الجمعة، 5 يوليو 2013

تأثير التبادل الإعلامي الدولي على عملية اتخاذ القرارات

أ.د. محمد البخاري: تأثير التبادل الإعلامي الدولي على عملية اتخاذ القرارات 25 من كتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
25
تأثير التبادل الإعلامي الدولي على عملية اتخاذ القرارات
ووسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية تتمتع بتأثير هام على الجمهور وخاصة في الميدان السياسي، ولذلك كان لا بد عند دراسة تأثير وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية على عملية اتخاذ القرارات، من الأخذ بعين الاعتبار تأثير هذه الوسائل على الزعماء السياسيين، واستناداً لعدة أبحاث وجدنا أن قادة الرأي لا يبحثون غالباً عن دور قائد الرأي، وأحياناً ليس لديهم شعور بدورهم كقادة للرأي، ولكن قادة الرأي هؤلاء يتميزون بعدة خصائص منها:
- أنهم يمثلون الجماعات التي ينتمون إليها ويؤثرون فيها جيداً؛
- وأنهم قادة للرأي في مجال اختصاصهم الذي يتناسب والمجموعات التي يؤثرون فيها؛
- وأنهم أكثر من غيرهم من أعضاء المجموعة التي ينتمون إليها معرضون لوسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية؛
- وأنهم أكثر من غيرهم من أعضاء المجموعات التي ينتمون إليها على إتصال مع غيرهم من قادة الرأي؛ وأنهم متواجدون في كل الأوساط الإجتماعية.
ولما كان لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي، المقدرة على تقرير ما ينبغي أن يعرف وما ينبغي الإحتفاظ به، فإنها بقيت تتمتع بأهمية خاصة في العلاقات الدولية، وقد تقوم وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية بمجرد نقل المعلومات الصادرة من قبل واضعي السياسة إلى الجمهور الإعلامي، دون أي اعتبار لدور الرأي العام في وضع تلك السياسة، كما يحدث في أكثر البلدان النامية. أو قد تستخدم وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية لدعم أهداف سياسية معينة، أو لخلق أحداثاً معينة من خلال التمهيد لها، والمساهمة في خلق ودعم وجهة النظر المعارضة، وهذا يفسر قيام بعض المخططين السياسيين، في البلدان المتقدمة بوجه الخصوص، بوضع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية والرأي العام في مرتبة واحدة، يؤثر كلاً منها بالآخر ويعكس صورة الآخر، ويشمل هذا الوضع أيضاً، واضعي السياسة الخارجية للدولة، من خلال تعاملهم مع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية المحلية والدولية، والرأي العام المحلي والعالمي. ويميل المخططون السياسيون إلى إعتبار أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تعكس في الحقيقة مواقف الرأي العام، وكثيراً ما يقبل المخطط السياسي ما تنشره وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية على أنها انعكاساً للحقيقة التي يراعيها عند رسم الخطة السياسية المطلوبة. ولكن الحقيقة أن المؤسسات الإعلامية في أي بلد من بلدان العالم غالباً ما تحدد أسبقيات ما تنشره وما لا تنشره من خلال ظروف تقنية بحتة لا علاقة لها البتة بالموضوع المنشور، وتتحكم بالزمن المتاح في وسائل الإتصال والإعلام المسموعة والمرئية، والمساحة المتاحة على صفحات الصحف والمجلات. ويؤثر التبادل الإعلامي الدولي على إتخاذ القرارات في السياسة الخارجية للدولة، من خلال مساهمته بإمداد أصحاب القرار بالمعلومات اللازمة، التي يمكن على أساسها إتخاذ قرار معين.
ويبرز دور التبادل الإعلامي الدولي من خلال وكالات الأنباء والإذاعات المسموعة والمرئية العالمية، والصحف والمجلات الأكثر إنتشاراً في العالم، إبان الأزمات السياسية والاقتصادية، والكوارث الطبيعية، والأخطار التي تهدد بلادهم أو تهدد البشرية، والصدامات العسكرية الساخنة، أو التهديد باستخدام القوة العسكرية على الساحة الدولية. حيث يعتمد أصحاب القرارات الحاسمة عند دراستهم للظروف والأوضاع من كل الجوانب، قبل اتخاذ القرار اللازم، على ما توفره مصادر الإعلام الدولية، والمصادر الدبلوماسية، ومصادر أجهزة أمن الدولة، ولهذا تعكف بعض المؤسسات العلمية على دراسة العلاقة بين عملية التبادل الإعلامي الدولي وعملية إتخاذ القرارات السياسية، من قبل الزعماء السياسيين، كواحدة من مؤشرات العلاقات الدولية بشكل عام. ومن الأبحاث الإعلامية الكثيرة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، الدراسة التي قامت بها مجلة Public Opinion Quarterly لمعرفة عادات القراءة لدى قادة الرأي الأمريكيين، وأظهرت أن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية المقروءة من قبل كبار قادة المؤسسات السياسية والإقتصادية الأمريكية، تعتبر مصادر معلومات يؤخذ بها من قبلهم، لاتخاذ القرارات ومزاولة مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية. وتناولت الدراسة 545 شخصاً من بينهم: منفذون في المجالات الصناعية؛ ومنفذون في المجالات غير الصناعية؛ وأصحاب ثروات كبيرة؛ وزعماء الجمعيات الخيرية؛ وأعضاء الكونغرس الأمريكي؛ ورؤساء اتحادات عمالية؛ وموظفون فيدراليون؛ وكبار موظفي الخدمة المدنية؛ وشخصيات رسمية في الأحزاب السياسية؛ وعاملين في المؤسسات الصحفية؛ وشخصيات من البيت الأبيض؛ وأكاديميون اقتصاديون؛ وغيرهم.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الشرائح الاجتماعية المدروسة تطالع الصحافة الدورية بنسب مؤوية تتراوح ما بين 84% و 2%، وأن أكثر الصحف مطالعة بين رجال الكونغرس هي الواشنطن بوست 82%، وأقلها مطالعة هي الوول ستريت جورنال 31 %، ومن بين المجلات يو إس نيوز إند وورلد ريبورت 70% وأقلها فورين إفيرز 16% أي أن رجال الكونغرس يفضلون مطالعة الصحف أكثر من المجلات، بفارق واضح.
وبقي أن نؤكد هنا على أن دراسات عادات المطالعة والاستماع والمشاهدة، لدى قادة الرأي، ومن ثم دراسة مضمون الرسائل الإعلامية، المبنية على نتائج تلك الدراسات، تسمح للمخططين الإعلاميين بزيادة فاعلية وتأثير الحملات الإعلامية، وللمخططين السياسيين من زيادة فاعلية دور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، كواحدة من أدوات تنفيذ السياسة الرسمية للدولة، وكمصدر نافع من مصادر المعلومات لرسم تلك السياسة. وتوسيع دورها في عملية التبادل الإعلامي المحلي والدولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق