عشرون عاماً
من تطور
العلاقات السورية الأوزبكستانية
طشقند - 2012
عشرون عاماً من تطور العلاقات السورية الأوزبكستانية
تتضمن هذه الدراسة
متابعات صحفية
لبعض ما
نشرته المصادر
الإعلامية ووسائل
الاتصال والإعلام الجماهيرية عن العلاقات السورية الأوزبكستانية منذ
استقلال جمهورية
أوزبكستان عام
1991 واعتراف الجمهورية
العربية السورية باستقلالها بتاريخ 28/12/1991، وحتى عام 2011، في محاولة لوضع رؤية المؤلف عن
مستقبل هذه
العلاقات ليستفيد منها
المتخصص والمهتم بالعلاقات العامة الدولية والقانونية والعلوم الإقتصادية
والسياسية والإعلام.
المؤلف:
أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في
العلوم السياسية DC
اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور
العولمة؛ ودكتوراه فلسفة
في الأدب
PhD، اختصاص: صحافة. بروفيسور، قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية
الصحافة. جامعة ميرزة ألوغ
بيك القومية
الأوزبكية.
مراجعة:
أ.د. شهرت يفقاتشوف: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC. رئيس قسم السياسة العالمية، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية (مستعرب).
أ.د. قدرت إيرنازروف: دكتوراه علوم في العلوم
التاريخية DC. رئيس قسم العلاقات العامة
والإعلان بكلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ
بيك القومية
الأوزبكية.
(c)
حقوق النشر
محفوظة للمؤلف.
تمهيد
خلال
العقد الأخير
من القرن
العشرين بلغ التنافس الدولي ذروته في العلاقات
الدولية المعاصرة بين القوى الكبرى المهيمنة على الساحة الدولية، وأجمع الباحثون على
أن التنافس
الدولي وفر
في السابق قدراً لا بأس
به من
الموارد المالية
والتكنولوجية لدول العالم الثالث لم تكن لتتوفر لها لولا ذلك التنافس
الذي ساد
خلال فترة الحرب الباردة
التي كانت قائمة بين المعسكرين الشرقي
بقيادة الاتحاد
السوفييتي السابق
والغربي بقيادة
الولايات المتحدة
الأمريكية. لأن التنافس على النفوذ
في العالم
الثالث كان محتدماً بينهما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. واستفادت دول العالم الثالث من
ذلك التنافس لتحصل على موارد
مالية وتكنولوجية من القطبين الأعظمين وخاصة تلك الدول التي فضلت إتباع سياسة
عدم الإنحياز والحياد
الإيجابي في التعامل مع المعسكرين المتصارعين على النفوذ
في العالم الثالث.
وبعد إنهيار المنظومة الإشتراكية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق
سعى
التنافس الدولي الجديد لتوفير بديل
للنفوذ الروسي
في دول
آسيا المركزية
(أوزبكستان وقازاقستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجكستان)
التي استقلت عن الإتحاد السوفييتي السابق (عرفت
المنطقة في المراجع
التاريخية لمرحلة الفتوحات الإسلامية
باسم ما وراء النهر،
وذكرت باسم تركستان في المراجع التاريخية
لما قبل
الاحتلال الروسي، وبعد
الاحتلال باسم تركستان الروسية، ومن ثم آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية في العهد السوفييتي، إلى أن أطلق عليها قادة الدول الخمس بعد الإستقلال
عن الاتحاد السوفييتي السابق اسم
آسيا
المركزية في
الاجتماع الذي
ضمهم
في
آلما آتا عاصمة قازاقستان). ولكن إستقلال تلك
الدول
لم يضعف
من النفوذ
الروسي بشكل جوهري، بل
وفر لدول
المنطقة بدائل
استفادت منها
لصياغة سياساتها الخارجية ووظفتها للحصول
على أفضل
الشروط في التعامل
مع الفيدرالية الروسية.
وأثبتت
الوقائع بجلاء
ووضوح، أن دول
آسيا المركزية لن تعود مرة
أخرى إلى
أي نوع
من أنواع
العلاقات التي
كانت تربطها
بروسيا القيصرية أو الاتحاد السوفييتي أو المركز السابق
موسكو. بل على العكس
اتجهت دول
المنطقة التي حصلت على إستقلالها وسيادتها ومن بينها أوزبكستان نحو
بناء علاقات
جديدة من
المنفعة المتبادلة والمتساوية مع الفيدرالية الروسية رغم عدم
تطابق وجهات
النظر حيال بعض
المواقف والقضايا الهامة والحساسة في
المصالح الوطنية
للجانبين. وبعبارة
أخرى أن
استعمار المنطقة
راح بلا
رجعة، وأن
استقلال جمهوريات آسيا المركزية أصبح
أمراً واقعياً
ومهماً تدعمه
مراكز القوى
العالمية بثبات.
وما يثبت ذلك حصول الجمهوريات المستقلة على العضوية الكاملة
في المنظمات الدولية والإقليمية كمنظمة
الأمم المتحدة
وهيآتها المتخصصة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة أوروآسيا للتعاون
الاقتصادي، ورابطة
الدول المستقلة، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية.
ولا
يستطيع أحد إنكار حقيقة أن
التنافس الدولي
أدى لتعطيل
مؤقت لقدرات
دول آسيا
المركزية على
اختيار النموذج
الملائم لها
للتطور الاقتصادي والسياسي المستقل. ونجحت
أوزبكستان فعلاً في اختيار
طريقها الخاص
للتجديد والتقدم، ونموذجها الخاص للانتقال إلى اقتصاد السوق (للمزيد أنظر: إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم. ترجمة: أ.د. محمد البخاري. جدة: مجموعة دار السلام، 1999؛ إسلام كريموف: أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين. بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1997؛ إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية. بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1996).
ساعدها على
ذلك استقرار
مؤسساتها الدستورية والسلطة السياسية بعد
فوز الرئيس إسلام كريموف ولعدة مرات
متتالية بمنصب
رئيس جمهورية
أوزبكستان عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر.
ولم
يتوقف التطور الاقتصادي والسياسي المستقل في أوزبكستان رغم دخول التطرف
الديني والعنف
المسلح وما
رافقه من
ازدهار لتجارة
المخدرات وتهريب
الأسلحة إلى
المنطقة، كصدى
للصراعات الدائرة
على الساحة
الأفغانية، والصراع
الذي كان
دائراً في
طاجكستان كطرف
في المعادلة السياسية بالمنطقة، ومن المعروف أن تلك الصراعات كانت تشجعها وتستغلها وتدعمها جهات خارجية.
وجاءت الأحداث الدامية
التي جرت
في طشقند
وجنوب قرغيزستان عام 1999، وأحداث
جنوب أوزبكستان وقرغيزستان صيف
2000، وأحداث
أنديجان عام
2005، لتضاعف
من حدة
الموقف في
المنطقة، وجاءت
مطابقة ومؤيدة
لتوقعات القيادة
الأوزبكستانية وتنبيهاتها المستمرة من خطر
انتقال وانتشار
التطرف والعنف
المسلح من
أفغانستان إلى
المناطق الأخرى المجاورة في آسيا المركزية بل وإلى أنحاء
أخرى من
العالم وهو
ما أثبتته
أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة
الأمريكية وما
تبعها من
أحداث تهدد مصير الإستقرار العالمي وأمن وسلامة الكثير من شعوب
العالم.
وجاءت المبادرة الأوزبكستانية على لسان رئيس جمهورية
أوزبكستان إسلام كريموف أثناء مشاركته
في قمة
الناتو ومجلس الشراكة
الأوروبية الأطلسية التي جرت في
بوخارست بتاريخ
3/4/2008 بأن "التعاون الدولي يعتبر من أهم
عوامل توفير
الأمن والتطور.
وأن المبادرة الأوزبكستانية الأخيرة لحل
القضية الأفغانستانية بمشاركة حلف الناتو
تهدف إلى تطوير مجموعة "6+2" التي
عملت حتى
عام 2001 إلى مجموعة اتصال
"6+3" للتوصل إلى السلام
والاستقرار في
أفغانستان. وأن المبادرة جاءت من
أجل التوصل
إلى السلام
والاستقرار في
أفغانستان. ولهذا يجب أن تضم جماعة الاتصال
الدول الست
المجاورة لأفغانستان وهي إيران، والصين،
وطاجكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، بالإضافة لروسيا،
والولايات المتحدة
الأمريكية، وحلف
الناتو، لتتحول إلى آلية
هامة ومسرحاً
للمناقشات وإعداد
مبادئ مشتركة
ومناهج للبحث
عن طرق
لتسوية القضية
الأفغانية، والتوصل
لفهم واهتمام
مشترك للتوصل
إلى السلام
والوئام الوطني في أفغانستان.
وإعداد مقترحات
للتوسع بالمساعدات الاقتصادية والإنسانية المقدمة
لأفغانستان في
إطار مختلف
البرامج الدولية
وفي مقدمتها
برامج منظمة
الأمم المتحدة، مع
ضرورة احترام
العادات والتقاليد والقيم الدينية والقومية والثقافية للشعب الأفغاني متعدد القوميات واحترام
مصالح الأقليات القومية وعدم السماح
بالهجمات والافتراءات والأكاذيب على الدين
الإسلامي (الصحف المحلية الصادرة في طشقند يوم 1/5/2008).
وعلى
ما نعتقد
أن التغييرات في
موقف الولايات المتحدة الأمريكية جاءت
موافقة للموقف
الأوزبكستاني، وهو ما عبرت عنه الأوساط الاجتماعية الأوزبكستانية بأنها تتابع
باهتمام بالغ
المبادرات الجديدة
التي تقدمت
بها الإدارة
الأمريكية منذ
تولي الرئيس
باراك أوباما الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم
يكن خطاب
باراك أوباما في جامعة القاهرة
عام 2009 استثناء، لأن
الخطاب قبل
كل شيء
كان إثباتاً
لتغليب الواقعية في مواقف السياسة
الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والدعوة
لكسر الحلقة
المفرغة من
حالة عدم
الثقة والمجابهة مع العالم الإسلامي، والمناشدة لوضع حد
لقوالب التفكير
السلبي حول
الإسلام أينما
كان، وبدء
عصر جديد
لتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع
العالم الإسلامي.
واعتبر
البلاغ الذي صدر عن الخارجية الأوزبكستانية أن
الخطاب كان
بمثابة سعي
للبحث عن
اتجاهات جديدة
للتعاون بين
الولايات المتحدة
الأمريكية والمسلمين في العالم كله
لصالح السلام
والعدل والتقدم. وأن براغماتية نهج السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما بشأن المواقف من
مسألة ما
يسمى بسياسة
إشاعة الديمقراطية تسترعي الانتباه، وأن
جوهر الموقف
الجديدة المعلن
ينحصر في
أن أي
محاولة لفرض
قيم خاصة
على البلاد
الأخرى التي
لها تاريخها
وثقافاتها المتميزة تعطي نتائج معكوسة.
وأنه من
المهم أن
تكون هناك
قدوة يمكن أن يحتذى بها من
خلال الحفاظ
على الديمقراطية وأولوية القوانين وحرية
التعبير والدين
باعتبارها قيماً
بشرية مهمة
للجميع. ومما لا شك
فيه أن
مثل هذه
المواقف الواقعية من تسوية أهم
القضايا الراهنة
سيلقى صدى
إيجابيا لدي
أوساط الرأي
العام العالمي (بلاغ
عن
خطاب
رئيس
الولايات المتحدة الأمريكية باراك
أوباما
في
جامعة
القاهرة // وكالة أنباء Jahon بوزارة الخارجية الأوزبكستانية، 8/6/2009).
وكان تأثير مختلف العوامل في البداية على السياسة
الخارجية الأوزبكستانية، مما أبطأ من اندفاع أوزبكستان الشديد نحو تقوية
العلاقات الثنائية مع الدول العربية
بعد استقلالها، وواجهته معظم الدول
العربية بتجاهل
أوزبكستان في
سياساتها الخارجية وأفضلياتها. ونعتقد أن
ذلك لم
يكن مقصوداً
وتمثل بتجاهل
أهمية إقامة
العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات واعتماد
السفراء المقيمين، الأمر الذي نعتبره المدخل
الرسمي الوحيد
لخلق قنوات
مباشرة للحوار البناء وتبادل
المعلومات والمصالح وخلق البدائل في
السياسات الخارجية للجانبين. ولكن سرعان ماتبدل
الواقع وحدث
تبدل واقعي
مبشر في
العلاقات العربية
الأوزبكستانية.
ولا
يجهل أحد
أن تقوية
العلاقات العربية
الأوزبكستانية قد
يتعارض مع مصالح بعض القوى
العالمية التي
تسعى دائماً
إلى تسميم
العلاقات العربية
مع العالم
الخارجي بشتى الطرق،
وتوظفها بذكاء
بهدف إضافتها
لقوتها الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والدبلوماسية، وأجهزة الإعلام القوية
والمجربة التي
تسيطر عليها والمنتشرة في العالم، وتخلق من خلالها بشكل دائم رأي
عام دولي
مساند ومتعاطف
مع تلك
القوى العالمية، ورأي عام دولي
جاهل إن
لم نقل
معاد للمصالح
الوطنية العربية.
عشرون عاماً من تطور العلاقات السورية الأوزبكستانية
والغريب
أن هذا
جرى ويجري
على ساحة
آسيا المركزية بشكل عام وفي
أوزبكستان بشكل
خاص في
ظروف كانت
تشهد ضعف
أو غياب
شبه تام
للجانب العربي
في معادلة
المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياسية والإعلامية والثقافية الدائرة
لتحقيق أقصى
الفوائد للمصالح
الحيوية في
العلاقات الثنائية بين الدول العربية
وأوزبكستان حتى
ولو استثنينا تلك الدول العربية
التي لها
علاقات دبلوماسية واقتصادية جيدة معها
أو لها
سفارات مقيمة
فيها.
وهو ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في هذه الدراسة من خلال متابعاتنا لما
نشرته وسائل الإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية والعربية خلال عقدين من الزمن خدمة
للباحثين والدارسين في مجالات العلاقات الدولية والقانونية والعلوم السياسية
والاقتصادية وعلوم الإتصال والصحافة.
طشقند في 10/11/2011
المؤلف
أ.د. محمد البخاري
عشرون عاماً من تطور العلاقات السورية الأوزبكستانية
رئيس
جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف
كما
هو معروف
في المصادر التاريخية أن جذور العلاقات العربية
الأوزبكستانية تمتد
لبدايات الفتح
الإسلامي لما وراء
النهر أي
منتصف القرن
السابع الميلادي، بعد أن ضمت المنطقة للخلافة العربية
الإسلامية في
العهد الأموي.
وهذا لا
ينفي أبداً
أن العلاقات التجارية والسياسية والثقافية بين العرب وشعوب
ما وراء
النهر كانت
قائمة قبل
الفتوحات الإسلامية بوقت طويل
وخاصة مع بلاد
الشام وبلاد
الرافدين. ولكن
الذي حدث
مع مطلع
القرن الثامن
الميلادي أن تلك المناطق دخلت ضمن دولة واحدة امتدت
في يوم من الأيام من أسوار الصين
شرقاً إلى
المحيط الأطلسي
غرباً.
وتقدم
المراجع التاريخية حقائق كثيرة
عن توجه
جيوش الفتح
الإسلامي العربية
شرقاً عام
633م، وتمكنها من السيطرة على
الدولة الساسانية في فارس، وانطلاقها منها لنشر
الدعوة الإسلامية فيما وراء النهر.
ومن عام
674م انتشرت
جيوش الفتح
الإسلامي بقيادة
عبيد الله بن زياد داخل
المنطقة. وبعد
تعيين قتيبة بن مسلم الباهلي والياً على خراسان
عام 705م دخل بخارى
فاتحاً عام
709م، وخوارزم، وسمرقند، عام 712م، وما أن
حل عام
715م حتى
خضعت المنطقة
الممتدة حتى
وادي فرغانة
(شرق أوزبكستان اليوم) للخلافة العربية
الإسلامية.
ويفسر
الباحثان الأوزبكيان المعاصران بوري باي أحميدوف، وزاهد الله منواروف أسباب سرعة انتشار
الفتح الإسلامي في المنطقة، بالخلافات التي كانت قائمة
آنذاك بين
الحكام المحليين، والاهتمام الكبير الذي
أبداه القادة
العرب المسلمون بالمنطقة بعد أن
استقرت الأمور
لصالحهم في
خراسان. ويشيران إلى أن
العرب لعبوا
دوراً تقدمياً
في المنطقة
وغالباً ما
كانوا يلجأون
في تعاملهم مع أبناء المنطقة إلى
السبل السلمية
معفين معتنقي
الدين الإسلامي من الخراج والجزية.
ويضيفان حقيقة
هامة أخرى
وهي أنه
لا مجال
لمقارنة الفتح
العربي الإسلامي بالغزو المغولي أو
الروسي أو
البلشفي، لأن
الإسلام لعب
دوراً إيجابياً وأدى إلى توحيد
المدن والدول
والقبائل والشعوب
المختلفة وإلى
تطوير العلاقات بين تلك الشعوب.
إضافة للأثر
الإيجابي الكبير
الذي أدخل تقاليد جديدة على عادات وأخلاق
الناس والذي
بفضله تم
القضاء على
العيوب الاجتماعية التي كانت سائدة
آنذاك. وأشارا إلى الدور
الهام الذي
لعبته اللغة
العربية قي
تعريف شعوب
آسيا المركزية وإطلاعهم على مؤلفات
علماء اليونان
القدامى والإختراعات الصينية.
ولا
أحد ينكر
اليوم الدور
الكبير الذي
لعبته شعوب
آسيا المركزية، وخاصة الشعب الأوزبكي في الثقافة العربية
الإسلامية وفي تطوير الحضارة الإنسانية, الذي
ظهر جلياً
أثناء الاحتفالات التي أقيمت في
أوزبكستان بمناسبة
إعلان المنظمة
العربية للتربية
والثقافة والعلوم
(ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة
الإسلامية عام
2007، وأعادت
للأذهان أسماء
أعلام إسلامية
معروفة من
أبناء شعوب
وسط آسيا
أمثال عالم
الفلك أحمد الفرغاني (توفي عام
850م)، وعالم الرياضيات محمد بن موسى الفرغاني (783م-850م)، والفيلسوف الكبير أبو نصر الفارابي (873م-950م)، والطبيب
الموسوعي أبو علي حسين بن سينا (980م-1037م)، والعالم
الموسوعي أبو ريحان البيروني (973م-1048م)، والموسوعي فخر الدين الرازي، والنحوي
والمحدث الكبير
الزمخشري (1075م-1144م)، وشيخ المحدثين الإمام البخاري، والكثيرين غيرهم.
وأشارت
تلك الاحتفالات إلى استمرار إسهام
العلماء الأوزبك
في الحضارة
العربية الإسلامية والعالمية لعدة قرون، الإسهام الذي لم تزل أثاره
ماثلة للعيون
حتى اليوم.
وأنهم ارتحلوا
من أجل
طلب العلم
إلى دمشق،
وبغداد، والبصرة، والقاهرة. وخير مثال
على ذلك
التراث الذي
خلفه إمام
المحدثين أبو عبد الله إسماعيل البخاري
(809م-869م)، والذي
يضم أكثر
من عشرين
مؤلفاً في
علوم الحديث
أشهرها الجامع
الصحيح الذي
يضم 7250 حديثاً نبوياً شريفاً.
وغيره من
علماء الحديث
الشريف أمثال
السمرقندي (785م-868م)، والهمذاني 1048م-1140م).
وعبر
مئات السنين
استقرت بعض
الهجرات العربية
في ما
وراء النهر
وأدى التفاعل
والاندماج الكامل
بينهم وبين
شعوب ما
وراء النهر
إلى قيام
تجمعات سكانية
محلية من
أصول عربية
وخاصة في
ولايات بخارى،
وسمرقند، وقشقاداريا، وسورخان داريا، وغيرها
من المناطق في أوزبكستان. تجمعات لم تزل تحتفظ بطابع
حياتها المتميز
حتى اليوم. ومعروف أن العلاقات العربية
بشعوب المنطقة
أخذت تضعف
تدريجياً منذ
الاجتياح المغولي
للمنطقة خلال القرنين الثاني
عشر والثالث
عشر الميلاديين، وما نتج عن
قيام الدولة
المغولية من
تأثير على
اللغة والثقافة العربية فيما وراء
النهر. دون أن يتمكن المغول من المساس بالثقافة الإسلامية بسبب اعتناقهم أنفسهم للدين الإسلامي الحنيف.
وعند قيام الدولة التيمورية التي أسسها الأمير تيمور "تيمور لانك" (1336م-1405م) امتدت من ما وراء النهر إلى إيران، وأفغانستان، والقوقاز، وبلاد الرافدين، وأجزاء من بلاد الشام، وشمال الهند. تلك الدولة التي اتخذت أيام ازدهارها من سمرقند عاصمة لها. وقامت جمهورية أوزبكستان على القسم المركزي منها في تركستان. وأدى تفكك الدولة التيمورية في تركستان إلى قيام دويلات مستقلة في المنطقة منها إمارة بخارى، وخانية خيوة، وخانية قوقند، وهو ما سهل الطريق أمام الأطماع الروسية للتوسع في المنطقة منذ بدايات القرن السابع عشر.
وعند قيام الدولة التيمورية التي أسسها الأمير تيمور "تيمور لانك" (1336م-1405م) امتدت من ما وراء النهر إلى إيران، وأفغانستان، والقوقاز، وبلاد الرافدين، وأجزاء من بلاد الشام، وشمال الهند. تلك الدولة التي اتخذت أيام ازدهارها من سمرقند عاصمة لها. وقامت جمهورية أوزبكستان على القسم المركزي منها في تركستان. وأدى تفكك الدولة التيمورية في تركستان إلى قيام دويلات مستقلة في المنطقة منها إمارة بخارى، وخانية خيوة، وخانية قوقند، وهو ما سهل الطريق أمام الأطماع الروسية للتوسع في المنطقة منذ بدايات القرن السابع عشر.
وبعد احتلال القوات الروسية للمنطقة
قامت سلطات الاحتلال الروسي بقطع كل
الصلات التي
كانت قائمة
بين تركستان
الروسية كما
كانت تعرف
في ذلك
الوقت والعالمين العربي والإسلامي، سواء
أثناء الحكم
القيصري الروسي،
أو خلال
الحكم الشيوعي
الروسي. واقتصرت
العلاقات العربية
مع دول
المنطقة على
العلاقات الرسمية
التي كانت
تمر عبر
موسكو فقط.
وكان من
النادر جداً
كما أشار
الباحث الأوزبكي زاهد الله منواروف أن تتصل طشقند
مباشرة بالعواصم العربية، وأن الاحتلال الروسي والبلشفي قضى
على أية
إمكانية تسمح
بإقامة علاقات
مباشرة بين
أوزبكستان والدول
العربية. وأضاف
أنه رغم
ذلك فإن
الروابط الثقافية والحضارية التي جمعت
العرب والأوزبك استمرت وعلى أساسها
قامت العلاقات العربية الأوزبكستانية منذ حصولها على استقلالها.
ولذلك
لم يكن
غريباً أن
قيل بأن
العرب قد
فوجئوا باستقلال جمهورية أوزبكستان وغيرها
من جمهوريات آسيا المركزية عام
1991. لأنهم لم
يكونوا يتوقعون
أبداً استقلالها أمام الهيمنة السوفييتية على دول المنطقة وضعف
علاقاتهم معها.
ولهذا كان
تقارب الدول
العربية مع تلك الدول بطيئاً جداً في
البداية، لأن
الدول العربية
كانت حريصة
على استكشاف
الطريق إلى
آسيا المركزية دون
أن تؤثر
علاقاتها المحتملة معها على العلاقات مع الاتحاد السوفييتي قبل الاستقلال، ومن
ثم العلاقات مع الفيدرالية الروسية
بعد الاستقلال.
خاصة وأنها
رافقت فترة
صعبة من
التاريخ كان
العرب فيها
منشغلين بتداعيات حرب الخليج الثانية، والحلول الدولية المنتظرة لقضية الشرق الأوسط
والتمهيد لانعقاد
مؤتمر مدريد
للسلام في
الشرق الأوسط.
ومع
ذلك شهدت
كماً هائلاً
من المؤتمرات والندوات انعقدت في
العديد من
الدول العربية
لبحث أفضل
السبل لإقامة
علاقات مع
جمهوريات آسيا المركزية. ورغم سرعة
الدول العربية
بالاعتراف الدبلوماسي باستقلال جمهورية أوزبكستان، تلبية لقرار مجلس
جامعة الدول
العربية الذي صدر في آذار/مارس 1992 وحث الدول
العربية على
تنشيط إتصالاتها بدول
آسيا المركزية وفتح سفارات فيها
وإقامة تعاون
معها في كل الميادين، وإقامة مراكز ثقافية
عربية فيها.
فإننا نرى
أن مصر،
والأردن، وفلسطين، والجزائر، والسعودية، والكويت، فقط افتتحت سفارات
لها مقيمة في طشقند، وقامت دولة
الإمارات العربية
المتحدة، وسلطنة
عمان، بفتح
قنصليات لها
تحولت مؤخراً إلى سفارات مقيمة في
العاصمة طشقند،
وكانت مصر
الدولة العربية
الوحيدة التي
أقامت مكتباُ إعلامياً أغلقته فيما بعد، وافتتحت مركزاً
ثقافياً عربياً
لم يزل
قائماً في
العاصمة الأوزبكستانية. ورغم التقدم
الملحوظ في
العلاقات الثنائية إلا أن العلاقات الاقتصادية والسياسية لم
تزل بطيئة
ولا تتجاوب
مع المقدرات التي يملكها الجانبين ولا تلبي مصالح
العلاقات التاريخية بين الجانبين حتى
الآن.
المصالح الأوزبكستانية العربية المشتركة
نتيجة
لعمليات البحث
والمراجعة التي
أجرتها مؤسسات
البحث العلمي
ومراكز صنع
القرار العربية
والأوزبكستانية للموقف الجديد
الذي تكون
في آسيا
المركزية بعد
استقلال جمهوريات أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، ظهر
جلياً أنه
هناك شبكة
من المصالح
المشتركة تجمع
بين أوزبكستان والدول العربية. وأن
هذه الشبكة
تحتم بناء
مجموعة من
السياسات التي
تضمن حماية
تلك المصالح.
تعتمد على:
- التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهورية أوزبكستان لأنه
بدا واضحاً
بعد استقلال
جمهوريات آسيا
المركزية أنه
هناك تنافس
شديد بين
القوى الإقليمية والعالمية المختلفة للتأثير
على نمط
التطور الاقتصادي والسياسي المستقل لجمهوريات آسيا المركزية. وهو
ما أطلق
عليه بعض
المراقبين "المباراة الكبرى الجديدة" تمييزاً
عن المباراة الكبرى التي كانت
قائمة في
تركستان بين
قوتي الاحتلال الرئيسيتين بالمنطقة في
القرن التاسع
عشر ومطلع
القرن العشرين وهي بريطانيا العظمى
والإمبراطورية الروسية.
وما سيترتب
عن النتيجة
النهائية لتلك
المباراة الكبرى
الجديدة من
تأثير مباشر
على دول
آسيا المركزية والدول العربية. سيما
وأن أوزبكستان تقع في قلب
المنطقة التي
تربط آسيا
بأوروبا والشرق الأوسط وأن ما
يحدث فيها
لابد وأن
يؤثر بشكل
ما على
الأحداث الجارية
في المنطقة
العربية، ومنطقة
الشرق الأوسط
بشكل كامل.
وتنبأ
الباحث المصري
إبراهيم عرفات بأن
نشوء نزاعات
إقليمية في
آسيا المركزية أو نشوء سباق
للتسلح فيها
أو إنشاء
منطقة منزوعة
السلاح النووي
فيها لابد
وأن يكون
له انعكاسات مباشرة على الدول
العربية، ومن
ثم توقع
أن يكون
من مصلحة
العرب أن
تتبع دول
وسط آسيا
وفي مقدمتها
أوزبكستان منهجاً
مستقلاً للتطور
يعتمد على
رؤية الشعب
والنخبة الحاكمة
للمصالح الوطنية
وألا تهيمن
قوة إقليمية
أو عالمية
معينة على
دول وسط
آسيا.
- المصالح الاقتصادية لأنه لابد من التنويه لأهمية الموقع
الإستراتيجي المتميز الذي تشغله أوزبكستان، بالإضافة
لامتلاكها
كميات هائلة
من الموارد
الطبيعية، وخبرات
بشرية، وتكنولوجيا متطورة، يمكنها من أن تكون
الشريك المحتمل
والمهم للاستثمارات المالية العربية وتنويع
البدائل الاقتصادية التقليدية، من خلال
الاستفادة من
الخبرات والمقدرات العربية والأوزبكستانية.
وفي هذا الصدد أشار الباحث
العربي ناصيف حتى إلى أن
الكتلة الجديدة
تمثل عمقاً
حضارياً واستراتيجياً، وهي ذات قدرات
علمية وإستراتيجية أيضاً، وعند بعضها
قدرات تسليحية
كبيرة. وأن المنحى الذي سيتخذه
التنافس بين
قوى الجوار
الإقليمي حولها
لابد وأن
ينعكس على
موازين القوى
في آسيا
المركزية وفي
الشرق الأوسط.
- المصالح الإستراتيجية لأن أوزبكستان تكاملت
مع المجتمع
الدولي منذ
استقلالها وبدأت
تلعب دوراً
بارزاً في
منطقة آسيا
المركزية، وأخذت
تسهم بقسطها
في تسوية
النزاعات الإقليمية، وخاصة الصراع على
الأرض الأفغانية.
ومبادرة الرئيس إسلام كريموف للسعي لإعلان آسيا
المركزية منطقة
منزوعة السلاح
النووي الأمر
الذي تم
في عام
2009. ليصبح من
الواضح أن
أوزبكستان تكثل
قوة أساسية
في وسط
آسيا وأن
أية علاقات
مع دول
المنطقة لابد
وأن تمر
عبر أوزبكستان بحكم دورها التاريخي والحضاري في العلاقات العربية مع دول
المنطقة.
- دور أوزبكستان في إبراز الوجه المعتدل للإسلام في مواجهة حركات التطرف الديني خاصة بعد ظهور حركات دينية
متطرفة في المنطقة بعد استقلال جمهوريات آسيا المركزية تهدف
الصدام مع
النظم السياسية الدستورية وتحاول تغييرها
بغير الطرق
الديمقراطية السلمية، مستخدمة القوة والعنف
المسلح لبلوغ
الهدف. وأشار
إليها الرئيس
إسلام كريموف أثناء تحديده لمصادر تهديد الأمن
والاستقرار في
أوزبكستان.
وكانت
بعض تلك
التيارات مدعومة
من قبل
بعض القوى
على الساحة
الأفغانية ومن
بينها عناصر
عربية عرفت
باسم "الأفغان العرب" وانتشرت تلك التيارات في دول الجوار
بعد انهيار
الاتحاد السوفييتي السابق واستقلال جمهوريات آسيا المركزية وأخذت تهدد السلام والإستقرار في آسيا المركزية وأمن واستقرار وسلامة الدول العربية.
ومن هذا
المنطلق كان
من مصلحة
العرب الحقيقية توضيح الوجه الحقيقي
للإسلام أمام
شعوب وسط
آسيا عن
طريق نشر
الثقافة الإسلامية بوجهها المتسامح المعتدل
من خلال
العلاقات والروابط الثقافية العربية الأوزبكستانية، وهو
ما تسعى
إليه أوزبكستان نفسها. ويرى المحللون أن لأوزبكستان مصالح
مع الدول
العربية لا
تقل عن
مصالح الدول
العربية مع
أوزبكستان. ومن
نظرة متعمقة
في السياسية الخارجية الأوزبكستانية فإننا
نرى أن
القيادة الأوزبكستانية توصلت لجملة من
المصالح المهمة
التي تجعلها
تلتقي مع
الدول العربية
منها:
-
أن الدول العربية تعتبر ميداناً لتنويع بدائل السياسة الخارجية الأوزبكستانية لأنه
ظهر على ضوء التنافس
الدولي حول
آسيا المركزية، ما للدول العربية
من أهمية
كامتداد جغرافي
قريب ووثيق
الصلة بأوزبكستان حضارياً وثقافياً. وهي
التي تتمتع
بإمكانيات اقتصادية هائلة وتعتبر مصدراً
للاستثمارات وللبضائع الاستهلاكية، وسوقاً لليد
العاملة، والتكنولوجيا والمنتجات الأوزبكستانية. فضلاً
عن أنه
لا توجد
للعرب أية
تطلعات إقليمية
أو سياسية
في أوزبكستان.
ومن
هذا المنطلق
فإن التعامل
المكثف مع
الدول العربية
يحقق لأوزبكستان مصلحة جوهرية في
توسيع البدائل
المتاحة أمام
السياسة الخارجية الأوزبكستانية، ويخلق مجالاً
استراتيجيا جديداً
يمكنها من
خلال دعم
المجموعة العربية
من التعامل
على قدم
المساواة مع
القوى الأخرى
في العالم. ومن المؤكد
أنه كلما
زادت البدائل
المتاحة أمام
أوزبكستان في
العلاقات الدولية، كلما زادت قدرتها
على الحركة
في مجال
العلاقات الدولية
بشكل يؤمن
لها أفضل
الشروط في
التعامل مع
الشركاء الدوليين.
- المصالح الاقتصادية الأوزبكستانية في الدول العربية لأن الدول العربية كمجموعة
تشكل قوة
اقتصادية ومالية
تستطيع الاستثمار في أوزبكستان لتمكينها من استغلال مواردها
بشكل فعال.
إضافة لامتلاك
بعض الدول
العربية خبرات
فنية لازمة
لأوزبكستان لإتمام
عملية بناء
الدولة والتحول
بالكامل إلى
اقتصاد السوق،
وما يترتب
عنه من
بناء نظم
اقتصادية ومصرفية، إضافة لفرص التدريب
التي يمكن
أن تتيحها
بعض الدول
العربية لأوزبكستان في مجال إعداد
الكوادر في
مختلف المجالات.
- الدور الحضاري لأوزبكستان لأن الدول العربية
بالنسبة لجمهورية أوزبكستان، هي الساحة
والمدخل المهم
للاضطلاع بدور
ثقافي وحضاري
فعال في
العالمين العربي
والإسلامي، خاصة
وأن أوزبكستان تملك تراثاً ثقافياً
ودينياً وحضارياً، أشار إليه بوضوح
إعلان الـ
(ISESCO) طشقند عاصمة للثقافة
الإسلامية عام
2007 وكان لذلك
التراث أثراً
بالغاً في
تطور الحضارة
العربية الإسلامية.
وهو ما
يؤهلها لتضطلع
بدور حضاري
متميز في
العالمين العربي
والإسلامي.
وانطلاقاً من المصالح المشتركة والمتشابكة بدأ العرب
والأوزبك بصياغة
مجموعة من
السياسات التي
يمكن أن
تكفل تحقيق
وحماية مصالحهما المشتركة. ومن المنطقي
أن تكون
نقطة البداية
إنشاء وتطوير
العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية بين الدول العربية
وأوزبكستان. ولهذا
الهدف قام
الرئيس إسلام كريموف ضمن أولى
جولاته بعد
الاستقلال بزيارة
رسمية شملت
كلاً من
المملكة العربية
السعودية وجمهورية مصر العربية 1992،
وأتبعها بزيارة
لفلسطين عام
1998، والكويت
عام 2004، وجمهورية مصر
العربية للمرة
الثانية عام
2007، والإمارات العربية المتحدة عام
2008، وسلطنة
عمان عام
2009، ودولة قطر عام 2010، تم خلالها الاتفاق
على توطيد
العلاقات القائمة
والتوقيع على
مجموعة من
الاتفاقيات الثنائية حول مسائل مستقبل
تطوير العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون
التجاري والاقتصادي، والقضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين.
والتعاون التجاري
والاقتصادي يشمل مجالات: النقل الجوي،
والنفط والغاز،
وقطاعات الصناعات الكيماوية، والبناء، والاستثمارات، وتوسيع التعاون الاستثماري والثقافي ليشمل مجالات التعليم
العالي والسياحة والإعلام.
وكان
الرئيس الراحل
ياسر عرفات القائد العربي الوحيد
الذي زار
أوزبكستان بعد
استقلالها حتى
قيام أمير
دولة الكويت
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بزيارته التاريخية لأوزبكستان عام 2008. وكما سبق
وأشرنا تعمل
في أوزبكستان سفارات لمصر، والأردن، والجزائر، وفلسطين، والسعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة
عمان، معتمدة
ومقيمة في
طشقند. وللمغرب، واليمن سفير معتمد
غير مقيم
في طشقند.
ولأوزبكستان سفارات
معتمدة مقيمة
في مصر،
والسعودية، والكويت، والإمارات العربية المتحدة. وقنصليات مقيمة في
جدة بالمملكة العربية السعودية وفي فلسطين. كما
ويمثل السفير
الأوزبكستاني في
القاهرة بلاده
كسفير غير
مقيم في
الأردن، والسفير
الأوزبكستاني المقيم
في الكويت
كسفير لبلاده
غير مقيم
في قطر،
والبحرين، وعمان.
7وفي إطار
العلاقات الدولية
دعمت الدول
العربية المبادرة الأوزبكستانية لإعلان آسيا
المركزية منطقة
خالية من
الأسلحة النووية.
وشاركت بعض
الدول العربية
في أعمال
المؤتمر الدولي
الذي عقد
في أيلول/سبتمبر 1997 بطشقند لإعلان آسيا
المركزية منطقة
خالية من
الأسلحة النووية.
وأعلن الوفد
المصري خلاله أن إنشاء
تلك المنطقة
يعتبر حافزاً
لإنشاء منطقة
مماثلة في
الشرق الأوسط.
وبدأت
الدول العربية
ببناء علاقات
اقتصادية مع
أوزبكستان إلا
أنها لم
تزل محدودة
رغم أهميتها.
ولابد أن
الأسباب تعود
لتراجع الموارد
المالية لدول
الخليج العربية
جراء الحروب
التي تعرضت
لها المنطقة
خلال العقدين
الأخيرين، أو
لعدم الإلمام
بالفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في
أوزبكستان. وهي
نفس الأسباب
التي نعتقد
أنها وراء
إحجام الدول
العربية الخليجية عن الدخول بقوة
إلى السوق
الاستثمارية الأوزبكستانية مكتفية بالأنشطة قصيرة
الأجل في
التجارة والمقاولات. أما بالنسبة
لباقي الدول
العربية فالمعضلة الرئيسية هي نقص
الموارد بالعملات الأجنبية، ولو أننا لا
نعتبره سبباً
لأن المشكلة
يمكن حلها
عن طريق
التقاص في التبادل التجاري الذي
تحميه الدولة
من قبل
الجانبين دون
الحاجة للقطع
الأجنبي. ومن
صيغ الصفقات
المتكافئة بين
الدول العربية
وأوزبكستان نذكر
بالاتفاقية الموقعة عام
1992 بين مصر
وأوزبكستان بقيمة
30 مليون دولار
أمريكي.
وفي
المجالات الثقافية والدينية تنشط الكويت،
والسعودية، ومصر،
والإمارات العربية
المتحدة، من
خلال الدور
الذي يؤديه
كلاً من
المركز الثقافي
المصري في
طشقند، وجامعة
الأزهر الشريف
في مصر،
ورابطة العالم
الإسلامي في
السعودية، وهيئة
الإغاثة الكويتية الإسلامية التي افتتحت
فرعاً لها
في طشقند،
والهيئات الخيرية
الإماراتية التي
تقدم الدعم
الدائم لجامعة
طشقند الإسلامية، وجمعية جمعة الماجد
التي تقيم
علاقات وطيدة
مع معهد
أبو ريحان البيروني للاستشراق التابع
لأكاديمية العلوم
الأوزبكستانية. إضافة
لقيام أوزبكستان بإنشاء صندوق الإمام
البخاري الدولي
الذي خطط
لإنشاء فروع
له في
مختلف الدول
العربية والإسلامية.
وجاء
إعلان منظمة
الثقافة والتربية والعلوم الإسلامية (ISESCO)
التابعة لمنظمة
المؤتمر الإسلامي طشقند عاصمة للثقافة
الإسلامية لعام
2007 فرصة جيدة
لتمتين عرى
الأخوة والصداقة القائمة بين الدول
العربية وأوزبكستان وهو ما ظهر
من خلال
مشاركة وفود
عربية بالإضافة لمشاركة الأمين
العام لجامعة
الدول العربية عمر موسى في
الاحتفالات التي
أقامتها أوزبكستان بهذه المناسبة.
