الاثنين، 31 مارس 2014

الأديب الأوزبكي الكبير عبد الله قادري


الأديب الأوزبكي الكبير عبد الله قادري
بحث أعده أ.د. محمد البخاري، عربي سوري مقيم في جمهورية أوزبكستان، دكتوراه في العلوم السياسية (DC) تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة، ودكتوراه فلسفة في الأدب (PhD)، تخصص صحافة، بروفيسور متقاعد. طشقند، 31/3/2014


الشاعر والأديب والمؤلف المسرحي الأوزبكي المشهور على نطاق واسع في وطنه وخارجه عبد الله قادري، هو مؤسس فن الرواية في الأدب الأوزبكي الحديث.
ومؤلفات عبد الله قادري بالكامل تناولت حياة الشعب الأوزبكي. ومن مؤلفاته المسرحية المنشورة مسرحية "طائر اللقلق الأبيض والأسود" التي كتبها خلال ثلاثينات القرن العشرين، وقام المخرج المسرحي المعروف مارك فايل، في وقت لاحق بتقديمها على خشبة المسرح التجريبي "إلهام" الذي أسسه بمدينة طشقند.
وعبد الله قادري (جولكوكباي) ولد بمدينة طشقند عام 1894 في أسرة تاجر طشقندي ثري. وعاش سنوات طفولته ومراهقته وسط التجار والفلاحين الفقراء والأغنياء، وكبار الحرفيين الموهوبين، والحرفيين الصغار، والفلاحين المعدمين الذين جاؤا إلى طشقند تحت وطأة الفقر بحثاً عن مصدر للعيش.
ولعب عالم الكادحين، والمثقفين الذي عاشه في مدينة طشقند دوراً هاماً في تشكل ونمو آفاق مستقبله كأديب أوزبكي.
وعبد الله قادري لم يتعرف على حياة الشعب الذي ينتمي إليه عن طريق السماع أو بقراءة الكتب، بل تشبع بخصائصه عن طريق التعامل المباشر مع الناس من حوله.
وبعد تخرج عبد الله قادري من مدرسة النظام التعليمي القديم، التحق بالدراسة في المدرسة الروسية المحلية. وخلال دراسته اهتم بمطالعة مؤلفات: علي شير نوائي، ولطفي، ومقيمي، وفرقت، وتشولبان، وفطرت، وغيرهم من كلاسيكيي الأدب الأوزبكي.
وتشكلت أصالة هذا الأديب على أعتاب القرنين التاسع عشر، والعشرين، والتي كانت مرحلة تبدلات إجتماعية جذرية في المجتمع الذي عاش فيه، وهو ما أثر على نظراته الأدبية وزادها تعقيداً وتناقض، وجاءت ورافقت مرحلة غير مستقرة عانت من الهزات الإجتماعية، والسياسية، والأخلاقية. وتركت بصماتها على مؤلفاته وآراءه، التي كانت بحد ذاتها متناقضة، ولم تخلو من الأفكار الإجتماعية والحياتية المتحيزة لوطنه.
وتميز الطريق الذي سار عليه عبد الله قادري في بحثه الأدبي بالصعود الدائم، والإنجازات الإبداعية المتميزة. وجاءت فترة قمة بحثه الأدبي لإعطاء إجابات على أسئلة تاريخية تشكلت في الحياة الإجتماعية الأوزبكية، وعكست وبشكل واسع واقع الحياة المعاصرة أو ما اصطلح على تسميته آنذاك بـ"الوقت الميت" في الواقع التاريخي المعاش.
ومن لآلئ إبداعات عبد الله قادري روايات تاريخية، منها: "أيام زمان" كتبها عام 1926؛ و"العقرب من المذبح" كتبها عام 1929؛ وكانت من المؤلفات الأولى التي تناولت مواضيع تاريخية في الأدب الأوزبكي الحديث. ورواية "الأيام الماضية"؛ وهي الرواية التي تناول فيها الواقع بالكامل، والصراعات الإجتماعية والأخلاقية الصعبة، والتداخلات الإجتماعية العميقة آنذاك.
ووصف عبد الله قادري في مؤلفاته، النواحي الجمالية للتقاليد الشعبية، والعبادات الدينية، واستعرض القوانين غير المكتوبة، سارية المفعول في أملاك حاكم طشقند عزيز بيك آنذاك، والتي كانت تنتهك حقوق وكرامة الناس. ومثلها بوصفه لمكر وخداع وقسوة "القاضي" مع "الجانحين" أمثال: عزيز بيك المنافق الماهر الذي حكم طشقند لمدة ثلاث سنوات، أصيبت طشقند خلالها بالإنحطاط، وأصاب الحرفيين الإفلاس، وأدت إلى انخفاض زراعة الرز، والقطن، بشكل ملحوظ.
وأظهرت روايات عبد الله قادري الفقر الروحي لدى أصحاب السلطة، وانعزال قمة السلطة عن الإهتمام بالشعب، وعدم قدرتهم النظر بالقضايا الإجتماعية التي نضجت، وعجزهم عن إيجاد طرق عملية لحلها. ومن ضمن هذا الإطار كانت رواية "الأيام الماضية" قمة الصعود في إبداعات عبد الله قادري، ومرحلة هامة من مراحل تطور فن النثر في الأدب الأوزبكي الحديث.
وقام عبد الله قادري وبمهارة فنية عالية، وبصدق، بوصف تناقضات واقع عالم الإقطاعيين. وأبرز الشعب كصانع للقيم المادية والثقافية من جانب، ومن جانب آخر، كحامي ومدافع عن الدولة، وحاول في كتاباته تقويض أسس حكم الخانات، ودعى للتمرد على مضطهدي الشعب. وبالضبط ضد الحكام الذين فرضوا على الشعب ضرائب كبيرة وباهظة.
وتمثل الصراع الرئيسي في الرواية، كصراع اجتماعي وأخلاقي ضد التناقضات الجارية بين الأب والإبن، عطابيك الفتي، وهو إنسان يتمتع بنظرة تقدمية نحو "البناء الأسروي"، ويكافح ضد التقاليد، وخاصة عندما قام الوالدين بتزويج ابنهم من فتاة لا يحبها، ووالده يوسف بيك حجي، الذي كان حامياً للتقاليد، والنظام الأبوي، والعادات الأسروية القديمة. وبمهارة قام عبد الله قادري بوصف هذا الصراع الدائر ضمن الأسرة، وليس كصدفة، بل كظاهرة قومية عامة.
وصور في الصراع عطا بيك والفتاة التي أحبها كوميوش، كظاهرة جديدة لم يعتد عليها الأدب الأوزبكي. عطابيك منحدر من أسرة غنية، وهو إنسان متعلم، ويفهم الحياة بطريقة مغايرة لمفهوم الجيل الذي سبقه، ويملك أحاسيس قوية بالعدالة. ومن خلالها يفضل محبوبته كوميوش، التي تتمتع بتربية جيدة، ومتعلمة، وتملك ذكاء طبيعياً، وجمالاً، وحسن المعاشرة. وتحب عطا بيك بصدق. ولكن هذا الحب حرمها من السعادة، لتبقى أسيرة للتقاليد القديمة، التي لا يحترم الأهل فيها مشاعر ابنتهم.
وطبعاً كانت كوميوش مدينة بصفاتها الروحية، والجمالية، وغنى عالمها الخاص لأمها، أفتوب أيم، التي جسدت في شخصيتها الأحلام الطيبة للمرأة الأوزبكية الأصيلة. وكوميوش الذكية، والهادئة، والمحافظة، والتي تحب أمها، تحب بصدق إنسان أبعدته عنها ربة البيت. لتبقى أفتوب أيم أسيرة العادات القديمة، وتقوم وبصدق بتحقيق رغبات زوجها، وتطيع آراءه وتحافظ عليها.
واهتماماته بالمواضيع التاريخية أوضحها عبد الله قادري، من خلال مساعيه الفكرية والفنية في تصوير ماضي شعبه، وإظهاره لصبره، وحبه للعمل، وكفاحه البطولي من أجل الحرية والإستقلال، وفي النظرة العميقة بالقضايا المعاصرة للشعب الذي ينتمي إليه.
ومن خصائص روايته "العقرب من المذبح"، التي نشرت باللغة الروسية عام 1961، أن عبد الله قادري استطاع عرض صور الحياة، وتاريخ الشعب الأوزبكي بنجاح، وأدخلها بمهارة وسطوع في روايته، وأعطاها الألوان المميزة لتلك المرحلة، وكشف طبيعة أبطاله كما كانوا في الظروف التاريخية الحقيقية بأربعينات القرن التاسع عشر.
ومن ضمن هذا الإبتكار نظر النقاد إلى عبد الله قادري كأول رائد للرواية التاريخية الأوزبكية. وأغنى في روايته "العقرب من المذبح" إلى حد كبير تقاليد الإتجاهات الواقعية، وأدخل إسهامات ملحوظة في أشكال التحليل السيكلوجي لأبطال الرواية، وفتح طريقاً جديدة لتصوير العالم الداخلي للإنسان، مظهراً التطور الدائم لطبيعة أبطال رواياته.
وفي هذا المجال قال عبد الله قادري "سأعرض بإيجاز مضمون الرواية، بقدر ما يكون ذلك ممكناً في إطار كتاب صغير، فأنا قلت في كتابي، أن العلماء وفروا الغطاء المطلوب لخودايار خان، بصفتهم هيئة دينية عليا في المنطقة، وحتى من خلال حياتهم الإجتماعية والخاصة، وفي المدارس، وفي الحياة الأسروية..". وهنا لابد من افشارة إلى أن الأبطال الرئيسيين اللذين اختارهم عبد الله قادري لمؤلفاته كانوا من "الكادحين الأمناء بأخلاقهم، وصدقهم، واستعدادهم للوقوف دفاعاً عن بعضهم البعض".
وفي روايته "العقرب من المذبح"، تحدث عبد الله قادري وبصدق عن الحياة الإجتماعية والأخلاقية للمجتمع التركستاني خلال الفترة الممتدة ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين.
ووضع عبد الله قادري الموهوب صوراً متعددة الجوانب للحياة التاريخية الواقعية في تركستان، عكس من خلالها وبسطوع الأحداث التي جرت، وطبيعة الأبطال، المشاركين في تلك الأحداث التاريخية الحقيقية. وأكد من خلالها على الحرية الشخصية للإنسان، وحرية أهدافه الحكيمة، وحب الشباب النقي.
وفي هذا سعى عبد الله قادري للكشف عن تميز وجوهر تركيبة الحياة الإقطاعية لدى الشعب، مظهراً طبيعة الحكام عملياً، وطبيعة ملهميهم الروحانيين، ولم يخفي، بل حتى ضخم التناقضات بين القوانين الإقطاعية الراسخة المكتوبة وغير المكتوبة، وهي "قوانين" العادات والتقاليد الشعبية. حيث تشكلت تلك التناقضات غير المعلنة، من خلال المصائر الصعبة التي واجهها أبطاله في حياتهم. وأنور، ورانو، كانا الصورة الدرامية التي عكست رغبات عبد الرحمن المتمثلة بإخضاع الفتاة لإرادته، وعلى الرغم من تآمر شهيد بيك، فقد مجد المؤلف حبهم الصادق لبعضهم البعض، واستعدادهما لإنشاء أسرتهم الخاصة بهم.
وصور سعي رانو، نحو كل شيء جميل، ونقي، ونبيل، وقدمها عبد الله قادري في الرواية كفتاة رائعة، تتمتع بخصائص عادية نابعة من الطبيعة الشعبية الأوزبكية، وتتميز بالصدق، ونقاء الأفكار، والبساطة الروحية، والإنفتاح. وتحب أنور حباً نظيفاً ساطعاً، وبصدق وإخلاص. وكان أنور يجسد بالنسبة لها الرجولة، واحاسيس العدالة والإخلاص بلا حدود.
وهكذا رأت رانو، حبيبها، كما هو بالفعل. جريء، وذكي، ويحسن النضال للفوز بحبيبته، وتتلوع روحه من دونها. وهو وبكل بساطة لا يتصور حياته دون محبوبته رانو. وبفضل ذكائه، وحذاقته، وموهبته، وخفة ظله، وهو الذي نشأ يتيماً محباً للعمل، أصبح شخصية هامة في مجتمع قصر الخان، الذي أعطاه منصب ميرزة (أي أمين السر)، ليتمتع بشخصية متميزة بين نبلاء القصر.
ولكن ما ميز أنور، عن الكثيرين من المحيطين به بالفعل، هو أنه لم يفقد صلته الروحية مع الشعب الذي ينتمي إليه، وحافظ على حسن علاقاته الإنسانية، ووقف ضد العنف والإستبداد، وبقي إنساناً صادقاً، ومخلصاً. ولهذا كان أنور يعاني من صعوبات كبيرة في خدمة الخان الحاكم، الذي يتجاهل كل القوانين، ويعترف برغباته فقط وأحياناً "دون الرجوع حتى لضميره".
وعبد الله قادري مؤلف الرواية الضخمة "مجرفة عابد"، ومؤلف المقالات الأدبية التي أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية، مثل: "ماللابوي آكا من غيروان"، والكثير غيرها من المقالات الأدبية والقصص، التي قدم من خلالها إسهامات ملحوظة في تاريخ الأدب الأوزبكي. دفعت عزت سلطانوف للكتابة عن أن "عبد الله قادري، دخل الأدب الأوزبكي مثل الرعد والبرق، وكضوء البرق الساطع، وجذب لنفسه إهتمام الجميع".
ومثل هذه الشهادة العادلة جاءت أيضاً في كلمات الكاتب القازاقي مختار أويزوف الذي أشار خاصة إلى: "نحن قرأنا في أيام شبابنا روايات عبد الله قادري. وأذهلتنا مهارته في نحت الطبيعة الإنسانية، ونقله عاصفة من المشاعر الإنسانية إلينا... وكلها كانت تسمو بحب أبطالها ".
ولهذا حصلت مؤلفات عبد الله قادري الكثيرة، على إعتراف الكثير الدول الشرقية، ودول رابطة الدول المستقلة، كمؤسس لفن الرواية في الأدب الأوزبكي الحديث.
ومن مؤلفاته: - "الأيام الماضية"؛ - "العقرب من المذبح"؛ - "مجرفة عابد"؛ - "ماللابوي آكا من غيروان"؛ - "الزنديق"؛ - "العريس البائس"؛ - "لأمتي"؛ - "حفل الأرواح الشريرة".
ونعتقد أن دراسة مؤلفات عبد الله قادري وأمثاله لم تزل حتى اليوم هامة وتوفر الفرصة للباحثين في تشخيص الصعوبات التي عانى ويعاني منها الأدباء والمفكرين بأبداعاتهم خلال المنعطفات الرئيسية التي تجري في حياة المجتمعات التي ينتمون إليها. وأن مثل تلك الدراسات تمكن الأدباء والمفكرين الشباب من تجنب تكرار تلك الصعوبات والوقوع في أخطائها.
المراجع:
1. أ. علييف: "عبد الله قادري". طشقند، 1967.
2. مؤلفات: كيتشيك أسارلاري. طشقند، 1969؛ ترجمت إلى اللغة الروسية، بعنوان "الأيام الماضية". ترجمة: بوسليسل. إ. سلطانوافا، طشقند، 1961؛ والعقرب من المذبح. موسكو، 1964.
3. إضاءآت: كوشتشانوف م.، على مهارات عبد الله قادري...، في كتابه: حياة. طبيعة. مهارة. طشقند، 1963.
4. الرابط اإلكتروني: http://www.ziyonet.uz/ru/people/abdulla-kadiri/
===