الخميس، 13 أغسطس 2009

75 عاماً على صدور العدد الأول من مجلة زفيزدا فاستوكا الأوزبكستانية


75 عاماً على صدور العدد الأول من مجلة زفيزدا فاستوكا الأوزبكستانية

حوار مع رئيس التحرير أليكسي أوستيمينكو
أ.د. محمد البخاري.
جمهورية أوزبكستان بسكانها الـ 26 مليون نسمة، تأتي بالمرتبة الثالثة بعد روسيا وأوكرانيا في رابطة الدول المستقلة. بالإضافة للميزة الهامة التي تتمتع بها القاعدة السكانية من ارتفاع مستوى التعليم المتوسط، الذي يبلغ مستواه 99,15 % وفق معطيات عام 1998، وهو ما يضعها في مقدمة الدول الأكثر نجاحاً في القضاء على الأمية بين مواطنيها في العالم.
وتضم التركيبة الديموغرافية للسكان في جمهورية أوزبكستان نحو 130 قومية، تصل نسبة الأوزبك بينهم لأكثر من 75 %، وإلى جانبهم أقليات من أصول: روسية، وأوكرانية، وبيلاروسية، وألمانية، وفارسية، وطاجيكية، وقازاقية، وتترية، وقره قلباقية، وقرغيزية، وتركمانية، وتركية، وأذربيجانية، وويغورية، وكورية، ويهودية، وأرمنية، وعربية. وهو ما تطلب من القيادة الأوزبكستانية وفي مقدمتها الرئيس إسلام كريموف منذ الأيام الأولى للاستقلال عام 1991 إتباع سياسة ثابتة وإستراتيجية خاصة لصهر هذه التركيبة السكانية في بوتقة الانتماء للدولة الواحدة.
وفي هذا تلعب وسائل الإعلام دوراً هاماً لصهر الانتماء للدولة الواحدة وتدعيم الشعور الوطني، ولهذا أنشأت القيادة الأوزبكية بعد الاستقلال صندوقاً اجتماعياً لدعم وتطوير وسائل الإعلام المستقلة في أوزبكستان، وتصدر في أوزبكستان اليوم أكثر من 1000 وسيلة إعلامية مطبوعة ومسموعة ومرئية وإلكترونية بعدة لغات ومن بينها مجلة "زفيزدا فاستوكا" التي تصدر باللغة الروسية منذ 75 عاماً، وتتمتع بشهرة واسعة في أوزبكستان وخارجها، ورغم أنها قامت بتغيير خطابها الأدبي أكثر من مرة، إلا أنها حافظت على الكثير من تقاليدها الأدبية.
وفي إحدى الأمسيات الأدبية التقيت صدفة بالصديق القديم رئيس تحرير المجلة، الأديب والصحفي المعروف أليكسي أوستيمينكو، وطبعاً بدأ الحديث كالمعتاد عن الأوضاع في سورية وأسباب فتور العلاقات بين البلدين منذ تسعينات القرن الماضي ومتى سيعود الدفء إليها كما كانت في السابق، وما تضمنه آخر عدد حمله البريد من مجلة المعرفة وهنا انتهزت الفرصة وطلبت منه أن يخص قراء المجلة بحديث عن مناسبة مرور 75 عاماً على صدور المجلة وحرصت من خلاله على الابتعاد عن المقابلة التقليدية من سؤال وجواب وتركت المجال له ليتحدث كما يريد.
وبدأ حديثه بقوله أنت تعلم أننا ومنذ زمن بعيد لم يطلب منا أحد التحدث عن هموم مجلتنا، ولم يعرنا منذ وقت طويل اهتمامه أحد، ولهذا أرجو أن تسمح لي بالخروج عن التواضع في حديثي معك اليوم، وأعتقد أن لهذا أسباب، لأن لقاءنا هذا يتوافق مع الذكرى السنوية الـ 75 لصدور العدد الأول من مجلتنا الأدبية "زفيزدا فاستوكا" التي بدأت شق طريقها الأدبي منذ عام 1932 باسم يناسب ذلك الوقت "الأدب السوفييتي لشعوب وسط آسيا".
وبعد المؤتمر الأول للكتاب السوفييت الذي عقد في موسكو عام 1935، جرى تغيير اسم المجلة إلى مجلة "أوزبكستان الأدبية"، ومن نهاية عام 1937 وحتى بداية الحرب العالمية الثانية صدرت تحت اسم مجلة "الآداب والفنون في أوزبكستان"، ومن عام 1946 بدأت بالصدور باسمها المعروف على نطاق واسع حتى الآن مجلة "زفيزدا فاستوكا" (نجمة الشرق)، والمجلة خلال تلك الفترة الطويلة غيرت خطابها الأدبي أكثر من مرة، وخصصت صفحاتها لاتجاهات الأدب "الواقعي الاشتراكي".
وسارت المجلة منذ أربعينات وخمسينات القرن الماضي على خط التقاليد التي فرضتها تلك المرحلة التاريخية، وعالجت مواضيع الإنتاج والتعاونيات الزراعية، ولا أخفيك أن مطالعة مواد تلك المرحلة اليوم شبه مستحيل ولو أن أرشيف المجلة لم يزل يحتفظ بها كاملة. لأن كل تركيبة أدبية تفرض من الخارج تحمل نعشاً غير مرئي يخيم على إنتاج كل الأدباء اللذين يتأقلمون مع ما تم فرضه من أفكار وأبدعوا من خلالها. وعندما تطالع أدب تلك المرحلة تشعر بنفسك وكأنك تمر عبر مقبرة أدبية، ومع ذلك تصادف خلال جولتك تلك قليل من الإبداع الأدبي رغم أن عدد كبير من الأدباء الحقيقيين نشروا على صفحات المجلة آنذاك إبداعات أقلامهم، وأصبحوا اليوم كلاسيكيي أنواع أدبية كانت معروفة في أوزبكستان وفي الأدب العالمي، ولو أن المجلة أكثر من مرة فتحت صفحة جديدة، مختلفة تماماً، وهادئة بدأ معها إزهارها الأدبي، ومن الأمثلة على ذلك أسماء مميزة رافقت تلك المرحلة ويحتاج كل منها حديث متميز خاص، ويحتاج لتخيل الخط الموازي غير المخفي الذي يروي قصة تاريخية بديعة عاشتها المجلة.
ونشرت صفحات المجلة آنذاك أفضل الأعمال الأدبية لكتاب أوزبكستانيين كبار أمثال: عبد الله قهار، وعادل يعقوب، ومير محسن، وسيرغي بورودينا، ويافدات إلياسوف. وتضمنت الكثير من أعداد "زفيزدا فاستوكا" خلال عام 1959 أعمال الكاتب السوفييتي كونستانتين سيمونوف، الذي أبعده خروشوف من موسكو، وعاش حينها في طشقند، ونشر فيها أكثر رواياته شهرة "أحياء وأموات"، ولم تكن الرواية الأولى التي تنشرها المجلة آنذاك في الاتحاد السوفييتي السابق. وأثار أحد أعداد مجلة "زفيزدا فاستوكا" الصادرة بعد زلزال طشقند عام 1966 صدى كبيراً في البلاد، لماذا لأن الكثير من الكتاب والشعراء المشهورين قرروا آنذاك إرسال أعمالهم الأدبية للنشر على صفحاته، وطلبوا تحويل مكافآتهم عن النشر إلى صندوق إعادة بناء مدينة طشقند وهو ما فعلوه. وكان العدد بالفعل رائع وكان من الصعب الحصول عليه وتضمنت صفحاته أعمالاً أدبية لأدباء معروفين آنذاك أمثال: فوزنيسينسكي، وأخمادولينا، ويفتشينكو، وبعد سنوات طويلة من الصمت نشرت المجلة أعمالاً أدبية لميخائيل بولغاكوف، وأوسيب مانديلشتام، وإسحق بابيل.
ووجهت يلينا سيرغييفنا بولغاكوفا، زوجة الكاتب ميخائيل بولغاكوف، رسالة خاصة إلى هيئة تحرير المجلة تعطي موافقتها على نشر عمل بولغاكوف "كتابات على أطراف أكمام القميص"، وما أن نشرت حتى سرعان ما فقدت نسخ المجلة من الأسواق بعد صدورها مباشرة. وبالفعل تم تحويل مكافأة النشر إلى صندوق إعادة إعمار مدينة طشقند المنكوبة. ولكن الذي حصل بعد ذلك أن أعفي رئيس تحرير المجلة آنذاك فياتشسلاف كوستير، من منصبه، وتم تحوله بهدوء إلى شخصية غير مرغوب بها، ولا أدري إن قال له أحد ما آنذاك شكراً أم لا...
ومن بين كتاب المجلة الدائمين آنذاك كانت تاتيانا سيرغييفنا يسينينا، ابنة الشاعر سرغيه يسينين، والناقد الأدبي أ. فوليس، الذي قام بأول محاولة لرد اعتبار رواية ميخائيل بولغاكوف "ماستر ومرغريتا". وبدأت المجلة بنشر روايات وقصص من مختلف الصنوف الأدبية والخيال الأدبي، لتحقق شهرة أصبحت تتعمق مع ما تنشره على صفحاتها بشكل دائم تقريباً، وبلغت قمة الشهرة خلال تسعينات القرن الماضي.
"زفيزدا فاستوكا" كانت أول من نشر الترجمة الروسية الكاملة للقرآن الكريم
ووصل عدد النسخ المطبوعة والمباعة فعلاً من المجلة إلى 150 ألف نسخة والسبب كان شروعها ولأول مرة في الاتحاد السوفييتي بنشر الترجمة الروسية الكاملة للقرآن الكريم، ونشر مواضيع معنوية، وفلسفية، وتاريخية، أخذتها من الأرشيف المغلق وأفردت مكاناً ملائماً لها على صفحاتها.
وهكذا فتحت المجلة جبهة عريضة على نفسها وأخذت تشق طريقها نحو الأدب الكبير، وأخذت تضيق على الأدب التقليدي السائد آنذاك. وبدأ غصن كبير بالنمو وحمل لها ثمار الشهرة وأخذت تتناقله الأوساط الأدبية بعيداً حتى خارج أوزبكستان. ورشحت في عام 1992 للحصول على جائزة بوكيروفسكي العالمية للأدب وكان مجرد ظهورها على قائمة الجائزة بمثابة اعتراف بشخصيتها الأدبية على المستوى الدولي، ولكن الذي حدث بعد ذلك أنها بدأت وبالتدريج تعاني من صعوبات مالية، وعلى سبيل المثال عددها الدوري والوحيد عن عام 2005 خرج من المطبعة في نيسان/أبريل عام 2006 وكان ذلك العدد ولفترة طويلة العدد الأخير. وجاءت بدايات عام 2006 بمحاولات لإنعاش المجلة، وبدأ اتحاد الكتاب بتجديد هيئة التحرير، وترأس مجلسها الاجتماعي شاعر الشعب الأوزبكستاني أليكساندر فاينبيرغ، ورغم ذلك لم تتمكن حتى اليوم من إصدار سوى ثلاث أعداد بقالب جديد، ولا أخفيك أن العمل جار لإصدار أعداد أخرى.
المجلة حصلت على منحة الصندوق الاجتماعي لدعم وتطوير وسائل الإعلام المستقلة في أوزبكستان
ورغم كل ذلك تتابع المجلة سيرها كما في السابق على جبهة عريضة من بين جميع المجلات الأدبية، وأصبح غلافها مثيراً أكثر من ذي قبل وسينشر عليه من الآن فصاعداً أعمالاً قيمة لفنانين تشكيليين من آسيا المركزية.
وبعد حصولنا على منحة الصندوق الاجتماعي لدعم وتطوير وسائل الإعلام المستقلة في أوزبكستان، أصبح بإمكاننا العمل على أحدث الوسائل التكنولوجية الإلكترونية، وخرجنا إلى الساحة الدولية عبر صفحتنا الإلكترونية في شبكة الإنترنيت، ورغم ذلك بقيت المسألة الاقتصادية، هي المسألة الأولى التي تواجه استمرار المجلة كما كانت عليه في السابق.
ونواجهه اليوم مشكلة تناقص أعداد المشتركين بالمجلة وهم الذين تحتاجهم المجلة كثيراً ونتمنى أن لا ينسوا العدد الخاص بمناسبة مرور 75 عاماً على صدور المجلة، كما لا نريد أن ينسانا الجميع لأننا نحتاج لمساندتهم. خاصة وأننا مجلة تصدر عن إتحاد الكتاب في جمهورية أوزبكستان ولكن ماذا يستطيع أن يفعل اتحاد الكتاب، ومشاكلنا مستمرة ولا تحلها الدفعات النقدية بين الفينة والأخرى. ويبقى القول الأول والأخير للقراء، وللمشتركين ولاشتراكاتهم المسبقة، وللمتبرعين المهتمين بصدور المجلة في مواعيدها أكثر من غيرهم، وبقدر ما يكون عددهم كبير بقدر ما سنتمتع بقوة توازي تلك التي تتمتع بها إصدارات أدبية أخرى، ونحن مستمرين حالياً دون دعم ولكننا بانتظار الدعم.
ومحفظة هيئة التحرير اليوم مليئة بمواد تتضمن قصصاً ومقالات أدبية وقصائد شعرية وكتابات في أدب الخيال والمغامرات، والقائمة تتضمن أسماء تهم القراء من بينهم: إيركين أغظاموف، وفلاديمير باغراموف، وفاليري غيرمانوف، وسراج الدين سعيد، وعثمان عظيم، وخير الدين سلطانوف، وسيرغيه سبيريخين، وفاديم موراتخانوف، وفيكتوريا أوسادتشينكو، وأولغا بوسلافسكايا، وتورسون علي، وأسطى علي، وشير علي توردييف، وأريادنا فاسيليفنا... وأتمنى أن لا ينسى مجلة "زفيزدا فاستوكا" الكاتب القره قلباقي الكبير توليببيرغين كايبيرغينوف.
وهناك أسماء من بين الذين غادروا وسط آسيا لأسباب مختلفة وبقيت إبداعاتهم مرتبطة بها دائماً، أمثال: صحبت أفلاطوني، الذي حاز على جائزة روسية عن مؤلفه "الرواية الطشقندية"، التي كتبها أثناء عمله في اليابان، وقال في إحدى المقابلات الصحفية التي أجريت معه: "بداية الوطن هي الغربة، وبداية الذاكرة هي الشوق والحنين". وهنا الشاعرية دقيقة مثل الرياضيات. وكلماته وضعت يدها على نقاط الألم والسعادة.
دار نشر روسية عرضت نشر مجموعة قصص لكتاب أوزبك
ومن خلال متابعاتي لما تنشره الصحافة المحلية أقرأ عن الاهتمام بالأدب الأوزبكستاني الآخذ بالارتفاع في الدول الأجنبية، وقرأت أخباراً عما نشرته الصحافة في المملكة العربية السعودية، والكويت، ومصر، وألمانيا، واليابان، وكوريا، وباكستان، وغيرها من الدول عن الآداب والفنون الأوزبكية خلال السنوات الأخيرة. وعرضت علينا احد دور النشر الكبيرة في موسكو نشر مجموعة لمؤلفات أفضل كتاب القصة الأوزبكستانيين باللغة الروسية. ونحن الآن وبالتعاون مع اتحاد الكتاب بجمهورية أوزبكستان عاكفين على التحضير لها. وسنحاول أن تكون المجموعة مثيرة وعلى مستوى أدبي رفيع. وعن هذا المستوى الرفيع أذكر أن أليكساندر أركاديفيتش فاينبيرغ طلب مني منذ مدة أن أقلل من نشر أشعاره وترجماته، ومع الأسف حالياً لا أستطيع أن ألبي طلبه ولو أني أفهم ما يسببه ذلك من إحراج لأحاسيسه المتواضعة، لأن اسم الشاعر الرائع فاينبيرغ، وكل قصيدة شعرية يكتبها هي هدية للمجلة، وهدية لقرائها. والإلهام الشعري بالنسبة لي مثله مثل أي أسلوب شعري يجب أن يتمتع دائماً بمستوى إبداعي رفيع. ومن السهل القول أننا نتخذ من الاسم الذي يحظى بالشهرة الأدبية قدوة على أمل أن يحذو الآخرون حذوه، لا أن يقفز بعض الكتاب من فوقه، وأن يفكروا بما يكتبونه اليوم وغداً.
وأنا لا أصدق أن الجيل الصاعد سيبقى بعيداً عن الأدب، ولا أصدق أنه سينسى الشعر وهناك شعراء شباب واعدون اليوم من بينهم: فيكتوريا أسادتشينكو، ولودميلا باكيروفا، ورستام موسرمان، وصاحب الشهرة المحدودة حالياً بهادر أحميدوف، ويجب الاهتمام بالمواهب المتوفرة دائماً، كي لا تبقى في خبر كان، ولا يجب كيل المديح لهم عبثاً بل كيل المديح لهم عندما يتمكنون من تقديم إبداعاتهم أولاً، ويقدموا مواهبهم وخبراتهم خلال سنين طويلة، وبعدها يمكن كيل المديح لهم بشكل مضاعف. وهذا أقل ما نستطيع فعله لهم. وأنا قرأ لكتاب شباب وسأقرأ على الدوام ما يكتبه جمشيد عبد اللاييف، وفاديم موراتخانوف، ويفغيني عبد اللاييف، بغض النظر عن المدرسة الأدبية التي ينتمون إليها.
وأعتقد أن هذا يكفي ولا أريد الإطالة بل إضافة تحية من الصميم لأسرة تحرير المعرفة السورية ولقرائها أينما كانوا. وشكراً.
طشقند في 15/10/2007

الأديب والسياسي الأوزبكي إيركين وحيدوف


الأديب والسياسي الأوزبكي إيركين وحيدوف



أ.د. محمد البخاري
تعود بي الذكريات لأول لقاء جمعني بالشاعر والأديب والسياسي الأوزبكي إيركين وحيدوف في ثمانينات القرن الماضي عندما كان رئيساً لتحرير مجلة "يوشليك" وزرته في مكتبه آنذاك وسلمته مادة كتبتها عن اتحاد شبيبة الثورة والشباب في سورية وأذكر الاستقبال الحار الذي لقيته منه ونشرت تلك المادة على صفحات المجلة الموجهة للشباب. وكان لقاءنا الثاني عندما أهديه نسخة من صحيفة البعث، التي نشرت لي مادة في عددها رقم 6371 الصادر عام 1984 تحت عنوان "مع الشاعر إركين وحيدوف" وتحدثت فيها عن الانطباعات التي تركتها عنده الزيارة التي قام بها لسورية في ذلك العام ونشرها في طشقند بعد عودته.
وتكررت لقاءاتنا في مناسبات عديدة بعد استقلال أوزبكستان، وكنت في كل مرة أجيب فيها على تساؤلاته الكثيرة عن الأوضاع في سورية ومتى ستفتح سفارتها في طشقند ؟ وأعبر خلال الأحاديث الشيقة معه عن رأيي بما نشرته الصحافة المحلية من أشعار، ومقالات سياسية كتبها. وفي لقاء جمعنا صدفة منذ مدة عند صديق مشترك أوجزت له الأوضاع الدقيقة التي تمر بها سورية وصمودها بقيادة الرئيس بشار الأسد، وأعربت له عن إعجابي بالطريقة التي يجمع فيها بين الكتابة وممارسة العمل السياسي خاصة وأنه يرأس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان، وتساءلت عن كيفية توفيقه بين العمل السياسي والإبداع الأدبي ! فما كان منه إلا أن ابتسم وقال لي: نعم، أنا أعاني دائماً ومنذ تخرجي من الجامعة وعملي في دار النشر من ضيق الوقت، وكثرة الترحال والتنقل ولقاء الناس ولهذا تعودت على هذا الأسلوب المتعب للحياة وأشعر بنقص عندما يتغير هذا الأسلوب ولو لفترة قصيرة. ولا أخفيك أني كتبت أفضل أشعاري أثناء الطريق في أسفاري المتعددة، أو في ساعات الليل المتأخرة عندما أتفرغ لنفسي، ولا أبالغ إن قلت أن الإلهام الحقيقي أستمده من الناس اللذين ألتقيهم في كل مرة ومعايشتي لسعادتهم، وآلامهم، وإحباطاتهم، وآمالهم، وأعتبر كل إنسان ألتقيه معلماً لي آخذ منه الكثير ليكون جزءاً من وجداني وأعيد تلك الأحاسيس لقرائي من خلال كتاباتي.
وهنا ابتسمت وقلت له يعني أن الشعراء يولدون شعراء فهل هذا صحيح ؟ فبادلني الابتسامة وأردف قائلاً لا أعرف، ولكن على ما أعتقد أن الشعراء لا يحتاجون لدراسات جامعية عليا، ولا يمكن أن أتصور كيف يمكن إعطاء إلهام الكتابة لأحد، فعندما تكتب قصيدة عن الحب، فهي تعبير عن شعور ذاتي يتولد عندك لتكتب عن ذلك، ولا يمكن أن لا تكتب في مثل هذه الظروف، فعملية الإبداع نفسها، ليست صعوبة في الإبداع، ولكنها مجموعة من المشاعر تنتهي بك إلى الشعور بلذة الشعر، والشعر لا يكتب وإنما يسمع… وأنا سعيد جداً لأني أجد الوقت لكتابة الشعر دائماً ولو بشكل محدود.
والشعر بطبيعته هو ثورة، انتفاضة، وصراع عفوي، ضد الغضب، وضد الشعر المألوف، وضد أولئك الذين كانوا قبلك، الشعر يجب أن يتقدم، والأهم من ذلك يجب على الشاعر أن يثير إعجاب القراء وكل ظرف يحتاج لأصواته، ولشعرائه، والشاعر الحقيقي هو سلطان العقل، هذه الظاهرة ليست أدبية فقط، ولكنها ظاهرة شعبية، وهو ما أنتظره اليوم من الشعراء الشباب.
وفي خضم هذه الذروة عادت لذاكرتي أحاديث الطلاب أثناء دراستي الجامعية في جامعة طشقند الذين كانوا يثنون دائماً على قصيدة "أوزبيغيم" التي كتبها الأديب والسياسي إيركين وحيدوف في أيام الصحوة القومية التي عاشتها أوزبكستان خلال ستينات القرن الماضي، وكان الطلبة حتى ثمانينات القرن العشرين يتبادلونها مكتوبة بخط اليد، فتبادر في ذهني أن اسأله عن القصيدة التي جعلت منه محط أنظار الجميع آنذاك. وجاء رده بجدية شعرت بها من خلال تعابير قسمات وجهه، وقال: نعم القصيدة التي كتبتها عام 1968 وأهديتها لشعبي، لم تتضمن أي مداهنة، والأكثر من ذلك أنها حظيت بالشهرة مباشرة بعد كتابتها، ولحنت، وأضحت على كل لسان يرددها الجميع وهو ما أزعج الأجهزة المعروفة، التي سارعت للالتقاء بي، ولمناقشتي، ولمعرفة أسباب كتابة هذه القصيدة، ولمعرفة من أوحى لي بها، ومن ورطني في كتابتها، وسرعان ما تحولت القصيدة إلى "عمل بطولي"، وبعبارة أخرى كان بحثهم في أرض عارية لأنهم لم يبحثوا في الأحاسيس والمشاعر القومية. فتساءلت حينها لماذا لا يستطيع الشاعر أن يغني لوطنه، وأن يفخر بأنه أوزبكي الانتماء، وظلت هذه القصيدة الشعرية ولوقت طويل "رهن الاعتقال"، ورغم مرور سنوات طويلة على كتابتها لم أغير فيها أية كلمة من الكلمات التي كتبتها آنذاك. ورغم تبدل الظروف حتى الآن فأنا لا أشعر بالخجل من أي شطر شعري كتبته لأني كنت دائماً صادقاً فيما أكتب، ولا يوجد عندي أشعار جاءت بالصدفة، ولا توجد أشعار أجبرت على كتابتها، أو أشعار اختلقتها كرهاً عني فكل ما كتبته خرج من قلبي 99 % وحتى أشعاري التي نشرتها الصحف دخلت لاحقاً في مجموعاتي الشعرية، فالشاعر يكتب لشعبه ويعبر عن سعادته وآلامه، والشاعر يحمل أحاسيسه لسنوات طويلة ويقول كلمته في الوقت اللازم والمناسب.
والشعر فن، ولكل فن سر، وقلب الشاعر وأحاسيسه مليئة بالأصوات الخاصة به، وليس من الضروري أن تنقش الأشعار على ألواح محفورة، وليس من الضروري أن تحلل من خلال البحث في الشعر عن الفكرة أو المضمون، لأن كل ذلك هراء لا أكثر، بل يجب أن يترك الشعر لأسراره، ويجب أن تقيّم الكلمة، التي تجعلنا نسمو، وتصنع الناس، وعلينا أن نسعي دائماً لأن يكون الشعر في متناول الجميع، وأن يشغل الشعر مكانه المناسب في حياتنا.
فأنا أكتب باللغة التي تعلمتها من أمي "اللغة الأوزبكية" خاصة في ذلك الوقت الذي كادت فيه لغتي القومية أن تختفي، ولكن شعبنا ذواق للشعر ويقدر الكلمة القيمة، والفكر الصادق دائما، ويقدر ما يتضمنه الشعر العاطفي، والأغنية الجيدة، ولا أخفيك مدى ارتباكي والخلجات غير الطبيعية التي أحس بها عندما ألقي أشعاري أما جمع من الناس، وأنسى شطراً منها ليذكرني به الحضور من الصالة. وكم تكون حياتي مليئة بالسعادة لو كانت مشابهة لحياة رابندرانات طاغور، الشاعر العظيم والمفكر الذي جلب الشهرة لوطنه، ولكنه مع ذلك بقي ذلك الإنسان البسيط حتى نهاية حياته.
وأنا معجب بأعمال غوته، الذي كان يكتب شعراً عالمياً حتى سن متأخرة من حياته، وساهم في رفع الشعر إلى القمة ولم يفقد طوره أبداً بل بقي غوته كما كان وهو ما تساويه خاتمة "فاوست". وحياة الشعراء لا تقاس بالسنوات التي يعيشونها أو بالسنوات الطويلة التي يمكن أن تتحول إلى تراجيديا، وأعتقد هذا ما دفع فزنيسينسكي ليقول: تموتون في الوقت المحدد لكم، ولكن عندما يعجز الشاعر عن التعبير عن نفسه فعليه أن يغادر الحياة. ومن الصعب أن أتصور نفسي بدور العجوز الذي لا يرضى عن شيء، ولا يمكن أن أتصور ليرمانتوف وقد عاش حتى سن الشيخوخة، أو عبد الله توقاي، أو عثمان ناصر، أو تشولبان … فقد غادروا الحياة شباباً ولكنهم خالدون بفضل آثارهم الأدبية.
الإنسان مع الوقت يتغير، وأشعاري المبكرة كتبتها بتأثير من أشعار علي شير نوائي، وسعدي، وحافظ، وبوشكين، ويسينين، ومثل هذه المراحل يمر بها كل الشعراء، ولكن الوقت يملي علينا شروطه، ونحن ننصاع لتلك الشروط، والشاعر دائم البحث عن الأفضل والأكثر كمالاً.
وكان تطرقه لبعض الشعراء الشرقيين بمثابة دعوة عفوية لأطلب من الشاعر والأديب والسياسي الأوزبكي إيركين وحيدوف، التحدث عن موقفه من إبداعات شعراء الشرق الذي ينتمي إليه فأمثلته كانت مشبعة بالثقافة الروسية والأوروبية ! فما كان منه إلا أن أومأ قليلاً ثم تابع قائلاً يحزنني أنني لم أتعامل مع إبداعات شعراء الشرق لأني لم أستطع فهمها حتى النهاية من الترجمات والسبب أني أجهل اللغة العربية واللغة الفارسية التي كتبت بها تلك الأشعار ولا بد من إتقانها ليشعر المرء بإلهية وسحر شعر الشرق، وهذا لا يعني أن ترجمة الشعر غير ممكنة، وأنا نفسي مارست الترجمة، وترجمت لبوشكين، وبلوك، وغوته، وقسم من فاوست، ويسينين، والكثيرون يعتبرون أن ترجمتي ليسينين كانت أفضل من الأصل، لأني أقدر إبداعات هذا الشاعر، ووظفت أحاسيسي وحبي لأشعاره وترجمتها، وكتبتها بدقة، ومع ذلك أنا ترجمت أشعار ولم أكتبها بنفسي.
والشعر كالشطرنج، لأنها لعبة عادلة لا تعتمد على الحظ أبداً، فالشطرنج يربي الإنسان على الإيمان بالنصر، وكل خطوة لا تخضع لتفكير وحسابات دقيقة أو تنطلق من تأثيرات عاطفية نهايتها فاشلة، وحتى عندما تكون واثقاً بالنصر، يجب أن لا تنسى الهزيمة.
وعلى الشعراء المبتدئين أن يكونوا واثقين من أن الشعر يبدأ منهم، لأن للشباب دائماً أحلام وطموحات كبيرة وعليهم أن لا يخجلوا، لأن الأهداف والأحلام الكبيرة تصنع الشعراء الحقيقيين، وعليهم أن يتعلموا الكثير دون التخلي عن مشاعر الرحمة، ومشاعر احترام العلاقات الأسرية، وتربية الأطفال، والمشاعر الصادقة نحو الحي في المجتمع الشرقي، لأنك في الحي لا تشعر بأنك وحيد أبداً. ففي الحي الذي أسكنه هناك تاجر بنى لنفسه منزلاً من طابقين وكثيرون اعتقدوا أنه بيتي، رغم أني في سبعينات القرن الماضي كنت أول من اشترى سيارة في الحي ومع ذلك ولفترة طويلة لم أركبها، خجلاً من جيراني المعروفين والمحترمين، الذين يكدحون أكثر مني، ولم تكن عندهم سيارات فالقيم الحقيقة هي الضمير والسلوك الفعلي.
وما أخشاه اليوم الخلط بين التوجهات، ففي ذلك الحي نفسه يعيش اليوم أناس أغنياء وآخرون فقراء، أناس تربوا على علاقات عادلة في العمل ومن بينهم مدرسين، وعلماء، ومنتجين، وهبوا أنفسهم لعملهم، ولم يستطيعون التكيف مع متغيرات الوقت، ولم يتوجهوا للتجارة في الأسواق ولم يشتغلوا بالبيع والشراء، نعم ظهرت طبقة يسمونها اليوم بالتجار طبقة تتمتع بكل وسائل الراحة، يملكون البيوت الكبيرة، والسيارات المستوردة، ويقومون برحلات حول العالم. وهذه الطبقة من بشر لا يجدون الوقت حتى للتفكير بالحياة البسيطة، أو لقراءة كتاب، أو لزيارة متحف، في الوقت الذي أصبح فيه المدرس عاجزاً عن شراء ضروريات العمل من مراجع أدبية، وأعتقد أنها كلها صعوبات مؤقتة في طريقها للزوال، وما أتمناه للجميع الصبر، والعمل الجاد، والإيمان دائماً بمستقبل أفضل.
وأعود الآن لسؤالك الذي كان في بداية حديثنا وأعتقد أنه لا جواب عليه لأني أصبحت أكتب أقل من السابق، لماذا ؟ لأني ومنذ وقت طويل لا أجد الوقت لكتابة الشعر، ففي الآونة الأخيرة أصبحت أتحدث أكثر، وألقي كلمات، وأعطي مقابلات صحفية، وما أكتبه على الورق تدريجياً أصبح أقل، وهذا مؤلم، ولكن هناك أفكار كثيرة ومثيرة، ولكنها مجرد أفكار وقد ألحق لأنجز هذا أو ذاك ومن يدري !! وودعني مغادراً المكان الذي جمعنا صدفة.
والشاعر والأديب والسياسي الأوزبكي إيركين وحيدوف ولد بمنطقة ألتي أريق بولاية فرغانة عام 1936، وتخرج من كلية الآداب بجامعة طشقند الحكومية عام 1960، وعمل محرراً ورئيساً للتحرير في دار نشر "يوش غفارديا" التابعة للجنة المركزية لاتحاد الشباب الأوزبكي، وفي دار غفور غلام لنشر الآداب والفنون، وتولى رئاسة تحرير مجلة "يوشليك" (الشباب).
ومن مجموعاته الشعرية المنشورة: نفسات الفجر 1961؛ وإليكم أغنيتي 1962؛ والقلب والعقل 1963؛ والفجر 1963؛ ونجمتي 1964؛ ومن الصوت 1965؛ وأشعار عاطفية 1966؛ وديوان الشباب 1969؛ والقنديل 1970؛ والشباب الحالي 1971؛ والحب ، والكواكب الحية 1980، كما ونشرت له عدة أعمال مسرحية من بينها مسرحيته الكوميدية "الجدار الذهبي"، 1970 التي صور فيها حياة المعاصرين في أوزبكستان ولاقت قبولاً واسعاً لدى المخرجين وتم عرضها على مسارح أوزبكستان وبعض الدول الأجنبية.
ومارس الترجمة من اللغة الروسية إلى اللغة الأوزبكية ونشرت له مجموعات شعرية لسرغي يسينين، ومسرحية "فاوست" لغوته، وأشعار لبوشكين، وبلوك. كما وترجمت أشعار وقصائد الشاعر والأديب والسياسي الأوزبكي إيركين وحيدوف إلى اللغة الروسية وغيرها من لغات الاتحاد السوفييتي السابق. وحصل على وسام "شارة الشرف"، وميدالية "العمل المتميز"، وتقدير المجلس الأعلى (البرلمان) في أوزبكستان، وقرغيزيا، وبيلاروسيا. وعلى جائزة اتحاد الشباب، وحصل عام 1983 على جائزة حمزة في الأدب بجمهورية أوزبكستان. وتفرغ للعمل السياسي منذ الأيام الأولى لاستقلال بلاده جمهورية أوزبكستان في عام 1991 وانتخب لعضوية البرلمان منذ دورته الأولى وترأس فيه لجنة الشؤون الدولية منذ تأسيسه وحتى الآن.
طشقند في 23/12/2006

نداء القلب

نداء القلب

حوار مع عبد الله أريبوف رئيس اتحاد الكتاب بجمهورية أوزبكستان.
أجراه في طشقند أ.د. محمد البخاري
ولد عبد الله أريبوف: بطل أوزبكستان، ورئيس اتحاد الكتاب بجمهورية أوزبكستان، عام 1941 في قرية نيكوز بمنطقة كاسان التي يسكنها عدد كبير من المواطنين الأوزبك المنحدرين من أصول عربية في ولاية قشقاداريا. وتخرج في عام 1963 من كلية الآداب بجامعة طشقند الحكومية، وبعد تخرجه عمل من عام 1963 وحتى عام 1969، محرراً في دار النشر "يوش غفارديا" وبعدها من عام 1969 وحتى عام 1974 في دار النشر "غفور غلام" الأدبية، وخلال الفترة من عام 1974 وحتى عام 1976، عمل رئيس قسم في مجلة "شرق يولدوزي" (نجمة الشرق)، ومن عام 1976 وحتى عام 1982 مستشاراً أدبياً في إتحاد الكتاب بجمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية، والسكرتير المسؤول عن فرع اتحاد الكتاب بولاية طشقند، ومن عام 1982 رئيساً لتحرير مجلة "غول خان".
ويكتب عبد الله أريبوف بلغته الأم الأوزبكية ومن أعماله الأدبية المنشورة: "النجمة" ديوان شعر عام 1965؛ و"أنتظرك" ديوان شعر عام 1967؛ و"أمي الحنونة" ديوان شعر عام 1969؛ و"النبع" ديوان شعر عام 1971؛ و"أوزبكستان" ديوان شعر عام 1971؛ و"رياح الوطن" ديوان شعر عام 1974؛ و"الإعجاب" ديوان شعر عام 1977؛ و"وجهاً لوجه" ديوان شعر عام 1979؛ و"الصيدلي والموت" ديوان شعر عام 1980؛ و"قلعة الأمل" ديوان شعر عام 1981.
وترجمت أشعاره إلى اللغة الروسية وصدرت في طشقند وموسكو. ويمارس عبد الله أريبوف الترجمة ومن ترجماته الأدبية إلى اللغة الأوزبكية "الكوميديا الإلهية" لدانتي، و"في التحصينات" ليسو أوكرايينسكي، و"عيد في كل منزل" لـ بيجاييف م.، وأبيات شعرية لبوشكين، ونيكراسوف، وفابتساروف ن. ، وغيرهم.
وحصل على وسام نجمة الشرف، وعلى جائزة الشباب في الأدب عن ديوانيه الشعريين "النبع" و"أوزبكستان" (1972)، وعلى جائزة حمزة الحكومية في الأدب.
ويعتبر عبد الله أريبوف مؤلف النشيد الوطني الأوزبكستاني، وعشرات الدواوين الشعرية، وهو إنسان يتمتع بحياة إبداعية متميزة فريدة، ينظر من خلالها إلى الحياة نظرة خاصة.
وفي لقاء خاص جمعنا صدفة أجريت معه الحوار التالي:
س- الشاعر والأديب عبد أريبوف أعرف أنكم من خلال عملكم تقيمون أعمالاً إبداعية فما هي النواحي التي تعتمدون عليها في تقيم العمل الإبداعي ؟
ج- من نواح مختلفة، وتجربتي الخاصة بغض النظر عن أني دائماً أكتب كثيراً، وأكتب دائماً كل ما يخالجني من أفكار، وما يمليه قلبي علي ومع ذلك هناك أوقات فراغ غير قليلة أمضيها في المطالعة والتقييم. وإن شاء القدر أن أبدأ من جديد، لاخترت نفس المهنة التي أزاولها، ولكن دون تكرار لبعض المواقف التي كانت مفروضة دائماً علي، لأن الكتابة بالنسبة لي حاجة نابعة من أعماق الروح.
س- يتردد أنكم غير محظوظين مع المترجمين ؟
ج- نعم، هذه حقيقة. لأن مواضيع الترجمة حساسة وصعبة جداً. هناك شعراء رائعون، أمثال: الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف، الذي ترجم له روبيرت رجديستفينسكي، ولا أحد، مثل روبيرت رجديستفينسكي، يمكن أن يكتشف الأسلوب والإيقاع الشعري لينقله إلى القارئ عبر النص الشعري المترجم إلى الروسية.
الترجمة مهنة صعبة المنال، ولا يستطيع الجميع القيام بها وحتى الشعراء أنفسهم.
س- ترجمات كثيرة لأشعاركم صدرت باللغة الروسية فمن أفضل من ترجم أشعاركم ؟
ج- المترجم نعوم غريبنيف، وأليكساندر فاينبرغ، وريما كازاكوفا، وإيغر شكلاريفسكي.
س- ترجمتم للكثير من الشعراء إلى اللغة الأوزبكية فلمن ترجمتم على سبيل المثال ؟
ج- ترجمت لبوشكين، ونيكراسوف، وليسو أوكراينسكي. وطيلة خمسة عشرة عاماً أعمل بشكل متواصل على ترجمة "الكوميديا الإلهية" لدانتي.
س- هل ترجمت لكم أبيات شعرية إلى اللغة العربية ؟
ج- لا أدري فالتواصل الأدبي مع الأوساط الأدبية العربية بعد استقلال أوزبكستان لم يزل ضعيفاً، وفي عام 2003 سمعنا عن ترجمة مختارات شعرية للشاعر الأوزبكي محمد علي، بعنوان: "من أنا"، و"الوطن"، و"الحماية"، و"الملك والشاعر". ومختارات شعرية للشاعرة الأوزبكية أيدين حجاييفا، بعنوان: "ليلة القدر"، و"الأوزبك". وقصة للأديب الأوزبكي سيد أحمد "عصيان الكنائن". وقصة للأديب الأوزبكي أولماس عمر بيكوف "أمانة القيامة". وقصة للأديب الأوزبكي أتكور هاشيموف بعنوان "الوليمة"، في ملف خاص عن الأدب الأوزبكي أعتقد أن مجلة "النوافذ" السعودية نشرته، ولكني لم أرى ذلك العدد الخاص، ولم أسمع عن ترجمة أي أبيات شعرية كتبتها أنا إلى اللغة العربية.
س- إبداع أي من الشعراء والكتاب أقرب إلى ذوقكم الشعري ؟
ج- الرد على هذا السؤال صعب جداً، فأنا لا أعتبر نفسي فيلسوفاً، ولكني أتقبل العالم المحيط بي من خلال شفافية أفكر بها. وأنا معجب دائماً بتراث علي شير نوائي، وسعدي، المتميز بمستواه الشعري الرفيع. وباهتمام ومتعة كبيرة أقرأ وأعيد قراءة أشعار بوشكين، ونيكراسوف، وباحترام كبير أنظر إلى بعض إبداعات تشولبان، وحميد عالم جان، وغفور غلام.
س- ما موقفكم من القيم الروحية والقيم المادية ؟
ج- القيم الروحية لا حدود لها، والمثل الأعلى للإنسان من وجهة نظري الصدق، ويمكن أن يكون هذا لأني في حياتي خدعت وأخدع كثيراً، ويمكن أن لا أشعر بالوحدة، إذا كان عندي أصدقاء، رغم عدم تطابق الأفكار. أما ما يتعلق بالقيم المادية، فلا أعرف ما ذا أقول ! فأنا لست من هواة جمع التحف والعاديات، ولا أملك طائرة، أو مزرعة، أو سوبر ماركت، ولا أهتم بأي شيء له علاقة بكسب الأموال وخزنها، ويمكن أن يكون هذا غير صحيح، وكان يجب أن أهتم بذلك ؟ لا أعرف !
س- كل منا يتعرض لأحداث تؤثر به فأي أحداث أثرت بكم وحولت شيئاً من مجرى حياتكم وأفكاركم ؟
ج- الحادي والثلاثين من آب/أغسطس 1991 عندما أعلن استقلال أوزبكستان. وعندما قالوا في النهاية أنه أصبح معترفاً بالأمير تيمور كشخصية تاريخية عظيمة، لأني أنظر للحياة من خلال الشخصية الفريدة لهذا القائد.
وكان من الغريب دائماً وغير مفهوم عندي كيف كان يمنع الحديث عن شخصيته وحتى ترديد اسمه. وكنت اعتقد حينها: أننا نعيش في عالم غير صحيح، في عالم يقرر بعض الأشخاص مصير شعوب بكاملها. وبعد الاستقلال مباشرة كتبت النص الدرامي المسرحي "صاحب قيران" الذي لم يزل يعرض على خشبة المسرح الأكاديمي الدرامي الأوزبكي بطشقند حتى الآن.
س- ما هو حلمكم الكبير وهل تحقق ؟
ج- نعم، حلمي الكبير تحقق، ووطني أصبح مستقلاُ. وأنا أكتب وأفكر بلغتي الأم الأوزبكية.
س- لكل منا قدره في الحياة فهل تؤمنون بالقدر ؟
ج- على ما أعتقد، أن الحياة نفسها هي قدر محتوم، وتخضع لقوانين منطقية، وفي توازن محدد بين النهار والليل، والحرب والسلم، والجيد في السيئ، والسيئ في الجيد.
س- كل منا يسعى للسعادة ما هي السعادة بالنسبة لكم ؟
ج- السعادة هي راحة الضمير، لأن اللص يمكن أن ينام بهدوء إذا غاب عنده الضمير، والمريض يرى السعادة في الشفاء، والأسرة المحرومة من الأولاد ترى السعادة في النسل.
س- وما هو الحزن ؟
ج- الحزن على ما أعتقد هو رفض الإنسان للحياة.
س- وما هو الحب ؟
ج- هو الشيء الذي كان موجوداً وهو موجود الآن وسيبقى إلى الأبد. وأنا أحس به وأحسست به وسأظل أحس به دائماً.
س- وما هو اليوم المحبب إليكم ؟
ج- عندما تكون أنت هادئاً والجميع حولك يتمتعون بالهدوء، عندما لا يكون هناك ديون، ولا يؤنبك ضميرك، عندما تحل المشاكل الكبيرة، وعندما تكون الأسرة في وفاق، وفوق رأسك سماء صافية يكللها السلام.
س- مع من ترغبون الحديث ؟
ج- مع أبي وأمي رحمهما الله، ليريا أحفادي، وليعرفوا بأني أصبحت بطل أوزبكستان.
س- من هو البطل المعاصر برأيكم ؟
ج- البطل المعاصر برأيي، قبل كل شيء هو إنسان طبيعي ومهما كان عالماً أم عاملاً أم فلاحاً المهم أن يكون مهتماً بالعمل الذي يتطلبه العصر. وهذا لا يعني أنه لا يوجد لديه مشاكل وكل شيء في حياته على ما يرام، ولا يوجد عنده نقائص تنغصه، وأنه خال من الأخطاء، لأن الحياة متنوعة وصعبة ليس للإنسان فقط، ولكن عليه أن يكون مثالاً في التواضع، والقناعة والسعي للوصول إلى الكمال.
س- ما هي تمنياتكم ؟
ج- أن أحقق ما لم يتحقق بعد، وأن أسامح من لم أسامحه، وأتمنى لمن هم من غير الأصدقاء الضمير الصافي.
طشقند 15/12/2007