السبت، 8 أغسطس 2020

مشاكل يعاني منها الاتصال والإعلام الدولي في الدول النامية
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف  العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند - 2011
تأليف:
محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

مشاكل يعاني منها الاتصال والإعلام الدولي في الدول النامية
ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها الدول النامية والفقيرة حتى اليوم، للخروج من المأزق الإعلامي الذي تعاني منه، نراها تتخبط بمشاكلها الإعلامية التي تزداد تشعباً وتعقيداً كل يوم، بسبب التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في ميدان وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية حتى على الصعيد الوطني، ومن أهم تلك المشاكل: الخلط بين الوظيفة الإعلامية المحلية، والوظيفة الإعلامية الإقليمية، والوظيفة الإعلامية الدولية، ومتطلبات كل من تلك الوظائف وخصائصها المتميزة؛ والخلط بين السياسات الداخلية والإقليمية والخارجية للدولة عند التخطيط للحملات الإعلامية الدولية، والارتباك في تحديد الأولويات؛ وضعف أجهزة وتقنيات المؤسسات الإعلامية الوطنية، وافتقارها للمعدات والتجهيزات المتطورة، والإمكانيات المالية اللازمة للحملات الإعلامية الدولية، أو استخدامها للإعتمادات المالية المتاحة بشكل سيء، أو بشكل غير فعال لتحقيق الأغراض المطلوبة، إضافة لسطحية المساعدات الخارجية التي تحصل عليها تلك الدول من الدول الغنية، والمنظمات الدولية المتخصصة؛ والنقص الفاضح في الكوادر الإعلامية المتخصصة بالإعلام المحلي والإقليمي والدولي، وندرة أصحاب التخصص الأكاديمي بينهم، مما يؤدي إلى اختيار كوادر غير كفوءة للعمل الإعلامي الدولي، لاعتبارات سياسية في أكثر الأحيان، وهذا بدوره يؤدي إلى: غياب التنسيق بين المخطط، والمنفذ، وأجهزة متابعة الحملات الإعلامية الدولية؛ وضعف الإلمام بخصائص الجمهور الإعلامي الأجنبي، وعدم إتباع أسلوب إعلامي منطقي ملائم ومتطور قادر على إيصال مضمون الرسالة الإعلامية للقطاعات المستهدفة من الحملة الإعلامية الدولية؛ وغياب التعاون وحتى التنسيق بين المؤسسات الإعلامية، ومؤسسات التعليم العالي المتخصصة، ومؤسسات البحث العلمي، فيما يخص إعداد الكوادر الإعلامية الوطنية والبحوث العلمية التطبيقية، وخاصة فيما يتعلق بدراسة راجع الصدى الإعلامي وتأثير المادة الإعلامية، وفاعلية الخطط الإعلامية، والاكتفاء بالبحوث النظرية البحتة التي تتناول الجوانب الوصفية والتاريخية فقط، بابتعاد عن الدراسات التي تتناول جوهر التخطيط، وتحليل مضمون الرسائل الإعلامية، وتقدير راجع الصدى الإعلامي المخطط له وراجع الصدى الفعلي للمواد الإعلامية وقدرات الوسيلة الإعلامية المستخدمة.
الاتصال والإعلام الدولي والصراعات الدولية
وعالم اليوم يعاني كما في الماضي من صراعات سياسية ومنازعات عسكرية عديدة. وتبقى في مقدمتها اليوم القضية الفلسطينية التي مازالت تهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم منذ مدة تجاوزت النصف قرن وأدت إلى عدة حروب مدمرة منذ قيام دولة إسرائيل بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 الذي قضى بإنشاء دولتين عربية وعبرية على أرض فلسطين التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني بتجاهل لمصالح الشعب الفلسطيني. وبدأت تلك الحروب بالحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 وانتهت باحتلال إسرائيل لقسم من الأراضي المخصصة للدولة العربية في فلسطين وإعلان الهدنة، التي استمرت حتى العدوان الثلاثي الإنكليزي الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956 وانتهى بانسحاب القوات المعتدية من الأراضي المصرية المحتلة. ثم العدوان الإسرائيلي على مصر والأردن وسورية عام 1967 الذي انتهى باحتلال الجيش الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء المصرية، وقطاع غزة الفلسطيني الذي كان تحت الإدارة المصرية آنذاك، وكامل الضفة الغربية لنهر الأردن الفلسطينية والتي كانت آنذاك تحت الإدارة الأردنية، وهضبة الجولان السورية بعد إعلان وقف إطلاق النار.
والحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 التي خاضتها مصر وسورية مدعومة من بعض جيوش الدول العربية لتحرير الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي وانتهت باحتلال إسرائيل لمزيد من الأراضي المصرية والسورية. لتعقبها المعركة السياسية من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، والتي تكللت بتوقيع أول معاهدة سلام بين إسرائيل والعرب، وهي المعاهدة الإسرائيلية المصرية المعروفة بمعاهدة كمب ديفيد، التي صمدت رغم الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982 وعدوانها المستمر عليه، واحتلالها المستمر لجزء من أراضيه. لتبدأ عام 1991 المسيرة السلمية الشاملة في الشرق الأوسط بانعقاد مؤتمر مدريد الدولي لحل قضية الشرق الأوسط بمشاركة جميع الأطراف المعنية، وأطراف دولية أخرى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وما أعقبها من اتفاقيات سلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية. لتعود وتصطدم الجهود السلمية مرة أخرى بالعدوان والتعنت الإسرائيلي المستمر والذي يحظى بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها دون قيد أو شرط، التعنت الذي يحول دون التوصل لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يقضي بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة، بما فيها هضبة الجولان السورية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
ومن بؤر الصراع الخطيرة الأخرى في العالم: الصراع الباكستاني الهندي على مقاطعة كشمير الحدودية المتنازع عليها بين الطرفين والتي تهدد بالانفجار في أي وقت كان خاصة بعد سلسلة التجارب النووية التي نفذتها الدولتين في أيار/مايو 1998، معلنة عن مرحلة جديدة في إطار سباق التسلح الجاري في القارة الآسيوية. والحرب الأهلية الدامية والمدمرة في أفغانستان، التي بدأت عام 1979 ضد التدخل العسكري السوفييتي في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وتحوت فيما بعد إلى حرب عرقية ودينية إثر انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان. تلك الحرب التي هددت أمن واستقرار الدول المجاورة لها، وخاصة دول آسيا المركزية المستقلة حديثاً بعد انهيار الإتحاد السوفييتي السابق، أوزبكستان، وطاجكستان، وتركمانستان ولها حدوداً مشتركة معها. واستمرار الخطر رغم قيام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بغزو الأراضي الأفغانية والقضاء على حكومة طاليبان فيها بذريعة الهجمات الإرهابية التي تمت عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى مناطق التوتر الكثيرة التي ظهرت بعد انهيار الإتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، كالصراع في قره باغ الأذربيجانية، والصراع في الشيشان بين روسيا الاتحادية والمطالبين باستقلال جمهورية إشكيريا؛ والصراع في أبخازيا المطالبة بالاستقلال عن جورجيا؛ والحرب الأهلية التي هدأت نسبياً في طاجكستان؛ والصراع بين البوسنيين، والصرب، والكروات وألبان كوسوفو، فيما كان يعرف سابقاً بيوغسلافيا الاتحادية؛ والوضع الشاذ في ألبانيا التي انهارت وبكل سهولة، أجهزة وبنى الدولة العسكرية والسياسية خلال تسعينات القرن العشرين. والصراعات الكامنة الأخرى بين الكوريتين الشمالية والجنوبية؛ والحرب الأهلية في الصومال، والسودان، والمغرب العربي؛ والخلافات الحدودية الإريترية اليمنية، والإريترية الإثيوبية؛ والوضع المتوتر في منطقة الخليج العربي بسبب الحرب العراقية الإيرانية المدمرة، والغزو العراقي للكويت وقيام التحالف الدولي بتحرير وطرد القوات العراقية من الكويت، ومن ثم غزو قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية العراق واحتلاله عام 2003 وإسقاط نظام الحكم القائم فيه حتى دون قرار من مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وتحول العراق بسبب الاحتلال إلى ساحة للصراعات العقائدية والطائفية والعرقية التي لا يحمد عقباها، وتهدد وحدة ترابه وثرواته الوطنية، التهديد الذي أصبح واقعاً بعد صدور قرار الكونغرس الأمريكي بتقسيم العراق إلى كيانات فيدرالية في سبتمبر 2007، وغيرها من بؤر التوتر الكثيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي بمعظمها من التركة الثقيلة للاستعمار الأوروبي الطويل في تلك المناطق.
