السبت، 19 سبتمبر 2020

تطور العلاقات العربية الأوزبكستانية تمهيد

 

تطور العلاقات العربية الأوزبكستانية تمهيد

أ.د. محمد البخاري

 

تطور العلاقات العربية الأوزبكستانية

 

طشقند 2011

 

هذا الكتاب يحتوي متابعات صحفية لبعض ما نشرته المصادر الإعلامية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية والعربية عن العلاقات العربية الأوزبكستانية منذ استقلال جمهورية أوزبكستان عام 1991 وحتى اليوم، ورؤية المؤلف عن مستقبل هذه العلاقات.

ألفه:

أ.د. محمد البخاري: أستاذ جامعي سوري مقيم في جمهورية أوزبكستان. دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الصحافة بجامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

 (c) حقوق النشر محفوظة للمؤلف.

تمهيد

خلال العقد الأخير من القرن العشرين كان التنافس الدولي واضحاً بين القوى الكبرى المهيمنة على العالم، حتى أن الباحثون العرب والأجانب أجمعوا على أن التنافس الدولي وفر قدراً لا بأس به من الموارد المالية والتكنولوجية التي لم تكن لتتوفر لولا ذلك التنافس الذي هو أشبه بالتنافس الذي ساد خلال فترة الحرب الباردة التي سادت بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ومعروف أنه نتيجة للتنافس الذي كان مختدماً بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق على النفوذ في العالم الثالث وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية استفادت دول العالم الثالث من الموارد المالية والتكنولوجية للقطبين الأعظمين وخاصة منها الدول التي فضلت إتباع سياسة عدم الإنحياز والحياد الإيجابي في التعامل مع المعسكرين المتصارعين على النفوذ في العالم الثالث.

ولكن التنافس الدولي بعد إنهيار المنظومة الإشتراكية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق سعى بالأساس لتوفير بديل للنفوذ الروسي في دول آسيا المركزية (أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان) كما أطلقت على نفسها بعد الاستقلال.[1] ولكنه لم يضعف من ذلك النفوذ بشكل جوهري، ولكنه وفر لدول المنطقة بدائل استفادت منها لصياغة سياستها الخارجية ووظفتها للحصول على شروط أفضل في التعامل مع الفيدرالية الروسية.

وأثبتت الوقائع بجلاء واضح، أن دول آسيا المركزية لن تعود مرة أخرى إلى أي نوع من أنواع العلاقات التي كانت تربطها بروسيا القيصرية أو الاتحاد السوفييتي أو المركز السابق (موسكو). بل على العكس اتجهت دول المنطقة المستقلة وذات السيادة وخاصة أوزبكستان نحو بناء علاقات جديدة من المنفعة المتبادلة والمتساوية مع الفيدرالية الروسية رغم عدم تطابق وجهات نظرهم حيال بعض المواقف والقضايا الهامة والحساسة في المصالح الوطنية للجانبين. وبعبارة أخرى أن استعمار المنطقة راح بلا رجعة، وأن استقلال جمهوريات آسيا المركزية أصبح أمراً واقعياً ومهماً تدعمه مراكز القوى العالمية بثبات. وما يثبته حصول تلك الجمهوريات على العضوية الكاملة في المنظمات الدولية والإقليمية كمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة أوروآسيا للتعاون الاقتصادي، ورابطة الدول المستقلة، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية.

ولا أحد ينكر حقيقة أن التنافس الدولي ذلك أدى إلى تعطيل مؤقت، لقدرات دول آسيا المركزية على اختيار النموذج الملائم لها للتطور الاقتصادي والسياسي المستقل. ونجحت أوزبكستان في اختيار طريقها الخاص للتجديد والتقدم، ونموذجها الخاص للانتقال إلى اقتصاد السوق.[2] وساعد على ذلك استقرار مؤسساتها الدستورية والسلطة السياسية بعد فوز رئيسها إسلام كريموف ولعدة مرات متتالية بمنصب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر.

ولم يتوقف رغم دخول التطرف الديني والعنف المسلح وما رافقه من ازدهار لتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة في المنطقة كصدى للصراعات الدائرة على الساحة الأفغانية والصراع الذي كان دائراً في طاجكستان كطرف في المعادلة السياسية في المنطقة، ومعروف أن تلك الصراعات كانت تشجعتها وتستغلتها وتدعمتها جهات خارجية. ومما ضاعف من حدة الموقف في المنطقة الأحداث الدامية التي جرت في طشقند وجنوب قرغيزستان عام 1999، وأحداث جنوب أوزبكستان وقرغيزيا صيف 2000، وأحداث أنديجان عام 2005، والتي جاءت مطابقة ومؤيدة لتوقعات القيادة الأوزبكستانية، وتنبيهاتها المستمرة إلى خطر انتقال وانتشار التطرف والعنف المسلح من أفغانستان إلى المناطق الأخرى المجاورة في آسيا المركزية بل وإلى أنحاء أخرى من العالم وهو ما أثبتته أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وما تبعها من أحداث تهدد مصير الكثير من شعوب العالم.

وجاءت المبادرة الأوزبكستانية التي أطلقها رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف، أثناء مشاركته في قمة الناتو، مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية التي جرت في بوخارست بتاريخ 3/4/2008، لتذكر بأن "التعاون الدولي يعتبر من أهم عوامل توفير الأمن والتطور الثابت. وأن المبادرة الأوزبكستانية الأخيرة لحل القضية الأفغانستانية بمشاركة حلف الناتو تهدف تطوير مجموعة "6+2" التي عملت حتى عام 2001 إلى مجموعة اتصال "6+3" للتوصل إلى السلام والاستقرار في أفغانستان. وأن المبادرة جاءت من أجل التوصل إلى السلام والاستقرار في أفغانستان. ولهذا يجب أن تضم جماعة الاتصال الدول الست المجاورة لأفغانستان وهي: إيران، والصين، وطاجكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، بالإضافة إلى: روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الناتو.

لتتحول إلى آلية هامة ومسرحاً للمناقشات وإعداد مبادئ مشتركة ومناهج للبحث عن طرق لتسوية القضية الأفغانية، والتوصل إلى فهم واهتمام مشترك للتوصل إلى السلام والوئام في أفغانستان. وإعداد مقترحات للتوسع بالمساعدات الاقتصادية والإنسانية المقدمة لأفغانستان في إطار مختلف البرامج الدولية وفي مقدمتها برامج منظمة الأمم المتحدة. مع ضرورة احترام العادات والتقاليد والقيم الدينية والقومية والثقافية للشعب الأفغاني متعدد القوميات، واحترام مصالح الأقليات القومية، وعدم السماح بالهجمات والافتراءات والأكاذيب على الدين الإسلامي.[3]

وجاءت التغييرات في موقف الولايات المتحدة الأمريكية على ما نعتقد موافقة للموقف الأوزبكستاني، وعبرت الأوساط الاجتماعية الأوزبكستانية عن أنها تتابع باهتمام بالغ المبادرات الجديدة التي تقدمت بها الإدارة الأمريكية منذ تولي الرئيس باراك أوباما الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأن خطاب باراك أوباما في جامعة القاهرة عام 2009 لم يكن استثناء. وأن الخطاب قبل كل شيء كان إثباتاً لتغلب الواقعية في مواقف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدعوة لكسر الحلقة المفرغة من حالة عدم الثقة والمجابهة مع العالم الإسلامي، والمناشدة لوضع حد لقوالب التفكير السلبي حول الإسلام أينما كان، وبدء عصر جديد لتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع العالم الإسلامي. واعتبر البلاغ أن الخطاب كان بمثابة سعي للبحث عن اتجاهات جديدة للتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والمسلمين في العالم كله لصالح السلام والعدل والتقدم.

وأن براغماتية نهج السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما بشأن المواقف من مسألة ما يسمى بسياسة إشاعة الديمقراطية تسترعي الانتباه، وأن جوهر الموقف الجديدة المعلن ينحصر في أن أي محاولة لفرض قيم خاصة على البلاد الأخرى التي لها تاريخها وثقافاتها المتميزة تعطي نتائج معكوسة. وأنه من المهم أن تكون هناك قدوة يمكن أن يحتذى بها من خلال الحفاظ على الديمقراطية وأولوية القوانين وحرية التعبير والدين باعتبارها قيماً بشرية مهمة للجميع. ومما لا شك فيه أن مثل هذه المواقف الواقعية من تسوية أهم القضايا الراهنة سيلقى صدى إيجابيا لدي أوساط الرأي العام العالمي.[4]

وفي البداية أثرت تلك العوامل على السياسة الخارجية الأوزبكستانية وأبطأت من اندفاع أوزبكستان الشديد نحو تقوية العلاقات الثنائية مع الدول العربية بعد استقلالها، وواجهته معظم الدول العربية بتجاهل أوزبكستان في سياساتها الخارجية وأفضلياتها، ونعتقد أن ذلك لم يكن مقصوداً وتمثل بتجاهل أهمية إقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات واعتماد السفراء المقيمين، والذي نعتبره المدخل الرسمي الوحيد لخلق قنوات من الحوار البناء وتبادل المعلومات والمصالح وخلق البدائل في السياسة الخارجية للجانبين، وسرعان ماتبدل الواقع وحدث تبدل واقعي مبشر في العلاقات العربية الأوزبكستانية.

وطبعاً لا يجهل أحد أن تقوية العلاقات العربية الأوزبكستانية قد تتعارض مع مصالح بعض القوى العالمية التي تسعى دائماً إلى تسميم العلاقات العربية بشتى الطرق مع العالم الخارجي، وتوظفها بذكاء بهدف إضافتها لقوتها الاقتصادية والعلمية والدبلوماسية، وأجهزة الإعلام القوية التي تسيطر عليها والمنتشرة في العالم والمجربة لتخلق بشكل دائم رأي عام دولي مساند ومتعاطف مع تلك القوى العالمية، ورأي عام دولي جاهل إن لم نقل معاد للمصالح الوطنية العربية.

والغريب في الأمر أن هذا جرى ويجري على ساحة آسيا المركزية بشكل عام وفي أوزبكستان بشكل خاص، في ظروف كانت تشهد ضعف أو غياب شبه تام للجانب العربي في معادلة المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياسية والإعلامية والثقافية الدائرة لتحقيق أقصى الفوائد للمصالح الحيوية في العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأوزبكستان حتى ولو استثنينا تلك الدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية واقتصادية جيدة معها أو لها سفارات مقيمة فيها.

وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في هذا الكتاب من خلال متابعات لما نشرته وسائل الإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية والعربية خلال عقدين من الزمن خدمة للباحثين والدارسين في مجالات العلاقات الدولية والعلوم السياسية، والصحفيين.

طشقند في 18/8/2010

المؤلف

أ.د. محمد البخاري

 

 



[1] عرفت المنطقة في المراجع التاريخية لمرحلة الفتوحات الإسلامية باسم ما وراء النهر، وتذكر باسم تركستان في المراجع التاريخية لما قبل الاحتلال الروسي، وبعد الاحتلال باسم تركستان الروسية ، ومن ثم آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية في العهد السوفييتي، إلى أن أطلق عليها قادة الدول الخمس بعد الإستقلال عن الاتحاد السوفييتي السابق اسم آسيا المركزية في الاجتماع الذي ضمهم في آلما آتا عاصمة قازاقستان.

[2] للمزيد أنظر: إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم. ترجمة: أ.د. محمد البخاري. جدة: مجموعة دار السلام، 1999؛ إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين. بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1997؛ إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1996).

[3] الصحف المحلية الصادرة في طشقند يوم 1/5/2008.

[4] "بلاغ عن خطاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما في جامعة القاهرة" // وكالة أنباء Jahon التابعة لوزارة الخارجية الأوزبكستانية، يوم 8/6/2009.