الأحد، 6 أكتوبر 2013

نصر الدين الطوسي

نصر الدين الطوسي
أبو جعفر محمد بن محمد نصر الدين الطوسي (1201-1274م)، عالم فلك ورياضيات عاش في القرن الـ 13م، وهو تلميذ كمال الدين بن يونس، وتميزت إهتماماته العلمية بالموسوعية، وله مؤلفات في الفلسفة، والجغرافيا، والموسيقى، والصيدلة، والطب، والمعادن. مطلع في العلوم اليونانية، وعلق على مؤلفات إقليدس، وأرخميدس، وأنطوليسوس، وثيودوسيوس، ومينيلوس، وأبولو، واريستارشوس، وغيبسيكل، وبطليموس.
سيرة حياته


ولد نصر الدين الطوسي بمدينة طوس في خورسان عام 1201م وبدأ فيها دراسته بسن مبكرة، ودرس القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشريعة الإسلامية وفق المذهب الشيعي، والمنطق، والفلسفة، والرياضيات، والطب، وعلم الفلك.
ومن خلال الإطلاع على تراث الطوسي نقتنع بالصلة الوثيقة القائمة عبر الأزمان لوحدة العالم والثقافة العالمية. ووضع في مؤلفاته أسس الميكانيكا السماوية. التي اكتشفها وتابعها علماء غرب أوروبا مرة أخرى بعد مرور 400 سنة، حيث كرر العالم الدنماركي تايكو برايي (1546-1601م)، العمليات الحسابية للطوسي، ووضع قائمة تضم أكثر من 700 نجماً سماوياً. ومن خلال أعماله وضع براغي إ, كيبلر الميكانيكا السماوية. واعتمد إ. نيوتن على مؤلفاته ليضع أسس قوانين الميكانيكا. ومؤلفات الطوسي نشرت مراراً في: إيطاليا، وإنجلترا، وفرنسا، التي كانت من المراكز الرئيسية لعصر النهضة الأوروبية.
وكان تشييد المرصد الفلكي في ماراغ المعروف في الشرق كله من أكثر إسهامات الطوسي في العلوم العالمية، وشيد في عام 1259م فيما يعرف اليوم بجنوب أذربيجان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية المعاصرة.
ووضع الطوسي مسألة تشييد المرصد أمام هولاكو، الذي اعتبر أن كلفة تشييد المرصد كبيرة جداً. وبعدها طلب الطوسي من هولاكو أثناء مبيت جيشه في جبل أن يلقي حوضاً من النحاس إلى أسفل الجبل، وأثار الحوض ضجيجاً كبيراً أثار الهلع في صفوف الجنود، وهنا قال الطوسي: "نحن نعرف سبب الضجيج، والجنود لا يعرفون السبب؛ نحن هادئون، أما هم فقلقون؛ ونحن لو عرفنا أسباب الظواهر السماوية، فسنكون هادئين على الأرض". وأقنعت هذه الكلمات هولاكو وأعطاه 20 ألف دينار لبناء المرصد. وبناء على طلب الطوسي أعطى هولاكو أمراً بإطلاق سراح كل العلماء الذي وقعوا أسرى في أيدي قواته، وعدم قتلهم، وإحضارهم إلى ماراغ، وجلب المغول معهم إلى هناك كل المخطوطات والأدوات الفلكية التي وقعت في أيديهم.
ونتيجة لأعمال الرصد التي أجراها الفلكيون في مرصد ماراغ طيلة 12 عاماً وامتدت من عام 1259 وحتى عام 1271م وضعت قوائم "زيجي الخاني". وتضمنت الزيجي قائمة لحساب موقع الشمس والمدارات السماوية، وقائمة بالنجوم السماوية، وأول قائمة سداسية للجب والظل بفاصل درجة واحدة.
ودون الطوسي ملاحظات على "المجسطي" لكلوديوس بطليموس وغيرها من المؤلفات الفلكية كـ: "مقالات معينة في الفلك"، و"زبدة المعرفة في علم الفلك"، والمجرات السماوية"، و"ملاحظات في علم الفلك". وفي جملة المؤلفات هذه بنى الطوسي مخططه لحركة الأجرام السماوية الأخرى الذي تميز عن مخطط بطليموس. واعتمد على ما سمي "زوجي الطوسي"، الذي حول الحركة الدورانية إلى حركة أفقية.
وألف الطوسي "مقالة من عشرين فصلاً عن معارف الإسطرلاب"، و"مقالة عن شرط الرباعي" ومقالات أخرى عن الأدوات الفلكية.
ويعود للطوسي الفضل الكبير في حل الفرضية الخامسة لإقليدس عن أن الخطين المتوازيين يتقاطعان في الفضاء. وأثبت أنها ليست فكرة مجردة من الخيال، بل مشكلة علمية يواجهها علم الكون، وكان إقليدس أول من وضعها للمرة الأولى، وحلها الطوسي وبين أن الإنحناء في الفضاء (الكون)، يكون أكثر وضوحاً مع بعد مسافة الخطين المتوازيين المرسومين في المجال حيث يتقاطعان في نقطة ما.
وظهرت أهمية هذه المشكلة من خلال وضع علم مشترك للكون (الفضاء)، وظهر واضحاً أنه استمرت عقول عظيمة بالعمل فيها خلال قرون كثيرة، ومنهم: كوشي، وغاوس، وبوليامي، ولوباتشيفسكي. واستطاع لوباتشيفسكي بمساعدة العالم الروسي من أصل أذربيجاني ميرزة كاظم بيك، (الذي ترجم بطلب من لوباتشيفسكي مؤلفات الطوسي من اللغة الفارسية إلى اللغة الروسية) حل المشكلة. ونتيجة لذلك ظهر مؤلف لوباتشيفسكي الشهير عن الهندسة غير الإقليدية.
وخلقت أفكار الطوسي أساساً علمياً للصلة الوثيقة بين المكان والزمان، والتي سمحت بفهم آلية تأثير الإنحناءآت المكانية على دقة المسافة، المؤلفة من خطين متوازيين يتقاطعان في الفضاء الكوني.
وعلى خلفية فلسفة مسائل خلق الكون وبناء المجتمع، وقضايا الحقوق والأخلاق، وإدارة الدولة، وتصنيف العلوم، وتأثير التربية على الأخلاق الطيبة وترشيد العلاقة في الأسرة، بحث الطوسي عن صيغة المساواة التي توصل إليها، ويجب أن تكون أساساً للعلاقات الإنسانية. وميز الطوسي بين الطيبة، وغير الطيبة، والحروب العادلة وغير العادلة، وقيم ظواهر الحياة الإجتماعية من وجهة نظر صالح الشعب، وما يسيء للشعب. وأكد الطوسي على أن "العالم يعاني من شيئين: الأول، عندما يهيمن على البلاد حكم استبدادي؛ والآخر، عندما تحكم البلاد نفسها بنفسها".
وبحث الطوسي بدور الدولة في الحياة الإجتماعية وأعد مبادئ المسؤولية المشتركة للدولة والإنسان، وأوجد نموذجاً مثالياً للمدينة الدولة، حيث يسود العقل، والإدارة الحكيمة، والقوانين عادلة. وأكد على أن "الحياة الطويلة للدولة مرتبط بمدى عدالتها". والأفكار التي كتبها الطوسي عن العدالة موجودة في كل التراث الفلسفي، حيث يعطى كل إنسان الحق بـ"التطور الذاتي"، وبالعدالة والتسامح بين الناس، وحقهم بالإتحاد الطوعي الذي تنتج عنه الدولة العادلة.
ومن الممكن أن البحث عن العدالة الاجتماعية وعن تطبيقها الحقيقي كانا من الأسباب الحقيقية للصراع المأساوي الذي حدد مصير الطوسي. ووهي الأفكار التي جاء بها بعض مؤسسي الدول الإسماعيلية الناطقة باللغة التركية، وعارضوا الظلم الإقطاعي للفلاحين. ولكن الإسماعيليون قدموا حقوق وحرية الفرد الطبيعية كضحية لمفاهيم المساواة والعدالة، وأوجدوا نظاماً مستبداً للحكم. وهناك تصورات مختلفة عن الصراع الذي خاضه الطوسي مع الحكام الإسماعيليين. ومنها رفضه وحشية الفلسفة الإنسانية، التي مكنتهم من انتهاك الحقوق الإنسانية الطبيعية، وكلفت الطوسي 20 عاماً قضاها سجيناً في قلعة الموت.
 ومن أهم مؤلفات الطوسي في الرياضيات كانت "مقالات عن الرباعي الكامل" (وفي ترجمة أخرى "مقالات حول المقاطع العرضية للأشكال"). وهي المقالات التي كتبها الطوسي باللغة الفارسية أثناء سجنه في قلعة الموت، وكتبها باللغة العربية باختصار في ماراغ (1260م).
ومقالات الطوسي تتألف من خمسة كتب:
- تضمن الكتاب الأول، أقدم نظرية في العلاقة التأسيسية. وطور أفكار ثابت بن قرة، وعمر الخيام، وأدخل الطوسي عليها مفهوماً موسعاً للعدد، الذي عرف بالعلاقة بين العقلاني وغير العقلاني؛
- وقدم في الكتاب الثاني، إثبات للحالات المختلفة في نظريات مينيلوس حول سطح الرباعي؛
- وفي الكتاب الثالث، قدم مفهومه للجب وجب التمام في القوس وأثبت وجود عدد من النظريات حول سطوح المثلثات؛ وتناول فيه قواعد حل مسائل سطوح المثلثات وأثبت نظريات الجب؛
- وخصص كتابه الرابع، لإثبات حالات الإختلاف في نظريات مينيلوس حول الشكل الكروي والمقاطع العرضية؛
- وتناول في كتابه الخامس، طرق حل مسائل علم المثلثات الكروية باستخدام النظريات، و"استبدال الشكل بالمقاطع العرضية"، ونظريات الجب والظلال. وفي خاتمة الفصل الخامس من كتابه وضع طريقة لحل مسائل المثلثات الكروية، وفي مثل هذه الحالة يكون للمثلث ثلاث زوايا، ليفهم أنه مثلث قطبي.
وكان الطوسي مؤلف جملة من المقالات في مجالات علمية أخرى. وعرفت مقالاته في مواضيع الفيزياء كـ: "إعداد "البصريات" لإقليدس"، وعن "قوس قزح"، وعن "الحرارة والبرد". ووضع تركيب المعادن، الذي بناه على أسس كتابات البيروني وغيره من العلماء.
وكتبالطوسي جملة من الكتب في الطب، شملت تعليقات على كتاب "القانون" لإبن سينا. وسلسلة من المقالات تناولت: المنطق، والفلسفة، والأخلاق. وكتب جملة من المقالات في العلوم الدينية، ومقالات عن المجالات المالية.
وفي علم الأحياء كان الطوسي أول من تحدث عن فكرة التطور. وجاء في دراساته أن العالم في البداية كان عبارة عن عناصر مبدئية. وبعد ذلك ظهرت المعادن، والنباتات، والحيوانات، والبشر، بالتدريج.
وتطور ملامح عصر النهضة في الثقافة الأذربيجانية خلال الفترة الممتدة من القرن الـ 8م وحتى القرن الـ 16م، يرتبط بأعمال الطوسي التي تميزت بالسعي نحو حرية الفكر، وحب الحرية، والمثل الإنسانية العليا والعدالة، والإيمان العميق بقوة العقل الإنساني الذي لا تنضب فيه المعارف العلمية، والإمكانيات العملية الإبداعية الضخمة التي يشكلها النشاط الإنساني، وكلها جاءت من مؤلفات الطوسي وغيره من العلماء الكبار في عصر النهضة الأذربيجانية الممتدة من القرن الـ 8 وحتى القرن الـ 16 الميلادي.
المرجع: http://ziyonet.uz/ru/ باللغة الروسية.
بحث أعده: أ.د. محمد البخاري، في طشقند، 6/10/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق