الخميس، 28 مايو 2020

نموذج تحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد

نموذج تحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد
نموذج تحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد


كتبها: أ.د. محمد البخاري.
نموذج تحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد:
عرفنا مما سبق نشره أسباب وطرق تغيير الاتجاهات والسلوك لدى الجمهور، ولكنا لم نتعرف على أساليب وطرق غرس مقاومة التغيير عند المتلقي. وهناك طرقاً عدة تجعل المتلقي يتصدى للتغيير في ظروف معينة.
ومن الأساليب الفعالة لتحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد:
1- استخدام أسلوب الالتزام السلوكي الذي يدفع المتلقي من خلال إيمانه برأي معين للتعبير عنه علناً. وهذه العلنية تفرض عليه التزاماً بما صرح به، وعدم محاولة التراجع كي لا يفقد مصداقيته بين مستمعيه. وبهذا يصبح المتلقي ملتزماً اجتماعياً بتأييد رأي معين، وهي طريقة فعالة للتأكد من مقاومته للإقناع المضاد.
2- ربط معتقداته بأشياء أخرى يعرفها. وبالقيم المشتركة المقبولة التي تجعل من المتلقي أكثر مقاومة للآراء التي تستهدف تغيير اتجاهاته. ولضمان مقاومته للإقناع المضاد، لابد من ربط الاعتقاد بجماعات مرجعية تحظى بتقدير واحترام كبير لديه.
3- إثارة الخوف والقلق لدى المتلقي وزيادة التوتر من نتائج غير مرغوبة لديه، مما يجعله يقاوم الرسائل الإعلامية المضادة. ومن المعروف أن تحصين الإنسان ضد مرض معين يتم من خلال إعطائه جرعة بسيطة من ميكروب المرض لتحقيق هدف التحصين ضد هذا المرض. وهو ما يمكن أن ينطبق على عملية الاتصال، عندما نزيد من مقاومته عن طريق إعطائه جرعات بسيطة من الحجج التي قد يستخدمها الإعلام المضاد بهدف تحويله عن رأي الإعلام المضاد.
وهذا أفضل من إعطائه الحجج المساندة للرأي الذي نريده فقط. وقد أثبتت بعض التجارب أن الجمع بين تأثير الدفاع بالحجج المؤيدة، وتأثير الدفاع بالحجج التي تفند الإعلام المضاد، يعطي فاعلية أكثر من استخدام أي من الأسلوبين منعزلاً عن الآخر.
وقد وجد كلاً من ماجواير، وباباجيورجيس، أن وجود الإنذار أو التحذير المسبق سيجعل من كل أساليب الدفاع، سواء أكانت بالتأييد أو التفنيد، أكثر فاعلية. فبمجرد معرفة أن هناك تهديداً بخطر محدق يدفع المتلقي للتيقن من استخدام جميع أساليب الدفاع المتوفرة لديه أفضل استخدام، كما أنه سيدرب نفسه على تقديم الحجج المضادة الجيدة، بل وقد يذهب إلى أبعد من ذلك فيبتكر بعض الحجج الإضافية.
مقارنة نماذج الإدراك المعرفي:
تقوم كل نماذج الإدراك المعرفي على افتراضات تقول أن الفرد:
1- يسعى لتطوير وإبقاء التوازن بين عناصر معرفته وحالاتها. ويتم إدراك عناصر المعرفة من خلال اتفاقها أو عدم اتفاقها مما يعرفه هذا الفرد.
2- حين يدرك منبه مختلف عما يعرفه، يشعر بتوتر مؤلم وغير سار.
3- وأن التوتر السيكولوجي لدى الفرد يؤدي إلى بذل جهود للتقليل من الاختلاف بين عناصر المعرفة.
4- وأن تقليل الاختلافات في إدراك الفرد تقلل بدورها من حالة التوتر لديه.
وبهذا يتم إعادة التوازن بين مكونات أو عناصر المعرفة وتبقى درجة التقليل من الاختلافات مرتبطة بضخامة التوتر. وعلى أساس هذه الافتراضات، تفرز نماذج المعرفة نظريات تنطبق على مختلف الظروف والأحوال بالرغم من أن النتائج المستمدة من نماذج المعرفة هذه، تبدو للوهلة الأولى مختلفة ومتناقضة، إلا أن هذه الاختلافات يمكن تجنبها عن طريق تجديد شروط وظروف الأساليب المختلفة للمعالجة النظرية.
فإذا كان الاتجاه الأصلي نحو المصدر إيجابي وجاءت مادة إعلامية إيجابية عن موضوع الاتجاه نحوه: كان التغير في الاتجاه نحو المصدر إيجابياً.
وإذا جاءت مادة إعلامية سلبية عن موضوع الاتجاه نحوه: كان سلبياً.
وإذا كان الاتجاه الأصلي نحو المصدر سلباً، كان التغيير في الاتجاه نحو الموضوع سلبياً.
وإذا كانت المادة الإعلامية سلبية عن موضوع الاتجاه نحوه: كان التغيير سلبياً أقل وإيجابياً أكثر.
ومنه نستنتج أن:
1- نماذج الاتصال الذاتي أو الاتصال بين فردين تختلف. وأن نموذج هيدر، ومبدأ أسجود، ونظرية فستنجر، تركز على البناء السيكولوجي، وبناء المعرفة داخل الفرد. بينما يركز نموذج نيوكومب على توجيه المشارك في عملية الاتصال. ولهذا يعتبر نموذجه مثالاً للاتصال بين فردين.
2- تختلف عناصر المعرفة في النماذج. فنموذج هيدر، ونموذج نيوكومب، ومبدأ أسجود، أخذت في اعتبارها اتجاه الفرد نحو فرد آخر، واتجاهه نحو شيء آخر. بينما اهتم نموذج فستنجر بتقييم الفرد لشيئين أو لموضوعين.
3- اعتمدت النماذج الأربعة على وجود مادة تربط بين عناصر الإدراك. وهي في نموذج هيدر المصدر الإعلامي وله اتجاه إيجابي أو سلبي، نحو المتلقي أو شيء معين. وتضمن نموذج نيوكومب عبارة تختلف في درجتها وتسير في اتجاهات متعددة. بينما افترض مبدأ التآلف عند أسجود بعض الإلزام إما بالربط بين المصدر والفكرة، أو الفصل بين المصدر والفكرة. ولم يفترض نموذج فستنجر وجود رابطة محددة بين عناصر الإدراك.
4- إستراتيجية تخفيض التوتر تختلف في جميع النماذج. والإستراتيجية عند هيدر، ونيوكومب، واسجود، تقول بوجود اختلاف في الاتجاهات، يحدث تغيير معين في الاتجاه. أما فستنجر فالإستراتيجية عنده هي الاختلاف بين الاتجاه المبدئي والسلوك، الذي يحدث تغيير معين في الاتجاه. ولكن هذا التغيير في الاتجاه يحدث فقط عندما تسد أو تبعد قنوات التهرب. ومبدأ سد المنافذ الأخرى يستخدم في النماذج الأربعة.
5- يختلف أسلوب تخفيض التوتر من نموذج لآخر. فعند هيدر ينتج التغيير عن عملية الاختيار عند الفرد بين اتجاهات عديدة. وبذلك قد يغير الفرد اتجاه واحد أو عدة اتجاهات، وقد يتغير الإدراك عند الفرد أو قد يشوه إدراكه، بهدف إعادة حالة التوازن. أما نيو كومب فقد اتبع الأسلوب الذي اقترحه هيدر. وافترض نيوكومب أن الفرد قد يتهرب من تشكيل الاتجاه، سعياً لتحقيق التناظر. بينما أكد مبدأ التآلف عند أسجود أن كل الاتجاهات ستتعرض للتغيير، وتتجه نحو الوضع الذي يشكل حلاً وسطاً.
بينما قدمت نظرية التنافر تبريراً لعنصر اختلاف المعرفة الذي يعتمد السلوك أساساً له، لأن الفرد سيغير اتجاهه ليحقق اتفاقاً أكثر مع سلوكه. والتغيير ينتج وفق هذا الاتجاه عن الجهود التي تبذل من أجل تبرير السلوك الذي اتبعه، أو القرار الذي أتخذه الفرد.
6- وتعتبر معادلات التآلف التي قدمها أسجود الأكثر دقة في القياس. وتوفر هذه المعادلات قياس دقيق لقدرة النموذج على التنبؤ. كما ويعتبر نموذج نيوكومب والتعديلات التي أدخلها عليه كلاً من كارتريت عام 1956 وهراري عام 1970 دقيقة القياس أيضاً.
7- وكلما زادت مرونة النموذج، كلما قلت الدقة فيه. ولهذا يعتبر مبدأ التآلف مبدأً غير مرن، بسبب جمود قدراته على التنبؤ الذي يتراوح فيه بين التدعيم أو عدمه. وتعدد البدائل في نماذج هيدر ونيوكومب. بينما تعتبر نظرية التنافر أكثر النماذج مرونة لأنها تفسر عملية تغيير الاتجاه.
المقالة التالية نموذج القائم بالاتصال