الاثنين، 30 سبتمبر 2013

محمود بن عمر الزمخشري

محمود بن عمر الزمخشري
محمود بن عمر الزمخشري (1075-1143م)، أديب، وفيلسوف، ومحدث من وسط آسيا. جمعت مؤلفاته بكتابين في الأحاديث النبوية الشريفة. وقسم من مناقشاته العلمية التي كتبها في إصلاح فن النثر ويحمل اسم "العقد الذهبي".
سيرة حياته


أقدم مخطوطة من تأليف الزمخشري في أوزبكستان
اسمه الكامل أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، ولد بتاريخ 19/3/1075م بمدينة زمخشر في خوارزم، وفي طفولته بترت واحدة من قدميه بسبب مرض أصابها، وتنقل بواسطة قدم خشبية صناعية، ويعتبر كتابه "المفصل" في قواعد اللغة العربية من حيث الأهمية الثاني بعد كتاب العالم العربي سيبويه.
ويعتبر الزمخشري مؤرخ، وجغرافي، وعالم أدب، وعالم لغة، ومربي، وشاعر كبير في تلك الأيام. كتب أكثر من 50 مؤلفاً في المنطق، وقواعد اللغة، والدين، والقواميس اللغوية، والأدب، وعلم الأدب، والتربية، والتاريخ، والجغرافيا. ونشر المعرفة عن طريق كتبه وتلاميذته.
 ووضع أفكاره حول الدين والثقافة الدينية في إطار علم الأخلاق، والتربية، والدراسات الأخلاقية. وعلى سبيل المثال، كتب دون مديح، وفخر كاذب، ودون إسهاب: "من يمتدح أصله، يشبه على ما يبدوا السراب"، "وطريق الحقيقة والشرف أشبه بمشية الأسد في الغابة"، "شرف وسلطان التاجر في جيبه، والعالم في كتبه"، "والدعم اللفظي (المعنوي) أهم بكثير من المساعدة المادية". وكتب الزمخشري بالكامل عن الإرادة، ومساعي الإنسان نحو الثروة والرخاء التي يمكن الوصول إليها عن طريق المعرفة والقيم الإنسانية. وكتب: أن الإنسانية، والصدق، والكرم، والشجاعة، من الصفات الرئيسية للإنسان.
وأثناء حياته أطلق عليه لقب "معلم العالم"، و"معلم كل العرب وغيرهم من الشعوب"، و"جار الله (ج)"، و"مجد خوارزم"، وغيرها من الألقاب. وتوفي الزمخشري في خوارزم عام 1143م.
وهذه بعض الأمثلة التي ساقها الزمخشري عن الحياة والناس:
مجد التاجر محفظة نقوده. ومجد المضارب كلب الصياد.
إذا كانت المرأة تشبه روحك، ولا يمكنك العيش من دونها، فستمسح أنفك بالأرض.
الشخص الذي يستهزئ دائماً بشخص ما، لا يحقق نجاحات كبيرة، مثل الزفت لا شيء أبيض فيه.
حيث يتوالد الفاسقون، يرسل العلي القدير الطاعون (مختلف الكوارث، والأعاصير والبلاوي).
مرتكبي المعاصي لايمكن أن يكون لهم أصدقاء أوفياء.
خطوات من يسير على طريق الصواب، أعظم من مشية الأسد.
الرجل الصادق يتمتع بالسلام والهدوء دائماً، أما الخائن الذي يفكر بالشر، فمحكوم عليه بالفشل دائماً.
وتحتفظ مكتبة علي شير نوائي القومية في أوزبكستان اليوم بنسخة مخطوطة نسخت عام 1308 من قاموس العربي الفارسي، الذي ألفه أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، كما وتحتفظ المكتبة بكتاب "الحكم السلطانية وولاية الدين" من تأليف أبو حسن الماوردي وهو أقدم كتاب مخطوط نسخ عام 1058م.
المرجع: http://www.ziyonet.uz/ru// باللغة الروسية.

إعداد: أ.د. محمد البخاري، طشقند، 30/9/2013.

الأحد، 29 سبتمبر 2013

الحكيم الترمذي

الحكيم الترمذي
محمد بن علي أبو عبد الله الحكيم الترمذي (824-892م)، هو مفكر صوفي شهير، ومتخصص بارز في الشريعة الإسلامية وعلم الحديث، وشهد معاصروه بسعة آفاقه وعمق معارفه، وأطلقوا عليه لقب "الحكيم الترمذي".

سيرة حياته
ولد محمد بن علي أبو عبد الله الحكيم الترمذي بمدينة ترمذ. وحصل على تعليم تقليدي، واشتغل منذ سن الـ8 سنوات بالعلوم الدينية. وفي سن الـ28 سنة أدى فريضة الحج إلى مكة المكرمة، وفي الطريق طور معارفه بالإختلاط برجال الدين والمربين الصوفيين. وبعد عودته إلى موطنه استمر بدراسة الصوفية. وكان من بين معلميه الشيوخ الخراسانيين المشهورين: أبو تراب النخشابي، ويحيى الجلا، وأحمد بن خضراواهي وغيرهم.
واتبع الحكيم الترمذي أسلوب حياة زهد جذب له احترام السكان المحليين، مما دفع مجموعة من التلاميذ للإلتفاف حوله. ولكن نشاطاته لم تعجب الحكام المحليين والفقهاء، وخوفاً من الملاحقة اضطر الحكيم الترمذي لمغادرة وطنه. وغادر في البداية إلى بلخ، وبعدها إلى نيشابور.
وكان كتابه "ختم الأولياء" الإسهام الرئيسي في تطوير الصوفية، وتحدث فيه عن الأولياء الصالحين. ووفقاً لنظريته هذه فالأولياء الصالحين يديرون العالم: وساوى الحكيم الترمذي بينهم وبين الأنبياء المرسلين من عند الله (ج).
واعتبر أنه هناك أولياء مكرمون "قطب" أو "معاون" بين الأولياء الصالحين. وبعدهم أورد في الهرم 3، 7، 40، 300 و400 ولي صالح، ولكل منهم دوره الخاص في التعليم الديني وتطوير العلوم الدينية. وربط مركز الولي الصالح بالخبرة الدينية والمستوى المعرفي الذي وصل إليه.
وفي كتابه "ختم الأولياء" كتب وللمرة الأولى في العالم الإسلامي عن الشعارات المستخدمة للتعريف بمعنى كلمة "زكر". وأكد الحكيم الترمذي على أن للولي الصالح (ولاية) محدودة الزمن، لأنها أشبه بالحصول على الهداية (النبوة)، ومختومة بختم يظهر في نهاية الكون.
وبالإضافة لهذا الكتاب كتب الحكيم الترمذي نحو 80 مؤلف تحدثت عن أهمية الخبرات الخفية التي مارسها الصوفيون. وفي دراسة "الروح" (أوضاعها و"حركتها")، وطرق تطوير الذات وتبدل الغرائز، وتحمل المشقة ودورها كوسيلة للتطهر، وشهدت كلها على عمق معرفته لسلوك الإنسان. واعتبرت مؤلفاته لاحقاً كمؤلفات كلاسيكية من المؤلفات الصوفية الإيرانية الشرقية. وأفردت الحاجة لتنظيم القوى الفكرية الخارقة.
وأول مجموعة ألفها الحكيم الترمذي كانت لسير حياة الصوفيين في تاريخ الصوفية. ولكن هذه الأعمال بقيت معروفة في مراجع من سار على دربه من بعده فقط.
واعتبر الحكيم الترمذي أن قيمة الإنسان العليا هي المعرفة الباطنية ("معرفة"، أو "حكمة")، وتأتي مع "النور الإلهي"، المحفوظ في قلوب الناس. وميز بين المعرفة العادية "علم"، والمعرفة التي تؤدي لفهم الشريعة، و"الموهبة" التي بفضلها يتم التوصل إلى أسرار فكر "الجوهر الإلهي". وأن المعرفة التقليدية يمكن الحصول عليها أثناء التعلم، كمعرفة في ذلك الوقت، و"الجوهر الإلهي" هدية ربانية للذين يختارهم الله (ج). وأن مجال ووقت الحصول على العلم محدود، بينما لا يوجد للمعرفة حدود. واعتبر الحكيم الترمذي، أن "الموهبة" هدية ربانية للناس الذين تسعى أفكارهم نحو الله (ج) والذين لهم روحاً خالية من ارتباطات الحياة. وهؤلاء الناس هم الصوفيون، الذين هم "أولياء"، أو "قديسين"، متميزين عن غيرهم من المؤمنين.
وثبت تصور التسلسل الهرمي للصوفيين المعترف بكمالهم بعد الحكيم الترمذي. وفي كتابه "ختم القديسين" بحث بالتفصيل عن إمكانية الوصول إلى وضع المنور والقديس، واقترح لذلك طريقين، إما التقيد الصارم بما تفرضه الشريعة والطريقة، أو من خلال النعمة الإلهية.
وكان الحكيم الترمذي أول المفكرين الصوفييين الذين أفردوا بالتفصيل مكانة الزهد المقدس، وساوى بين الزهاد  وبين "الرسل" و"الأنبياء" عملياً.
وكان الحكيم الترمذي متعلماً، ملماً بالبوذية، والمسيحية، والدراسات المذهبية، ويمكن اكتشاف تأثير ذلك في مؤلفاته. ولهذا أعطاه معاصريه حق قدره لسعة آفاقه وعمق معارفه، وأطلقوا عليه لقب "الحكيم الترمذي".
وأطلق الباحث في التصوف و.ف. أكيموشكين على الحكيم الترمذي لقب سلف المفكر والشاعر العربي ابن عربي من القرون الوسطى، لأن ابن عربي أدخل في مؤلفاته أكثر من مرة مقتطفات كبيرة من مؤلفات الحكيم الترمذي.
وأمضى الحكيم الترمذي نهاية حياته في موطنه حيث عاد من منفاه الإضطراري. وأحيط بتلامذته وكان من بينهم: أبو علي الجوزجاني، وأبو بكر الوراق، وبقي ملتزماً بخفايا الصوفية حتى آخر آيامه.
المرجع: http://www.ziyonet.uz/ru// باللغة الروسية.
إعداد: أ.د. محمد البخاري، طشقند، 30/9/2013.

الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

جلال الدين رومي

جلال الدين رومي
جلال الدين محمد رومي، شاعر متصوف كبير من كلاسيكيي الأدب العالمي، ولد بمدينة بلخ في خراسان سبتمبر/أيلول عام 1207م، بأسرة رجل الدين البارز محمد بن حسين الخطيب البلخي، الذي مارس الدعوة الدينية تحت الاسم المستعار  بهاء الدين ولد، معتبراً نفسه الوريث الفكري والروحي للمفكر الصوفي العظيم الغزالي.
سيرة حياته



اضطر جلال الدين محمد رومي لمغادرة موطنه بلخ أهم مدن خراسان في طفولته. وكان الده محمد بهاء الدين ولد، عالم دين صوفي، ولهذا السبب دعاه شاه خوارزم محمد لخدمته في القصر. ولكن محمد بهاء الدين ولد، كان ثابت الإيمان واسع المعرفة وعادل. وتحت مختلف الحجج تهرب من دعوة الشاه وبقي يعلم الأطفال في المدرسة مستمراً بنشاطاته العلمية الإبداعية. وعلى هذه الخلفية اختلف مع شاه خوارزم. وبحجة أداء فريضة الحج غادر وأسرته مدينة بلخ.
وأثناء رحلته إلى مكة المكرمة التقى جلال الدين محمد رومي وتحدث مع الشيخ فريد الدين محمد التور. وتعلق الشيخ المحب للمعرفة بالرومي وأهداه كتابه "أسرار نامة"، الذي حرص جلال الدين رومي على حمله معه دائماً.
وبفضل العلوم التي حصل عليها من علماء ذلك العصر: الشيخ شمسي تبريزي، وفريد الدين محمد التور، وصل إلى مستويات رفيعة في الشعر والفلسفة والعلوم الدينية. وتعلم الفلسفة عند شمسي تبريزي، وتعرف على أصول الصوفية.
وفي عام 1228م حصل محمد بهاء الدين ولد، على دعوة لممارسة التعليم في مدرسة قونيه وتوجه إلى هناك، وسرعان ما توفي في عام 1231م وأخذ مكانه في المدرسة جلال الدين. وخلال سنة مارس فيها جلال الدين التعليم في المدرسة وأصبح تلميذاً وآمن بأفكار وليد شيخ برهان الدين محقق. واستمرت تربيته الدينية نحو عشر سنوات، ولكن حياة جلال الدين لم تتغير: وبقي معلماً محترماً في المدرسة وإماماً في المسجد وعاش مع أسرته بسعادة وهناء.
وحصل جلال الدين على تربية بالطريقة الصوفية من الداعية الصوفي شمس الدين تبريزي. وكانت تعاليم هذا الدرويش تتم من خلال محادثاتهما الشخصية، وسرعان ما جرت تبدلات خفية في صميم  جلال الدين الذي كان يلتقي تعاليمه بسعادة وحب متبادل بينهما، وكان فقدانه مأساة له وهو الشاعر الموهوب الذي عرفه العالم.
ولم يستطيع جلال الدين الحياة والإبداع دون ملهم روحي، يذكره بالصفات الروحية لشمس الدين الذي غادر الحياة عام 1247م. وأصبح ملهمه الروحي الصائغ الشاب صلاح الدين زركوب، وعندما توفي عام 1258م، شغل مكانه حسام الدين حسن، الذي ترأس تلاميذ الشاعر والشيخ الصوفي كما كان يطلق على جلال الدين آنذاك.
وبفضل حسام الدين تعرف العالم على أكثر أشعار جلال الدين التي كتبها وحافظ عليها للإنسانية، لأنه وكما هو معروف تنسى الأشعار بمجرد أن يكتبها أو يقرأها الشاعر على المسامع. وباقتراح منه أو بمساعدته تم إصدار مؤلفات جلال الدين الرئيسية، وهي ستة أجزاء لقصيدته "مثنوي" ("قصيدة عن الأفكار المخفية"). التي تعتبر موسوعة صوفية، يستطيع تقييمها فقط من سار على الطريقة الصوفية، والنظر إليها من خلال أفكار الغزالي، وثنائي، وعطاره المتطورة وغيرهم من الشعراء الصوفيين في تلك المرحلة.
وجاءت عظمة جلال الدين رومي من أنه إستطاع الصعود إلى مستوى شاعر ومربي عظيم في العالم التركي. وفي كل التيارات الدينية الإسلامية وغيرها من الأديان، ودعى لفكرة واحدة تدعو لحب الخالق، والإيمان بقدراته، والطهارة في الأفكار والأعمال. وكتب: "الطرق يمكن تكون مختلفة، ولكن الهدف النهائي واحد، هو الوقوف أمام الله (ج)". وحتى نهاية حياته دعى بأن الجميع متساوون أمام الله (ج).
ويعتبر كتاب رومي "جوهر المعرفة" فريداً من نوعة، ولايوجد مثيل له وكتبه بأسلوب خاص. ولم يكتبه بأسلوب الرباعي بل بأسلوب النثر. وتعبر كلمات الكتاب عن نفسها كجوهر في التعبير. وعبرت بحرية كاملة عن: الروح، والفكر، وعن الأوضاع من خلال الجمل. وبعد رومي بنحو ثمانية قرون أخذ شعراء القرن العشرين باستخدامها في الأساليب الأدبية، التي أطلقوا عليها تسمية الشعر الأبيض. وهي التي اكتشفها واستخدمها جلال الدين رومي بمؤلفاتة في القرن الـ 13م.
وكتب جلال الدين رومي مؤلفاته المحببة في سن الـ 15. وتضمنت 25618 بيتاً شعرياً. ويمكن اعتبار كتابه من روائع الأدب العالمي. ولهذا سمي دائماً بـ"قانون الصوفية".
وفي ذلك الوقت كانت التعبير عن الرأي بطولة عظيمة وخاصة أن منشأ كل البشر على الأرض واحد، بغض النظر عن أديانهم، وهو ما كتبه رومي.
وكتب جلال الدين مؤلفاته تحت مختلف الأسماء المستعارة: "بلخي"، وفق المكان الذي ولد فيه، و"شمس تبريزي"، باسم صديقه ومعلمه الروحي، ولكن الاسم المستعار الأكثر استعمالاً كان "رومي" وفق البلد الذي اختاره وأصدقائه المقربين وطناً ثانياً لهم.
توفي جلال الدين رومي بقونيه في ديسمبر/كانون أول عام 1273م ودفن في الضريح إلى جانب أبيه. ويعتبر قبرهم مكاناً للزيارة والتبرك حتى اليوم.
من الأمثلة الصوفية للرومي
يعتبر جلال الدين رومي أحد أعمدة الصوفية. وجاء إليه الكثير من الناس من أجل النصيحة والكلمات الحكيمة. وذات مرة حضرت إليه جارته مع صبي وقالت:
- جربت كل الأساليب، ولكن الطفل لا يسمعني. فهو يأكل السكر بكثرة. من فضلكم قولوا له أنتم، أن هذا سيء. فهو سيسمعكم، لأنه بحترمكم كثيراً.
 نظر رومي إلى الطفل، ورأى الصدق في عينية، وقال:
- تعالوا بعد ثلاثة أسابيع.
ولم تفهم المرأة شيئاً. وهذه من بسائط الأشياء ! لا أفهم... الناس يأتون من بلدان بعيدة، ورومي يساعدهم على حل مشاكلهم مباشرة... ولكنها أطاعته وعادت بعد ثلاثة أسابيع. ونظر رومي مرة أخرى إلى الطفل وقال:
- عودوا مرة أخرى بعد ثلاثة أسابيع.
وهنا لم تتماسك المرأة نفسها، وتشجعت وسألته، ما السبب ؟ ولكن رومي كرر ما قاله فقط.
وعندما عادا في المرة الثالثة، قال رومي للفتى:
- يابني، اسمع نصيحتي، لا تأكل الكثير من السكر، لأن هذا مضر بالصحة.
- وأجاب الطفل: طالما تنصحني، لن أفعل ذلك بعد اليوم.
وطلبت الأم من الطفل أن ينتظر في الشارع. وبعد أن خرج سألت رومي، لماذا لم تفعل ذلك من المرة الأولى، وهذا بسيط ؟ فاعترف لها جلال الدين بأنه أحب أكل السكر، وقبل أن يعطي النصيحة، عليه أن يتخلص من ذلك. وفي البداية اعتقد أن ثلاثة أسابيع كافية، ولكنه أخطأ... لأن صفات المعلم الحقيقي: أنه لا يعلم سوى ما جربه بنفسه. والمعلم يجب أن يكون صادقاً وبالدرجة الأولى مع نفسه. وكلماته ستأخذ طريقها للتنفيذ. وكلمات المعلم تأتي من خبرته الذاتية، وحكمته التي تعيش داخل نفسه، وليس فيما يكتبه. وهنا من الصعب عدم تذكر المثل القائل: "عندما يقوم إنسان طيب بتعليم دراسات كاذبة، تصبح حقيقية. وعندما يقوم إنسان سيء بتعليم دراسات صادقة، تصبح كاذبة".
أ.د. محمد البخاري، طشقند: 25/9/2013م

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

يا شرفاء العالم أوقفوا الحرب العالمية الدائرة على الأراضي السورية

يا شرفاء العالم أوقفوا الحرب العالمية الدائرة على الأراضي السورية

ذكرت بعض المصادر الإعلامية أن أعداد المسلحين الأجانب الذين يقاتلون على الأراضي السورية بلغ أكثر من 130 ألف مسلح قتل منهم هناك أكثر 10 آلاف مسلح إضافة لآلاف المفقودين منهم حتى الآن.

بينما أشارت دراسة أجراها المعهد البريطاني للدفاع «آي.اتش.اس جينز» ونشرتها صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إلى أن المسلحين المتشددين يشكلون نصف عدد الارهابيين المقاتلين على الآراضي السورية، وأن عددهم بلغ أكثر من 100 ألف إرهابي مسلح من 83 دولة من دول العالم، يقاتلون الجيش العربي السوري ضمن 1000 مجموعة مسلحة تحت لواء ألوية جماعات مرتبطة بتنظيم "القاعدة" المصنف عالمياً كتنظيم إرهابي متشدد، وأن نحو 35 ألف مسلح منهم هم إسلاميون يقاتلون ضمن مجموعات إرهابية مسلحة متشددة، قتل منهم وفق ما أوردته الدراسة 11229 مسلح إضافة لفقدان نحو 8460 مسلح على الأراضي السورية. وقال المشرف على الدراسة تشارز ليستر: أن "فكرة قيادة المعارضة السورية من قبل مجموعات علمانية لا إثبات لها".
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الدراسة استندت إلى مقابلات أجريت مع مسلحين وإلى تقديرات استخبارية. وأن مسلحين من دول أعضاء بجامعة الدول العربية هي: الأردن، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وتونس، والجزائر، وجزر القمر، والعربية السعودية، والصومال، وعمان، والعراق، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، ومصر، والمغرب، وموريتانيا، واليمن، يشاركون في القتال الدائر على الأراضي السورية الآن.
بالإضافة لمسلحين من دول أعضاء بمنظمة الأمم المتحدة تشمل جميع قارات العالم وهي: إثيوبيا، وأذربيجان، والأرجنتين، وأستراليا، واستونيا، وأفغانستان، وألمانيا، وأوزبكستان، وأوكرانيا، وإندونيسيا، وإيرلندا، وإيطاليا، وباكستان، والبرتغال، والبرازيل، وبريطانيا، وبلجيكا، وبوركينا فاصو، وبلغاريا، والبوسنة، وبولونيا، وتركيا، وتركمانستان، وترينيداد، وتشاد، والتشيك، وجورجيا، وجنوب إفريقيا، والدانمارك، وسلوفينيا، والسنغال، وسورينام، والسويد، وسويسرا، وسيراليون، والصين، وطاجكستان، وفرنسا، وفنلندا، والفيدرالية الروسية، وقازاقستان، وقرغيزيا، وكرواتيا، وكندا، وكوسوفو، ولاتفيا، ومالطة، وماليزيا، والمكسيك، والنرويج، والنمسا، ونيوزيلاند، ونيجيريا، والنيجر، وهنغاريا، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من دول العالم.
وهذا يعني أن الصراع الدائر على الأرض السورية اليوم هو بمثابة حرب عالمية غير معلنة، وأن الدول التي يشارك مواطنوها في القتال على الأراضي السورية معنية بالتنسيق مع السلطات السورية وسلطات الدول المجاورة لسورية للكشف عن طريقة وصول مواطنيهم إلى الأراضي السورية للقتال ضد الجيش العربي السوري إن كانت غير متواطئة مع ما يجري على الأراضي السورية من عدوان خارجي، أو أنها متواطئة ولها مصلحة فيما يدور على الأراضي السورية من قتال يهدف إلى تدمير المقدرات الإقتصادية والبشرية والبنية التحتية، وإنهاك واستنزاف الجيش العربي السوري وتشريد وإذلال الشعب السوري ونهب وتدمير ممتلكاته.
وأعتقد أنه من واجب منظمة الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها السعي لاكتشاف الحقائق وإيقاف التزييف والمعايير المزدوجة التي تتبعها بعض الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، لوقف القتال الدائر على الأراضي السورية قبل أن يتحول إلى حرب عالمية ثالثة معلنة تقضي لا سمح الله على الإنسانية جمعاء من خلال أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها اليوم عدة دول إلى جانب الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي، المعني بإحلال السلام والإستقرار في العالم.
وأقول للغيورين المعنيين بالمصلحة الوطنية العليا لسورية أن القرار الديمقراطي السليم يأتي من داخل سورية ذاتها، بمشاركة كل الأطياف التي تعيش فعلاً على الأراضي السورية وفقاً للقانون والمواثيق الدولية التي تعترف بها سورية، لا شريعة الغاب, عن طريق تنظيم إنتخابات ديمقراطية لاختيار سلطة وطنية تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، تشارك فيها الدول التي لم يثبت تورطها بما يجري على الساحة السورية بل الدول المحايدة منها. بعد إيقاف نار ملزم لكل الأطراف المتقاتلة على الساحة السورية، لتفويت الفرصة على الذين يريدون تحويل سورية إلى أفغانستان أو صومال جديدة، ووقف تهريب السلاح والمسلحين عبر حدود الدول المجاورة لسورية.
ولو أن منظمة الأمم المتحدة أثبتت عجزها أكثر من مرة عن إدانة الإعتداءآت الإسرائيلية المتكررة على مراكز البحث العلمي ومواقع الجيش العربي السوري في عمق الأراضي السورية، وعجزها الدائم عن إعادة الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل من الجولان السوري منذ عام 1967. وعجزها عن إيجاد حل منصف للقضية الفلسطينة، وتطبيق قراراتها المنصفة للحقوق الفلسطينية الصادرة منذ عام 1948 وحتى اليوم.
وأعتقد أن جامعة الدول العربية فقدت اليوم شرعيتها وإمكانية مشاركتها في حل القضية السورية بعد أن أعلنت إنحيازها التام لطرف واحد من أطراف الصراع الدائر على الأراضي السورية، وقامت بتجميد عضوية سورية فيها، بدلاً من تقديم المؤازرة للسلطات الشرعية في سورية والعمل على حل القضية السورية بالطرق الدبلوماسية الهادئة ودون تحيز لأي طرف من أطراف الصراع بل لمصلحة الشعب السوري الذي يعاني من تداعيات الحرب العالمية الدائرة على أراضيه.
أ.د. محمد البخاري. طشقند: 23/9/2013

السبت، 21 سبتمبر 2013

عالم الفلك علي القوشتشجي

علي القوشتشجي
علي القوشتشجي (1403-1474م)، عالم فلكي ورياضيات من وسط آسيا. وأحد تلاميذ أولوغ بيك، والكاشي، وقاضي زادة الرومي. بعد وفاة آخر المسؤولين عن مرصد سمرقند الفلكي ساهم في تطوير "كورغان زيجي".
سيرة حياته

غادر القوشتشجي إلى فارس، بعد مقتل أولوغ بيك، ومن هناك توجه إلى القسطنطينية التي سقطت منذ مدة قريبة في أيدي الأتراك، ودخل هناك في خدمة السلطان محمد الثاني. وأطلع العلماء البيزنطيين فيها على بعض الإكتشافات التي توصلت إليها المدرسة الفلكية في سمرقند، وخاصة الكسور العشرية. ونظم القوشتشجي مدرسة في مسجد آيا صوفيا في اسطنبول، الذي حوله الأتراك من كنيسة القديسة آيا صوفيا إلى مسجد آيا صوفيا، وعمل هناك على تربية عدد من العلماء الأتراك.
وكتب القوشتشجي "رسالة في علم الحساب" و"الأطروحة في علم الفلك" التان لعبتا دوراً بكبيراً في دراسة الرياضات ببلدان الشرقين الأدنى والأوسط خلال القرنين الـ 16 و الـ 17م. وكتب القوشتشجي تعليقاً على "كورغان زيجي" الذي ألفه أولوغ بيك، و"سلم السماء" الذي ألفه الكاشي.
وناقش القوشتشجي في مؤلفاته الفلكية إمكانية دوران الأرض حول محورها، وافترض أن ذلك لا يتعارض مع المعلومات والخبرات المتوفرة، ورفض استخدام فلسفة أرسطو عن الطبيعة لحل المشاكل التي تناولها.
وحسب القوشتشجي رقم "بي" الذي يصل إلى 16 من 10 (وضاعف الـ 27 من جانبي المضلع ليتوصل إلى أن للمضلع الثلاثي 228 زاوية).
وبعد مرور 150 عاماً على القوشتشجي، حسب ف. فييت الـ"بي" من خلال 9 أعشار فقط وضاعف الجوانب الـ 16 لأطراف المضلعات.
وبعد مرور 250 عاماً على القوشتشجي، فقط تمكن العلم من تجاوز نتائجه. وفي عام 1615م عثر عالم الرياضيات الهولندي من كولونيا لودولف فان زيل على 32 علامة صحيحة.

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

الشاعر أبو عبد الله روداكي

الشاعر أبو عبد الله روداكي
أبو عبد الله جعفر بن محمد روداكي، مؤسس الشعر الكلاسيكي الفارسي الطاجيكي، كتب أشعاره باللغة الفارسية، ووضع أسس لأنواع وأشكال الشعر الفارسي، وأعد أسس لأوزان الشعر الفارسي. واشتهر منذ شبابه بصوته الجميل، ومواهبه الشعرية، ومهارته في العزف على الآلة الموسيقية "رودي".
سيرة حياته



ولد روداكي في أواسط القرن الـ 9 الميلادي، بقرية بانج رود (بالقرب من بينجيكينت في طاجكستان اليوم) في أسرة من الفلاحين. ورغم أنه كان أعمى منذ الولادة كما ذكرت أسطورة العوفي الذي عاش في القرن الـ13 ميلادي، إلا أنه حصل على تعليم جيد، وعرف اللغة العربية والقرآن الكريم. وكان نجم روداكي ساطعاً في الشعر الخراساني الذي أحبه السامانيون لسنوات عديدة، ولقب بـ"عندليب خراسان". ولأكثر من 40 عاما ترأس كوكبة من الشعراء في بلاط الحكام السامانيين في بخارى، وحصل على شهرة وثروة كبيرة.
ولا يمكن القول أن حياة روداكي كانت كلها في النعيم والسعادة. فالشاعر، خدم لأكثر من أربعين عاما في بلاط الحكام السامانييين، وفي سن الشيخوخة، تعرض للإنهيار والطرد من البلاط. لأسباب مجهولة، يمكن الإفتراض بأنها كانت بسبب مواقفه المتعاطفة مع احد المتمردين الشعبيين في بخارى، وهي التي لعبت دوراً كبيراً في طرده من البلاط، وكانت تلك الشخصية المتمردة مرتبطة بحركة الكراماتيين التي بشرت بالمساواة بين البشر. وبعدها عاش روداكي لفترة قصيرة وتوفي عام 941م في قريته.
وتشير المصادر التاريخية، إلى أن روداكي كتب العديد من المؤلفات. ورغم تراثه الكبير لم يصل إلينا سوى نحو ألف بيت شعري. واعتبر البعض أن ذلك من الأدلة على عبقرية الشاعر. وأشعاره تتميز بإنسانية حقة، وتعبير عاطفي فريد من نوعه، واعتبرت كلماتها الرائعة منعطفاً غير متوقع في تصوير المزاج العام، وبأعجوبة بقيت أشعاره عبر قرون من الاضطرابات الاجتماعية العنيفة التي واجهتها المنطقة.
وقصيدته "ذنب الأم" (933م) بقيت بالكامل، وبقيت قصيدته المتضمنة لسيرته الذاتية "شكوى الشيخوخة"، بالإضافة لـ 40 رباعي (رباعيات). والبقية أجزاء من شعر المديح، والعاطفة، والمحتوى الفلسفي والتعليمي، من بينها مقتطفات من قصيدة "كليلة ودمنة" ( ترجمت من اللغة العربية عام 932م) ، وخمسة قصائد شعرية أخرى. إلى جانب مواضيع في الثناء والمفارقات التاريخية، تضمنتها أشعار روداكي الذي آمن بقوة العقل البشري، ودعى فيها للمعرفة والفضيلة، وكان تأثيرها قوياً على حياة البشر. ووفرت بساطة أدواته الشعرية، وسهولتها، و تصويرها الساطع، لمعاصريه إمكانية تمييز الأسلوب الخراساني، أو التركستاني عن غيره من الأساليب، واستمر هذا الأسلوب في الشعر حتى أواخر القرن الثاني عشر الميلادي.
وهناك أسطورة معروفة، وصفها نظامي في كتابه العروض السمرقندي "مجموعة من النوادر، أو أربعة أحاديث" شرح فيها طريقة سماع أشعار روداكي عن بخارى وأسلوبه في عرض "وطنية المدن"، وبدأ بأبيات ... من نقل رائحة المياه، موليان ...، وتغنت الأغنية بالأمير ومرافقيه، الذين كانوا في الطريق، ليترك كل شيء وراءه، ويعود إلى المدينة حيث مسقط رأسه:
عن بخارى ! أفرح وأسكن في القرون !
الأمير إليكِ، بسعادة أخذ الطريق.
الأمير - سرو ، وبخارى - حديقة.
السرو يعود مرة أخرى إلى حديقته الخاصة.
الأمير – شهر، وبخارى - السماء.
الشهر يشرق في السماء.
ورافقت قصيدته "ذنب الأم" هدايا الأمير حاكم خراسان للحاكم المحلي لقاء المساعدات العسكرية التي قدمها لقمع التمرد. وتتألف القصيدة من جزئين مقدمة والهدف من المديح. وتبدأ بوصف عمليات الإستعداد للحرب، ومعاناة "أبناء الكرمة". ولمثل هذه الخلفية دوافع ترتبط بأيام الأعياد الموسمية، النوروز في الربيع، ومهرغان في الخريف، وتشمل طقوسها تبجيل الآلهة الزراعية، وموت وإنبعاث الحياة في الطبيعة. وأعطى في الجزء التمهيدي صورة لوليمة في البلاط. وفي الجزء الرئيسي يمتدح العديد من الفضائل التي هي من صفات الحاكم المثالي. وقارنها روداكي بالشخصيات التاريخية والأسطورية، مع قائمة من خلفيات المديح لشخصيات بارزة في تاريخ الدين الإسلامي المقدس، والحكماء اليونانيين، وأبطال الملاحم الإيرانية. وبعدها تضمنت قائمة من خلفيات الثناء على ما سيتمتع به خلفاء الحاكم من بعده.
واعتمدت قصيدة "الكهولة" على نفس الخط مقدمة والقسم الرئيسي. استعرض فيها الشاعر أسئلة وأجوبة اعتمدت على التفكير بعدم ثبات الحياة. ودارت الفكرة الأساسية حول شخص يخضع لنفس القوانين، كما هي الحال في عالم الموتى، وأن الحياة تعبر بسرعة، وتبقى الذكريات عن الشباب والحب. وفي الجزء الرئيسي، ذكريات من الماضي، يفخر روداكي بدوره كـ"شاعر الدولة" وبتأثيره في البلاط (مديح الذات):
كم من القلوب شبهت بالحرير في الأشعار،
وكانت قاسية، مثل الصخر والسندان.
وتتكرر الأبيات الأخيرة من القصيدة كطوق من الزخارف والخلفيات. وبعد قرن من انتشارها، كانت قصيدة "الكهولة" مصدراً لـ"أجوبة" شعرية عديدة كتبها بمختلف الأشكال، الشعراء قيسي، وميروازي، وأونسوري، وأزراكي، وسوزاني.
وإبداعات روداكي وضعت أساساً كاملاً للشعر الطاجيكي - الفارسي، وأعدت الأشكال الفنية الرئيسية لها؛ وتبلورت في قصائده جميع الأوزان الشعرية تقريباً وفق الأنظمة والأشكال المعروفة. لتصبح نموذجا تحتذي به الأجيال الصاعدة من الشعراء الطاجيك. واعترف به كمؤسس للشعر الكلاسيكي، الذي انتشر خلال القرون الممتدة من القرن الـ10 وحتى القرن الـ15 الميلادي. وبرز بين الطاجيك والفرس، شعراء لامعين أمثال: الفردوسي، والخيام، وسعدي، و غيرهم من كلاسيكيي الشعر الفارسي الذين بمحبة ذكروا روداكي، واعتبروه معلمهم.
و تميز قصائد روداكي بالمهارة العالية، وتعكس الأفكار الإنسانية المتقدمة. وتعتبر أول الأشعار المكتوبة باللغة االفارسية وجذبت الإنتباه للإنسان وقدمته في الأدب، ووضعته في صلب الإهتمام. وأعطى روداكي وصف الطبيعة والأفكار الفلسفية كلها من خلال رؤيته، للإنسان العادي "الذي يعيش على الأرض"، ويفكر بوضوح وبساطة. وأشعار روداكي، تغذت من عصير مواهب الحكمة الأبدية المستمدة من الحياة الشعبية، وانتشرت في العالم كله، وأصبحت من أبرز ظواهر الثقافة العالمية.

الجمعة، 13 سبتمبر 2013

الأديب يوسف خاص حاجب البالاساغوني

الأديب يوسف خاص حاجب البالاساغوني
يوسف خاص حاجب البالاساغوني أديب من وسط آسيا، ولد عام 1015 أو 1018م، وعاش خلال القرن الـ11 في الدولة الفره خانية. وحصل في بداية حياته على تعليم جيد تذوق من خلاله الروح البشرية وعبر عنها في كتاباته. وهو فيلسوف، وعالم موسوعي، وشاعر بارز، نظم الشعر  وامتلك كل خفايا الشعر والتراث الشعبي التركي.
سيرة حياته


ولد يوسف خاص حاجب البالاساغوني بمدينة بالاساغون عاصمة الدولة القره خانية. وأتم قصيدته "كوتادغو بيليغ" ("معرفة النعمة" أو "علم السعادة") في سن الـ 50، وأهداها لحاكم قشقار، الذي منحه لقب "خاص حاجب" أي وزير في الديوان الملكي.
ووصلت قصيدة يوسف خاص حاجب "كوتادغو بيليغ" إلينا من خلال ثلاثة مخطوطات، وهي:
1 . مخطوطة فيينا، التي صنفت وفق موقع تواجدها، أو مخطوطة هيرات وفق المكان الذي نسخت فيه. اكتشفت المخطوطة واقتنيت من مكتبة العالم النمساوي يوسف فون هامر-بورغشاليم في اسطنبول عام 1796م وسلمت للمكتبة الملكية في فيينا. والمخطوطة مكتوبة بالحروف اليوغورية وتنقصها جملة من البيوت الشعرية.
2 . ومخطوطة القاهرة. المكتوبة بالخط العربي، التي اكتشفها العالم الألماني ب.موريتس عام 1896م في مكتبة الخديوي بالقاهرة والذي كان حينها مديراً لها. والنسخة ناقصة، وتفتقر للعديد من الأبيات الشعرية.
3 . ومخطوطة نمنغان. وهي أكثر إكتمالاً من المخطوطات المعروفة. ومكتوبة بالخط العربي، واكتشفتها العالم الأوزبكي أ.ز.وليدوف، عام 1913م بمدينة نمنغان. ويحتفظ بها معهد أبو ريحان البيروني للدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم في جمهورية أوزبكستان.
وهناك العديد من الترجمات والطبعات الأخرى لقصيدة "كوتادغو بيليغ"، ولا سيما باللغات التركية والأويغور والألمانية والأذربيجانية وغيرها من اللغات. وباللغة الأوزبكية الحديثة التي ترجمها ك.كريموف، عام 1971م.
وتحتوي قصيدة "كوتادغو بيليغ" على 6520 بيتاً شعرياً، قسمت إلى 85 فصلاً؛ وبالإضافة لذلك، للقصيدة ثلاثة ملاحق تحتوي على 124 بيتاً شعرياً، قسمت إلى ثلاثة فصول. وكتب الجزء الرئيسي منها على شكل مقاطع مثنى عروضي بقياس "المثنى المتقارب"، وكتب الملحق الأول بالمتقارب بالكامل.

ومن حيث التوجه الأخلاقي لقصيدة يوسف خاص حاجب البالاساغوني "كوتادغو بيليغ"، نرى أنها عمل فلسفي، تناول المؤلف فيها معنى وقيمة الحياة البشرية، التي حددت مسؤوليات ومعايير السلوك في المجتمع. واحتوت النقاط الهامة في القصيدة على ما يكفي من الانتقادات الداعية لتغيير المجتمع نحو الأفضل.
والفكرة الرئيسية في قصيدة "كوتادغو بيليغ" تدعو لأربعة مسلمات أعرب الكاتب عنها بواسطة أبطالها، وهي:
1 . إبداع القانون الصحيح، الذي يعتبر كيونتوغدي (ومعناها المترجم "أشرقت الشمس").
2 . السعادة، وجسدها بصورة الوزير العادل (ترجمتها "القمر الكامل").
3 . العقل، ويجسده ابن الوزير أوغديولميش (وترجمتها "فضل العقل").
4 . المستقبل، أي الحياة بعد القبر. وجسد هذا المفهوم شقيق الوزير أودغورميش (ترجمتها "الصحوة").
وبني موضوع القصيدة على المحادثات التي جرت بين الأبطال بعضهم البعض، ورسائلهم، التي تناولت مختلف الموضوعات كـ: حتمية الموت، وضرورة التفكير في المستقبل، والحياة الأبدية، و الأخلاق. وسبق الفصل التمهيدي، قيام المؤلف وفقا للتقاليد الموروثة بشكر الله (جل)، ونبي المسلمين (ص) و الخلفاء الصالحين الأربعة الذين ورثوا السلطة بعد وفاة النبي (ص). ومن ثم انتقل للتغني بالربيع، و غنى الحاكم تاوغاتش-بوغرا-قره خاني"النشيد الوطني". وبعد ذلك تحدث يوسف خاص حاجب عن المجرات السبعة، وعن علامات الأبراج الاثنى عشرة، وتحدث عن قيم الناس، وفضل اللغة. ومن البيت الشعري الـ 398 فقط تحدث المؤلف عن الشخصية الرئيسية في القصيدة وهي حاكم (إيليك) كيونتوغدي.
والمحتوى الرئيسي لـ"كوتادغو بيليغ" تضمن: الإعجاب بحكمة إيليكا الذي قرر أيتولدي التوجه لخدمته. مظهراً مقدراته المتميزة في المعرفة، ليحصل من إيليكا على منصب وزير.
والمحادثات كثيرة ومتنوعة المواضيع وجرت بين إيليكا والوزير. مع استمرارهما بمناقشة مفاهيم: السعادة، والعدالة، وحديثهما عن مزايا اللغة وفوائد الحديث.
وفي سن الشيخوخة اتخذ أيتولدي قرراً بالتقاعد، وقدم لإيليكا ابنه أوغديولميش، وهكذا شغل الابن منصب الوزير مكان والده، وبعد ذلك قدم لنا مؤلف القصيدة المحادثات التي أجراها إيليكا معه مع تنوع مواضيعها. وتناولت جوهر العقل، والصفات الحميدة للبيك، وما ينبغي أن يقوم به مختلف الموظفين في البلاط، والعلاقة الواجب اتباعها مع الخدم.
وبناء على نصيحة أوغديولميش دعى إيليكا إلى القصر أدغورميش. وتتحدث الفصول الختامية للقصيدة عن محادثات ومراسلات إيليكا وأوغديولميش مع أدغورميش. وجملة القضايا التي ناقشوها وتنوعها الكبير.
وآراء يوسف البالاساغوني الاجتماعية والسياسية، جاءت وفقاً لمحتويات القصيدة، تحت تأثير الإسلام والشريعة الإسلامية التي تتحكم بالمواقف القانونية والمعنوية والأخلاقية للمسلمين. وبين مؤلف القصيدة كيف كان ينبغي أن يكون الحكام، والناس العاديين أيضاً؛ وما هي الصفات الشخصية التي ينبغي أن يمتلكوها.
وعلى هذا الشكل، قدم مؤلف القصيدة في قصيدته، جملة من المطالب لقائد المجتمع: كأن يكون متعلماً، وأن يهتم بشؤون الناس، وأن يعرف جيداً الأداب والفنون، وغيرها.
وتتكامل قصيدة "كوتادغو بيليغ" في الكثير. وجاءت على مستوى عال وكاف للعلاقات الاجتماعية في المجتمع، وتمتعت بأهمية واسعة في العلاقات الثقافة بين البشر، والثقافية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص، وافتراض وجود مفاهيم أخلاقية وأسس لتربية الجيل الصاعد. مما يمكن من افتراض أن مثل هذه الأعمال الضخمة كانت في ذلك الوقت بمستوى فني عال ولم تكن وحيدة. وعلى ما يبدو، أنه كانت هناك تقاليد شعرية متطورة، وكان يوسف خاص حاجب البالاساغوني أحد أفضل ممثليها في الشعر.
بحث كتبه أ.د. محمد البخاري
طشقند 13/9/2013

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

المتصوف الشهير نجم الدين كبرو

المتصوف الشهير نجم الدين كبرو
كان الشيخ نجم الدين كبرو (1146-1221م) من المتصوفين المشهورين في القرن الـ 12 الميلادي، وهو عالم ترك بعد وفاته تراثاً غنياً في مجالات مختلف العلوم. وحصلت دراساته على تسمية "دراسات كبرو" وهذا يعني أنها عظيمة أو "ذهبية" لأنها أثرت كثيراً على الحياة الروحية في دولة خوارزم شاه وفي العالم الإسلامي.
سيرة حياته


ولد نجم الدين كبرو في خوارزم عام 1146م، وأمضى أول نصف حياته في التنقل بين: نيشابور، وحمدان، وأصفهان، ومكة المكرمة، والإسكندرية. وعاد إلى مسقط رأسه عام 1184م ومن وقتها تركزت أعماله في وسط آسيا، حيث كان له عدد كبير من التلاميذ.
ولم يكن نجم الدين كبرو مفكراً ومؤسس لمذهب صوفي جديد فقط، بل كان عالم نفس بارز تعمق في فهم النفس البشرية. ورأى النفس البشرية كـ"عالم صغير" تركزت فيه كل خصائص الـ"عالم الكبير". وافترض في عملية تكامل البر عند الإنسان أن يأخذ المعلم بيد المريد "التلميذ" على سلم الموروث الذي يبلغ عشرات ومئات الدرجات تشمل: التوبة، والزهد، والتوكل، والقناعة، والعزلة، والتوجه، والصبر، والمراقبة، والذكر، والرضا، نحو الحقيقة الإلاهية.
وخصص نجم الدين كبرو في مؤلفاته: "الأصول العشرة"، و"رسالة الترك"، و"في أحباب أصولكن"، و"فوائد الجمال" وغيرها من المؤلفات، مكانة هامة لنظرية الـ"لطائف"، التي تشير إلى أن الكون يتكون من مركز غير مرئي، ويقع في محيط الوعي، والأحاسيس، والروح، والجسد. ويجب على الصوفي بمساعدة تمارين معينة أن يشعر ويرى هذا المركز، الذي يعتبر نتيجة لتغيير الوضع، والشكل، والضوء. ويرى كبرو، أن الأوضاع الروحية للمريد يجب أن تمر عبر ثلاثة مراحل: الدائرة، والبقعة، والنقطة. والدائرة، هي الكون، والبقعة، هي شكل العالم، والنقطة، هي مركز (وحدة) الكون. ووعي جوهر النقطة، هو فكرة جوهر العالم الإلهي.
وهذا المخطط: الدائرة، والبقعة والنقطة، هو في حركة مستمرة، وتغير بعضها البعض من المحيط إلى المركز، وللألوان حركة دائمة. وكل دين أو أيديولوجيا يسهم في نظرية اللون ومفاهيمها. وعلماء الدين الإسلامي وخاصة الصوفيين ربطوها بالحالة النفسية للإنسان. ونظرية اللون موجودة في أكثر التيارات الصوفية. وهي موجودة على وجه الخصوص في مؤلفات: يسوي، وبيكتوشي، وكبرو. وبرأي كبرو أن الألوان تبدل بعضها البعض وفق هذه الطريقة: الأبيض، فالأصفر، فالسماوي، فالأزرق، فالأخضر، فالأحمر، فالأسود. وترتبط هذه الألوان السبعة بالأوضاع السبعة لروح المريد.
واللون الأبيض: هو لون الإسلام؛ واللون الأصفر: هو لون الإيمان (الضمير)؛ واللون السماوي: هو لون الإحياء (الهداية)؛ واللون الأزرق: هو لون الإمتحان (الإيمان)؛ واللون الأخضر: هو لون الإيمان (الإيمان الكامل)؛ واللون الأحمر: هو لون العرفان (المعرفة)؛ واللون الأسود: هو لون الخير، والهيجان (المفاجأة، والإعجاب)؛ وهذا يعني أن لكل لون معنى محدد يعني رمز محدد.
واللون الأبيض يرمز عند الكثير من الشعوب للنقاء والبراءة والصدق. وهذا اللون عند نجم الدين كبرو يرمز أيضاً للنقاء. وبعد الوصول إلى النقاء والطهارة يمكن للمريد أن يأخذ طريقه نحو "الطريقة" الصوفية.
ويتميز اللون الأصفر عن الأبيض لأنه هناك قيمة محددة للون عند مختلف الشعوب. وعلى سبيل المثال، كان أجداد شعوب وسط آسيا ينظرون إلى اللون الأصفر كنور لأشعة الشمس، والنار ، والذهب ، والثروة، وهكذا. و اللون الأصفر عند الأوروبيين هو لون الخريف، ورمز المسامحة، ومع دفىء الصيف على ما يبدو مع هذا اللون تصبح مفاهيم ترمز إلى: الانفصال، والحزن، والمرض. ويرمز هذا اللون الأصفر عند نجم الدين كبرو للأحاسيس العالية من محبة الله وبداية الحياة في سبيل الله.
واللون السماوي هو لون السماء والبحر، ويعني هذا اللون عند شعوب المناطق الشمالية لون: البرد، والظل؛ وعند الشعوب الشرقية يعني اللانهائية والخلود. وعند كبرو يرمز للـ"إحياء" الهداية، التي تشير إلى الحياة الجديدة، والخير، التأمل الذاتي، والتطهر من المعاصي، وبداية الانتقال من الحياة اليومية إلى "الطريقة" الصوفية، والنمو الروحي.
واللون الأزرق هو لون الأحلام، والحنان، والسحر، والماء. وعند نجم الدين كبرو يعني الإنتقال بعد "التوبة" إلى طريق الإيمان، والتخلص من الأفكار والأعمال السيئة الـ"حرام"، والامتناع عن ممارسة الأفعال التي حرمها الله، والانتقال إلى الأعمال الطاهرة  الـ"حلال".
واللون الأخضر هو رمز صحوة الحياة، والحيوية، والنمو من جديد، ولون العشب وأوراق الأشجار. وعند كبرو يعني لون الايمان الحقيقي، والحكمة في الظروف التي تحيط بالايمان الحقيقي الكامل بالله وبالروح.
وللون الأحمر أهمية للحماية ويرمز إلى الخصوبة، والجمال، والسعادة، والحب، ومن ناحية ثانية يرمز للانتقام، والكراهية، والحرب، وسفك الدماء. واللون الأحمر عند كبرو هو رمز عدم الإستقرار، وهذا يعني بداية انفصال الروح عن الجسد، لهذا يجب رعاية الروح، لتعي العالم الروحي.
واللون الأسود عند الكثير من الشعوب، هو رمز الظلام، والبؤس، والحزن، وهو لون الحداد، والموت، والغموض، وعالم تحت الأرض، وهكذا. واللون الأسود لدى الشعوب التركية يعني القوة، والعظمة، والسلطة، والهدف. واللون الأسود عند نجم الدين كبرو يعكس اقتراب الروح نحو الهدف وهي عتبة العالم الإلهي. وإدراك الألوهية التي هي الإعجاب بالعالم الإلهي.
ويشغل انعدام اللون مكانة خاصة في نظرية كبرو. لأنه يرمز للوصول إلى الهدف "الحقيقة"، وتتحد الحقيقة مع العالم الإلهي، والحقيقة. ويعتبر التسلسل في إنتقال الروح من وضع إلى آخر (من لون إلى آخر) اكتمال للروح.
وتطور نظرية الـ"لون" ووضع الروح (وفق رؤية كبرو) هو الـ"تعاون" والوضع الحقيقي للتوحد مع العالم الإلهي وهو "التمكين".
وكل تلميذ تحسن وتغير، عليه أن يشعر بذلك ويبلغ المعلم عن التغييرات الجارية في روحه من حيث الأشكال والألوان. ويقوم المعلم بدوره من خلال إجابات التلاميذ بتحديد مستوى التطور الذي وصل إليه التلميذ.
وحظيت أفكار ونظريات نجم الدين كبرو حول الأشكال والصلات، واتصال الألوان بعالم الروح وجوهر الإنسان على تطور لاحق لدى تلاميذه وغيرهم من علماء جيل الصاعد من المتصوفين. ويشتغل العالم الأوزبكي الدكتور في العلوم اللغوية البروفيسور نجم الدين كاميلوف في الوقت الحاضر، بدراسة أفكار كبرو، ويركز في دراساته على نظرية الـ"لطائف" خاصة وهي التي تثير إهتماماً كبيراً لدى رجال الدين والفلاسفة، وعلماء اللغة، والمؤرخين، وعلماء النفس، والمربين، ومؤرخي الفنون، ولدى الفنانين، والمصممين، والموسيقيين، ومصممي الرقصات، والعاملين في المسرح، والسينما والتلفزيون، وتشغل دراسة العلاقة بين الأشكال والألوان والروح الإنسانية مكانة هامة في نشاطاتهم الحالية.
بحث كتبه أ.د. محمد البخاري 
طشقند 11/9/2013