وقد بينت السوابق التاريخية أن لكل صراع أبعاده الداخلية والإقليمية والدولية؛ وعناصر قوى يجب مراعاة التفاعلات الجارية بينها؛ وتأثير هذا التفاعل على تطور الصراع بشكل عام، بقصد التعامل مع هذا الصراع ومعالجته بالشكل المناسب. وهذا لا يمنع وجود عناصر مشتركة بين الصراعات المختلفة، يمكن الاستفادة منها عند معالجة تلك الصراعات أو التعامل معها إعلامياً. وتعتمد النتائج النهائية لأي صراع من الصراعات على عناصر القوة المتوفرة لدى كل طرف من أطرافه، وتضم هذه العناصر: القوى المعلوماتية؛ والعسكرية؛ والتكنولوجية؛ والإمكانيات الاقتصادية، والسياسية، والبشرية؛ والحالة المعنوية للقوى البشرية. وتعتمد كلها على مسائل أخرى كعنصر المفاجأة، وتطور استخدام الإستراتيجية والتكتيك، واللجوء إلى أساليب جديدة غير معروفة من قبل، مما تجعل عملية التنبؤ بنتائج الصراع صعبة جداً، وفي بعض الأحيان غير مجدية، إضافة للإمكانيات الذاتية للأشخاص القائمين على إدارة الصراع؛ ومدى توفر المعلومات لديهم؛ والتقنيات والأدوات الحديثة التي يستخدمونها في الصراع.
فصانع القرار في أي صراع يبني قراره على معطيات ملموسة أولاً، وعناصر غير ملموسة تشمل الخصائص النفسية والحالة المعنوية للخصم ثانياً. وتقتضي معالجة أي صراع الاعتماد على العقلانية وبعد النظر؛ واستبعاد العواطف والانفعالات؛ لأن عملية معالجة أي صراع هي عملية معقدة وشاقة، ونابعة أساساً من عناصر القوى المشاركة فعلاً في الصراع من الجانبين أو من قبل الأطراف المتصارعة، أو المعنية بالصراع. ومبنية على الحسابات الدقيقة والخطط الموضوعة والمستخدمة فعلاً من قبل طرفي أو أطراف الصراع. وتتنوع أدوات الصراع عندما تقتضي ظروف الصراع اللجوء إلى القوة العسكرية تارة؛ وإلى القوة الاقتصادية تارة أخرى؛ أو إلى العمل السياسي والدبلوماسية الهادئة في حالات أخرى؛ أو قد يلجأ الجانبان المتصارعان إلى استخدام القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية في آن معاً، مستخدمين المرونة في تكتيك إدارة الصراع وفقاً لطبيعة الظروف المتبدلة محلياً وإقليمياً ودولياً.
ويبقى دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في عملية الصراع متمثلاً بتعبئة الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي حول وجهة النظر الرسمية للدولة من الصراع الدائر وشرحها وتغطية أخبار أهم أحداثها تباعاً؛ وشرح وتحليل أبعاد هذا الصراع وأسبابه. مع مراعاة أن يأخذ خبراء الاتصال والإعلام والصحفيين بعين الاعتبار، خصائص الجمهور الإعلامي المخاطب ثقافياً وسياسياً وتاريخياً، ومدى تعاطفه مع وجهة النظر الرسمية للدولة المعنية في هذا الصراع؛ واختيار اللغة المناسبة للرسائل الإعلامية لتصل إلى أقصى حد ممكن من التأثير والفاعلية. لأن السلاح الإعلامي في أي صراع كان ولم يزل لا يقل أهمية عن القوة العسكرية والاقتصادية، لأنه الوسيلة الناجعة لرفع معنويات القوى البشرية في الدول المعنية، وتحطيم الروح المعنوية للخصم في الصراعات الدائرة، مع التأكيد على أن الإعلام الناجح هو السند القوي في الكفاح على الجبهة السياسية والعمل الدبلوماسي الهادئ والرصين والمنطقي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق