الأحد، 7 فبراير 2016

هل بعض نماذج الفنون التطبيقية الأوزبكية على شفى الإندثار ؟


تتمتع الإبداعات الفردية والأعمال اليدوية دائماً بقيمة عالية، وإذا صنعت تلك الأعمال وفق قوانين تقاليد الفنون التطبيقية تكون قيمتها أكبر، وخاصة اليوم في عصر العولمة والصناعة المتطورة.
ولكن، هل كل ما يعرض علينا اليوم في المعارض والأسواق التقليدية للحرفيين، وما تقدمه الصالونات الفنية، والمحلات التجارية، يمكن وصفه بأنه من "منتجات الحرف الشعبية" وهل هي حقاً كذلك ؟
ومع ذلك لماذا لم نزل نسمع نداءآت من العلماء تدعوا إلى ضرورة إحداث نظم تسمح بتحديد الحرف الشعبية بدقة تمكن كل منا من تحديدها، وتحديد أي منها تقليدي، وأي منها نمطي فقط، أو محاولة وضعها ضمن شروط العلامة التجارية للثقافة التقليدية ؟
وعن أن "ما كل ما يلمع هو ذهب"، تحدث لمراسل صحيفة "Uzbekistan Today" عضو أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان، البروفيسور، والدكتور في المعارف الفنية، ورئيس قسم الفنون التشكيلية والتطبيقية في معهد المعارف الفنية التابع لأكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان أكبر عبد الله ييفيتش حكيموف، الذي قال:


- أنا بالكامل أتفق مع أن تحت اسم "الفنون التقليدية" يمكن شراء كل شيء، ولكن لفهم "ما هذا، وما هو" لا تكفي ببساطة المعرفة لدى كل مشتري عادي.
وذات مرة لفت إنتباهي في إيتشان قلعة (بمدينة خيوه في أوزبكستان) لوحة كتب عليها "مركز إحياء التطريز الخوارزمي التقليدي". وهو ما أثار إنتباهي، لأنه لا يوجد في خوارزم تقاليد للتطريز اليدوي، وهنا برز لدي سؤال، ماذ تعني إذاً عبارة "إحياء" لدى الفتيات الخوارزميات هناك، وماذا يفعلن ؟
وبعد الحديث مع مدير المشروع، فهمت أنهم دعونهن لتطريز أغطية الوسائد بمطرزات مبنية على أسس  نسخت عن كتب ديكورات الهندسة المعمارية في هيرات خلال القرون الوسطى. وهذا يعني أن ما يرسمونه ليس رسوم خوارزمية، بل أفغانية. وبعدها بدأت بالإهتمام، كيف حصل هذا، وظهر أن هذه الورشة يملكها إنكليزي لا يعرف شيئاً البتة عن الفنون التقليدية الخوارزمية ولا يفهمها ولا يميزها، ولكنه يعرف جيداً ما يحتاجه السياح.
وطبعاً كان هذا من الممكن أن يصبح مادة للمناقشة العلنية، وبالنتيجة يصبح مستقبل مصير المشروع تحت علامة سؤال كبيرة. ولكن المشكلة هي بأنه بفضل هذا المركز أصبح مشروعاً يشكل مصدر دخل غير سيء لمجموعة صغيرة من الفتيات، ولو أنه في إطار ضيق، ولكن المشروع تصدى لمسائل إجتماعية ووفر فرص عمل للسكان. وهذه مشكلة واحدة من المشاكل التي تتعرض لها آفاق تطوير التطريز الأوزبكي التقليدي.


ولكن المشكلة القائمة حتى الآن هي في غيرها من قطاعات الفنون الشعبية التقليدية. ولناخذ على سبيل المثال: مدرسة ريشتان للسيراميك الشهيرة، والتي تتمتع بطلب جيد في الأسواق. ولكنهم في ريشتان نفسها ومنذ زمن بعيد فهموا أن شهرة علامتهم التجارية يستخدمها الجميع بنشاط، ويستخدمها كل من يريد أن يبدأ عمله التجاري. وطبعاً، وبفضل هذا الإسم، الذي تكون بفضل الموهبة الصادقة لأحفاد الحرفيين، يسوق هذا السيراميك اليوم بنجاح مقبول.


ولكن هل كل السيراميك الذي يصنع في ريشتان يمكن تسميته بالسيراميك الريشتاني التقليدي ؟! طبعاً لا. لأنه بقي هناك حرفيين إثنين أو ثلاثة فقط، من الذين يعملون وفق التكنولوجيا الريشتانية القديمة، ومن ضمنهم شرف الدين يوسوبوف المشهور في كل العالم. والآخرون يعملون بتكنولوجيا سهلة وسريعة مستخدمين مواد حديثة يسهل الحصول عليها. ومنتجاتهم لا يمكن تسميتها بالسيراميك الريشتاني التقليدي، لأن ذلك ما هو وببساطة إلا أدوات صنعت من السيراميك للإستعمال اليومي، ولكنها صنعت في ريشتان، وأخذت أشكال جمالية بدائية للسيراميك الأزرق الفرغاني.

وما يجري اليوم في الفنون التطبيقية، يشكل ظاهرة تشكلت تحت التأثير الشديد للكثير من تفاعلات الحياة المعاصرة. وهي ليست دائماً نتيجة للعولمة، وعمليات التكامل، ومساعي الحرفيين الحديثين في ظروف اقتصاد السوق، والغرض منها الحصول على دخل.
ومرة أخرى نتجه لخبرة خوارزم، ولكن هذه المرة لصناع السيراميك. في خمسينات القرن الماضي، عندما جرت أعمال ترميم الاثار المعمارية التاريخية في تاشو حاولي، حيث كان يجب العمل على ترميم السيراميك المعماري.
ودعي كل حرفيي خوارزم من الذين عملوا في السيراميك، وفي أكثر الحالات كانوا من أولئك الذين يصنعون أطباق الإستعمال اليومي. وبالنتيجة تغير أسلوب السيراميك الخوارزمي التقليدي جذرياً نحو الجانب الأسوأ.
ومكان النقوش المعمارية النمطية التي تصور أشكال نباتية، جاء الأسلوب البياني لنقوش تشكل نسيج من الخطوط الهندسية، التي كانت من طبيعة الديكورات الهندسية، ولم تكن أبداً من أسلوب السيراميك الخوارزمي المخصص للإستعمال اليومي.

وهنا يمكننا القول اليوم عن مدرسة الفنون التطبيقية التقليدية والمحترفة، بأنها على الأكثر هي عبارة عن مصممين استلهموا عملهم من التكنولوجيات والخلفيات التقليدية والحديثة وتمكنوا من إحداث الجديد منها. وليس حتمياً وقطعاً في هذا أنهم توجهوا في عملهم بالتحديد إلى المدرسة التقليدية الأوزبكية، وأنهم أخذوا من غيرها من الثقافات. ولكن أعمالهم كانت جميلة أيضاً وصنعت بذوق جمالي.
 وعلى سبيل المثال: في طشقند يعمل ورثة أسلوب السيراميكي الشهير موخيت رحيموف، الذي وضع أسس إتجاه جديد في السراميك الأوزبكي، وهو ابن أكبر رحيموف وحفيد علي شير رحيموف، وفي بخارى أسس هذا الإتجاه في حرفة السيراميك على أساس تفاعل مختلف مدارس السيراميك التقليدية في أوزبكستان، وطورها عبد الوحيد كريموف. وفي مثل هذا التطلع للمصصمين نحو مختلف مدارس الفنون التقليدية، هناك أشكال أخرى من الفنون التطبيقية الحديثة. وهذه طبعاً تتشكل من خلال نشاطات ممثلي العوامل المحترفة في الفنون التطبيقية ولها الحق بالحياة والتطور.
ومع ذلك توجد في الأسواق وتعرض الكثير من منتجات المحترفين المتشابه، وهم الذين يصنعون اليوم ما سيصنعونه غداً وهكذا. وأعمالهم لا تتميز غالباً بمواصفات جمالية ونوعية عالية. وقانونياً كل أولئك الحرفيين لهم الحق بالعمل وبيع منتجاتهم. ولكن في هذه الحالة يبرز سؤال حاد اليوم، حول تحديد صفة إنتاج الفنون التقليدية الحقيقية. وهذا المعيار ضروري للتقيم، وقبل كل شيء من أجل أن نحافظ على المدرسة التقليدية العريقة. ومن أجل ذلك يجب إيجاد حلول معينة على المستوى الحكومي. وهذا أكثر بكثير من وضع تسهيلات ضريبية، وعلى فكرة، يعفي اليوم كل الحرفيين عندنا من دفع الضرائب.
ومن الحلول القوية التي يمكنها التصدي لهذه المسألة وفق ما أرى، هي القيام  بأعمال تنويرية واسعة عبر وسائل الإعلام الجماهيرية. لتوعية الحرفيين والمجتمع أيضاً.
ولأن أكثر الحرفيين أنفسهم عندنا يجهلون ما يصنعون. وهنا يجب أن نشرح لهم ذلك، مع ضرورة إحداث مؤسسات لتشجيع وتسجيل منتجاتهم في مختلف مهرجانات الفنون التقليدية. وعلى سبيل المثال: نظمت ممثلية اليونسكو في أوزبكستان، بالتعاون مع أجهزة السلطات المحلية، ورابطة "خونارماند"، مهرجاناً للنسيج التقليدي "أطلاس بايرامي" في مرغيلان (بوادي فرغانة في جمهورية أوزبكستان) خلال سبتمبر/أيلول عام 2015. وحصل من يعمل هناك بالتكنولوجية التقليدية العريقة على "رمز النوعية الجيدة من اليونسكو". ومعها فهموا لماذا حصل أولئك على "رمز النوعية الجيدة من اليونسكو" وليس غيرهم.
وبالنتيجة فهم الحرفيون بأن القيمة الحقيقية هي للمنتج باستخدام التكنولوجيا التي كانت مستخدمة في أواسط القرن التاسع عشر، وليس ما هو منتج بتكنولوجيا أواسط القرن العشرين. لأن الأقمشة المنتجة بتكنولوجيا أواسط القرن التاسع عشر، تتمتع بطلب كبير ليس في أوزبكستان فقط، بل وفي خارجها أيضاً. ولابد أن فهمهم لكل هذا سيشجع على تصحيح الأوضاع مستقبلاً. وهذا يعني أن مثل هذه المهرجانات يجب أن تنظم أكثر، ويجب أن تجرى ليس في أواسط النساجين فقط، بل يجب أيضاً تنظيم ندوات للحرفيين على أسس منظمة، تكرس لإستعراض أهم المسائل التي تواجهها إبداعاتهم.
وفي قضايا التوعية يجب تركيز الإنتباه على كل شيء بالكامل، وخاصة من يؤثر على سير العمليات الفنية.
وطبعاً هام جداً ما يعرضه الصحفيون أيضاً. ومع الأسف أنا أرى دائماً، أن زملائك لا يسمون الأشياء بأسمائها الحقيقية. وعلى سبيل المثال: هناك تحقيق صحفي تحدث عن نهضة الحرف التقليدية في أوزبكستان. ولكن شاهدنا على اللوحات المرافقة للحتقيق الصحفي المنشور فتيات يمارسن عملياً هوايات إبداعية ليست بمستوى عالي. وهذا التبديل في المفاهيم، يمكن أن يكون بالصدفة ودون وعي، ويؤدي بالتالي إلى تشكيل رأي عام غير صحيح في المجتمع.
وعندما يتشكل الوعي الحقيقي يبدأ الناس بالتوجه وبشكل صحيح نحو كل شيء، وكل شيء يصبح في مكانه. ومن دون شك الطلب سيكون على منتجات الحرفيين، وحتى أولئك الذين يعملون وفق التقاليد، وبالتكنولوجيا الحديثة.
ومع الأسف، حتى الآن لا يوجد جهاز حكومي يتمتع بصلاحيات أو منظمات غير تجارية وغير حكومية، تشتغل بقضايا تحديد النوعية الفنية لمنتجات الفنون التطبيقية التقليدية. وبقدر ما تظهر لدينا مثل هذه الهيئآت، بقدر ما تكون الفرصة أكبر للحفاظ على الفنون التقليدية الحقيقية. ومن يعمل بالتكنولوجيا التقليدية العريقة، يحتاج اليوم أكثر لدعم الدولة، لأن تكنولوجيتهم أكثر صعوبة. وهناك قضية هامة أخرى، وهي تشجع إبداعات أحفاد الحرفيين، لأن غياب لجان الشراء الحكومية واختيار الأعمال للمتاحف. وبسبب ذلك نرى أن مجموعات متاحفنا عملياً لا تضم أفضل منتجات حرفيي الفنون التطبيقية التقليدية، المنتجة خلال فترة الإستقلال.
وعلى هذا الشكل، نرى أن المشاكل في مجال الحرف التقليدية غير قليلة، ولكن الحركة الإيجابية العامة لتطوير الفنون التطبيقية القومية، والتي في أساسها يكمن تحرك ودعم الدولة الشامل، يخلق لدينا نحن الخبراء والعلماء التفاؤل.
*****


وبقي أن أشير إلى أن عضو أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان أكبر عبد الله ييفيتش حكيموف، كان المشرف العلمي على أطروحة الدكتوراه التي دافع عنها بنجاح الفنان التشكيلي السوري البارز الدكتور محمد غنوم في مطلع تسعينات القرن الماضي بمعهد المعارف الفنية التابع لأكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان، وأشرف على معارضه الفنية التي نظمها آنذاك في متحف الفنون الجميلة بطشقند، وفي بخارى وسمرقند.
*****
مادة إعدها: أ.د. محمد البخاري، في طشقند بتاريخ 7/2/2016، بتصرف نقلاً عن التحقيق الصحفي بعنوان: "خبير: لماذا بعض نماذج الفنون التطبيقية على شفى الإختفاء ؟" الذي نشرته صحيفة "Uzbekistan Today" يوم 5/2/2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق