الأربعاء، 1 أغسطس 2012

بدايات الإستعمار الإقتصادي والثقافي الأوروبي للمشرق العربي



بدايات الإستعمار الإقتصادي والثقافي الأوروبي للمشرق العربي
1
 (صفحات من تاريخ المشرق العربي في سياسات المصالح الخارجية للدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى)




خلال لقاء القمة البريطاني الفرنسي الـ27 الذي عقد في لندن خلال تشرين ثاني/نوفمبر عام 2004 بمناسبة مرور قرن كامل على اتفاقية "أنتانته" (من القلب) أشار رئيس الوزراء البريطاني إلى أن التعاون البريطاني الفرنسي ضروري لإرساء الاستقرار في أوروبا، التي تمر بنفس الظروف التي كانت سائدة في أوروبا عند عقد الاتفاقية آنفة الذكر.
وهذا أمر طبيعي لأن التوسع التجاري البريطاني في الشرق الأوسط، خلال القرن السادس عشر كان مرتبطاً بالتعاون البريطاني والفرنسي والحد من الصراع القائم بينهما ومواجهة التوسع الإسباني والبرتغالي الآخذ بالتثبت آنذاك في جزر وشواطئ الطريق المارة من أوروبا عبر رأس الرجاء الصالح إلى الهند وجنوب شرق آسيا. خاصة وأن الدولة العثمانية أصيبت بضعف ووهن كبيرين نتيجة لعوامل داخلية وخارجية عديدة.
ومعروف أن بريطانيا بدأت تجارتها مع الجزر اليونانية وسورية الخاضعة للدولة العثمانية منذ عام 1511.
وكانت بريطانيا تستورد الزبيب من اليونان، والتوابل والحرير الخام والنسيج من سورية. وتبذل قصارى جهدها لإيجاد أسواق جديدة لمنسوجاتها الصوفية الفائضة عن حاجة أسواقها المحلية تجنباً لتصدير الصوف الخام الذي قد يتحول إلى مصدر من مصادر مزاحمة منتجاتها من الأنسجة الصوفية في أسواق الدول الأخرى (بولارد، سير ريدر: بريطانيا والشرق الأوسط من أقدم العصور وحتى 1952. نقله إلى العربية: حسن أحمد السلمان. بغداد: مطبعة الرابطة، 1956. ص 9 وما بعد).
وحصلت فرنسا على امتيازات تجارية على الأراضي العثمانية إثر توقيع الحكومة الفرنسية على معاهدة عام 1535 مع السلطان العثماني، وسرعان ما استفادت الدول الأخرى من تلك المعاهدة. وحصل التاجر الإنكليزي أنتوني جنكسون Antony Jenkinson على ترخيص من السلطان العثماني عام 1553 تتيح للتجار الإنكليز ممارسة التجارة على الأراضي العثمانية بنفس الشروط التي كان يتاجر بها تجار فينسيا، وفرنسا. ودشن بذلك عصراً طويلاً من التنافس الأوروبي - الأوروبي على احتكار التجارة مع دول الشرق الأوسط.
وبعد عودة جنكسون من جولة شملت موسكو، وبعض المناطق المحيطة ببحر قزوين، وأستراخان، وبخارى عام 1557 اقترح على بريطانيا التوسع بالتجارة مع البلاد الواقعة شرق سورية.
وبعد عقدين من الزمن قام تجار لندن عام 1578 بإرسال مندوب عنهم إلى الأستانة عبر طريق برية بعيدة عن عيون مزاحمي التجارة البريطانية في البحر الأبيض المتوسط. ورغم الجهود التي بذلها السفير الفرنسي في الأستانة لعرقلة جهود المندوب البريطاني إلا أنه عاد إلى لندن حاملاً رسالة من السلطان العثماني مراد إلى الملكة أليزابيث تضمنت تأكيدات تسمح للتجار البريطانيين بالتجارة على الأراضي العثمانية بنفس الشروط التي كان يتمتع بها التجار الفرنسيون، والفينيسيون، والبولونيون، والألمان.
وفي عام 1581 منحت الملكة اليزابيث تجار لندن حق احتكار التجارة في بلاد السلطان العثماني، وهو ما كان إيذاناً بإنشاء شركة الشرق Levant Company، التي استمرت في عملها حتى عام 1825 رغم المعارضة الشديدة التي واجهتها في عام 1605 لمنعها من التوسع بأهدافها لتشمل أهدافاً سياسية إلى جانب الأهداف التجارية التي قامت من أجلها.
واثر الجهود الناجحة التي قامت بها الشركة لإقناع الباب العالي العثماني بعدم عقد معاهدة عدم اعتداء مع إسبانيا بقصد منعها من سحب قواتها المرابطة على الحدود العثمانية لاستخدامها في حرب الأرمادا ضد الإنكليز في عام 1588، أصبح القناصل البريطانيون تابعين عملياً لشركة الشرق حتى عام 1841، وبدأت الشركة عملياً باستخدام رجال الدين للتبشير للدين المسيحي وخدمة الجاليات البريطانية في الدولة العثمانية ومن بينهم كان المستشرق وأستاذ اللغة العربية بجامعة أكسفورد آنذاك القس إدوارد بوكوك Rev. Edward Pocock الذي أمضى خمسة أعوام بمدينة حلب خدم خلالها الجالية البريطانية ودرس الأوضاع في سورية وقام بدراسات استطلاعية كان يقوم بها فعلاً القناصل البريطانيون في سورية.
وسرعان ما نظمت الشركة رحلة استطلاعية ثانية من حلب ترأسها روبرت نيوبري Master Robert Newberry عبر الطريق البرية إلى مدينة البصرة، ومنها انتقل إلى جزيرة هرمز، وميناء بندر عباس في الخليج، ومن هناك عاد إلى العاصمة العثمانية الأستانة عبر إيران، ليصل بريطانيا بعد عامين من الرحلة.
وساعدت تقارير القناصل والرحالة التوسع البريطاني في الشرق الأوسط لما تضمنته من معلومات اجتماعية واقتصادية وسياسية هامة وصفت الأوضاع الاقتصادية وحالة طرق المواصلات، ومعتقدات وعادات وتقاليد سكان المناطق التي عبروها.
وللمرة الأولى تطرقت تلك التقارير للبترول الذي كان يسمى آنذاك بـ"زيت باكو" مؤذناً بدخول رأس المال البريطاني في مجال استثماره بعد عدة قرون من تلك التقارير التي كتبها القناصل الرحالة البريطانيين، لأن البريطانيون آنذاك ركزوا استثماراتهم في البداية على جمع وزراعة وتصدير المنتجات الزراعية وخاصة عرق السوس والتبغ من القوقاز وبلاد الأناضول وسورية والعراق.
وفي عام 1600 منحت ملكة بريطانيا اليزابيث شركة الهند الشرقية حقوق احتكار التجارة مع دول الشرق كلها، لينتهي عهد احتكار الإسبان والبرتغال لتجارة أوروبا مع تلك الدول، وليبدأ النفوذ البريطاني بالتوطد في الشرق الأوسط من أجل حماية طرق المواصلات والمصالح البريطانية المتصاعدة في الشرق.
ومنذ ذلك التاريخ قامت بعثتين تجاريتين بحريتين بالإبحار في البحر الأحمر:
الأولى عام 1609 بقيادة جون جوردون John Jourdain وصلت ببضائعها من الحديد والقصدير والرصاص والصوف إلى العاصمة اليمنية صنعاء.
والثانية خلال عامي 1610 و1611 بقيادة هنري مدلتون Sir Henry Middlton انتهت بمواجهة مع حاكم ميناء المخا لمخالفة بحارة مدلتون التقاليد المحلية وتعرضهم للنساء وتدنيسهم للمساجد واحتساءهم الخمر.
ومع ازدياد المصالح التجارية البريطانية في المنطقة قامت شركة الهند الشرقية بتأسيس مصنع لها في البصرة.
أعقبه بعد زوال المصالح البرتغالية عقد معاهدة دولية ثلاثية عام 1770 تقتسم بموجبها - السفن الفرنسية حراسة طرق الملاحة في الخليج؛ - والسفن الهولندية في البحر الأحمر؛ - والإنكليزية في بحر العرب.
متجاهلين تماماً مصالح الدولة العثمانية صاحبة السيادة في تلك المناطق لضعفها في مواجه المصالح الإقتصادية والسياسية الغربية التي سمحت بدخولها إلى أراضيها دون تقدير للعواقب.
إلى جانب استمرار الصراع البريطاني الروسي على مناطق النفوذ داخل أراضي الدولة الصفوية (بولارد، سير ريدر: بريطانيا والشرق الأوسط من أقدم العصور وحتى 1952. نقله إلى العربية: حسن أحمد السلمان. بغداد: مطبعة الرابطة، 1956. ص 9 - 25).
للبحث صلة
طشقند 1/8/2012             بروفيسور محمد البخاري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق