مدرسة الخزف الريشتاني الأزرق في أوزبكستان
كتبها:
أ.د. محمد البخاري
للفنون التطبيقية في أوزبكستان عدة
مدارس لفن صناعة الخزف العريق، ومن بينها المدرسة القائمة حتى اليوم والتي يمتد
تاريخها إلى عدة قرون والكائنة في البلدة الصغيرة ريشتان الواقعة بوادي فرغانة شمال
شرق أوزبكستان المعاصرة.
وتشير الأساطير القديمة إلى أن خزف
ريشتان ظهر قبل نحو ألف عام مضت. ومنذ ذلك الوقت حصلت أدوات المائدة التي تصنع في
ريشتان على شهرة واسعة على طول طريق الحرير، لأن اللون الفيروزي الأزرق كان اللون
المفضل لدى سكان البلدان الشرقية على الدوام.
واعتمد الناس في حبهم لأدوات
المائدة المصنوعة في ريشتان على فاعليتها، لأن الماء فيها يحافظ على برودته حتى في
أيام الصيف القائظة، وأن الرز البخاري (البلوف) فيها يظل ساخناً لفترة طويلة. وكان
الناس يسعون دائماً للحصول على الأطباق والزبادي وأباريق الشاي المصنوعة في ريشتان
لمتميزها بالأشكال الجميلة والنقوش الفنية الجميلة.
ومن يتأمل تلك المصنوعات يكتشف بالفعل
أنه لا يوجد فيها أية تفاصيل زائدة، فالطلاء والنقوش هي هي كما كانت منذ القدم،
ويجري تحضيرها كالمعتاد من مغلي الأعشاب الجبلية، ولهذا تبقى طبقة الطلاء والرسوم
مع مرور الزمن دون أن تتأثر بعوامل الرطوبة وأشعة الشمس ولا تتشوه، بل تصبح أكثر
إشراقاً وجمالاً. ومن هذا تنبع فرادتها.
ويتناقل الناس أساطير تقول أن
السر الرئيسي في الخزف الريشتاني، هو في أن كل فنان من حرفيي ريشتان يضع قطعة من
روحه في كرة الطين الأحمر عندما يصنع منها طبقاً أو إناءاً. وبعد شوي القطعة يضع
عليها نقوشه بمحبة وإخلاص، ويعطيها ألوان الطبيعة المحيطة به من زرقة السماء، وقمم
الجبال المغطاة بالثلوج، والفواكه الناضجة في البساتين وحقول القمح الناضج.
وكل من يصنع الخزف في ريشتان اليوم
كما كان أجداده منذ القدم يعملون في دكاكين صغيرة، وورشات منزلية، وضعت فيها أجهزة
صنع الخزف وأفران الشوي الكبيرة. ولم تزل أسرار هذه المهنة العريقة تنتقل من
الآباء إلى الأبناء والأحفاد حتى اليوم.
ومن بين الأسر التي تحافظ على انتقال
أسرار هذه الحرفة التقليدية، أسرة الشخصية الفنية البارزة، والحائز على تقدير
الدولة في الجمهورية، وعضو أكاديمية الفنون الجميلة في جمهورية أوزبكستان شرف
الدين يوسوبوف التي يترعرع فيها الآن حفيده كامرون البالغ من العمر 14
عاماً والمنتمي للجيل العاشر من صانعي الخزف. كما وعرضت أعمال ابنه فرداوس،
وبنجاح في الكثير من المعارض في الجمهورية وبالمعارض الدولية، ويقوم الآن بالتحضير
لمعرضه الشخصي الذي سيقام قريباً في باريس. وأصبح اسم شرف الدين يوسوبوف
معروفاً في العالم بشكل جيد وتحدثت عنه الصفحات الإلكترونية ووسائل الإعلام مراراً،
كما وأشارت وسائل الإعلام الجماهيرية إلى الألبوم الذي أصدرته لأعماله دار النشر
"غالاريت" بموسكو، وإلى معرضه الذي نظمه في صالة المعارض المركزية
بأكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية بطشقند.
والمشكلة التي يواجهها فنانوا صناعة الخزف اليوم هي في أن أعضاء
الاتحاد الإبداعي يحصلون على الدعم المادي والمعنوي من الدولة. عكس الخزافين المحترفين
في ريشتان ومن بينهم فنان الخزف حامرو قاديروف وابنه رفشان الذان يضطران
لنقل منتجاتهم الفنية إلى طشقند، وتسليمها إلى قسم الهدايا بالتسوم (سوق طشقند
المركزي) للتسويق، وإلى تجار المفرق في أسواق العاصمة.
وحتى أن غني جون إلباييف
الذي عمل لمدة 7 سنوات بمقهى الفنون "غونتشار" الكائن في شارع بيتروفسك
رازوموفسك، القريب من محطة المترو "دينامو" في موسكو. وكان يحول كرات
الطين إلى منتج فني أمام أنظار الزوار مباشرة، ومن ثم يضعها في الفرن اللشواء، ليقوم
بعدها بطليها وتزيينها بالنقوش الجميلة، ورغم نجاح أعماله في موسكو، إلا أن الحنين
للحياة في الوطن لم يتركه وعاد أدراجه ثانية إلى ريشتان.
وتشكلت حياة فنان الخزف رستام
عثمانوف بطريقة أخرى متميزة عن أقرانه. فبيته يقع على طريق رئيسية، وأتم بناءه
وزخرفته بمحبة وذوق رفيع. حتى أنه لا يمكن للسياح أن يمروا بالقرب منه وتجاوزه، ويتوقفون
عنده وتلفت أنظارهم الأسعار الرخيصة للأواني الخزفية المعروضة على الرفوف
والجدارن. لأن الهدايا الجميلة والبراقة مقارنة بالتعرفات الأوروبية هي رخيصة جداً
وتتراوح أسعارها ما بين الـ 5 والـ 10 دولارات وهذا بمتناول أي سائح كان.
ولهذا اختار الخزاف رستام
عثمانوف اليوم عدداً من المساعدين المخلصين. طالما أن أعماله التجارية جارية
على ما يرام ولم يعد عنده الوقت الكافي للجلوس خلف جهاز صنع الخزف. وكل ما يقوم به
الآن هو وضع توقيعه على منتجات الخزفية لمساعديه.
ولكن الذي حصل اليوم أنه مع
انتقال أوزبكستان إلى اقتصاد السوق توقف مصنع ريشتان للمنتجات الخزفية الفنية عن العمل
تماماً، رغم أنه كان أضخم أضخم منشآت هذا القطاع في الجمهورية، وكان يوفر للعاملين
فيه الرخاء وأفضل ظروف العمل على معدات وطنية ومستوردة.
ومع ذلك وبغض النظر عن الصعوبات
التي يواجهها الحرفيون المحليون فإنهم على ما يبدوا مستمرون بالمحافظة وتطوير
تقاليد أجدادهم دائماً. ويكررون قولهم وبفخر أن ريشتان وبحق هي مهد فن الخزف في وادي
فرغانة مما يضفي على تطور حرفة الخزف التقليدية في وادي فرغانة صفة الاستقرار الدائم.
المراجع:
صفحة
أكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية. art-academy.uz
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق