الأربعاء، 29 يناير 2014

الفنان التشكيلي الأوزبكستاني الكبير أورال تنسيقباييف


الفنان التشكيلي الأوزبكستاني الكبير أورال تنسيقباييف
كتبه: أ.د. محمد البخاري
فنان الشعب الأوزبكستاني أورال تنسيقباييف (1904-1974)، عضو أكاديمية الفنون الجميلة، ورئيس إتحاد الفنانين التشكيليين في أوزبكستان من عام 1956 وحتى عام 1959.



أورال تنسيقباييف
ولد أورال تنسيقباييف عام 1904 في طشقند. وبعد تخرجه من مدرسة نظام التعليم سبع سنوات، عمل في أحد المصانع. و عندما بلغ سن العشرين من عمره بدأ بتجربته الفنية والرسم.
وأولى لوحاته في الفن التشكيلي عرضت بنادي المصنع الذي كان يعمل فيه. وفي عام 1924 نشرت صحيفة "تركستانسكايا برافدا" مقالة عن "العامل والفنان التشكيلي أورال تنسيقباييف".
ومن أول معلميه في الرسم كان ن. ف. روزانوف باستوديو الرسم التابع لمتحف طشقند للفنون خلال الفترة من عام 1923 وحتى عام 1927. واستوعبت اللوحات التشكيلية رؤية الفنان التشكيلي أورال تنسيقباييف في الفن التجريدي ااتي صورها في لوحته التشكيلية "صورة الأوزبكي" (1927، متحف الشرق، موسكو). وخلال عامي 1928 و1929 درس أورال تنسيقباييف بمعهد إ. س. غوريوشكين-سوروكوبودوف المتوسط للفنون الجميلة بمدينة بينزة. وفي عام 1929 زار موسكو وشاهد اللوحات التشكيلية الحديثة للفنانين التشكيليين الأوربيين الغربيين الموجودة في المتاحف، وأثارت كلها لديه انطباعات مؤثرة. ومنذ ذلك الوقت بدأ بالاهتمام والبحث لاختيار طريقه الفني الخاص به.
وكان أورال تنسيقباييف أول فنان تشكيلي محلي تأثر بالثقافة الأوروبية واستوعب الفن التشكيلي الأوروبي الطليعي، الذي عكسه بسطوع من خلال أحاسيسه الشخصية. وتميزت شخصيته الفنية التشكيلية بمفاهيم الأبعاد الفنية للعصره الذي يعيشه ويبدع فيه. و كانت الفنون التشكيلية الأوزبكستانية في تلك السنوات بمرحلة تكوينها، وكان تنسيقباييف طائر السنونو الأول في هذا الاتجاه. ولعب في عملية تكوينه الفني، الفنانون التشكيليون، أمثال: ب. بينكوف، وأ. فولكوف، وم. كورزين، ون. كاشينا، وأ. نيكولاييف، وف. أوفيمتسوف، ولعبت إبداعاتهم دوراً خاصاً في تطوير مستوى مدرسة الفنون الجميلة القومية الأوزبكستانية. وفي عام 1934 أطلق عليه لقب "اللون الأوزبكستاني الرئيسي" بعد معارض الفنون الجميلة الأوزبكستانية التي شارك فيها بموسكو وفيلاديلفيا. ومع الوقت أخذت إبداعاته تعكس لوحات تشكيلية الاتجاه الواقعي في الفن التشكيلي، وربطت تناغم الإنسان مع الطبيعة. وأشار النقاد الفنيين آنذاك إلى أنه بفضل البحث الابداعي الذي قام بها أورال تنسيقباييف تجددت اللوحة التشكيلية الأوزبكستانية بالكامل، وخرجت عن إطار الرسم في الهواء الطلق، وأوجدت لوحة تشكيلية تصور الطبيعة بجمالها.


بلدي
 وأخذت اللوحة التشكيلية القومية تتطور خلال القرن العشرين، والقرن الجديد مثل ذكرى سنوية بأثر رجعي لواحدة من الأحداث الهامة التي ربطت بين حاضر وتاريخ الفنون الجميلة الأوزبكية، وأكدت على استمراريتها. ومع مر السنين أضاف الفنان التشكيلي تنسيقباييف أهمية تاريخية جديدة لتطور الفنون الجميلة في أوزبكستان من حيث الفكرة التي حددت مدى التأثير الجمالي للوحاته على المشاهدين، من خلال الدور الذي لعبه في تطوير الفنون الجميلة الأوزبكستانية آنذاك.


جبال اوزبكستان
وفي أعمال أورال تنسيقباييف الفنية المبكرة لوحظ اهتماماً حياً بالبيئة المحيطة، دون أي حنين للماضي أو للتصاميم القديمة. وانبثقت من الرومانسية الثورية والحنين لآثار الماضي باتجاه نحو عالم أفضل، وهو ما مميز حبه للحداثة دائماً، وميز قدراته الفريدة على التكيف مع مجموعة التقاليد الفنية التي فرضتها الحداثة، دون الانقطاع عن الواقع من خلال أحاسيسه الإيجابية الذاتية. وفي لوحاته التي رسمها بالألوان المائية خلال النصف الثاني من ثلاثينات القرن العشرين، قام بدراسة دائمة للعالم المحيط به، وحولها إلى تصوير شاعري في اللوحات التي رسمها.


في شوارع طشقند
وخلال ثلاثينات القرن العشرين قدم أعمالاً إنطباعية صورها في لوحاته: "بورتريه شخصية في الهواء الطلق" عام 1935؛ و"بورتريه أ. بودكوفيروفا" الواقعية عام 1935؛ وصور جوهر تجديد القديم في لوحته "أوزبك سمرقند" عام 1934؛ وفي أعماله التي أنجزها في النصف الثاني من ثلاثينات القرن العشرين، كلوحاته "بريتشمولا"، و"بوغوستان"، و"أعمال الربيع"، التي كشفت عن طريقه المستقبلي لرسم الطبيعة.


مساء في قرية جبلية
ومن دراسة عميقة لأعمال أورال تنسيقباييف في نهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن العشرين يمكن الإشارة إلى خصائص تميل نحو نبضات مخفية أعطته قوة لمتابعة تطوره الذاتي. وأنهى تنسيقباييف دراسة الفن التشكيلي في استوديو ن. روزانوف، وخلال سنتين من الدراسة في المعهد المتوسط للفنون الجميلة في بينزة، لم يتوقف هذا الفنان التشكيلي عند مراحل الدراسة، بل أخذ يحدد طريقه الفني. وتداخلت عوامل كثيرة من التأثير ولعبت دوراً كبيراً في تطور أورال تنسيقباييف نحو المدرسة الطليعية في الفن التشكيلي الأوزبكستاني. نتيجة لمشاهدته للوحات الفنانين التشكيليين الأوروبيين المعاصرينن في متاحف موسكو، ومزت خبرته الفريدة بين العناصر الطليعية وتقاليد الشرق القديمة، وحولها إلى مدرسة متميزة جديدة بعد عودته إلى بلده. من خلال أجواء المناقشات، والمعارض، وعمله إلى جانب فنانين تشكيليين كبار في أوزبكستان أمثال: أ. فولكوف، وم. كورزين، وأ. نيكولاييف، وأ. بودكوفيروف، الذين كانوا يكبرونه بنحو 20 سنة، وساهموا برسم مبادئ تطور مدرسة الفن التشكيلي للشاب، وأفسحوا له المجال للإبداع الحر، الذي أملته رغباته الداخلية وبحثه الجريء في عالم الفنون الجميلة.
ومرت مساعي أورال تنسيقباييف بدأ من لوحة "بورتريه أ. تاشكينباييف"، وحتى أواسط ثلاثينات القرن العشرين، عبر الإتجاهات الأساسية لفن البورتريه الأوروبي في نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20. كانت الإنطباعية خطوة ضرورية على طريق الفنان التشكيلي المعاصر، التي تمكن منها بمهارة كبيرة في لوحته "بورتريه أ. تاشكينباييف". وتعلم تمرير هواء مشبع بإنعكاسات ملونة للوسط المحيط، باتصال مباشر مع الطبيعة. ونجح بتحقيق المزيد من التطور، وأخذ يهتم برسم لوحات تضم مجموعة من الأشخاص مثل لوحة "كرفان"، معززاً دور اللون في اللوحة لمرحلة ما بعد الإنطباعية في لوحاته "قرمزية الخريف"، و"منتصف النهار في الحديقة". والتكعيبية في لوحاته "منظر الورد مع صبي"، و"خوجكينت"، ورسوماته "عند الحاووظ" و"زاوية بالمدينة القديمة".


قرية
وعندما درس أورال تنسيقباييف في استديو الرسم اهتم بمبادئ رسم الشخصيات الحية وإمكانيات وطرق تطويرها. وفي عام 1927 رسم لوحات لشخصيات حية من خلال مبدأين فنيين: الأول: انطباعي (بورتريه أ. تاشكينباييف)؛ والآخر الديكور الشرقي الرمزي (بورتريه أوزبكي).
وكان أورال تنسيقباييف ينتظر رسم لوحات مناظر طبيعية تخلد ذكراه خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين، من خلال زخارف وألوان وشفافية في مبادئ تكوينها التي كانت دائماً الأقرب له، وكانت دائماً في جوهر لوحاته الفنية.
وكان تنسيقباييف في أعماله الإبداعية المبكرة أكثر واقعياً في التعبير الشعري في لوحته "الرحل" عام1931، التي عكس فيها وببراعة المميزات القومية في لوحاته، والتي تعبر عن: الغناء، والعاطفة، والتعبير الواسع عن الحب في لوحاته، وتطوير تناغم الخلفيات التي حافظ عليها في اسلوبه الفني المتميز.
وفي بعض أعمال تنسيقباييف الصغيرة حاول تصوير مشاهد ضخمة أعطت لوحاته أبدية من خلال الخلفيات كلوحته "وادي تشرتشك" عام1940، التي أعطت لوحته مسحة ملحمية. وبعد عشر سنوات من الحرب العالمية الثانية، كانت الاتجاهات الفنية في الفنون الجميلة الأوزبكستانية قليلة الدراسة. ولم تكن مراحل تطور الفنون الجميلة لتلك السنوات مفهومة بشكل كامل، ولم تكتشف بعد عوامل وأسباب التبدلات التي جرت في إبداعات الفنانين التشكيليين، ولم يتم العثور على جواب لسؤال: هل كانت هناك عوامل فنية داخلية أدت إلى المبادئ الواقعية للقرن الـ 19 ؟ وهي التي أخذت تتوطد في الفنون التشكيلية السوفياتية آنذاك.
والكثير من المشاعر الفنية لتلك السنوات كانت تفسرها المشاعر السائدة بعد الحرب العالمية الثانية. ويفسرها إرتفاع العواطف الذي عكسته مشاعر سعادة الإنتصار على العدو، الإنتصار الذي تلقاه الشعب ببهجة بعد معاناته الطويلة. وفي نفس الوقت كانت الضغوط السلطوية شديدة على التطور الثقافي أكثر من السابق، وكانت موجهة نحو الدعاية للمبادئ الأيديولوجية للواقعية لإشتراكية. وجرى أثناءها تشويه المبادئ الجمالية والفنية العالية للواقعية، وهي المبادئ المتأصلة في الفنون الجميلة العالمية. رغم أنه كان من طبيعة ذلك الوقت مواجهة صعوبات الحرب، والتعطش لحياة طبيعية، وفي البداية برزت حاجة قوية تدعو لتناغم مشاعر التفاؤل في كل الفنون. و"اللون الأوزبكستاني الرئيسي"، كما أطلقوا على تنسيقباييف في ثلاثينات القرن الماضي، بدأ بالبحث عن طريقه، وحاول استخدام المثل الجمالية التي كونها في صباه مع مبادئ جديدة تكونت لديه.
ومما يشهد على تناقضات طريق تنسيقباييف الصعبة في تلك السنوات، مقارنة بين عملين أنجزهما عام 1951، وهما: "أرضي"؛ و"أمسية في أسيق قول". وجرى فيهما صراع دقيق بين مبدأين: المراحل السائدة للوقت مع الوضوح في الرسم، والتفاصيل المفرطة وتجسيد السطحية في تصوير الطبيعة؛ والبحث عن العمق، والمعاناة الفلسفية والشاعرية.
وتظهر المناظر الطبيعية في لوحات: "تحياتاش"؛ و"سيرداريا". وقوف أورال تنسيقباييف على عتبة مرحلة جديدة من الإبداع، وتجديده الكامل للوحات التي تصور الطبيعة الأوزبكية، وذهابه أبعد من ذلك في تصوير لوحات الهواء الطلق، ورسمه للوحات تصور المناظر الطبيعية في أوزبكستان.
وأفضل لوحة تصور منظر طبيعي كانت لوحة "صباح في محطة قره قوم لتوليد الطاقة الكهربائية" التي تكشف بحثه عن المثل الإنسانية العليا، وليس كما هو مفترض المثل الأيديولوجية.


سد جبلي
وأبدع تنسيقباييف خلال ستينات، وسبعينات القرن الماضي أعمالاً فنية كانت أكثر حرية في تصوير الطبيعة، وفي تناغمها مع الضخامة، ومع التمازج الفكري واللوني، وأحيت روح البحث الفني في ثلاثينات القرن الماضي. وفي لوحاته "الطريق الجبلية أنغرين، قوقند"؛ و"بحيرة قره قول على جبال البامير"؛ و"مرتفعات قرغيزيا"؛ و"وادي أليس"؛ و"بينج في المساء"؛ تغلبت الرومانسية بتقبلها للطبيعة، وبتعبيرها عن السعادة، وتعبيرها عن البساطة، وقوة الألوان، ومن جديد الهروب نحو الحرية وإلى البراري، والكتابة الحرة بمفهومها الواسع.
وأورال تنسيقباييف كغيره من مؤسسي الفنون الجميلة الأوزبكستانية، عاش في ظروف السنوات الصعبة التي عانى خلالها العالم من الحرب العالمية الثانية، والأحداث الماساوية الأخرى. وكلها لم يتجاهلها الفنان، ولكنه واجهها بإيمانه، وبأعماله الفنية الرائعة. وكان يجيب فيها وبثقة على الكثير من الأسئلة عن أوقاته الصعبة، من خلال أفضل أعماله الفنية، التي تشهد على الدور البارز للفنانين التشكيليين، وغيرهم في تدوين تاريخ الثقافة القومية.
وبعد وفاته عام 1974 حول بيته وفق التقاليد الأوزبكستانية إلى متحف يضم الكثير من أعماله الفنية وأشيائه الشخصية تخليداً لذكراه، ولتمكين الجيل الصاعد من التعرف على أحد الشخصيات اللامعة في تاريخ الثقافة في أوزبكستان المعاصرة

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، في طشقند، 29/1/2014 بتصرف عن المصدر الإلكتروني:
http://www.ziyouz.uz/ru