السبت، 27 يونيو 2020

تابع مراحل تكون الصحافة 11

تابع مراحل تكون الصحافة 11
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند - 2011
تأليف:



محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

أما في جمهورية الصين الشعبية فتختلف وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية عن غيرها من دول العالم، ومفهوم حرية الصحافة فيها يختلف تماماً عن مفهومه في الدول الرأسمالية، ولو أن عودة مستعمرة هونغ كونغ البريطانية السابقة إلى الوطن الأم الصين عام 1997 قد خلق ظروفاً جديدة داخل الصين الشعبية التي أصبح يعيش ضمنها كيانان مختلفان تماماً الأول شيوعي والثاني رأسمالي في هونغ كونغ المتمتعة باستقلال ذاتي ضمن جمهورية الصين الشعبية.
وحدد دستور جمهورية الصين الشعبية الصادر عام 1954 أن الدولة هي التي تضمن حرية المواطنين في القول والتجمع والتظاهر، وهي التي تضع تحت تصرفهم الوسائل المادية الضرورية للتمتع بها، وتلزم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بوجهة النظر الماركسية فقط، وتخضع كل المواد المتعلقة بسياسة الحزب الشيوعي الصيني لتعليمات السلطات الحزبية المختصة وبذلك يكون مضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية متمشياً مع المهام والأهداف الراهنة والبعيدة للحزب الشيوعي الصيني.
وقد أشار الباحث الفرنسي روجر بليسييه في مقالة نشرتها له الصحافة الفرنسية عام 1971 إلى أن الحزب وحده هو الذي يقرر تاريخ ومكان وعدد الصحف التي تنشأ، وكذلك الأوساط الاجتماعية التي يجب أن تتوجه إليها تلك الصحف، وذكر مثالاً على ذلك: أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني قررت في عام 1956 إنشاء 360 صحيفة موجهة للأرياف في نفس الوقت الذي بدأت فيه أعمال تشكيل التعاونيات الزراعية في الصين. وتعتبر الصحافة الصينية مثل هذه القرارات أمراً طبيعياً وهو ما تؤكده صحيفة الشعب اليومية في مقالة افتتاحية لها، عندما ذكرت: "أن الصحافة سلاح فعال يمكن للحزب بواسطته نشر الثقافة الاشتراكية بين الجماهير".
ورغم وجود بعض الاستثناءات في الصحف النادرة الصادرة في الصين بالتعاون بين الحزب الشيوعي الصيني والبرجوازية الوطنية الصينية، فإن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الصينية بكاملها خاضعة مباشرة للسلطات الحزبية بما فيها صحف الحائط الشهيرة في الصين تو تسو باو، وتخضع المواد الإعلامية لرقابة حزبية صارمة من قبل السلطات الحزبية المختصة بالصحافة، وفق التسلسل الإداري للجان الحزبية على مختلف المستويات، إضافة لخضوع السلطات الحزبية الأدنى للرقابة الدورية للسلطات الحزبية الأعلى التي تتابع عمل ونشاطات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، والغرض منها التأكد من الخط الفكري الذي تلتزم به الصحف وإعادة النظر بهذا الخط عند الضرورة.
كما ويخضع محرري الصحف الصينية لدورات تدريبية دورية وندوات تدعو إليها السلطات الحزبية المركزية لضمان الالتزام بالخط الفكري للحزب، أما تعيينهم في العمل فيتم حصراً من قبل السلطات الحزبية المختصة للمستوى الذي تصدر فيه الصحيفة، بعد موافقة السلطات الحزبية الأعلى، ويتم اختيار المحررين عادة من بين أعضاء الحزب الأكثر التزاماً بالخط الفكري للحزب والمتخرجين من معهد الصحافة في بكين. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على عشرات آلاف المراسلين الصحفيين الصينيين المنتشرين في جميع أنحاء جمهورية الصين الشعبية.
وتشير المصادر إلى أن قلة أعداد نسخ الصحف الصادرة في الصين بالمقارنة مع عدد السكان لابد أنه مرتبط بأسلوب مطالعة الصحف المتبع في الصين، مثال: صحيفة جين مين جي باو (الشعب) اليومية التي أسستها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في 15/6/1949 لتنطق باسمها، ولا يتجاوز عدد النسخ الصادرة منها عن المليونين. حيث توزع على المنظمات الحزبية والأجهزة الحكومية التي تلتزم بتنظيم قراءتها على العمال والفلاحين والجنود، إضافة لنشاطات نوادي المطالعة التي أنشئت في الإدارات الحكومية والمنظمات الشعبية والوحدات العسكرية والمصانع والإدارة المحلية والمدارس والجامعات، لتنظيم المطالعة الجماعية للصحف، كما ويتم إعادة نشر افتتاحياتها وموادها الهامة في الصحف الريفية، وتبث مقتطفات منها عن طريق الإذاعة المسموعة. ولهذا اعتقد روجر بليسييه أن الصحافة الصينية تصل إلى أغلبية الشعب الصيني بما فيهم الأميين.
ومن الصحف الصينية الهامة الأخرى: صحيفة جي فانجن باو (جيش الشعب) اليومية، التي يزيد عدد نسخ إصدارها اليومي عن المليون نسخة؛ وصحيفة هانغ هاي وين هوي باو، الموجهة للمعلمين، وهي التي أعطت إشارة الانطلاق للثورة الثقافية في الصين عام 1965 عندما نشرت مقالة ياو وين يوان التي حرض فيها على تلك الثورة؛ ومجلة هونغ كوي (العلم الأحمر)، المجلة نصف الشهرية الفكرية للحزب الشيوعي الصيني، وتصدر بأكثر من مليون نسخة.