العلاقات الثنائية العربية الأوزبكستانية
عند
الحديث عن
تطور العلاقات الثنائية الأوزبكستانية العربية
يتحتم علينا
الإشارة إلى
عام 1962 عندما شهدت الأوساط
الاجتماعية في
أوزبكستان مولد
جمعية الصداقة
والعلاقات الثقافية مع الدول العربية، ومنذ ذلك
العام بدأت
تلك العلاقات عبر مركز الاتحاد
السوفييتي السابق
موسكو. وكانت الإطلالة الأولى التي أخذت
تعزز العلاقات المشتركة بين أوزبكستان والدول العربية عبر
الدبلوماسية الشعبية
تدريجياً. وبدأت
بالعلاقات الثنائية بين أوزبكستان ومصر
في عام
1963 واستمرت بنجاح
حتى برودها
في عام
1977 وكان أهمها
تآخي مدينة
تشرتشك الأوزبكستانية مع مدينة أسوان
المصرية في
غمار بناء
السد العالي
في مصر
وتبادلت المدينتين المتآخيتين الوفود الرسمية
خلال أعوام
1965 و1972 و1975.
واستمرت
العلاقات بالتطور
مع البلدان
العربية الأخرى
وخاصة سورية،
وفلسطين، والأردن، واليمن، والكويت، وعمان،
ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، وتونس، والعراق، إلى أن
عادت علاقات
الدبلوماسية الشعبية
مع مصر
للدفء بعد
الزيارة التي
قام بها
أ.أ. يوسوبوف مدير
عام مصانع
"زينيت" الأوزبكستانية لمصر ضمن
وفد جمعية
الصداقة مع
الدول العربية
في عام
1990 للمشاركة في
أعمال مؤتمر
"السوق الاقتصادية الدولية والتأثير الاقتصادي المتبادل". وفي نفس
العام وعلى
عتبة استقلال
جمهورية أوزبكستان قام
نبيل عمر
السفير الفلسطيني في موسكو والمنصف الماي (من
تونس) سفير جامعة الدول
العربية في
موسكو بزيارة
لأوزبكستان. وبعد استقلال
جمهورية أوزبكستان ومع اعتراف الدول
العربية باستقلالها، وتبادل بعض الدول
العربية للتمثيل
الدبلوماسي معها
فتحت أفاقاً
جديدة لتعزيز
التعاون الثنائي
المباشر، شمل
العلاقات الدبلوماسية والثقافية التي عززت
علاقات الصداقة ودور الدبلوماسية الشعبية فيها.
وتعزيزاً لعلاقات الصداقة ومن خلال الدبلوماسية الشعبية تم إدماج جمعية
الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول
الأجنبية مع
جمعية وطن
للعلاقات الثقافية مع المهاجرين الأوزبك
المقيمين في
الخارج وشكلتا
معاً الرابطة
الأوزبكستانية للعلاقات الثقافية والتربوية مع
الدول الأجنبية، وتحولت هذه الرابطة
في عام
1997 إلى المجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول
الأجنبية. واستبدل
المجلس رابطة
الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول
العربية التي
ترأسها آنذاك
الدبلوماسي الأوزبكي بهادر عباسوفيتش عبد الرزاقوف بجمعيات للصداقة مع
الدول العربية.
وبالفعل تم
تأسيس جمعيتين
للصداقة الأولى مع مصر،
والثانية مع الأردن، واستمرت التحضيرات لتأسيس جمعيات للصداقة
مع الدول
العربية الأخرى.
وبالإضافة لذلك يحافظ المجلس على
علاقات ودية
مع المواطنين من أصل أوزبكي
في المملكة
العربية السعودية، وسورية، وفلسطين، والأردن، ومصر، منذ أواسط
سبعينات القرن
الماضي وبرزت
تلك العلاقات من خلال مشاركة
ممثلين عنهم
في المؤتمر
الشبابي الأول
للمهاجرين الأوزبك
من مختلف
دول العالم
الذي انعقد
في طشقند
عام 1992.
وللوقوف
على صورة
واقعية عن
العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية رأينا
استعراضها في
عرض سريع
معتمدين على
المتابعات الشخصية وبعض المصادر
وما تناولته وسائل
الإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية والعربية وفق التسلسل التاريخي للأحداث.
عشرون عاماً من تطور العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية
الرئيس بشار الأسد
تمتد علاقات الأخوة والصداقة بين الشعبين السوري والأوزبكي بجذورها في
أعماق التاريخ ويعيش بضعة آلاف من المواطنين السوريين من أصول بخارية (أوزبك) في
سورية منذ زمن بعيد يشاركون في تقدمها وإزدهارها ومنعتها ووحدة أراضيها، ومن
بينهم: أطباء ومحامون ومعلمون وموظفون وعسكريون وتجار وحرفيون. وهم من أبناء
وأحفاد أولئك الذين قدموا إلى سورية في مراحل متعددة، ومنهم من جاءها طلباً للعلم
في شام شريف المقدسة لديهم واستقر فيها، ومنهم من أسس المدارس لاستقبال أبناء قومه
الوافدين إلى شام شريف لتلقي العلم ولأبناء دمشق على حد سواء، وكان آخرها المدرسة
التي أغلقت أبوابها خلال خمسينات القرن العشرين، بعد أن خرجت شخصيات لامعة في
التاريخ السوري الحديث، وتم هدمها فيما بعد ليبني مكانها مسجد الأفرم المعروف
اليوم في حي شورى بدمشق، ومنهم من جاءها لخدمة حجاج بيت الله الحرام وأقام المساجد
والتكايا التي لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم. وكان آخر المنتمين بأصولهم إلى
أوزبكستان المعاصرة وقصدوا دمشق هرباً من سلسلة الإجتياحات الروسية لتركستان (قسم
الروس تركستان بعد احتلالها إلى خمسة جمهوريات استقلت بعد انهيار الإتحاد
السوفييتي السابق وهي: أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان)، حاكم خانية قوقند خودايار خان وأسرته ولم يزل
أحفاده يعيشون في دمشق حتى اليوم.
لاجئون
بخاريون في دمشق، عشرينات القرن العشرين
وكان آخر من قصد دمشق للعيش فيها أبناء إمارة بخارى إثر احتلاها من قبل
الجيوش الروسية السوفييتية الجرارة وسقوط مدينة بخارى بأيديهم يوم 2/9/1920 مما
أدى إلى تشرد الكثيرين من سكانها ومن بينهم كانت شخصيات هامة وضباطاً وعسكريون من
جيش إمارة بخارى من بينهم عبد الستار بن عبد القادر والد أ.د. محمد البخاري
وتجاراً وحرفيون آثروا أن يجدو الملاذ فيها.
وأسس بعضهم حي البخارية بين بساتين الميدان الذي لم تعد له أية آثار اليوم
ولم يزل يذكره أ.د. محمد البخاري حتى اليوم، وتوزع الآخرون منهم في الأحياء
الدمشقية: الأزبكية والمهاجرين والنبعة على سفح جبل قاسيون والصالحية وسوق ساروجة
والميدان والقدم وغيرها من الأحياء الدمشقية. ومنهم من سكن التكية المرادية في
حارة الورد حتى آخر أيام حياته (حوار أجراه أ.د. محمد
البخاري في طشقند مع فاطمة ابنة خودايار خان المقيمة في دمشق مع أولادها). وكان للبخارية الذين استقروا في دمشق محلاتهم
التجارية وورشاتهم الحرفية في المهاجرين والصالحية وسوق ساروجة والميدان. ومنذ
قدومهم لدمشق شارك الأوزبك مثلهم مثل أبناء سورية الآخرين في الحياة العامة، ومن بينهم
كان نصوح البخاري الذي ولد بمدينة دمشق عام 1881 وتوفي فيها بتاريخ
1/7/1962 ووتزوج عام 1919 من فتاة تنحدر من الأسر الدمشقية العريقة وهي رفيقة
بنت ممدوح. وتخرج من المدرسة الحربية العثمانية في اسطنبول ومن مدرسة الأركان
وحصل على رتبة رئيس، وشارك كقائد عسكري في حرب البلقان والحرب العالمية الأولى
وأسر خلالها وأرسل إلى سيبيريا حيث بقي هناك لمدة تسعة أشهر وتمكن من الهرب
والعودة إلى الدولة العثمانية في مطلع عام 1916، وشارك برتبة عقيد في حرب القفقاس
وحرب غزة، وتولى قيادة الفرقة السابعة حتى تم انسحاب القوات العثمانية من سورية.
نصوحي
البخاري والرئيس شكري القوتلي
وتولى في
عهد الملك فيصل الأول قيادة فيلق حلب برتبة زعيم،
وتولى رئاسة ديوان الشورى الحربي الثاني، وعين معتمداً لحكومة الملك فيصل الأول
لدى مصر في أوائل عام 1920، ومن ثم مديراً عاماً للشؤون الحربية في أواخر العام نفسه واستمر في هذا المنصب حتّى عام 1921، ومن ثم تقلّد رئاسة الوزارة في عهد الرئيس هاشم الأتاسي
في 6/4/1939
واستمر في منصبه حتّى تموز من نفس العام، واستقال من
منصبه لعدم قيام دولة الإنتداب الفرنسية بتنفيذ الشروط التي اُتفق عليها الطرفان، وتقلّد عدة وزارات فيما بعد منها: وزارة
الداخلية ووزارة الدفاع الوطني ووزارة
المعارف رغم عدم إنتمائه لأي حزب سياسي. ونصوح البخاري هو شقيق جلال البخاري الذي حوكم في عاليه وأُعدم
في بيروت يوم 6/5/1916
مع الشهداء الوطنيين المطالبين باستقلال سورية. وابن العلامة سليم البخاري رئيس علماء دمشق الذي حوكم أمام الديوان العرفي العثماني في عاليه ونُفي
إلى بروسية.
وكان عضواً مؤسساً للجمعية الخيرية بدمشق وهي جمعية
إسلامية خيرية مارست العمل السياسي، أسسها الشيخ طاهر الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر، ودعت لإعادة العمل بالدستور العثماني الذي كان
معطلاً آنذاك، وجعل الحكم في الدولة العثمانية والبلاد العربية حكماً يعتمد على
الشورى (يوسف الحكيم:
سورية والانتداب الفرنسي.
ص 332).
وفي مطلع القرن الحادي والعشرين فقدت الجالية الأوزبكية
المقيمة في سورية أحد أبرز رجالها الموسوعيين بوفاة برهان بخاري يوم 30/4/2010 وهو مواطن سوري من أصول أوزبكية هاجر والداه
من وادي فرغانة مثلهم مثل الكثيرين من الأوزبك للعيش في سورية، أمه أوزبكية ولدت
في أنديجان، وأبوه أوزبكي ولد في مرغيلان، استقرا بمدينة دمشق حيث ولد برهان بخاري
عام 1941.
وتعلم في مدارسها، ودرس الفلسفة واللغة الانكليزية بجامعة دمشق، وخلف وراءه إرثا من الكتابة والتاريخ والموسوعات
المتنوعة.
وأنجز مشاريع للترجمة الآلية، ولا تزال
مشاريع أخرى له تنتظر الدعم لتحويلها إلى واقع ملموس، ونعتقد أنها كلها جديرة
بالتأمل والتقدير.
برهان بخاري
ومارس برهان بخاري التعليم في سن مبكرة وابتكر
عدداً من الوسائل التعليمية الميسرة لطلاب المدارس. وفي بداية سبعينات القرن العشرين قام بمشروعه الخاص لمحو أمية الكبار في سورية، وقام بجولات عديدة وعقد لقاءات في القرى السورية واللبنانية ومخيمات
اللاجئين الفلسطينيين،
وكان يقدم الدروس ويوزع مؤلفاته مجانا، وقام بنشر سلسلة
من المقالات عن محو الأمية نشرتها له صحيفة البعث الدمشقية في سبعينات القرن
الماضي.
وأعد مناهج لتعليم اللغة العربية للأجانب وتعليم اللغات
الأجنبية للعرب.
وكان إلى جانبه في تلك الجولات التطوعية صديقه الودود الأستاذ عدنان بغجاتي الذي شغل سابقاً منصب وزير
التربية ومنصب رئيس اتحاد
الكتاب العرب، والتقى أ.د. محمد البخاري به أكثر من مرة
في بيت برهان بخاري في دمشق.
وفي عام 1979
وصل برهان بخاري إلى طشقند عاصمة أوزبكستان بدعوة من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك المقيمين في
الدول الأجنبية، للاشتراك في العيد الألفي لابن سينا وكانت تلك الدعوة
بداية لدخوله خضم العمل الأكاديمي، حيث ترجم ولأول مرة قطعا أدبية من اللغة
الأوزبكية إلى اللغة العربية مباشرة بعدما كانت الترجمة
قبل ذلك تمر عبر اللغة الروسية.
وتحولت تلك الزيارة إلى دعوة مفتوحة وجهتها له
أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان واستمرت لبضعة أشهر، وضع خلالها أسساً
علمية لأول معجم أوزبكي/عربي، وعربي/أوزبكي، وكتب عددا من الدراسات حول بنيوية اللغة الأوزبكية
وعلاقتها التاريخية مع اللغة العربية، ونال عليها عددا من شهادات التقدير (حوار
أجراه في طشقند أ.د. محمد البخاري مع برهان بخاري رحمه الله، أثناء
زيارته لأوزبكستان في عام 1979 بدعوة من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك
المقيمين في الدول الأجنبية).
وبعد عودته إلى دمشق بدء مشروعاً روائياً طويلاً تحدث فيه عن الأوزبك ودمشق
خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي وضم المشروع معلومات كثيرة غير منشورة ولكنه
لم يتمه وبقي مخطوطاً.
وترك وراءة مكتبة ضخمة تضم إرثا من الكتابة والتاريخ
والموسوعات المتنوعة، ومشاريع للترجمة الآلية. ولا تزال مشاريع أخرى له تنتظر
الدعم لتحويلها إلى واقع قائم، وتحوي مكتبته أكثر من 5000 كتاب، ومع الأسف فقد الكثير منها ومن إصداراته وكتبه لمحو الأمية، وكتبه الأدبية وقصصه الأولى.
وتعززت جهوده الأكاديمية بعمله أستاذاً زائراً وخبيراً في جامعة الكويت عام
1983 حيث ساهم في تطوير بحث حول الصوتيات العربية بما يعرف
بالكلام المركب صناعياً والحاسوب. وكان أول من عمل
على تحويل الكلمات المكتوبة إلى صوتية بواسطة الحاسوب، وتوصل إلى تقطيع الأوزان
الشعرية (عروضيا) بواسطة الحاسوب.
وبعد ذلك أمضى برهان بخاري ثلاث سنوات في أوروبا امتدت ما بين عامي 1984 و1986 متنقلا بين
مراكزها العلمية وجامعاتها، وشارك في عدد من المؤتمرات والمعارض الدولية الخاصة
بالترجمة الآلية.
كما وضع أسساً لنظريته الخاصة بالترجمة الآلية، التي عرفت فيما بعد بنظرية اللغة العليا (سوبر لنغوا) القادرة على الترجمة الفورية إلى جميع لغات العالم ومن بينها اللغة
الأوزبكية دفعة واحدة عدا اللغتين الصينية واليابانية. وقام بتصميم لوحة مفاتيح للحاسب الآلي (الكمبيوتر) قادرة
على تنضيد جميع أبجديات العالم والتعامل معها، قامت بتنفيذها شركة مونوتايب
البريطانية، وعرفت بلوحة مفاتيح البخاري.
وعاد برهان بخاري إلى سوريا عام 1986 وعكف على إنجاز مشروعه الضخم المعروف بإسم "إعادة بناء التراث العربي والإسلامي على الحاسوب" ويتألف هذا المشروع بشكل أساسي من عشر موسوعات، أهمها
موسوعة الحديث النبوي الشريف ويتجاوز عدد أجزائها المائة, طبع الجزء الأول منها فقط ولا تزال البقية رغم إنجازها
قيد النشر.
ومن أبرز أعمال برهان بخاري أيضا الموسوعة الشعرية لنزار قباني، وموسوعة شعرية للشعراء من العصر
الجاهلي وحتى العصر الحديث بالتعاون مع مجمع أبوظبي بدولة الإمارات العربية
المتحدة، وأعمال أخرى. أما في الجانب الفكري
والأدبي فقد مارس برهان بخاري كتابة النقد الأدبي والقصة القصيرة والرواية
والشعر والمسرح، وكتب للصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح. وبدأ منذ عام 1995 بكتابة سلسلة مقالات أسبوعية نشرتها صحيفة تشرين الصادرة بدمشق، كما كتب
سلسلة مقالات أخرى نشرتها صحيفة الثورة الصادرة بدمشق بين عامي 2002 و2007. وقد أثارت
مقالاته ضجة واسعة نظرًا للجرأة الفكرية والعلمية التي اتصفت بها، وكان من بينها
رسائل موجهة إلى رؤساء العالم ومنها رسالة
مفتوحة إلى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
ويقول عرفان نجل برهان بخاري أن والده امتاز بالتحليل المسبق للكثير من المتغيرات العالمية،
حيث أطلق مصطلح "إسلام فوبيا" في مقال نشر له عام 1996 في جريدة تشرين
مستبقا أحداث 11
سبتمبر/أيلول في الولايات
المتحدة الأمريكية بخمس سنوات. ورغم
أن شهرته الحقيقية ابتدأت مع أول مقال نشر له في صحيفة تشرين الدمشقية بتاريخ 15/10/1995 إلا
أن تاريخه العلمي يجعل المرء حائرا من أين يبدأ مع هذا الإنسان الموسوعي حتى أن من يعرف إنجازاته العلمية يتساءل كيف له أن
يبرز في
مجالات متعددة، وهو الذي قال له الصحفي
البريطاني المعروف باتريك سيل الذي التقاه أثناء زيارته لبريطانيا
"مكانك هنا في التوثيق وليس في التنظير، أنا مع عملك التوثيقي ولست مع عملك
الإعلامي". ونظراً لممارسة برهان بخاري كتابة المقال والنقد الأدبي والقصة
القصيرة والشعر والمسرح وكتابته
للصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح. نشرت الصحف والمجلات والإذاعتين المسموعة
والمرئية والإلكترونية العربية مقالات عنه بعد وفاته، وكلها موجودة اليوم على
صفحات الإنترنيت.
وعند الحديث عن الآثار المعمارية التي تركها الأوزبك الأوائل في دمشق لابد
أن نذكر أنهم كانوا دعاة لنشر العلم والتعليم، وتشير المراجع التاريخية إلى تواجد الأوزبك في دمشق منذ القرن السابع عشر
الميلادي، ومن بين تلك المراجع بحث المساجد العثمانية في دمشق الذي أعده الباحث عماد الأرمشي المتخصص
بالدراسات التاريخية العربية والإسلامية وتناول فيه الجامع المرادي الذي
شيده عام 1108هـ، مراد بن
علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي المتوفى عام
1132هـ.
ويقع الجامع المرادي الذي اشتهر بالتكية المرادية، وجامع
النقشبندي عام 1899، وهو وقف إسلامي
خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في حارة الورد من حي سوق ساروجا، وهو صغير الحجم
ولم يزل قائماً وعليه لوحة رخامية معلقة على جداره كتب عليها "مسجد المرادي، بناه محمد مراد المرادي سنة 1108
هجرية". وجعله تكية ومدرسة، وكان له باب كبير سـد
اليوم ولا تزال آثاره موجودة، والباب الذي يدخل منه اليوم الى الجامع هو باب صغير
والى جانبه منارة مستديرة مبنية من الحجارة السوداء والبيضاء، وكتب على قاعدتها
المربعة سنة 1179هـ النص التالي (راجع ذيل ثمار المقاصد ص 251): "منارة للهدى شيدت بحق، بأعلى رأسها
الله يذكر، بسم الله أبدأ في بناها، وحمديا علي لمن تشكر، وسهم للقضا اضمرت فيها،
بتاريخ لمن بالسوء أبصر، اجيبوا داعياً لله نادى، ونادى للصلاة الله أكبر. بنى هدا
الجامع سنة 1108 مراد
بن علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي المتوفى سنة 1132
للهجرية".
الجامع المرادي بدمشق
وتتألف المدرسة من صحن ومصلى ومدفن. والصحن مفروش بالموزاييك، وعلى أطرافه
الشمالية والغربية سبعة غرف للمجاورين (أي العابدين المنقطعين للعبادة فقط) بنيت من الحجارة السوداء. وسكن هذه الغرف فيما بعد لاجئون قدموا من
إمارة بخارى منذ مطلع عشرينات القرن العشرين، وكانت مقراً للجمعية الخيرية
البخارية بدمشق التي رأسها الشيخ موسى خوجه آخر مسؤولي صك النقود وبيت مال أمير بخارى.
وكانت مكاناً ثابر اللاجئون من إمارة بخارى على الإلتقاء
فيه حتى وفاة آخرهم في ستينات القرن العشرين. ولم يزل يذكر أ.د. محمد البخاري تلك اللقاءآت التي شارك فيها في صباه بتقديم مع أقرانه
الرز البخاري والشاي للكبار خلال جلساتهم في بهو المدرسة التي توقفت عن العمل بسبب
إقامة اللاجئين البخارية فيها.
وإلى الجنوب من المدرسة هناك ثلاثة قناطر، ومن ورائها المصلى وهو
مؤلف من غرفة واسعة لها قوس عظيم، ومن فوق القوس سقف عادي، والمحراب والمنبر
عاديان، والى يمين المحراب قبة فخمة بحيطان مزخرفة تحتها قبران كبيران يعتقد أنهما
لمراد البخاري وشقيقه، وعلى أحدهما لوحة خطت عليها سنة 1160هـ الأبيات التالية "ضريح
مولى منيب، لله في كل مشهد، قطب الزمان وغوث، للكل في كل مقصد، النقشبندي من قد
نال المقام المؤصلا، تاريخه جاء بيتاُ مسدد السبك مفرد".
الجامع المرادي
وأشار عماد الأرمشي إلى
أن المؤرخ الدكتور أكرم العلبي أوضح في كتابه "خطط دمشق": أن الجامع
جزء من المدرسة المرادية البرانية التي أنشأها الشيخ مراد بن علي البخاري
النقشبندي في نفس تاريخ بناء الجامع.
وذكر العلامة الكبير الشيخ محمد أحمد دهمان
أن مئذنة الجامع القديمة سقطت أثر زلزال دمشق
الشهير سنة 1173هـ الموافق 1759م أيام السلطان العثماني عبد الحميد الأول وأعيد
بناءها من جديد. وأكد ذلك الدكتور قتيبة الشهابي بسياق حديثه عن المساجد العثمانية
وذكر أن مئذنة جامع المرادي هي من المآذن المشيدة في العهد العثماني على الطراز
الشامي بتأثير مملوكي أرقش (الأرقش: أي المنقط بسواد وبياض وهو غير الأبلق. ورَقَشَ الشيء رقشاً أي نقشه. والرقش والرقشة أي لون فيه كدرة بياض وسواد)، جذعها مثمن الأضلاع كثيف الرقش بالأشرطة
البسيطة والأشكال الهندسية الحجرية بلون أسود كالمثلثات والمسدسات وأشباه المنحرف
والنجوم ثمانية الرؤوس، ويحمل هذا الجذع شرفة مثمنة، وينتهي رأس المئذنة بذروة
صنوبرية الشكل. وتم بناء المئذنة من
الطراز الشامي بتأثير مملوكي أرقش غير أن عناصرها الزخرفية أضعف من عناصر مثيلاتها
من نفس الطراز مثل جامع العجلوني وجامع القاري في دمشق.
ويذكر عماد الأرمشي أن جامع المرادية القديم المندثر في باب البريد بمحلة العصرونية في دمشق بناه مراد بن علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي أيضا، المتوفى سنة 1132هـ الموافق 1719م، وقال شيخنا عبد القادر بن بدران في كتابه "منادمة الأطلال" أن مدرسة المرادية بباب البريد مشهورة ومعروفة وهي ذات مدرستين صغرى وكبرى، والثانية ذات حجرات سُفلى وعليا، كانت محط الرجال الأفاضل معمورة بالعلماء، وكان بها مكتبة عظيمة حتى كان يقال عنها أنها أزهر دمشق. ثم إن نظارها باعوا جانباً منها ومن أوقافها، وقطعوا راتب الطلبة، وأمست في عصرنا (1921م) كأمثالها خالية من دراسة العلم. ويضيف طلس من بعده قوله: لم يبق اليوم 1942 منها إلا بابها المتين، وما عدا ذلك فمتهدم وغلب على أمره.
ويتابع الباحث عماد الأرمشي أني من
ضمن أبحاثي عن مساجد دمشق قمت بدراسة تاريخية مفصلة مخصصة لمنتدى ياسمين الشام
وبحثت عن جامع المرادية القديم في باب البريد بمحلة العصرونية المتاخمة لسوق
الحميدية ولم أجده ولعل باحث أخر يبلغنا مكانه. رحم الله الحاج الشيخ مراد بن علي بن
داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي الذي انشأ هذين
الجامعين سنة 1108هـ وطيب الله
ثراه. ولقد وجدت أثناء بحثي عن مراد بن علي البخاري
كتاب اسمه "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" لأبي
الفضل محمد خليل بن علي المرادي مؤلف هذا الكتاب، وهو أبو المودة المولى محمد خليل بن السيد علي بن
السيد محمد بن السيد محمد مراد بن علي المرادي الحسيني الحنفي البخاري الأصل
الدمشقي المولد. ولد بدمشق ونشأ في كنف والده وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الدبركي
المصري، وأخذ العلم عن فضلاء عصره، وطالع في العلوم والأدبيات واللغة التركية
والإنشاء والتوقيع.
ولما عُزل ابن عمه السيد عبد الله بن السيد طاهر
المرادي عن إفتاء دمشق، وُجِّه إليه هذا المنصب ونقابة الأشراف في اليوم
السابع من شهر شعبان سنة 1192هـ، وكان إذ ذاك
في الآستانة (القسطنطينية)، فرحل عنها إلى دمشق حيث قام بمهام الفتوى،
وبقي فيها إلى سنة 1205هـ حيث انتقل إلى
حلب الشهباء وهناك كانت وفاته رحمه الله في صفر سنة 1206هـ وهو في شرخ شبابه.
وكتاب «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» هو مرجع هام في تراجم أعيان وعلماء القرن
الثاني عشر الهجري لما حواه من تراجم ناهزت الـ 750 ترجمة. ويقع الكتاب في أربعة أجزاء طبعت أجزاؤه الثلاثة الأولى
في استانبول عام 1291هـ ثم طبع الجزء
الرابع في القاهرة عام 1301هـ. ومن هذه الطبعة أعيد تصويره مرتين الأولى في
بغداد والثانية في بيروت. والكتاب نادر
الوجود ويحتاج إلى تصحيح وتحقيق لتعم الفائدة منه، ولا غنى لدارس التاريخ العثماني
في القرن الثاني عشر الهجري في البلاد العربية وخصوصاً بلاد الشام عن هذا الكتاب.
ومن الأبحاث التي أعدها الباحث عماد الأرمشي المتخصص بالدراسات التاريخية العربية والإسلامية عن المساجد المملوكية في دمشق بحثاً تناول فيه جامع الأفرم
وذكر فيه
أن جامع الأفرم يقع خارج
أسوار مدينة
دمشق القديمة
غربي الصالحية بحي المهاجرين منطقة
الأفرم عند
التقاء جادة
الأفرم نفسها
بجادة الحواكير (للمزيد
من
المعلومات عن
المساجد ومدارس
دمشق
القديمة راجع
الخريطة الالكترونية في
منتدى
ياسمين
الشام
على
هذا
الرابط
http://yasmin-alsham.com/dmasmap/). وقد شَـَّيد هذا
الجامع المبارك
نائب السلطنة
المملوكية في
الشام الأمير
جمال الدين آقوش الدواداري المنصوري الأفرم عام
706هـ الموافق
1306م. وأكد المؤرخ الدمشقي
الكبير الحافظ ابن كثير: أنه
في مستهل
ذي القعدة
من سنة
ست وسبعمائة اكتمل بناء الجامع
الأفرم الذي
أنشأه الأمير
جمال الدين نائب السلطنة عند
الرباط الناصري
بالصالحية وقد
رتب فيه
خطيباً يخطب
يوم الجمعة
وهو القاضي
شمس الدين محمد بن أبي العز الحنفي وحضر
نائب السلطنة
والقضاة ومد
الصاحب شهاب
الدين سماطاً
بعد الصلاة
(انتهى).
وحول ترجمة صاحب الوقف ذكر أنه: الأمير جُل الدين وفي روايات أخرى جول الدين آقوش الأفرم نائب دمشق، وهو شركسي الأصل من مماليك الملك المنصور قلاوون وكان
يحب الفروسية من صغره والتمس أستاذه قلاوون أن يرسلهُ أميراً إلى الشام
فأبى وقال له:
ليس ذلك في أيامي. ثم تولى نيابة دمشق بعد فرار قبجق إلى التتار وفي أيامه كانت حملات
ملك التتار قازان على بلاد الشام فدافع الأفرم عن دمشق رحمه الله
قدر طاقته، وانسحب منها حينما احتلها التتار إلى مصر وكان يقول معجباً بدمشق: لولا القصر الأبلق والميدان الأخضر ما خليت بَيْبَرس
وسالاد ينفردان بمملكة مصر. وبالرغم من إحسان الملك الناصر إليه وإبقائه نائباً في دمشق إحدى
عشر سنة متوالية فقد جحد نعمة مولاه، وانحاز إلى بيبرس الجاشنكير لأنه
شركسي مثله، وكانا يشعران بأنهما كالغرباء بين الأتراك لما كانا صغيرين، ثم هرب مع
قراسنقر والزردكاش إلى خَرْ بنده ملك التتار، فأقطع ملك التتار مراغمة
لقراسنقر وهمذان للأفرم ونهوند للزردكاش وهو تركماني على الأغلب (انتهى).
وذكر المؤرخ أحمد بن طولون الصالحي
المسجد في "القلائد الجوهرية" واصفاً مئذنة الجامع بان غالبها من الآجر ومن طبقة
واحدة.
وذكر الباحث عماد الأرمشي أنه من ضمن أبحاثه عن مساجد دمشق، هناك دراسة تاريخية
مفصلة منشورة بمنتدى المنعكس الثقافي، وأن وصف ابن كثير وابن طولون
للمسجد أو المئذنة لم يعطيا هذا البناء الجميل حقه من الوصف، وكل ما علمناه
وفهمناه أنهما كانا من الحجارة والآجر وربما كانا من الخشب أو اللبن، ولا نملك أية
معلومات إضافية لإلقاء الضوء على شكل البناء وهندسة بنائه وكمال منظره. وأثناء بحثه عن المئذنة وجد ما أورده فضيلة الأستاذ محمد
أحمد دهمان في كتابه "رحاب دمشق" أن المئذنة تضررت أثر زلزال دمشق الشهير
سنة 1173هـ الموافق 1759م أيام السلطان العثماني عبد الحميد الأول ومن ثم رممت. ثم هُدم الجامع كلياً أيام الوالي
العثماني المصلح مدحت باشا عام 1295هـ الموافق 1878م واستعملت حجارته لرصف الشوارع،
وكانت الأبنية المحيطة به أصلاً مهدمة منذ غزو تيمورلنك لدمشق سنة 803هـ الموافق 1401م، ولم يقم أحد بإعادة بنائها
لبعدها عن الشام وعن قرية الصالحية نفسها.
واستمر حال الجامع والمئذنة مخربين حتى عام 1327هـ الموافق 1909م حين أعيد أعماره من جديد. وما لبث أن هُدم الجامع وأعيد
بناءه مرة ثالثة عام 1375هـ الموافق 1955م. وذكر المستشرقان
الألمانيان كارل ولتسينجر وكارل واتسينجر (Carl
Watzinger & Karl Wulzinger)
في كتابهما "الآثار الإسلامية في مدينه دمشق" الصفحة رقم 241
والصفحة رقم 248 أن بناء جامع الأفرم يقع في زقاق الزيتون، وهو مسجد حديث يحتفظ جزء منه
بحجارة المسجد القديم، ولا يزال مستعملا "تنبيه الطالب" نقلا ولكننا لم نتفقده. ولا بد أنه كان عامراً في هذه المنطقة ويعود الى سنة 706هـ (انظر صفحة 25 لكريمر / ألفريد فون كريمر (1828 ـ 1889م) مستشرق ودبلوماسي ورجل سياسة نمساوي قام برحلة إلى سوريا دامت عامين (بين 1849 ـ 1851م)
وكان من ثمار رحلته هذه كتابه "طوبوغرافية دمشق". وهذا الكتاب يعد بالنسبة لموضوعنا مصدراً لا يستهان به ، استفاد منه الباحثان الألمانيان ولتسينجر وكارل واتسينجر وأحالا إليه مراراً في كتابهما كتاب "الآثار الإسلامية في مدينه دمشق").
وذكر الشيخ الفاضل عبد القادر بن بدران في
سياق حديثه عن جامع المزة: رأيت في هامش عن
النعيمي ما
محصلته أن جامع المزة قد خرب وبطلت الصلوات فيه سنين الى أن أمر السلطان سليمان بعمارة جامعه والتكية (التكية
السليمانية)
مكان قصر الملك الظاهر بيبرس
(أي القصر الأبلق). فأخذت آلات هذا الجامع الى عمارته وأخذت أيضا آلات جامع النيرب، ولم يبق بالمزة جامع غير جامع المرجاني
فقط ومثله جامع الافرم وقد كان غربي الصالحية، بناه الافرم نائب
السلطنة سنة ست وسبعمائة ورتب له خطيبا يخطب فيه وقد أصبح اليوم لا أثر له وكان
باتجاه الرباط الناصري وكل منهما يسلم على الآخر سلام الوداع.
الجامع
الأفرم في الماضي
ونوه الدكتور أسعد طلس عندما أحصى مساجد دمشق ضمن تحقيقه "لثمار المقاصد في ذكر المساجد" ان هذا المسجد "قد تهدم ولم يبق من بنائه شيء إلا
الحجارة التي بني بها مجدداً سنة 1327هـ الموافق 1909م بعناية أحد وجهاء مهاجري بخارى المرحوم داوود بن
عبد الجبار حفيد الشيخ أحمد اليسوي ابن مولانا شمس الدين ازكندي
وأحفاده لا يزالون مقيمون في دمشق حتى هذا اليوم. وللمسجد صحن مفروش بالتراب وفي جنوبه المصلى المكتوب على
بابه:
((بو جامع شريف بخارا اشرافندن شيخ أحمد يسوي سليمان
ولي مولانا شمس الدين از كندي سلاسندن علما ومشايخ ندن داود بن الشيخ عبد
الجبار طرفندن بنا وتأسيس اولنمشدي سنة 1328 تاريخندن))
والمصلى مؤلف من غرفة فيها قاعدتان حجريتان من فوقهما
سقف خشبي، وفيها محراب من الجبس وثماني نوافذ صغيرة، وفي كل جهة من الجهات الأربعة
شباكان آخران، والى جانب المصلى الأيمن حديقة صغيرة فيها قبر مجدد المسجد المتوفى
سنة 1335هـ، وللمسجد منارة حجرية حسنة أنشأها الشيخ داوود
المذكور بمعاونة السيد رضا أفندي القوتلي، وفي الصحن ثلاث غرف اتخذها أولاد
المجدد بيتاً لسكنهم ومدرسة يعلمون فيها الأطفال والأيتام". ويذكر أحد أحفاد الشيخ داوود بن عبد الجبار
المقيمين بدمشق "أن البيت كان لم يزل قائماً والمدرسة ظلت مستمرة في نشاطاتها حتى أواسط خمسينات
القرن العشرين وخرجت مجموعة من الأعلام الدمشقيين من بينهم وزير الاقتصاد السوري
السابق محمد العمادي، وأغلقت عندما وضعت وزارة الأوقاف يدها عليها كونها من
الأوقاف الإسلامية. وتم هدم البيت والمدرسة والمسجد بالكامل وأعيد بناء المسجد من جديد على شكله
الحالي القائم اليوم" (حوار أجراه في طشقند أ.د. محمد البخاري مع علاء الدين
البخاري حفيد داوود بن عبد الجبار رحمه
الله، والمقيم بمدينة دمشق أثناء زيارته لأوزبكستان عام 1986 بدعوة
من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك المقيمين في الدول الأجنبية).
وتابع الباحث عماد الأرمشي ضمن أبحاثي عن مساجد
دمشق هناك دراسة تاريخية مفصلة نشرت بمنتدى المنعكس الثقافي ذكر فيها أنه في كل مرة كان يتم
إعادة إعمار أي أثر تاريخي، أو مدرسة أو مسجد أو جامع، كان لا يمكن إعادة الأثر
إلى ما كان عليه في الماضي، فما بالكم إذا أعيد إعمار هذا الجامع ثلاث مرات
وبفترات زمنية متباعدة وبعيده جداً عن جذوره المملوكية التي ضاعت مع أعماق الزمن،
وضاعت معها معالم جامع الأفرم القديم ؟؟ وعند زيارتي الميدانية للجامع سنة 2007 وسنة 2010 لم أشتم رائحة الأفرم، ولا رائحة العصر المملوكي للجامع
ولا حتى العثماني، بل وجدت مسجداً مستجداً مستحدث بواجهة حجرية عريضة صماء خالية
من كافة العناصر الجمالية والتزينية يتخللها نافذتان عريضتان على حرم الصلاة، ومن
فوقهما نافذتان صغيرتان تتوسطهما نافذة جميلة نوعا ما محمولة على عامودين، وتم
زخرفة النافذة بزخرفة حجرية أنيقة ويعلو النوافذ طنف كامل من المقرنصات، وفي منتصف
الواجهة لوحة حجرية كتب عليها بخط نسخي جميل "جامع الأفرم". وعلى بوابة المسجد ظهرت بعض
التزيينات الطفيفة ولكنها ليست بالقدر الكافي كما هي الحال في المساجد التي بنيت
بنفس الحقبة التاريخية. والمئذنة مجددة بالكامل وأخذت شكل المآذن ذات الطراز الشامي بتأثير مملوكي
غني بالزخارف جذعها مثمن الأضلاع بطبقة واحدة أحادية الشرفة ومزخرفة
بالمقرنصات الجميلة، وأسفل الشرفة أشرطة تزيينية رومانية، وهي مثمنة الأضلاع يحيط
بها درابزين حجري مفرغ بالرسوم الهندسية، وتنتهي المئذنة بجذع ومنه إلى ذروة بصلية
متوجة بتفاحتان وهلال مغلق وكأنها بنيت عام 1990م. وحرم الصلاة حرم
عادي لا يوجد فيه أي أثر مملوكي، ومحرابه ومنبره كبقية المساجد الحديثة العهد
المبنية في منتصف القرن العشرين. وجرى توثيق الجامع بالنص والصورة والخارطة عام 2006 ضمن المباني الأثرية العالمية في مدينة دمشق تحت اسم
جامع الأفرم برقم 221
في مجلد كتاب العمارة والمجتمع العثماني في مدينة دمشق
بالقرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين للباحثين الألمانيين ويبر وستيفان
وتحقيق البروفسور الدكتور جودرن كريمر والبروفسور
الدكتور دورثي ساسك. والموثق هذا
موجود في جامعة برلين بألمانيا.
واختتم عماد الأرمشي "جامع
الأفرم مازال قائما حتى يومنا هذا في حي المهاجرين وهو الذي شيده نائب السلطنة المملوكية في الشام الأمير جمال الدين
آقوش الدواداري المنصوري الأفرم رحمه الله تعالى فترحموا عليه". واختتم دراسته "بأن جامع الأفرم كان من أعظم جوامع دمشق، وكيف ندرسه ولم يبق
منه إلا حجراً واحداً؟" ولم يزل يذكر أ.د. محمد البخاري الجامع والمدرسة
حيث كان يزورهما مع أبيه في خمسينات القرن الماضي والطريق التي كانا يتبعانها
سيراً على الأقدام من حي المحكمة في الصالحية إلى حارة قنارة ومن ثم إلى حارة بير
التوته وحارة الأولياء وحارة الحواكير حيث كان يصنع الحرفيون المهرة فيها الأدوات
الفخارية المتنوعة من صحون وأباريق ومشربيات وغيرها، ومنها إلى طلعة شورى ومن ثم
السير في ممر غير عريض ممتد بين منزل الشخصية السياسية المعروفة فارس الخوري
ونهر كانت مياهه وفيرة في تلك
الأيام
حتى الوصول في النهاية إلى مدخل الجامع والمدرسة
الواقعان بين الأشجار الباسقة قبل إنشاء الجامع الحديث وحديقة المالكي والبنايات
الحديثة بالقرب منهما في نهاية خمسينات القرن الماضي.
يتبع القسم الثاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق