الاثنين، 17 أغسطس 2009

واقع إستراتيجية السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان

واقع إستراتيجية السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان

أ·د· محمد البخاري

تبلورت السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان، كمؤثر فاعل في العلاقات الدولية، وتكاملت ضمن إطار يحمي مصالحها القومية، ويطور تلك المصالح من خلال رؤية متكاملة وضع أسسها أول رئيس للجمهورية الفتية إسلام كريموف· وعبر عقد من الزمن منذ إعلان الاستقلال في الحادي والثلاثين من آب - أغسطس عام 1991 وحتى اليوم، تمكنت القيادة الأوزبكستانية من التصدي للمشكلات الرئيسية التي كانت تعترض طريق إتباع سياسة خارجية مستقلة تعبر عن المصالح القومية والسيادة الوطنية للشعب الأوزبكستاني· فما هي أهم تلك المشكلات؟
من تلك المشكلات التي اعترضت تشكل السياسة الخارجية للجمهورية الفتية، ما نتج عن تبعات الاستقلال، في ظروف كان المركز في موسكو يحتكر السياسة الخارجية بكاملها مما حرم أوزبكستان خلال العهد السوفييتي من صلاحيات إقامة علاقات دولية من أي نوع، وحتى المشاركة في صياغة القرار في السياسة السوفييتية الخارجية· وكان لا بد للقيادة الأوزبكستانية من القيام ببعض الإجراءات العاجلة انطلاقاً من نقطة الصفر، لصياغة سياسة خارجية خاصة بها وإقامة شبكة من العلاقات الدولية، وتحديد أولويات المصلحة القومية الأوزبكستانية في السيادة والاستقلال·
وقد نتج عن احتكار المركز للسياسة الخارجية تركز كل الأجهزة والكوادر والخبرة الدبلوماسية في موسكو، وامتنعت روسيا الاتحادية بعد استقلالها عن التعاون واقتسام تلك الأجهزة والكوادر والخبرات والموارد التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي السابق مع جمهورية أوزبكستان، بحكم وجودها على أراضيها· وشملت ممتلكات وأجهزة وموارد وزارة الخارجية السوفييتية الملغاة وخبراتها الدبلوماسية في الخارج أيضاً·
وكان على أوزبكستان أن تقوم بإعداد كوادرها السياسية والدبلوماسية الوطنية القادرة على تنفيذ مهام سياستها الخارجية، وتزويدها بالاحتياجات اللازمة على ضوء توسع علاقاتها الدولية· ومواجهة متطلبات النظام الدولي الجديد أحادي القطبية والمتمثل بتكتل الدول الصناعية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة· والتعامل مع القيم الفكرية الجديدة التي تفرض نظام السوق والليبرالية السياسية، والتعامل مع القوى الدولية الجديدة التي أخذت بالتصاعد في أوروبا وشرق آسيا، والاتجاه الدولي الجديد الذي سار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق نحو إقامة تكتلات وتجمعات دولية جديدة، متعددة الأطراف تتطلع نحو تحرير التجارة والاقتصاد الدولي ضمن الاتجاه الذي عرف اقتصادياً وسياسياً بالعولمة·
وكان لابد لأي صياغة للسياسة الخارجية أن تضمن المصالح الوطنية الأوزبكستانية، في ظروف اقتصادية صعبة نتجت عن تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وأدى الاستقلال لقطع العلاقات الاقتصادية التي كانت قائمة مع غيرها من جمهوريات الاتحاد المتفكك، وبالتالي خسارتها لـ85,5 في المائة من موارد تجارتها الخارجية مع تلك الجمهوريات، والذي أثر بشكل مباشر على اقتصادها· فكان على القيادة الأوزبكستانية أن تصب اهتمامها أثناء صياغة سياستها الخارجية نحو حماية حياة ورفاهية المواطن الأوزبكستاني دون إبطاء·
والمشكلة الأخرى التي واجهت السياسة الخارجية المستقلة لأوزبكستان، كونها دولة داخلية جغرافياً، ولا تملك منافذ على البحار والمحيطات العالمية· وهو ما فرض عليها إتباع سياسة خارجية متوازنة والتعامل والتفاوض والمساومة والمحافظة على علاقاتها مع دول الجوار، لضمان طرق الترانزيت التي هي بمثابة شرايين الحياة بالنسبة لها، ومواجهة مشكلة أمنها المائي لأن معظم الأنهار الجارية عبر أوزبكستان تنبع من أراضي الدول المجاورة وخاصة طاجكستان وقرغيزستان·
وكان لا بد لأوزبكستان أن تصوغ سياستها الخارجية في ظروف من عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، والتنافس بين القوى الإقليمية والعالمية لفرض تصورها ونموذجها لسد الفراغ الذي نشأ في آسيا المركزية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق· وهو ما أشار إليه دوجلاس هيرد، وزير خارجية بريطانيا السابق، بقوله: إن آسيا المركزية تعود لعصر (المبادرة الكبرى) التي دارت في الماضي، والمباراة الراهنة تدور بين روسيا وتركيا والصين وإيران والهند، من أجل الحصول على المزايا الاقتصادية والسياسية· مما يجعل المباراة أكثر خطورة عما كانت عليه منذ مائة عام مضت، لأن الإقليم يعج بالسلاح اليوم· إضافة لتأثيرات التنافس الإيراني التركي، والباكستاني الهندي، والأدوار الروسية والصينية والأميركية والإسرائيلية الجديدة والمؤثرة في المنطقة· وحركات التطرف الديني التي برزت بعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان·
وتمثلت المشكلة الأخيرة في أنه على أوزبكستان أن تصيغ سياستها الخارجية من نقطة الصفر، في ظل وضع داخلي يشهد تحولات سياسية واقتصادية جوهرية، ومحاولة بعض القوى تسييس المشكلات العرقية والقومية والدينية المحلية، بقصد الإساءة للعلاقات التاريخية لأوزبكستان مع الدول الإسلامية والعربية بشكل خاص والدول المجاورة لها بشكل عام· ولهذا شرعت أوزبكستان في إجراء تحول نحو التعددية السياسية، واقتصاد السوق، وأخذت القيادة الأوزبكستانية بصياغة قواعد جديدة للتعامل مع كل تلك المشكلات·ومن هنا يمكن أن نلمس أية مهمة شاقة اعترضت الرئيس إسلام كريموف في صياغة سياسة خارجية لأوزبكستان فقد تطلب منه التعامل مع تلك المشكلات، وبلورة رؤية إستراتيجية لطبيعة التحولات الإقليمية والعالمية وآثارها على أوزبكستان، ووضع إستراتيجية للتعامل معها· إستراتيجية تتضمن فلسفة السياسة الخارجية وخارطتها· واتضحت تلك الرؤية في الخطاب الذي ألقاه الرئيس إسلام كريموف من على منبر منظمة الأمم المتحدة خلال دورتها الثامنة والأربعين في 28/9/1993 واكتملت تلك الرؤية في مؤلفاته أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين، وأوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية، وأوزبكستان على طريق المستقبل العظيم المنشورة باللغة العربية في بيروت وجدة، والتي تعتبر وثيقة مرجعية لفلسفة السياسة الخارجية الأوزبكستانية·
فلسفة السياسة الخارجية الأوزبكستانية: انطلق الخطاب السياسي للرئيس كريموف من تحليل موضوعي لطبيعة النظام العالمي وموقع أوزبكستان فيه، لأن هذا النظام كما يراه في عصر العولمة مترابط ومتعدد الأبعاد· ويعني هذا أنه لم يعد هناك مكان في النظام العالمي للانعزال، ويتطلب الاندماج مع مجمل التيارات الفكرية والهيكلية للنظام العالمي الجديد· وهذه الرؤية للعولمة في النظام العالمي الجديد تشكل المدخل الحقيقي الأول لرؤية الرئيس كريموف لسياسة أوزبكستان الخارجية· والمدخل الثاني في تأكيده على أن أوزبكستان تقع في قلب هذا النظام، فهي تقع في قلب آسيا، حيث تتركز مصادر الطاقة، وبالذات منابع النفط والغاز، وفي منطقة تتقاطع فيها مصالح القوى الآسيوية والأوروبية القوية، والدول الكبرى من العالم الإسلامي· كما أنها بحكم موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية والبشرية، وخبراتها التكنولوجية، وتراثها الثقافي والحضاري، مؤهلة لتلعب دور مركز آسيا· وقد عبر الرئيس كريموف عن ذلك في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن أوزبكستان يمكن أن تكون نافذة آسيا، وجسراً للتعاون بين المؤسسات الدولية لتوفير الأمن في آسيا· وتواجه أوزبكستان في تلك المنطقة الإستراتيجية المهمة، مجموعة من التهديدات التي تؤثر على أمنها الوطني· وتتميز تلك التهديدات، بأنها ذات صلة متعددة الأبعاد، ومركبة ومتداخلة· ولا يرى الرئيس كريموف أن التهديدات الموجهة ضد جمهورية أوزبكستان، مجرد تهديدات عسكرية، بل إنها تهديدات سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية متعددة ولا تقتصر على التهديد العسكري وحده·
وكما يرى الرئيس كريموف أن التهديد الأساسي والأول للأمن القومي الأوزبكستاني يكمن في النزاعات الإقليمية في آسيا، وفي مقدمتها الصراعات القائمة في أفغانستان وطاجكستان، تلك النزاعات التي أدت إلى تأخر تطور تلك الدول لعشرات السنين· وأن تلك الصراعات يمكن أن تمتد إلى أوزبكستان ذاتها حسب تعبير الرئيس كريموف فكل نزاع في أية دولة من الدول لا يمكن أن يبقى لفترة طويلة محصوراً داخل حدود تلك الدولة· فلأسباب عديدة سيمتد هذا النزاع تلقائياً إلى الدول المجاورة· وأثبتت أحداث تسلل بعض المسلحين إلى جنوب قرغيزستان في صيف عام 1999 صواب تلك الرؤية كما أثبتت الأحداث الأخيرة في أفغانستان ذلك، فالنزاعات يمكن أن تؤدي إلى نسف الوفاق الاجتماعي، والاستقرار في الدول المجاورة، وخاصة عند استخدام عنصر الدين فيها· واستمرار تلك النزاعات يعطي البعض فرصة إثارة مشاكل الشعوب المقسمة لإعادة ترسيم الحدود تحت ستار توحيد الطاجيك أو الأوزبك أو غيرهما من الشعوب المقسمة في العالم· إضافة إلى أن الحرب الأهلية الأفغانية قد أعاقت بالفعل وصول أوزبكستان إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وخلقت مشكلة اللاجئين الذين يندفعون عبر الحدود إلى الدول المجاورة هرباً من الحروب، وإلى بروز مشاكل أخرى تمثلت في ازدهار تجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة، وانتشار العنف المسلح والإرهاب·
ويأتي ا لتهديد الثاني من التطرف الديني، حيث أكدت أوزبكستان على الدور التربوي المهم للدين، وعلى دور الإسلام في الصراع السياسي من أجل توحيد المجتمع· ويعتبر الإفراط بالرأي الديني لطرف واحد، ومحاولة تغيير النظم السياسية بغير الطرق الديمقراطية والقوة تهديداً أمنياً خطيراً· ويرى رئيسها أن أوزبكستان هي جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، ولكن المشكلة تكمن في تحويل الشعارات الدينية، من قبل البعض، إلى راية من أجل الوصول إلى السلطة بطرق غير شرعية، ودافعاً للتدخل في السياسة· خاصة وأن تلك القوى والحركات يمكن أن تزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، وتخلق مجابهة عالمية بين الحضارة الإسلامية وحضارات الأديان الأخرى، وهذا ليس من مصلحة لا الشعوب الإسلامية ولا غيرها من شعوب العالم·وأما التهديد الثالث فيتمثل في التعصب القومي الإمبراطوري، والعداوة القومية، من خلال سعي بعض الأمم لفرض سيطرتها خارج حدودها· لهذا يعتبر الخطاب السياسي للرئيس كريموف أن التناقضات القومية والعرقية داخل أوزبكستان، مصدر آخر لتهديد أمنها ومنها الاستيطان خلال الحكم الروسي ويفرض هذا على أوزبكستان اليوم إتباع سياسة قومية مبنية على مبدأ احترام حقوق الأقليات القومية، وحل كل المتناقضات القومية بأسلوب ديمقراطي سلمي بناء· ويعتبر الرئيس كريموف انتشار جرائم الرشوة وغسل الأموال وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة، والنزاعات العشائرية ضيقة الأفق داخل الدولة، تهديداً لأمن أوزبكستان الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة إذا ارتبطت تلك النزاعات بتوزيع الوظائف والمكاسب بين عناصر الفئة المنحرفة التي تحاول دوماً الاستفادة من مرحلة التحول الاقتصادي، لتحقيق مكاسب ذاتية غير مشروعة على حساب الآخرين· وأخيراً فإن المشاكل البيئية تمثل مصدراً لتهديد الأمن القومي لأوزبكستان· وتشمل مشاكل انحسار مياه بحر الأورال من أكبر الكوارث البيئية في تاريخ البشرية·
ومما سبق يتضح لنا أن مصادر تحديد الأمن القومي الأوزبكستاني، وفق منظور القيادة الأوزبكستانية هي تحديات اجتماعية واقتصادية شاملة، ولا تقتصر على البعد العسكري التقليدي وحده· فهي تهديدات داخلية، واجتماعية وبيئية· وأكثرها وفق منظور الرئيس كريموف هي تهديدات داخلية ويتطلب التعامل معها إستراتيجية شاملة للعمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإستراتيجية للسياسة الخارجية تحقق أهدافاً داخلية تتعلق بمصادر تهديد الأمن الوطني لأوزبكستان·
إستراتيجية التكامل مع المجتمع الدولي: حددت أوزبكستان عدة استراتيجيات محورية لمواجهة مصادر التهديدات التي أشار إليها الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية· ويتلخص اتجاه هذه الاستراتيجيات في الحفاظ على التوازن الاستراتيجي الداخلي والخارجي، وبناء الاستقرار. انطلاقاً من عدة أبعاد، أهمها:أن تحقيق الاستقرار والتوازن الداخلي شرط جوهري لتحقيق استقرار وتوازن مماثلين في الخارج·ولأن السياسة الخارجية الفعالة هي تلك التي تستند إلى قاعدة اجتماعية واقتصادية قوية ومتوازنة· وهو ما أشار إليه الرئيس كريموف بالتفصيل في كتابه أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية الذي صدر باللغة العربية في بيروت، وكتابه أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم الذي صدر في جدة، حيث ركز فيهما على إستراتيجية الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في أوزبكستان·
ومن هذا المنطلق فإستراتيجية السياسة الخارجية لأوزبكستان، تركز على التكامل مع المجتمع الدولي لأنها ليست مجرد حتمية تاريخية، بل كعامل قوي للاستقرار، الذي يعني الاندماج بالنظام السياسي والاقتصادي العالمي على أساس المنفعة المتبادلة، وأولوية المصالح الاقتصادية على الاعتبارات الأيديولوجية، وأولوية معايير القانون الدولي على المعايير الداخلية، والعمل ضمن النظام الدولي طبقاً للمعايير الإنسانية العامة·وتقع إستراتيجية التكامل هذه وفق التصور الأزوبكي، في قلب إستراتيجية الاندماج في الاقتصاد العالمي، التي يهدف منها إقامة اقتصاد سوق اجتماعي، حر ومنفتح على العلاقات الاقتصادية العالمية، داخل التقسيم الدولي للعمل· ويشمل الانخراط في المؤسسات الاقتصادية العالمية، مثل: منظمة التعاون الاقتصادي، ومنظمة التجارة العالمية، مع جذب الاستثمار الأجنبي، وهذا يعني أن أوزبكستان تتكامل مع مجمل توجهات ومؤسسات النظام العالمي انطلاقا من المنفعة المتبادلة· ولترجمة هذه الإستراتيجية، إلى سياسات واقعية، حددت السلطات بعض الخطوط الأساسية، وهي: بناء شبكة علاقات تحقق تنوع البدائل وزيادة الشركاء، وبناء التوازن، واتفاقيات الأمن الجماعي التي تضمن ذلك، بما فيها إعلان آسيا المركزية منطقة خالية من السلاح النووي؛ و الاعتراف بالحدود القائمة بين جمهوريات رابطة الدول المستقلة، عند الاستقلال، باعتبارها حدوداً سياسية نهائية؛ وحل النزاعات القومية في آسيا المركزية، وبالذات في طاجكستان وأفغانستان بالطرق السلمية؛ وبناء علاقات من خلال الحوار مع العالمين الإسلامي والعربي لتجنب حدوث صدام ناتج عن تفاقم التيارات الأصولية المتشددة، والعمل على إدارة نقاش فعال بين الحضارات؛ وإقامة حوار استراتيجي متكافئ مع روسيا، أساسه المشاركة والمنفعة المتبادلة؛ والتعاون مع دول آسيا المركزية لحل مشكلات البيئة؛ وتشجيع الاستثمار الأجنبي·
مما يسمح بإيجاز التوجهات الرئيسية لسياسة أوزبكستان الخارجية في خطوط محددة، أهمها: الحفاظ على المصالح الوطنية الأوزبكستانية الراهنة من خلال استمرار الروابط مع الشركاء القدامى مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة؛ وإتباع سياسة تدريجية لتنويع البدائل والشركاء من خلال عقد روابط اقتصادية وسياسية جديدة مع مختلف القوى الإقليمية والعالمية، والاندماج التدريجي في المؤسسات الإقليمية والعالمية؛ والاهتمام بالقضايا الدولية التي تؤثر مباشرة في المصالح الوطنية الأوزبكستانية. ويعني هذا التركيز على ما يهم أوزبكستان· وتفادي امتداد نطاق الاهتمامات الخارجية للدولة بما يتخطى مقدراتها، أو إلى ما لا يعود عليها بأثر ايجابي مباشر·
ويتضح لمن يتابع السياسة الخارجية الأوزبكية، أن وظيفة السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان هي: إعطاء دفعة قوية لعملية التحول الاقتصادي· لأن السياسة الخارجية بما توفره من تشابك في العلاقات مع المؤسسات الدولية، يجب أن توفر انعكاسات ايجابية على مدى قدرة أوزبكستان في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الاستقلال·
ولهذا ومن ضمن الوسائل المحتملة للسياسة الخارجية، نرى أن أوزبكستان تركز على الوسائل الاقتصادية، أي أنها تستعمل مقدراتها الاقتصادية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، ليكون لها أثر اقتصادي ايجابي على الصعيد المحلي· بإتباع سياسة اقتصادية خارجية تقوم على تحقيق المنافع المتبادلة بصرف النظر عن الاعتبارات الأيديولوجية· دون إهمال الوسيلة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية·
ولهذا عملت أوزبكستان على إيجاد قوة عسكرية حقيقية جيدة التدريب، وقادرة على التحرك السريع لحماية أمن الدولة· فأحدثت جيشاً وطنياً قوامه 35 ألف جندي، مزود بمعدات عسكرية تبلغ حوالي 280 دبابة، و780 عربة مدرعة، و265 طائرة مقاتلة، و24 طائرة مروحية· وتقوم القوات المسلحة الأوزبكستانية بحفظ الأمن والسلام على حدودها الدولية، إضافة لدور تقوم به في عمليات حفظ الأمن والسلام على الحدود الأفغانية الطاجيكية·
كما وتحرص أوزبكستان بحكم تراثها الحضاري والثقافي، ومن ضمن الحوار العالمي القائم بين الحضارات، على توظيف الوسيلة الثقافية والحضارية في سياستها الخارجية· وقد دعا الرئيس كريموف إلى حوار حضاري بين العالم الإسلامي والعالم العربي، لأن الوسيلة الثقافية تمثل الجسر الذي يمكن أن تعبر عليه أوزبكستان إلى العالم الإسلامي، ولعل إنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي، الذي يعمل على افتتاح فروع له في شتى أنحاء العالم الإسلامي، والجامعة الإسلامية الحكومية في طشقند، والتوسع في تعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات خير دليل على توظيف الوسيلة الثقافية في السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان·
السياسة الأوزبكستانية مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة: اتسعت سياسة أوزبكستان الخارجية بعد الاستقلال وتعددت أبعادها· وتقيم جمهورية أوزبكستان اليوم علاقات دبلوماسية مع أكثر من 120 دولة من دول العالم، وتقيم في عاصمتها طشقند حوالي 40 سفارة معتمدة من بينها خمس سفارات عربية، وممثليات لأكثر من 25 منظمة دولية حكومية، و13 منظمة غير حكومية، بعد أن أصبحت عضوا كامل الأهلية في جميع المنظمات العالمية السياسية والاقتصادية تقريباً· وقد حرصت أوزبكستان منذ استقلالها على تنويع شركائها من خلال علاقاتها الدولية·
ويعتبر الخط الذي يربط أوزبكستان بشركائها التقليديين، من الخطوط الرئيسية لسياستها الخارجية· وهو خط العلاقات مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة، وخاصة العلاقة مع الاتحاد الروسي وجمهوريات آسيا المركزية، حماية لمصالحها الوطنية في علاقاتها مع تلك الدول التي تشكل نسبة التجارة معها 85 في المائة من حجم تجارتها الخارجية· وكانت جمهورية أوزبكستان قد دخلت في عضوية رابطة الدول المستقلة بموجب اتفاق ألماً أتا الذي وقع في 21/12/1991، وانضمت لاتفاقية الأمن الجماعي التي جرى توقيعها بطشقند في 15/5/1992، وضمت إضافة لأوزبكستان كلاً من روسيا، وقازاقستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، وأرمينيا، وهي الاتفاقية التي تمنع الدول المشاركة فيها من الدخول في أية تحالفات عسكرية أو تجمعات موجهة ضد الدول المشاركة في الاتفاقية، ومسؤولية الدول الموقعة على الاتفاقية جماعياً عن حماية أمن وحدود الدول المشاركة فيها·
ويرى الدكتور محمد السيد سليم مدير مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة أن أوزبكستان حرصت دائماً على أ ن لا تتحول الرابطة إلى مؤسسة فوق القومية تنتقص من سيادة الدول الأعضاء فيها، لهذا استشهد برفض الرئيس كريموف الانضمام إلى المعاهدة التي ضمت الجمهوريات الأربع روسيا، وقازاقستان، وقرغيزستان، وروسيا البيضاء، معتبراً إياها محاولة لإحياء الاتحاد السوفييتي السابق، وعزل دول المعاهدة عن الاقتصاد العالمي· وفي المؤتمر الذي انعقد في طشقند في كانون أول/يناير 1993 أعلن مشروع إنشاء منظمة آسيا المركزية، كما ودعت أوزبكستان إلى إنشاء اتحاد آسيوي أوروبي يضم في عضويته كلاً من الصين وتركيا وجمهوريات آسيا المركزية وأوروبا ليحل مكان رابطة الدول المستقلة·
وتعطي أوزبكستان جمهوريات آسيا المركزية أفضلية خاصة في سياستها الخارجية، وتحرص على التكامل معها اقتصاديا وتتعاون معها عسكرياً· ولهذا من المهم أن نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن الرئيس كريموف لا يرى في آسيا المركزية منطقة ثقافية أو عرقية واحدة في إطار المفهوم الإقليمي السابق الذي كانت تعرف فيه بتركستان، بل على العكس يرى فيها مساحة جغرافية تتعايش فيها مجموعة من الدول المستقلة على أساس من المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة· وكان قد أشار الصحفي العربي المقيم في موسكو د· سامي عمارة إلى أن موقف أوزبكستان من دول آسيا المركزية كان واضحاً خلال اجتماع رؤساء جمهوريات آسيا المركزية الخمس الذي انعقد في طشقند خلال كانون الثاني/يناير 1993، حيث قرر الرؤساء الخمسة إنشاء تعاون إقليمي باسم منظمة آسيا المركزية، من خلال إقامة سوق اقتصادية مشتركة، ونظام ضريبي موحد، وساحة إعلامية مشتركة، ونظام أمن دفاعي لكل الأعضاء·
واستمرت لقاءات التنسيق والتعاون بين دول المنطقة بعد ذلك، وفي لقاء بيشكيك عاصمة قرغيزستان الذي جرى في نيسان/ابريل 1994 وضم رؤساء جمهوريات أوزبكستان وقرغيزستان وقازاقستان، وقعت الدول الثلاث على اتفاقية لبناء مجال اقتصادي موحد، وتشكيل مجلس مشترك للإشراف عليه· إضافة للتعاون العسكري بين الدول الثلاث التي أنشأت من أجله مجلس وزراء الدفاع الذي أسندت له مهمة وضع مقترحات محددة للتعاون العسكري والأمن الإقليمي بين الدول الثلاث· واتفقت الدول الثلاث كذلك على تنسيق أنشطتها في ميادين الأمن الوطني لكل منها، والأمن الجماعي في إطار رابطة الدول المستقلة، وبناء نظام أمني بين أوروبا وآسيا المركزية بالتنسيق مع مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، وخلق نظام آسيوي للأمن يعتمد على بناء الثقة، ونظام عالمي للأمن في إطار منظمة الأمم المتحدة· ووقعت الدول الثلاث في كانون أول/ديسمبر 1995 كذلك اتفاقا لإنشاء قيادة مشتركة لحفظ الأمن والسلام بين الدول الثلاث تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة· ومن الواضح أن أوزبكستان تنظر إلى ترتيبات الأمن من عدة مستويات تبدأ من الأمن الوطني وتمتد حتى بناء الأمن الجماعي العالمي· وأثبتت الأحداث التي جرت في جنوب قرغيزستان في صيف عام 1999 صحة وصواب وبعد نظر القيادة الأوزبكستانية في موضوع التعاون الأمني المتبادل بين دول المنطقة، لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية على السواء· وتشمل سياسة أوزبكستان للتعاون الإقليمي في آسيا المركزية، التعاون لمواجهة المشكلات البيئية التي تواجهها مجتمعة، ومن الأمثلة على ذلك مشاركة أوزبكستان في الاجتماع الذي عقد بين قادة آسيا المركزية في قازاقستان خلال آذار/مارس 1993 لمناقشة مشكلة الكارثة البيئية في منطقة بحر الأورال، وأسفر الاجتماع عن تشكيل مجلس حكومي من ممثلي دول آسيا المركزية، ولجنة تنفيذية، وصندوق دولي لإنقاذ بحر الأورال الآخذة مياهه بالانحسار· وفي كانون الثاني/يناير 1994 عقد اجتماع ثان لنفس الغرض في نوقوس عاصمة جمهورية قره قلباقستان المتمتعة بالسيادة داخل جمهورية أوزبكستان، أقر خلاله برنامج من الإجراءات العملية لتحسين الوضع البيئي في منطقة حوض بحر الأورال خلال فترة تمتد ما بين 3 إلى 5 سنوات، روعيت فيه نواحي التطور الاجتماعي والاقتصادي· كما وصدر عن الاجتماع إعلان دول آسيا المركزية والمنظمات الدولية حول مشكلات تطوير حوض بحر الأورال· وإضافة لمشكلات الأمن المائي لدول المنطقة كمشكلة تدفق مياه الأنهار التي تعتمد عليها أوزبكستان في ري محاصيلها الزراعية الصيفية وخاصة القطن، والتي تنبع من الأراضي القرغيزية، وتوصلت الدولتان إلى اتفاق عام 1994 بعد مطالبة قرغيزستان بدفع ثمن للمياه التي تتدفق من أراضيها، ووافقت أوزبكستان نتيجة الاتفاق المذكور على تزويد قرغيزستان بالطاقة والكهرباء شتاء لقاء تدفق المياه إلى أوزبكستان خلال الصيف· وهذا جزء من المشكلة التي خلفها الاتحاد السوفييتي السابق وراءه لجمهوريات آسيا المركزية وتشترك كلها فيها بسبب التداخل في منابع ومجاري الأنهار وشبكات الري والسدود الكثيرة المقامة عليها·
واقع إستراتيجية السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان. // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، 7 يناير 2002.

إعداد الكوادر الإعلامية في أوزبكستان

إعداد الكوادر الإعلامية في جمهورية أوزبكستان
أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في العلاقات الدولية.
أ.د. قدرت إيرنازاروف: عميد كلية الصحافة بجامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكستانية.
دائماً ما نفكر بالدور الذي تلعبه الأحداث في حياتنا اليومية، التي نواجه من خلالها المجهول وغير المتوقع، هذا إن لم نشر إلى كيفية تبدل حياتنا ودخول المفاهيم الجديدة للمجتمع الذي نعيش في إطاره. فالعولمة بدأت، وحملت معها الكثير من المفاهيم الجديدة التي يصعب علينا إدراكها أو التنبؤ بنتائجها. ومع ذلك يبقى واضحاً أنها ليست دائماً محسوبة النتائج. والصحافة بشكل عام، وتعليم الصحفيين جزئياً، واضحة المعالم والأهداف. وحتى في الظروف المحيطة بالخطوات الأولى الجارية لإقامة الساحة المعلوماتية الدولية الموحدة تبرز مهام جديدة علينا التصدي لها بالحلول الناجحة، لأنه من دون حلها لا يمكن الحديث عن فاعلية وسائل الإعلام الجماهيرية، وطريقة إعداد الكوادر المتخصصة والقادرة على المنافسة في الظروف الجديدة التي تفرضها العولمة الإعلامية. وهذا يشمل طبعاً العاملين في الصحافة المرئية والمسموعة، وفي الصحف والمجلات، ووكالات الأنباء، ووكالات الإعلان، وفي مجال العلاقات العامة، والمكاتب الصحفية.
ومن أكثر المشاكل حدة، والتي شغلت معظم المجتمعات خلال القرن العشرين كانت مشكلة محو الأمية الأبجدية. عكس المشكلة الرئيسية التي ظهرت مع مطلع القرن الحادي والعشرين، والتي هي أكثر حدة وشمولاً وتمثلت بمشكلة محو الأمية الإلكترونية المتفشية في الأوساط المثقفة غير القادرة على استخدام أجهزة الحاسب الآلي، وأبجديات العمل في الساحة المعلوماتية التي فرضتها العولمة، في الكثير من بلدان العالم ومن بينها جمهورية أوزبكستان. لأننا نضع آمالاً كبيرة على نتائج حل هذه المعضلة، ونربط مستقبلنا بشكل كامل بإمكانيات التكامل مع شبكة المعلومات الدولية.
وتكنولوجيا المعلوماتية الجديدة، والوسائل المتطورة المحمولة والتي أصبحت تنقل النص المكتوب، والصوت، والصور المتحركة، من خلال التقنيات الرقمية، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية. أجبرت بعض الناس، ومن بينهم الصحفيين على تقبل تلك التكنولوجيا كأدوات عمل متطورة لا أكثر. ومثل أولئك الناس كغيرهم، ركزوا انتباههم بالدرجة الأولى على أهمية العنصر البشري القادر على استيعاب تكنولوجيا المعلوماتية الحديثة. وفي أكثر الحالات يرون أن تكنولوجيا المعلوماتية الحديثة ضرورية، وتسهل حياة الإنسان المعاصر وتصقل إمكانياته، ومواهبه، وتزيد من معارفه وقدراته الإبداعية. ولا أحد ينكر ذلك. ولكن هنا يجب أن لا ننسى أن شبكة "الانترنيت" العالمية وغيرها من نظم المعلوماتية الحديثة ليست سوى وسائل اتصال حديثة ومتطورة، تدفع المجتمع إلى مستوى جديد وأرقى. وكل ما يحتاجه الإنسان هنا هو دراسة واستيعاب نظم المعلوماتية الجديدة، أي عدم البقاء في محطة صغيرة نائية، تمر من خلالها وسائل نقل تتمتع بسرعة هائلة. فالحياة اليوم تجري بسرعة هائلة، لا تقارن بالسابق، ولا يتقبلها الجميع بشكل واضح. ولهذا وجب حل المشاكل التي تعترض الإنسان المعاصر وتساعده على استيعاب الجديد المتطور في عالم الاتصالات الإلكترونية المتطورة، خاصة وأن الوقت أصبح بالنسبة له ضيقاً، بالمقارنة مع ما كان في السابق، وعلينا حتماً استيعاب المنتجات التي توصلت إليها العبقرية البشرية كي لا نوصف بالتخلف عن الركب الحضاري المتسارع.
ولهذا نرى أن التعليم الحديث يجب توجيهه نحو تربية كوادر جديدة قادرة على الإبداع والنجاح في استيعاب الوسائل التكنولوجية الجديدة للمعلوماتية واستخدامها. تلك التكنولوجيا التي تتمتع فيها وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة بدور واعد، ويجب معها إعداد متخصصين بمستوى رفيع يلبي متطلباتها ويعتمد في نشاطه على أفضل ما توصلت إليه الخبرة العالمية. وهذه المهمة بالضبط تصدى لها في أوزبكستان البرنامج القومي لإعداد الكوادر الوطنية، وقانون التعليم، وقرار رئيس الجمهورية الصادر عام 1999، حول تنظيم مؤسسات إعداد الكوادر الصحفية الأوزبكستانية.
وتواجه الصحافة اليوم ظاهرة عالمية شاملة تتمثل بصحافة "الانترنيت" الأخذة بالتطور السريع، وتنافس وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية من صحف ومجلات وتلفزيون وإذاعة، وكذلك وكالات الإعلان والأنباء. ويكفي أن نقول هنا أن الكثير من النواحي المشجعة في تطور البلاد أخذت تظهر في واقع العمل الصحفي المرئي والمسموع والمقروء، وأصبح الفضاء الإعلامي مفتوحاً من خلال عالم الحاسبات الإلكترونية الواسع، وتقنياته الرقمية، حتى غدت شبكات المعلومات الرقمية تقدم معلومات أكثر وضوحاً وشمولاً من المعلومات التي تقدمها الصحافة التقليدية. لأن النسخة الإلكترونية ببساطة سهلة الاستعمال، وسريعة الانتقال وتتضمن معلومات أكثر وضوحاً وكمالاً، وتساعد القراء والمستمعين والمشاهدين على امتلاك معلومات كافية عن الأحداث الجارية في أنحاء متفرقة من العالم دون عناء يذكر. لهذا وجب علينا عندما نقوم بإعداد الكوادر الصحفية أن نأخذ باعتبارنا عدة حقائق لم تكن موجودة من قبل. منها ضرورة تعميم استخدام الحاسبات الإلكترونية في عملية التعليم، فطالب اليوم يجب أن يتعلم ويطور معلوماته عن الحاسبات الإلكترونية وبرامجها المتجددة، واستيعاب واستخدام تقنياتها، من تحديد أنواع الخطوط، وإعداد الصفحات وإخراجها، إلى إعداد الصفحات الإلكترونية، والبرامج التلفزيونية والإذاعية. وهذا غير ممكن من دون افتتاح أقسام خاصة بصحافة "الانترنيت" في كليات الصحافة.
ومثل هذه الأقسام موجودة فعلاً في كليات الصحافة، وكليات تكنولوجيا الحاسب الإلكتروني. وافتتاح مثل هذا القسم ليس صعباً لو توفرت له الكوادر والمعدات اللازمة. فكلية واحدة في بعض الحالات غير قادرة على ذلك، ولكنها يمكن أن تعتمد على كليات أخرى ككلية تكنولوجيا الحاسب الإلكتروني كما هي الحال عندنا في جامعة ميرزه ألوغ بيك القومية الأوزبكستانية. وإذا أخذنا في اعتبارنا السوق المعلوماتية الأوزبكستانية الآخذ بالتشكل والتطور بصورة متصاعدة، وبدت بعض نتائجه بالظهور، بعد أن ظهرت قنوات جديدة لتوزيع الأنباء. وهو ما يفرض ضرورة إعادة النظر بعملية التعليم برمتها. لأن إعداد الكوادر الصحفية للجيل الجديد تتطلب مدخلاً يتلاءم وروح العصر، ويأخذ في اعتباره الاحتياجات الفعلية لدور النشر، وفق حاجات جمهورها الإعلامي المحدد، باهتماماته وطبيعته، ومستوى تعليمه، وثقافته، ومستواه الاجتماعي والاقتصادي، ومكانته في المجتمع الذي ينتمي إليه.
خاصة وأن واقع وسائل الإعلام الجماهيرية في أوزبكستان قد تبدل جذرياً بعد الاستقلال، وأصبحت هناك إلى جانب وسائل الإعلام الجماهيرية الحكومية، قنوات تلفزيونية، وصحفاً دورية غير حكومية تنتمي لمختلف الألوان والاتجاهات والأشكال (اجتماعية، وسياسية، وقطاعية، وترفيهية، ولرجال الأعمال، ومعرفية، وحزبية، ودينية، إضافة لوسائل الإعلام الجماهيرية الإخبارية والترفيهية). وكلها تملك صفحاتها الإلكترونية الخاصة بها، أو قنواتها الخاصة عبر شبكة المعلومات الدولية "الانترنيت". وارتفع عدد البرامج الإذاعية الموجهة للدول الأجنبية، حيث تبث الإذاعة الأوزبكستانية اليوم إلى جانب اللغة الأوزبكية بـ 12 لغة أجنبية، إضافة إلى لغات الأقليات القومية في البلاد. وكل تلك الوسائل الإعلامية تعاني من عدم كفاية الكادر المتخصص والكفء، الكادر الذي يتقن استخدام تكنولوجيا المعلوماتية الحديثة، ويلم بالخصائص القومية المميزة للساحة الإعلامية التي يخاطبها، وعاداتها وتقاليدها وطقوسها وأسلوب حياتها وسلوكها. الكادر القادر على استخدام الكلمة الجادة، والقادرة على مراعاة المشاعر القومية، تلك المشاعر التي تنتهك في الغرب والشرق على حد سواء، لأن الإنسانية ومع الأسف لم تختار حتى اليوم الطرق الواقعية لحل المشاكل القومية على الساحة الدولية.
ونرى كذلك أن مؤسسات التعليم العالي في القرن الحادي والعشرين يجب أن تعد المتخصصين أيضاً في الشؤون الدينية والثقافية، القادرين على التصدي للظواهر السلبية مثل التطرف الديني، والتطرف القومي. وهو ما تضمنته المناهج التعليمية الحكومية والخطط الدراسية الجديدة لكليات الصحافة في أوزبكستان بإضافة مواد جديدة مثل "نظرية المجتمع المعلوماتي"، و"الأمن الإعلامي الوطني"، و"العولمة والمعلوماتية والصحافة"، و"نظرية وتطبيق التبادل الإعلامي الدولي"، ومادة "الحرب الإعلامية".
وكليات الصحافة مدعوة اليوم لبناء خطط عملها وأداء وظيفتها وفقاً لسوق المعلومات والأفكار والأنباء التي تغرقنا بها محطات سي إن إن، و بي بي سي، و دوتشي فيله، وأوروبا – بلوس، وبرامجها الناطقة بالروسية والتركية والهندية وغيرها عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية وشبكة "الانترنيت" العالمية، وعدم نسيان ما تحمله مواد أفلام الفيديو من مضمون، يشكل بواسطته رأي عام وفق الرغبة والطلب، خاصة لدى الجيل الطالع، من خلال زرع ثقافة جماهيرية أو ثقافة شاملة منخفضة المستوى، تلهي وتصرف الأنظار عن الحقائق القومية والمثل والقيم الإنسانية الرفيعة.
ويجري في أوزبكستان اليوم العمل على تطوير أنظمة العلاقات العامة، وتنشأ من أجلها المكاتب الصحفية، في الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، ويعين للعمل فيها أمناء صحفيون، ومن الطبيعي أن لا تقف كليات الصحافة مكتوفة الأيدي حيال تلك التغييرات، وعلى سبيل المثال أحدث لهذا الغرض قسم "العلاقات العامة والإعلان" في كلية الصحافة بجامعة ميزرة أولوغ بيك القومية الأوزبكستانية.
وهنا لم تنسى كليات الصحافة أن أوزبكستان وصحفييها اليوم يتكاملون في عملهم مع المجتمع الدولي، والساحة الإعلامية الدولية، وأن هذا التكامل سيزداد مرات عديدة في المستقبل. وهذا يعني أن منهاج التعليم الصحفي الجديدة يجب أن تكون موجهة نحو إعداد عاملين قادرين على المنافسة، والإبداع في استخدام الكلمة، والميكروفون، والكاميرا التلفزيونية. وهذا بدوره يجبرنا على التفكير جدياً بتنظيم أقسام لعلم النفس، وعلم المجتمع (الستسيولوجيا) والقوانين الصحفية، التي يمكن تجاوزاً تسميتها بأقسام "الصحافة الاجتماعية". وتنظيمها بشكل مشترك مع كليات العلوم الاجتماعية والسياسية في الجامعة القومية الأوزبكستانية ومعهد "الفلسفة والحقوق" التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية.
وإعداد الجيل الجديد من الصحفيين في القرن الحادي والعشرين لا يمكن تصوره من دون شحذ الأوضاع الأساسية والأفكار التي تشكل بمجملها الأيديولوجية القومية للاستقلال. والجيل الصاعد من الصحفيين يجب أن يعي ويدرك حقيقة أن الأيديولوجية القومية تحمل في طياتها طبيعة شاملة لا تقبل الانغلاق والتقوقع. وفي الواقع العملي تضع الأحزاب والحركات السياسية والمنظمات الشعبية أمامها هدفاً استراتيجياً يرمي إلى بناء مجتمع ديمقراطي، في إطار دولة القانون، المبني على علاقات السوق. وعدم الاتفاق على طرق ومناهج وآليات ومراحل الوصول إلى هذه الأهداف يمكن أن يؤدي إلى عقم في العمل التطبيقي. وهو ما يجب على الصحفيين العاملين في إطار الخدمات الصحفية وأجهزة الأحزاب والحركات المختلفة أن يدركوه، ويدركوا بأن مثل هذا الاتفاق بالتحديد يشكل الأيديولوجية القومية، ويساعد على انتقال وسائل الإعلام الجماهيرية إلى موقع متقدم تصبح معه صحافة متميزة ومؤثرة وتمثل السلطة الرابعة في الدولة الديمقراطية. وهذا يمكن الوصول إليه عن طريق تربية الأجيال الجديدة من الصحفيين الشباب على الاعتماد على النفس والتمتع بشخصية قادرة على التفكير الناقد، أجيال قادرة على الإبداع في المواضيع التي يعالجونها. ومثل أؤلائك الصحفيين يمكنهم تقديم مواد إعلامية لازمة للمجتمع الذي يعيشون فيه.
ووسائل الإعلام الجماهيرية في القرن الحادي والعشرين يجب أن تصبح حلبة لتلاقي الأفكار المتنوعة، والحوارات في المسائل الهامة التي تعني الإصلاحات الجارية، ومددها الزمنية، وسرعتها وتكتيكاتها غير متبدلة الأهداف الإستراتيجية التي أشرنا إليها أعلاه. ومن المهم أيضاً تربية الكوادر الصحفية الواعية التي لا تأخذ بالصراع من أجل الصراع، أو تتصرف كممثلين في مسرح هابط، كوادر لا تنظر إلى نفسها وكأنها تلعب دور المحامي أو النائب العام، لأن مثل هذا لتصرف لا يتفق وواجبات العمل الصحفي، والأخلاق الصحفية. لأن واجب المسؤولية في الصحافية يعتبر من أسس العمل الصحفي المميز، وهو ما يجب مراعاته لدى إعداد الكوادر الصحفية الجديدة، ومن الضروري أيضاً توجيه اهتمام خاص نحو تشكيل الشخصية المتميزة للصحفي كإنسان مهذب يسعى دائماً لتحقيق العدالة، وللمبادرة ورفع المستوى المهني.
ولم يعد كافياً للساحة الإعلامية المعاصرة والمتميزة بالتنوع وسعة الأفق، معلومات عامة عن الظواهر والحوادث الطارئة وأخبار الجريمة. لأن الحياة الاجتماعية تتكون من حقائق كثيرة، سياسية ، واقتصادية وثقافية وواقعية. فالمتلقي اليوم يهتم بجوهر تلك الظواهر والأحداث، ويريد أن يعرف أسبابها وأبعادها من كل الجوانب، وهو ما يمكن أن يصل إليه الصحفيون المتميزون في عملهم، اللذين يستخدمون في أساليب عملهم طرقاً عديدة، منها: التحليل والشرح والتعليق.
ولهذا فإن طلاب كليات الصحافة اليوم يجب أن يزودوا بتصور كامل ليس عن الصحافة فقط، بل وعن المجتمع المعلوماتي الذي يميز عصر العولمة بشكل عام، وهو الذي يؤثر على عملية التوسع المفاجئ للخدمات المعلوماتية ومفرزاتها، الناتجة عن التطور التكنولوجي متصاعد التطور، والمتفوقة في طرقها الشاملة للعمل، وبخصائصها الصحافية الدقيقة، والعملية، التي لا تكف عن الباحث والتدقيق. وفي هذه الحالة نرى من الضروري تسليط الضوء على البنى التحتية لوسائل الإعلام الجماهيرية والتغيرات والتطورات الجارية فيها، وهي كلها معنية بإقامة صرح الصحافة الجديدة في أوزبكستان. الصحافة الجديدة التي تؤكد على القيم القومية والإنسانية في آن معاً، وتقوم ببحث دائم عن الأشكال والطرق الحديثة للعمل التطبيقي، مستخدمة في ذلك الخبرة المتراكمة لديها ولدى الدول الأجنبية.ومن الضروري لنا أن تعرف الأجيال الصاعدة من الصحفيين معنى السبق الصحفي، الذي يغطي أنباء المتغيرات في مجتمعنا، من خلال تغطيته للأحداث الهامة الجارية في الداخل والعالم من حوله.
والجيل الجديد من كتاب التحقيقات الصحفية يجب أن يتقنوا تكنولوجيا الإبداع، كما يسميها الصحفيين المطلعين، الذين هم بمجموعهم يعتبرون معلقين صحفيين مهرة. ومثل أولئك المعلقين نرهم يحللون الأحداث مما يزيد من أهميتها، إضافة للقدرة على لفت انتباه القراء، والمستمعين، والمشاهدين، إلى تلك الأحداث عبر تقديمهم لمختلف وجهات النظر على الأحداث عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، والتي بفضلها يحصل القارئ والمستمع والمشاهد على المعلومات القيمة والواسعة والمفيدة.
وتسارع الأحداث اليوم أوجد صعوبة بالغة للتمييز بين الأحداث الجارية، وتقدير مدى التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية الجارية على الساحتين المحلية والدولية. ولهذا يجب أن يدرك الصحفيون الشباب حقيقة من يقف وراء بعض "وسائل الإعلام الجماهيرية المستقلة" وخاصة في ظروف اقتصاد السوق. لأن هذا الإدراك يعطيهم القدرة على تغطية الأحداث بدقة ومسؤولية، تلبي متطلبات الظروف الراهنة. ولهذا على الصحفيين الشباب أن يتعلموا الجديد في المهنة، وأن يملكوا تصوراً عن الصعوبات المهنية لعملهم الشاق، ومعرفة كيفية العثور على الحقائق وتمييزها، وكيفية استخدامها بالكامل. ومثل هذا الإعداد للكوادر الصحفية يمكن تسميته بـ"عملية التعليم الموجه".
ومنهاج التعليم والإعداد الصحفي الجديدة موجه بشكل خاص نحو إعداد متخصصين مهنيين يعرفون أهمية فاعلية الكفاءة في العمل بمختلف وسائل الإعلام الجماهيرية، وأهمية استخدام كل وسائل الاتصال الحديثة والمعقدة، والتعامل مع المجتمع ووكالات، الأنباء ووكالات الإعلان والتمييز بينها. وإدراك آلية معادلة الفاعلية في عملية الاتصال والتي تتألف من:
الساحة الإعلامية المستهدفة النص الصحفي النص الساحة الإعلامية المستهدفة
والغاية منها تشكيل الرأي العام والتعبير عنه، في عصر الديمقراطية والعولمة والمجتمع المعلوماتي. والصحافة عند ذلك فقط يمكنها أن تكون فاعلة، وقادرة على بناء الثقة بها، من خلال الأخذ بالمصالح الإعلامية الوطنية ومراعاة متطلبات الساحة الإعلامية المستهدفة، والدفاع عن حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية.
لأن واجب الصحفي ليس مراقبة وتسجيل كل ما يقع تحت بصره من أحداث فقط، بل والالتزام بالحقيقة التي تتطلب أكثر من المراقبة والتسجيل. والحقيقة دائماً ليست لا تطفوا على السطح، ولا تقطف من الشجرة، كثمرة الدراق. والحقائق المخفية، لا تظهر على السطح، بل يصل إليها المحقق الصحفي بجهده وقدراته المهنية الرفيعة.
طشقند 21/8/2002

نظرة أوزبكستانية في الأدب السوري المعاصر

نظرة أوزبكستانية في الأدب السوري المعاصر

أ.د. محمد البخاري[1]

المراحل الأساسية وخصائص تطور الرواية العربية المعاصرة في سورية من خلال مؤلفات حنا مينه، كان موضوع رسالة دكتوراه فلسفة في الأدب دافع عنها بتفوق الصيف الماضي، الباحث عبد الحي عبد اللاييف نائب رئيس الجامعة الإسلامية الحكومية في طشقند عاصمة جمهورية أوزبكستان، أمام المجلس العلمي المتخصص في جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية.
والملاحظ أن القاعة غصت بالحضور، الذين كان بينهم متخصصون في الأدب العربي، ومستعربون كبار وفي مقدمتهم شخصيات رفيعة في مواقع المسؤولية بالدولة، ودبلوماسيون عرب، وعدد كبير من الطلبة من مختلف المراحل الدراسية. مما جعل من عملية الدفاع مناسبة طيبة للتعبير عن المشاعر التي تربط بين المتحدثين الأوزبك وسورية التي يكنون لها كل حب، وتقدير، ومودة، وطيب مشاعر، وذكريات العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين التي عمل خلالها معظم المتحدثين في مختلف مشاريع التنمية الطموحة التي حققتها سورية بقيادة قائدها الخالد المغفور له حافظ الأسد، والتي تسير اليوم على نفس الخطى الجريئة لتحقيق التنمية الشاملة، واستقلال قرارها الوطني بقيادة قائدها الشاب الدكتور بشار الأسد. والكلام طبعاً للمتحدثين الكثيرين الذين أخذوا أيضاً بالتعبير عن عدم فهمهم واستغرابهم لبرود العلاقات الحميمية التي كانت تربط بين أوزبكستان وسورية قبل استقلالها عام 1991، والسبب في التعبير عن الاستغراب على ما أعتقد كان وجود دبلوماسيين عرب في القاعة. على كل حال هذا ليس موضوعنا، ولكن لنقل صورة ما حصل أثناء الدفاع، وأسباب وجود هذا الحشد الكبير الذي لم ألحظه في القاعة التي شهدت الكثير، الكثير من مثل تلك الجلسات خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم تشهد مثل هذا الحشد الكبير من قبل.
والسبب الآخر هو أن الباحث عبد الحي عبد اللاييف بدأ كلمته أمام المجلس العلمي المتخصص، والحضور، ومقدمة بحثه التي استهلها بالسياسة، عندما ذكر: أن أوزبكستان دخلت القرن الحادي والعشرين كدولة مستقلة ذات سيادة، وأصبحت عضواً متساوياً في الحقوق والواجبات في المجتمع الدولي المعاصر. وأكد على أن أوزبكستان آخذة اليوم بتوسيع آفاق تعاونها مع كل دول العالم، غربية كانت أم شرقية، ومن بينها طبعاً دول المنطقة العربية. وتابع أن العالم اليوم أصبح "بالكامل نظام متشابك، لا يوجد فيه مكان للانعزال"،[2] وأن في جوهر السياسة الخارجية لأوزبكستان، الاهتمام بالتكامل الروحي للشعب الأوزبكستاني مع شعوب العالم، من خلال الاهتمام في كل المجالات العلمية والثقافية والتعليمية والإعلامية. مستشهداً بما أعلنه رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف، "نحن، عندما نبني الدولة، ننطلق من المبادئ التالية. أولاً: إحياء كل ما هو عظيم في الثقافة القديمة التي خلفها أجدادنا. ثانياً: ضم التراث العظيم إلى كل منجزات الحضارة الإنسانية"[3]
ومن هذا المنطلق جاء تأكيد الباحث على أن العلماء الأوزبك يصبون اهتمامهم اليوم، ليس على دراسة التراث الثقافي القومي وحسب، بل ودراسة واستيعاب ما حققته شعوب العالم الأخرى من منجزات ثقافية وعلمية، مع الاهتمام بشكل خاص على ما حققته الشعوب العربية من منجزات في المجالات الثقافية والأدبية. وبرر ذلك بالروابط التاريخية والثقافية التي تربط بين الأوزبك والعرب، والتي لم تقف في السابق عند الروابط الدينية الإسلامية والثقافية وحسب، بل والكثير من المشاكل المتشابكة والمتداخلة في الوقت الحاضر، ومن بينها مشاكل التغلب على مخلفات التركة الاستعمارية، وإعادة تشكيل الوعي القومي وتطويره إلى مستوى جديد، للوصول إلى المكانة الملائمة داخل المجتمع الدولي المعاصر.
وبعد تلك المقدمة ذات الطابع السياسي انتقل الباحث إلى الأدب، معتبراً أن المرحلة التي امتدت من أواسط خمسينات وحتى نهاية سبعينات القرن العشرين كانت هامة جداً في تاريخ الأدب العربي بشكل عام وفي تاريخ الأدب السوري بشكل خاص. لأنه تم خلال تلك المرحلة التخلص من القوالب الجامدة للتقاليد العربية الإسلامية المتبعة في الأدب آنذاك، دون التخلي عن العناصر التقليدية الإيجابية في الأدب العربي بشكل عام. ولهذه الأسباب كانت منجزات الأدب الأوروبي تمر خلال تلك المرحلة عبر مصفاة (فلترة) للأفكار ووجهات النظر بما يتلاءم والخصائص الجمالية والأخلاقية والقومية للثقافة العربية. واعتبر أن فهم تلك المرحلة ضروري جداً لفهم نماذج تطور العملية الأدبية في العالم العربي بشكل عام. وأشار إلى أنه لم يقتصر في بحثه على تحليل مؤلفات الكاتب السوري حنا مينه فقط، ولكنه حاول تسليط الضوء على ما كتبه النقاد العرب عن تلك المرحلة. معتبراً أن النقد الأدبي جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الأدب المعاصر، ودراسته هامة جداً من أجل الدراسة الشاملة لكل هياكل الإبداع والحياة الأدبية في فترة معينة، وضرورية لتكامل دراسة إبداع كاتب معين في مرحلة معينة. لأن مفهوم النقد الأدبي تعني للباحث شمولية البحث في الأدب بكل مجالاته المختلفة التي تشمل النشاط الأدبي بشكل عام، وللتخلص من الإشكال الذي أشار إليه الباحث الروسي آغاننوي ل. ا.، بأنه "في أكثر بلدان الشرق لا يوجد فصل دقيق حتى الآن بين تاريخ الأدب، والدراسات الأدبية، والنقد الأدبي". [4]
وتابع بأنه من الخصائص الأساسية للنقد في سورية خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين (بما فيه النقد الأدبي)، إتباعه لأساليب علم الاجتماع في دراسة الأدب. وبرر ذلك بالظروف التي كان تمر بها البلدان العربية، حيث كانت تجري في تلك المرحلة عملية تشكيل الأيدلوجية القومية التي تلبي تلك المرحلة من تاريخ الأدب، وكان من الطبيعي في أعمال النقاد الأدبيين الذين كتبوا في تلك المرحلة استخدام أساليب علم الاجتماع في دراسة وتحليل إبداعات الكتاب الذين عاصروا تلك المرحلة أمثال الأديب السوري حنا مينه. ولهذا كان من الطبيعي بروز مصطلحات، مثل: "النقد الاجتماعي"، و"النقد الأيديولوجي" في كتاباتهم النقدية.
واعتبر الباحث أنه لدراسة القصة العربية المعاصرة ولإلقاء الضوء بعمق على المراحل الأساسية التي تطور خلالها فن القصة العربية المعاصرة، ومحاولة اكتشاف خصائص فن الرواية في الأدب العربي بشكل عام، وفي الأدب السوري بشكل خاص، لابد من دراسة ما كتبه الكثير من النقاد العرب، ومنهم د. حسام الخطيب، الذي درس "الرواية السورية في مرحلة النهضة الثقافية والاجتماعية والسياسية"، ومحسن جاسم علي الموسوي، الذي كتب في "موضوع نضال الشعب العربي من أجل الحرية والسلام في الرواية العربية المعاصرة"، وعمر الدقاق، الذي كتب عن "الأدب العربي المعاصر في سورية"، ومعتز عبد المالك، الذي كتب "مقدمة في دراسة الرواية العربية المعاصرة"، وعدنان بن ذريل الذي كتب عن "القصة في سورية".
ولكن الباحث توقف هنا عند ملاحظة هامة اكتشفها عند دراسته لكل تلك الأعمال النقدية التي تجمعها حسب رأيه خاصية واحدة، عندما يحاول النقاد فيها التحدث بإسهاب عن مضمون الرواية على الأكثر، دون تناول موضوع دراسة وتحليل النواحي الفنية للعمل الأدبي الذي تم تناوله بالنقد. وحتى دون اهتمام يذكر أحياناً بمشاكل أخرى كان يجب على الناقد تناولها كالتركيب، والأسلوب، واللغة، وشخصية البطل الرئيسي، وموقف الكاتب، وهو ما يسمى بشكل عام بالأهداف الإضافية لتحليل العمل الأدبي. خاصة وأن فن الرواية قد أخذ يجذب اهتمام النقاد والباحثين والكتاب العرب في الآونة الأخيرة، هذا الاهتمام الذي عبرت عنه الإصدارات الخاصة لمجلات "المعرفة" في تشرين أول/أكتوبر 1980، و"الطريق" آب/أغسطس 1991، و"الموقف الأدبي" كانون ثاني/يناير 1982، التي تناولت خصائص تطور فن الرواية في الأدب السوري الحديث.
والرواية السورية تناولها بالنقد والتحليل الناقد المعروف نبيل سليمان في دراسته "النقد والرواية السورية" التي صدرت عام 1981 وأشار فيها إلى أن "الرواية السورية لم تتشكل كفن أدبي مستقل يستطيع أن يفرض نفسه في أدبنا حتى الآن. لأن الشعر والقصة على الأكثر يحظون باهتمام القراء لمختلف الأجيال. أما فيما يتعلق بالرواية فهي على الأكثر من مزايا الكتاب غير المحترفين، أولئك الذين يعتبرون العمل الأدبي محطة عابرة. فالرواية يكتبها عدد قليل من الكتاب المحترفين، ولكن إبداعهم في هذا الفن الأدبي لا يكاد ينقطع لسنوات طويلة".[5] وتناوله نقاد آخرون في مجلة "الموقف الأدبي" كانون ثاني/يناير 1982 التي نشرت مقالات لباحثين في الأدب، والنقاد أمثال: د. حسام الخطيب، الذي كتب عن "تبعات قومية في الرواية السورية"،[6] وعدنان بن ذريل الذي كتب عن "القرائن والمعنى في الرواية العربية السورية"،[7] وسمر روحي الفيصل الذي كتب عن "شكل السيرة في الرواية التاريخية السورية"،[8] وهاني عبود الذي حلل "شخصية البطل في الرواية السورية".
والباحث عبد الحي عبد اللاييف الذي تلقى تعليمه الجامعي في مدرسة الاستشراق السوفييتية خلال سبعينات القرن العشرين، ورغم تبدل أهداف الدراسات الشرقية في أوزبكستان بعد استقلالها، وتحولها عن تبعيتها للمدرسة الاستشراقية الروسية، لتصبح مدرسة وطنية تدرس التراث الثقافي القومي للشعوب الشرقية، لم يستطع التحلل من التقاليد التي وضع أسسها الأكاديميون الروس كراتشوفسكي ي. يو.،[9] كريمسكي ا.يي.،[10] وأمثالهم، وحصر نفسه في مقارنته بأعمال المستعربين المتخصصين في الأدب العربي كدولينينا ا.ا.،[11] وعثمانوف ن.ك.،[12] وكيربيتشينكو ف.ن.،[13] وعلي زادة إ.ا.،[14] وماهرة أكباروفا،[15] وغيرهم الذين كتبوا دراسات تناولت مشاكل الأدب العربي الجديد خلال المرحلة موضوع البحث، وصدرت خلال العهد السوفييتي.
ومن جملة الدراسات التي تناولت الأدب السوري وأشار إليها الباحث دراسة دولينينا، في تاريخ الأدب العربي (1870-1914)، والتي خصصتها لدراسة ما نشر في مصر وسورية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وتضمنت الدراسة وصفاً عاماً لتلك المرحلة، ومقالات عن حياة ونشاطات الأدباء الكبار الذين يعتبرون الأوائل الذين كتبت عنهم الباحثة دولينينا في سلسلة مقالاتها عن أدب التربية العربية. وأشارت بشكل خاص إلى أن تلك المقالات قد عكست بكل سطوع تناقضات تاريخ الفكر الاجتماعي العربي، والتناقضات في السعي من أجل تجديد الأسلوب الأدبي، الذي من دونه كان من الصعب فهم تاريخ الأدب العربي لتلك السنوات. وبمقالاتها عن نشاطات عدد من كبار الأدباء في سورية ومصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. واعتبر الباحث عبد اللاييف دراسته لكل تلك المقالات والدراسات ضرورة للتعرف على سمات تلك المرحلة التاريخية، وللتعرف على صورة الحياة، والأفكار السياسية والاجتماعية والنشاطات الأدبية السائدة خلال تلك المرحلة.
والكتاب الثاني الذي استعرضه الباحث لدولينينا أيضاً تضمن مجموعة "مقالات تاريخ الأدب العربي الحديث، والرواية التنويرية في مصر سورية"، خلال المرحلة من عام 1870 وحتى عام 1914، وشمل وصفاً شاملاً لتلك المرحلة التي اعتبرتها المؤلفة مرحلة تنويرية من تاريخهما. وتضمن الكتاب تحليلاً للأساليب الفنية المتبعة في القصة العربية، وعلاقتها الوثيقة بأهم الاتجاهات الفكرية والاجتماعية العربية، وخصائص التطور التاريخي في المشرق العربي، وللتأثير المتبادل للتقاليد المتوارثة، والتأثير الأوروبي في الأدب العربي، من خلال تحليلها لأعمال كبار ممثلي الأسلوب الفني للرواية التنويرية العربية.
كما وتعرض في أطروحته لأبحاث د. ماهرة هداياتوفنا أكباروفا رئيسة قسم آداب الدول الشرقية في جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، التي تناولت فيها القصة السورية وتشكلها ومراحل تطورها، من خلال متابعتها وتحليلها لمؤلفات مجموعة من الكتاب السوريين التقدميين، وكذلك بحوثها في مراحل تكون الأدب الواقعي في سورية، والظروف الاجتماعية والسياسية التي أثرت على تطور الأدب السوري. وأعمال المستشرقين الأوزبك والروس كالمستعرب الأوزبكي الكبير البروفيسور نعمة الله إبراهيموف، عضو أكاديمية العلوم الأوزبكستانية ورئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، ود. رانو حجاييفا، رئيسة قسم اللغة العربية في نفس الجامعة، ود. ا. دولينينا، ود. ليفين ز.، وغيرهم.
وأشار إلى أبحاث الباحثين العرب الذين درسوا في الاتحاد السوفييتي السابق، وركزوا في أبحاثهم على نواح معينة في الأدب العربي المعاصر، منوهاً إلى أوجه التأثير الأيديولوجي والنظري للأدب السوفييتي عليهم، والتي لاحظها الباحث في أعمال الكثيرين منهم كأطروحة دكتوراه الفلسفة التي أعدها علاء الدين مجيد سليم عن "الأدب السوفييتي وأعمال الكتاب المعاصرين في سورية" (1979)، وأطروحة محمد عبده النجاري عن "مكسيم غوركي والأدب العربي المعاصر" (1980)، التي تناول فيها النجاري وبشكل موجز تأثير أسلوب غوركي على إحدى روايات حنا مينه، وأطروحة أنيس المتي عن "الأدب السوفييتي وتطور القصة السورية في الخمسينات" (1982)، وأطروحة فيصل سماق عن "الاتجاه الواقعي في الرواية السورية المعاصرة" (1983).
وأعتبر الباحث عبد اللاييف أن المراحل الأساسية لتطور الأدب السوري كانت خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ومن هذا المنطلق حاول إثبات أهمية خصائص التشابه في عملية التفاعل الأدبي في الدول العربية من خلال مؤلفات حنا مينه التي تظهر حسب رأيه عمق خاص يميزها عن غيرها من مؤلفات الكتاب العرب، إضافة للمسائل النظرية التي عالجها حنا مينه في أعماله، ومن خلال ما نشر عنه حتى الآن، مركزاً على: تحديد مكانة ودور حنا مينه في تطوير الأدب السوري؛ وإظهار خلفيات وتراكيب وخصائص مؤلفات حنا مينه؛ وتحليل خصائص أسلوب الكاتب.
وحاول تحديد مداخل وأطر نظرية عامة جديدة لفهم ظاهرة المعاصرة، وفق المفهوم السائد في جمهورية أوزبكستان بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق. مقارناً في ذلك ما بين العالم ذو القطبين الذي كان سائداً خلال القرن العشرين، واستمر حتى مطلع القرن الواحد والعشرين، حيث بدأت الإنسانية تعي ضرورة الاعتراف بمبدأ تعدد الأقطاب في عالمنا المعاصر الذي تسعى فيه شعوب العالم إلى الحرية، والتفاهم والتقدم، وتحاول تجنب اللجوء إلى استخدام العنف والضغوط في العلاقات الدولية، واستخدام التطرف للوصول إلى غايات محددة، واستند في ذلك إلى الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية الذي يقول أنه هناك "قناعة ثابتة، بأن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الغنى الروحي، وقرن التعليم، والعلوم، والثقافة والمعلومات"،[16] وتوسيع الديمقراطية بمعناها الشامل للمبادئ الإنسانية، والمجتمع المنفتح و"القناعة بأن قيم الإنسان، وأهميته قبل كل شيء"،[17] هي المنطلق لخلق أدب إبداعي لكل الشعوب، أدب يعتمد على القيم الذاتية للإنسان، وهو ما يميل إليه الأدب العربي المعاصر أيضاً.
وبعد تحديده للمدخل النظري حدد الباحث إطار بحثه لأعمال حنا مينه الأدبية التي ظهرت خلال الفترة من عام 1945 وحتى عام 1975، وخاصة مؤلفاته الشهيرة "المصابيح الزرق" (1954)، و"الشراع والعاصفة" (1966)، و"الثلج يأتي من النافذة" (1969)، و"الشمس في يوم غائم" (1973)، و"الياطر" (1975) ، وأعمال النقاد الأدبيين السوريين المعروفين أمثال: حسام الخطيب، ومحسن جاسم، وعلي الموسوي، وعمر الدقاق، ومعتز عبد المالك، وعدنان بن ذريل، وفيصل سماق، وما كتبه الباحثين والنقاد الأوزبك والنقاد في رابطة الدول المستقلة عن الكاتب السوري الكبير حنا مينه.
وهنا لابد لي من الإشارة إلى ما قاله أحد المناقشين الرسميين للأطروحة أمام جلسة الدفاع، وهي أن أطروحة عبد اللاييف تعتبر المحاولة الجدية الأولى في إطار الدراسات الشرقية الوطنية في أوزبكستان التي تحلل أعمال كاتب سوري كبير، لعب إبداعه الأدبي دوراً كبيراً في تطور العملية الأدبية في الدول العربية بشكل كامل. وأن الباحث نجح في تحليل: المراحل الأساسية لتطور الأدب السوري في الفترة الأخيرة؛ وكشف عن التركيبة الفنية وأعطى وصفاً دقيقاً للروايات المنشورة في الأدب السوري المعاصر؛ وحدد النواحي العلمية والأدبية والاجتماعية، وأشار للتراث العلمي والأدبي الذي وضعه الكاتب والروائي السوري حنا مينه؛ واستطاع تحديد مكانة ودور الكاتب السوري الكبير حنا مينه في تطور الأدب السوري بشكل عام وفي المجال الروائي بشكل خاص؛ واستطاع اكتشاف خصائص تطور الرواية السورية خلال القرن الماضي؛ وحدد مواضيع وتركيبة وخصائص الحبكة الروائية في روايات حنا مينه.
وأشار إلى أن المواد والنتائج التي تضمنتها الأطروحة يمكن أن تستخدمها مؤسسات التعليم العالي الأوزبكستانية مستقبلاً في إلقاء محاضرات عن الأدب السوري الحديث، وفي تاريخ الأدب العربي خلال القرن العشرين، كما ويمكن الاستعانة بما ورد في الأطروحة لكتابة تاريخ الأدب السوري المعاصر، من ضمن دراسة عملية التطور الأدبي العالمية، وفي دراسة التفاعل والتأثير المتبادل بين الأدبين الشرقي والغربي. خاصة وأنه قد تم فعلاً خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين مناقشة والإطلاع على بعض النتائج الأساسية للبحث أمام المؤتمرات العلمية السنوية في جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية (1989، 1990، 1992، 1996)، وفي المؤتمر العلمي للمستشرقين الشباب بأكاديمية العلوم الروسية، ومعهد الاستشراق بأكاديمية العلوم بموسكو (1983، 1985)، إضافة إلى سلسلة محاضرات ألقاها الباحث على طلاب اللغة والأدب العربي، وطلاب الدراسات العليا في مؤسسات التعليم العالي الأوزبكستانية، وفي حلقة البحث العلمية التي نظمتها الجامعة عن "مشاكل الأدب العربي المعاصر (النقد الأدبي)". ومجموعة المقالات التي نشرتها الدوريات الأوزبكستانية عن جوهر مضمون البحث الذي قام به الباحث عبد اللاييف عبر عقدين من الزمن.
وتتألف الأطروحة من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة بالإضافة لقائمة بالمراجع المستخدمة في البحث. وتضمنت المقدمة أهم الأسباب التي دفعت بالباحث لاختيار موضوعه، وأهميته، وأهدافه، ومبادئه، وعرضاً موجزاً لأهم المراجع التي استخدمها في بحثه، والجديد من النواحي العلمية والتطبيقية.
وتناول الفصل الأول الذي جاء بعنوان "المراحل الأساسية لتطور الأدب السوري بعد الحرب العالمية الثانية (1945- 1975)". مسائل دراسة الأدب الشرقي في الوقت الحاضر. وعملية تشكل الأدباء القوميين الشباب في الدول الشرقية عامة وخاصة في الدول العربية. تلك العملية التي جاءت (حسب تعبير الباحث) تحت تأثير التقاليد الثقافة للقرون الوسطى القوية والثابتة، ومع تصاعد التفاعلات السياسية والاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية، وتوسع الصلات الثقافية العالمية. وهي المرحلة ذاتها التي برز فيها عدد من الأدباء القوميين في الدول العربية، الذين آخذوا تدريجياً بالتغلغل في عمق الظروف والحياة الإنسانية في أعمالهم الأدبية، وأصبحت الحبكة التاريخية، أكثر صعوبة لتناولها حياة الناس، وأكثر جوهرية لتناولها مصادر اجتماعية وسيكولوجية في تحليلها لتصرفات الشخصيات الرئيسية في العمل الأدبي. وهو ما أجبر الأدباء على إدخال أساليب ومقاييس جديدة في الأدب من أجل التوفيق بين العملية الأدبية، ومستوى تفكير القارئ المعاصر اجتماعياً وفلسفياً وجمالياً. مما أدى إلى ظهور عصر جديد في الأدب السوري ارتبط بالتبدلات التي حدثت في مطلع القرن العشرين.
وأصبحت الرواية في طليعة الأساليب السائدة في القصة الملحمية المميزة لتلك المرحلة، التي كان من روادها مجموعة من المنورين السوريين أمثال: أديب إسحاق، وعبد الرحمن الكواكبي، ونجيب حداد، وفرح أنطون، الذين تمكنوا من استيعاب الوسط المحيط، ولكن بآلية تطبيقية، برزت في أحادية وعيهم ونضوجهم الفكري. وتميزت المرحلة التطبيقية باستخدام الأحاسيس للتعرف على الواقع والأحداث والظواهر المحيطة، دون أن يستطيعوا إمعان النظر في الجوهر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع الذين عاشوا ضمنه. ولهذا كانت الواقعية بالنسبة لهم آلية لترابط الحقائق وليست "كنظام" متكامل، ولهذا كان من السمات الطبيعية لأعمالهم التوجه نحو وصف حقائق معينة، دون التمكن من الأسلوب الأدبي اللازم لكشف أي صراع اجتماعي بحتمية نتائجه مع التأثير المتبادل للظروف والطبيعة المميزة للموضوع، ودون التمكن من التعبير عن أفكارهم، ولهذا يرى الباحث أنهم اكتفوا فقط بالتعبير البسيط وبتدوين ملاحظاتهم حول الظاهرة التي يعالجونها بشكل مباشر من خلال أسلوب الوصف النقدي.
كما واعتبر الباحث عبد اللاييف أن عملية التطور الأدبي في البلدان العربية أخذت بالتكامل خلال القرن العشرين، ولهذا اعتبر القرن العشرين بمثابة قرن التطور الإبداعي للأدب العربي.[18] لأنها تميزت قبل كل شيء بتجدد مبادئ الفهم الجمالي والتفكير الواقعي، وبتغير الطرق التقليدية المتبعة، وتغير التراكيب الأدبية، وتبدل التقاليد القومية بشكل عام. لأن الأدب لا يمكن أن يعيش بدون فضاء خاص به، ومن دون علاقات وصلات متبادلة مع الآداب الأخرى، والتأثر مع ما يجري على الساحة الأدبية العالمية من تفاعلات. ولهذا ركز الباحث في أطروحته على إمكانية إظهار جميع النواحي التي مكنت الأديب في المرحلة التي تناولها من استيعاب التركيبة الأدبية الداخلية، والخارجية في العمل الأدبي، بما فيها سمات التطور الاجتماعي والسياسي، والنظم الفلسفية، والمبادئ الأيديولوجية السائدة في المجتمع، وأسباب التغييرات الجارية في المجتمع وظروفها. لأن العملية الأدبية الحية (والتعبير للباحث) لا تعطي المقاييس الجمالية المطلوبة بالكامل، إلا عندما يتم وضع عناصر الموضوع بشكل جميل وبالترتيب وفق الخط المرسوم والمحدد مسبقاً، ودون الامتناع عن التردد في استخدام مبادئ التطور الأدبي، كالتردد في المواقف بين الواقعية، وضد الواقعية، رغم أن كل الظواهر المؤثرة في وصفها للماضي تفصح عن الواقعية. ورغم ذلك يعتبر الباحث أن من الظواهر المميزة لعملية التفاعل الأدبي في القرن العشرين كان الالتزام بمطالب المبادئ الصارمة للمجتمع الشرقي، وليست من مظاهر معاداة الواقعية.[19]
وربط الباحث عبد اللاييف عملية تشكل الأدباء القوميين الشباب في الدول العربية بمراحل مثل انتعاش الحياة الثقافية، التي أشارت إليها الدراسات الأدبية الكثيرة بأنها دخلت وبشكل قوي في المنعطف العلمي المميز لمرحلة النهضة الشاملة،[20] التي آخذت خلالها بالتشكل نظرات جمالية جديدة، واتجاهات جديدة في الأدب لم تكن معروفة من قبل. وأتت بمجموعة كاملة من الملامح المميزة الخاصة، التي سمحت للباحث باعتبارها مرحلة للنهضة وعصراً للتنوير، مشبعة بالمفاهيم التاريخية، ولكن عكس المرحلة الأوروبية المشابهة.[21]
واعتبر الباحث أن المرحلة المبكرة لتشكل الرواية الحديثة في سورية تكونت خلال عشرينات القرن العشرين، وكانت أكثر وضوحاً في النظرة إلى المصادر الأدبية المتنوعة بألوانها الجمالية، وهي التي سمحت بتشكل أسلوب جديد في الأدب السوري كانت الرواية فيه بمثابة المؤشر لولادة الأدب السوري الحديث الذي انسابت فيه العلاقات والتفاعلات المميزة لهذا الفن الحديث. وأشار إلى أن تلك العملية كانت جارية في البلدان العربية وخاصة في سورية منذ فترة طويلة من خلال نظام واسع للتفاعل الثقافي العالمي.[22] وانتقد معادلة ذكرتها م. باختينا من أن "الأسلوب هو أثر للفن" لأنها بذلك تحاول دفع العملية الأدبية إلى مداخل محددة تاريخية وتقليدية تؤدي إلى خلق تناقضات في الأسلوب الأدبي، لأن الأسلوب في تطور دائم وخاضع لمتغيرات الحياة، وهو ما ينطبق على مضمون الإنتاج الأدبي بشكل عام، وينطبق على العملية الأدبية في سورية أيضاً.
وأشار الباحث إلى فترة ثلاثينات القرن العشرين واعتبرها الفترة التي توجه فيها أكثر الكتاب العرب إلى تقاليد النص العربي حيث ظهرت السير التي تصف حياة الرسول العربي (ص)، وهو الأسلوب الذي اتبعه طه حسين (1889-1973)، وتوفيق الحكيم (ولد عام 1898) في مصر، ومعروف الأرنأوط (1892-1948) مؤلف الرواية التاريخية "سيد قريش" في ثلاثة أجزاء (1929)، ورواية "عمر بن الخطاب" في جزأين، ورواية "فاطمة الزهراء" في سورية. واعتبر أن هؤلاء الكتاب قاموا بمحاولة لتجديد أسلوب كتابة السير والرواية مع وضعهم لمدخل جديد لإعادة تأليف النص يتماشى والمستوى العلمي للعصر الجديد. واعتبر محاولتهم حافزاً لإنشاء روايات تاريخية مشابهة، عندما ظهرت مساعي الكتاب العرب لإظهار بطولات أجدادهم، وإنشاء لوحات تعبر عن حياة المجتمع العربي في العصور القديمة. وأضاف أن الكتاب العرب الذين اتبعوا أسلوب الرواية التاريخية توجهوا بذلك إلى المراحل التاريخية التي مرت بها الدول العربية، واعتبرها أكثر سطوعاً في عرضها للنضال المثالي من أجل الحرية.
وأشار إلى أهمية دور شكيب الجابري (ولد في عام 1912)، الذي بدأ نشاطه الأدبي في ثلاثينات القرن العشرين، في تطور أدب الرواية في الأدب السوري الحديث، والدور الذي لعبه في الفترة التي أصبحت فيه سورية أكثر اطلاعاً على الثقافة الأوروبية، وتأثير الثقافتين الفرنسية والألمانية في بدايات الإبداع الأدبي لشكيب الجابري. وذكر أن شكيب الجابري الذي بدأ نشاطه الأدبي برواية "الجشع" (1937)، وروايته الثانية "المصير لا يهزأ" كان قد أصدرهما على أعتاب الحرب العالمية الثانية عام 1939، ومن ثم روايته "قوس قزح" التي كتبها في عام 1946، ورواية "وداعاً يا أفاميا" التي صدرت عام 1961. وقارن بينه وبين معروف أرناؤط الذي اتخذ التاريخ موضوعاً لرواياته، بينما ركز شكيب الجابري اهتمامه على النواحي السلوكية لأبطاله، معتبراً ذلك من التأثير الملحوظ لأسلوب الرواية الألمانية على الأدب السوري في تلك المرحلة. وذكر أن الروايات السورية حملت طابع الوحدة والترابط بينها، ولكنا لم تستفيد حتى النهاية من خبرة الأدب الأوروبي، ولم تستفد من التقاليد القومية في الأدب كما يجب. واعتبر ذلك تأكيداً على الاهتمام بالفكرة، وفي الترابط الفني، دون ثبات الشكل الفني في تطور الأسلوب الروائي في الأدب السوري، الذي كان يجب أن يجري بعد استيعاب تأثير التقاليد الأدبية المتنوعة. مستشهداً بأفكار الباحث السوفييتي غيوناشفيلي عن خصائص تطور الرواية الفارسية التي جاءت بتناغم كامل مع عملية تطور فن القصة في سورية.[23] وأشار إلى ما ذكره الأديب العربي عمر الدقاق عن شكيب الجابري الذي "لعب دوراً كبيراً في الأدب، عندما كشف في إبداعاته الأدبية عن العالم الداخلي لأبطاله، ومحاولته إظهار وتحلل الخصائص النفسية، وطبيعة سلوك أبطاله، واعتباره أن ولادة الرواية الجديدة في الأدب السوري كانت مع ظهور روايات شكيب الجابري".[24]
وعن الفترة التي بدأت مع أواسط خمسينات القرن العشرين في الأدب العربي بشكل عام، وفي الأدب السوري بشكل خاص، وهي المرحلة التي اعتبرها الباحث عصر "سيادة الرواية"،[25] ذكر أن كل الأساليب بقيت بمستوى معين ذات طابع روائي، بسبب الحضور القوي للرواية في الأدب السوري بأسلوب جديد، بدأت معه أصوات جديدة للغة، وقوانين صارمة تقيد هذا الأسلوب الأدبي الجديد.[26]
وعن الإبداعات الأدبية للكاتب السوري الكبير حنا مينه ذكر أنه كتب الكثير في حينه، لأن اسم حنا مينه ككاتب مبدع في القصة، وكشخصية اجتماعية معروفة بشكل واسع في البلدان العربية وخارجها، وضعته إلى جانب أسماء أدباء كبار كنجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وحسين مروة والكثيرين غيرهم. وأكد أنه لا يعتبر ذلك تضخيماً بل حقيقة لأنه أعطى القارئ العربي فرصة التعرف على حياة سكان المدن السورية كاللاذقية، ودمشق، وحلب، بمستوى كبير ما كان لولا إبداعات هذا الكاتب الكبير. وأكد في نفس الوقت على أن هذا الوضع قد حتم على الكاتب نفسه، وعلى الناقد، أن ينظرا من خلال ذلك لشرح المدى الذي وصلت إليه الرواية السورية بعمق يعكس الواقع كما هو في كتابات الأديب السوري حنا مينه التي تتمتع باهتمام وانتشار واسع بين القراء. معتبراً أن إبداعات حنا مينه هي مادة ثمينة وممتعة للنقد والتحليل، رغم الصعوبة في تحليل هذا الإبداع المتميز، الذي يعطي أساساً كاملاً من أجل تنويع أساليب الدراسة والتحليل رغم تناقضها. معتبراً الطبيعة الاجتماعية لمؤلفات حنا مينه على الأكثر هي قلب الخلافات التي دارت حول هذا الكاتب الكبير. ورغم كل تلك الخلافات بين النقاد فإنهم يجمعون على صدقه في التعبير والتصوير دون خوف من النتائج، واعتبارهم هذا من شروط تقبل العالم الذي قدمه هذا الكاتب المبدع.[27] وأن حنا مينه لم يبتعد في إبداعاته عن تصوير الوضع الواقعي القائم في سورية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث نجد من يعجب بهتلر، ومن تخلى عن الغنى الروحي. واعتبر الباحث أن أي انتقاد وجه إليه ما هو سوى اعتداء على شجاعة هذا الكاتب الكبير، لأن حنا مينه عن وعي وتصور واضح تعمد الدقة فيه لنقل بعض الصور الاجتماعية، وهو حسب رأي النقاد أكثر ميلاً لمشاهدة الظواهر السلبية، عندما "يحول النظر عن مراحل الحياة المتقدمة، فهو عن سابق إصرار يحور الواقع".[28]
وذكر أنه من المعقول في النقد الأدبي الذي تناول أعمال حنا مينه التحدث عن الانتقادات الإيجابية الكثيرة، التي أخذت في اعتبارها الجدل الذي دار حول إبداعاته. ونرى أنه كانت هناك وجهات نظر متطرفة في طبيعتها، انطلقت من خلال معاييرهم الخاصة، المتأتية من الواقعية المتناقضة في مؤلفات حنا مينه نفسها. ورغم محاولة النقاد التخفيف من تلك التناقضات وتبسيط طبيعتها، يبقى صعباً جداً تحديد الترابط الذي يحدد عالم هذا المبدع. ومع ذلك فإبداع حنا مينه من جوانبه القوية والضعيفة من الصعب فهمه إن لم يشرح الناقد طبيعة الإبداع الفردي المتميز لهذا الكاتب الكبير.
وفي الفصل الثاني الذي جاء بعنوان: "التركيبية الفنية لروايات حنا مينه" وخصصه الباحث لدراسة وتحليل مؤلفات حنا مينه واكتشاف الجديد في موضوعات مؤلفاته، وتحديد الأساس الذي اتبعه في التركيب والتكوين الأدبي. لاحظ أن حنا مينه في رواياته بعيد عن الاستطالة غير الموضوعية، في وضع خلفيات لوحاته التعبيرية التي يمكن أن تصرف القارئ عن الاهتمام بمصير أبطاله الرئيسيين.
واعتبر حنا مينه في عداد أكثر الأدباء شهرة في الأدب العربي لأواسط القرن العشرين. لأن كل عمل جديد قدمه هذا المبدع الكبير للمجتمع، أو أي عمل تم نشره له، حظي بقبول القارئ والناقد على حد سواء في البلدان العربية، مما دعى النقاد العرب للاعتراف به من بين أكبر الكتاب في الدول العربية، الذين يقفون على قاعدة الأساليب الواقعية.[29] ولكن في هذه الشهرة التي تمتع بها بين الجمهور، ونجاحه كشخصية اجتماعية، لم تقف عند شخصيته المبدعة التي تتميز بالموهوبة الخلاقة، والشاعرية، والموهبة الروائية، بل تعدتها إلى أحاسيسه المرهفة، وتجاوبه الدقيق مع روح العصر، وفي مقدرته على اكتشاف الواقع والتعبير عنه بشكل واضح، والتعبير عن النواحي المخفية. ولهذا اعتبر عبد اللاييف أن حنا مينه يتمتع بمستوى أعمق وأكثر بعث في نفسه الكثير من الأحاسيس والخصائص المميزة في سيرة حياته الإبداعية والروحية من بين الكتاب العرب من أبناء جيله، أمثال: نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وسعيد حورانية، ومحمد أمين العالم، وحسين مروة. ورغم مرور أكثر من نصف قرن تقريباً على ظهور أول رواية مشهورة له "الشراع والعاصفة"،[30] بقيت الرواية الأكثر أهمية في تاريخ الأدب السوري خلال نصف القرن المنصرم، رغم صعوبة فهمها وتعقيدها.[31]
وأشار الباحث إلى أن اسم حنا مينه قد ظهر في الصحافة لأول مرة في عام 1945 عندما نشرت قصته الأولى "طفل للبيع"، وفي عام 1954 نشرت روايته "اللمبة الزرقاء". وعلى ما يبدوا أن الخطوات الأولى تلك لحنا مينه قد حظيت بانتباه القارئ والصحافة على حد سواء. ومثل نجاح روايته "الشراع والعاصفة" بعد ذلك نجاح كبير للأدب السوري على صعيد الرواية التي حظيت بإعجاب كبير من قبل القراء، وبردود فعل عاصفة في الصحافة العربية. وتابع الباحث أنه من غير الممكن أن يكون أي كاتب من معاصري حنا مينه في سورية قد حظي بمثل الاهتمام الذي حظي به هذا الكاتب الكبير من قبل النقاد العرب الذين واجهوه بردود فعل متباينة تراوحت ما بين الإعجاب بموهبته الروائية، إلى الشك في مقدراته واتهامه بـ"المجون" و "الإساءة للإسلام" وغير ذلك، هذا في الوقت الذي كانت مؤلفاته تقرأ في معظم الدول العربية، وتترجم إلى الكثير من لغات العالم.
ويتابع الباحث أنه في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن العشرين وهو الوقت الذي أبدع فيه حنا مينه تزايد انفتاح المثقفين العرب.[32] بالمقارنة مع الماضي، ضمن الأدب العربي التقدمي الذي بدأت ملامحه في الظهور منذ مطلع القرن العشرين. ولعل المؤرخين يذكرون ما قاله السياسي البريطاني ونستون تشرتشل في تلك المرحلة "بأن سورية لا تقبل السلطة من الخارج، وهي غير مؤهلة لإدارة نفسها من الداخل"، وهو ما ولد لدى المثقفين والأوساط الأدبية نوعاً من الشعور بالإحباط، فراحوا يدفعون بأبطالهم الرمزيين، عبر الفلسفة والتقنيات الفنية لـ"الأدب غير المعقول" حسب النموذج الفرنسي للتعبير عما يجول في خواطرهم.
ومن تلك الصور أيضاً كان تصوير القديم بقوالب جديدة دون التغاضي عن الخصائص الكبيرة لعالم الأحاسيس عند الكاتب والقارئ في نفس الوقت. وتركيز عدد كبير من الكتاب العرب في تلك المرحلة على تضخيم الدور التربوي للأدب، وهو ما أشار إليه المستشرق الروسي ف.ن. كيربيتشينكو في كتابه "القصة المصرية الحديثة" (موسكو: 1986)، في أن "سعي الكتاب في العالم العربي منشغل في المواقف التربوية والأخلاقية، وإصلاح الأخلاق، التي نفهمها كملاحظة لا يمكن تبريرها، كعدم فهم "المثالية".[33] والمثالية في الأدب السوري تعتبر من ألد أعداء حنا مينه، وقد لاحقته تلك العداوة في كل مراحل أدبه، وفي كل الظواهر التي عالجها، واكتفى الباحث بذكر المواقف "الاستعراضية" في عرضه للموانئ، والسجون وغيرها، من وجهة نظر بعض النقاد الذين أشاروا إلى العروضية في اللغة القصصية عند حنا مينه والتي تدمر من خلالها كل القيم الأخلاقية السائدة آنذاك، تلك القيم التي تنبعث من خلال الحماس الفاشل لشخصيات النص الأدبي.
كما وأشار الباحث إلى أهمية الانفعالات السلوكية ومصادر تصرفات الأشخاص الذين اختارهم حنا مينه في سياق عرضه الأدبي. وأشار إلى ناحية هامة جداً لم يتنبه إليها النقاد وهي أن حنا مينه كان كاتباً ساخراً، وهو ككاتب ساخر، تجنب الأوضاع الأحادية في نماذجه الأدبية في عالم الإبداع، وكان من النادر جداً دخوله في تلك النماذج مباشرة دون مناقشة مستفيضة للتوجه الأخلاقي لأشخاصه، معتمداً في ذلك على غياب الوعي عند القراء للقيم الأخلاقية غير المتصورة، مثال: أن ألمانيا الفاشية تعتبر شراً، وأن القتل، والخيانة، وخيانة الوطن، تعتبر أيضاً شراً.
وفي معرض استعراضه لمواضيع رواية حنا مينه "الشراع والعاصفة" أشار الباحث إلى أن مواقفها كانت وكأنها مواقف حقيقية تتابع التقاليد المتواصلة في الأدب العربي، التي عرض الكاتب فيها مبادئ فنية مغايرة تماماً للمألوف من خلال الواقع الجديد الذي صوره في روايته. ومن المواضيع الجديدة التي تمتاز بها رواية حنا مينه، تتابعها مع مؤلفاته السابقة، المكرسة للبحر والبحارة. وفي السياق يرى أن حنا مينه قد ركز وحافظ على حبكته الفنية الخاصة به. وظهر ذلك في المبادئ التي اتبعها لإظهار ملامح البطل الروائي، وفي محاولته لإحداث تغيير في الطبيعة القومية المميزة لهم. وهذه الخاصية ظهرت في حبكة القصة عند حنا مينه. وانطلاقاً من ذلك اعتقد الباحث عبد اللاييف أن حنا مينه استطاع بدقة إعطاء التقاليد الأدبية حقها الإبداعي ووقف عند حاجة القارئ أكثر مما أعطى للطريق الجديد الذي اختاره في إبداعه الأدبي. وذكر أن من طبيعة الحبكة القصصية عند حنا مينه إظهار الشكل العام الذي قدمه للقارئ، والذي شمل الأفكار والأحاسيس في إطار يتقبله وعي القارئ، بأسلوب "قصصي، منظم من وجهة نظر شخصيات العمل الأدبي" عبر "تسلسل قصصي" ممتع. واستند في ذلك على آراء عدد من الباحثين في "طرق آداب القرنين التاسع عشر والعشرين، التي اتبعت طريق إيجابية للمؤلف، وإيجابية شخصيات العمل الأدبي".[34] وهو ما كان متبعاً في الأدب الروسي، الذي استمد منه أسلوب القصة عند ا.ب. تشيخوف، وانعكاس هذا الأسلوب في لغة القصة العربية من حيث "المستوى" و"الجوهر" في تصوير الشخصيات.[35] مؤكداً على أننا لو فتحنا أي صفحة من صفحات الروايات البحرية لحنا مينه، نلاحظ كثرة الإشارات المستمدة من أفكار وأقوال أبطال الرواية، مستعرضاً الأمثلة التالية المقتطفة من إبداع حنا مينه: "- في رأسي أفكار لا أعرف كيف أشرحها. أنا عنيد، كافر ومؤمن، أربح وأنفق، أشرب وأحب، وآخذ حظي من الحياة، وأخالف الدين طمعاً في المغفرة، ولكنني لا أشرب من البئر وأرمي فيها حجراً، ولم أقض ليلة مع امرأة إلا شكرتها وتمنيت لو أن معي زهرة أتركها لها على الطاولة."[36] "أسكتهم الرحموني: - لا تقولوا هذا. الباخرة جسم واحد وروح واحدة ولا عبرة لما يجري بيننا على البر، نحن عائلة واحدة مهما اختلفنا."[37] واعتبر الباحث أن الكثرة في الإشارات إلى ما يقوله أبطال الرواية، إشارة حقيقية لاستخدام حنا مينه لهذا الأسلوب عن وعي كامل، مما أعطي البعد القصصي طابع القصد والمهارة.
وتوقع عبد اللاييف أن مصدر هذا الأسلوب قد يكون أدب القرون الوسطى، الذي أشار إليه الكثير من الباحثين في تقاليد القصة العربية في القرون الوسطى، وقربها من القارئ ومن واقع القصة العربية في القرون الوسطى نفسها، حسب إشارة ب.ل. ريفتين، الذي اعتبر أن "كتاب القرون الوسطى كانوا أكثر تعبيراً عن تلك التقاليد في مؤلفاتهم، من أعمال المبدعين المعاصرين". ولهذا كان "الكاتب في القرون الوسطى أشبه بلاعب الشطرنج، الذي يعرف نتائج اللعبة، ويجب أن يلعبها مرة أخرى على الرقعة، ولا يملك معلومات دقيقة عن بعض الخطوات".[38] أو ما أشار إليه البروفيسور نعمة الله إبراهيموف، عن خصائص القصة في الروايات الشعبية العربية معتبراً أن القارئ عرف أفكار وطريقة تفكير البطل في الرواية الشعبية العربية، من خلال طرح تلك الأفكار عند تأليف القصة.[39]
وأشار الباحث كذلك إلى محاولات حنا مينه إدخال بعض الحوارات الشخصية في الوصف التعبيري، وفي كثرتها كانت كلمات غير مستحبة ومخفية كما كانت في أساليب الرواية الشعبية، مثال: "- لا يا مصطفى، لا تفعل يا بني، ارحم شبابك، إذا فجعت أمك بأخيك فلا تفجعها فيك، وإذا رفضت نصيحتي أخذت القيادة منك؛ المسافة بين العين ومرمى البصر ليست المسافة الوحيدة للرؤية، وليست كذلك المسافة الأكثر طولاً أو بهجة؛ وحين يتلفت القلب تتبدى له التهويل صوراً مجسداً على لوحة الفضاء؛ إنه نصف هالة قمر على منبسط في سفر جبل؛ إن للصبر نهاية، وحين يفرغ صبر البحر فأحذره." [40]
واعتبر أن كل هذا الكم من المواد ومن الجمالية في التعبير قد صب صباً، وكان من الممكن أن يظهره الكاتب بشكل أكثر جمالاً وتعبيراً ودقة، لولا بساطة تلك النصوص المعروفة للقارئ العربي وسهولة تقبله لها. وهو ما ينسحب أيضاً على موقف حنا مينه من ارتفاع الشاعرية القصصية في أعماله، من خلال وصفه الشاعري للبحر، وحياة البحر : "نعم، البحر سر عظيم. فيه الكثير من الأسرار، وسيبلع واحدة أخرى، ولن يكشفها لأحد أبداً.." فالبحر يغلق العيون لعمقه، في مناغمة الفضاء، وهو الشيء نفسه الذي نشاهده في أسلوب الحشو الزائد في تشكيل اللوحة التعبيرية فقط، ولكنه يأتي فاقداً للمحسوس في وصفه للعاصفة، حيث يضيع في السياق الزمن المحدد والحدة الاجتماعية، فيظهر بدلاً عن ذلك الفقر المعدم، كما هو في الواقع العملي.
وكل هذا اعتمد على مستوى التركيبة القصصية عند حنا مينه، حيث صادف الباحث عبد اللاييف صوراً رائعة في الحبكة القصصية، التي تعكس خصائص استخدام أقوال الشخصيات، وعلامات الوسط الذي يصوره في ذلك الحوار. بينما استبدلها في رواياته "الشراع والعاصفة" و"الثلج يأتي من خلف النافذة" التي يأخذ فيها المثقفين وسطاً ويتوجه فيها إلى القارئ المثقف، بتركيز الاهتمام على العرض بشكل عام من خلال مواقف معروفة، ومع ذلك نراها قد كتبت بلغة لا تخلو من غرابة في وصف الوسط المحيط.
كما أورد الباحث عبد الحي عبد اللاييف أمثلة أخرى من الأسلوب القصصي لرواية حنا مينه، بنيت على مبادئ أخرى مغايرة في أسلوب الرواية مثال: "- وتراكضت الغيوم السود الزاحفة من الغرب، فغطت البقعة، وامتدت طبقة أسفلية فوق الثغرة التي فتحتها إشعاعة القمر."[41] "- فوقه كانت تنبسط سماء صافية، فاتحة الزرقة وصافية، ونسمات تهب كأنها مدفوعة بمروحة، وأبنية شاهقة، ترتفع من الهضبة إلى البحر."[42] واعتبر الشاعرية في هذا الوصف محاولة من الكاتب لتلوين النص القصصي، ولكنه تحدث في أسلوبه أيضاً بكلمات مشابهة لكلمات رعاع المدن، ورواد الحانات، والشرائح الدنيا في الأسواق. كما وتعرض الباحث في أطروحته لأسلوب الصحف والمجلات في القصة وأحاديث الأبطال، وأورد مثال على ذلك في المقتطفات التالية: "- قال الرئيس في نفسه: "ليس هذا بسؤال. إنه دعوة إلى الرجوع، لهاث إنسان تعب يفكر بالكاف عن المقاومة .."[43] "- فأية كلمة يمكن أن تقال أن تؤثر وتدفئ هذه النفوس الواجفة المقرورة ؟"[44]
واعتبر أن الكاتب قد حاول أن يظهر للقارئ الوضع النفسي الصعب للناس، ومعاناتهم لأنهم لم يستطيعوا إنقاذ الأصدقاء، ولكنه فعل ذلك دون تعمق، بل باستعراضية كما هو متبع بأسلوب اللقطة في الصحف والمجلات. وهو ما خلق في روائية حنا مينه مواقف فيها نوعاً من التوتر والصدام والصراعات الاجتماعية الصعبة، خالية في بعض الأحيان من الحبكة الفنية والترابط الفني.
وخرج الباحث بنتيجة بعد تلك الأمثلة بأنها بعيدة عن مضمون التسلسل في الرواية الملحمية، وبأنها تأتي في إطار الخبر، كمسعى من الكاتب لتقديم "خبرته الشخصية". وهو ما يستدعي الاحترام للكاتب، الذي سعى للإحاطة بعالم واسع، ومحاولة تقديمه بشكل واقعي غير مشوه. لأن الأساليب التوثيقية في الأدب حسب رأيه قادرة على إعطاء الكثير في الأدب الإبداعي، وهي حقيقة قديمة تؤكد مرة أخرى على الواقع الجمالي للإقناع بالجديد، وكوسيلة شاملة توفر أداء الوظائف الأدبية في الرواية.
وعن المصطلح في الروايات البحرية لحنا مينه، اكتشف الباحث في رواية "الشراع والعاصفة" ثلاثة كلمات متخصصة فقط وهي: فلوكة، رومبل، حبل، ولكنه اعتبرها مصطلحات بحرية لم تضفي على الرواية عناصر تصور طبيعة وتطور اللوحة ولم تأخذ وظيفة فنية في سياق النص. واعتبر الأهم في الروائية أنها تبدأ بتناقض مع المضمون، لأن الكاتب تحدث عن البحارة البسطاء بمستوى لغوي مميز لأنصاف المثقفين. وفي محاولاته رسم المنظور، وعالم الأدوات، فإنه يرى أن المؤلف قد تهرب عندما استخدم وسائل تسجيلية عادية، ولكن بشكل واقعي، معتمداً على الأهمية العامة للأحداث، وبذلك يكون قد ألغى عملياً في النص دور جبلة الإسمنت، الذي يلحق انطباعاً خاصاً غير ضروري.
وعن الشاعرية في روايات حنا مينه استنتج الباحث أن وسائل التصوير النفسي، والحوارات الداخلية، وتناقضات البطل مع نفسه، والتركيز على وضعه النفسي كلها شغلت مكانة هامة في إبداعاته الأدبية، رغم أنه يعتبرها بعيدة عن النفسية. لأن أبطال حنا مينه شخصيات اجتماعية، وشرائح اجتماعية معينة، اختارهم لخدمه أهداف وطنية معينة في الرواية. واعتبر أن حنا مينه قد استعار في أسلوبه لتكوين التسلسل الرئيسي في رواياته من روايات القرون الوسطى.[45]
واعتبر أن حنا مينه قد أخذ على نفسه مهمة تحمل مسؤولية تصوير ارتفاع الحس القومي عند الجماهير العريضة، والتعبير عن نضالهم من أجل الحرية والاستقلال. وهو بذلك قد اختار أبطال رواياته من ممثلي الطليعة الشعبية. ولهذا كان من الطبيعي أن يحاول في رواياته إظهار أبطاله في حالة تطور دائم، وفي حركة مستمرة نحو الأمام. واستنتج أن حنا مينه، كان يهتم قبل كل شيء بالتغيرات الجارية في ملامح وطبيعة وسلوك الناس من عامة الشعب، وتصويرهم كمناضلين من أجل الحرية والاستقلال.
ويضيف الباحث بأن الواقعية عند حنا مينه تكمن في قدرته على ربط الأبطال بخيوط دقيقة مع الوسط المحيط، وهو ما أعطي دينامكية معينة لكل خلفية من خلفيات الموضوع خاصة في الدقائق الحرجة من الرواية، في تصويره لكل ممثلي الطبقات والشرائح والجماعات الاجتماعية الأساسية في المجتمع. كما ويلاحظ أن أبطال حنا مينه منغمسون في الوسط الحياتي، الذي يصوره في بعض الأحيان بأدوار ثانوية في اللوحات الحياتية الكثيرة التي وظفها الكاتب كوسيلة من وسائل التعبير عن الطبيعة الاجتماعية للأبطال. إضافة لاهتمامه بالتعبير عن العالم الخارجي، والهموم الحياتية اليومية للبشر التي تعتبر هنا من ملامح الأسلوب التي تضفي رونقاً خاصاً على التركيبة الجمالية للعمل الأدبي. ويعتبر أن معالجة المواضيع في "الشراع والعاصفة" محاولة لإضفاء شكل معين على الحياة الإنسانية (الحياة في الميناء مثلاً).
وفي الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان: "مؤلفات حنا مينه والأدب السوري في أواسط القرن العشرين" عالج الباحث فيه دور حنا مينه في تشكل وتطور الأدب السوري في نهاية القرن العشرين. فيقول أن "الأدب السوري كغيره من الآداب في العالم العربي كله، أخذت اليوم طابع التنوع، الصعوبة والتناقض، في الظروف الضرورية للتطور الطبيعي للثقافة. والأدب السوري في القرن العشرين أعطانا عدد من الروايات، مرتبطة كلها بعقدة المصير الشخصي والحدث التاريخي. كرواية ن. سليمان "السجين" (1972)، ورواية "الثلج في الصيف" (1973)، ورواية عبد العزيز خيالي "من يعرف الفقر" (1974)، ورواية خيري الذهبي "عالم البسطاء" (1976)، و"تحليق الأيام الرائعة" (1977). الروايات التي أحدث أبطالها تأثيراً في العالم المحيط، في الوقت الذي كان فيه وضعهم النفسي غير منفصل عن الزمن التاريخي بل كان جزءاً منه.
لأن التقاليد الواقعية في الأدب السوري أصبحت مادة للدراسة في العديد من أبحاث النقاد كنبيل سليمان "دراسات في الرواية العربية"؛ وعدنان بن ذريل "أدب القصة في سورية"، وفيصل سماق "الواقعية في الرواية السورية". ولأن الاهتمام انصب خاصة آنذاك على ما يبدوا من تسميات الروايات. وهذا يفسر بشكل كامل تقدم وعي المجتمع الذي جذب ورائه تغييرات في التركيبة الفنية والأسلوبية للرواية السورية. خاصة وأن الباحثين قد أشاروا في أبحاثهم إلى مدى تعدد الأساليب الأدبية، وإلى وحدة مختلف الأشكال الروائية (المقالة، التحقيق، العناصر الدرامية، أشكال الحوارات، تصادم مختلف وجهات النظر حول المشاكل السياسية، الأخلاق) ومختلف العناصر: العاطفية، والظرفية وغيرها. خاصة وأننا نحس من هذه الظاهرة التي ظهرت جلية في الروايات البحرية لحنا مينه الذي كتبها وكأنها "صور"، مرتبطة بتقنية المونتاج؛ وليس صدفة أن خاصية الرواية السورية عند الناقد نبيل سليمان هي شاهد تماماً "كبذرة للتركيب" عند حنا مينه في "اللمبة الزرقاء"."[46]
والمبدأ الآخر الذي عالجه الباحث يكمن في جوهر رواية "الشراع والعاصفة"، من خلال محاولة الأديب حنا مينه إظهار "دقائق محددة للتاريخ" خلال أعوام 1934، 1941، 1945، بأسلوب خاص فياض بالأحداث، يصور فيه وبالتوازي مصير الأبطال الرئيسيين للرواية. ويعتبر أن الواقعية في التصوير هي حقيقة ملموسة في هذا العمل الفني الكبير، وصفة مميزة لمؤلفات حنا مينه، وفارس زرزور، وهاني الراهب وغيرهم. ولكنه يشير في نفس الوقت إلى تأثير اتجاهات أدبية أخرى في أعمال أولئك الأساتذة المبدعين كمذهب العصرية مثلاً. وقيامهم بتوسيع حدود الواقعية عندما لجأوا في رواياتهم إلى أساليب ووسائل فنية أخرى كالمقتطفات الكتابية التي اختلطت بأساليب المونتاج السينمائي الحديثة.[47]
واعتبر الباحث أن موقف حنا مينه كان مغايراً لمواقف بعض الأدباء العرب الواقعين تحت تأثير موضة المذاهب الغربية، وحذر قراءه من التأثر بالأشكال "الأكثر حداثة"، وأعتبر أن مثل تلك "الاتجاهات الحديثة" قد تضعف الصلة بين الكاتب وقراءه، وقد تعيق وصول الفكرة الفنية من العمل الأدبي لأوسع الجماهير.
وأشار إلى أن الرواية العربية الحديثة بما فيها السورية، أخذت تجذب اهتماماً متصاعداً مؤخراً في أوساط النقاد الأدبيين في مختلف الدول العربية. مستنداً إلى عدد آب/أغسطس 1981 من المجلة البيروتية "الطريق" الخاص عن أدب الرواية، وما ذكره الكاتب والناقد اللبناني المعروف محمد دكروب في كلمته الافتتاحية لهذا العدد إن ما "دفعنا لفكرة إصدار هذا العدد الخاص الواقع نفسه، فخلال السنوات العشر الأخيرة ظهر ارتفاع كبير في مستوى فن الرواية في العديد من الدول العربية. وبغض النظر عن أن الشعر عندنا تاريخياً هو الفن الأكثر انتشاراً، لأن جذوره ضاربة في عمق تاريخنا، إلا أن الرواية أصبحت "تزاحم الشعر"، وأصبحت مثل الشعر، واسعة الانتشار، وأصبحت أكثر الفنون شهرة". واعتبر أن نظرة النقاد السوريين من الرواية الحديثة في الكثير متناقضة، مشيراً إلى رأي الناقد نبيل سليمان الذي اعتبر الرواية عند بعض الكتاب غير المحترفين ليست سوى مهمة عابرة، ونمطية ومصورة، وتتميز بانعدام الخبرة، ومضايقتها لدراسة الحياة الفنية، وطبقاتها الجديدة، وظواهرها الجديدة.
وأشار الباحث كذلك إلى غلبة ظاهرة تخلف الاتجاه الاجتماعي في الأدب السوري الحديث، من خلال إشارته لمؤلف خيري الذهبي "عالم البسطاء"، ومجموعة حيدر حيدر "الزمن القاتم"، و"الوميض"، التي كتبها معتمداً على تقاليد وقوانين أدب الفضائح الاجتماعية، ووصف هذا اللون الأدبي بـ"مثير الفضائح"، الذي كان في مجموعة المقدمة في القصة السورية، ولم يتوقع أن يتغير هذا الوضع في المدى المنظور، لا في أدب الفضائح الاجتماعية، ولا في أدب الحماس الاجتماعي واسع الانتشار في سورية.
أما فيما يتعلق بالأديب حنا مينه فاعتبره الباحث كاتب من نوع آخر حدد بدقة الانتماء الاجتماعي لشخصيات رواياته، الذين يمكن يكونوا عمالاً في الميناء، أو باعة، أو مثقفين. إضافة لخاصية هامة أخرى في قصصه، تتميز بوقوفه على الحقائق الثابتة في تصوير شخصياته التي اعتبرها عبد اللاييف واضحة الملامح كأبطال الأفلام السينمائية. وخرج بنتيجة أخرى لا تقل أهمية وتتمثل بدقة الكاتب نفسه في التعبير. واستنتج أن روايات حنا مينه، بغض النظر عن الانطباع الأولي نراها تصب لا بالوسط الاجتماعي وحسب، بل وفي الطبيعة الفنية للشخصيات الرئيسية التي استخدمها الكاتب للتعبير عن الفكرة الأدبية، وجوهر الأدوار التي أسندها لشخصياته، وللتعبير عن أحاسيسه والتأكيد على العدالة، في تصوير إنسانية شخصياته المحبوبة (تاروسي، وأحمد).
ومن طبيعة روايات حنا مينه التي استنتجها الباحث أيضاً دقة موقفه من الحياة، ودقة الواقع في إبداعه الأدبي، وتحليله النقدي الدقيق للأحداث الجارية وموقف الجماهير العريضة منها، وهي التي مع سقوط ثوابت العالم القديم وقفت للنضال ضد الفقر، والاحتقار، والتخلف، وعزمها الثابت على بناء المستقبل، ولهذا اعتبر الباحث أن أبطاله، هم أناس حقيقيين، بضعفهم، وشكهم، وترددهم.
وفي ختام مناقشته لروايات حنا مينه والقصة السورية بشكل عام، أكد الباحث عبد الحي عبد اللاييف على أنه "لا يوجد عندنا بعد مدخل واحد، أو نظرية أدبية، يمكنها بمسؤولية أن تعطي الأهمية الأسلوبية للأعمال الأدبية التي صدرت تقريباً منذ زمن قريب. لأن الظروف الجديدة وضعتنا في تناقض. ولكن الأهمية التي لا تغيب عن الكلاسيكيين (ويعتبر حنا مينه من كلاسيكيي الأدب العربي في القرن العشرين) خلال العديد من السنوات، لتنفتح أمامنا اليوم على شكل لمحات سريعة. والآن نرى الماضي يحيى بالتمام والكمال. ومرة أخرى نعود إلى أسلوب الكاتب في الروايات التي درسها، لنسأل، أين تكمن القوة ؟ على ما نعتقد تكمن في الحياة الضاربة بجذورها في القيم الإنسانية المشتركة، التي هي دائماً بسيطة جداً في الوضع العائلي، والحرفة، والموضع. أسلوب الكاتب قيم جداً، ويمكن التعبير عنه بكلمة واحدة، أو كلمتين حسب فهمنا للأدب، فهو دائم الحوار مع نفسه. وهذه ميزة من ميزات النثر الأدبي، ولو أن النثر الأدبي متشابه وضعيف، فإن روايات حنا مينه تعتبر تاريخية، من خلال إسهامها في تطوير الأدب السوري الجيد الموجود فعلاً والذي سيبقى طويلاً بفضل الأديب الكبير حنا مينه".[48]
وفي الخاتمة خرج الباحث عبد الحي عبد اللايف بالنتائج التالية: أن المرحلة من أواسط الخمسينات وحتى نهاية سبعينات القرن العشرين تعتبر هامة جداً في تاريخ الأدب العربي بشكل عام، وفي تاريخ الأدب السوري ضمناً. وهي المرحلة التي يمكن تسميتها بمرحلة الخروج عن تقاليد الأدب العربي الإسلامي، والتضييق على عناصر التقاليد التي لم تزل موجودة، وأن منجزات الأدب الأوروبي دون أي شك قد تم إدخالها من خلال "فلترة" النظرات القومية والجمالية والفلسفية العربية؛ وأن مؤلفات الأديب السوري حنا مينه تميزت بتكامل بناء عصر الأدب السوري، وبداية مرحلة جديدة من تطور الفن الواقعي، الذي زينته أعماله الاجتماعية، وكرهه لانعدام العدالة، وإحساسه الصادق بالالتزام "بالنظام" الذي كشف عبره مدى معرفته الرائعة لحياة الشعب، ومعاناته، وأحلامه الممتدة عبر القرون بالتحرر والعدالة والحرية؛ وأن الأديب الكبير حنا مينه ينتمي لمجموعة الكتاب التي أبدعت في كل الاتجاهات الجديدة، ولكن من دون تغيير الحقيقة والواقعية، ورسمه للحقيقة كما هي في لوحة الحياة، وفي نضال الشعب السوري من أجل السلام والعدالة في السنوات العاصفة من حركة التحرر القومي؛ وأن الأديب حنا مينه وهو يحاول إيجاد تفسير جديد للواقع، وغيره من العلاقات المنطقية بين مظاهر الحياة، وبين الإنسان والعالم، الذي يعيش فيه، أسهم في تشكل وتطور القصة الحديثة العربية، والرواية السورية؛ وأنه قبل ظهور رواية حنا مينه الرئيسية "الشراع والعاصفة" في أدب القصة السورية، لم يكن قد ظهر بعد على ما يبدوا أية أعمال صورت بسطوع وصدق، تأثير التحولات الاجتماعية على حياة الفرد العادي. وهو ما عبرت عنه شخصيات أبطال روايات حنا مينه التي عالج من خلالها الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني أن كل تلك المشاكل كانت تشغل أحاسيس الكاتب. وأن علاقات خاصة جداً كانت تربط بين الكاتب وأبطاله والشخصيات الأخرى، تحت تأثير ثقافة. ن. غوغول، وف. دوستويفسكي، غ. وفلوبر، وج. لندن، وو. فولكنير، وإ. همنغوي، ود. ستينبك، وهي قائمة غير كاملة للكتاب الذين حلل الكاتب الكبير أفكارهم ونظراتهم في مؤلفاته، وهذا يعني في شخصياته على خلفية الواقع السوري؛ وأن أسلوب الإبداع الفني الأساسي عند الأديب حنا مينه كان عبارة عن خليط بين الزمن والفضاء، مع تناوب دقائق ردود الأفعال التي التقطها من خلال أخطاء شخصياته الروائية، وأن مثل هذا الأسلوب طبيعي للكثير من أدباء العالم. وأن الخلفيات السينمائية المتعمدة، ربطت دائماً بوحدة المنطق الذي استخدمه، من خلال تلاقي الشرائح المتشابهة أو المتعاكسة، أو عندما يصور موقف مسرحي واحد ويبدله بغيره دون أي تمهيد، مما يعطي الحبكة القصصية حركة وسعي دائم؛ وأنه مع ظهور رواية "الشراع والعاصفة" أصبحت الرواية السورية أكثر وضوحاً، ووصلت بها إلى النضوج الفني، وأن مسلسل الروايات البحرية التي كتبها الأديب حنا مينه تشهد على تنوع الأشكال في الأدب السوري التي عرضتها أعمال رمزية لأدباء سوريين آخرين كـ: حيدر، وهلالي، والذهبي، ونبيل سليمان، الذين تابعوا وطوروا طريقة وأسلوب حنا مينه، ولكنهم زادوا من صعوبة تكوين لوحة العالم المحيط، عندما لجأوا إلى أمراض قروية في الأدب، حطت من مستوى تقدير كتاباتهم ومكانتهم الأدبية؛ وأن طرق دراسة إبداعات بعض الكتاب من دون شك يجب أن تدخل فيها المنجزات الإبداعية الشخصية، والإخفاقات التي ألمت بالأديب، وأن ينظر إليها كخلفية، ومضمون للتطور الاجتماعي والتاريخي.
وهكذا نكون قد استعرضنا نظرة أوزبكستانية حديثة في الأدب السوري المعاصر وخصائص تطور الرواية العربية المعاصرة في سورية من خلال مؤلفات حنا مينه.
7/10/2002
هوامش:
[1] أ.د. محمد البخاري: عربي سوري مقيم في أوزبكستان، مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في العلاقات الدولية.
[2] إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين، الأمن، وظروف وضمانات التقدم. // على طريق الأمن والاستقرار والتطور. الجزء الرابع. طشقند: أوزبكستان، 1998، ص 225. (باللغة الروسية)
[3] إسلام كريموف: السعي نحو القرن الحادي والعشرين. // مستقبلنا نحن نبنيه بأيدينا. الجزء السابع. طشقند: أوزبكستان، 1999. ص 346. (باللغة الروسية)
[4] للمزيد أنظر: ل. ا. آغاننوي: النقد الأدبي لبلدان الشرق الأجنبية، ودورها في تطوير الفكر الاجتماعي والجمالي. موسكو: 1988. ص 4. (باللغة الروسية)
[5] نبيل سليمان: النقد والرواية السورية. دمشق: 1981. ص 8. (النص المذكور ترجمة حرفية لما جاء في النص الروسي)
[6] د. حسام الخطيب: تبعات قومية في الرواية السورية. دمشق: مجلة الموقف الأدبي، 1982، كانون ثاني/يناير. ص 9.
[7] عدنان بن ذريل: القرائن والمعنى في الرواية العربية السورية. دمشق: مجلة الموقف الأدبي، 1982، كانون ثاني/يناير. ص 20.
[8] سمر روحي الفيصل: شكل السيرة في الرواية التاريخية السورية. دمشق: مجلة الموقف الأدبي، 1982، كانون ثاني/يناير. ص 40.
[9] كراتشوفسكي ي. يو.: مؤلفات مختارة. الجزء 3. موسكو-ليننغراد: 1956. ص 470. (باللغة الروسية)
[10] كريمسكي ا.يي.: تاريخ الأدب العربي الجديد في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. موسكو: ناووكا، 1971. ص 749. (باللغة الروسية)
[11] دولينينا ا.ا.: مقالات في تاريخ الأدب العربي في الوقت الجديد. مصر وسورية. المنشور خلال أعوام 1870 و 1914. موسكو: ناووكا، 1968؛ مقالات في تاريخ الأدب العربي في الوقت الجديد (مصر وسورية). موسكو: ناووكا، 1973. ص 272. (باللغة الروسية)
[12] عثمانوف ن.ك.: قصة توفيق الحكيم. موسكو: ناووكا، 1979. ص 114. (باللغة الروسية)
[13] كيربيتشينكو ف.: إمكانيات البطل (ملاحظات عن الرواية الواقعية المصرية في النصف الثاني من الستينات والسبعينات)، أدب دول الشرق الأجنبي في السبعينات. 1982. ص 311. (باللغة الروسية)
[14] علي زادة: القصة القصيرة المصرية.موسكو: ناووكا، 1974. ص 152. (باللغة الروسية)
[15] أكباروفا ماهرة: القصة السورية. طشقند: فن، 1975. ص 68. (باللغة الروسية)
[16] إسلام كريموف: من دون الماضي لا يوجد مستقبل، من دون التعاون لا يوجد نقدم. // على طريق البناء. الجزء الرابع. طشقند: أوزبكستان، 1996. ص 336. (باللغة الروسية)
[17] إسلام كريموف: المستقبل العظيم: هذا روحية عالية للشعب. // التفكير والعمل بشكل جديد، من متطلبات الوقت. الجزء الخامس. طشقند: أوزبكستان، 1977. ص 143. (باللغة الروسية)
[18] للمزيد انظر: ف. ن. كيربيتشينكو: عن طرق تطور الواقعية في القصة الحديثة المصرية. // شعوب آسيا وأفريقيا، 1976، العدد 3. ص 86. (باللغة الروسية)
[19] للمزيد أنظر: كيربيتشينكو ف.ن.: القصة المصرية الحديثة، في السينات والسبعينات. موسكو: ناووكا، 1976. ص 295. (باللغة الروسية)
[20] للمزيد أنظر: دولينينا ا.ا.: مقالات في تاريخ الأدب العربي في الوقت الجديد (مصر وسورية). موسكو: ناووكا، 1968؛ ليفين ز.ي.: تطور الفكر الاجتماعي العربي 1917-1945. موسكو: ناووكا، 1979. (باللغة الروسية)
[21] للمزيد أنظر: دولينينا ا.ا.: مقالات في تاريخ الأدب العربي في الوقت الجديد (مصر وسورية). موسكو: ناووكا، 1968. ص 5. (باللغة الروسية)
[22] عن ظهور الأساليب الأدبية الحديثة أنظر: فيسيلوفسكي ا.ن.: الشعر التاريخي. موسكو: 1990، باختين م.: مسائل الأدب والجمال. موسكو: 1973. (باللغة الروسية)
[23] للمزيد أنظر: غيوناشفيلي ل.س.: مشاكل تشكل وتطور الواقعية في القصة الفارسية الحديثة. تبليسي: ميتسييريبا، 1985. (باللغة الروسية)
[24] عمر الدقاق: الأنواع الأدبية في سورية. دمشق: 1971. ص 21.
[25] محمد كامل الخطيب، عبد الرزاق علي: عالم حنا مينه الروائي. 1979. ص 7. (باللغة الروسية)
[26] للمزيد أنظر: باختين م.: مسائل الأدب والجمال. ص 449. (باللغة الروسية)
[27] على سبيل المثال أنظر: محمد كمال الخطيب: مقدمة لكتاب "عالم الإبداع عند حنا مينه". بيروت: 1970.
[28] عبد الرزاق: العالم الفني لحنا مينه. ص 75.
[29] محمد كامل الخطيب: عالم حنا مينه الروائي. بيروت: دار الأدب، 1979. ص 37. (ولو أن الباحث الروسي في الأدب السوري ك. تشوغونوف يعتبر أنه "في مجال التقدير الكبير هناك بعض التضخيم"، ولكن على ما أعتقد أن حنا مينه لم يأخذ بأسلوب الواقعية فقط، بل عمل على تطوره لاحقاً "الباحث").
[30] صدرت الترجمة الروسية للشراع والعاصفة في موسكو، عن دار رادوغا، 1985. ترجمة: ل. ميدفيدكو، و ف. شاغال.
[31] محمد كامل الخطيب: عالم حنا مينه الروائي. بيروت: 1979. ص 22-25.
[32] من الكتاب الذين ظهروا في تلك المرحلة نجيب محفوظ، وحسين مروة. (الباحث)
[33] يستمد الباحث موقفه هنا من روايات يوسف إدريس "الخطيئة" (1958)، وثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين" (1956)، ورواية الشرقاوي "الأرض".
[34] كوجيفنيكوفا ن.ا.: نماذج القصصية في الأدب الروسي في القرنين التاسع عشر والعشرين. موسكو: 1994. ص 10. (باللغة الروسية)
[35] تشوداكوف ا.ب.: شعرية تشيخوف. موسكو: 1971. ص 61-87. (باللغة الروسية)
[36] الشراع والعاصفة. بيروت: 1966. ص 45.
[37] نفس المصدر السابق. ص 209.
[38] ريفتبن ب. ل.: أشكال والتأثير المتبادل لأدب القرون الوسطى الشرقي. موسكو: ناووكا، 1969. ص 81. (باللغة الروسية)
[39] أ.د. نعمة الله إبراهيموف: الملاحم العربية في القرون المتأخرة. طشقند: 1994. ص 158-159. (باللغة الروسية)
[40] الشراع والعاصفة. بيروت: 1966. ص 11.
[41] نفس المصدر السابق. ص 266.
[42] نفس المصدر السابق. ص 206.
[43] نفس المصدر السابق. ص 268.
[44] نفس المصدر السابق. ص 269.
[45] استند الباحث عبد الحي عبد اللاييف في موقفه هذا على آراء النقاد العرب، ورأي عبد الرزاق سيد: رحلة الكشف والاكتشاف. في مجموعة عالم حنا مينه الروائي. بيروت: 1979. ص 53؛ ورأي ف.ن. كيربيتشينكو: الرواية العربية الحديثة وتاريخ الأسلوب التوثيقي في القرون الوسطى. موسكو: ناووكا. (باللغة الروسية)
[46] عبد الحي عبد اللاييف: المراحل الأساسية وخصائص تطور الرواية العربية المعاصرة في سورية من خلال مؤلفات حنا مينه. ملخص أطروحة. طشقند: جامعة
[47] أنظر: آسيا وإفريقيا. 1974، العدد 1. صفحة 94. (باللغة الروسية)
[48] عبد الحي عبد اللاييف: المراحل الأساسية وخصائص تطور الرواية العربية المعاصرة في سورية من خلال مؤلفات حنا مينه. ملخص أطروحة. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2002. ص 24-25. (باللغة الروسية)