيد منها عن طريق الشراء المباشر من المواطنين، بعد أن زال الخوف من العقاب الصارم الذي كان يتعرض له كل من يعثر بحوزته على أي كتاب أو مخطوط ديني كتب باللغة العربية أو بالحروف العربية، كما كانت الحال في السنوات الأولى للسلطة السوفييتية بفعل السياسة المعادية للأديان، والتي كانت السبب المباشر لفقدان أعداد هائلة من الكتب المخطوطة التي اعتاد السكان الاحتفاظ بها في بيوتهم.
وتحتوي مكتبة المخطوطات في المعهد وحدها اليوم أكثر من 18 ألف كتاب مخطوط قديم، من بينها حوالي 40 ألف نسخة كتبت بالحروف العربية وباللغات: العربية، والفارسية، والتركية، خلال الفترة الممتدة مابين القرنين 10 و20 الميلاديين. إضافة لمجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية، تضم أكثر من 3000 نسخة أصلية من الوثائق الرسمية، ووثاثق الوقف الإسلامي، والدعاوي الشرعية وغيرها من وثائق الفترة الممتدة من القرن 15 وحتى مطلع القرن 20، بما فيها الوثائق الرسمية لإمارة بخارى، وخانية خيوة. وأكثر من 30 ألف كتاب طبع على الحجر، وكتب أخرى طبعت بطريقة صف الحروف، ومن بينها مطبوعات صدرت في الهند، وإيران، وتركيا، وتتارستان، وغيرها من الدول. إضافة للمجموعة الكاملة لإصدارات مطابع وسط آسيا خلال الفترة الممتدة من سبعينات القرن التاسع عشر وحتى عشرينات القرن العشرين وتشمل ما صدر في إمارة بخارى، وخانية قوقند، وسمرقند، وفرغانة، وطشقند، وخانية خيوة.
وبقرار من مجمع العلوم جرى في عام 1999 دمج معهد حميد سليمان للمخطوطات مع معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق، وسلمت للأخير مجموعة المخطوطات التي كانت بحوزة المعهد المذكور والتي تضم حوالي 25 ألف نسخة مخطوطة، و12,600 كتاب مطبوع على الحجر.
وتقوم الكوادر العلمية الخبيرة والمتخصصة في مجالات الدراسات العربية، والفارسية، والتركية، والهندية، والصينية، وخبراء مجربون في مجال دراسات التراث الأدبي الإسلامي ومخطوطاته، بمعهد أبي ريحان البيروني للدراسات الشرقية، وغيره من مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث العلمي في أوزبكستان بدراسة وتحقيق المخطوطات الإسلامية، ويعكفون جميعاً على متابعة دراسة وتحقيق تلك الثروة الكبيرة من المخطوطات الإسلامية. ومعروف أن عملية دراسة المخطوطات الإسلامية في أوزبكستان بدأت في ثلاثينات القرن الماضي، ومعها بدأت أعمال وضع وصوفات علمية للمخطوطات فقط، وحتى عام 1943 تم إنجاز فهارس للمخطوطات التي كانت بحوزتها. وجرت محاولات لإحياء المشروع بعد الاستقلال لمتابعة إصدار "مجموعة المخطوطات الشرقية" بالتعاون مع جمعية التعاون التقني الألمانية وجامعة مارتين لوتير بمدينة هالليه، وبعض الجهات الأخرى، لم تؤدي كلها إلى نتائج ملموسة. ومع ذلك جرت محاولات ناجحة بالتعاون مع المختصين في جمعية جمعة الماجد بالإمارات العربية المتحدة صدر بنتيجتها فهرس للمخطوطات باللغة العربية،
[4] وبالتعاون مع المختصين الإيرانيين صدر فهرس واحد عن المخطوطات التاريخية باللغة الفارسية.[5] وكانت آخر ثمار العمل المشترك إصدار "المعجم المفهرس للمخطوطات العربية والإسلامية في طشقند" بأحد عشر مجلداً صدرت في بيروت.[6] واحتوى هذا العمل الكبير ثمرة جهود متواصلة لمجموعة كبيرة من العلماء استمرت لنحو نصف قرن من الزمن وتضمنت وصوفاً للمخطوطات، شملت عنوان المخطوطة، واسم مؤلفها، وملخص محتواها، وتاريخها، واسم ناسخها، وتاريخ النسخ. وتناولت مجلدات المعجم، كافة المجالات العلمية المعروفة آنذاك، وهي: التاريخ، وتاريخ الأديان، والفلسفة، وحكايات الرحالة، وتراجم، ورسائل، ونظرية اللغة والأدب، والعلوم الحية: كالرياضيات، والفلك، والفيزياء، والكيمياء، والمعادن، وعلم الحيوان، والطب، والجغرافيا والكون، والفنون: كالموسيقى، والخط العربي، والحرف اليدوية، والرياضة، والشعر، والنثر، والفولكلور، والتصوف، والموسوعات وغيرها.
وجاءت دراساتهم وبحوثهم مختلفة عن دراسات الفترة الاستعمارية التي خضعت لها دول وسط آسيا، وألقت الضوء على الحقائق التاريخية، وعلى تاريخ العلوم والثقافة، التي عاشها هذا الجزء الكبير والهام من العالم الإسلامي حتى مطلع القرن العشرين، من خلال التعليقات العلمية والشروحات العلمية للتراث الغني الذي تحفظه صفحات المخطوطات التراثية، وتدقيق الترجمات والنصوص النقدية. وتحقيق التراث في العلوم الحية، الذي خلفه لنا ابن سينا، وألوغ بيك، والخوارزمي، والبيروني، والفارابي، وغيرهم من كبار العلماء المسلمين. ومحاولة إعادة كتابة تاريخ المنطقة من منظور جديد يعتمد الأساليب العلمية الموثقة، ابتداء من المصادر المبكرة التي تتحدث عن تاريخ نشر الدين الإسلامي الحنيف في ما وراء النهر، وبالتحديد مخطوطتي "تاريخ الطبري"، وتاريخ بخارى "نارشاهي". والمخطوطات التي كتبها مؤلفون عاصروا الأمير تيمور والتيموريين من بعده، وصولاً للمخطوطات التي تتحدث عن تاريخ (الخانيات) الإمارات الثلاث (قوقند، وخيوة، وبخارى) حتى نهاية القرن 19، إضافة لسلسلة من الدراسات تحدثت عن تاريخ الأدب، والفن، والجغرافيا، ومذكرات الرحالة وغيرها من المخطوطات.
[7]
وخلال زيارتي الأخيرة لمكتبة المخطوطات في المعهد وقع نظري على نسخة مخطوطة نادرة نسخت في عام 1271هـ تحمل اسم "البيان في خط عثمان" وهو الخط الذي كتبت فيه معظم المصاحف المتداولة في يومنا هذا وهو من تأليف محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، المشهور باسم ابن الجزري المتوفي عام 833 هـ، وأشار في مقدمتها " بسم الله الرحمن الرحيم... الحمد لله حق حمده والصلوة على رسوله محمد عبده وعلى كافة المؤمنين بميثاقه وعهده قال الإمام العالم العامل الفاضل المحقق حافظ كلام الله شمس الملة والدين محمد ابن محمد الجزري رحمه الله رحمة واسعة أما بعد فإن هذه رسالة في بيان رسم الخط العثماني رضي الله عنه من أول القرآن إلى آخره سورة سورة". وأعتقد أنها كغيرها من المخطوطات تهم الكثيرين من المحققين وناشري المصحف الشريف في يومنا هذا، وتهم المؤسسات العلمية ومراكز البحث العلمي في العالمين الإسلامي والعربي، وأيدني بهذا الرأي السكرتير العلمي في المعهد وأضاف أن المعهد يملك الكثير من المخطوطات التي تنتظر التحقيق والنشر وهذا يحتاج لتضافر الجهود مع المؤسسات العلمية في العالم الإسلامي ونحن بانتظار موفديهم من الباحثين وطلبة العلم الشباب الذي يمكنهم القيام بدراسات في المعهد للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة، أو الدكتوراه في العلوم بمجالات تحقيق المخطوطات والدراسات الإسلامية.
ورقم هاتف المعهد: 2625461 71 998 +
ورقم فاكس المعهد: 2625277 71 998 +
والعنوان الإلكتروني للمعهد:
E-mail:
beruni@globalnet.uz
طشقند في 5/7/2009
هوامش:
[1] أ.د.محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. بروفيسور بقسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية.[2] مصطلح مدرسة استخدم في تركستان بمعنى مؤسسة للتعليم العالي (جامعة)، بينما لم يزل يطلق على المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في المنطقة حتى اليوم اسم "مكتب".[3] مجموعة المخطوطات الشرقية لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. طشقند، 1952؛ عظيم جانوفا س.أ. وفورونوفسكي د.غ.: مجموعة المخطوطات الشرقية بأكاديمية العلوم الأوزبكستانية. خزائن الاستشراق للمكتبات الكبرى. موسكو، 1963. ص 100-127؛ أورونباييف أ.: إعداد الكاتالوكات، الأعمال التمهيدية ودراسة التراث المكتوب لشعوب الشرق في معهد الاستشراق بأكاديمية العلوم الأوزبكستانية // مواد لقاء العمل الاتحادي حول مشاكل علم المكتبات الشرقية، ليننغراد، 1- 4 أذار/مارس 1988. ص 134-146؛ (باللغة الروسية)؛ (أوزبكستان مستقيلليغي وشرقشوناصليكنينغ دولزارب موأممولاري)) العلوم الاجتماعية في أوزبكستان (OHY). طشقند: معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق، 1992 رقم 7-8 . ص 37-41؛ ب. أورونباييف، ك. منانوف: أبو ريحان بيروني ناماديغي شرقشوناصليك إنستيتوتي 50 يوشدا//OHY. طشقند: معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق، 1993. رقم 8 ص 50-57. (باللغة الأوزبكية)؛[4] إعداد وتحرير: د. عبد الرحمن فرفور، ود. محمد مطيع الحافظ، ,تقديم أ. أورونباييف و ك. منيروف. دبي: جمعية جمعة الماجد، 1995. (باللغة العربية)[5] إعداد وتحرير: أورانباييف أ.، وسيد علي معجاني، وموسوييف ش.: طهران: ؟، 1997. (باللغة الفارسية)[6] الإشراف: أ.د. عصام الدين أورنباييف، ولاريسا ييبيفانوفا. هيئة الترجمة من الروسية إلى العربية: أ.د. نعمة الله إبراهيموف، ود. تيمور مختاروف، وراميل شاكيروف. تدقيق اللغة العربية: روحي طعمة. بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، 2000.[7] إعداد وتحرير: ولدانوف أ. ب.: طشقند: معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق، 1998؛ يوسوبوف د.، وجاليلوف ر.: طشقند: معهد أبي ريحان البيروني للإستشراق، 1998. (باللغة الروسية)

التأثير المتوقع لعملية التبادل الإعلامي

التأثير المتوقع لعملية التبادل الإعلامي الدولي

بقلم: أ.د. محمد البخاري
مخطط البحث:
مضمون الرسائل الإعلامية
الاحتكار في التبادل الإعلامي الدولي
تأثير التبادل الإعلامي الدولي على عملية اتخاذ القرارات
فاعلية التبادل الإعلامي الدولي
الخاتمة
المراجع المستخدمة في البحث
 مضمون الرسائل الإعلامية: كما أشار مارشال ماكلوهين، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن تقنيات الاتصال التي تستخدمها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، وطبيعة الجمهور الذي توجه إليه رسالتها الإعلامية، يؤثران على ما تنقله تلك الوسائل، وأن وسائل الإعلام الجماهيرية التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها، تحدد طبيعة وكيفية معالجتها لمشاكل المجتمع. وأن أي وسيلة اتصال إعلامية جديدة تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل ظروف معينة، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها. فوسيلة الإعلام هي امتداد لحواس الإنسان، فالكاميرة التلفزيونية تمد أعيننا، والميكرفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة الإليكترونية توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، وهي مساوية لامتداد الوعي الإنساني، ووسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة، كامتداد لحواس الإنسان توفر للإنسان الزمن والإمكانيات، وتشكل تهديداً له، لأنه عندما تمتد يد الإنسان وحواسه عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، تستطيع هذه الوسائل أن تمد يد المجتمع إليه، كي تستغله وتسيطر عليه. ولكي نمنع احتمالات التهديد يجب مراعاة أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأنه بمعرفة كيفية تشكيل التكنولوجيا الحديثة للبيئة المحيطة بنا نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدرتها الحتمية. وفي الواقع، بدلاً من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن متلقي الرسالة الإعلامية يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم، كما ويجب اعتبار التغيير التكنولوجي حتمياً لا مفر منه، وهو ما يحدث فعلاً، لأننا إذا فهمنا عناصر التغيير يمكننا أن نسيطر عليه ونستخدمه لصالحنا في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهه، كما يحدث لدى البعض أحياناً !.
ومن المشاكل التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولية أهمية مراعاة الظروف البيئية المحيطة بالإنسان، واختلافها من دولة إلى دولة، بل واختلافها من منطقة إلى أخرى داخل الدولة ذاتها، ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يحيط خبراء الإعلام والصحفيين بالاعتبارات البيئية والظروف المحيطة بالإنسان، وإذا كان هذا الإلمام أكثر سهولة في الإعلام الداخلي، فإنه أكثر صعوبة بالنسبة للإعلام الخارجي، حيث تتعدد الاعتبارات البيئية وتتنوع الظروف واللغات، وتختلف من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن قارة إلى قارة. ومع تزايد وسائل الإعلام الجماهيرية وتطورها واتساعها، أصبح العالم أقرب إلى القرية العالمية، ومما ساعد على ذلك تطور وسائل المواصلات وسهولة انتقال الأفراد والسياح، وهجرة السكان من أماكن سكنهم الأصلية، والإقامة الطويلة لرعايا دولة معينة لدى دولة أخرى بقصد الدراسة أو العمل، وتزايد حجم وسرعة وتنوع المراسلات، ودخولها عصر الحوار المباشر عبر شبكات الاتصال العالمية بين مختلف دول العالم، وتطور البث الإذاعي والتلفزيوني واتساع استخدام الأقمار الصناعية لأغراض الاتصال ونقل المعلومات، وهو ما ساعد على الاحتكاك بالأمم المتقدمة وحدوث تحول ثقافي واجتماعي عالمي، برزت معه قيم ومعتقدات جديدة لم تكن متوقعة من قبل، لم يجر تقدير أثرها بالكامل بعد. ومن هنا فإن على خبراء الإعلام والصحفيين أن يدركوا كل تلك المتغيرات عند إعدادهم وتنفيذهم للحملات الإعلامية الموجهة للداخل والخارج على السواء، كي لا تحدث إخفاقات تؤدي إلى عدم استجابة المستقبل لمضمون الرسائل الإعلامية الموجهة إليه، وأن لا يكون رد فعله مغاير لأهداف الحملة الإعلامية الموجهة. وأن يؤخذ في الحسبان أيضاً اختلاف درجات التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، وتباين النظم والمعتقدات السياسية والإيديولوجية بين دول العالم المختلفة، ودرجات التباين بين دول النظام المتشابه.
الاحتكار في التبادل الإعلامي الدولي: رغم أن العالم لم يزل يتجه باضطراد نحو تحطيم الحواجز القائمة بين الشعوب، واتجاه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العديد من دول العالم نحو الاتسام بطابع العالمية، ورغم التقدم الهائل لوسائل الاتصال نرى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العالم، لم تزل تعتمد في القسط الأكبر من أخبارها على وكالات الأنباء العالمية: رويترز، والأسوشيتد بريس، واليونيتد بريس، ووكالة الأنباء الفرنسية فرانس بريس، رغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها وكالات الأنباء الوطنية، وشبكة المراسلين الأجانب في جميع دول العالم تقريباً، والذين يراسلون مباشرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي ينتمون إليها والمنتشرة في مختلف دول العالم. ونرى أن الاحتكار والتركيز في عملية التبادل الإعلامي الدولي لم تزل مرتبطة بالمشاكل السياسية والاقتصادية، والتي نتج عنها احتكار قلة قليلة من دول العالم لمصادر الأنباء العالمية من خلال وكالات الأنباء والإذاعات وقنوات التلفزيون والصحف والمجلات الهامة والمنتشرة عالمياً، إضافة لاحتكارها لوسائل الاتصال الحديثة وخاصة شبكة الأقمار الصناعية التي تتولى نقل ما تبثه وسائل الإعلام الجماهيرية إلى كافة أنحاء العالم.
تأثير التبادل الإعلامي الدولي على عملية اتخاذ القرارات: تتمتع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بتأثير هام على الجمهور وخاصة في الميدان السياسي، ولذلك كان لابد عند دراسة تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على عملية اتخاذ القرارات، من الأخذ بعين الاعتبار تأثير هذه الوسائل على الزعماء السياسيين، واستناداً لعدة أبحاث وجدنا أن قائد الرأي لا يبحث غالباً عن دور قائد الرأي، وأحياناً ليس لديه شعور بدوره كقائد رأي، ولكن قادة الرأي هؤلاء يتميزون بعدة خصائص منها: أنهم يمثلون الجماعات التي ينتمون إليها ويؤثرون فيها جيداً؛ وأنهم قادة للرأي في مجال اختصاصهم الذي يتناسب والمجموعات التي يؤثرون فيها؛ وأنهم أكثر من غيرهم من أعضاء المجموعة التي ينتمون إليها معرضون لوسائل الإعلام الجماهيرية؛ وأنهم أكثر من غيرهم من أعضاء المجموعات التي ينتمون إليها على اتصال مع غيرهم من قادة الرأي؛ وأنهم متواجدون في كل الأوساط الاجتماعية. ولما كان لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي، المقدرة على تقرير ما ينبغي أن يعرف وما ينبغي الاحتفاظ به، فإنها بقيت تتمتع بأهمية خاصة في العلاقات الدولية، وقد تقوم وسائل الإعلام الجماهيرية بمجرد نقل المعلومات الصادرة من قبل واضعي السياسة إلى الجمهور الإعلامي، دون أي اعتبار لدور الرأي العام في وضع تلك السياسة، كما يحدث في أكثر البلدان النامية. أو قد تستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية لدعم أهداف سياسية معينة، أو لخلق أحداثاً معينة من خلال التمهيد لها، والمساهمة في خلق ودعم وجهة النظر المعارضة، وهذا يفسر قيام بعض المخططين السياسيين، في البلدان المتقدمة بوجه الخصوص، بوضع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والرأي العام في مرتبة واحدة، يؤثر كلاً منها بالآخر ويعكس صورة الآخر، ويشمل هذا الوضع أيضاً، واضعي السياسة الخارجية للدولة، من خلال تعاملهم مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المحلية والدولية، والرأي العام المحلي والعالمي.
ويميل المخططون السياسيون إلى اعتبار أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تعكس في الحقيقة مواقف الرأي العام، وكثيراً ما يقبل المخطط السياسي ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على أنها انعكاساً للحقيقة التي يراعيها عند رسم الخطة السياسية المطلوبة. ولكن الحقيقة أن المؤسسات الإعلامية في أي بلد من بلدان العالم غالباً ما تحدد أسبقيات ما تنشره وما لا تنشره من خلال ظروف تقنية بحتة لا علاقة لها البتة بالموضوع المنشور، وتتحكم بالزمن المتاح في وسائل الاتصال والإعلام المسموعة والمرئية، والمساحة المتاحة على صفحات الصحف والمجلات. ويؤثر التبادل الإعلامي الدولي على اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية للدولة، من خلال مساهمته بإمداد أصحاب القرار بالمعلومات اللازمة، التي يمكن على أساسها اتخاذ قرار معين.
ويبرز دور التبادل الإعلامي الدولي من خلال وكالات الأنباء والإذاعات المسموعة والمرئية العالمية، والصحف والمجلات الأكثر انتشاراً في العالم، إبان الأزمات السياسية والاقتصادية، والكوارث الطبيعية، والأخطار التي تهدد بلادهم أو تهدد البشرية، والصدامات العسكرية الساخنة، أو التهديد باستخدام القوة العسكرية على الساحة الدولية. حيث يعتمد أصحاب القرارات الحاسمة عند دراستهم للظروف والأوضاع من كل الجوانب، قبل اتخاذ القرار اللازم، على ما توفره مصادر الاتصال والإعلام الدولية، والمصادر الدبلوماسية، ومصادر أجهزة أمن الدولة، ولهذا تعكف بعض المؤسسات العلمية على دراسة العلاقة بين عملية التبادل الإعلامي الدولي وعملية اتخاذ القرارات السياسية، من قبل الزعماء السياسيون، كواحدة من مؤشرات العلاقات الدولية بشكل عام.
ومن الأبحاث الإعلامية الكثيرة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، الدراسة التي قامت بها مجلة Public Opinion Quarterly لمعرفة عادات القراءة لدى قادة الرأي الأمريكيين، وأظهرت أن وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة من قبل كبار قادة المؤسسات السياسية والاقتصادية الأمريكية، تعتبر مصادر معلومات يؤخذ بها من قبلهم، لاتخاذ القرارات ومزاولة مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية. وتناولت الدراسة 545 شخصاً من بينهم: منفذون في المجالات الصناعية؛ ومنفذون في المجالات غير الصناعية؛ وأصحاب ثروات كبيرة؛ وزعماء الجمعيات الخيرية؛ وأعضاء الكونغرس الأمريكي؛ ورؤساء اتحادات عمالية؛ وموظفون فيدراليون؛ وكبار موظفي الخدمة المدنية؛ وشخصيات رسمية في الأحزاب السياسية؛ وعاملين في المؤسسات الصحفية؛ وشخصيات من البيت الأبيض؛ وأكاديميون اقتصاديون؛ وغيرهم. وأظهرت نتائج الدراسة أن الشرائح الاجتماعية المدروسة تطالع الصحافة الدورية بنسب مؤوية تتراوح ما بين 84% و 2%، وأن أكثر الصحف مطالعة بين رجال الكونغرس هي "الواشنطن بوست" 82%، وأقلها مطالعة هي الـ"وول ستريت جورنال" 31 %، ومن بين المجلات "يو إس نيوز إند وورلد ريبورت" 70% وأقلها "فورين إفيرز" 16% أي أن رجال الكونغرس يفضلون مطالعة الصحف أكثر من المجلات، بفارق واضح. وبقي أن نؤكد هنا على أن دراسات عادات المطالعة والاستماع والمشاهدة، لدى قادة الرأي، ومن ثم دراسة مضمون الرسائل الإعلامية، المبنية على نتائج تلك الدراسات، تسمح للمخططين الإعلاميين بزيادة فاعلية وتأثير الحملات الإعلامية، وللمخططين السياسيين من زيادة فاعلية دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، كواحدة من أدوات تنفيذ السياسة الرسمية للدولة، وكمصدر نافع من مصادر المعلومات لرسم تلك السياسة. وتوسيع دورها في عملية التبادل الإعلامي المحلي والدولي.
فاعلية التبادل الإعلامي الدولي: تساعد وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، على تكوين المواقف من القضايا المطروحة، أو تضخيمها، وتلعب دوراً كبيراً في عملية التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري، لدى القراء والمستمعين والمشاهدين، كما وتساعد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية على تدعيم سلوك الجمهور الإعلامي من موقف معين، أو التشكيك به، أو رفضه، أو تغييره لصالح موقف جديد. وهذا متوقف على مدى تكثيف الحملة الإعلامية والوسائل المستخدمة فيها، ومدى وضوح موقف مستقبل الرسالة الإعلامية للقائم بالاتصال، أو تعرض مستقبل الرسالة الإعلامية لموقف إعلامي غير متماسك أو لصور نمطية سبق لمستقبل الرسالة الإعلامية وتعرض لها، ومدى تحيزه من مضمون الرسالة الإعلامية بحد ذاتها، ولا بد للقائم بالاتصال من معايير خاصة يعتمد عليها، من أجل الوصول إلى فاعلية أكبر من الحملات الإعلامية الدولية، وإمكانيات أكثر للوصول إلى الأهداف المرسومة للحملة الإعلامية. ولابد من مقاييس يعتمد عليها المخططون للحملات الإعلامية، والقائمون بالاتصال لتحديد مدى نجاح أو فشل الحملة الإعلامية، ومن تلك المعايير مثلاً القدرة على التصدي للإعلام المضاد الموجه لنفس الساحة الإعلامية، ومدى قدرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية المستخدمة من قبل القائمين بالاتصال على انتزاع المبادرة من الإعلام المضاد والتوجه إلى الجمهور الإعلامي بشكل أكثر فاعلية في المواضيع المطروحة، والمعيار من الأمور الهامة جداً لقياس راجع صدى الرسالة الإعلامية ومعرفة مدى نجاح الحملة الإعلامية. ولو أن الظروف الدولية من تأزم أو انفراج العلاقات الدولية، تعتبر من الأمور الخارجة عن نطاق المعايير الإعلامية، ولكن الحملات الإعلامية قد تؤدي في بعض الحالات إلى انفراج أو خلق أزمات في العلاقات الدولية المتشعبة.
ومن المناهج المستخدمة لقياس راجع الصدى في الحملات الإعلامية الدولية، نذكر: المناهج الاستقرائية التي طورتها إدارة الإعلام والتعليم في جيش الولايات المتحدة الأمريكية من خلال البحوث التطبيقية التي أجرتها إبان الحرب العالمية الثانية، وأعقبتها أبحاث هوفلاند وزملائه، وجرى من خلال تلك الأبحاث قياس تأثير الاتصال من خلال التجريب المحكم بالتركيز على العناصر التالية: القائم بالاتصال وتبين أن تأثير الرسالة الإعلامية يزداد في حالة إذا كان القائم بالاتصال ينقل مواقف تتماشى ومواقف مستقبل الرسالة الإعلامية، وأن المستقبل يبدأ بنسيان مصدر الرسالة الإعلامية، أو القائم بالاتصال بعد مدة وجيزة، وهو ما أطلق عليه اسم الأثر النائم، وأنه هناك عوامل مساعدة أخرى لزيادة التأثير الذي يمارسه القائم بالاتصال، على مستقبل الرسالة الإعلامية كالسن والجنس والمظهر الخارجي للقائم بالاتصال، وتبين أن الرسالة الإعلامية تزيد من فاعلية الحملة الإعلامية الدولية ويمكن أن يتم ذلك في حالة إذا توافقت الرسالة الإعلامية مع أهداف الحملة الإعلامية الدولية، واحتياجات مستقبلي الرسالة الإعلامية، والقيم السائدة والمواقف الفكرية والآراء والمعتقدات الخاصة بهم. ولوحظ أيضاً أن العرض الجزئي للمشكلة أكثر تأثيراً لدى المستقبل إذا كان محدود الثقافة والتعليم. وأن عرض المشكلة من كل جوانبها يكون أكثر تأثيراً على المستقبل الذي حصل على نسبة أعلى من التعليم والثقافة أو إذا كان المستقبل يعارض مبدئياً مضمون الرسالة الإعلامية، وهذا يمكن أن يساعد على تحصين المستقبل ضد الدعاية المضادة مستقبلاً، فيما لو روعيت عناصر اختيار المصادر الإعلامية، والطريقة التي يتم من خلالها عرض الرسالة الإعلامية، مع التطورات السابقة واللاحقة للقضية المطروحة.
وتبين أن الوسيلة الإعلامية والرسالة الإعلامية مرتبطتان الواحدة بالأخرى، لأن طريقة عرض وتقديم الرسالة الإعلامية مرتبط بالتأثير الإعلامي إلى درجة تعادل أهمية الرسالة الإعلامية نفسها، وأنه لابد من مراعاة مدى انتشار كل وسيلة إعلامية جماهيرية في القطاعات المستهدفة من الحملة الإعلامية الدولية قبل استخدامها، واختيار الوسيلة التي يمكن أن تعطي أكبر قدر ممكن من التأثير والفاعلية الإعلامية، وهناك من يرجح الاتصال المباشر، ومن يرجح الإذاعة المسموعة، ومن يرجح الإذاعة المرئية، وهناك من يرجح المادة المطبوعة، وكلها احتمالات يمكن الاستفادة منها في حدودها الممكنة، لأن موقف مستقبل الرسالة الإعلامية يتوقف على معرفة خصائص مستقبل الرسالة الإعلامية من النواحي الثقافية والفكرية والمعتقدات والمواقف السياسية وأنماط السلوك والسن والجنس والوضع التعليمي والوضع الاجتماعي والاقتصادي، والعنصري والإقليم الجغرافي والنظام الذي ينتمي إليه.
وتركز المناهج الاستنباطية المعتمدة على النظرية السلوكية، على تغيير المواقف وتكوينها وتعديلها. وتعمل نظرية المعرفة، على شرح تكوين المواقف وتعديلها والتنبؤ بأثر عملية الاتصال، والتركيز على تعديل المواقف من خلال معتقدات وعواطف الفرد، وتحقيق التوافق المنطقي لمعارف الفرد، وتعتمد كلها على عملية الاتصال.
وعملية الاتصال في التبادل الإعلامي الدولي هي مجموعة وسائل تربط بني البشر ببعضهم البعض، وتحقق التفاعل والعلاقات الإنسانية، وقد تعرَّف على أنها عملية لتغيير المفاهيم باستعمال اللغة أو أي من الوسائل الأخرى المتيسرة، وعملية الاتصال تهدف إلى إحداث تجاوب مع الشخص أو الأشخاص المتصل بهم، وبعبارة أخرى تحاول أن تشاركه أو تشاركهم في استيعاب المعلومات أو في نقل فكرة أو اتجاه فكري إليه أو إليهم، ويعرَّف الاتصال أيضاً بأنه عملية يتم من خلالها تبادل المفاهيم بين الأفراد وذلك باستخدام نظام الرموز المتعارف عليها، ويعتبر استخدام اللغة طريقة من أكثر وسائل الاتصال شيوعاً بين المرسل والمتلقي.
وعلم الاتصال يمتد بجذوره في التاريخ إلى أرسطو الذي وضع أسساً علمية لعملية الاتصال لم تزل قائمة حتى الآن للتفاعل بين (الخطيب - المرسل) و(الجمهور - المستقبل) تقوم على أن يعد المرسل (رسالته - خطبته) بصورة شيقة وجذابة ومقنعة، حتى يمكن أن تؤثر في الجماهير بالصورة المستهدفة، لأنه لا قيمة للاتصال، من وجهة نظر أرسطو ما لم يكن مقبولاً ومفهوماً من (الجمهور - المستقبلين). وهذا إيضاح لمحور العلاقة التي حددها أرسطو بين المرسل، والرسالة، والمستقبل، حيث قسم أرسطو الموقف الاتصالي إلى ثلاث مراحل: الخطيب؛ الخطبة؛ الجمهور، وأوجب أرسطو على (الخطيب - المرسل) أن يدرك ما يعتمل في نفوس الجمهور من قيم ومبادئ ومعايير وسنن اجتماعية. وعلى أساس إدراك الجمهور للرسالة يتأثر بتفسيره لهذه الرسالة. وهذا التفسير يعتمد على الوضعية الاجتماعية للجمهور من حيث تنشئته الاجتماعية، والإطار أو النسق القيمي الذي يأخذ به.
أما الموقف الاتصالي لدى ابن خلدون فينحصر بأن المرسل لا يعرف القصد مما عاين أو سمع، وينقل الخبر كما يظن ويخمن فيقع في الكذب في كثير من الأحيان، وأن الرسالة من الضروري مناقشتها في ذاتها للوقوف على مدى اتفاقها مع طبيعة الأمور، ومع الظروف والملابسات التي يحكيها الراوي - المرسل - ومناقشة مادة تلك الرواية – الرسالة، وقد أوجب ابن خلدون على المستقبل أن يتأكد من أمانة الراوي - المرسل، وصدقه وسلامة ذهنه، وطهارة عقيدته، ومتانة خلقه، وقيمته الشخصية.
وهناك عدة نظريات للاتصال منها على سبيل المثال لا الحصر نظرية كولن في الاتصال التي يمكن تلخيص الموقف الاتصالي فيها على النحو التالي:
المرسل: يستمد من عقله الرسالة التي يرغب في توصيلها إلى شخص آخر؛
الرسالة: يستخدم الإنسان عقله وقدراته واستعداداته النفسية مثل التذكر والإدراك والانتباه لاستيعاب تلك الرسالة؛
والتغذية العكسية: أو راجع الصدى وهي الاستجابة للرسالة (المثير) تلك التي تعود إلى المرسل، وبذلك تكمل الدورة الاتصالية.
وتعتمد هذه النظرية على عقل الإنسان باعتباره المركز الرئيسي للاتصال سواء في الإرسال أم في الاستقبال.
أما ستيفنسون فقد ربط بين نظريته في الاتصال و"الإمتاع" على أساس أن "المستقبل" يشعر بالاستغراق والمتعة فيما يقرأ أو يشاهد لاسيما في الاتصال الجماهيري، وأنه لكي تستمر المتعة فيما يقرأ أو يسمع أو يشاهد من الضروري أن تتخلل العملية الاتصالية بعض القطع الموسيقية أو الأغنيات الخفيفة لتقليل حالة الضغط الإعلامي على المستقبل. ويلاحظ أن من شروط الموقف الاتصالي في هذه النظرية:
إلزام المرسل بإيديولوجية المجتمع التي من أهدافها ربط المواطنين بمجتمعهم والارتقاء بأذواقهم في مختلف النواحي الاجتماعية والثقافية؛
وصياغة الرسالة بأسلوب شيّق يعتمد على الإمتاع بشكل يجعل المستقبل على اتصال مستمر بمصادر المعلومات؛
وإتاحة الفرصة للمستقبل للدخول في حوار مع المرسل، حتى يؤدي ذلك إلى تكوين رأي عام مستنير، يعتمد على الحقائق الواضحة، وليس على ما تقدمه له الأجهزة التنفيذية، دون أن تكون للجماهير حق معرفة مصادر وصدق وثبات ما يقدم لها من معلومات.
أما نظرية لازر سفيلن فتلخص الموقف الاتصالي على النحو التالي: المرسل: وهو الذي يؤلف وينقل الرسالة؛ والرسالة: وهو ما يرغب المرسل إرساله إلى المستقبل عبر وسائل الاتصال الجماهيرية؛ والمستقبل (الجمهور الإعلامي): وهذا الجمهور، من وجهة نظر تلك النظرية لا يتأثر بالرسالة مباشرة وإنما يتأثر بها أكثر إذا ما نقلت إليه مرة أخرى عن طريق قادة الرأي ويمكن تصور مفهوم قادة الرأي من خلال الدراسات التي أجريت على بنية الاتصال في المجتمعات القروية. حيث يحتكر قائد الرأي بعض الأساليب الاتصالية (القراءة) أو أجهزة الاتصال السمعية والبصرية مثلاً. ومن خلال متابعته للقراءة أو الاستماع، فإنه يستطيع إعادة صياغة الرسالة بشكل يتفق مع الحالة المعنوية للمستقبل.
أما نظرية إسفيروس في الاتصال فقد ركزت على العملية الاتصالية كظاهرة اجتماعية تقوم على التفاعل الذي يتحقق في المجتمع وعلى ارتباطه ببقية الظواهر الاجتماعية الأخرى. وبذلك أعتبرها موضوعاً إنسانياً بالدرجة الأولى. وعلى ذلك فإن الموقف الاتصالي في هذه النظرية يقوم على: المرسل: وهو المجتمع؛ والرسالة: وهي التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها؛ والمستقبل: وهو المجتمع أيضاً؛ ووسائل الاتصال: مثل الإذاعتين المسموعة والمرئية، والصحف، وهي المنابر التي لا يرتقيها القادة السياسيون وحسب، وإنما يجب أن ترتقيها الجماهير أيضاً، لكي تعبر عن مطالبها وآمالها، ولكي تشترك بالرأي في إدارة شؤون المجتمع التي ليست حكراً على أحد.
أما ويفر وشانون فيحددان العلاقة بين المرسل والرسالة والمستقبل بـ: المرسل: (أخصائي اجتماعي) ينتخب أو يختار رسالة (مجموعة توجيهات) يرغب في توصيلها إلى مستقبل (مبحوث) الأمر الذي يضطر المرسل إلى تحويل رسالته إلى شكل أو هيئة أو رمز، بحيث يمكن نقلها عبر قنوات الاتصال إلى المستقبل (المبحوث).
وبذلك يكون عقل الأخصائي الاجتماعي هو مصدر المعلومات؛ والرسالة: وهي عبارة عن مجموعة توجيهات من أخصائي إلى مبحوث يتولى صوت الأخصائي الاجتماعي توصيلها، وتقوم الموجات الصوتية بدور قناة الاتصال الرئيسية لعملية الاتصال؛ والمستقبل: وهو الذي يتلقى الرسالة ويقوم بتحويلها إلى الشكل أو الرمز الذي كانت عليه في هيئتها الأولى، وبذلك يكون عقل المبحوث هو الهدف الذي يرمي الأخصائي الاجتماعي إلى إيصال التوجيهات إليه. على حين تمثل أذن المبحوث جهاز الاستقبال الذي يتلقى المعلومات.
أما هودينت فقد حدد العناصر الفعالة لعملية الاتصال في سبعة عناصر هي:
مشكلة؛ ومرسل؛ ورسالة؛ ووسيلة؛ وأحياناً ناقل؛ ووسيلة مستقبل؛ واستجابة.
والسؤال الذي يمكن طرحه الآن، هو: كيف تؤثر وسائل الإعلام في إشباع حاجات الفرد الاجتماعية ؟ لأن الوسائل تنشر المعلومات وتزوِّد الأفراد بعدد من الموضوعات التي تسهِّل عملية الاتصال المتبادل، وهذا يعني أن وسائل الإعلام تقدم إلى جمهور واسع من الناس، معلومات عن حوادث أو ظاهرات معينة خاصة لها أهمية اجتماعية. ولكن ليس للإنسان دائماً الفرصة ليكوِّن علاقات مع الآخرين وهو وحيد لأسباب مختلفة. إن هذا النقص في الارتباط بالعالم الخارجي ربما يؤدي به إلى اليأس، ويستطيع جهاز الراديو أو التلفزيون أن يسديا له خدمة كبرى. فصوت الراديو يبعد شعوره بالوحدة وهذه إحدى الخدمات النفسية المهمة التي يؤديها الراديو وهذا ينطبق على التلفزيون ولو أن تأثير الأول أوسع في هذا المجال من الثاني، ولكن لماذا يعير عدد كبير من الناس الذين يعانون من هذا النقص في الروابط الاجتماعية، اهتماماً كبيراً لوسائل الإعلام ؟ والجواب لأن الإنسان يحتاج للارتباط بالآخرين وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن هذه الارتباطات تتطلب منه درجة معينة من التكيف وتستطيع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري أن تمنحه تعويضات تتطلب منه درجة معينة من التكيِّف. كما وتستطيع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري أن تزوِّده بتعويضات لإشباع حاجته للاتصال الاجتماعي، وليستطيع أن يكوّن صلة اجتماعية مع أشخاص يتمتعون بأهمية اجتماعية كبيرة عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويستطيع كذلك أن يناقش ويجادل، ويستطيع أن ينهي المناقشة بإشارة من يديه عندما يرغب ذلك، وهكذا فإشباع حاجة التكيُّف (الملائمة) عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري، أصبحت عنصراً ضرورياً في حياة إنسان هذا العصر. ويبدو كأنها قضية للتكيُّف وهو ليس متعلقاً بسؤال (ماذا) فقط، وإنما بـ (كيف) و(لماذا) أيضاً وهذا يعني أن الإنسان يحتاج للتكيُّف لكي يستوعب، وإن هذا التكيف يعلمه أي سلوك عليه أن يتبنى في مواقف معينة، ليسدي له بالنصيحة عن كيفية التصرف في مواقف معينة لكي يصل إلى إشباع أكبر حاجاته. وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في هذا المجال واسع جداً لأنها تزوِّد الفرد بخلاصات مميزة لقيم المجتمع ومستجداته. ولا تكتمل دائرة الاتصال إلا حين تتوافر لموقف نقل الخبرة جميع العناصر اللازمة لعملية الاتصال ويدل توافر تلك العناصر على أن الدائرة تؤدي عملها بصرف النظر عن طبيعة التعليم المنتظر، ولتقدير فاعلية نقل الخبرة ينبغي مراعاة إعطاء انتباه خاص للتغييرات التي تبدو متداخلة ومؤثرة على هذه العملية.
ويمكن تحديد العلاقة بين عناصر الاتصال:
أولاً: بالمصدر: سواء أكان فرداً أو مجموعة من الأفراد، وهو عامل هام في الاتصال ويتوقف أداؤه لمهمته على أنواع المتغيرات التي تتضمنها عملية الاتصال بصرف النظر عن إمكانية توجيهها أو ضبطها، وقد لا تتوافر مصادر المعلومات الكافية والمناسبة، وربما تنقص المصدر المهارة اللازمة لإعداد مضمون رسالته بدقة وفعالية، وإذا كان المصدر شخصاً ما، فما هي اتجاهاته نحو عمله ونحو مستقبلي الرسالة الإعلامية، ونحو الوسيلة الإعلامية التي يستخدمها. وهذه بعض العوامل التي تؤثر على عملية الاتصال؛
ثانياً: يتطلب استكمال دائرة الاتصال تواجد المصدر في جانب والمستقبل في جانب آخر، ولو أن المصدر قد يكون هو المستقبل في نفس الوقت. فإننا نتحدث هنا عن شخصين مختلفين، وكما كانت توجهات المصدر مهمة فإن اتجاهات المستقبل لا تقل أهمية عنها، وإذا كان للمستقبل اتجاه سلبي نحو المصدر فإن التعليم يصبح قليل الفاعلية، وقد تكون النتيجة مشابهة للشعور المماثل الذي يشعر به المستقبل اتجاه الكتاب أو إلى مواد التعلم الأخرى، عندما لا يكون في حالة تقبل للمصدر. وأكثر من ذلك فإن استقبال الرسالة الإعلامية يتطلب مهارات معينة، وبصرف النظر عن قدرة المستقبل على استخلاص المعاني والقراءة المناسبة والاستماع والتفكير فإن هناك متغيرات هامة ينبغي اعتبارها في الموقف التعليمي والاتصالي؛
ثالثاً: الرسالة الإعلامية: التي تعتبر أن عملية تضمين الرسالة واستخلاص محتواها خطوة هامة في الاتصال. فقد يستخدم المصدر بعض المصطلحات كرموز لجميع أجزاء ومقاطع المعلومات. مما يؤدي إلى صعوبة فهمها من قبل المستقبل، مما يؤدي إلى إضعاف عملية الاتصال، ومثال على ذلك ما يحدث في تعلم لغة أجنبية، فإذا أغفل المصدر مستوى المستقبل، وطبيعة الرسالة والأسلوب الذي تقدم به المعلومات، والأفكار، فمن غير المشكوك به أن كثيراً من هذه المعلومات ستتعرض للضياع، بصرف النظر عن شكل أو أسلوب الاتصال الذي يستخدم، ولهذا يجب على القائم بالاتصال أن يعالج الرسالة الإعلامية بشكل ملائم ومنسق وأن يعاد صياغة الرسالة الإعلامية في كل مرة لضمان استقبال نافع وفعال؛
رابعاً: يمكن أن يكون التوافق بين المرسل والمستقبل عندما يراعى في عملية الاتصال بينهما مستوى الخبرة المتوفرة لديهما في إطار المعلومات الاجتماعية والثقافية... إلخ. وفي بعض الحالات التي لا يملك فيها المصدر الصورة الواضحة عن مستوى فهم المستقبل وقدراته فإننا نجد أن اللغة المستخدمة والأمثلة المختارة والأسلوب الذي تقدم به المعلومات قد لا تؤدي إلى استقبال واضح ودقيق لدى المستقبل، الذي يمكنه في هذه الحالة أن يستجيب للمثير فقط من خلال خبراته ومعلوماته المتعلقة بموضوع الرسالة الإعلامية.
وخلاصة القول أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية هي من الركائز الأساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد المجتمع وتعد أساساً لتفاعلاته الاجتماعية وتقريب وجهات النظر بين مواطني البلد الواحد والمجتمعات المختلفة، وقد تسابقت فعلاً قنوات إذاعية عربية منذ خمسينات القرن الماضي، ومن ثم تلفزيونية عربية فضائية منذ تسعينات القرن الماضي لإنتاج برامج منوعات هامة هدفها نيل ثقة المجتمع العربي واستقطاب أكبر نسبة من المستمعين ومن ثم المشاهدين. وفي خضم الحملة الأخيرة برزت وانتشرت بقوة ظاهرة تعريب برامج أجنبية، رغم أنها تتطلب تحضيرات خاصة وفرق عمل محترفة إضافة لمبالغ هائلة من الأموال، مما يفرض الحاجة للتساؤل عن كيفية انتقاء تلك البرامج ومعايير اختيار أفكارها وتنفيذها من البداية وحتى النهاية، لتتلاءم مع المجتمعات العربية والتعديلات التي تجرى عليها كي تنسجم مع أذواق الجمهور العربي وأفكاره في وقت أصبح ما تبثه القنوات التلفزيونية الفضائية لا يتقيد لا بالقوانين المعمول بها ولا بالتقاليد ولا بالأعراف المتعارف عليها محليا في معظم الدول العربية، وكانت المؤسسة اللبنانية للبث التلفزيوني (LBC)، السباقة في تعريب وإنتاج برامج أجنبية، منها على سبيل المثال لا الحصر برامج: «يا ليل يا عين» و«ستار أكاديمي» و«حلها واحتلها» و«قسمة ونصيب» و«من سيربح المليون». وتبقى الأهداف الحقيقية من وراء تعريب تلك البرامج الأجنبية بالذات، والتسهيلات الكبيرة التي قدمها أصحاب حقوق تأليفها ونشرها الأجانب للناشر الجديد، بحاجة لدراسة أكاديمية بحتة تقوم بها جهات معنية مختصة في الدول العربية لمعرفة مدى تلبيتها لأذواق كل الشرائح الاجتماعية، وأسباب الاعتماد على تلك البرامج الأجنبية، ومدى تأثيرها على الجمهور الإعلامي المحلي وإنتاج البرامج المحلية وعلى اللغة العربية التي تتعرض في الوقت الحاضر لهجمة شعواء من قبل قوى كثيرة. وهل الدافع الحقيقي هو إشراك الجمهور في البرامج ؟ وهل هذا الإشراك هو لإثبات الانتشار لتحقيق أرباح تجارية عن طريق الحصول على إعلانات تجارية باهظة الثمن ؟ أم دفع الآلاف للتصويت هاتفياً وعبر خدمة الرسائل النصية القصيرة (SMS) بالغة التكاليف بمجموعها ؟ وأخيراً من المستفيد منها ؟ وهل هي لترسيخ بيئات ثقافية واجتماعية أوروبية وأميركية في أذهان المشاهدين العرب لإحداث تغيير مطلوب في طريقة وأسلوب التفكير عند الإنسان العربي، ولتحديد إيجابيات وسلبيات تلك التصرفات على المجتمع العربي في وقت يتعرض فيه لأقسى أنواع الغزو الثقافي وكلها تحتاج للدراسة وللتفكير والتحليل لمساعدة المسؤول في موقع مسؤوليته والبحث عن مخرج خوفاً من أن تكون تلك التصرفات شكلاً من أشكال الغزو الثقافي المبطن الذي يطال المجتمع العربي في الصميم.
للمزيد يمكن مراجعة المراجع المستخدمة في البحث وهي:
1. أحمد صوان: أوراق ثقافية.. عن الإعلام وعيد الصحفيين. // دمشق: تشرين، 19/8/2007.
2. د. الإدريس العلمي: الإعلام الذي نريده: دراسة مقدمة إلى لجنة أليسكو لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي. 1983.
3. إدوارد كوين: مقدمة إلى وسائل الاتصال. ترجمة وديع فلسطين، القاهرة: مطابع الأهرام، 1977.
4. أوسكار لانجه: التخطيط والتنمية الاقتصادية. دمشق: مركز الدراسات الاقتصادية، 1970.
5. التقرير الختامي لندوة خبراء " إستراتيجية تنميـة القـوى العاملـة العـربية في بغداد" 4-6 تشرين أول/أكتوبر 1982. // مجلة العمل العربي العدد 25/1982.
6. حسين العودات: الإعلام والتنمية. دراسة مقدمة إلى ندوة خبراء السياسات الإعلامية والوطنية. بنغازي 25-28 نيسان/ أبريل 1983.
7. جواد مرقة: متخذو القرار الإعلامي العربي والمتوسطي والإفريقي. // عمان: صحيفة الدستور، 1/7/1997.
8. د. جبار عودة العبيدي، هادي حسن عليوي: مدخل في سياسة الإعلام العربي والاتصال. صنعاء: مكتبة الجيل الجديد، 1993.
9. د. جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام. القاهرة: دار الفكر العربي، 1978.
10. رولان كايرول: الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية. ترجمة: مرشلي محمد. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1984.
11. سها سهيل المقدم: مقومات التنمية الاجتماعية وتحدياتها. بيروت: معهد الإنماء العربي. 1978.
12. د. سهير بركات: الإعلام الإنمائي وإعداد البنية البشرية الإعلامية العربية. // مجلة الإعلام العربي العدد 2، كانون أول/ديسمبر 1982.
13. صفات سلامة: الإعلام العلمي العربي: الواقع.. والمأمول. // لندن: الشرق الأوسط، 21/8/2007.
14. د. طلال البابا: قضايا التخلف والتنمية في العالم الثالث. بيروت: دار الطليعة. 1971.
15. ظاهرة «تلفزيون الواقع» وترجمتها على الشاشات العربية. // لندن: الشرق الأوسط، 16/9/2007.
16. د. عبد الوهاب مطر الداهري: دراسات في اقتصاديات الوطن العربي. بغداد: معهد البحوث والدراسات العربية 1983.
17. كارولين عاكوم: «استيراد» البرامج التلفزيونية.. بين حاجة القنوات ورغبة الجماهير، شراء حقوقها يخضع إلى معايير النجاح الجماهيري والنوعية الجيدة والإنتاج الضخم. // لندن: الشرق الأوسط، 16/9/2007؛ - ظاهرة «تلفزيون الواقع» وترجمتها على الشاشات العربية. // لندن: الشرق الأوسط، 16/9/2007؛ - الصحافة.. علم يدرس أم مهارة تكتسب؟ // لندن: الشرق الأوسط، 9/9/2007؛ - هل جاء عصر التحالفات الإعلامية العربية؟ اندماج «روتانا» و«إل بي سي» يسلط الضوء على مستقبل «التكتلات» في المنطقة. // الرياض: الشرق الأوسط 12/8/2007.
18. د. محمد البخاري: العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. // دمشق: المعرفة، العدد 519 كانون أول/2006؛ - التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006؛ (باللغة الروسية) - التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006؛ (باللغة الروسية) - مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006؛ (باللغة الروسية) -"العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة" أطروحة للحصول على درجة دكتوراه علوم في العلوم السياسيةDC ، من أكاديمية بناء الدولة والمجتمع، الاختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجيا؛ والمشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور العالمي". طشقند: 2005؛ (باللغة الروسية، بحث غير منشور) - الإعلام التقليدي في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // جدة: مجلة المنهل، العدد 592/أكتوبر ونوفمبر 2004؛ - قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، طشقند: مطبعة "بصمة" 2004؛ (باللغة الروسية) - العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. // الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 18، 1424هـ، 2003م؛ - المعلوماتية والعلاقات الدولية في عصر العولمة. // الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 320/2003؛ العلاقات العامة والتبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب الدراسات العليا (الماجستير)، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001؛ (باللغة الروسية) - "دور وسائل الإعلام الجماهيرية في التنمية والثقافة والتعليم" أطروحة للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الأدب phD (صحافة) من جامعة موسكو الحكومية، 1988؛ (باللغة الروسية، بحث غير منشور) - "دور الصحافة السورية في التنمية والثقافة والتعليم" أطروحة للحصول على درجة الماجستير في الصحافة. جامعة طشقند الحكومية، 1984. (باللغة الروسية، بحث غير منشور)
19. د. محمد البخاري، د. دانيار أبيدوف: الخدمات الإعلامية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 491/آب 2004.
20. محمد عاطف غيث: التنمية الشاملة والتغير الاجتماعي. بيروت: مطبعة كريدية، 1974.
21. محمد مصالحة: نحو مقترب علمي لحق الاتصال في الوطن العربي. // مجلة شؤون عربية العدد 24 آذار/مارس 1983.
22. مقدمة ابن خلدون. بيروت: دار القلم، 1978.
23. نادي روما: من التحدي إلى الحوار. ج2، ترجمة عيسى عصفور. دمشق: وزارة الثقافة، 1980.
24. فيصل عباس: مردوخ يشتري «داو جونز».. و«حاجز» لمنع تدخله في تحرير «وول ستريت جورنال» // لندن: الشرق الأوسط 1/8/2007؛ - مدير تسويق «إم بي سي»: نعمل على تطوير دخلنا من مصادر غير الإعلان. // لندن: الشرق الأوسط، 12/8/2007.
25. د. كمال بلان، وسليمان الخطيب: المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي ومدلولاتها على التنمية. // تونس: مجلة الإعلام العربي. العدد 2/1982.
26. كيف نصون لغتنا في عصر العولمة. // دمشق: الثورة، 17/9/2209.
27. ليستر يبرسون: ماذا يجري في العالم الغني والعالم الفقير. إعداد إبراهيم نافع، القاهرة: دار المعارف بمصر 1971.
28. ولبر شرام: وسائل الإعلام والتنمية القومية. ترجمة أديب يوسف. دمشق: وزارة الثقافة، 1969.
29. اليونسكو: التقرير الختامي للجنة الدولية لدراسة مشكلات الإعلان. باريس 1978.
30. John Martin: Effectiveness of International Propaganda, The Annals of the American Academy of Political and social Science, Vol. 398, Nov. 1971, p. 61.
31. Joseph T. Klapper: The Effects of Mass Communication. New York, Free Press, 1960, pp. 108-109.
32. Carlo Mongardini: A new definition of the concept of development. The New International Economic Order, Vienna 1980. p. 41.

طشقند 26/6/2009

رواد التهضة المعاصرة للتراث الفني التشكيلي في جمهورية أوزبكستان

رواد النهضة المعاصرة للتراث الفني التشكيلي في جمهورية أوزبكستان

أ. د. محمد البخاري


شهدت سبعينات القرن الماضي مولد حركة عفوية شملت الأوساط الثقافية الأوزبكية بكل ألوانها واتجاهاتها، وركزت تلك الحركة العفوية على إحياء وتجديد التراث الثقافي الأصيل للشعب الأوزبكي، ذلك التراث الذي خضع في تلك الحقبة التاريخية لسياسة طمس رسمية للمعالم الثقافة القومية للشعب الأوزبكي كغيره من الشعوب الإسلامية التي كانت خاضعة آنذاك للحكم السوفييتي البائد، وما رافقها من إجراءات كادت تؤدي إلى فرض ثقافة غريبة على تلك الشعوب، في تناغم مع سياسة فرض اللغة الروسية محل اللغات القومية للشعوب الإسلامية الخاضعة للحكم السوفييتي بعد أن استبدلت أبجدياتها العربية قصراً بالحرف الكيريلي الروسي بقرار من الحكومة السوفييتية خلال النصف الأول من القرن العشرين.
ومن بين الاتجاهات التي مثلت الحركة العفوية تلك كان تأسيس رابطة أسطى قامت به جماعة من الفنانين التشكيليين الأوزبك الشباب، للتعبير عن ذاتها وتطلعاتها نحو إحياء الأصالة القومية للفنون الجميلة والتطبيقية التقليدية الأوزبكية المتوارثة عبر الأجيال، ولم يخف اتحاد الفنانين التشكيليين الأوزبكي وهو الخاضع للسلطة آنذاك دعمه لتلك الحركة، لأنه كان بدوره أيضاً يسعى للمحافظة على الفنون التشكيلية والتطبيقية القومية المميزة للشعب الأوزبكي وإحياءها وتطويرها.
ورافق تأسيس تلك الرابطة قيام الفنان التشكيلي الأوزبكي الكبير المرحوم تشنغيز أحماروف بتأسيس ورشة تجريبية جمع فيها من حوله مجموعة من الفنانين الشباب المتحمسين لإحياء فنون المنمنمات والرسوم والنقوش الجدارية القومية الأوزبكية. خاصة وأن أحماروف كان قد حرص ومنذ عام 1964 على تصميم ديكورات مستمدة من فنون منمنمات القرون الوسطى نفذها في ردهات وصالات مسرح علي شير نوائي الأكاديمي للباليه في طشقند، ومسرح حمزة الدرامي في طشقند (أوزبكستان)، ومسرح موسى جليلي الأكاديمي للباليه في قازان (جمهورية تتارستان في الفيدرالية الروسية اليوم)، وتصميم ملابس الممثلين في الأعمال المسرحية، والأفلام السينمائية التاريخية العديدة.
[1] وتكللت جهود تلك الورشة بتزيين جدران بعض محطات "مترو" العاصمة طشقند، ومتحف ميرزة ألوغ بيك، ومعهد أبو ريحان البيروني للإستشراق، ومتحف علي شير نوائي للآداب في طشقند، والعديد من المباني العامة في جمهورية أوزبكستان وخارجها بأعمال فنية تراثية بديعة، إضافة للمنمنمات البديعة التي زينت صفحات العديد من الكتب التي صدرت في تلك الحقبة من تاريخ الفنون الجميلة الأوزبكية. والأعمال التي نفذها مع تلامذته بتقنية "طاش قاغاز"[2] والموجودة اليوم بين مقتنيات العديد من المتاحف والمجموعات الشخصية في أنحاء مختلفة من العالم.
والفضل الأول لظهور حركة بعث فنون المنمنمات التقليدية في جمهورية أوزبكستان يرجع للنماذج النادرة المنفذة على صفحات الكتب التي تحدثنا عن الفترة الذهبية من تاريخ العالم الإسلامي والمحفوظة ضمن كنوز المخطوطات الإسلامية النفيسة التي حرص وحافظ عليها أبناء المنطقة في العديد من مكتبات المخطوطات في جمهوريات وسط آسيا
[3] وبقيت شاهداً حياً على آثار الفنون الإسلامية حتى اليوم. وتعتبر النماذج المحفوظة في مكتبة المخطوطات بمعهد أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع لأكاديمية العلوم في جمهورية أوزبكستان، ومكتبة الإدارة الدينية للمسلمين في أوزبكستان،[4] وبعض المتاحف في المنطقة من النماذج الفريدة بين المجموعات الموجودة في مختلف دول العالم، لأنه وكما هو معروف أن المنمنمات الإسلامية الجميلة كانت من بين الفنون المميزة التي زينت صفحات وأغلفة الكتب المخطوطة خلال عصر ازدهار الفنون الجميلة الإسلامية في ما وراء النهر.
ورافق فترة الصحوة القومية في أوزبكستان تفاوت كبير في آراء النقاد حول تاريخ فنون المنمنمات الإسلامية المتميزة بجمالها، وساد بينهم اعتقاد بـ "أن فنون المنمنمات الإسلامية خلال القرون الوسطى كانت محصورة في تزيين صفحات الكتب، وفي بعض النقوش والزخارف الأخرى المنفذة بتقنية خاصة"، وظل هذا الاعتقاد حتى أثبت الفنان التشكيلي الكبير الراحل تشنغيز أحماروف وتلامذته الشباب وبشكل قاطع "أن هذا الفن العريق كان موجوداً وبقوة في المنطقة"، وأن ما حدث في الماضي جرى تحت تأثير الأحداث التي عصفت بالمنطقة خلال تلك الحقبة التاريخية، وتمثلت بالحروب الداخلية المدمرة وما رافقها من إراقة للدماء، ودمار شديد في العمران، ونزوح للسكان أدى لخلو مناطق شاسعة من ما وراء النهر تقريباً من السكان. وخاصة خلال الفترة التاريخية التي رافقت انهيار حكم الأسرة التيمورية فيما وراء النهر خلال القرن السادس عشر، واستمرت حتى بدايات الاحتلال الروسي لتركستان في أواسط القرن التاسع عشر. وهو الاحتلال الذي بقي جاثماً في المنطقة حتى مطلع تسعينات القرن العشرين وتعرض خلالها التراث الثقافي لأبناء المنطقة إلى نهب وتدمير مخطط. وأدى بالنتيجة إلى ضياع نماذج أعمال فريدة لأساتذة فنون المنمنمات التي صورت أشياء جامدة وكائنات حية خلال تلك الفترة الهامة من تاريخ المنطقة في القرون الوسطى.
ولكننا ومن خلال بعض اللقيات الأثرية المحفوظة في متحف الفنون الجميلة الحكومي بجمهورية أوزبكستان. نستطيع التعرف اليوم على نماذج رائعة من تلك الفنون العريقة، وأن نتعرف أيضا على نماذج أخرى، من خلال النقوش التي تزين أغلفة الكتب المخطوطة من القرون الوسطى، بتقنية الورق المقوى والمعروفة باسم "جلدي روغاني"، والموجودة اليوم ضمن مجموعة مخطوطات معهد أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع للمجمع العلمي الأوزبكستاني.
وكلها تثبت ودون أي جدل، بأن هذا اللون من ألوان الفنون الجميلة، كان شائعاً ومزدهراً هناك في وقت من الأوقات. وتمثله النقوش النباتية والهندسية التي وشت فراغات أدوات الاستعمال اليومي المصنوعة من عجينة الورق المقوى والسيراميك. وهي الحقيقة التي أشارت إليها الناقدة الفنية دولينسكايا ف.، في مقالة كتبتها عن فنون المنمنمات بآسيا المركزية، ونشرتها في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين على صفحات مجلة زفيزدا فاستوكا (نجمة الشرق) التي تصدر في طشقند حتى اليوم، وأشارت فيها إلى أنه: "إضافة للأغلفة الجلدية، صنعت أغلفة رائعة من عجينة الورق، الموشاة بالرسوم".
[5]
وحقيقة هامة أخرى أشار إليها المؤرخ والباحث الأوزبكي إسماعيلوف إ. م.، عندما خرج باستنتاج قال فيه: "أن ما يميز الأغلفة المطلية الكشميرية، والإيرانية، عن غيرها من الأغلفة التي صنعت في بلدان المنطقة، احتواءها على رسوم طبيعية، وصور لكائنات حية. بينما تميزت أغلفة المخطوطات المصنوعة في ما وراء النهر باحتواء سطوحها على رسوم نباتية ونقوش ملونة، غطت كل مساحة الغلاف".
[6]
ومن الناحية العملية نرى أن تجهيز الأعمال الفنية بتقنيات فنون المنمنمات كان معروف من خلال بعض المصادر التاريخية القديمة عن الحقبة التاريخية الممتدة من القرن 13 وحتى القرن 15 الميلاديين، ومن خلال الوصوف التقنية الكثيرة التي تشير إلى تلك الحقيقة التاريخية.
[7]
ولكن المجددين المعاصرين واجهوا صعوبات في عملية تجهيز واستخدام الألوان، وتحديد العناصر الضرورية الداخلة في مواد تنفيذ النقوش المذهبة، وكانت تلك العناصر كلها مجهولة بالنسبة لهم في العديد من جوانبها. ومع ذلك بدأت المحاولات الأولى مع نهاية سبعينات القرن العشرين في طشقند، وفي آن معاً في كل من ورشات أسطى حيث جرت محاولات لإعداد وإنتاج مصنوعات فنية منمنمة مطلية، وفي منشآت وزارة الصناعات المحلية، والصناعات الخفيفة، وفي مصنع الهدايا القومية "سوفينير"، وفي ورشات النقوش المنمنمة، لإنتاج نسخ كثيرة من الأعمال الفنية التي استمدت مواضيعها من قصائد شعراء القرون الوسطى العظام في العالم الإسلامي.
وجرى تنفيذ تلك النقوش بالألوان المائية على سطوح خشبية، طليت بعد ذلك بالورنيش. وكانت عبارة عن هدايا تذكارية، صنعت دون التقيد بتقاليد فنون المنمنمات الإسلامية في ما وراء النهر، وبمستويات فنية منخفضة. وتأثرت بعض تلك الأعمال التي نفذت في ورشات أسطى ببعض مبادئ مدرسة باليخ الروسية للرسم، وظهرت جلية في أعمال الزوجين أ. و ف. فينوغرادوف، اللذان لم يتمكنا في أعمالهما من الوصول إلى العمق الفلسفي والروحي للشعر الإسلامي الذي كانا يجهلان عمق معانيه وتعبيراته الروحية، ولم يتمكنا من تصويره، ولا من تصوير الطبيعة الإسلامية الخاصة لتلك الحقبة التاريخية، ولم يتمكنا من إخراج التكوين الفني المتبع في أساليب الرسامين القدامى في المنطقة، والسبب أنهما لم يحاولا فهم واستيعاب الجوانب الأساسية للثقافة الفنية الإسلامية. ولم تتعدى تلك الأعمال إطار كونها صوراً مشوهة جمعت خصائص مدارس فنون المنمنمات الإسلامية والمنمنمات الروسية، كمدارس فيدوسكينو، وباليخ، وخولويا، المتوارثة عن تقاليد فن الأيقونة والفن الشعبي الروسي القديم.
ولكننا نستطيع أن نعتبر محاولات رئيس ورشة النقاشين في رابطة أسطى آنذاك، فنان الشعب الأوزبكستاني جليل حكيموف، الذي نفذ بعض النقوش غير الكبيرة بألوان جافة على أساس من صفار البيض وعروق الذهب، ومن التجارب الناجحة التي تكررت مرة أخرى باستخدام الألوان الزيتية. وهو ما يشبه إلى حد كبير تقنية المنمنمات الإسلامية المطلية، وتقنية الرسوم الملونة، الموجودة في جوهر وسائل التعبير الفني، التي استخدمها فنانو هذا التقليد الفني الرفيع. وجاءت مطابقة تقريباً وفي الكثير من النواحي لأعمال رسامي القرون الوسطى المسلمين. وهو ما نقتنع به من خلال دراسة أساليب وخصائص الأعمال المميزة الموجودة اليوم في متحف علي شير نوائي للآداب التابع للمجمع العلمي الأوزبكستاني، الذي حرص مؤسسه الراحل حميد سليمانوف على جمع كل نماذج وأشكال منمنمات الكتب القديمة في العالم الإسلامي.
ونتيجة للسياسة الحكومية التي اتبعت خلال العهد السوفييتي والقاضية بإيفاد الفنانين الأوزبك الشباب إلى روسيا، ودعوة الفنانين الروس إلى أوزبكستان، وهو ما حدث أكثر من مرة، للتعرف على وتطوير تقنيات المنمنمات في فيدوسكينو، وباليخ، وغيرها من مراكز الفنون الروسية، وبدأت في عام 1937 بإقامة علاقات مهنية شكلاً، ولسرقة وطمس معالم الهوية الثقافية الإسلامية والقومية في المنطقة جوهرياً. وبدأت تلك المحاولات عندما دعي الفنان التشكيلي الباليخي تشيبورين ي.، في نهاية ثلاثينات القرن العشرين من قبل متحف الفنون الجميلة الحكومي الأوزبكستاني، لتدريس الفنانين الشباب الأوزبك تقنيات وأسرار الرسوم المطلية الروسية. وكانت من أولى نتائج تلك الصلات، ظهور أعمال الفنان التشكيلي الأوزبكي عليموف ك.، التي شارك بها في المعرض الاتحادي للفنانين الهواة الذي أقيم بموسكو عام 1939. وشملت تكوينات: "الراقصة"، و"امرأة وطفل"، و"في المقهى"، نفذها كلها على شرائح خاصة صنعها من عجينة الورق المقوى "بابيه ماشيه".
ومع بدايات العقد الثامن من القرن العشرين أخذ المتخصصون الشباب الأوزبك، بالخروج عن تقاليد الثقافة الفنية الروسية القديمة التي سبق واستوعبوها، منتقلين من فن الأيقونة الباليخية الروسية، إلى تقنيات الرسوم المنمنمة القومية، وأساليب الكتابة وتجهيز الألوان الممزوجة بصفار البيض، وإذابة عروق الذهب ووضعها على سطوح اللوحات بتقنيات حديثة خاصة بفن رسم المنمنمات في وسط آسيا.
وظهرت الصعوبة الأخرى أمام الورشة التجريبية العلمية الإنتاجية في اختيار نماذج مقبولة من وجهة النظر الصناعية لعالم اليوم، وفي اختيار الألوان المناسبة، والابتعاد عن الخلفية السوداء التقليدية للتكوينات المختلفة. وإضافة نماذج جديدة من التكوينات الخالية من الخلفية السوداء التقليدية، والتخلي عن الحجم في المنظر العام، ووجهوا جل إهتماهم للمساحة والموضوع في اللوحة، مضيفين طرقاً جديدة لإعداد الألوان، بالأخضر الفاتح أو الخلفية البيضاء، مضيفين إليها مختلف الألوان النباتية، المخلوطة بصفار البيض وصمغ أشجار المشمش. إضافة لاستيعابهم تقنيات صنع النماذج القومية من عجينة الورق المقوى. واستمر البحث للعثور على أسلوب خاص بهم متميز يعتمد على النماذج الكلاسيكية القديمة، من خلال المواضيع التي تمس مشاعر وأحاسيس إنسان اليوم.
وظهرت الأعمال الأولى للرواد المتحمسين لفنون المنمنمات المطلية في أوزبكستان، ومن بينهم كان: نياز علي خال ماتوف، وشاه محمود محمد جانوف، وعبد الواسط قمباروف، ومنيرة ساطي بلدييفا، وغيرت كمالوف، وعبد الغني ألداشوف، الذين عملوا تحت إشراف فنان الشعب الأوزبكستاني الراحل تشينغيز أحماروف. وخلال فترة قصيرة تمكن فناني المنمنمات الأوزبكستانية في رابطة أسطى من امتلاك الشكل المتميز والواضح لهذا الفن العريق، وأنجزوا خلال تلك الحقبة أعمالاً فنية كثيرة ورائعة.
وخلال مرحلة الأعمال التأسيسية في رابطة أسطى تم توفير الإمكانيات اللازمة لاكتشاف وتجميع كل القوى الفنية المبدعة في الجمهورية، التي يهمها الحفاظ على التراث الثقافي الأوزبكي. الأمر الذي ساعد على جذب اهتمام الأوساط الفنية، وخاصة أولئك الذين تشبعت أعمالهم بروح التقاليد الفنية القومية العريقة والتراث الروحي الذي تركه لهم أساتذة فنون المنمنمات الإسلامية خلال عصر الازدهار بما وراء النهر.
ومن الأعمال المتميزة لتلك الطليعة التي أخذت على عاتقها مهمة بعث وتطوير فن المنمنمات التراثي، وإبداع نماذجه الحديثه في أوزبكستان، نستطيع ذكر أعمال الفنان التشكيلي شاه محمود محمد جانوف. الذي بدأت قصته مع فنون المنمنمات وهو فتى يكاد يبلغ من العمر 13 ربيعاً، متأثراً بما رآه في متحف علي شير نوائي للآداب في طشقند. وتحت هذا التأثير بدأ التلميذ الفتي باختبار إمكانياته في رسم المنمنمات من خلال المواضيع التي اختارها لنفسه من الأدب الأوزبكي القديم. وكان أول ما وقع اختياره عليه "ديواني لغاتي الترك" لمحمود قشقاري (القرن الـ 11 الميلادي)، وتضمن نصوصاً لحكايات قديمة، وأغاني، وقصائد ملحمية. ومع مرور الزمن قرر الفنان الشاب الاستمرار في الرسم، وأبدعت ريشته سلسلة من رسوم المنمنمات، طالت أعمالاً أدبية متنوعة حتى نهايات القرن الـ 20، مستخدماً مواضيع مستمدة من مؤلفات: يوسف حاجب، وأحمد يسوي. ورابغوزي، ودوربيك، وفرقت وغيرهم. بميل واضح للمواضيع المستمدة من أشعار رجل الدولة والأديب الكبير في القرون الوسطى علي شير نوائي. وقد يكون وراء ذلك الباعث الاحتفالات الكبيرة التي جرت في عام 1968 بمناسبة مرور 525 على ميلاد علي شير نوائي. تلك المناسبة التي استعد لها شاه محمود بـ 50 مشروع لوحة بالألوان المائية، كانت كلها قريبة من أسلوب المنمنمات. وأدى إعجاب البروفيسور حميد سليمانوف آنذاك بها، إلى إطلاقه على الفنان الشاب لقب "به زاد" القرن الـ 20 لتقوية تلك الانطلاقة عنده. وسرعان ما دعي الفنان الشاب شاه محمود محمد جانوف للعمل في المتحف، لتتوفر له بذلك الظروف المناسبة لمتابعة تجاربه المبدعة، وفي نفس الوقت متابعة التحصيل العلمي في معهد ب. بينكوفا المتوسط الفني بطشقند.
وفي عام 1981 دعي محمد جانوف للمشاركة في أعمال الورشة العلمية التجريبية للمنمنمات المطلية التي جرى تأسيسها في رابطة أسطى، وهناك أنتج تحت إشراف تشنغيز أحماروف أول عمل تجريبي ناجح بتقنية التصوير المطلي بالورنيش. مستفيداً مما تكون لديه من خبرة اكتسبها عن طريق الإطلاع على النماذج القديمة لمنمنمات وزخارف الكتب، ومختلف مدارسها الفنية، والطرق القديمة لتحضير الألوان، وامتلاكه لبعض خفايا تقنيات وطرق عمل أساتذة هذا الفن العريق، والخبرة التي تكونت لديه خلال عمله في متحف علي شير نوائي، وخبرات المدرسة الأكاديمية لفن التصوير التشكيلي التي درسها في المعهد المتوسط الفني بطشقند.
وتميزت أعمال شاه محمود محمد جانوف المنمنمة المطلية بخصوصية من البداية بألوانها اللامعة والقوية. واستخدامه أساساً لخمسة أو ستة ألوان منها: الأحمر، والذهبي، والأزرق، والأخضر، أحيتها في بعض الأحيان الحركة القوية لخطوط تلك الألوان الجميلة، لتعطيها في كل مرة شكلاً جديداً مبنياً من حيث اللون على أساس الظل. وبامتلاكه مهارة استخدام الألوان، والخطوط، والمواضيع، أصبح ودون أدنى شك وريثاً للمدرسة الكلاسيكية للمنمنمات الإسلامية وأحد مجدديها في أوزبكستان خلال ثمانينات القرن العشرين. وهي الصفة الخاصة الدقيقة التي تمتعت بها أعماله عام 1985 من خلال فكر فني مبني على أسس الرؤية الحديثة وتقنياتها.
ولم تتوقف تجارب شاه محمود محمد جانوف في هذه المرحلة عند هذا الحد، بل تعدتها إلى إنتاج رسوم للمخطوطات الفريدة المعدة للإصدار، ولأعمال الأدباء الكلاسيكيين القدامى في آسيا الوسطى، تحاكي بدقة تنفيذها الأصل القديم، وتتفوق عليه. ومن أجل ذلك استخدم نوعاً خاصاً من الورق، صنعه معتمداً على التقنيات القديمة التي أحسن اكتشاف أسرارها، ونفذ عليها رسوماً لصفحات الكتب، عكست أوج تفاصيل الموضوع الذي كتب في النص على الصفحات الجديدة للكتاب المخطوط، وبعد التغليف صنع له غلافاً آخر أكثر امتيازاً. وبهذه التقنية تم إنتاج كتب عام 1983 أخذت عن المخطوطات القديمة لمؤلفات علماء القرون الوسطى كان من بين تلك الكتب كان كتاب محمود قشقاري "ديواني لغات الترك"، ومجموعة الأساطير القديمة "كليلة ودمنة"
[8] وتم حينها بيع تلك الكتب لإحدى الشركات في الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل عام 1985.
وتمكن الفنان ولأول مرة من مراعاة النواحي الأثنوغرافية بدقة، عندما صمم الملامح الفردية للشخصية التاريخية محمود قشقاري من كل النواحي. التي رسمها عامودياً على الصفحة الأولى للكتاب بتقنية "سيوح قلمي" المميزة للمنمنمات التراثية. ولم يغفل شاه محمود محمد جانوف النواحي السيكولوجية الخاصة للشخصية، فالوجه تميز بالحكمة، مع مسحة ساخرة تعكس الطيبة، والثقة بالنفس، وعبر عن شخصيته القوية باللحية الملساء، والوضعية الحرة والهادئة، التي عكست الرجولة المميزة للشخصية. مفصحاً عن نفسه من خلال هذه اللوحة كفنان تشكيلي ورسام ماهر، يتمتع بحساسية شفافة، ومعرفة عميقة بتاريخ، وأدب، والتركيبة السكانية لذلك العصر الذي عاش خلاله محمود قشقاري. واستخدم شاه محمود محمد جانوف في كل تكوين منمنم، من تكوينات الكتب المخطوطة خطوطاً صعبة، أظهرت حركة الشخصية الرئيسية في اللوحة، وعبرت عن انهماكه في العمل. وهو ما نراه على وجه الخصوص في الحركة المعبرة بلوحة الراقصة، التي عكست الإحساس المرهف للفنان وفهمه العميق لتقاليد المنمنمات الكلاسيكية.
وهنا لابد أن نشير إلى ناحية هامة تنبه لها الفنان عند تصوير الإنسان، وهي محاولته الناجحة في عكس الظروف السيكولوجية للشخصيات من خلال الوضعية، والمنظر الجانبي. فنراه يعرض بدقة الأحاسيس والمشاعر في حركة عضلات الوجه، وحركة اليدين والإيماءات المختلفة، وحركة الملابس، وتطريزها، واختيار ألوانها وغيرها من التفاصيل الدقيقة. بالإضافة لتقيده بالتعابير الإيمائية القديمة المثيرة للدهشة، من مواقف التفكير العميق (الإصبع عند الفم)، وهيجان الأحاسيس الرقيقة (فقدان الوعي)، والنشوة (في الرقص)، والمصيبة والتعبير عن الألم (رفع الأيدي إلى أعلى، تمزيق الملابس، الرأس المكشوفة). ولم يقتصر الفنان على الحركات الإيمائية، التي سادت في منمنمات الماضي وحسب، ولم يركز اهتمامه على التفاصيل الثانوية، بل استخدم كل الوسائل التي تعبر عن وحدة التكوين بالكامل. فالأهم بالنسبة له، على ما نعتقد، كان التعبير عن كل تفاصيل الموضوع في كل تكوين بدءاً من الأهم من أجل تكامل الموضوع مع العالم الداخلي للإنسان، وطبيعته وسلوكه. لأن كل أبطال شاه محمود محمد جانوف كانوا من الناس الذين عاشوا بالفعل مع أفراحهم وأتراحهم، وخلجاتهم واضطراباتهم ومشاغلهم الذاتية.
وتطلب إعداد الكتب المخطوطة للنشر توظيف كل الأحاسيس والغنى الفكري والفني والجمالي والإبداعي الذي تمتع به شاه محمود محمد جانوف، واحتاج لتوظيف قدراته الفردية الإبداعية ابتكار التعبير المميز لكل المعاني ضمن الإطار الموضوعي المحدد لرسوم المنمنمات. ونجح شاه محمود محمد جانوف بذلك من خلال حرصه الشديد على التقيد بتقاليد هذا الفن القومي الأصيل، البعيدة كل البعد عن ضيق الأفق، فالشخصيات من حيث الحجم متشابهة في التكوين بكامله، بغض النظر عن موضعها في اللوحة. إضافة لتقيده بتقاليد المنمنمات في استخدام النماذج والنقوش الكلاسيكية، وخاصة عند اختياره لأشكال الشخصيات الثانوية غير المحددة كما هو شائع في المنمنمات التركية المدورة الأشكال، كالوجوه المنتفخة، والعيون قليلة الارتفاع، والفم الصغير القريب من الأنف، والذقن العريضة. ولتجنب تكرار الأشكال المكتشفة حرص الفنان على جمع كمية كبيرة من المواد الاثنوغرافية، وحرص على دراسة مختلف مدارس المنمنمات السلجوقية للقرن الحادي عشر الميلادي، واعتمد على دراساته لأعمال أساتذة الرسم في القرون الوسطى. وبعد أن اكتشف خصائص وأساليب تلك المدارس القديمة، اختار الفنان الشكل الاثنوغرافي المناسب لأعماله المعبرة عن تلك المرحلة. وظهر ذلك في الملابس، التي تذكر بشخصيات النقوش الجدارية الباقية في آثار المدن القديمة البائدة في أوزبكستان كأفراسياب، وبينجي قند، وفي التكوينات الضخمة التي نفذت فيما بعد بهذا الأسلوب الفني الرائع.
ومن المميزات الملفتة للنظر في أعمال الرواد في تلك المرحلة، اهتمامهم بتصوير المضمون الفكري للكتاب المخطوط، بواسطة الرسوم المعبرة في التكوين، مع انسياب رائع للرسوم، وتميز الألوان، للوصول من خلال هذا الأسلوب المتميز والدقيق إلى مستوى إعطاء مسحة خفيفة لأفكار مؤلف المخطوطة، على عكس أسلوب الرسامين القدامى الذين كان هدفهم الأساسي تزيين صفحات الكتاب المخطوط وحسب، دون التعرض للمضمون الفكري الذي تحتويه صفحاته. وظهر هذا بوضوح في أعمال شاه محمود محمد جانوف التي طوع فيها كل المساحة الخالية من صفحات الكتاب المخطوط. بطريقة اتبع فيها أسلوب المزج الواسع بين عناصر التكوين أكثر من تحديده لطبيعة اللوحة ذاتها. ليترك للمشاهد حرية المشاركة في عملية فك رموز التكوين، وفهم مضمونه المعبر عن فكرة اللوحة، جامعاً في نفس الوقت بين المتعة الفنية، وسعة الخيال الثقافي والمعرفي، الذين من دونهم لا يمكن "حل الرموز" المعبر عنها في طبيعة الرسوم المنفذة في التكوين، ولو أننا نرى أن الفنان في بعض الأحيان قد لجأ لخصوصية الإيحاء المعبر عنه في الأشكال والديكورات، وفي تفاصيل الرموز المستمدة من الفن الشعبي في كل تكوين من تكوينات لوحاته.
وهنا يمكنني أن أتفق مع وجهة نظر فيمارن ب. ف. والتي ذكرها في كتابه "فن الدول العربية وإيران في القرون 12 -17"، في التأكيد بأن هذا الأسلوب بالذات يعتبر خلاصة لكل مشاكل صعوبة فهم الثقافة الفنية المتميزة للعالم الإسلامي عن غيرها من مدارس الفنون العالمية، والمعبرة عن وحدة في المفاهيم والأفكار الزخرفية والتصويرية، التي جمعت بين استخدام التقاليد التجميلية المحلية العريقة والأساليب التقنية المبتكرة الجديدة.
[9]
ومن ناحية أخرى نرى أن شاه محمود محمد جانوف قد استطاع أن يعبر في أعماله عن المعنى التاريخي الحقيقي للموضوع الذي يعالجه. رغم أنه لم يركز على تفاصيل التأثيرات الخارجية على تطور الحدث، بنزعة نحو الارتقاء أكثر نحو العناصر الفلسفية العميقة والروحية للمضمون الفكري في الكتاب المخطوط، من خلال لغة المنمنمات في الفن التشكيلي المعاصر، بطريقته الخاصة المعبرة عن أسلوبه الفني الخاص. ففي أعماله التي عالج فيها مواضيع مستمدة من الشعر الإسلامي، سواء أكانت بأسلوب فن الغرافيك أو الأرابسك أو بتقنية الرسوم المنمنمة، نرى أنه ركز على عنصر اللون الذي استطاع من خلاله عكس الفكرة الرئيسية للتكوين، وتكوين مشاعر خاصة ضمن اللوحة. وهو ما نلمسه بشكل واضح من خلال تأمل تكويناته الرائعة في لوحات "معركة اسفانديار مع التنين" و"التحام اسفانديار مع المقاتلين" (1982-1983) التي صور فيها المشاهد الرئيسية لملحمة "شاه نامة" للفردوسي.
في نفس الوقت نلاحظ من خلال الحلول التي استعمل فيها شاه محمود محمد جانوف اللون للتعبير في منمنماته، أنه استخدم مختلف الأساليب التي تعتمد على لغة الغرافيك، ووزع فيها بمهارة كبيرة وبشكل متوازن من حيث القيمة الفنية بين اللون والمساحة. وهو ما نلمسه في لوحته "سدي إسكندري" المستمدة من قصيدة علي شير نوائي التي تحمل نفس الاسم. حيث استطاع من خلال استخدام الأساليب الفنية لفن الغرافيك زيادة عمق التعبير عن الأحاسيس، وتحديد الفرصة المناسبة لزيادة التأثير السريع، مما ساعده على الولوج في المحيط الحقيقي للموضوع داخل التكوين العام للوحة. واستخدم كل الإمكانيات المتاحة في التفاصيل الأساسية للتكوين، دون إغفال التقاليد التي سارت عليها المنمنمات الإسلامية في القرون الوسطى، ومراعاة مبادئ لغة التعبير الفنية الحديثة، مشكلاً بذلك أسلوبه الفني المتميز الخاص به. ولكننا مع ذلك نلاحظ في بعض أعمال هذا الفنان غياب طيف الظل، وعدم مراعاته للتقيد بالتناسب الحجمي في التركيب بشكل عام في بعض الحالات. فنراه يبني التكوين من خلال بقع لونية استخدم فيها مجموعة محدودة من الألوان انطلاقاً من العلاقة المشتركة والأساس المشترك بينها. بحيث يستحوذ أي لون منها على مجموعة الألوان المستخدمة. وينفرد شاه محمود محمد جانوف بتركيزه على تركيبة ألوان متساوية عند تبادل الخطوط الدافئة والباردة في اللوحة، وبدقة متناهية نراها تقتصر على اللون الأزرق الغامق أو على المحيط الأبيض، الذي يمكن أن يكون تحت تأثير أسلوب أستاذه الكبير الراحل تشنغيز أحماروف. ويذهب شاه محمود محمد جانوف في استخدام الألوان بعيداً من خلال الاستعانة بالإمكانيات الفنية الغنية لخطوط الغرافيك من أجل إعطاء أعماله قوة كبيرة وتأثير أكبر. وهو ما نستطيع أن نراه بوضوح في لوحته "رستام والأسد" (1982) المستمدة من قصيدة الفردوسي "شاه نامة"، فالألوان هنا ساعدته على رفع مستوى طبيعة الأحاسيس المصورة في اللوحة، حيث تشير الخطوط لمحيط مستمد من فن الغرافيك، نفذه بسهولة ونعومة، زادت من تعبير الألوان المستخدمة في اللوحة. وكلها تعبر عن أسلوب تميز به في أعماله التي عكست إمكانيات تصويرية كبيرة.
ولا يجوز هنا أن لا نشير إلى أنه كان دائماً يستخدم في تكويناته أفكاراً ومخططات مستمدة من المنمنمات الإسلامية في تركيا وإيران وباكستان والهند. وعلى سبيل المثال: نرى في لوحاته التي تصور الطبيعية، محيط حاد الشكل من الرسوم المحيطة الموشاة بالعقد النباتية أو الأزهار، استخدم فيها ببراعة الألوان الذهبية الرقيقة لتصوير السماء، والغيوم، وعبر عن المحيط بخصل مجعدة من الألوان. ولو أن هذا المنظر الطبيعي بحد ذاته سهل، ولكنه يصادف أشكالاً مجردة متشابكة مع الفراغ، ولا تمثل أجسام معينة، ولكنها على خلفية محايدة تماماً. وهو ما يمكن اكتشافه في لوحة "قايومارس مع ابنه خوشانغ" (1982) المستمدة من قصيدة الفردوسي "شاه نامة". وبشكل عام نرى في كل تكويناته ندرة تصوير المباني من الخارج أو من الداخل، مستبدلاً إياها بخلفية تصور القمر والطبيعة. وهذه الطبيعة الخاصة في أسلوبه نراها تتكرر في لوحاته "أوف" الصيد (1983)، و"بازيم" الاحتفال (1983)، حيث صب الفنان جل اهتمامه نحو الطبيعة، والتعابير المميزة لشخصيات اللوحة. وفي الأعمال الأخرى أخذت الرسومات الطابع التزييني فيها، وحاول الفنان من خلالها استخدام الألوان على سطح اللوحة بطبقات متساوية يختفي فيها ظلال الألوان، وتغيب عنها التفاصيل، وتركز على الأسلوب المميز للفنان بمهارة استخدم الألوان الخاصة به، والمخلوطة بصفار البيض بكثافات مختلفة، بحيث تحتوي الطبقة الأكثر انسياباً على الألوان المائية الشفافة، وبينما تذكرنا الطبقة الكثيفة بالطلاء. فطريقة شاه محمود محمد جانوف في المزج بين الطبقات الشفافة والطبقات الكثيفة أوصلته إلى تعبيره اللوني الخاص. ففي تكويناته لا نصادف تفاصيل تزيينية زائدة، قد تصرف الانتباه عن الشخصيات الرئيسية في اللوحة، وبالتالي يمكن أن تفرغ التعبير من مضمونه. لهذا نرى أن الفنان دائماً حرص على اكتشاف مضمون الموضوع الأكثر عادية وبريقاً. وهذا على ما نعتقد سر الأعمال التصويرية في لوحاته التي تظهر من خلال تكوينات سميكة وكثيفة تستعير من الرمزية الأشكال التي نستشف منها مدى مواهب الفنان وإمكانياته الفذة في الربط العضوي بين الأشكال الخيالية والأشكال الواقعية الحقيقة، التي تضفي على منمنماته طابعاً خاصاً، ولحناً خاصاً تتميز به. وعلى سبيل المثال نورد الرسوم المنفذة بأسلوب المنمنمات لصفحات قصائد "شاه نامة" للفردوسي، و"طاهر وزهرة" لعلي شير نوائي، التي نفذها الفنان عام (1983)، فنرى أنها تتميز من حيث الأسلوب الفني الخاص في طريقة رسم الأجزاء الجانبية للتكوينات، وفي الحواشي والأطواق لصفحات الكتب المخطوطة، التي زينت بتقنية "زرفشان" (بقع ذهبية متناثرة)، فالنقوش تتكرر لتتابع موضوع القسم الرئيسي من اللوحة. وهذا الأسلوب وكما هو واضح جاء من الأعمال التي تطورت في أعمال رسامي المنمنمات القديمة لمدارس المنمنمات في حواضر العالم الإسلامي تبريز، وهيرات، وسمرقند، وخاصة مظفر علي، ومحمود مذهب، وغيرهم من فناني العالم الإسلامي. وهذا الأسلوب بحد ذاته يظهر وكأنه يعكس جوهر الموضوع. وتمكن شاه محمود محمد جانوف مرة أخرى من اكتشافها وإعادتها للحياة عن طريق اكتشافه للتقنيات القديمة لأسلوب "زرفشان"، واستخدامه في بعض الأحيان من خلال النقوش والحواشي، المستمدة من التفاصيل السحرية القديمة، المعبرة، بالرمز الأسطوري.
وهذه المبادئ استعارها فنانون آخرون في رسومهم المنفذة بأسلوب المنمنمات. ولم تكن تقليداً أعمى للرسوم القديمة، لأن الاستعارة فيها انحصرت في المخططات التكوينية للوحة فقط. وهذا ما تؤكده أعمال شاه محمود محمد جانوف المتميزة بأسلوبه الخاص في رسم الأجسام الإنسانية والحيوانية، وجزئياً في رسم الخلفيات الطبيعية وفي بعض الحالات الخاصة. فهو دائماً يصور الخيول بلون أخضر غامق، ومقاطع الصخور بالألوان البنفسجية أو البنفسجية الفاتحة، والمرتفعات باللون الأزرق، والسماء بالألوان الذهبية. وبهذا تضفي الألوان على الرسوم بالتشابه وكأنها نسخاً أصلية للأعمال المنمنمة الإسلامية القديمة. وهذه الاستعارة في أعمال الفنان من بعض وسائل التعبير الفني للرسامين في وسط آسيا خلال الفترة الممتدة من القرن الـ 15 وحتى القرن الـ 18 الميلادي، والمتمثلة بالألوان الزرقاء القوية للسماء، وتصوير الغيوم مجعدة، على خلفية كثيفة، ومحدودة، بل وندرة تصويره للأجسام الحية في التكوين، والتركيز على النمط التركي في اللون الأسود. كلها ساعدته على الوصول إلى التعبير الفني، وأعطت منمنماته مسحة سحرية متميزة، وخاصة في تلك المواضيع التي صورت مواقف غرامية، نشاهدها في أعمال شاه محمود محمد جانوف "فرهاد وشيرين" (1983)، و"ليلى ومجنون في الصحراء" (1983)، والمستمدة من قصائد على شير نوائي، و"موت هرموز" (1984) المستمدة من "شاه نامة" للفردوسي. حيث اختار الفنان الوضع الملائم على مساحة اللوحة، كما في الرسوم الإيضاحية، التي رسمها عام 1983 وفق تقاليد المنمنمات الإسلامية في القرون الوسطى، كلوحته "معركة رستام مع التنين" التي رسمها عام (1984) والمستوحاة من قصائد "شاه نامة" للفردوسي. وصورت أشخاصاً يراقبون الأحداث من وراء التلال، ويلاحظ هنا اختلافهم عن التكوين العام للوحة من حيث الحجم عن سائر التفاصيل العامة المكونة للوحة. فاستخدام مثل هذه المساحة المتباينة في العمل ساعدته إلى حد كبير على تصوير الجو العام في اللوحة، والانطلاق من الجو العام للموضوع ذاته. وعن انتشار هذه الطريقة عند رسامي المنمنمات الإسلامية القدامى في وسط آسيا كتب مؤرخون ونقاد فنيون أذكر منهم: بوغاتشينكوفا إ.، وريمبل ل.، اللذان أشارا إلى أن ".. المنظر الجانبي للناس والحيوانات ظاهر بوضوح بالمقارنة مع أجزاء المناظر الطبيعية والمباني، والمنحدرات الصخرية، والأنهار، والقصور، والخيام صغيرة الحجم بالمقارنة مع الأجسام البشرية، وكأنها موضوعة بالقرب من الخط الثاني أو الخلفي للوحة. ولكن كل من دخل في روعة المنمنمات الشرقية، لا تثيره هذه المقاييس، بالمقارنة مع التلاحم العضوي في الجزء الرئيسي لأسلوب المنمنمات. وأن هذا الأسلوب يعبر عن أجزاء في النظام المحدد للأشكال المعالجة، والتي تتضمن مجموعة من الأساليب الفنية المحددة، وتعكس بالكامل نمط التفكير الفني عند شعوب الشرق الأوسط".
[10]
وأعمال شاه محمود محمد جانوف تعتبر مقدمة لظاهرة جديدة، شكلت اتجاهاً كاملاً في الفنون الجميلة بجمهورية أوزبكستان، وتتمتع بجذور عميقة، مبنية على رؤية حديثة، وحُرَفية فنية متجددة. وأعماله كلها نفذت بأسلوب فن منمنمات المخطوطات الإسلامية في القرون الوسطى، أو أسلوب التصوير المطلي، ومن خصائص هذا الأسلوب البساطة والفرادة، التي جمعت بين دقة الرسوم، والحركة المعبرة، وقوة الألوان وبناء التكوين بتعبير فكري وفلسفي.
ومن الفنانين الذين حرصوا على متابعة تقاليد الرسم المنمنم الذي سار عليه أساتذة الرسم القدماء، في الفن التشكيلي الحديث، الفنان التشكيلي الموهوب نياز علي خالماتوف. الذي تميزت تجربته في البحث عن أشكال فنية واضحة من خلال استخدامه المتوازن للألوان الدافئة والباردة. والألوان الصافية في الرسومات المنفذة بأسلوب فن المنمنمات عنده نشاهدها دائماً سميكة ومنصبة ومحاطة بالورنيش، بسيطة وصارمة. وفي نفس الوقت نرى أن تكويناته متواضعة بكتابات خالية من أي سواد. إضافة للتكوينات المعبرة، المبنية على الإيجاز في التصوير. ونرى أن نياز علي خالماتوف كان يفرط بتقيده بالموضوع، ويصب جل اهتمامه دائماً على طريقة عرض الموضوع. فنراه يكرر المنظر الطبيعي في رسومه وأعماله ويهتم بالدقائق الثانوية التي كثيراً ما يكررها، وتظهر معها عناصر التكوين التي تلعب دوراً معيناً في الإطار العام للوحة (الجبال، الأنهار، البحيرات، الأزهار.. الخ)، ومع ذلك تميزت لوحاته بأسلوب خاص عكس من خلاله ملامح الوجه، في سعي منه لتحديد صورة معينة للأبطال الذين يرسمهم، ولو أنه اختصر عدد الشخصيات المشاركة في التكوين العام. ونلاحظ تركيزه على الأجسام من حيث توزيعها على المساحة مع تفاوت شديد بين الأشكال وطبيعتها. وفيما يتعلق بالأسلوب الفني لنياز علي خالماتوف نراه يتميز بالدمج السريع بين الحركة الواسعة والكبيرة التي تضفي الشجاعة على ملامح أبطاله، وكلها تعكس من خلال الأوضاع المميزة التي اختارها لشخصياته، وبأسلوب مميز انفعالات أبطاله وأحاسيسهم، بالحزن، والسعادة، والأهوال، والبهجة، والخيبة كما نراها في لوحاته ("الاحتفال الشعبي"، و"إحراق الحجاب" وغيرها (عام 1982).
وتظهر محاولات خالماتوف لبعث أساليب وأشكال الرسوم المنمنمة في القرون الوسطى، وفي نفس الوقت نراه يركز على تحريك الأفكار لتعكسها لوحته من كل الجوانب الإبداعية. وهو ما نستطيع مشاهدته في أعماله الجدارية، التي أبدع فيها وبروح من المعاصرة من خلال إضافاته وأسلوبه الفني وابتكاراته الجديدة التي أخذت مكاناً لها في تقاليد فنون المنمنمات القومية المعاصرة، إضافة لنجاحه بتقديم حلول جريئة عرضها في تجاربه التقنية المختلفة. وهي التي مكنته منها على ما نعتقد أحاسيسه الفنية الرقيقة، وسعيه الدائم للمعرفة واكتشاف الجديد في أعماله الصعبة وغير المألوفة للناقد المحلي، والمميزة بالرموز الملونة، والأشكال المستعارة التي ساعدته دائماً على اكتشاف العمق الفلسفي للتكوين. وهو ما ساعده على تكوين الأسلوب الخاص المتميز لأعماله الفنية التي عكست بشكل خاص روح الفكاهة الشعبية، وأساليب حياة الناس، والعادات المحلية. ونستطيع أن نراها كلها في أعماله "عيد الحصاد"، و"به زاد"، و"عازف الدوتار"، و"عازف السورناي"، و"ضارب الدف"، و"نصر الدين أفندي"،
[11] وغيرها من اللوحات الجميلة التي رسمها خلال الأعوام مابين عام 1982 وعام 1985، وانعكست فيها الألوان بشكل معبر تحاكي الأجسام البشرية، وتعكس كلها الألوان الزاهية والطبيعة البشرية، المتميزة في الفنون التطبيقية القومية الأوزبكستانية.
ومن الفنانين التشكيليين غير الأوزبك الذين تناولوا فنون المنمنمات الشرقية في أوزبكستان فالنتين لوغوفسكي، الذي جاءت تجربته الفنية مغايرة تماماً لتجارب الفنانين الأوزبك. وحاول من خلالها عكس الموضوع العام من خلال تكوينات محددة تسعى لتصوير مواضيع حياتية وتاريخية معينة، فنراه يصور شخصيات لوحاته بملابس شرقية تصور ذلك العصر، ضمن محيط من العناصر والآثار التاريخية والمواضيع والمواقف التي تتماشى والمرحلة التاريخية التي يصورها في لوحته، وهو ما نراه في أعماله "فرهاد في اليونان" المستمدة من قصيدة علي شير نوائي "فرهاد وشيرين" (1983) و"حديث فرهاد والوزير" (1983). وفي كل التكوينات المميزة للوحاته نرى ضخامة الملامح المميزة لوجوه شخصياته المعبر عنها والتي توحي إلينا وكأنها مكبرة عن عمد بواسطة العدسة المكبرة. ومن النواحي المميزة للوحات فالنتين لوغوفسكي استخدامه للألوان الصافية البراقة غير الممزوجة، كاللون الزمردي، المتداخل بقوة مع اللون الأبيض واللون الأزرق، واهتمامه الكبير بتكويناته الدقيقة للخلفية المعمارية، وخطوطه الدقيقة المعبرة عن جمالية الزخارف التي تغطيها، وتمثل خطوطاً هندسية مربعة مكسوة بالفريسك الزاهي للوحاته الجدارية الداخلية. ومن التكوينات المميزة لأعماله: المباني المبنية من الآجر، والأحواض ونوافير المياه، وأشجار السرو الرشيقة، وأشجار الشينار المعمرة، والسرادق المفتوحة. وهو ما نستطيع ملاحظته بشكل كامل في أعماله "معركة فرهاد مع الأرخيمان" (1983)، التي حرص فيها فالنتين لوغوفسكي على إظهار مدى استيعابه للتقاليد الفنية لمدارس فنون المنمنمات في وسط آسيا خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، واكتشافه للخصائص المميزة للتكوين المعبر في أسلوب منمنمات القرون الوسطى، التي سعى من خلالها لتصوير الأجسام البشرية وكأنها تضيع مع الطبيعة بخلفياتها وحركتها الانسيابية، وهو الأمر الذي يوحي إلينا وكأنه عن عمد كان يضخم شخصيات لوحاته، ليلفت الاهتمام نحو تكوين شكل الوجوه في لوحاته.
ولم تقتصر أعمال الفنانين التشكيليين الأوزبك في ثمانينات القرن العشرين على المواضيع التقليدية المستمدة من مؤلفات شعراء العالم الإسلامي الكلاسيكيين، بل راحت أبعد من ذلك، وأخذت منمنماتهم تصور مواضيع مستمدة من حياة شخصيات معاصرة. وهو ما نراه في أعمال الفنان التشكيلي أ. ألداشوف "طشقند في عام 2000"، وخالماتوف "العيد الشعبي" (1982)، و"فرغانة عروسة أوزبكستان" (1982)، وغيرهم من الفنانين التشكيليين، الذين يميلون في أعمالهم لتقنيات الفنون التشكيلية التقليدية. وهو ما نلاحظه أيضاً في أعمال الفنانين التشكيليين الأوزبكستانيين التي عرضت عام 1985 بمناسبة مرور 40 عاماً على انتصار العالم على الفاشية، وضمت من بينها أعمال الفنانين التشكيليين د. إيمينوفا، و ف. لوغوفسكي، المنفذة بأسلوب المنمنمات الكلاسيكية، وكان من بينها الثلاثية الجدارية "سنوات 1941-1945" (1985)، التي صورت خلفية الحياة في القرية الأوزبكستانية خلال تلك الحقبة من التاريخ. واستخدما في تنفيذها تقنيات فنون وأساليب المنمنمات الكلاسيكية، وجاءت الثلاثية كتعبير متكامل في التكوين الذي شمل الطبيعة والعناصر المحيطة بكل تفاصيل الموضوع الرئيسي للوحة، والخصائص المحلية للألوان، التي تراعي العلاقة بين الألوان أثناء تحميلها على المساحة لتحقق أكبر قدر من التواتر في التباين اللوني، بين الألوان المستخدمة من الأزرق، إلى الأخضر، إلى الأحمر إلى البني، إلى الأسود كما هو متبع في لوحات المنمنمات القديمة، والتي تشكل مجموعة الألوان أساساً لها، مضيفة إليها الشفافية الحرة التي تميز الأشكال وتقلل من تعقيد التفاصيل الانتقالية، وكل تلك الألوان كما نعتقد ساعدت على خلق انطباع معين عند المشاهد، وزادت من قدرة اللوحة على محاكاة الرسوم المنمنمة القديمة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن من مميزات المنمنمات الحديثة الامتناع المتعمد عن التقيد بمبادئ زخرفة الفراغات واستبدالها بخلفية من البقع الملونة، مع إدخال بعض أساليب فن الغرافيك والأرابسك في تداخل الرسوم مع الخطوط المارة عبر المحيط العام للوحة لتمثل الشخصيات والمواضيع المعبر عنها في اللوحة. وببساطة يمكن القول أن ريشة الفنان تعطي لمسة سحرية للشخصيات من حيث الحجم والحركة، بعمل دقيق يعكس التفاصيل ويعبر عنه من خلال الألوان الجميلة، باستخدام الخطوط الذهبية بكثرة من أجل تصوير الخلفية، مع زخارف الملابس بما يشبه أعمال الرسامين القدامى. وهذا الأسلوب نراه واضحاً في لوحة أ. ألداشوف "طشقند في عام 2000"، التي استخدم فيها الزخارف للوصول إلى أبعد الحدود في التعبير.
ومن الفنانين التشكيليين الأوزبك الذين يعتبرون فن المنمنمات عنصراً رئيسياً في التراث الفني الشعبي الأوزبكي، عبد الواسط كمباروف الذي تعمد تصوير شخصياته ضمن تكوين معين ومواضيع مرتبطة بالأدب والشعر والتراث الشعبي في لوحاته، واستمد من أجل تصوير المشهد الدرامي في اللوحة مواضيع من الشعر الأوزبكي الكلاسيكي، ولكن بأسلوب جمالي خاص مشبع بالألوان الطبيعية المتميزة. وأكثر مواضيعه استمدها من الشخصيات الرئيسية في قصائد علي شير نوائي، مثل لوحته "فرهاد وشيرين"، التي رسمها عام 1983 وصور فيها شيرين كـ"ملكة للفرسان"، دون أن يفقدها ملامحها الأنثوية، وعبر في نفس الوقت عن الدهشة البادية على ملامح وجه فرهاد. وقد حاول كمباروف من خلال هذا التكوين إعطاء ملامح تعبيرية خاصة لكل شخصية من شخصيات اللوحة، فخص فرهاد بملابس جميلة، وشيرين وهي تمتطي جواداً مزيناً بمختلف الزخارف، وإلى جانبها خادمتين تحملان مظلات تظللها، وخلف فرهاد فتاتين جميلتين. ونعتقد أن كمباروف تعمد وضع شيرين وحصانها في مركز التكوين لتكون قريبة من المشاهد، ووضع فرهاد وهو يفتح الماء للشعب بعيدة بعض الشيء وفق الأسلوب الأوروبي في بناء تكوين اللوحة وخلق الأبعاد اللازمة للتكوين. مما يجعلنا نستنتج أنه تعمد الدمج ما بين مبادئ المنمنمات الشرقية التقليدية، وأسلوب الأيقونة، وهو من أجل ذلك تعمد تضخيم حجوم الشخصيات الرئيسية في اللوحة، في الوقت الذي عكس الدهشة والاضطراب على وجوه الشخصيات الثانوية وهم يراقبون العمل الخارق الذي قام به فرهاد ضمن إطار التكوين العام للوحة.
ومن الفنانين التشكيليين الذين تأثروا بأساليب فنون المنمنمات الإسلامية، وأساليب فن الغرافيك في تصويرهم لمواضيع شعرية تراثية تلامس تقاليد الفنون الشعبية القديمة بالتاباييف، وبوريخانوف، وزايتوف، وعسكر حجاييف. التي تعتبر أعمالهم أقرب منها إلى الغرافيك من المنمنمات، رغم أسلوبها الذي حاولوا من خلاله محاكاة أساليب فن المنمنمات التقليدي. ولهذا يمكننا أن نقول أن فناني هذه المجموعة وجهوا جل اهتمامهم نحو التعبير الانطباعي، وزيادة النقوش والزخارف مع التركيز على التفاصيل المعمارية وتفاصيل الملابس في التكوين العام للوحة. وانحصر دور الألوان في إطار بناء الحجوم والأشكال والتعبير عن الحدث العام وتفاعلاته ضمن إطار اللوحة. ويظهر هذا الأسلوب في لوحات بالتاباييف، وعسكر حجاييف، ونذيروف. بينما تختلف عنها في رسوم ساطي بالدييفا التي تعكس الأسلوب الواقعي في التصوير بمهارة بالغة تتناسق معها الأشكال التقليدية لفنون المنمنمات الكلاسيكية، من حيث الألوان الجميلة، والزخارف الجميلة، وحركة انتقال المتضادات، في الألوان المحلية من ناحية، وفي التصوير الواقعي للأشكال والمناظر الطبيعية من ناحية ثانية. إضافة للتعبير السلوكي من خلال سمات وجوه شخصيات اللوحة. وهي كلها من خصائص الأعمال الفنية الجيدة. كما هي الحال في لوحات "عيد الحصاد"، و"استراحة في الحديقة"، و"العاطفة"، و"الربيع" (1982-1983)، التي استمدتها كلها من مواضيع تراثية شعبية.
بينما نلاحظ أن أكثر الفنانين التشكيليين الشباب الأوزبكستانيين خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين صبوا اهتمامهم بشكل واضح على مواضيع معروفة مستمدة من مؤلفات الأدباء والشعراء الكلاسيكيين الأوزبك. وأنها وفي أكثر الحالات انطلقت في تكويناتها من الملامح المميزة لكل فنان تشكيلي، ومن أساليب جديدة للتعبير عن مواضيع معروفة كقصيدة "يوسف وزليخة"، و"ليلى ومجنون"، و"فرهاد وشيرين" التي كتبها الشاعر الخالد علي شير نوائي، ويعتبرها الشعب الأوزبكي قمة للأدب العاطفي. إضافة لقصائد شعراء القرون الوسطى في العالم الإسلامي. ويلاحظ أنهم نفذوا لوحاتهم في هذه المرحلة انطلاقاً من تفكير فلسفي واضح يعبر عن حياة الإنسان. وأن الإنسان وحياته وأحاسيسه ومشاعره كانت على الدوام مصدراً للإلهام الإبداعي لمختلف أجيال الفنانين التشكيليين في أوزبكستان.
وعند الحديث عن الجداريات المنفذة بتقنية وأساليب فنون المنمنمات الكلاسيكية نرى استخدام الفنانين التشكيليين للألوان المائية في عام 1984، عندما نفذ الفنان التشكيلي نياز علي خال ماتوف رسوماً جدارية في مسرح عالم حجاييف في مدينة غولستان بولاية سرداريا (أوزبكستان)، مستخدماً فيها أسلوباً غير مألوف من قبل. فقد استخدم خال ماتوف في لوحاته: الألوان المائية، ونشارة الخشب، والورنيش، وتطلب العمل منه الرجوع إلى مراجع مختلفة، وتجربة خلطات ألوان مبتكرة، مستفيداً من نصائح أستاذه الفنان التشكيلي الراحل تشينغيز أحماروف. وكل ذلك تم أثناء الأعمال التحضيرية، وقبل أن يبدأ بإعداد مخططاته اللازمة لتنفيذ مشروعه الجريء، الذي اعتمد فيه قبل كل شيء على التراث الشعبي الفني وعلى تقاليد وتقنيات فن المنمنمات التي أبدعها الفنانون الكلاسيكيون. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه نجح في ابتكار أسلوب جديد، استوعب فيه كل تقنيات المنمنمات الكلاسيكية، ووصل بها إلى مدخل فريد يعتمد لغة الفن التشكيلي الحديث للتعبير، الذي اكتشفه أثناء دراسته للتجارب الفنية السابقة.
والتكوين العام للوحة كان عبارة عن أربع مربعات للوحة جدارية واحدة، تؤدي وظيفة هامة ضمن الديكور العام للمسرح، وتشكل حاجز صناعي وجدار متحرك على خلفية المسرح. ولهذا لم تتوقف أبحاثه عند التقنيات، بل تعدتها إلى دراسة تاريخ مدينة غولستان وواقعها المعاصر، ونماذج كثيرة تتحدث عن تقاليد المسرح الشعبي الأوزبكي واكسسواراته، والفنون الشعبية الأوزبكية، وخاصة منها الفنون الاستعراضية الشعبية. إلى أن تمكن أخيراً من الوصول لتصميم يعكس الأصالة في التكوين نفذه على خلفية فن التطريز والسجاد القومي. ليبدوا التكوين بعد تنفيذه وكأنه ينبع من خلفيات نباتية مزخرفة. وقسم مساحة كل لوحة جدارية إلى ثلاث أجزاء رئيسية، عكست كل منها صورة من صور حياة ومعيشة الشعب الأوزبكستاني، مع مراعاة أن يكون كل تكوين منها وكأنه لوحة مستقلة، على الخلفية المستمدة من الموضوع العام والتي توحدها اللغة التشكيلية التي نفذت اللوحة الجدارية من خلالها ومكنته من العثور على مبدأ شامل لاستخدام الألوان في كل اللوحات الجدارية الأربعة، لتكمل بعضها بعضاً، وتمنع التضارب بين الألوان المستخدمة وديكورات خلفية المسرح، ولتصبح جزءاً أساسياً منها.
وأطلق على لوحته الجدارية الأولى اسم "أغنيات عن الأرض" وقسمها إلى تكوينات متشابهة خصص كل منها لموضوع معين "تحرير النساء"، و"تعليم الأميين"، و"الأرض". ولتقسيم المساحة بالمنظور إلى ثلاثة أقسام، صور الفنان في الوسط آلتي كارناي
[12] مرفوعتين إلى أعلى، ليبعث الانطباع وكأن صوت الموسيقى، الصادر عن الكارناي، عند افتتاح العرض المسرحي يتحول إلى حزمة من الأضواء. وهي خلفية تتكرر دائماً في الرسوم المنمنمة الكلاسيكية، إضافة لرسمه سجادة معلقة تتفق وتقاليد وأساليب فنون المنمنمات في ما وراء النهر. ولكن التطوير جاء عن طريق تعمده تثبيت الشخصيات الرئيسية على الخلفية، كي تعبر عن الحركة الجارية بإتباع أسلوب الجهد المتباين للألوان الباردة والدافئة، اللون الأحمر، والأزرق، والأخضر، التي تخيل للمشاهد صورة العصر الذي يعيشه.
وأطلق على اللوحة الجدارية الثانية اسم "أغنيات عن الماء" وتألفت أيضاً من ثلاثة أجزاء، التكوين المركزي وفيه ثلاثة رجال بملابس قومية وكأنهم يمسكون الشمس في أيديهم، والأشعة البرونزية الحارقة، تجفف الأرض، وتحولها إلى صحراء قاحلة، والقيظ والرمل يقاومان الماء التي تحمي الأرض وتعطي الحياة لكل المخلوقات. ونرى في هذا التكوين تداخل مضامين مستمدة من قصائد "فرهاد وشيرين" لعلي شير نوائي، مع عروض مستوحاة من حكايات الفلاحين الذين شقوا قناة فرغانة للري في النصف الأول من القرن العشرين. والتكوين مرة أخرى يقسم اللوحة إلى ثلاثة أقسام، تختلط أطياف ألوانها مع الموسيقى لتضفي عليها بهجة خاصة.
أما اللوحة الجدارية الثالثة التي حملت اسم "المسرح الشعبي"، فيصور فيها المهرجين في مسرح "مسخرة باظ" في المركز ضمن حلبات السيرك الشعبي. وهنا يخرج الفنان عن الموضوع العام للوحة ويدخل مضامين جديدة منها رمزي المسرح قناعي الدراما والكوميديا، وحيوانات مقنعة ترقص، و"داربوز"
[13] وهو يمشي على الحبل يعرض مهارته مما يوحي وكأنه من خلال المنظر العام يربط كل عناصر اللوحة ببعضها البعض، مستخدماً في ذلك كل إمكانيات اللون الأخضر.
واللوحة الجدارية الرابعة والأخيرة أطلق عليها اسم "أغنيات عن السعادة" وتكمل في موضوعها المواضيع الأخرى في التكوين العام. وتمكن الفنان من خلالها عرض سخاء الأرض الخصبة التي تدفئها أيدي الفلاح الوفي. وفي مركز التكوين صور رجلاً مسناً يجلس على خلفية شروق الشمس، وأمامه سفرة طعام غنية، مليئة بالثمار، وإلى جانبيه فتى وفتاة وكأن الرجل المسن يسلمهم أمانة الحياة، ويدعوهما للحفاظ على أرضهم ويحثهما على حبها والسهر على خدمتها. نفذها كلها بالألوان الزاهية التي استخدم فيها اللونين الأبيض والأزرق، وصور على خلفيتها شخصياته بألوان زاهية واثقة ومتناسقة. وكلها جاءت بحس قومي أصيل استمده من مدرسة هيرات للمنمنمات، وفن التطريز القومي "سوزاني"، وعكس من خلالها أصالة الشعب الأوزبكي وجمال أرضه وخصبها، وأدخل من خلال رباعيته تلك أسلوباً جديداً من أساليب المنمنمات في الفن التشكيلي الأوزبكستاني المعاصر.
كما ونفذ الفنان التشكيلي خال ماتوف وبالاشتراك مع الفنان التشكيلي كمالوف مجموعة لوحات جدارية في صالتين من صالات مطعم "أوزبكستان" بموسكو عام 1984، وفق التقاليد واللغة التعبيرية لفن المنمنمات المطلية. وضمت كل صالة سبع لوحات جدارية استمدت مواضيعها من قصائد الشاعر علي شير نوائي، ومن نوادر الشخصية المحبوبة في الأدب الشعبي الشفهي حجي نصر الدين، داخل إطارات أعدت خصيصاً لتلك اللوحات ضمن السياق العام لجدران الصالة التي غشيت بنقوش الـ"غانتش"
[14]. وضمت الصالة الأولى سبع لوحات جدارية بيضاوية الشكل، حوت كل منها تكوين لفتاة رائعة من الفتيات اللاتي تغزل بهن الشاعر علي شير نوائي في قصيدته "السبع الجميلات". قام بتنفيذها كمالوف بألوان زرقاء زمردية، تجمعها الوسائل التعبيرية التي تعلمها عند أستاذه الراحل تشنغيز أحماروف.
وفي الصالة الثانية نفذ خال ماتوف لوحات جدارية داخل حزم من النقوش على شكل مثمنات، متكررة بتقنية نقوش "الغانتش". وتضمنت مواضيع مستمدة من نوادر حجي نصر الدين أفندي. صورها وفق أسلوبه الخاص المستمد من فنون المنمنمات الكلاسيكية مستخدماً المساحة دون بناء محدد للعناصر، ولكن بتصوير يميز الأشكال الرقيقة والجميلة لكل لوحة، مع توجيه عناية خاصة للزخارف التي تضمنت عناصر من نقوش الأرابسك، وزخارف الملابس، والإكسسوارات التي وزعت على كل مساحة اللوحة كعامل مشترك بين أجزاء التكوين لتكمل بعضها بعضاً. ونستطيع القول هنا أن خال ماتوف استطاع في لوحاته الجدارية إبراز الشخصية الشعبية نصر الدين أفندي بتعبير أكثر مما هو وارد في النص المقروء من نوادر تلك الشخصية الفلكلورية ذائعة الانتشار في العالم الإسلامي. واستطاع بمهارة تصوير بطله الشعبي بحيله، وخداعه، وفكاهاته، وابتساماته، وضحكاته، جعلها تمر كلها أمام أعين المشاهدين كشريط متكامل على خلفيات محدودة ساعدت على التعبير بدقة عن التغييرات السريعة للأحداث المعبر عنها في كل لوحة، وعن الطبيعة الإنسانية في آن معاً.
وفي عام 1985 نفذ خال ماتوف وزميله اللوحات الجدارية للصالة الرئيسية في مطعم "أوزبكستان" بموسكو، واستخدما مرة أخرى تقنيات فن المنمنمات للتعبير عن أوزبكستان بالكامل. وأنجزا ثلاث لوحات كبيرة كل منها قائمة بحد ذاتها، تحت اسم مشترك هو "الخلفية الأبدية"، وتكمل بعضها البعض من حيث المضمون والتعبير والأسلوب الفني، حملت اللوحة الأولى اسم "الولادة"، والثانية "الشباب"، والثالثة "الخصوبة"، تميزت كلها ببهجة الألوان، ودقة التعبير الذي انفرد فيه أسلوب الفنانين التشكيليين المميز عن غيرهما.
وقسمت اللوحة الأولى "الولادة" إلى خمس أجزاء جدارية منفصلة يوحدها الموضوع، حاول من خلالها التعبير عن الشعور الذي يحدثه الإيقاع الموسيقى على الإنسان. وتضمن الجزء اليساري من أسفل اللوحة تكوين فيه شابين يحمل كل منهما آلة موسيقية يعزف عليها، بتعبير وكأنهما يكشفان جمال وروعة الحياة من خلال الموسيقى. ومن اليمين فتيات يعزفن على آلات موسيقية أيضاً. وإلى الأعلى من اليسار امرأة جالسة إلى جانب مهد طفلها. وإلى اليمين مجموعة من الشبان حول معلمهم. وكل تلك الأشكال نفذت بإبداع جمالي وكأنها تمثل الزمن داخل فضاء خيالي من الحجوم الهندسية الدقيقة، تعلوه من الوسط دائرة ذهبية تعبر عن الشمس على خلفية من براعم الورد الهابطة من الأعلى إلى أسفل اللوحة.
واللوحة الثانية "الشباب"، نفذها الفنانان التشكيليان بمسحة فلسفية رومانسية مختلطة بمشاعر النشوة والسعادة، ويصور التكوين شابين في حديقة مزهرة، وفتاة مرحة تحمل كتاب وتشير إليهما بحركة إيمائية تعبر عن منتهى الجمال وخالص الحب، في حديقة تملأها أشجار السرو وتحركها الطيور المحلقة وتزيدها أشعة الشمس بهجة وضياء.
أما اللوحة الثالثة "الخصوبة"، فقد قسمت إلى خمسة أجزاء تكمل بعضها البعض من خلال الموضوع المشترك، وتوحي بمضمون الفكرة الأساسية لثلاثي "الخلفية الأبدية". فنرى الرومانسية والشاعرية وإشراقة الحب على وجوه الفتيات والفتيان وهم مقبلون على حياة جديدة، حالمون بالأفق المضيء والسعادة. التنفيذ الحر لهذا التكوين تعبر عنه الشمس المشرقة الساطعة، والملامح الرومانسية لشخصيات اللوحة، التي جاءت على خلفية تضم منظراً طبيعياً من الريف الأوزبكستاني بشاعرية خاصة عبرت عنها أطياف الألوان في فنون المنمنمات الكلاسيكية التي حملت معها معان كثيرة مستوحاة من التراث الشعبي الأوزبكي لزوار المطعم في موسكو.
وعند الحديث عن طيف الألوان الذي استعاره الفنانون التشكيليون الأوزبك المعاصرون من فنون المنمنمات الإسلامية الكلاسيكية بشكل عام، لا بد أن نتوقف عند الأداء الرائع لريشة الفنانين التشكيليين التي ركزت على اللونين الذهبي والأزرق لخلق التكوين العام للوحة، وتصوير شخصيات اللوحة المستوحاة من الحياة في القرون الوسطى بلمسة سحرية مزجت بين البارد والدافئ لتميز بين الأحداث الجارية في حياة البشر آنذاك. ولكنهما تمكنا من التوصل لحلول إيجابية أخفت التناقض، باستخدامهما للون الأبيض في تصوير الشخصيات. وهذا على ما يبدوا أوجد بعداً فلسفياً لا نهاية له في الاستعارة لتصوير صراع المتضادات، وإظهار قيمة الحياة للإنسان، وإظهار الأفكار الرومانسية التي تعبر عن الطهارة الروحية للإنسان والأمل. وعبرت عنها وبصدق كل العناصر في التكوين العام للوحات من زركشة الملابس، إلى طبقات اللون في الخلفية إلى الخطوط الانسيابية التي حملت معها بعداً موسيقياً عاطفياً أضفى نوعاً من العاطفة والدفء والصفاء والحركة الدائمة. فتارة كانت الخطوط الانسيابية أقواس متكررة، ضمت بين حناياها الأرابسك في إيقاع موسيقي خاص بلوحة "الولادة"، وفي "الشباب" ضاعت الخطوط ببقع شفافة لتصور غيمه تحمل الخير والعطاء، وأجسام طائرة تعبر عن اتساع الفضاء والحرية، وفي اللوحة الأخيرة "الخصوبة" تحولت إلى ثمار ناضجة من الرمان، رمز الخصوبة والسعادة في التراث الشعبي الأوزبكي.
وكل ذلك يوضح مدى تأثر الفنانين التشكيليين بأستاذهما الكبير تشنغيز أحماروف، وأسلوبه الخاص في توحيد عناصر اللوحة من خلال التقاليد العريقة لأساتذة فن المنمنمات عبر تاريخه الطويل، مع التأكيد على ارتباطه العضوي بخصائص الفن الشعبي التعبيري المتجدد على أيدي فنانين عرفوا تراث أجدادهم وتفهموا بعمق خصائص فن المنمنمات الإسلامية الكلاسيكية العريقة، وأغنوا بأساليبهم المبتكرة النقوش الجديدة التي أصبحت تغشي التكوين المعاصر بشاعرية خاصة، وإبداع روحي متميز مفعم بالعواطف الفياضة، وتتقبل الحياة المعاصرة بتقنيات حديثة استمدت من فن المنمنمات العريق في العالم الإسلامي.
ومن هذا العرض السريع نكون قد تعرفنا على صورة من الصور الأصيلة التي تمثل اتجاهاً متميزاً من بين اتجاهات الفنون الجميلة المعاصرة في جمهورية أوزبكستان، وعلى مدرسة فنية وقف على رأسها الفنان الراحل تشنغيز أحماروف، وفنانين لم يتخلوا في بحثهم الفني والتقني الدائم عن تراثهم الشعبي الأصيل الذي خلفه أجدادهم العظام، ولا عن الوجه القومي المميز للفن الأصيل الذي يميز الثقافة الفنية في وسط آسيا والعالم الإسلامي، أمثال الفنانين التشكيليين محمد جانوف، وخال ماتوف، ولوغوفسكي، وآداشوف، وكمالوف، وكمباروف، ويولداشوف، وساطي بالدييفا، الذين كانوا النواة لقيام مؤسسة مصور لتطوير الفنون الجميلة الشعبية الأصيلة في جمهورية أوزبكستان.
ومن دون شك يمكن القول أن نجاح هذا الاتجاه، يكمن في بعث الإبداع الفريد الذي انطلق من إحدى ورشات الفن الشعبي الأصيل في أوزبكستان، وهي ورشة رابطة أسطى وعملت على بعث ألوان من فنون المنمنمات الكلاسيكية التي حوتها الكتب المخطوطة الإسلامية التي كتبت وزخرفت في القرون الوسطى، وضمنت ألواناً بديعة وفريدة من فنون الخط العربي، والتشكيل الفني على الجلد. وفي أعمالهم التي نستشف منها الفرادة والإبداعية لفن الخط العربي، والتقنية الحرفية الرفيعة في الرسوم الدقيقة، ودقة الألوان الغنية، والعمليات اليدوية الفريدة والصعبة، ومن ضمنها يأتي أيضاً صنع الورق، والألوان .. وغيرها كصدى لماض عريق يتحدث عنه تاريخ الفنون الجميلة الإسلامية التي كادت أن تندثر في دول وسط آسيا لولا أولئك الرواد المخلصين الذين أخذوا على عاتقهم واجب الحفاظ على تلك الفنون الرائعة الجميلة وإحيائها.
وتستمر مسيرة الخير والعطاء وتتفتح كل يوم أزهاراً جديدة على أغصان شجرة الفنون الجميلة في جمهورية أوزبكستان بعد استقلالها، ويزهر كل يوم غصن جديد، في رحاب معهد بيغ زاد للفنون الجميلة، وأكاديمية الفنون الجميلة، ومؤسسات التعليم العالي والمتوسطة الفنية الأخرى في أوزبكستان، والتي ومن دون أدنى شك، ستغني، وتلون، وتأتي بثمار ناضجة جديدة تسهم بدورها في الحفاظ على الثقافة الفنية الأصيلة والعريقة والفتية في جمهورية أوزبكستان، وتصب في النهاية بمحيط الثقافة الإنسانية الخيرة، أخذاً وعطاءً في آن معاً.
وهو ما أشار إليه معرض " ما عرف وما لم يعرف عن الفنان التشكيلي تشنغيز أحماروف " الذي نظمه مركز الفنون القومية التابع لأكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية عام 2009 والذي اكتظ بالزوار وضم أكثر من 100 عملاً فنياً وغرافك لأحد ألمع أساتذة ريشة الفنون الجميلة في أوزبكستان، وتضمن عرض الكثير من الأشياء التي تصور حياته الإبداعية الرائعة والخاصة، وكانت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أن أشاهد بين المعروضات اسكيز صغير رسمه ويحمل توقيع الفنان التشكيلي العربي السوري د. محمد غنوم الذي أهداه له أثناء زيارته لمرسمه في مطلع تسعينات القرن الماضي، وأعادت هذه الصدفة لذاكرتي مجريات ذلك اللقاء الذي حضرته واستمعت من خلاله لتقييم وحب هذا الفنان الكبير لتراث الفنون الجميلة والمنمنمات العربية الإسلامية التي ازدهرت في القرون الوسطى. وأشار إلى أن إسهام تشنغيز أحماروف في تطوير فن المنمنمات والفنون الجميلة الأوزبكية كان عظيماً وتميز بعدم التكرار وإلى دعوته للفنانين الأوزبك للابتعاد عن تقاليد المدارس الأوروبية والعودة لجذورهم الفنية. وكان له الفضل الأكبر في بعث فنون المنمنمات الإسلامية، وإحياء تقاليد مدرسة كمال الدين بهزاد الرائعة. وكانت أفكاره تلك جريئة جداً في تلك المرحلة وكان على علم بما يحيط به من أخطار في مواجهة ما اعتاد المسؤولين في السلطات السوفييتية فرضه على الفنون من قيود، وكان يمكن وبكل سهولة أن يدفع مستقبله وشهرة إبداعه ثمناً لها. ولكنها كانت فكرة فنان شجاع حملها معه وبثبات طيلة حياته.
وكانت حياة تشنغيز أحماروف مليئة بالنجاحات وحظي بألقاب رفيعة. واستحق جائزة الدولة من الدرجة الأولى لقاء رسومه ونقوشه البديعة التي تزين حتى اليوم جدران صالات مسرح علي شير نوائي الأكاديمي الكبير للأوبرا والباليه في طشقند. وكان حينها لا يتجاوز الخامسة والثلاثين عاماً من عمره، ومع ذلك لم يصب بالغرور واستمر بإبداعاته، وأنجز الكثير من الأعمال الفنية التذكارية الضخمة التي تزين الأماكن العامة ليس في أوزبكستان بل وفي خارجها.. ونقوشه النافرة ورسومه البديعة تزين اليوم جدران محطة "كييفسكايا" في مترو موسكو، ومصحة "أوزبكستان" في كيسلافودسك، ومطعم "يولدوز" في سمرقند، وقصر أبو علي بن سينا الثقافي في بخارى، ومحطة علي شير نوائي للمترو في طشقند والكثير غيرها. ورسومه البديعة المحفوظة في العديد من المتاحف والمجموعات الخاصة ومن بينها مجموعة الفنان د. محمد غنوم في دمشق.
وشملت أعماله البديعة خلال حياته الكثير من الصور، ولوحات رسمها لمعاصريه وللأجداد العظام للشعب الأوزبكي، يصعب حصرها اليوم وكلها تحمل ميزة واحدة عدم تكرار خصوصيتها في أي لوحة من لوحاته أو أي عمل من أعماله، وعند تصفح أي ألبوم من ألبومات معارضه لا نجد أي تشابه بين أي عمل من أعماله الكثيرة لا في تفاصيل الجزئيات ولا حتى في الأقراط التي تزين أذان شخوص لوحاته ولا في حلى الزينة النسائية المرسومة في لوحاته وكلها تحمل طابع أحماروف المتميز. واذكر ما عرضه على ضيفه السوري من عشرات النماذج التي رسمها ليختار منها بعد جهد جهيد الأنسب والأفضل لإنتاج عمله الفني المبدع بشكله النهائي، وهو الذي تمتع بإمكانيات موسوعية وفلسفية وتاريخية ومعمارية وموسيقية، وأحاسيس مرهفة عكسها في لوحاته ورسومه عبر الحركات الإيقاعية للراقصات والراقصين وفي الفنون الشعبية الأخرى وما عرف عن حفظه عن ظهر قلب لمؤلفات العديد من شعراء الشرق. وعن دعوته من قبل أبرز المخرجين للتشاور قبل البدء في تنفيذ أي عمل سينمائي تاريخي. والخبرة الضخمة التي كونها خلال حياته ولم يبخل بها وأعطاها لتلاميذه الذين يعدون اليوم بالمئات لأنه أحبهم كأب ومع ذلك كان في أعماق قلبه شاباً، وكان يحب أن يدعوه تلاميذه لجلسات سمرهم، وكان يحب المزاح والنكات والكلمات النقدية الحادة كما أشار لي تلامذته الذين التقيتهم خلال معرض أستاذهم الكبير. حتى أن أحدهم وهو فنان معروف قال لي: أحماروف لم يدخر أبداً النقود، والقسم الأكبر من عائدات أعماله الفنية كان يوزعها على تلاميذه، الذين درسوا الفنون الجميلة في مؤسسات التعليم العالي الروسية، لأن أستاذنا عرف أن المقدرات الإبداعية الفكرية والقيم المعنوية هي أغلى من المادة. وكان له في حياته مذاق الانتصارات الحلوة، وطعم الضياع والخسارة المرة. ولكنه لم يكن يحب التحدث عنها أبداً.
وهكذا اقتنعت بأنه رغم مضى 12 عاماً على وفاة فنان الشعب الأوزبكي تشنغيز أحماروف بقيت ذكراه الطيبة ولم تزل محفوظة لدى الكثيرين من تلاميذه والمعجبين بفنونه الجميلة وفي أعماله الكثيرة الموزعة في المتاحف والأماكن العامة التي يشاهدها عشرات الألوف يومياً.
المراجع:
1. اسماعيلوف إ.: فن ديكور آسيا الوسطى للكتب المخطوطة للقرنين 18-19. طشقند، 1982. (باللغة الروسية)
2. بوغاتشينكوفا غ. أ.، ريمبيل ل. ي.: تاريخ الفنون في أوزبكستان. موسكو 1965. (باللغة الروسية)
3. دولينسكايا ف.: فن المنمنمات بآسيا الوسطى. مجلة زفيزدا فاستوكا (نجمة الشرق)، 1958/ العدد 7. (باللغة الروسية)
4. غانييفا لولا: فنان الشعب الأوزبكستاني تشينغيز أحماروف. طشقند: مجلة تياتر، 2003 العدد 3. (باللغة الروسية)
5. قازييف أ. يو.: المواد التقنية الفنية ومصطلحات القرون الوسطى لفن رسوم الكتب، والخطوط والتجليد. باكو، 1966. (باللغة الروسية)
6. أ.د. محمد البخاري: الفنون القومية هوية لا تموت. طشقند: صحيفة أوزبكستان أدبياتي وصنعتي، العدد 16(3845) / 21/4/2006. ص 1. (باللغة الأوزبكية)
7. أ.د. محمد البخاري: رواد النهضة الحديثة في أوزبكستان شعارهم هوية لا تموت. الكويت: جريدة الفنون، العدد 51 آذار/مارس 2005. ص 8-15.
8. محمد البخاري: الفنون الجميلة الأوزبكية. دمشق: مجلة الحياة التشكيلية، العدد 17-18/1985.
9. فيمارن ب. ف.: فن الدول العربية وإيران في القرون 12 -17. موسكو 1974. (باللغة الروسية)

هوامش
[1] غانييفا لولا: فنان الشعب الأوزبكستاني تشينغيز أحماروف. // طشقند: مجلة تياتر، 2003 العدد 3. ص 27.[2] "طاش قاغاز": الورق المقوى.[3] جمهوريات وسط آسيا هي: أوزبكستان، وقازاقستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان.[4] الإدارة الدينية لمسلمي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية خلال فترة الحكم السوفييتية.[5] دولينسكايا ف.: فن المنمنمات بآسيا الوسطى. // طشقند: مجلة زفيزدا فاستوكا (نجمة الشرق)، 1958/ العدد 7. ص 153.[6] اسماعيلوف إ.: فن ديكور آسيا الوسطى للكتب المخطوطة للقرنين 18-19. طشقند، 1982. ص 30.[7] قازييف أ. يو.: المواد التقنية الفنية ومصطلحات القرون الوسطى لفن رسوم الكتب، والخطوط والتجليد. باكو: 1966؛ ومخطوط جواهر الصنعة. المحفوظ في معهد أبو ريحان البيروني للاستشراق بأكاديمية العلوم الأوزبكستانية، رقم 3377/1.[8] مجموعة قصص مخطوطة باللغة العربية من القرن الـ 8 الميلادي محفوظة في مكتبة المخطوطات بمعهد أبو ريحان البيروني.[9] فيمارن ب. ف.: فن الدول العربية وإيران في القرون 12 -17. موسكو: 1974.[10] بوغاتشينكوفا غ. أ.، ريمبيل ل. ي.: تاريخ الفنون في أوزبكستان. موسكو: 1965. ص317.[11] نصر الدين أفندي: شخصية فريدة في الأدب الشعبي لشعوب آسيا المركزية، تشبه إلى حد بعيد شخصية جحا في الأدب الشعبي العربي.[12] كارناي آلة موسيقية تعمل بالنفخ تشبه البوق ولكنها أطول منه كثيراً.[13] داربوز: فنان السيرك الشعبي في آسيا المركزية.[14] غانتش: نقوش وزخارف قومية تنفذ على الجبصين (جبس) الأبيض.
صور لبعض اللوحات