الأربعاء، 26 فبراير 2014

تاماره خانم أول إمرأة قدمت الفلكلور على المسرح الأوزبكستاني


تاماره خانم أول إمرأة قدمت الفلكلور على المسرح الأوزبكستاني
كتبه: أ.د. محمد البخاري



تاماره خانم (اسمها الكامل تاماره أرتيوموفنا بيتروسيان)، ولدت عام 1906 وتوفيت عام 1991، وهي راقصة من العهد السوفييتي السابق، ومغنية، ومدربة رقص، وفنانة الشعب في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية عام 1956. وحائزة على جائزة ستالين من الدرجة الثانية عام 1941. وأطلق الجمهور عليها المعجبون لقب "أيسيدرا دونكان الشرقية". وقلدتها ملكة بريطانيا شخصياً أعلى وسام لاسهامها الكبير في تطوير الفنون.
وقبل نشأة التلفزيون والبرامج الموسيقية في وسط آسيا كانت تاماره خانم نجمة كبيرة في الفنون الفلكورية. وكان يمكن سماعها ومشاهدتها في الحفلات الموسيقية، حيث رقصت، وغنت، ولبست الملابس الشعبية الأوزبكية، وعرضت فنها بتفاعل أذهل المشاهدين دائماً. وقصة حياة هذه المرأة الشهيرة يشبه أسطورة سندريلا. إذ قبل أن تبلغ شهرتها في العالم، عانت من الفقر والجوع. وذاع صيتها على ساحة الإتحاد السوفييتي السابق، وبعيداً جداً خارجه. وهذه الفتاة الأرمنية التي نشأت في قرية أوزبكستانية منسية، كانت تتمتع بسعي دائم، وحب للعمل، وبمواهب فنية.
ولدت تاماره خانم بتاريخ 29/3/1906 في أسرة أننا وأرتيوم بيتروسيان المتواضعة، الذين أبعدوا عن وطنهم الأصلي إلى تركستان، وعاشوا في قرية محطة غورتشاكوفو (حالياً مدينة مرغيلان). ونشأت الفتاة في حي أوزبكي، ولم تتميز كثيراً عن أطفال القرية، عيناها سوداوان، مرحة. وعندما وصل إلى قريتها مجموعة فنانين متجولين، لتقديم عروضهم الفنية. انبهرت تاماره بعروضهم السحرية، وسيرهم على الحبال، ورقصاتهم. وبطريقة عفوية كانت تكرر حركات الفنانين في البيت. وفي كل مرة كانت تقدم عروضها بثقة بالنفس ودون مهارات فنية، وعندما بلغت السادسة من عمرها صفق الأهل لها على رقصاتها للمرة الأولى. وقالت أمها بفخر آنذاك: "سترون، سترقص في باريس"، وهو ما أثار ضحك الحاضرين. ومر الوقت، ووضعت رقصاتها الرائعة في باريس بداية لنجاحها الكبير كراقصة شابة.
وفي تلك الأيام صعود المرأة على المسرح لم يكن واقعياً في الشرق الإسلامي. وخاصة وفق تقاليد تركستان، وبعد زواجها المبكر اقتصرت حياتها كامرأة على أعمال البيت "إتشكاري"، فالمرأة نصف البيت، وكان عليها إخفاء وجهها وجسدها بشكل كامل تحت الحجاب والملابس المتعارف عليها آنذاك. ونشأت تاماره والناس يعيرون أسرة بتروسيان بأن ابنتهم لا تحترم التقاليد، ولكنها وببساطة لم تفكر بترك هوايتها المفضلة الرقص. حتى اضطر والدها لتهديدها بالقتل إن لم تستطع كبح جماح جرأتها وتحترم التقاليد المعروفة آنذاك.
ولعبت الصدفة دورها: ووصل القطار الدعائي "فوستوك" إلى محطة كورتشاكوف، يحمل فرقة فنية بقيادة حمزة حكيم زادة نيازي، الذي كان آنذاك شخصية كلاسيكية في الأدب الأوزبكي. والفنون آنذاك كانت توظف لـ"توعية الشعب" بشكل واسع خلال السنوات الأولى للسلطة السوفييتية. وأحد الأشخاص أخبر حمزة عن الفتاة الموهوبة، وهو الأمر الذي حدد مصيرها، وفي نهاية عام 1918 صعدت تماره على خشبة مسرح حقيقي لأول مرة في حياتها. وآنذاك لم تتجاوز الـ 12 من عمرها، وقدمت عروضها للمشاهدين بنفس المستوى مع غيرها من الفنانين. والحقيقة أن الرقص كان جزءاً لا يتجزأ من حياتها، ويثير حماسها، وتعرضه بشكل رائع. وأظهرتها عروضها في حفلات فرق الهواة كراقصة بارعة، وكانت الوحيدة بينهم من الجنس اللطيف، تجرأت على الرقص علناً، ودون غطاء على الوجه. وانهالت التهديدات عليها من كل حدب وصوب، واضطر أهلها لإرسالها إلى طشقند تجنباً للشر.
وبدأت تماره الدراسة بفرقة طشقند للباليه عام 1922، وأخذت ترقص في الحفلات مع الفرق نصف المحترفة، التي رأسها آنذاك أوائل الفنانين الأوزبك: أبرار هيداياتوف، ويتيم باباجانوف، وعلي أرودوبوس إبراهيموف. ووصلت الشائعات حول سلوكها غير العادي إلى قريتها، وقام المتعصبون هناك بقتل أبيها بوحشية. وبقيت أمها وحيدة مع أطفالها، حتى أن تأثير الشائعات حول رقص تماره طال كسرة خبز أهلها.
وقدمت الفرقة الراقصة عروضها في وسط آسيا، وعرضت تماره رقصات شعبية. ووصلتها تهديدات، وقذفت بالحجارة حيث رقصت في المدن الصغيرة والقرى. وكادت تلك العروض تهدد حياتها: حتى أن المشاهدين الغاضبين كانوا مستعدين لتمزيق جسدها. وفي أحد المرات تدخل أحد الفنانين لإنقاذها، وهو الموسيقي وصاحب الكلمة الحادة يوسف جان كيزيك. وألقى عليها حجاباً نسائياً وساعدها سراً للخروج من وسط الجموع الغاضبة. وكانت تماره تحتاج لقوة معنوية كبيرة، وقناعة بصحة ما تقوم به، كي لا تستسلم.
وفي عام 1923 سافرت تماره إلى موسكو لاستكمال تعليمها في معهد أ.ف. لوناشارسكي المسرحي المتوسط. وهناك عوضها المشاهدون في موسكو عن كل المشاكل التي تعرضت لها في عروضها الأولى، واستقبلوا فن الشابة الموهوبة بتشجيع كبير. وحصلت في موسكو على لقبها الإسطوري الثاني "سنونو الشرق".
وكثيراً ما كان المعجبون يتسللون لخلف المسرح بعد عروضها للتعبير عن إعجابهم لها شخصياً. وعندما وصل أحد المعجبين الشجعان إلى غرفة مكياجها وأخذ ينهال عليها بكلمات الإعجاب، لم تتعجب تماره، وكان هذا المعجب المطرب الأوزبكي المعروف محي الدين قاري يعقوبوق. الذي قام المسؤول الفني بتقديمه لها قائلاً: "من الآن فصاعداً ستقدمون عروضكم مع بعض". ولم تتوقع تماره أن تكون هذه "مع بعض" ستكون دائمة، فقد أصبح محي الدين زوجها، ووالد طفلتهما.
وأول رحلة توجه الفنانان الشابان بها خارج الإتحاد السوفييتي كانت إلى فرنسا. وفي عام 1925 نظم في باريس معرض فن الديكور العالمي. وكان لمحي الدين قاري يعقوبوق، وتماره شرف تمثيل فنون المنطقة التي ينحدران منها. وتوجت عروضهم بنجاح كبير، وبقيت ذكريات الفنانان الأوزبكيان لدى البارسيين لفترة طويلة. وفي طريق عودتهما إلى وطنهما مر الزوجان عبر ألمانيا، ورغبت تماره هناك التعرف على الراقصة الشهيرة أيسيدورا دونكين، التي طلبت من تماره أن تسمح لها بلمس عامودها الفقري، لأنها كانت مقتنعة بأن الأجسام العادية للإنسان لا تستطيع القيام بحركات عجيبة وصعبة ورائعة كالتي تقدمها تماره.
وفي سن الـ 19 من عمرها حصلت تماره على الشهرة. وبعد النجاح الذي حققته في باريس انفتح العالم أمامها، وطافت برقصاتها نحو نصف الكرة الأرضية. وبعد مصادفة مثيرة التصق بها لقب خانم، وحدث ذلك قبل أحد حفلاتها الضخمة بموسكو حيث سمع منظم الحفل كيف يسميها أبناء وطنها "خانم"، وفي اليوم التالي ظهرت الإعلانات في كل أنحاء المدينة وهي تحمل اسم "تاماره خانم". حتى أن الأجانب لم يستطعوا فهم انتمائها، من أية قومية تنحدر هذه الراقصة الرائعة. فهي من حيث صلة الدم أرمنية، ولكنها نشأت في حي أوزبكي.
ومن كل رحلة كانت تاماره خانم تحضر معها رقصات جديدة، وتستوعبها بقوة عظيمة. وتراكمت في إبداعاتها الفنية مجموعة رقصات لشعوب 86 دولة من دول العالم. وكانت تاماره خانم تحفظ الرقصات، وخصائص الخطوات، والحركات الإيمائية، والحركات الجسدية الخاصة بسكان تلك الدول. وحتى الملابس، والماكياج، والرقصات، كانت متطابقة مع ما هو موجود في تلك البلاد، لدرجة أن سكان تلك البلاد كانوا يظنون أنها واحدة منهم.
وفي عام 1938 أحدثت تاماره خانم انقلاباً في الفنون المسرحية، وجمعت وللمرة الأولى على المسرح بين فن الغناء، وفن الرقص. وكانت تغني بدقة تامة بعدة لغات وتتقمص بالكامل الشخصية التي تقدمها. وعن هذا قالت تاماره خانم "ما أن أخطو خطوة واحدة من خلف المسرح للقاء المشاهدين، حتى أحس في داخلي آلاف الخيوط الخفية التي تربطني بالمشاهدين. وكلما كثرت تلك الخيوط، يصبح صوتي أفضل، وتدور في داخلي آلاف الشياطين التي تبدع رقصاتي".
وهذه التعابير المعبرة عن حب العمل، وحبها الفريد للعمل، والموهبة التي منحها لها الله (ج) حافظت عليها لسنوات طويلة وهي في قمة الإحترام والإعجاب. وفي مهرجان الرقص العالمي الذي نظم عام 1935 في لندن قامت الملكة البريطانية شخصياً بتقليدها أعلى وسام لقاء إسهامها في تطوير الفنون. وخلال الحرب العالمية الثانية تنقلت تاماره خانم بحفلاتها على كل الجبهات، من المحيط الهادي، وحتى أوروبا، حتى أن القيادة العسكرية من بين كل الفنانين منحتها رتبة نقيب وسمحت لها بحمل السلاح.
وكان قادة الدول، والشخصيات السياسية البارزة، والفنانين، والشخصيات الإجتماعية، يعتبرون مشاهدة حفلات تمارة خانم والتعرف إليها شخصياً شرفاً كبيراً لهم. وذات مرة كتب إليها الملحن إسحق دوناييفسكي: "تدعينني لزيارة أوزبكستان المشمسة. شكراً ! ولكن أي بلد، وأي مكان، حيث تكونون أنتم مع فنكم الرائع سيكون مشمساً !".
وبعد أن كونت خبراتها الإبداعية، جربت الفنانة القديرة قواها كمدربة رقص في عام 1930. وفي عام 1932 تعاونت مع المخرج ز. قابولوف والملحن ب. رحيموف، لافتتاح مسرح في أورغينيتش، وعملت هناك مدربة للرقص، وراقصة، ومربية، ومدربة في نفس الوقت. وبمبادرة منها افتتحت في طشقند مدرسة للباليه الكلاسيكي. والتفاؤل، والأحاسيس المرحة، وقوة الإرادة، كلها ساعدتها للحفاظ طويلاً على جمالها. وحتى سن متأخرة تجولت في أنحاء العالم، دون أن تفقد أي قطرة من طاقتها الحيوية، وخفة حركتها. وكانت طبيعتها المبتهجة بالحياة، والطيبة، مغنطيس يجذب الناس إليها.
وفي عام 1991 توفيت تمارة خانم بطشقند، وأوصت أن يقام في بيتها متحف تحفظ فيه آلاف الملابس المسرحية، التي رقصت بها، والمطرزة بالخيوط الذهبية والفضية، والمرصعة بالأحجار الكريمة، وكل منها يعتبر نموذجاً فنياً متميزاً.
وافتتح متحف تمارة خانم عام 1994. ويحتفظ اليوم بغرف الجلوس كما كانت، ويحتفظ بالملابس، وتسجيلات الأغاني، وبمجموعة رائعة من اللوحات، والهدايا، والصور، وما كتبته الفنانة البارزة بخط يدها. ومن بينها مذكراتها التي لم تنشر بعد، وأشعار كتبتها خلال سن النضوج والحكمة في السنوات المتقدمة من عمرها. وفي واحدة منها استعارت تمارة خانم سطور من عمر الخيام تقول: "ما جاء به الحظ إليك، لا يمكن للموت أن يسلبه منك..."
ولمن يحالفهم الحظ ويزورون أوزبكستان ويرغبون بزيارة متحف تمارة خانم فهو قائم اليوم في مدينة طشقند، شارع تمارة خانم، 1/41 هاتف: 2678690 (+ 998 71) ويعمل يومياً من الساعة 09:00 صباحاً، وحتى الساعة 18:00 مساءاً، وعطلته الأسبوعية يوم الأحد.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، بتصرف نقلاً عن الرابط الإلكتروني: http://www.ziyonet.uz/ru/people/tamara-hanum/ طشقند، 25/2/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق