آفاق دراسات الأدب الشعبي (الفلكلور( في أوزبكستان
أعدها:
أ.د. محمد البخاري في
طشقند لـ"ملتقى الشـارقة الدولي للراوي – الدورة
التاسعة عشر"، تحت شعـار "ألف ليلة وليلة" سبتمبر/أيلول 2019 بمعهد الشارقة
للتراث.
يعتبر
معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية أول مؤسسة للتعليم العالي في
مجال الدراسات الشرقية بمدينة طشقند. تأسس عام 1918م تحت اسم "معهد تركستان للدراسات
الشرقية". وبعد إنشاء جامعة آسيا الوسطى الحكومية (حالياً جامعة ميرزة أولوغ
بيك القومية الأوزبكستانية) ألحق بها باسم الكلية الشرقية. ومع استقلال جمهورية
أوزبكستان تحولت الكلية الشرقية في عام 1990م إلى معهد عالي للدراسات الشرقية
تابع للجامعة. وفي عام 1991م وبتوصية من مجلس الوزراء، تحول المعهد بقرار من رئيس
الجمهورية إلى معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، وتولى رأسته المستعرب
الكبير أ. د. نعمة الله إبراهيموف، عضو أكاديمية العلوم
الأوزبكستانية،
والعضو السابق بالمجلس الأعلى بجمهورية أوزبكستان، والرئيس السابق للمجلس
الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية.
وفي عام 2005م تولى رئاسته المستعرب المعروف أ.د. روشان عبد الله ييف، رئيس
جمعية الصداقة الأوزبكية المصرية، ومن بعده أ.د. عبد الرحيم منانوف المتخصص
بالدراسات الفارسية، وترأسه حالياً أ.د. غولشهرة رخسييفا المتخصصة باللغة والأدب
الأوزبكي.
ومنذ
تأسيسه تمكن المعهد من إقامة شبكة واسعة من علاقات التعاون
العلمي والثقافي مع عدد كبير من مؤسسات التعليم العالي في: روسيا، والولايات
المتحدة الأمريكية، واليابان، وكوريا الجنوبية، وجمهورية الصين الشعبية، وهولندا،
ومصر، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت،
وسورية.
كما
وقام أساتذة المعهد منذ ثمانينات القرن
الماضي بإصدر جملة
متنوعة من الدراسات أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
-
أ.د. نعمة الله إبراهيموف: الأدب العربي الشعبي
في القرون الوسطي. موسكو: 1984م. (باللغة
الروسية)
-
وأ.د. نعمة الله إبراهيموف: الرواية العربية الشعبية. موسكو: 1984م. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. نعمة الله إبراهيموف: ابن بطوطة ورحلته إلى آسيا الوسطي. موسكو:
1988م. (باللغة الروسية)
-
وحياة ومغامرات علي الزيبق. ترجمها وكتب مقدمتها
أ.د. نعمة
الله إبراهيموف، وأ.د. تيمور مختاروف. موسكو: 1990م. (باللغة الروسية)
- وقام
أ.د. تيمور مختاروف، ود. ساتييف ل.، ود. شاه رستام شاه موساروف، بنشر دراسات
ومقالات عن النثر العربي في القرون
الوسطى. طشقند: 1992م. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. محمد البخاري، وأ.د. تيمور
مختاروف: تراجم من الأدب العباسي، مقرر لطلاب السنة
الرابعة/قسم
اللغة العربية. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية 1992م.
-
وأ.د. نعمة الله إبراهيموف: الأدب الروائي الكتابي في القرون الوسطي المتأخرة.
طشقند: 1994م. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. نعمة الله إبراهيموف، وأ.د. زاهد
الله
منوّاروف: وأ.د. تيمور مختاروف: شهرزاد من آسيا الوسطى. بيروت 1994م.
-
والأساطير العربية. ترجمها أ.د. نعمة الله
إبراهيموف، وأ.د. تيمور مختاروف. طشقند: 1994م. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. نعمة الله إبراهيموف، وأ.د. تيمور مختاروف: رحلات ابن
بطوطة. العالم
العربي وآسيا المركزية. طشقند: 1996م. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. محمد البخاري: نظرة في بعض مصادر
الأدب الأوزبكي. // الكويت: مجلة الكويت، العدد 168/1997.
-
وأ.د. بيداييفا آ. أ.، وأ.د. شاه رستام شاه موساروف: كلمة عن الفلكلور. // طشقند:
1999م. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. بهادر نزاروف: الشيخ العلامة بهاء الدين
نقشبندي في
مخطوطات المقامات. ترجمة أ.د. محمد البخاري. // القاهرة: مجلة منبر الإسلام، العدد
1/ 2000.
-
أ.د. بهادر نزاروف: السير الإسلامية في الدراسات الشرقية بجمهورية أوزبكستان.
ترجمة أ.د. محمد البخاري. // القاهرة: مجلة منبر الإسلام،
العدد 5/ 2000.
-
وأ.د. بهادر نزاروف: العالم … الفقيه … المتصوف، النقشبندي .. كما تصوره
المخطوطات. ترجمة أ.د. محمد البخاري. القاهرة: مجلة ليالي الشرق، العدد 4/2000.
-
وأ.د. محمد البخاري، وأ.د. تيمور مختاروف: صور عربية من تاريخ العرب في ما وراء
النهر. العين: مركز زايد للتراث والتاريخ، 2002.
-
وأ.د. محمد البخاري: عرب آسيا المركزية: آثار وملامح. // دمشق: مجلة المعرفة العدد
445/2000.
-
وأ.د. محمد البخاري: المخطوطات العربية في جمهورية
أوزبكستان. //
دمشق: مجلة المعرفة// العدد 457/2001.
-
وأ.د. محمد البخاري: علوم اللغة العربية ومخطوطاتها في أوزبكستان. دمشق: مجلة
المعرفة // العدد 468/2002.
-
وأ.د. محمد البخاري: عرب آسيا المركزية: آثار وملامح. //
العدد 460/2002.
-
وأ.د. محمد البخاري، أ.د. مليكة أنور ناصيروفا: دراسات حول مخطوطات علوم اللغة
العربية في أوزبكستان. // الرياض: مجلة الفيصل، العدد 303/2001.
-
وأ.د. محمد البخاري، وأ.د. تيمور
مختاروف: تحقيق المخطوطات الإسلامية في أوزبكستان … جهود
متواصلة
لحماية التراث. // أبو ظبي: جريدة الاتحاد، عددي 11 و13 مارس/آذر 2001.
-
وأ.د. محمد البخاري، وأ.د. سرفار جان
غفوروف: المملكة العربية السعودية. مقرر جامعي. معهد
طشقند الحكومي
العالي للدراسات الشرقية، طشقند: 2001. (باللغة الروسية)
-
وأ.د. محمد البخاري، وأ.د. سرفار جان غفوروف:
جمهورية مصر
العربية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2002 . (باللغة
الروسية)
-
أ.د. محمد البخاري: رواد النهضة الحديثة في أوزبكستان.
// الكويت:
جريدة الفنون، العدد 51/2005.
ومما
سبق نرى مدى الاهتمام الكبير الذي تبديه كوادر المعهد
بالدول العربية والفلكلور العربي في الدراسات العلمية، ولوضع القراء بتصور عن دوافع
تلك الاهتمامات، أشير إلى بحث أشارت فيه أ.
د. ماليكة ناصيروفا أستاذة مادة الفلكلور بكلية الآداب في
المعهد إلى الدراسات الجارية في أوزبكستان عن الفلكلور العربي وأشارت فيه إلى أنه: لكل شعب من الشعوب أدبه الشعبي
الخاص (فلكلور) ويضم أساطير وخرافات وقصص تكونت خلال قرون طويلة، وجميعها تختلف
من حيث الجوهر والمضمون والفكرة. وللأدب الشعبي تأثيره الواضح على الصنوف الأدبية المتنوعة
وهو ما نلاحظه في الأدب العربي وغيره من آداب الأمم والشعوب لأن الباحثين العالميين
يربطون دراسة الأدب الشعبي مع دراسة ظواهر توسع دراسة الأدب بشكل عام وهو ما
نلاحظه في دراسات الأدب العربي بشكل عام.
وأن الباحثين يتفقون على أن
الأدب العربي استمد جذوره من الفلكلور في
مرحلة مبكرة من تطوره، مما أبقى صفات مميزة
للإبداع
الشعبي الشفهي بشكل ظاهر، واستمرت هذه الظواهر حتى الآن من خلال انتشارها في
الشعر الشفهي المتوارث للشعراء الشعبيين وخاصة شعراء البادية والريف العرب، وهو ما
حاول البعض إثباته انطلاقاً من حقيقة انتشار
الأمية بين أوساط البدو والفلاحين العرب.
ويرتبط
الفلكلور بظاهرة نظم الشعر المكتوب باللهجات المحلية، وهو ما
اصطلح على
تسميته بالنظم الشعبي. ولكن هناك حقيقة أخرى تتحدث عن نفسها بين بعض الشعراء
العرب الذين فضلوا الكتابة باللهجات العامية المحكية دون الفصحى، ومنهم:
-
ابن غزمان من الأندلس (القرن الثاني عشر الميلادي):
-
وعمر المحار من مصر (القرن الثالث عشر الميلادي)؛
-
وعلي ابن صدون (القرن الخامس عشر الميلادي)؛
-
ويوسف المغربي (أواخر القرن السادس عشر وأوائل
القرن السابع
عشر الميلاديين)؛
-
وسعيد السوني من حضرموت (القرن الخامس عشر الميلادي).
كما
وأشار المؤرخ المشهور ابن خلدون إلى بعض الشعراء
المغاربة الذين كتبوا باللهجة العامية خلال القرنين الثالث
عشر والرابع
عشر الميلاديين.
وكان
التعامل مع الأدب والفلكلور يتم بأشكال متعدّدة منها ما
هو سطحي
يتناول الشخصيات الفلكلورية، أو سرديِ إنشائي يتناول الحوادث ببساطة، أو بالمهارة
الأدبية التي تتناول عدة روايات أو أساطير في آن معاً. أو النصوص الفلكلورية المأخوذة
من الإبداع الأدبي، وتجمع في تركيبتها مجموعات منتخبة وممتعة، أو واعظة، أو
مؤلفات كبيرة الحجم نسخت على شكل مخطوطات قائمة بحد ذاتها.
ويبقى
أن نشير إلى انتشار الأعمال الفلكلورية المرتبطة
بعدد النسخ التي تم إعادة كتابتها وبانتشارها بين الناس لأن كمية كبيرة من آثار
الأدب الشعبي هي بالأصل شفهية وتتناقلها الألسن
وترافقها
عبارات مثل: حكي، وسمعت، بشكل متوازن بين الشفهي والكتابي وفق التقاليد المتبعة في
الأدب. ويستخدم الرواة عادة مخطوطات للروايات والقصص والخرافات يتمكنون من
خلالها ضبط سيرة العرض دون تغيير في النصوص، في الوقت الذي كان المستمعون فيه يكتبون
النصوص التي تعجبهم. ومن نتائج تلك العمليات التي استمرّت لقرون طويلة وشملت جميع
الدول العربية نشأ نوع خاص من الأدب الشفهي يقع عند ملتقى الفلكلور والأدب.
وأطلق
على هذا اللون اسم الأدب العربي الشعبي وضم الروايات الشعبية
والحكايات
والقصص ومجموعات تراثية فريدة مثل "ألف ليلة وليلة"، بالإضافة للتقاليد الكتابية
المتبعة في التراث الأدبي الشعبي دون أن تنسب للفلكلور، رغم تقيدها بالأسلوب
الشفهي المشبع بالعناصر الفلكلورية بشكل يسمح لنا بالقول أنها أدب شعبي مميز ضمن
الفنون الأدبية بشكل عام.
وتعتبر
دراسة العلاقة المتبادلة بين الفلكلور
والأدب مسألة
هامة في علم الفلكلور، وتهتم بجمع التأثير الفلكلوري الحديث واكتشاف العناصر
الفلكلورية في الآثار الأدبية السابقة ودراسة قوانين تطور الفلكلور من حيث الكلمة
وخصوصية الفن والمواضيع والخصائص الفنية لتطور الفلكلور العربي الحديث.
والفلكلور
العربي بشكل عام أخذ شكلا متميزاً من خلال الدراسات الأدبية بعد الحرب العالمية الثانية
عندما بدأ استخدامه لرفع المعنويات الوطنية عند الشعوب العربية وفي نفس الوقت
من أجل تطوير العلوم، ولكن دراسة الإبداع الشعبي الشفهي عند العرب تتم من وجهة
نظر تخالف الزمن.
وأشارت
أ.د. ماليكة ناصيروفا إلى أنه من ضمن المجموعات التي درسناها أو ترجمناها، كانت نصوص
شعرية تحدثت عن الخرافات والأساطير الشعبية الدارجة في مناطق مختلفة من شبه الجزيرة
العربية، وأشار إليها الباحث في الأدب الشعبي العربي عبد الكريم الجهيمان بدراسة نشرت له
في بيروت عام 1969م ضمن أربعة أجزاء، (عبد الكريم الجهيمان: أساطير شعبية من قلب جزيرة
العرب. بيروت: 1969) وكانت من بين الأعمال التي أطلع من خلالها الباحثين الأوزبك
على الفلكلور العربي.
وللأساطير
مقام خاص في النظام الشفهي الغني والمتنوع لسكان الدول
العربية، لأن الخرافات والأساطير تتمتع في وقتنا الحاضر
بشعبية واسعة
في أوزبكستان أيضاً. والأساطير والخرافات الشعبية العربية ممتعة للغاية من
وجهة النظر التاريخية والثقافية، لأنها تحمل القارئ إلى عالم الشرق العربي عبر الرحلات
الرومانسية، والأعمال الخارقة لأبطال تلك الأساطير والخرافات، وتعطي تلك الأساطير
تصور واضح عن تطور المجتمعات في الدول العربية، وعن تكون الأخلاق والعادات والتقاليد
هناك، وتكشف عن الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية في التراكيب الاجتماعية
بشكل عام.
ولكن
القيمة الأساسية للحكايات الشعبية العربية تكمن
برأيينا في
كشفها عن حكمة الشعب وتمجيدها للإنسان الكادح وكشفها لأحاسيس الحب والوفاء والاستعداد
للتضحية بالنفس والفداء من أجل الواجب والكلمة الطيبة وكرم الضيافة. كما وتتميز
برفضها للجهل والخشونة والكسل والطفيلية والطمع والمكر والجشع والخمول، وهو ما
يعنى تصادم الحياة على خلفية البيئة الاجتماعية المعروفة، وتسيطر عليها عوامل داخلية
وتتقيد بقواعد ونظم خاصة بها.
وأساطير
الأدب الشعبي العربي كما هي الحال في
أساطير الشعوب
الأخرى تكونت ومع الوقت صقلتها الحياة. وفي كل مرحلة تاريخية كان لها شكل معاشي خاص.
ولم تتأثر الرواية الشعبية بشروط حياة المجتمع والعلاقات الاجتماعية والتركيبة السياسية
وحسب، بل وتأثرت بالأسلوب الأدبي المميز لتلك المرحلة من الحياة الإنسانية.
وعنصر
الزمان في الرواية الشعبية الشفهية يعتبر عنصرا هاما يرتبط بالماضي، ولكن سرعان ما
تفقد الأسطورة موقعها من حيث شروط تناسق الأخبار وتتاليها في
السرد لتعطي الإنسان وصفاً للزمان والمكان عبر التطور السريع لوسائل الإعلام والاتصال
الجماهيرية التي يستخدمها الإنسان في مختلف مراحل تطوره الاجتماعي. وهو ما أشار
إليه الباحث اليمنى على محمد عبدو عندما قال أنه "في أيامنا هذه أصبح من
الملموس أن الشباب والأولاد يسعون إلى مشاهدة
برامج التلفزيون الممتعة وكأن الراوي المشهور يقف إلى
جانبهم".
كما
وأشارت أ.د. ماليكة ناصيروفا إلى أنها اكتشفت من خلال ملاحظاتها الخاصة أن
للخرافات مقام خاص في العالم العربي حتى الآن، والخرافات بشكلها الشفهي تغلب على الشكل
المكتوب. وأن صورة الراوي تتشابه لدى الكثير من
شعوب العالم
ومن بينها أوزبكستان، وتعبر عن: السن الطاعنة، والحياة الطويلة، والعصا في يد
الراوي، وفي نظرته اللطيفة وحكمته
ودهائه، إضافة إلى أنه رجل محترم يتكلم بهدوء وبلا عجلة
وبلغة مفهومة
للجميع، وإلى حد ما هو متنبئ، وإنسان طيب يستطيع تقديم المساعدة في اللحظة
الصعبة. وتنبع شهرة الراوي من المغامرات العجيبة والرحلات البعيدة التي يقصها
وترافقه عبر حياته كلها.
وكالعادة
الراوي هو رجل بسيط من أسرة فلاحيه يعرف
الكتابة
والقراءة لحد معين وهو قادر على إثارة الفرح وإشاعة الفكاهة، وهي صورة نموذجية
كلاسيكية للرواة الأوزبك أيضا ولا يوجد فرق بين شخصية الراوي في أوزبكستان
ووسط آسيا وشخصية الراوي في أي دولة عربية.
ومما
يميز الروايات الخرافية الشفهية في
المملكة العربية السعودية مثلاً تكرار شخصية المرأة المسنة
كراوية والتي
لها عادة عشرة أولاد أو أكثر، وتعيش الرواية عادة وسط أسرة بدوية بسيطة،
وفي مطلع الرواية تجلس الراوية على بساط ويلتف حولها الأطفال، وقد يعرف أحدهم
الخرافة التي تقصها عليهم فيتدخل في السرد مصححا...
ومما
يؤسف له ولأسباب اقتصادية واجتماعية تأخر جمع
ونشر أساطير وخرافات الأدب الشعبي الشفهي في
البلدان
العربية، ولم تبدأ العملية إلا منذ زمن قريب، ويمكننا القول بثقة أن كل الكتابات التي
تناولت خرافات وأساطير الأدب الشعبي الشفهي العربي تقريباً ترجع لأواخر القرن التاسع
عشر، وفي أكثر الحالات للقرن العشرين، ففي ستينات القرن العشرين بدأ الاهتمام
بجمع الجديد منها، ونشر مؤلفات تناولت الإبداع الشفهي العربي ومع ذلك فهي قليلة
جدا.
وبنشر
المجلدات الأربعة لعبد الكريم الجهيمان تعرف القراء لأول مرة
على الخرافات
العربية، وعرفوا أنها مغايرة تمامأ للقصص المعروفة في العالم أجمع كقصص
شهرزاد من حكايات "ألف ليلة وليلة".
وفي
عام 1980م نشرت مجموعة صغيرة من الأساطير والخرافات اليمنية
قام بجمعها من أنحاء مختلفة من اليمن، الباحث الفلكلوري
محمود احمد
شهاب، وحاول الباحث قدر المستطاع الحفاظ على خصائص اللهجة المحلية واعتنى بوضع
الحواشي لكتابه الذي يتمتع بأهمية كبيرة في اليمن لأنه ساهم بالمحافظة على بنية
الفلكلور الشعبي اليمني.
وتتميز
الأساطير والخرافات العربية بحجمها غير
الكبير، وندرة
احتوائها على وصف الطبيعة والبساطة والإيجاز، كما يلاحظ قربها من حيث المواضيع من
أساطير وخرافات شعوب العالم الأخرى، وتشترك كلها بإثارة انتباه القارئ للظروف
الموضوعية المحيطة بالحدث، مثل تحول البطل من إنسان إلى حيوانات مختلفة كماعز
أو جمل أو حصان، وبيعة كحيوان وعودة البطل بمساعدة الطقوس السحرية إلى حالته السابقة،
بالإضافة لموضوع الزوجة العاقلة التي تنقذ زوجها في الأسطورة.
ومن الصفات
المميزة للرواية الشعبية العربية إدماج الشخصيات العادية في شبه الجزيرة العربية
لتصور شخصيات خرافية تقليدية، أو إدخال ميزة خاصة أو تفاصيل خاصة في وصف الشخصيات
الرئيسية أو تعزيز بعض المواضيع القديمة أو إضعافها أو إظهار وظائف جديدة للشخصيات
الرئيسية في الحدث. وهذا ما يميز الأدب الشعبي الشفهي على الأكثر في شبه جزيرة
العرب.
وكان
الأدباء العرب يركزون في الفلكلور العربي خلال
المرحلة المبكرة للقرنين الثاني عشر، والثالث
عشر
الميلاديين على فن من الفنون الفلكلورية تمثل بالأمثال الشعبية، واكتسب هذا الفن
شعبية خاصة في المشرق العربي خاصة، وخلال تلك المرحلة ألفت 44 مجموعة للأمثال الشعبية العربية
بقي منها حتى يومنا هذا 14 مجموعة. وانتهت هذه المرحلة بمجموعتين كبيرتين من الأمثال
الشعبية كتبهما:
-
أحمد بن الحسين الميداني (توفي 1124م)؛
-
والعلامة محمود بن عمر الزمخشري (1075-1144م)؛
وكانا
من علماء الأدب الشعبي العربي.
وحاول
الشاعر المشهور عبد الملك بن إسماعيل الثعالبي
(961-1038م) وهو عالم في اللغة العربية
وآدابها تصنيف
الأمثال على مراحل.
وتعتبر
الفترة الممتدة من القرن الرابع عشر وحتى القرن الثامن عشر الميلاديين
مرحلة انحطاط في الأدب العربي الكلاسيكي واللغة العربية
الفصحى لتزايد
اهتمام العلماء والأدباء في تلك المرحلة كثيراً بالأدب الشعبي، وخلال تلك
المرحلة أخذت تظهر كتابات في الأدب الشعبي لكتاب بارزين أمثال:
-
الشاعر صافي الدين الحلي (1278-1351م)؛
-
والمؤرخ الشهير ابن خلدون (1332-1404م)؛
-
والأديب الإبشحي (1388-1446م)؛
-
وعالم اللغة وآدابها يوسف المغربي (حوالي 1570-1611م)؛
وعلماء
آخرين ومهتمين بالإبداع الشعبي.
وأعتقد
أن أبحاث الفلكلور العربي بدأت في أوربا مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن
التاسع عشر الميلاديين، وكانت تلك البحوث مرتبطُة بدراسات اللهجات العربية
بشكل وثيق، وبقي الفلكلور العربي مادة مساعدة لعلم اللهجات حتى أواسط القرن العشرين،
واستمد المستعربون بعض اللهجات العربية وصنفوها في نماذج ونصوص أخذت من مؤلفات
فلكلورية من: أمثال شعبية، وفكاهات، وشعر شعبي، وحتى من الحكايات الشعبية الكبيرة.
وفي
تلك الفترة قام عالم اللغة المصري البارز الشيخ محمود عياد الطنطاوي بالتدريس
في مختلف جامعات سانت بطرس بورغ (روسيا) لأكثر من عشرين عاماً، وألف كتاباً لتعليم اللغة
العربية المحكية (اللهجة المصرية) ونشره في لايبزيغ عام 1848م وشمل نصوص نحوية وأكثر
من مئة مثل شعبي، وعشر حكايات شعبية، وسبعة ألغاز.
وهكذا
استمرت دراسات الفلكلور العربي لتصبح علما مستقلاً في المشرق
العربي. وأصبح
الفولكلوريون العرب يستخدمون كل منجزات العلم في مجال الفلكلور والأدب
الشعبي. وشملت أعمال الباحثين العرب في الأدب الشعبي كل فن من فنونه أي من قديمها
إلى أواسطها وحتى الأحدث منها. ويوجد اليوم في المؤسسات العلمية والأدبية متخصصين يشغتلون بالفلكلور
وينشرون أبحاثهم في المجلات الخاصة بـ"التراث الشعبي"، وعدد تلك الأعمال
الفلكلورية المنشورة في البلدان العربية
كبير جدًا.
وقد
ظهرت المجموعات الأولية من الخرافات والأساطير الشعبية العربية
والنصوص المختلفة الأخرى منذ مائة عام، كما وأضيفت كتابات الخرافات والأساطير
الشعبية عادة إلى الكتب المدرسية باللغة العربية كمواد دراسية، وحتى
الوقت الحاضر ترجمت خرافات وأساطير شعبية عربية إلى عدة لغات عالمية.
ويزيد
عدد الأعمال التي خصصت لقضايا تاريخ الأدب الشعبي
العربي دائماً.
ومن بين المهتمين بالأدب الشعبي واشتغل بها خلال سنوات طويلة م.أ. ساليه، المهتم
بدراسة "ألف ليلة وليلة" ونشرت الترجمة الأولى الكاملة لهذا الأثر
الأدبي الشعبي العربي إلى اللغة الروسية
من مصدره الأصلي مباشرة إلى جانب عدة مقالات علمية ضمن
هذه السلسلة
من الأعمال. وخصص الأكاديمي أ.يي. كريمسكي، في عمله الأصلي "تاريخ الأدب العربي
الحديث" فصل كبير تضمن مقدمة عن تاريخ الأدب الحديث، وأعار اهتماما كبيرًا بمؤلفات
الأدب الشعبي. ومن الدراسات التي تناولت هذا الحدث الثقافي أعمال علماء مشهورين
أمثال: إ.ف. تيموفييف، ود.إ. أوناييفا، وف.ف. ليبيديف، وب.يا.شيدفار. ومن الدراسات
التي اطلعت عليها على سبيل المثال كانت:
-
دراسة ميليتنسكى ى. م.: بطل الأسطورة
الساخرة.
موسكو: 1958. (باللغة الروسية)
-
وعلم الفلكلور الروسي. موسكو: 1965. (باللغة الروسية)
-
وغوسيف و. ى.: علم الجمال في الأدب الشعبي (الفلكلور). لينينغراد: 1967. (باللغة
الروسية)
-
وبراب و. ى.: الفلكلور والحقيقة. مقالات
مختارة.
موسكو: 1976. (باللغة الروسية)
أما
في أوزبكستان فهناك تقدم كبير في الأعمال الشيقة والممتعة في كتابات النصوص
الفلكلورية الحديثة التي تعمل على اكتشاف الآثار الفلكلورية للعهود الماضية ومن
الدراسات الجديرة للعلماء الأوزبك أمثال: أ.د. نعمة الله ابراهيموف، وأ.د. تيمور مختاروف،
وأ.د. زاهد الله منواروف، وأ.د. شاه رستام شاه موساروف، وأ.د. لطيف ساتييف، وغيرهم
من المستعربين، بالإضافة لترجمة أ. د. نعمة الله ابراهيموف وأ. د. تيمور مختاروف عدة
رواية شعبية عربية إلى اللغتين الروسية والأوزبكية.
وأضافت
أ.د. مليكة ناصيروفا أن هذا شيء من التجربة
المتواضعة
المتكونة في معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية بإشراف أ.د. نعمة
الله ابراهيموف، عضو أكاديمية العلوم الأوزبكية، والعضو المراسل في مجمع اللغة العربية
بجمهورية مصر العربية، ونشرت حتى اليوم أبحاث كثيرة عن الفلكلور العربي في أوزبكستان،
ونشرت ترجمات لمجموعات من الأساطير الشعبية في أربعة أجزاء.
ونعتقد
أن ذلك نابع من الاهتمام بمواضيع دراسة فلكلور عرب
آسيا الوسطى الذي لابد وأن يثير اهتمام علمي خاص لدى
زملائنا العرب
الذين يبحثون في هذا المجال، ولمقارنتها مع فلكلور شعوب آسيا الوسطى التي
تتكلم باللهجات التركية أي الأوزبك، والقازاق، والقرغيز، والشعوب المتحدثة باللغات
الهندوأوروبية، الطاجيك والأفغان وغيرهم من شعوب آسيا المركزية.
ونعتقد
أن دراسة الفلكلور العربي ومقارنته بفلكلور شعوب آسيا المركزية يثير
اهتمام الباحثين في أوزبكستان والبلدان العربية في آن واحد، ويثرى الدراسات العلمية
في مجال دراسات الفلكلور الشعبي.
وبقي أن أشير إلى أن الفلكلور
والفنون التطبيقية والموسيقية التقليدية الأوزبكية يجري تدريسها في جميع مؤسسات
التعليم العام والمتوسط والعالي في جمهورية أوزبكستان وهناك مدارس ومعاهد متوسطة ومؤسسات
تعليم عالي متخصصة بالفلكلور الشعبي الأوزبكي، ومن المتبع تشكيل فرق هواة للفلكلور
في مؤسسات التعليم بمختلف مستوياتها.
كما وتحرص قيادة البلاد على
تشجيعها بإقامة المسابقات والمهرجانات المخصصة لها ومن بينها: المهرجان الموسيقي الدولي "شرق
تارونالاري"، والمهرجان الموسيقى الدولي للفنون الفولكلورية، ومهرجانات الصداقة للمراكز الثقافية القومية للمواطنين
الأوزبكستانيين من أبناء القوميات والشعوب التي تعيش في أوزبكستان، ومهرجان بابسون
الفلكلوري، ومعارض الحرف والفنون التطبيقية التقليدية وغيرها. حتى أن المنظمة
الدولية للحرف التقليدية منحت مدينة قوقند الأوزبكستانية مؤخراً لقب مدينة
الحرفيين العالمية.
طشقند
1/9/2019
*****
الدكتور/ محمد عبدالستار
البخاري
المحترم،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
شكراً جزيلاً لك على تلبية الدعوة ونشيد بحرصكم على
المشاركة، ونأسف لإبلاغكم بأنه نظراً لظروف خارجه عن إرادتنا تم التحفظ على طلبك،
وتم حفظ اوراقك على أمل مشاركتك في فعاليات مقبلة، ونتمنى ان نراك في لقاء قريب
بإذن الله .
نتمنى لك النجاح والتوفيق.
تحياتي
عائشة الكتبي
معهد الشارقة للتراث
16/9/2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق