قضايا الأمن المائي في
القرن الحادي والعشرين
مخطط
البحث:
تمهيد
- مفهوم الأمن المائي
- أسباب إختلال الأمن المائي
في البلدان النامية
- ندرة المياه
- تسارع الزيادة السكانية
- إزدياد عدد سكان المدن وعومل
التحضّر
- إرتفاع مستويات المعيشة
- تكثيف الزراعة
- انتشار الصناعة
- أسباب سياسية ومؤسساتية
- عدم تكافؤ فرص توزيع
المياه
- هدر المياه
- لوّث المياه
- الإخفاق في إدارة الموارد الميائية
- عوامل تغيّر الُمناخ
- سيناريو عوامل تغيّر
المناخ
- أعراض تغيّر المناخ
- تصاعد حدوث الكوارث
المناخية
- زيادة الإجهاد المائي
- عوامل ذوبان الطبقات
الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي
- عوامل تقلص مياه الأنهار
الجليدية
- عوامل ارتفاع مناسيب
البحار وظواهر الطقس الشاذة
- عوامل تراجع الانتاج
الزراعي
- ظواهر انهيار الانظمة
الايكولوجية
- عوامل إزياد المخاطر
الصحيّة
- الجهود المطلوبة على المستوى
الوطني
- ضرورة إعتماد إستراتيجية
وطنية لتنظم عملية استخدام المياه
- ضرورة خفض الإعانات وإعادة
النظر في سياسات تسعير المياه
- ضرورة الحد من عمليات سوء
إستخدام المياه وتلوّثها
- ضرورة تنظيم عملية إستخراج
المياه الجوفية
- أهمية زيادة الوعي البيئي
في أوساط السكان
- ضرورة تعزيز عرض إمدادات المياه
- ضرورة خفض الطلب على
المياه
- أهمية تطوير الهياكل
الأساسية للمياه
- أهمية تنظيم النمو السكاني
- الواقع المؤلم للأمن المائي في بعض مناطق العالم
- قضية
المياه وشرعية الحكم
- التحديات الرئيسية
تمهيد
في
مطلع تسعينيات القرن العشرين طرح تقرير التنمية البشرية لمنظمة الأمم
المتحدة قضية الأمن البشري متجاوزاً المنظور الكلاسيكي لقضية الأمن الوطني الذي كان
محصورًا في السابق بالجوانب العسكرية والأمنية فقط. وفي وقت لاحق عرف التقرير آنف
الذكر عام 2006 الأمن البشري بأنه: يتمّثل في توفير الحماية ضد
ما لا يُمكن التنبوء به من أحداث قد يؤدي وقوعها إلى حدوث خلل في حياة البشر وسبل
معيشتهم. وأعتبر أن أمن المياه أو الأمن المائي يشكل جزءًا لا يتجزأ من
المفهوم الجديد والشامل للأمن البشري إلى حد أنه إعتبر غياب الظروف الملائمة للأمن
المائي قد يحول دون تحقيق الأمن البشري وحتى إلى إنعدامه.
فما
هو الأمن المائي؟ ولماذا لم يتم التطّرق إليه إلاّ في الآونة الأخيرة ؟ وما هي
الأسباب والعوامل التي حالت دون تحقيق الأمن المائي في بلدان العالم وخاصة البلدان
النامية ؟ وما هي آفاق تطوّر مشكلة إختلال الأمن المائي في بلدان العالم وخاصة
النامية منها خلال القرن الحادي والعشرين ؟ وكيف يُمكن التخفيف من حدة مشاكل الأمن
المائي ؟ وهو
ما سنحاول الإجابة عليه في هذا البحث.
أولاً:
مفهوم الأمن المائي. كان جوهر النظرة إلى الأمن المائي، أنها حالة لا يتمكن
فيها كل إنسان
من فرصة أو قدرة الحصول على المياه النظيفة والمأمونة صحياً بالقدر الكافي وبالسعر
المناسب، ليتمّكَّن من العيش بصحة وكرامة وقدرة على الإنتاج، والحفاظ على النظم
الأيكولوجية التي يعتمد عليها لتوفير المياه الصالحة للإستخدام البشري، وانقطاع
سبل توفير المياه الصالحة يؤدي إلى تعرّض البشرية لمخاطر كبيرة للأمن الإنساني، وأبرزها
انتشار الأمراض وإنقطاع سبل العيش في الوقت نفسه. ويتفق هذا الرأي
مع إعلان لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي
نصّ على أن "حق الإنسان في المياه يجب أن يكفل للجميع إمكانية الحصول على
المياه بشكل كافٍ وآمن ومقبول وبسعر مناسب مع القدرة على الوصول إليها لأغراض
الاستخدام الشخصي والمنزلي. ووفق هذا المنطق يصبح الحصول على المياه حقًا من
الحقوق الأساسية للإنسان، إذ "أنّ التمسك بالحق الإنساني
في المياه هو غاية في حد ذاتها ووسيلة لاستنهاض حقوق أكثر شمولاً وردت في
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي غيره من الوثائق الملزمة قانونيًا، بما في ذلك
حق الحياة والتعليم والصحة والمسكن اللائق".
وبالمقابل،
يُعتبر غياب الأمن المائي انتهاكًا قويًا لأهم مبادئ العدالة الإجتماعية للمواطنين، إذ من
المفترض أن تكفل حقوق المواطنة العادلة لكل شخص الحق بقدر من تكافؤ الحقوق المدنية
والسياسية والاجتماعية وممارستها بفاعلية، بينما يعد غياب
الأمن المائي تهديدًا لتلك الحقوق وتقليلاً لتكافؤ الفرص التي هي شرط أساسي
لتحقيق العدالة الإجتماعية. وفي
الوقت الراهن لم يعد يُنظر إلى غياب الأمن المائي من زاوية ندرة المياه،
التي تعرف بعجز الموارد المائية عن تلبية الحاجات منها وحسب، بل، وكناتج
لسياسات الإدارة السيئة للموارد المائية أيضًا. كما أن عوامل تغيّر المناخ خلال
العقدين الأخيرين، وما رافقها من تغيير في أنماط تساقط الأمطار، وظهور عوامل طقس
غير مالوفة، بالإضافة لارتفاع مستويات سطح البحار، كلها سلّطت الأضواء وبشكل كاف على
الخصائص الكارثية للمياه والمتجلّية بالعواصف والأعاصير والفيضانات وحتى الجفاف.
ودفعت علماء المياه لاعتبار أمن المياه مرتبطًا بالقدرة على التنبؤ
بالمخاطر أيضًا، وإمكانية الحد من الأضرار الناتجة عن القدرات الكارثية للمياه. وهكذا
أصبح الأمن المائي يمثّل قدرة الحصول على المياه للاستهلاك البشري وكمصدر إنتاجي،
والحد من القدرات الكارثية للمياه والحماية من المخاطر
المرتبطة بها.
ومن
ناحية ثانية، أدّت الصرخات المدوِّية المحذّرة في
السنوات الأخيرة من التأكيد على إمكانية
"نضوب المياه" في العالم، وإلى توسيع دائرة الاهتمام بالأمن المائي، وحتى
أن العديد من المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية والبيئية إعتبرت أن حق الجيل
الحالي في الحصول على المياه وتكافؤ فرص الحصول عليها يجب أن لا يعرّض
قدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها من هذا المورد الحيوي للخطر. خاصة وأن هذا
الطرح ينسجم مع الخلاصات التي توصلت إليها قمة الأرض الأولى التي عقدت في
ريو دي جانيرو عام 1992 والتي اعتبرت "أن كوكب الأرض ليس ملكية للأجيال
الحاضرة فقط، بل هو ملكاً للأجيال القادمة أيضاً".
ثانيًا:
يرتبط موضوع الأمن المائي الآن بالإجابة على سؤال هام وهو لماذا تعتبر
المياه من أهم مكوِّنات الإنسان العضوية ككائن حي، ومن أهم مرتكزات حياته
الاجتماعية ؟ لأن المياه هي حاجة بيولوجية ضرورية لحياة الانسان إن كانت بشكل
مباشر من
خلال الشرب، أو غير مباشر عن طريق استنبات النباتات، وتربية الحيوانات، اللازمة للغذاء.
ولأن أكثر من ثلثي جسم الانسان يتكوّن من الماء. ويحتاج البشر للمياه بقدر حاجتهم للأوكسيجين،
وبدونهما لا يمكن أن تكون أية حياة. إلاّ أنّ
المياه تمنح الحياة معنى أشمل بكثير، لأنها حاجة ضرورية للمحافظة على صحة
الإنسان ووقايته من الأمراض والأوبئة. كما تعتبر المياه من المقومات الرئيسة لرفاهية
الإنسان وتقدمه من حيث استخدامها في ميادين الإقتصاد، وفي كل مجالات الترفيه. خاصة
وأنه كان يُنظَر إلى المياه على أنها من الموارد الطبيعية المتجدّدة لأنّ الكميات
المتوفرة منها على كوكب الأرض تمتاز بالثبات النسبي، وتكاد أن تكون هي نفسها منذ
آلاف السنين. وجاءت نظرية الدورة الهيدرولوجية للمياه لتعزّز هذا الإعتقاد، إذ يتبخّر
يوميًا من السطوح المائية جزءاً من المياه تحت تأثير أشعّة الشمس، ويؤدي تحريك الرياح
للهواء الرطب المشبع بالبخار إلى مناطق أخرى منخفضة الحرارة إلى تكثف المياه
المتبخرة من
جديد لتسقط على شكل أمطار وثلوج لتعوّض بذلك الجزء الذي استهلكه الإنسان
منها.
إلاّ
أن التزايد المتصاعد في أعداد سكان العالم خلال المئة سنة الأخيرة بلغ في
النهاية أربعة أضعاف ما كان عليه في بدايتها، وأدى إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك
البشري للمياه
بمعدل سبعة أضعاف خلال الفترة نفسها، وهو ما أثار شكوكًا كبيرة بإمكانبة استمرار
الإعتقاد الشائع بأن المياه هي مورد متجدِّد، وبمدى كفاية المياه لحاجات البشر مستقبلاً.
وأدت التغيُّرات المناخية الأخيرة، إلى انتشار الجفاف في أجزاء واسعة من الجزء
الجنوبي في الكرة الأرضية، وتوسعت حدود الصحراء لأكثر من 500 كلم شمالاً وأدى
بنتيجتها إلى تصحّر نحو 90 ألف كلم2 من الأراضي الزراعية سنويًا، وجعلت من موضوع
العجز المائي أحد أكبر التحديات التي تواجهها البشرية مع مطلع القرن الحادي
والعشرين.
وعلى
الرغم من أن نقص المياه، شأنه شأن الجوع يعتبر من الأزمات الصامتة التي
قلّما تلقى الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام الجماهيرية العالمية، إلا أن ما
ذكرته تقارير
التنمية البشرية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة تمثل
خطورة شديدة وتدعو إلى القلق. إذ جاء في تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2006 أن 1,1 مليار شخص في العالم لا يستطيعون الحصول
على الحد الأدنى من المياه النظيفة، وأن 2,6
مليار شخص لا تتوفر لديهم مرافق الصرف الصحي الأساسية، والرقم الأخير يشّكل أكثر من
50% من سكان البلدان النامية.
وحسب الترتيب
ذاته فإن عدد الذين يموتون سنويًا بسبب الأمراض الناتجة عن نقص المياه وتلوثها
في العالم، فاق عدد الذين يموتون نتيجة للحروب والنزاعات المسلحة. كما ويزداد سنويًا
عدد المجتمعات التي ينخفض فيها نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 20 ليترًا في
اليوم، وهو ما يمثل الحد الأدنى اللازم للوفاء بأكثر احتياجات الانسان ضرورة.
أما في حال حساب احتياجات الأفراد من المياه لأغراض الاستحمام وغسيل الملابس
فيرتفع الحد الأدنى اللازم للفرد من المياه إلى 50 ليترًا يوميًا.
ويعتبر
الأطفال في البلدان النامية من أبرز ضحايا أزمة المياه المعاصرة إذ يموت منهم
حوالى 1,8 مليون طفل سنويًا (أي بمعدل 4,9 آلاف طفل يومياً) وهذا ما يجعل من نقص
المياه النظيفة، وتأمين الصرف الصحي الملائم، مجتمعين ثاني أكبر سبب لقتل الأطفال
في العالم. وهنا لابد من التأكيد على أن أزمة المياه غدت تزيد من انتشار المظاهر
الفاضحة من عدم المساواة في فرص الحياة بين الأمم الغنية والأمم الفقيرة. كما أنها
خلقت تفاوتًا كبيرًا في مستويات الحياة بين مواطني
البلد الواحد وخصوصًا في البلدان النامية حيث أصبح الأمن المائي مختلاً أو مفقودًا في
معظمها.
ثالثًا:
أسباب إختلال الأمن المائي في البلدان النامية. معروف أن جملة من العوامل والأسباب
تسهم في اختلال الأمن المائي أو فقدانه في البلدان النامية وأبرزها:
1- ندرة المياه.
إذ يرى بعض الاقتصاديين أن مصدر القلق العالمي حول المياه يعود إلى ندرتها التي تزايدت
مع زيادة أعداد السكان، الذي أدى إلى زيادة الطلب العالمي على استهلاك المياه.
لتبرز أسئلة تحتاج للرد وهي: هل هناك ندرة في المياه حقًا ؟ وهل هي عالمية
أم إقليميّة ؟ وأخيرًا هل أن أسبابها مادية كالنقص في الإمدادات، أو إقتصاديّة، أو
مؤسساتيّة كالسياسات العامة التي شجّعت على الاستخدام المفرط للمياه...
أم غير ذلك ؟ وتقدّر كمية المياه الموجودة على كوكب الأرض بحوالى 1400 مليون كيلو
متر مكعب. والجزء الأكبر منها 97,5% هو من المياه المالحة التي تملأ المحيطات
والبحار، ولا
تمثّل كمية المياه العذبة سوى نسبة 2,5%.
إلاّ
أنّ معظم المياه العذبة غير متاحة في وقتنا
الحاضر، وقسم منها نسبة 40% مخزون في باطن الأرض على عمق يتجاوز مئات الأمتار، وقسم
آخر نسبة 40% متجمِّد في المناطق القطبية وفي أعالي الجبال الشاهقة. أما الجزء
المتاح منها فهو نسبة محدودة جدًا وتقترب من 20% ومن إجمالي المياه العذبة، وما
نسبته نحو 0,05% من إجمالي مياه الكرة الأرضية. ويقوم النظام الهيدرولوجي لكوكب
الأرض بضخ حوالى 44 ألف كيلو متر مكعب من المياه ونقلها إلى اليابسة سنويًا،
أي ما يعادل 6,9 آلاف متر مكعب لكل فرد من سكان كوكب الأرض. وعلى الرغم من ضياع
جزء كبير من هذه المياه في الفيضانات التي لا يمكن التحكُّم بها، أو في المواقع
البعيدة عن متناول الإنسان، إلاّ أنّ ما يتوافر للفرد من المياه في العالم
يبقى أكثر من 1,7 ألف متر مكعب وهو المعدَّل الوسطي الذي يعتبره علماء المياه
الحد الأدنى المطلوب للفرد للوفاء بحاجات الزراعة (الغذاء)، ودعم الصناعات
والمحافظة على البيئة.
ويعتبر
العلماء أن توافر المياه في بلد ما هو أقل من 1 ألف متر مكعب للفرد سنويًا
وهذا يعتبر ندرة في المياه، بينما يعتبر توافرها بأقل من 500 متر مكعب للفرد في السنة
ندرة مطلقة، مع الإشارة إلى أن كمية المياه المتوفرة لا تعدّ المؤشر الوحيد لندرة المياه،
فجودة المياه تعتبر عاملاً مؤثرًا في حجم المياه المتاحة للاستخدام. ولو نظرنا إلى
المياه على مستوى العالم فيمكن القول أنّ المتوفر منها ما زال يكفي ويفيض عن جميع
احتياجات البشرية، وليست هناك مشكلة من ندرة المياه على الصعيد العالمي حتى الآن.
إلاّ أنّ المياه، مثلها مثل العديد من مصادر الثروة العالمية، لا تتوزّع بصورة
عادلة بين بلدان العالم أو حتى بين أقاليم البلد الواحد. وفي هذه الحالة تشكو
بعض البلدان والأقاليم من نقص الموارد
المائية وحتى أنها غير قادرة على الاستفادة من فائض المياه الموجود في
البلدان والأقاليم ذات المتوسط العالمي العالي من توفر المياه.
ويتطلَّب
الحصول على المياه كمورد إنتاجي، توافر الهياكل الأساسية اللازمة لذلك، فيما يتفاوت
توزيع هذه الهياكل ومدى تطورها بين البلدان وحتى داخل البلد الواحد. كما وتتفاوت
أيضًا قدرة البلدان على تخزين المياه وعلى الحد من الضرر الناتج عن قدراتها الكارثية.
وهنا يمكن القول أن ندرة المياه هي مشكلة موجودة فعلاً ولا يقتصر وجودها حتّى الآن على
بعض البلدان والأقاليم فقط. واللافت للنظر هنا أنه في حين تنعم بلدان الشمال في
شمال القارة
الأميركية وغرب أوروبا ووسطها وصولاً إلى اليابان بمعدلات مائية عالية بشكل
عام، فإن غالبية البلدان التي تشكو من الندرة أو الاجهاد في الإستهلاك المائي هي
من دول الجنوب أو ما اتفق على تسميته بالبلدان النامية وخصوصًا في قارتي آسيا وإفريقيا
على الرغم من وفرة مخزون المياه في الأخيرة. وعلى العموم يمكن القول إنّ ندرة
المياه في العديد من البلدان النامية نتجت عن بعض العوامل أبرزها:
أ-
تسارع الزيادة السكانية. يظهر تطور عدد سكان كوكب
الأرض أنه كان 1 مليار نسمة عام 1800م وارتفع إلى 3 مليارات نسمة عام
1950م، وإلى ما يقرُب من 6 مليارات نسمة في وقتنا الحاضر، أي أن سكان العالم
الذين استغرق وصول عددهم إلى 1 مليار نسمة عشرات آلاف السنين منذ بداية
الحياة البشرية وحتى عام 1800م، إزداد عددهم بنحو 5 مليارات نسمة خلال مائتي
عام فقط. وإذا اعتبرنا أن كمية المياه المتاحة كانت ثابتة فيكون نصيب الفرد
العالمي من المياه قد انخفض إلى 1/6 مما كان عليه عام 1800م.
ب-
إزدياد عدد سكان المدن وعوامل التحضّر. وأن
عدد سكان المدن مقارنة بإجمالي سكان الدولة يزداد بصورة مستمرة في كل بلدان العالم
مما يؤدي
إلى زيادة الطلب على المياه وجعل عنصر الندرة أكثر حدَّة. كما تؤدي الندرة
إلى اعتماد المدن على مصادر مياه أكثر كلفة لأن المصادر المحليّة تصبح إما
مستنزفة أو ملوّثة.
ج-
إرتفاع مستويات المعيشة. وقد أدى التقدم الحاصل في
مجالات التنمية الاقتصاديّة إلى تحسن مستويات المعيشة، وإلى تغيَّر أنماط الاستهلاك
وزيادة الطلب على المياه.
د-
تكثيف الزراعة. ومن المعروف أن بعض
الزراعات تحتاج بطبيعتها إلى كميات كبيرة من المياه، وأن إنتاج كيلو غرام واحد من
الأرز، مثلاً، يتطلَّب كمية تتراوح ما بين 2 ألفي و5 آلاف ليتر من الماء، وإنتاج
طن واحد
من قصب السكر يتطلَّب ثمانية أضعاف كمية المياه المستخدمة في إنتاج طن من القمح،
بالإضافة لزراعة القطن التي تحتاج لمياه ري كبيرة. وأدَّى التوسُّع الرأسي في
الزراعة (الزراعة الكثيفة)، إلى تحقيق الثورة الخضراء والزيادة المستمرة في إنتاج
الأغذية المستندة على الاستخدام الواسع للأسمدة،
إلى التوسع في أعمال الري لضمان رطوبة التربة، ومواجهة عدم كفاية سقوط الأمطار. وإذا
أخذنا بعين الإعتبار أن إنتاج شريحة واحدة من اللحم يتطلَّب حوالى 11 ألف ليتر من المياه،
فسنكون بحاجة إلى حوالى 3,5 ألف ليتر من المياه لإنتاج غذاء يوفّر الحد
الأدنى اليومي من الوحدات الحرارية للفرد (3 آلاف وحدة حرارية)، وهنا ندرك الأسباب
التي جعلت الزيادة في معدل استخدام المياه خلال المئة عام الأخيرة تعادل حوالى
ضعفي معدل الزياة في السكان.
ومنه
نرى أنه على الرغم من أن نسبة المياه التي تستهلكها الصناعة قد تضاعفت
أربع مرات خلال القرن العشرين، وعلى الرغم من التوسع الكبير في حصة المدن
والبلديات، إلا أنّ الزراعة والتوسُّع في أعمال الري ما تزال تحتفظ بحصة
الأسد من استهلاك المياه. وفي البلدان النامية ما زالت حصة الزراعة تمثل ما
يزيد عن 80% من استهلاك المياه، وعملية إنتاج الغذاء تستهلك ما يزيد عن
مقدار 70 ضعفًا من الكميات المستخدمة للأغراض المنزلية.
هـ-
انتشار الصناعة. معروف أن الصناعة تستهلك كميات كبيرة
من المياه. وتحتاج لإنتاج طن واحد من الصلب إلى كمية تتراوح ما بين 8 آلاف و 12 ألف
ليتر من المياه، وإنتاج سيارة واحدة يحتاج إلى كمية 38 ألف ليتر من الماء. ولا
تقتصر حاجة الصناعة إلى المياه على
الصناعات المعدنية الثقيلة، بل تشمل كل فروع الصناعة، ولصناعة بذلة رجل
واحد على سبيل المثال نحتاج لكمية 665 ليترًا من المياه.
و-
أسباب سياسية ومؤسساتية. يرى اقتصاديون آخرون أن
السبب الرئيسي لندرة المياه في الغالبية العظمى من الحالات هي لأسباب سياسية
ومؤسساتية، وتكون في الغالب ناتجة عن سياسات إدارة الموارد المائية السيئة، وليس
نتيجة للنقص المادي في الإمدادت. ويرى هؤلاء الاقتصاديون أنه على الرغم من
أن متطلبات الأسر من المياه لا تُمثّل إلاّ جزءًا صغيرًا من الإستهلاك الميائي (عادة أقل من نسبة 5% من
إجمالي الإستهلاك)، فهناك قدر كبير من عدم المساواة في فرص الحصول على المياه النظيفة
والصرف الصحي على مستوى الأسر داخل الدولة نفسها وخاصة في البلدان النامية. ففي حين
يتمتَّع سكان المناطق المرتفعة الدخل والمدن بإمكان الحصول على مئات الليترات من
المياه تصل إلى بيوتهم يوميًا بأسعار منخفضة عن طريق المرافق العامة، فإن
سكان الأرياف والأحياء الفقيرة في المدن يحصلون على أقل من 20 ليترًا من
المياه (وأحيانًا أقل من 5 ليترات) في اليوم لكل فرد. والأمر نفسه، يصبح
إلى حد كبير، موضوع لاستخدام المياه من أجل الإنتاج إذ تقوم مضخات الري
باستخراج المياه من الخزانات الجوفية ومجاري الأنهار على مدى 24 ساعة
لصالح المزارعين الأثرياء في الوقت الذي يعتمد فيه صغار المزارعين على
سقوط الأمطار التي تشهد أحيانًا تقلُّبات شديدة.
وخلاصة
القول أن الفقراء في البلدان النامية يحصلون على قدر أقل من المياه، ويدفعون
ثمنًا أكبر لها بالمقابل، ويتحمّلون وطأة تكاليف التنمية البشريّة الناجمة
عن ندرة المياه. بالإضافة إلى انتشار النزاعات التي تندلع بينهم أحيانًا إبّان
عملية الحصول على المياه. بسبب عدم قدرة بعض الأسر الفقيرة على تحمّل تكاليف توصيل
المياه، أو بسبب عدم امتلاكها لصكوك الملكية، ولهذا
تضطر في هذه الحالة بسبب بُعد مرفق المياه عن أماكن سكنها لدفع أسعار تفوق بمعدل من 5
إلى 10 أضعاف كلفة المياه التي كان من الممكن أن تحصل عليها فيما لو تم تأمينها من خلال
المرافق العامة. وفي حالات أخرى، تعتبر الأسعار المنخفضة للمياه وعدم اعتماد
الأسعار التصاعدية سببًا من أسباب زيادة الاستهلاك، وعامل من العوامل التي تؤدي إلى
ندرة المياه. وأدّى توفير الكهرباء للمزارعين بشكل مجاني في كثير من الحالات، أو
من خلال الإعانات
إلى إلغاء دور الحوافز التي تؤدي للحفاظ على الموارد المائية. إذ أدّت مجانية
الكهرباء إلى زيادة تشغيل محطات استخراج المياه وانتشار الزراعات الكثيفة المستهلكة
للمياه (مثل إنتشار زراعة قصب السكر في بعض الأقاليم الهندية، وزراعة القطن في
آسيا المركزية).
آسيا المركزية
وفي
مثال آخر للنتائج العكسية من الإعانات، فقد تمّ استخدام جزء من عائدات النفط في
المملكة العربية السعودية لضخ المياه من أحد الخزانات غير المتجدّدة للمياه
الجوفية لزراعة القمح في ثمانينات القرن العشرين، إلاّ أن كلفة إنتاج الطن الواحد من
القمح الذي استخدم في ريه حوالى 3 آلاف متر مكعب من المياه (أي ثلاثة أضعاف المعدَّل العالمي) أدى إلى إرتفاع يوازي 4 أو 6
أضعاف السعر العالمي للطن من هذه المادة.
وأدى إلى تسعير مياه الري بأقل من قيمتها الحقيقية، وأحيانًا بأقل من كلفتها إلى
تهديد استدامتها وإيجاد عقبات أمام الحفاظ عليها. ولا تقف تأثيرات إعانات المياه
التي تقدمها البلدان عند حدودها الوطنية، إذ أن الدول التي تصدر جزءًا
من منتجاتها الزراعية تكون قد صدّرت جزءًا من المياه المستخدمة في عملية
الإنتاج أيضًا. ومن ناحية أخرى، تقوم نظم المحاسبة الوطنية بتسجيل عمليات استخراج
المياه الجوفية، وسحب مياه الأنهار والبحيرات من عناصر نمو الدخل ولكنها
تتجاهل ما يصيب المياه من التدهور أو الاستنفاذ ولا يتم تسجيلها كخسارة وإهلاك
للأصول من الموارد الطبيعية.
2- عدم تكافؤ توزيع المياه. معروف
أن المياه العذبة المتاحة لا توزع توزيعًا عادلاً في بعض مناطق العالم وأقاليمه المختلفة.
فالمناطق الجافة التي تشكل ما يعادل 40% من مساحة اليابسة لا تحظى بأكثر
من 5% من كمية المياه المتاحة في العالم. وفي هذه المناطق تبرز أزمة المياه
على أشدّها. فالموارد المائية شحيحة، والتبّخر شديد إلى حد يجعل الحياة
النباتية والحيوانية تحت رحمة الندرة الشديدة للمياه. وفي هذه المناطق تستخدم
بعض البلدان أكثر من 100% من ثروتها المائية وتستنزف آبارها الجوفية بما
يفوق قدرتها على التجدّد فتلجأ إلى تحلية مياه البحر المرتفعة الكلفة (على سبيل المثال بلدان
الخليج العربي). وبالمقابل، فإن قرابة ربع المعروض عالميًا من المياه العذبة يقع
في بحيرة بايكال في منطقة سيبيريا التي تتسم
بندرة السكان. وتحظى أميركا اللاتينية وحدها بنسبة 31% من موارد المياه العذبة في
العالم، ويقدّر نصيب الفرد من المياه فيها بمقدار 12 ضعف مقارنة بنصيب
الفرد في جنوب آسيا، ناهيك عن وفرة المياه في قارة أوروبا وفي أميركا
الشمالية.
وعلى
صعيد الدول، تحظى بعض الدول مثل البرازيل وكندا وإيسلندا بمعدلات مائية عالية
جدًا للفرد، ويصل فائض المياه العذبة في كل من الدولتين الأخيرتين على
التوالي إلى 90 ألف م3 و500 ألف م3 للفرد أي حوالى 53 ضعف و300 ضعف للمعدّل
العالمي لحاجة الفرد السنوية والذي حدد بـ 1,7 ألف م3، بينما ينخفض معدل المياه في بلدٍ
يعاني من ندرة المياه كاليمن إلى 198 مترًا مكعبًا للفرد. وفي الصين والهند اللتان
أصبحتا بلدان يعانيان من نقص الموارد المائية بفعل النمو الاقتصادي السريع
الذي تعرفانه، لتبرز مشكلة أخرى كبيرة تتمثَّل بسقوط 90% من الأمطار السنوية
خلال مدة زمنية تقل عن 100 ساعة، الأمر الذي يسبّب حدوث أعاصير وكوارث طبيعيّة
وفيضانات كثيفة خلال فترة زمنية قصيرة من العام مع حدوث جفاف طويل في بقية
العام. ويعتمد التوافر الفعلي للمياه في كل المنطقة طوال العام ليس على سقوط
الأمطار وحسب، وإنما على قدرة السعة
التخزينية ودرجة تدفّق الأنهار وتجدّد المياه الجوفية. وتتباين
قدرة البلدان على تخزين المياه بشكل حاد. فبإمكان الولايات المتحدة الأميركية
تخزين 6 آلاف متر مكعبّ من المياه للفرد وأوستراليا 5 آلاف متر مكعب مقارنة
بـ 43 مترًا مكعبًا في أثيوبيا. وتبلغ فترة تخزين نهر كولورادو 1400 يوم
مقابل 30 يومًا تقريبًا لنهر السند.
غير
أن مقارنة أوضاع تخزين المياه في البلدان المختلفة تكشف جانب آخر من جوانب القدرة
على تخفيف المخاطر. فبلدان، مثل: غانا وزامبيا، لديها مستويات مرتفعة للغاية من
مخزون المياه للفرد وهي في الواقع أعلى من مخزون الولايات المتحدة الأميركية
ولكنها تتمتع بقدرة محدودة للتخفيف من مخاطر ضعف الهياكل الأساسية فيها. ولهذا
يجري توجيه الجزء الأكبر من القدرة التخزينية لتوليد الطاقة الكهرومائية بينما
تنخفض فائدة أصحاب الحيازات الصغيرة في القطاع الزراعي إلى الحد الأدنى. ومع
إختلاف قدرة البلدان على التخزين والتخفيف من المخاطر تختلف معدلات استهلاك الفرد
للمياه العذبة، فتصل إلى 1,2 ألف م3 سنويًا في البلدان الصناعية بينما
تنخفض إلى حدود 520 م3 في البلدان النامية، وإلى أقل من 260 م3 في البلدان
الأقل نموًا. كما تبرز فروقات في حصة الأفراد من المياه داخل الدولة الواحدة
أحيانًا، فالفرد
في شمال الصين يحصل على أقل من ربع ما هو متاح للفرد في جنوبها. وفي البرازيل
التي تسجّل معدلات مائية عالية جدًا للفرد يعيش ملايين من السكان في "مضلّع
الجفاف" الضخم وهو عبارة عن منطقة شبه قاحلة تضم تسع ولايات على امتداد نحو
940 ألف كلم2 في الشمال الشرقي للبلاد.
3-
هدر المياه.
وينتج عن سوء استخدام الموارد المائية، وعدم اعتماد الطرق العلمية الصحيحة في الري، ويؤدي
إلى هدر حوالى 50% من المياه المستهلكة. والجزء الأكبر من الهدر يحصل نتيجة لرداءة
أنظمة الري المستخدمة في الزراعة، إذ يضيع أكثر من 60% من مياه الري في بعض
البلدان بسبب اعتماد طرق ري تقليدية (الري بالغمر). كما أن جزءًا من المياه
الموزّعة تتمّ خسارتها بسبب التّسرب وضعف صيانة السدود والأقنية وخزانات المياه.
ولا تقتصر أسباب الهدر على العوامل التقنية وسوء إدارة المياه فحسب، بل
تنتج أحيانًا عن ظروف توفير المياه (خصوصًا مياه الري) بشكل مجاني أو
بأسعار متهاودة الأمر الذي يتيح المجال للإفراط في استهلاكها وضياع جزء كبير
منها.
4- تلوّث المياه. وتعتبر مشكلة
التلوّث من أبرز مشكلات العصر حيث أنها باتت تطال كل المرافق والموارد، إلاّ أننا سنقتصر
حديثنا على تلوُّث المياه الذي تكاد مشكلته، على الرغم من حداثتها النسبية، أن
تتخطَّى في خطورتها مشكلتي الندرة والهدر معًا. فتلوث المياه يؤثّر على الناس في
أنحاء شتىّ من العالم، ولكن أثر التلوث الأكبر على الإنسان يتركَّز في البلدان
النامية وخصوصًا الأكثر فقرًا. فعلى الرغم من التحسُّن الذي طرأ في مجالي
الحصول على المياه الصالحة للإستعمال البشري والصرف الصحي خلال العقدين
الأخيرين من القرن الـ21، فالصورة لم تتعدل كثيرًا. ففي عالم يعيش فيه 2600 مليون نسمة،
غالبيتهم في الدول النامية، دون صرف صحي وينتهي الأمر بفضلات الإنسان إلى
البرك والجداول ومصارف المياه وعلى الأرض المكشوفة. كما يتم تصريف أكثر من 90% من
المياه العادمة في المجاري والأنهار والمياه الساحلية من دون أي معالجة مما
يؤدي إلى خفض مستويات الأوكسيجين المذاب إلى الحد الأدنى. ونتيجة لهذا يحدث التلوث،
وتنتشر الأمراض التي تنقلها المياه ومنها الإسهال والدوسنتاريا والديدان
المعوية والتهاب الكبد في عدد كبير من البلدان النامية. وتؤكد تقارير عديدة
على أن 90% من الأمراض في تلك البلدان سببها تلوث المياه.
ويؤكد
تقرير التنمية البشرية لعام 1998 على أن أشد درجات التلوث خطورة كانت بتلك الفترة
في شرق آسيا وإفريقيا. وذكر المصدر نفسه أن الأنهار الآسيوية إحتوت من البكتيريا الناتجة
عن فضلات الإنسان ما مقداره 50 ضعفًا عن البكتيريا الموجودة في مجاري الأنهار
في البلدان الصناعية، وأن الإسهال والدوسانتاريا كانا يسببّان ما نسبته 20%
من مجموع الأمراض في البلدان النامية. وفي كل عام يؤدي تلوث المياه إلى حوالى
ملياري حالة إسهال ينتج عنها وفاة خمسة ملايين شخص (منهم ثلاثة ملايين طفل). كما أدّت المياه الملوثة في عام 1998 إلى
900 مليون حالة
إصابة بالديدان المعوية و200 مليون حالة إصابة بالبلهارسيا. كما ألحق تلوث المياه
ضررًا بالغًا بمصائد الأسماك، وهي أحد المصادر الرئيسة لرزق الفقراء، إلى حد أن
محاصيلها قد تدنّت بنسبة 40% خلال تسعينات القرن العشرين.
وفي
مجال آخر، ذكر تقرير التنمية البشرية لعام 2006 أن 70% من المياه الموجودة في
خمسة من أكبر شبكات الأنهار السبعة في الصين شديدة التلوُّث حتى أنها لا تصلح
للاستخدام البشري، وأن 14% فقط من مياه الصرف الصحي في أميركا اللاتينية تتّم
معالجتها بينما يتم التخلُّص من الباقي في الأنهار والبحيرات، أو يُترك ليتسرَّب
إلى المياه الجوفية. ويتوّلد عن المواد الطبيعية الموجودة في المياه غير
المعالجة مخاطر تهدد حياة الملايين من البشر. وقد أدى استخدام المياه الجوفية
غير المعالجة إلى تعرض ما يقدّر بحوالى 60 مليون شخص (يعيش أكثر من نصفهم
في بنغلادش) بالتسمّم بمعدن الزرنيخ. كما أظهرت بعض المعلومات أن التسمّم بالفلور
منتشر في ما لا يقل عن 25 بلدًا من بلدان العالم ويطال عشرات ملايين البشر.
5- الإخفاق في إدارة الموارد الميائية. يعد
توفير سبل الحصول على المياه من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في مطلع القرن
الحادي والعشرين. فقد دار جدال واسع منذ سبعينات القرن العشرين حول المزايا النسبية
لكل من القطاعين العام والخاص في إدارة المياه. ورأى البعض أن زيادة مشاركة القطاع
الخاص تُعدُّ وسيلة تلقائية للحصول على خدمات أكثر وأفضل لأن القطاع
الخاص يمكنه توفير المياه بكفاءة أكبر، والحصول على مصادر للتمويل بصورة
أفضل مع ضمان قدر أكبر من المساءلة والشفافية. بينما رأى آخرون أن المياه سلعة
ضرورية وأن الحق الإنساني في الحصول عليها يتناقض بصورة جوهرية مع مبادئ
السوق ولا بد من أن يبقى توفير هذه السلعة محصوراً بالقطاع العام على
الرغم من حالات الإخفاق الكثيرة التي أصابته في هذا المجال. وازدهرت عمليات
خصخصة قطاع المياه في تسعينات القرن العشرين في العديد من البلدان إنسجامًا مع المناخ
العالمي العام الذي كان يدعو إلى إعادة اعتماد الليبرالية الاقتصادية
والحدّ من دور الدولة في الإقتصاد. فهل شكلت الخصخصة حلاً لمشكلة المياه ؟ وهنا نشير
بدايةً إلى أن الخصخصة التامة التي هي عملية بيع وتصفية كاملة للأصول المملوكة
للدولة كانت إجراء نادر الحدوث في قطاع المياه في البلدان النامية، وربما
تعتبر تجربة تشيلي، التي خصخصت قطاع المياه بكفاءة عالية وإداء متميّز، هي
المثل الأبرز في هذا المجال.
وفي
الواقع عقود الامتياز كانت الشكل الأبرز للاستثمارات الخاصة للمياه في البلدان
النامية، حيث كانت بعض الشركات الخاصة الأجنبية والمحلية تتولَّى مسؤولية
تمويل الشبكات وتشغيلها لفترة من الزمن قبل أن تعود ملكيتها للدولة. وقد نجحت بعض
تلك الإمتيازات في رفع مستوى الكفاءة وتقليل الكميات المهدورة وزيادة
إمدادات المياه فضلاً عن تحسين الإيرادات وتوسيع مدى التغطية. ونسجّل في هذا
المجال تجارب ناجحة في العديد من البلدان النامية كالمغرب والفيليبين وجنوب أفريقيا،
بينما أخفقت بالمقابل تجارب أخرى كما في بوليفيا وأندونيسيا والأرجنتين إثر
إنهيار إقتصاد هذه الأخيرة عام 2001. وقد ترتب على إخفاق بعض عقود الإمتيازات إلى
إحجام الشركات الخاصة عن الدخول في أي مشاريع مشابهة جديدة في
البلدان النامية. فالشركات الخاصة عندما كانت تدخل كجهات مزوِّدة للخدمة في أسواق
البلدان المتقدمة، كانت تَرِث الهياكل والبنى التحتية المتطورة نسبيًا (قد
تكون بُنيت بفضل استثمارات عامة سابقة) تمكنّها من الحصول على المياه وتصريفها
في سوق يتميَّز بمتوسط دخل مرتفع نسبيًا، بينما يؤدي وجود هياكل محدودة ومتداعية
وإرتفاع مستويات الفقر في البلدان النامية إلى صعوبة التوفيق
بين الجدوى التجارية وإمكانية توفير المياه للجميع بسعر مقبول. ويُعد التأجير
أحد أشكال الشراكة الشائعة بين القطاعين العام والخاص في البلدان النامية. وعلى هذا
الشكل تعهد الحكومة بعملية إدارة إحدى الخدمات العامة لإحدى الشركات الخاصة
مقابل أجر محدّد يعتمد في معظم الأحيان على كمية المياه التي يتم بيعها
بينما تبقى الأصول مملوكة لشركة قابضة تعمل لمصلحة الحكومة. وتمثّل عقود
الإدارة شكلاً آخر للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي عبارة عن
ترتيبات تقوم بمقتضاها البلدية أو الحكومة بتحويل إدارة المؤسسة العامة إلى القطاع
الخاص مع احتفاظ الدولة بملكية هذه المؤسسة. وبموجب هذا العقد تتقاضى الإدارة
الجديدة بدل أتعاب الإدارة إلا أنّها لا تستفيد من الإداء المالي للمؤسسة
الذي يذهب إلى الدولة. وفي المحصلة كان لبعض برامج الخصخصة في قطاع المياه في
البلدان النامية نتائج إيجابية، لكن الحصيلة
الإجمالية لم تكن مشجعّة حيث ثبت أن الخصخصة ليست عصًا سحرية لتحقيق المساواة
والكفاءة اللازمتين لتأمين المياه للجميع.
إلاّ
أن الإخفاقات التي حصلت في عقود الإمتيازات وغيرها لا تمثل دليلاً كافيًا على
انتفاء دور القطاع الخاص في هذا المجال، إنما تؤكد مدى الحاجة إلى مزيد من التكامل
بين القطاع العام والقطاع الخاص. إذ أنه لا يمكن الاعتماد على القطاع الخاص
وحده في البلدان التي تنخفض فيها معدلات التغطية لسببين:
أولهما،
تمتع قطاع
المياه بالكثير من خصائص الإحتكار الطبيعي، لهذا في حال عدم وجود قوة تنظيمية
قوية لحماية المصلحة العامة من خلال فرض القواعد على الاستثمار والتسعير
فإنه يخشى من حدوث أنواع من الاحتكار.
وثانيهما،
أنه في البلدان التي ترتفع فيها مستويات الفقر
بين قطاعات السكان التي لا تصل إليها خدمات المياه يكون التمويل العام مطلبًا
أساسيًا لزيادة إمكانية الخدمة. كما أن النقاش حول الخصخصة يمكن أن يؤجل أو
يلغي الاهتمام بإصلاح المرافق العامة.
وعلى
العموم، وعلى الرغم من ازدياد عدد الأشخاص الذين يتلقون خدمات المياه من شركات
مياه خاصة إلى 51 مليونًا في عام 1990 وإلى حوالى 300 مليون في عام 2002 فإن شركات
المياه العامة ما زالت تحتفظ لنفسها بنسبة تتجاوز 70% من إجمالي الاستثمارات
عالميًا. وفي البلدان النامية ما زالت الجهات العامة توفر أكثر من 90% من المياه التي يتم
توصيلها من خلال الشبكات، في حين لا تصل نسبة السكان الذين يحصلون على خدمة
المياه أو الصرف الصحي من شركات تابعة للقطاع الخاص بشكل كلي أو جزئي إلى 3%.
واستطاعت
بعض البلدان النامية إحراز تقدم سريع في عملية تزويد المياه من خلال
توافر قيادة سياسية مسؤولة، تضع أهداف قابلة للتحقيق، مع ضمان الاسترداد المستدام
للتكاليف. كما أن مرافق عامة في بلدان نامية أخرى حققّت معايير تشغيل أفضل
من تلك المعمول بها في بلدان متقدمة. وأثبتت تجربتا سنغافورة وبورتو اليغري
في البرازيل خلال العقود الأخيرة أن المرافق العامة حين يتم إصلاحها يمكنها
تحسين أدائها وتوفير المياه بسعر مناسب للجميع من دون تغيير ملكية هذه
المرافق.
إلاّ
أن الصورة العامة لمرافق المياه العامة في البلدان النامية ليست كذلك، فالكثير
من المرافق العامة في هذه البلدان لا تلبي حاجة السواد الأعظم من السكان حيث يجمع
أداؤها بين عدم الكفاءة وعدم الخضوع للمساءلة من جهة، وضعف التمويل وعدم العدالة
في التسعير من جهة أخرى، إذ أن المرافق العامة تكون متهمة بتوفير المياه
بسعر زهيد للميسورين أكثر من اهتمامها بتوفير المياه بسعر مقبول للمعوزين.
ومن الواضح أن ضعف الجهات العامة المزوّدة لخدمات المياه في البلدان النامية يعتبر
جزءًا أساسيًا من المشكلة في مسألة توفير المياه. ومصادر هذا الضعف، وإن تباينت،
فهي تكشف عن وجود أسباب تتكرَّر باستمرار مثل سوء الإدارة وتهالك الهياكل
الأساسية من جراء عدم كفاية الاستثمارات وضعف الصيانة وقصور نظم إعداد الفواتير.
وتؤدي العائدات المنخفضة بدورها إلى حلقة مفرغة من تدهور الأصول وفقدان
المياه وقلّة الإستثمارات إلى جانب المزيد من التدهور في الهياكل الأساسية.
والأسعار
التي يحدّدها القطاع العام تعدُّ جزءًا مهمًا في قضية التمويل لأنها لا
تغطي إلا جزءًا صغيرًا من تكاليف التشغيل. خلافًا لواقع البلدان الغنية
حيث تكون استثمارات المياه وفيرة وتوظف من الاستثمارا العامة وحدها أو من الإستثمار الخاص
الذي تدعمه ضمانات حكومية، وترجع أوجه عدم الكفاءة في قطاعات المياه جزئيًا في
البلدان النامية إلى النقص الكبير في تمويل الشبكات على مدى فترة طويلة من
الزمن. ويبدو أنه من غير الممكن في هذه البلدان اعتماد سياسات تقضي باسترداد نسبة
أكبر من التكاليف من الأسر القادرة على السداد، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تعبئة
العائدات لتمويل عمليات الصيانة وتغطية العجز الناجم عن عدم دفع بعض الأسر
غير القادرة على سداد مستحقاتها المالية. ومن ناحية أخرى، إذا كانت إدارة المياه
داخل حدود الدول على هذه الدرجة من التعقيد فإن إدارة المياه
العابرة للحدود هي أكثر تعقيدًا. فالمياه تعد مصدرًا من مصادر الترابط الإنساني
بين الأمم وأداة للنزاع وحدوث توترات بين الشعوب في أن واحد، لأن المياه تعبر
الحدود الوطنية لدول أخرى تربط بين مستخدميها عبر الحدود أنظمة من الترابط
الهيدرولوجي. واثنين من كل خمسة أشخاص فقط في العالم يعيشون في أحواض
مياه دولية تتشارك فيها أكثر من دولة، وهناك، على سبيل المثال، 9 بلدان تتشارك
في نهر الأمازون و11 بلدًا في نهر النيل، و6 بلدان في نهري سرداريا وأموداريا، و3
بلدان في نهري دجلة والفرات.
ومع
الترابط الهيدرولوجي يأتي ترابط أكثر عمقًا، ناتج عن أن المياه كواحدة من الموارد الانتاجية
تنفرد باستحالة إدارتها لغرض واحد فقط بسبب تدفقها بين مختلف القطاعات والمستخدمين،
وطريقة استخدام أي نهر في البلدان المشاطئة لمنبع النهر سوف تؤثر على كمية وتوقيت
ونوعية المياه التي تصل إلى المستخدمين عند مصب النهر (ككارثة بحر الأورال
على سبيل المثال). وهذا يؤثر أيضًا على خزانات المياه الجوفية والبحيرات.
بحر الأورال اليوم والأمس
والتعاون
الناتج عن إدراة المياه المشتركة يؤدي إلى فوائد كبيرة على صعيد التنمية
البشرية ويخفيف من حدّة الصراعات الناشئة بين الدول المتقدمة خصوصًا في
بلدان الاتحاد الأوروبي. أما في البلدان النامية، وعلى الرغم من وجود بعض حالات
التعاون البنَّاء القليلة كتجربة التعاون بين
البرازيل والأوروغواي على سبيل المثال، فالإدارة غير المتكافئة للمياه العابرة
للحدود أدت إلى زيادة انعدام الأمن المائي، وإلى حدوث كوارث بيئية عالمية كالتقلُّص
الكبير لبحر الأورال وجفاف بحيرة تشاد وغيرها من الكوارث التي أصابت البحيرات
والأنهار المشتركة نتيجة الاستخدام المفرط للمياه كما في بلدان وسط آسيا
وغيرها. كما أن ضعف التعاون والتنسيق بين البلدان المشاطئة للأنهار الدولية يحول
دون الوصول
إلى تفاهمات تخفّف من حدة النزاعات على المياه، أو يزعزع تفاهمات واتفاقات
سبق إقرارها بين تلك الدول.
6- عوامل
تغيّر الُمناخ. الكرة الأرضية مرّت طوال تاريخها
بمراحل تأرجح فيها المناخ بين الفترات الباردة والدافئة، إلاّ أنها عرفت
خلال القرون الأخيرة ارتفاعًا متزايدًا في درجات الحرارة أطلق عليه العلماء
تسمية الاحترار العالمي. وأدت إلى تغيّر المناخ، الذي كان يُعزى في الماضي إلى
عوامل طبيعية عديدة مثل الفروقات المداريّة والتقلبات
الشمسيّة والنشاطات البركانية وبخار الماء والتركيز الجوي للغازات الدفيئة مثل ثاني
أوكسيد الكربون والغازات الدافئة الأخرى، وبات يحدث اليوم بمعدلات أسرع وبأحجام وأنماط
أقوى لا يمكن تفسيرها بالدورات الطبيعية وحسب، بل وباختلاف دورة الاحترار الحاليّة
وهو المعدل السريع الذي تزيد فيه حالات تركيز ثاني أكسيد الكربون، الذي
زادت كمياته الجوية عن عصر ما قبل الصناعة بمعدل الثلث، وهو معدّل لا سابق له
طوال العشرين ألف سنة الأخيرة. وتشير الأدلة المأخوذة من بعض الطبقات
الجليديّة إلى أن التركيزات الحالية من هذا الغاز تتجاوز المعدل الطبيعي للـ
650 ألف سنة الأخيرة من عمر الكون. مع أن دورة الاحترار الحالية ليست فريدة من
ناحية الارتفاع في درجة الحرارة، إلاّ أنها متميّزة في جانب
واحد مهم وهو أن دور البشر في تركيز ثاني أكسيد الكربون، كان سبباً لتغيّر
المناخ وبات أكبر من الماضي بكثير وحتى أنه أكبر من العوامل الطبيعيّة. والجنس
البشري كان يطلق ثاني أكسيد الكربون بمعدلات بسيطة عن طريق الاحتراق والتغيّرات في
استخدام الأرض في فترة امتدت لأكثر من 500 ألف سنة قبل عصر الصناعة، إلاّ أن
استخدام الفحم بدلاً من طاقة المياه في الصناعة منذ
أواسط القرن الثامن عشر، ثم استخدام البترول منذ أوائل
القرن العشرين وبعده الغاز الطبيعي ضاعف معدلات
انبعاث هذا الغاز بمعدلات كبيرة.
وخلال
القرن العشرين أدّت بعض النشاطات البشريّة، وأبرزها ظاهرة البيوت البلاستيكية،
إلى زيادة معدّلات الغازات المتولِّدة، وأبرزها غاز: ثاني أكسيد الكربون،
والميتان، والأوزون، في الغلاف الجوي بنحو 30% عمّا كانت عليه قبل عصر الصناعة،
وأدّى هذا إلى زيادة الاحترار العالمي. وتؤكد بعض التقديرات أن هناك احتمالاً
لأكثر من نسبة 90% بأن يكون معظم الاحترار العالمي الحالي ناتج
عن الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاطات البشرية، ويدل على هذا استمرار ارتفاع
درجة حرارة الأرض خلال العقدين الأخيرين في حين كانت
المخرجات والاشعاعات الكونيّة القادمة من الشمس في طور الانخفاض. وبالفعل ارتفعت
درجة حرارة الأرض على مدى المئة عام الأخيرة بمعدل 0.7 درجة مئويّة. وعلى أساس
المقارنة بين العقود الماضية بلغ الاتجاه الخطي للاحترار العالمي خلال النصف الثاني
من القرن العشرين ضعف الاتجاه الخطي للقرن المذكور بكامله. وربما كانت درجات
الحرارة في النصف الثاني من القرن العشرين هي الأعلى في أي فترة لنصف قرن منذ
1300 عام. كما اعتبرت الإحدى عشرة سنة من أصل السنوات الإثنتي عشرة
الممتدة ما بين عام 1995 وعام 2006 الأكثر حرارة منذ عام 1850، واعتبر
عقد تسعينيات القرن العشرين الاكثر حرارة منذ القرن الرابع عشر. بالإضافة إلى ارتفاع
درجة حرارة الأرض. وتبرز تداعيات التغيُّر المناخي الأخرى من خلال بعض الظواهر مثل:
-
تسارع معدل ذوبان الطبقات الجليديّة في القطبين الشمالي والجنوبي والهضاب
الجبليّة الضخمة؛
-
وإلى ارتفاع منسوب المياه في البحار؛
-
وإلى انخفاض جريان المياه السطحية ومنسوب مياه الخزانات الجوفية؛
- وإلى
زيادة درجة التبخر وانتشار الجفاف خصوصًا في المناطق الجافة مما ساعد على
تصحرها؛
-
وإلى حصول ظواهر مناخيّة شاذة؛ وغيرها من الظواهر.
وشكّل
بروز الظواهر المشار اليها أعلاه خلال العقدين الأخيرين، وما رافقها من هزّات
وزلازل وموجات تسونامي، تحذيرًا قويًا للبشريّة جمعاء من الخطر المحدق بالبشرية،
وأمنها المائي إن لم يتمكَّن العالم من وقف التزايد المتسارع في درجة حرارة
الأرض.
رابعًا:
آفاق تطوّر مشكلة إختلال الأمن المائي في مطلع القرن الحادي والعشرين أصبحت كمسألة
لانعدام الأمن المائي، وتمثّل تهديدًا فعليًا لمستقبل التنمية
البشرية بالنسبة لقطاع واسع ومتزايد من البشر، لأن العوامل والظروف التي سببت
هذا الإختلال آخذ في التزايد والتفاقم. وعلى صعيد زيادة السكان، من المتوقع أن يصل
تعداد سكان العالم إلى حوالى 8 مليارات نسمة بحدود العام 2025 إذا استمّرت معدلات
الزيادة الحالية للسكان، ومن بينها سترتفع نسبة سكان البلدان النامية
من 79% إلى 82%. وتشير التوقّعات إلى أن عدد سكان العالم سيصبح بحدود
9,5 مليار نسمة عام 2050، منهم 8 مليارات في البلدان النامية. وتتطلَّب
تغذية هذا العدد المتوقّع من البشر، الذي يزيد بحوالى 2,4 مليار نسمة عن
العدد الحالي، إلى مستوى كافٍ يعادل ثلاثة أمثال الوحدات الحرارية التي تُستهلك الآن
أي ما يعادل 10 مليارات طن من الحبوب سنويًا.
ولإنتاج
هذا القدر من الحبوب يتعيّن زراعة كل أراضي المحاصيل الزراعية الموجودة في العالم
حاليًا بمعدل
إنتاجية يعادل ثلاثة أمثال متوسط معدل الإنتاج العالمي الحالي. وسيؤدي هذا إلى استمرار وتزايد
عملية استبدال الزراعات التقليدية ولا سيما البعلية منها بأخرى مرويَّة
تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه. وباتت نسبة عدد سكان المدن إلى إجمالي سكان
العالم، التي كانت قد ارتفعت من 2% من سنة 1800 إلى 37% في عام
1970، بينما تزيد في وقتنا الحاضر عن 50%. ونسبة سكان المدن في البلدان النامية
التي لم تكن تصل إلى 31% عام 1985 (مقابل 75% في البلدان المتقدمة) ومن
المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 57% عام 2025. ومن المعروف أنّه مع نمو ثروة العالم
وتقدّم معدلات التصنيع وتحسّن مستويات المعيشة يزيد استخدام كل فردٍ للمياه
بسرعة تفوق زيادة السكان. وسيترتب عن زيادة السكان ونمو سكان المدن في البلدان
النامية نتيجتان اثنتان هما:
أولهما:
أن البلدان النامية ستشهد تزايدًا في عمليات إستجرار المياه ومن المتوقع أن
تزيد في عام 2025 بنسبة 27% عمّا كانت عليه في أواسط تسعينيات القرن العشرين،
بينما ستشهد البلدان المتقدمة استقرارًا نسبيًا في معدلات الإستجرار أو بعض
الانخفاض أحيانًا.
والنتيجة
الثانية: أنه ستحدث عملية إعادة توزيع المياه لتتحوّل من التركيز على أغراض
الزراعة إلى الصناعة واستخدام البلديات. وتشير التوقّعات إلى أن عام 2025 سيشهد
انخفاضًا ثابتًا في معدلات استخدام المياه لري الأراضي على مستوى العالم ككل.
وإذا أخذنا بعين الإعتبار أنّ معظم البلدان المجهدة مائيًا، وأكثرها من البلدان
النامية، يشهد معدلات نمو سكاني مرتفع جداً لوجدنا أن نصيب الفرد من
المياه في هذه البلدان، وخصوصًا القاحلة منها، سيتناقص بمعدلات سريعة.
وإذا
ما تخيّلنا استمرار المعدّلات الحالية في زيادة السكان فسيعاني حوالى 5 مليارات
نسمة عام 2025 من نقص المياه. وسيكون من بينهم ما يزيد عن 3 مليارات نسمة في بلدان مجهدة
مائيًا وسيهبط 14 بلدًا من درجة الاجهاد المائي إلى درجة الندرة المائية.
وبحلول عام 2080 يمكن أن يزيد عدد الذين يعيشون في بيئة تندر فيها
المياه بنحو 1,8 مليار شخص إضافي. وسوف يشكّل تزايد عدد السكان والنمو السريع في
أعداد سكان المدن في البلدان النامية عبئًا
ثقيلاً على موارد المياه. فالتدفقات الطبيعية التي تأتي من الأنهار والمياه المخزنّة
في البحيرات، وفي خزانات المياه الجوفية ستحدد معايير توافر المياه. لأن
التدفقات المستقبلية من المياه سوف تكون ثابتة بشكل أو بآخر، بينما
الإستهلاك الزائد سيؤدي إلى استنزاف الموارد المائية وتراكم الديون الهيدرولوجية التي لا
يمكن سدادها. وفي الواقع، تعاني بعض البلدان النامية من أزمة ديون هيدرولوجية تراكمت عبر
عدة عقود مضت. ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الأزمة في المدى المنظور حدة ونطاقاً، إذ
بلغت درجة من الحدة تبدو معها البيئة وكأنها بلغت حدًا من عدم
القدرة على تقديم أية خدمات بفعل تراكم الديون المائية. وينعكس الإجهاد المائي على
الإجهاد البيئي الذي يتمثّل بجفاف عشرات الأنهار (النهر الأصفر في الصين مثلاً)، وتقلّص العديد من البحار الداخلية
والبحيرات (كبحر الأورال، وبحيرة
تشاد وغيرهما)، وتناقص مناسيب المياه الجوفية. ففي الهند مثلاً سينخفض مستوى المياه
الجوفية بأكثر من متر كل عام الأمر الذي يهدّد الإنتاج الزراعي مستقبلاً.
ولا
يخفى ما لبعض الحلول والأجراءات التي اعتمدتها بعض البلدان النامية بهدف تعزيز
إمدادات المياه مثل تحويل مجاري الأنهار، وتشييد السدود والبحيرات، وإزالة
ملوحة مياه البحر المرتفعة التكاليف، من تأثيرات سلبية على البيئة والمناخ
والتنوّع البيولوجي حيث يصار إلى استخدام مياه السدود والبحيرات للشرب بعد
معالجتها في وقت تهمل فيه الينابيع الطبيعية وثروات المياه الجوفية وتتلوَّث
نتيجة تسرّب مياه الصرف الصحي وبقايا الترسبات الكيميائية المستخدمة في الزراعة.
كما أدّى إنشاء السدود العملاقة إلى نزوح ما بين 60 و80 مليون شخص من أماكن سكنهم
خلال الخمسين سنة الأخيرة دون أن يحصل كثيرون منهم على تعويض عادل. كما
تسبّبت الكثير من السدود بأضرار اجتماعية وبيئية بالغة أبرزها ترسّب الطمي وارتفاع
ملوحة التربة والقضاء على الغابات، بالإضافة إلى طمر بعض الأراضي الزراعية
الخصبة في الأودية بينما يجري التوجه إلى استصلاح الأراضي نصف القاحلة لتحويلها إلى
أراضٍ زراعية. كما أدّت عملية إزالة الغابات والحرائق إلى القضاء على ثلث مساحة
الغابات التي كانت موجودة على سطح الأرض وأحدثت تغييرات جوهرية على المساحات
الباقية مما أدى إلى زيادة تغيّر المناخ وتناقص إمدادات المياه وحصول فيضانات
تعقبها سنوات من الجفاف. ومن المتوقّع أن تؤدي التغييرات البيئية وتغيّر
المناخ إلى حصول تأثيرات سلبية على صحة الإنسان واتساع إنتشار التصحّر وارتفاع
درجة تلوث المياه بمعدلات كبيرة.
1-
سيناريو عوامل تغيّر المناخ. يحدث الإحترار العالمي
بالفعل منذ بداية الحقبة الصناعية، وقد أدَّت النشاطات البشرية المختلفة
في القرن العشرين إلى زيادة معدل انبعاث الغازات الدفيئة وارتفاع درجة حرارة
الأرض بمعدلات متسارعة خصوصًا في العقدين الأخيرين من القرن المذكور. ولا يوجد
حدٌّ دقيق يفصل بين تغيّر المناخ الخطير والآمن، إلاّ أن علماء المناخ يُجمعون
على تحديد حافة الخطر بارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل درجتين مئويتين عمّا
كانت عليه في بداية عصر الصناعة. لهذا تمّخض عن مؤتمر قمة الأرض الذي
انعقد في مدينة ريو دي جانيرو عام 1992، إلى عقد إتفاقية إطارية حول تغيّر المناخ
أرست المبدأ الداعي إلى تثبيت نسبة الغازات المنبعثة من ظاهرة البيوت البلاستيكية
عند مستويات تحول دون تأثير الإنسان على المناخ. وتمّ تشجيع البلدان المتقدمة
على بذل الجهود الممكنة كافة لتثبيت نسبة انبعاثات الغازات بحلول العام
2000 عند المستويات المسجلّة عام 1990. نتيجة القناعة بوجود دليل علمي قاطع يربط
بين الارتفاع في درجة الحرارة والزيادة في تركيز غازات
الدفيئة، وقضى بروتوكول كيوتو حول المناخ عام 1997 (والذي وضع موضع التنفيذ عام 2005) بضرروة الحد بنسبة 2,5% سنويًا
من انبعاثات
ثاني أوكسيد الكربون ابتداءً من عام 1990 وحتى الأعوام الممتدة من عام 2010 وحتى
عام 2012. إلاّ أن الانبعاثات الإجمالية العالمية للغاز المشار إليه إستمرت في
الارتفاع ولم
يحد منها إلاّ الركود الإقتصادي الذي حصل في بعض البلدان في عقد تسعينيات
القرن العشرين قبل أن تعاود الارتفاع والتسارع بعد عام 1999 بسبب النمو الاقتصادي السريع
في بعض الاقتصادات الناشئة خصوصًا في الصين والهند.
كما
أن بعض الدول الصناعية وقّعت على البروتوكول ولكنها لم تصدّق على المعاهدة التي
تم إبرامها في حينه (الولايات المتحدة الأميركية، وأستراليا)، والبعض الآخر لم يلتزم
كفاية بمضمون الاتفاقية. كما أنه لم يتم اتخاذ سوى القليل من التعديلات على سياسات
الطاقة المعتمدة في البلدان الصناعية، ولم يتم توفير الدعم اللازم لاعتماد
تكنولوجيا الطاقة النظيفة. وفي كانون الأول/ديسمبر عام 2009 أفضت قمة كوبنهاغن للمناخ
إلى خيبة أمل
كبيرة حيث لم يحقق الاتفاق الذي خرجت به القمة الأهداف المطلوبة لتقليص انبعاثات
الغازات الدفيئة في المدى القريب، كما فشل في تحديد جدول زمني للتوصل إلى
اتفاق ملزم حاليًا أو في نهاية عام 2010 أي في قمة المناخ المقررّة في مكسيكو.
وتوقَّع تقرير حديث لوكالة رويترز أن تكون انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون قد ازدادت في
العامين 2008 و2009 على الرغم من الركود الاقتصادي، ومقابل انخفاض هذه
الانبعاثات في الدول الصناعية الغربية بمعدل 2,2% عام 2008، وربما بمعدل أكبر في عام 2009 جعلها أدنى بـ 6,7% عمّا كانت عليه عام
1990، وإزدادت الانبعاثات في دول أخرى عديدة مثل روسيا (بمعدل 1,9%) والصين والهند وغيرها.
في
وقتنا الراهن، وقبل سنتين اثنتين من انتهاء العمل بمضمون بروتوكول كيوتو بين
تقرير حديث صادر عن معهد الأرصاد الجوية الأميركي أن الأرض شهدت عام 2010، أعلى
معدل درجات حرارة لشهر آذار/مارس منذ بدء تسجيل بيانات الأرصاد الجوية عام 1880.
ويؤكِّد التقرير أن معدّل درجات حرارة الأرض والمحيطات في آذار/مارس 2010
وصل إلى مستوى قياسي بلغ 13,5 درجة أي بإرتفاع قدره 0,77 درجة من معدّل
القرن العشرين لهذه الفترة من العام، بينما بلغ معدّل درجة حرارة الأرض
والمحيطات في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2010 مقدار 13 درجة مئوية. وما
ورد في التقرير يؤكد أنّ مناخ الكرة الأرضية (اليابسة والمحيطات) قد اقترب
من المرحلة الحرجة لتغير المناخ الخطر الذي يؤدي إلى دمار بيئي يصعب تجنبه
وإلى انتكاسات سريعة في التنمية البشرية تهدد مصير البشرية وأمنها المائي.
2-
أعراض تغيّر المناخ. يعتبر تغيّر المناخ من
التهديدات الرئيسة لتوافر الأمن المائي في البلدان النامية. وإذا كان احتساب
التوقيت الدقيق ومدى حدّة تهديد المناخ هو خارج قدرة الإنسان على التنبؤ،
إلاّ أن احتمال وقوعه ليس بعيدًا عن الواقع، بل وبات وشيكًا، إذ يتوقَّع معظم
علماء المناخ أنّ درجة حرارة الكرة الأرضية تتجه إلى بلوغ المرحلة الحرجة عند
ارتفاعها بمعدل درجتين مئويتين عما كانت عليه في بداية الحقبة الصناعية.
ويؤكد بعض العلماء أنّ درجة حرارة كوكب الأرض ستزداد بمعدل أكبر تبلغ 3 أو
4 درجات وربما 5 درجات مئوية قبل نهاية القرن الحادي والعشرين الأمر الذي
يؤدي إلى دمار إيكولوجي واسع في حال استمرار الأسباب المؤدية إلى ذلك. ومن
المعروف أن حجم الضرر الذي يمكن أن يحدثه تغير المناخ على البيئة والإنسان
وأمنه المائي سيسلك خطًا بيانيًا تصاعديًا بعد حافة المرحلة الحرجة، غير
أننا سوف نحاول رصد الأعراض الأولية التي يمكن حصولها في حال وصولنا إلى مرحلة
المناخ الخطر مع التأكيد على أنه لا يمكن رؤية الوجه الإنساني لتغير المناخ
وأعراضه والتأثيرات الناتجة عنه بمعزل عن التأثيرات الأخرى (غير المناخية).
كما أن هناك تأثيرات مناخية أخرى ستستجد في المستقبل وستعد سببًا رئيسًا للمعاناة
الانسانية والفقر وانعدام الفرص. وممّا لا شك فيه أن أعراض التغير المناخي
والتأثيرات الناتجة عنها ستترك آثارها على الانسانية بأكملها وأن ما يصيب البلدان
النامية سيكون أكثر حدة. ويُمكن إيراد هذه الأعراض
على النحو الآتي:
أ-
تصاعد حدوث الكوارث المناخية. تعتبر الكوارث المناخية القاسية مصدرًا للقلق
المتزايد في أنحاء العالم. فخلال العقود الأخيرة ارتفع عدد الأشخاص الذين تأثروا
بالكوارث المناخية بشكل كبير حيث بلغ عدد الكوارث
المبلغ عنها بين عامي 2000 و2004 نحو 326 كارثة مناخية كل عام، أثرت
على حوالى 262 مليون نسمة، أي أكثر من ضعفي العدد المبلغ عنه في النصف
الأول من ثمانينيات القرن العشرين. وأشار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث
للمناخ الذي اختتم أعماله في جنيف يوم 4/9/2009 إلى أن الكوارث الطبيعية كلفت
العالم عام 2008 وحده 269 مليار دولار. مع أن الكوارث المناخية ليست محصورة في
البلدان النامية وحسب، إلا أنها نتجت عن ارتفاع عدد سكان البلدان
النامية، وارتفاع معدلات الكثافة السكانية في بعضها، وضعف الهياكل الأساسية لحصر
المياه، وضعف القدرة على التنبؤ بحصول الكوارث،لتتأثر الأغلبية الساحقة من السكان
بهذه الكوارث.
ب-
زيادة الإجهاد المائي. سيكون لتغير المناخ نتائج
حاسمة بالنسبة لتوفير المياه في البلدان النامية. وتؤكد توقعات الفريق
الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن هطول الأمطار سيتزايد على خطوط
العرض العليا في العقود القادمة، بينما سينخفض على خطوط العرض شبه الاستوائية وهو
ما يعد استكمالاً لنمط الجفاف الحالي في بعض مناطق جنوب الكرة الأرضية.
ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الاحترار فوق المعدل العالمي إلى موجة جفاف واسعة في المناطق الإفريقية
جنوب الصحراء الكبرى، وفي مناطق واسعة من شرق آسيا وجنوبها وبعض مناطق
أميركا الجنوبية.
ومن
جهة أخرى، ذكر تقرير حديث شاركت في وضعه ثلاث منظمات هندسية بريطانية أن كمية
المياه المستخدمة لانتاج المواد الغذائية والسلع التي تستوردها الدول المتقدمة
من الدول النامية تزيد من حدة أزمة المياه في الدول النامية. كما ذكر التقرير أن
ثلثي المياه المستخدمة لصنع المستوردات البريطانية يأتي من خارج حدودها، وأن الطلب
العالمي على الغذاء والطاقة سيزداد بنسبة 50% عندما يتجاوز عدد سكان الأرض
8 مليارات نسمة، فيما ترتفع الحاجة إلى المياه العذبة بنسبة 30%. ويضيف أن الماء
"المضمر" أي كمية المياه المستخدمة لزرع المكونات وإجراء مجمل العمليات
لصنع فنجانًا من القهوة على سبيل المثال تصل إلى 140 ليترًا من الماء المضمر، ويحتوي
قميص (تي شيرت) القطني على نحو ألفي ليتر من الماء. ومن المعلوم أن نبتتي البن والقطن
اللتان تحتاجان لكميات كبيرة من مياه الري تنتشران بشكل واسع في دول الجنوب.
ج- عوامل
ذوبان الطبقات الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي. أدى
ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض إلى تسارع ذوبان الطبقات الجليدية في القطبين
الشمالي والجنوبي. وما يشهده العالم من تغيير في الأنظمة الإيكولوجية يؤكد
على أن تغير المناخ لم يعد تهديدًا مستقبليًا محتملاً بل وشيك الوقوع، إذ ارتفعت
درجة الحرارة السطحية خلال الخمسين سنة الأخيرة في المناطق الممتدة من آلاسكا إلى
سيبيريا بنسبة 3.6 درجة مئويّة أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي. وانخفض الغطاء
الثلجي بمقدار 10% على مدى الثلاثين عامًا الأخيرة بينما انخفض الغطاء الجليدي
البحري بنسبة تتراوح ما بين 15% و20%.
ومن المتوقع أن يزيد متوسط درجات الحرارة السطحية بمقدار 3 درجات مئوية أخرى بحلول
عام 2050 مع انخفاضات درامية لجليد البحار الصيفي. مع الإشارة إلى
أن الطبقات الجليدية على الهضاب الجبلية الضخمة على اليابسة كالهيملايا والأنديز
وغيرهما آخذة في الذوبان أيضًا، وذكر أن الطبقات الجليدية في الهيمالايا تتراجع بمعدل من
10 إلى 15 مترًا سنويًا، وهذا سيؤدي إلى تهديد الأمن المائي في وسط آسيا وشمال
الصين والجزء الشمالي من جنوب آسيا كما هي الحال في معظم دول أميركا الجنوبية.
د- عوامل
تقلص الأنهار الجليدية. يشكل ذوبان الأنهار
الجليدية تهديدات فعلية لأكثر من 40% من سكان العالم معظمهم في البلدان النامية. وهذه
الأنهار تذوب بالفعل وبمعدلات متسارعة، ومن غير المحتمل أن يتراجع هذا الاتجاه خلال
العقدين أو الثلاثة القادمة. وهناك الآلاف منها يقع على مساحة 2400 كلم2
منها في الهيملايا وحدها، و2500 كلم2 في الأنديز. وتعد هذه الأنهار مجمعات
واسعة تحفظ فيها المياه بصورة ثلوج وجليد خلال الشتاء ويتم إطلاقها في الصيف
ليتم الحفاظ على الأنظمة النهرية من خلال التدفق البطيء للمياه التي هي شريان
الحياة للأنظمة البيئية والزراعية الواسعة. وذوبان الجليد سيؤدي إلى تدفقات مائية
ضخمة في بعض السنوات يعقبها جفاف طويل يطال مئات الأنهار والبحيرات
الداخلية مما يشكل استنزافًا للموارد المائية في أجزاء واسعة من العالم يقع معظمها
في البلدان النامية. ومع ذوبان الجليد إن استمر بالمعدلات الحالية فإن ثلثي
أنهار الصين الجليدية، مثلاً، ستختفي بحدود عام 2060، وكلها بحلول عام 2100. وفي المحصلة، فإن الجفاف كالفيضانات
والأعاصير كلها تؤدي إلى استنزاف مصادر حياة الناس. والقلة المفرطة، كما
الزيادة المفرطة، في المياه تعتبر سببًا في معظم الكوارث الطبيعية وانعدام
الأمن المائي. وتجدر الاشارة إلى أن الأنهار الجليدية الاستوائية تتراجع أيضًا
بدرجة أكبر من تلك التي في الهيملايا. وتشير عمليات المسح التي أجراها
بعض الجيولوجيين بأن معدل تراجع الأنهار الجليدية في أميركا اللاتينية يتزايد
(خصوصًا في البيرو وبوليفيا وكولومبيا والإكوادور).
ومن
المعروف أن المساحة السطحية للأنهار الجليدية في البيرو قد تناقصت منذ سبعينيات
القرن الماضي بنسبة تتراوح من 20% إلى 30%. وتوقع بحث أجراه البنك الدولي،
أن العديد من الأنهار الجليدية الأكثر انخفاضًا في سلسلة جبال الأنديز ستكون
مادة لكتب التاريخ خلال عقد واحد فقط. وسيؤدي ذوبان الجليد إلى تكون بحيرات
جليدية أكبر ستؤدي هي بدورها إلى تزايد خطر حصول فيضانات وانهيارات أرضية
وانزلاقات طينية وانهيارات للسدود. والإشارات واضحة بالفعل، فالعديد من الأحواض
التي تغذيها الأنهار الجليدية شهدت زيادة كبيرة في جريان المياه خلال السنوات
الأخيرة وهو ما أدى إلى عمليات انجراف تربة واسعة حصلت خلال الفترة الأخيرة
في كل من البيرو وتشيلي. وهنا لابد من القول أنه مع انحسار الأنهار الجليدية يجري
استنفاذ مخزون المياه في العالم على نطاق
واسع. فالسكان الريفيون في معظم مناطق وسط آسيا، وجنوب آسيا، وأميركا
اللاتينية، الذين يقدر عددهم باكثر من ملياري نسمة يعتمدون في تأمين
سبل معيشتهم على وجود الأنهار الجليدية.
هـ-
عوامل ارتفاع مناسيب البحار وظواهر الطقس الشاذة. وسيكون
ارتفاع مناسيب البحار من اقوى المحدّدات لأمن المياه بالنسبة إلى قطاع عريض
من سكان العالم في القرن الحادي والعشرين. فمستويات منسوب البحار ستواصل ارتفاعها
في القرن الحالي بفعل استمرار التغير المناخي الناتج بشكل أساسي عن الاحترار
العالمي. وسيؤدي التفكك المتسارع للغلاف الجليدي للقطاع الغربي من القطب
الجنوبي إلى مضاعفة الارتفاع في منسوب سطح البحار بمقدار خمسة أضعاف أعلى
من السقف الذي حدده الفريق الحكومي الدولي المعني بتأثير المناخ. وسينتج عنه
تاثيرات عديدة على ما يقرب من مليار نسمة من سكان البلدان النامية وبأشكال مختلفة
منها:
-
إغراق بعض السواحل بمياه البحر؛
- وتسرب
المياه المالحة
إلى الأراضي الزراعية الساحلية مما يؤدي إلى إرتفاع نسبة ملوحة التربة؛
- ونقص شديد
في المياه العذبة؛
-
ونقص في كميات الأمطار وانحصارها في فترة زمنية اقصر؛
- وازدياد
سرعة تبخير المياه من اليابسة مما يؤدي إلى وصول كميات أقل من مياه الأمطار
إلى الأنهار؛
- وإعادة
توطين سكان السواحل المهددة بالغرق؛
- وغرق
بعض الجزر
في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي (جزر المالديف .... وغيرها).
ومن
ناحية أخرى، من المرجح أن تصبح الأعاصير المدارية والرعدية أكثر حدة مع زيادة
حرارة المحيطات التي امتصت أكثر من 80% من الحرارة المتزايدة المتولدة من
جراء الاحترار العالمي وسوف تكثر ظواهر القحط والفيضانات والعواصف القوية
التي تنتشر في أجزاء واسعة من العالم. ومع زيادة الحرارة بأكثر من درجتين
مئويتين ستكون البحار الأكثر حرارة مصدرًا لعواصف استوائية أكثر عنفًا.
و- عوامل
تراجع الانتاج الزراعي. خلافًا للمتوقع بالنسبة
للبلدان المتقدمة الواقعة بأكثريتها في الجزء الشمالي من اليابسة والتي
ستنال مقادير أكبر من مياه الأمطار، ومن محاصيل الحبوب، فإن انعدام الأمن
المائي في البلدان النامية سيؤدي في الغالب إلى نقص كميات المياه واضطراب توقيت
التدفقات المائية إلى تراجع كبير في مناسيب المياه الجوفية مما يعرض الانتاج
الزراعي والانتاجية الزراعية إلى أضرار بالغة. وهذا يزيد من اعتماد البلدان
النامية على واردات الأغذية وخاصة الحبوب من الدول المتقدمة.
ز- ظواهر
انهيار الانظمة الايكولوجية. مع تزايد معدلات ارتفاع درجات
الحرارة بما يتجاوز الـ 2 درجة مئوية ستصبح أعداد أكبر من الكائنات الحية معرضة
للانقراض. وستعاني أنظمة الشعاب المرجانية التي تعاني من التدهور بالفعل، من
انكماش واسع يؤدي إلى تغير الإيكولوجيات البحرية مع خسائر كبيرة في نظام التنوع
الحيوي. وهو ما سيؤثر على مئات الملايين من البشر الذين يعتمدون على صيد
الأسماك في معيشتهم وتغذيتهم.
ح- عوامل
إزياد المخاطر الصحيّة. سيؤثر تغير المناخ على صحة
البشر بعدة مستويات، إلاّ أن حجم التأثير في البلدان النامية وخصوصًا
الأكثر فقرًا سيكون أكبر ومن المتوقع تفشي بعض الأمراض الناتجة عن نقص
المياه وسوء التغذية. وتقدر أوساط الأمم المتحدة أن عددًا إضافيًا من البشر يتراوح
عددهم ما بين الـ 220 والـ 400 مليون نسمة سيكون معرضًا لخطر الإصابة بمرض
الملاريا.
خامسًا:
إمكانيات التخفيف من إختلال الأمن المائي في البلدان النامية، على الرغم من الصورة
غير المتفائلة التي قدمها البحث إلا أننا نرى أنه ما زال بالإمكان عمل الكثير
للحوؤل دون تفاقم الاختلال المائي في البلدان النامية وتجنب المخاطر الهائلة التي
يمكن أن تواجه الأجيال القادمة. فالعالم لا يعاني حتى الآن من نفاذ المياه كما
سبق وأشرنا، إلا أن هناك العديد من البلدان أصبحت تعاني من نفاذ الوقت لحل
مشاكلها، فبعضها يعاني من نقص المياه والبعض الآخر يشكو من الإجهاد المائي، وثالثهم
وصل إلى مرحلة ندرة المياه. وإختلال الأمن المائي هو من التهديدات التي شاركنا
كبشر في صنعها، وفي وسعنا أن نختار بين مواجهة هذا
التهديد ومحوه من الوجود أو تخفيفه والحد منه على الأقل، أو أن ندعه على حاله
فيتزايد ويتحول إلى حالة انعدام الأمن المائي والذي يحدث دمارًا واسعًا لمقومات حياة
البشر والكائنات الحية الأخرى ووجودها. ولمواجهة هذه التهديدات متعددة الأشكال
والمستويات والأساليب، هناك ما هو شخصي يمكن أن نقوم به كأفراد، بتغيير
نظرتنا إلى المياه لنعتبرها موردًا أيلاً للنضوب فنحافظ على استدامتها
من خلال تغيير أنماط استهلاكنا لها. ومنها ما هو وطني يرتبط بالخطط الوطنية
التي تعتمدها المجتمعات وحكومات البلدان. ومنها ما هو دولي يتطلَّب تعاونًا
دوليًا صادقًا وفعالاً وملزمًا كالتعاون من أجل الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد
الكربون وغيره من الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب
الأرض.
الجهود
المطلوبة على المستوى الوطني. تتمثل نقطة البدء في
محاولة الوصول إلى معالجات ضرورية للتعامل مع المياه باعتبارها موردًا نادرًا أي
بافتراض أسوأ الاحتمالات والعمل على أساسه. كما أن اعتماد مفهوم الإدارة السليمة
المتكاملة للمياه التي تنظم استهلاك موارد المياه في إطار الحدود
البيئية لتوافرها مع تأمين وصولها إلى الجميع بأكبر قدر ممكن من المساواة في الفرص، وهذا
يشكل المدخل العملي لنجاح هذه المعالجات. لأن أي خطة وطنية يتم اعتمادها لمعالجة
مشكلة اختلال الأمن المائي في بلدٍ نامٍ، على الرغم من التباين
في الظروف البلدان العالم، إلا أنه يجب أن تنطلق من إعتماد السياسات الآتية:
أ-
ضرورة إعتماد إستراتيجية وطنية لتنظم عملية استخدام المياه.
بما يتناسب مع مدى توفرها ومع حاجات الاستدامة البيئية ويتطلب
تحقيق هذا الهدف قدرًا كبيرًا من المعلومات حول مصادر الموارد المائية المتاحة
والكامنة. كما يتطلب إعتماد سياسات في التوزيع تأخذ بعين الإعتبار أن العنصر
البيئي هو عنصر هام جداً في استخدام المياه.
ب-
ضرورة خفض الإعانات وإعادة النظر في سياسات تسعير المياه.
بعض سياسات الدعم التي تم اعتمادها في بعض البلدان لا تتناسب مع مبادئ الجدوى
الاقتصادية الوطنية وأثبتت عقمها، ولهذا لا بد من إلغاء كل أشكال الدعم
الذي تقدمه الدولة للأفراد لاستخراج المياه عبر تخفيض أسعار الكهرباء أو
غير ذلك، كما لا يمكن استمرار التعامل مع المياه باعتبارها سلعة مجانية. لذا لا بد
من اعتماد استراتيجية لتحديد الأسعار تعكس القيمة الحقيقية للمياه في الدولة
على ضوء درجة توافرها.
ج-
ضرورة الحد من عمليات سوء إستخدام المياه وتلوّثها. إنطلاقًا
من مبدأ أن ما يصيب المياه من استنفاذ وتلوث وتدهور هو إهلاك لهذا المورد الطبيعي الذي
يجب تسجيله في خانة الخصوم في نظم المحاسبة الوطنية في الدولة، لهذا يجب إجبار
الصناعات الملوثة للبيئة على إزالة ما أحدثته في البيئة من تلوث وتغريم من يقوم
بتلويثها. واعتماد سياسة حكومية صارمة في هذا الشأن تحد من استهلاك المياه
وتدفع الشركات للبحث عن تكنولوجيات تحدّ من تلويث المصادر المائية.
د-
ضرورة تنظيم عملية إستخراج المياه الجوفية. تعتبر المياه الجوفية موردًا
بيئيًا استراتيجيًا احتياطيًا يفترض استعماله عند تدهور مصادر المياه الأخرى،
لهذا يجب الحفاظ على هذا المصدر المائي لاستخدامه في الظروف القاهرة، وتنظيم
استخدامه من خلال عملية مراجعة وطنية على معدلات إعادة تغذية مخزون المياه
الجوفية واستخراج كميات منها.
هـ-
أهمية زيادة الوعي البيئي في أوساط السكان. تشكل
المياه والأراضي الرطبة والنظم الأخرى القائمة على المياه بيئة مثالية لنمو
الخيرات الاقتصادية والتنّوع البيئي الحي الضروري لاستمرار حياة البشرية. ويشكل
الحفاظ على الغابات الموجودة والقيام بعمليات تشجير جديدة مدخلاً لإحياء
البيئة وتجددها وللحفاظ على مصادر الثروة المائية. لذا لا بد من انتهاج
سياسة بيئية توجيهية تهدف إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها. وعلى بعض البلدان
النامية، أو التي قطعت شوطًا مهمًا من النمو وأصبحت تسمى اقتصادات متنامية، وبنت
صناعات وطنية خاصة بها أو استقبلت صناعات ثقيلة ملوثة صدرتها إليها
الدول المتقدمة في إطار نزع الصناعات غير النظيفة التي اعتمدتها هذه الأخيرة
... سيكون عليها واجب بذل جهود أكبر للحفاظ على البيئة فيها. وما تجربة الصين
والهند إلا خير دليل على ذلك حيث باتت عشرات الأنهار ملوثة تمامًا وأخرى
قد جفت ولم تعد تصل مياهها إلى البحر.
و-
ضرورة تعزيز عرض إمدادات المياه. سيكون على بعض
البلدان النامية تعزيز جانب عرض إمدادات المياه بغية كسر حدة اختلال المعادلة حاليًا
لجانب الطلب سواء بأساليب تقليدية مثل تحويل بعض الأنهار، واستحداث بعض
الأقنية ... وغير ذلك، أو بالإعتماد على أساليب غير تقليدية مثل تحلية مياه البحار
وإعادة تدوير المياه المستعملة ومنها مياه الصرف. وقد تجد بعض البلدان أنه من
الأفضل لها استيراد بعض السلع الزراعية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه.
فتكون بذلك قد استوردت المياه مع السلع التي تتضمنها من بلدان أخرى قد تكون مصادر
المياه فيها أكثر وفرة.
ز- ضرورة
خفض الطلب على المياه. يعتبر خفض الطلب على
المياه من الأساليب الضرورية لكسر حدة اختلال الأمن المائي، ويكون ذلك من خلال
استبعاد بعض الصناعات المستنزفة لطاقة المياه والتخفيف من استعمال الأسمدة
الكيمياوية في الزراعة التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، واعتماد أساليب
حديثة في الري (مثل الري بالتنقيط) والاتجاه نحو الزراعات العضوية كون حاجتها
من المياه أقل، ولو أن مردودها أقل نسبيًا من حيث كميات الانتاج
إلا أنه لا بد من التوقف عند ملاحظتين إثنتين:
الأولى:
هي بأنّ قيمة التقنيات التي تستخدم في الزراعة العضوية أقل بينما يعتبر مردودها
المالي على صعيد الوحدة المنتجة أعلى.
والثانية:
هي بأن كميات من المنتجات الزراعية المنتجة وفق
الأساليب التقليدية في البلدان النامية تتعرض إلى الكساد ويتم إتلافها أحيانًا بسبب
عدم وجود أسواق للتصريف. ومع إتلاف هذه المنتجات يتم إتلاف كميات المياه التي
استخدمت في إنتاجها.
ح –
أهمية تطوير الهياكل الأساسية للمياه. تعتبر
عملية تنمية الهياكل الأساسية لتخزين المياه والحد من الفيضانات ركيزة حيوية
للتحكم بالمياه، بالإضافة إلى أن وجود هياكل تخزين صغيرة يتمتع بأهمية كبيرة
بسبب أمنها وقربها من المستهلكن.
ط- أهمية
تنظيم النمو السكاني. على الرغم من أن بعض
البلدان النامية ما تزال منخفضة الكثافة السكانية نسبيًا إلا أنه بات من الضروري الحد من
الزيادة السكانية التي باتت تضغط على الموارد المائية والموارد الطبيعية الأخرى.
آسيا المركزية والشرق
الأوسط
الواقع المؤلم للأمن المائي في بعض مناطق العالم. نرى أن الواقع يظهر نواحي
مظلمة وخطيرة جداً في أنحاء واسعة من عالمنا المعاصر، ومن ضمنها الشرق الأوسط،
وآسيا المركزية التي اتجهت فيها بعض دول المنطقة لبناء سدود ضخمة ومحطات كهرومائية
دون مراعاة الآثار الكارثية الناتجة عن جفاف بحر الأورال في آسيا المركزية مثلاً، إذ على شواطئ أكبر أنهار آسيا المركزية أموداريا، الذي
تشكل نتيجة لاندماج نهري بيانج، ووحش، ويعتبر الشريان المائي الرئيسي في المنطقة
التي يعيش فيها نحو 25 مليون نسمة. دشنت القيادة الطاجكستانية العمل في تشييد
"قصر النور" محطة روغين لتوليد الطاقة الكهرومائية.
سد ومحطة روغين لتوليد الطاقة الكهرومائية
وطرح مشروع بناء محطة توليد طاقة كهرومائية ضخمة هناك
للمرة الأولى عام 1959. وأشارت لجنة الخبراء الحكومية آنذاك إلى ضرورة إجراء دراسات
جادة، لأنه يخطط بناءه سد بارتفاع 335 متراً في مكان واقع بمنطقة معرضة لهزات
أرضية تبلغ قوتها 9 درجات. وأنه من الملاحظ خلال المائة سنة الأخيرة حدوث أكثر من
عشرين هزة أرضية في آسيا المركزية بلغت قوتها ما بين الـ 9 والـ 10 درجات، وأكثرها
كانت في موضع بناء سد روغين. ومع ذلك تجاهل الجانب الطاجيكي تماماً خطر تشييد محطة
ضخمة لتوليد الطاقة، يمكن أن يؤدي بناءها إلى نتائج كارثية، تثير قلق جيرانها أسفل
مجرى النهر.
وقرار بدء بناء السد اتخذ عام 1987. وكان الهدف الرئيسي
من تشييد محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في آسيا المركزية خلال عهد السوفييتي
السابق من أجل تنظيم نظم ري الأراضي المستصلحة الجديدة. وكان على سد روغين بالدرجة
الأولى توفير نصف المياه اللازمة للأراضي المستصلحة في أسفل مجرى نهر أموداريا.
ولكن الذي حدث أن الطبيعة نفسها أوقفت إنشاء محطة توليد الطاقة تلك. وفي عام 1993
جرفت السيول العارمة ودمرت تماماً السد البالغ إرتفاعه آنذاك 50 متراً. وأحدثت
تشققات، وأغرقت بالمياه النفق، وقاعة الآلات بالكامل. وفي وقت لاحق أدت بقايا السد
لعواقب كارثية ضخمة. حيث اكتشفت نواقص كثيرة في صالة الآلات وفي المنشآت تحت
الأرضية. وأثناء الكشف عن هذا القسم من المجمع اكتشف المتخصصون، أنه قد ركبت فقط
30% من المراسي، والسحابات، التي يحتاجها البناء، لتوفير أمن السد.
وتحدث المتخصصون آنذاك عن الأوضاع الكارثية الضخمة التي
حدثت على عمق 35 متراً تحت سطح أرض قاعة الآلات، وكيف اختلطت الجدران ببعضها البعض،
وهذا يعني أن الأرضية انهارت. وإذا كان هذا الإختلاط يشكل 20 سنتيمتر، فالآن وبسبب
الأخطاء التقنية ارتفع هذا الرقم بمعدل 3 مرات. ووفق رأي العلماء، بناء بحيرة
الماء تلك مستقبلاً سيزيد من عملية التفاعلات الفيزيائية الكيماوية الجارية تحت
الأرض وستؤدي إلى جرف شواطئ البحيرة وإلى حدوث طوفان مريع في الأراضي المجاورة.
ووفقاً لتقييمات الخبراء، كميات المياه المتدفقة في حال انهيار السد ستبلغ مليارات
الأطنان خلال 30 ثانية وستصل بسرعة إلى محطة نوريك لتوليد الطاقة الكهرومائية.
وبعد 25 دقيقة لا أكثر ستندفع كميات ضخمة من مياه سد نوريك إلى الأسفل غامرة مدينة
نوريك. وخلال ساعة ستزيل الكميات الضخمة من المياه والأوساخ والطين بسرعة كبيرة
محطتي توليد الطاقة الكهرمائية في سانغودينسك. لتبقى المدن الطاجيكية: ساربون،
وكورغانتيوبه، وجلال الدين رومي، تحت طبقة من المياه تبلغ عشرات الأمتار.
ووفق تقديرات
المنظمات الدولية، في حال حدوث الكارثة ستغمر المياه 700 منطقة سكنية، وعشرات
المدن الكبيرة، وستدمر عشرات المنشآت الضخمة. وبالإضافة لذلك هناك عشرات الأسباب
الأخرى تنفي أية منافع من بناء محطات ضخمة
لتوليد الطاقة الكهرمائية على الأنهار العابرة للحدود المشتركة من النواحي
البيئية. ووفق ما أكده الخبراء، في حال تشغيل محطة روغين لتوليد الطاقة
الكهرومائية ضمن نظام الطاقة، وهو ما صرح به القادة الطاجكستانيون، سيكون من الصعب
وصول مياه أموداريا إلى بحر الأورال الآخذ بالجفاف، الأمر الذي سيزيد من حدة
الكارثة البيئية الحادة في المنطقة. وبالتالي ستتحول الأراضي الواقعة في أسفل مجرى
النهر تدريجياً إلى صحاري. وستتحول الأراضي الصالحة للزراعة خلال فصل الشتاء إلى
مستنقعات مغمورة بالمياه بسبب التدفق الكبير للمياه. ويذكر أنه خلال شتاء عام 1993
أطلقت قرغيزستان وحدها كمية مياه من سد توكتوغول إلى مجرى نهر أرانصاي بلغت 9
كيلومترات مكعبة، ونتيجتها غرق أكثر من 120 ألف هكتار من المراعي، والكثير من
مناطق الراحة، والآبار، وغيرها من المنشآت المائية في الدول المجاورة.
ويتوقع الخبراء أن إنشاء محطة روغين لتوليد الطاقة
الكهرومائية سيؤدي إلى وقف نشاطات المحميات الطبيعية الحكومية، ومزارع تربية
الأسماك في حوض نهر أموداريا بالكامل. خاصة وأنه بسبب انخفاض مستوى مياه النهر في
الأونة الأخيرة نشأت تهديدات تهدد بانقراض عالم النباتات والغابات الكثيفة على شواطئه،
والقضاء على تكاثر الحيوانات النادرة.
وضمن هذه الظروف تجاهلت القيادة الطاجيكية أيضاً مقترحات
المنظمات الدولية التي تحدثت عن فوائد بناء محطات صغيرة ومتوسطة لتوليد الطاقة
الكهرومائية في طاجكستان (من الموارد، المخصصة لبناء محطة روغين لتوليد الطاقة
الكهرومائية، إذ يمكن خلال فترات قصيرة بناء أكثر من عشرين محطة صغيرة ومتوسطة
لتوليد الطاقة الكهرومائية)، واستمرت في بناء محطة روغين، وهذا التصرف يشير إلى
أنه هناك خلفيات سياسية وراء بناء محطة توليد الطاقة الكهرومائية كشكل من أشكال ممارسة
الضغوط السياسية على الدول الواقعة في أسفل مجرى نهر أموداريا. وثبت هذا خلال عامي
2001 و2002 عندما أحدثت طاجكستان عجز مصطنع للمياه في أسفل مجرى النهر. وتعمدت
حينها تخفيض كمية تصريف المياه من محطة توليد الطاقة الكهرومائية، مما أدى إلى
فقدان تركمانستان وأوزبكستان أكثر من نصف كمية المياه المخصصة لهما من الموارد
المائية. وأدى ذلك لخلق صعوبات كبيرة أمام المزارعين سببت لهم خسائر كبيرة في
المحاصيل الزراعية.
سد اتاتورك في تركيا
وخلال
السنوات الماضية، برزت توقعات أكاديمية تربط بين قضية المياه في المنطقة العربية،
ومستقبل الاستقرار السياسي والمجتمع في دول المنطقة، خاصة أن أغلب المناطق العربية
تعاني من ندرة المياه، نظراً لوقوعها في مناطق جافة وشبه جافة في الكرة الأرضية،
فضلا عن الآثار المحتملة للتغيرات المناخية على دول المنطقة. ومن ثم، افترضت
العديد من المراجع أن استمرار أنماط الاستهلاك الحالية في العالم العربي، مع نقص
كمية المياه، وتراجع نوعيتها نحو الأسوأ سيقود إلى احتدام المنافسة والصراع حول
المياه، وما يتصل به من أزمات اجتماعية حادة. وبهذا الصدد، تناول سكوت جرين وود،
في دراسة نشرها في دورية سياسة الشرق الأوسط (صيف 2014) تحت عنوان "الخطر
المائي وتغير المناخ والحكم في العالم العربي" التداعيات المحتملة لأزمة
المياه على الأوضاع القائمة في الدول العربية. وانطلق الكاتب من دراسة أجراها على
الأردن كنموذج للدول العربية التي تعاني من فقر مائي ملحوظ، ووصل إلي نتائج
ومعطيات قابلة للتطبيق في غيرها من الدول العربية، لاسيما مع تشابه الأنساق
السياسية والاجتماعية في هذه الدول. وجاء فيها:
نهر الأردن
قضية
المياه وشرعية الحكم: استند النظام الحاكم في
الأردن عبر عقود، لترسيخ شرعيته إلى شبكة من العلاقات والولاءآت التقليدية مع
مجموعة من النخب السياسية، والفئات الإجتماعية والاقتصادية المؤثرة في تركيبة
المجتمع، ووجد النظام في هذه الشبكة ما يمكن أن يحقق الاستقرار في المجتمع، ويوفر
ضمانة حقيقية لديمومة نمط الحكم القائم، ويقوض أية محاولات تهدد شرعيته. وأشار جرين
وود إلى أن أحد العناصر الجوهرية التي اعتمد عليها هذا التحالف (بين النظام
الحاكم والنخب والفئات الموالية له) هو توفير الأراضي الزراعية بأسعار زهيدة،
والمياه اللازمة للري وعمليات الزراعة. واستُخدمت هذه الاستراتيجية إلى جانب
المعاملة بالأفضيلية التي يحظي بها القاطنون (خاصة المنتمين للقبائل الرئيسية)
بالضفة الشرقية للأردن، وجرى منحهم امتيازات عديدة، من ضمنها وظائف حكومية،
والمشاركة في القوات المسلحة، وأدت هذه الاستراتيجية إلى خلق قاعدة قوية للنظام
الحاكم في المناطق الريفية.
وأرجعت
الدراسة الأهمية التي تحتلتها المياه في المعادلة السياسية الأردنية إلى عقد
الخمسينيات من القرن الماضي، حينما شجعت الحكومة سكان المناطق الريفية على التوسع
في الزراعة، وقامت بتأسيس هيئات حكومية لتعزيز هذه التوجهات الحكومية. وكان من
أولى الهيئات التي إهتمت بهذا الغرض هيئة قناة الغور الشرقية، التي أسست عام 1959
لتنفيذ خطط التنمية الريفية بمنطقة وادي الأردن، وهو ما أدى إلى ازدهار الزراعة،
وتعزيز التنمية الاقتصادية بوادي الأردن. ولكن هذه التنمية شهدت تراجعا منذ اندلاع
حرب عام 1967 واستمر هذا التراجع حتى عام 1970، وطمحت الحكومة الأردنية في هذا
العام استعادة معدلات التنمية السابقة، وبالفعل تمكنت من تطوير قطاع الزراعة
بالمنطقة.
ومع
تسارع وتيرة التنمية الزراعية خلال السنوات التالية، باتت فكرة "الأمن
المائي" مهددة بصورة كبيرة. فمن جانب، كانت الاستثمارات في قطاع الزراعة تتم
بصورة غير منظمة، مما أدى إلى استنزاف شديد لمصادر المياه. ومن جانب آخر، افتقدت
الدولة القدرة على إدارة ملف المياه بالفاعلية المطلوبة. وفي حين عجزت الدولة عن
فرض قيود على استخراج المياه الجوفية، ترسخت لدى المزارعين قناعة بأن المياه
هي "مورد مجاني" لا يتعين إخضاعه لأية إجراءات تنظيميه حكومية. ولهذا شكل
المزارعون وجماعات المصالح كتلة للضغط على السلطة الحاكمة، وتجلت ملامح تأثيراتها
إبان إصدار الحكومة اللائحة 85 لسنة 2002، الهادفة للحد من استهلاك المياه
الجوفية، وتدخلت تلك الكتلة (المزارعون وجماعات المصالح) لتحديد محتوى هذه
اللائحة، وكيفية تطبيقها مع ما يتواءم مع مصالحها الذاتية. وأضاف جرين وود
أن المأزق الذي تمر به الأردن (وغيرها من الدول العربية) لا يقتصر على تراجع
الموارد المائية المتاحة، ولكنه ينطوي على بعد خارجي أيضاً يتمثل بالتغيرات
المناخية، وتأثيراتها السلبية المحتملة، حيث أشارت بعض التقديرات إلى أن مناطق
شمال ووسط الأردن ستشهد ارتفاعاً بمتوسط درجات الحرارة السنوية يتراوح ما بين الـ
3,2 والـ 3,8 درجة مئوية مع انخفاض معدل الأمطار السنوية بنسبة تتراوح ما بين الـ
10 والـ 40%.
التحديات
الرئيسية. وافترضت الدراسة أن التغيرات المناخية،
وتعاظم معضلة الأمن المائي (في ظل الاستنزاف الشديد للموارد المائية) سيشكلان
تهديداً للروابط والعلاقات التي أسستها القيادات العربية الحاكمة على مدى عقود
طويلة مع الفئات الإجتماعية الرئيسية مثل المزارعين والقبائل، وحتي مستهلكي المياه
في المناطق الحضرية. وفي هذا السياق، استعرضت الدراسة أربعة تحديات رئيسية تواجه
الأردن وغيرها من الدول العربية، على أساس أنها نماذج شبه متماثلة، وهي:
أولاً)
القدرة على تطوير استراتيجية أكثر تكاملاً وكفاءة لإدارة الموارد المائية
واستخداماتها في قطاع الزراعة، لأن السياسات التي تبنتها الحكومة الأردنية تجاه
ملف المياه طوال عقود دلت على مأزق إدارى، وتضاؤل قدرة الدولة على فرض القيود
والتنظيمات الضرورية للحفاظ على معدلات الاستهلاك الرشيدة للمياه، ومن ثم صارت
موارد المياه تعاني من الإستنزاف الشديد.
تركيا تنشأ بحيرات عظيمة
وذكر
جرين وود أن هذه الإشكالية تتكرر في دول عربية أخرى، منها سوريا، فقد تبني
حزب البعث العربي الإشتراكي الحاكم سياسة الاكتفاء الذاتي، وقام بدعم زراعة محاصيل
كثيفة الاستهلاك للمياه مثل القطن، بالإضافة إلى الدعم الذى قدمته الدولة للمحاصيل
الغذائية الاستراتيجية مثل: القمح، والشعير. وكانت محصلة هذه السياسات غير المنظمة
أن المزارعين اتجهوا إلي زيادة الإنتاج بصورة كبيرة تتجاوز إمكانات الموارد
المائية المتاحة في الدولة.
ثانياً)
تراجعت قدرة الدولة على تنفيذ القوانين وهي إحدى السمات السائدة في العالم العربي،
وهي ظاهرة تبدو معقدة ومتشابكة من الناحية التحليلية، وهى مرتبطة بجوهر الأنساق
الاجتماعية والأطر الفكرية الحاكمة. وفي خضم التحولات التى مرت بها الدول العربية،
خلال العقود الماضية، ظهرت جملة من المفاهيم كالمحسوبية والمقربين من السلطة، وهذه
المنظومة المفاهيمية كانت في الكثير من الأحيان تمثل حاضنة الفساد والبيروقراطية،
فضلاً عن تساهل الدولة في مواجهة أصحاب النفوذ الذين يمارسون الضغط لتحقيق مصالحهم،
والاستثناء من القوانين. ودلل الكاتب على هذه الفكرة من خلال استعراضه للواقع
الأردني، حيث تتدخل جماعات المصالح للضغط على السلطة الحاكمة، كى تُستثني من بعض
القوانين واللوائح الناظمة لاستخدام المياه.
ثالثاً)
من المحتمل أن تكرس مشكلة ندرة المياه، وتداعيات التغيرات المناخية "في
ثنائية الريف والحضر" وتزايدها في المجتمعات العربية، بحيث ينطوى السياق الإجتماعي
على صراعات ضمنية بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية، ويكون الصراع في هذا
الإطار متمحورا حول توزيع الموارد المائية. ومن المتوقع زديادة الطلب الإجمالي على
المياه في الدول العربية الأعضاء باللجنة الاقتصادية والاجتماعية في غرب
آسيا (الاسكوا) ليصل إلى 248 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025، بزيادة تُقدر
بنسبة 50% عن كمية المياه المستخدمة فعلاً عام 2000. وأشارت الإحصاءات إلى أنه من
المتوقع أن ينمو الطلب على المياه المستخدمة للأغراض المنزلية بمعدل أكبر من الطلب
على المياه لقطاع الزراعة بزيادة 118% مقابل 28%، وبالتوزاى سيتزايد تعداد السكان
مع تركز أغلب هذه الزيادة في المراكز الحضرية.
وأوضحت
الدراسة أن تلك المعطيات يمكن أن تفضي إلى توترات مجتمعية تتجلي بثلاثة ملامح:
أولها أن
المزارعين الذين يعتمدون على المياه لري الأراضي لن يتقبلوا أية محاولات لإعادة
توزيع المياه، تنقص من حصتهم لمصلحة المناطق الحضرية، وهو ما سيؤدي إلى توتر
العلاقات بين المزارعين وملاك الأراضي من جهة، والسلطة الحاكمة من جهة أخري.
والملمح
الثاني، يتصل بالرؤية التي تشكلت لدى نسبة يعتد بها من
المواطنين في المناطق الريفية، من أن السلطة الحاكمة تعمل لحساب مجموعة من رجال
الأعمال والنخب، وتسعي لتحقيق مصالحهم ورفاهيتهم، ولو كان ذلك على حساب سكان
المناطق الريفية. وفي هذا السياق، بدأت بالظهور حالة من الاستياء في صفوف المزارعين
الأردنيين، لأنهم رأوا أن الدولة تسمح للأثرياء المقيمين في عمان ببناء المسابح
الخاصة بهم، في حين يطلب من المزارعين ضرورة تخفيض استهلاكهم للمياه.
والملمح
الثالث والأخير يتجه نحو المقارنة التي أجرتها الدولة
بين الزراعة والقطاعات الأخرى من زاوية المنفعة الاقتصادية، وهى مقارنة تضغط على
النظم الحاكمة لإعادة توزيع استخدامات المياه على حساب قطاع الزراعة، وذلك على ضوء
تناقص إسهام قطاع الزراعة في الاقتصاد الكلى للدول العربية، وإسهامه في الناتج
المحلي الإجمالي، والعمالة، مقارنة بالقطاع الصناعي والقطاع الخدمي القائمين بصورة
أساسية في المناطق الحضرية. وهكذا، تبدو الحكومات معرضة لضغوط تدفعها لتخصيص
المزيد من المياه للمناطق الحضرية (حيث تتركز الصناعات والخدمات).
رابعاً)
أزمة المياه يمكن أن تشكل مدخلا ومحفزا لعدم الاستقرار في المجتمعات العربية، فثمة
توجه أكاديمي يربط بين ندرة الموارد الطبيعية، وحدوث الصراعات العنيفة. وهنا، تذهب
بعض التحليلات إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للاضطرابات والفوضى الأهلية التي بدأت
في المناطق الريفية السورية، مثل درعا ودير الزور عام 2011، كانتا بسبب الجفاف
الشديد الذى تعرضت له سورية خلال الفترة الممتدة من عام 2006 وحتى عام 2010، وما
ترتب عنه من آثار سلبية على المزارعين وملاك الأراضي، وعجزت الدولة عن معالجتها.
وخلصت
الدراسة، إلى أن القضية هي بمنزلة متوالية تبدأ من سوء إدارة الموارد المائية، تؤدي
إلى تراجع أرباح قطاع الزراعة، لتتزايد معه الهجرة من المناطق الريفية إلى المراكز
الحضرية، ليبحث المهاجرون الجدد عن وظائف من الصعب الحصول عليها، فتتزايد معدلات
البطالة. كما أن هذه الهجرة الداخلية تمثل ضغطا على المرافق والخدمات الأساسية
بالمراكز بالحضرية. وهنا، تبدو السلطة الحاكمة عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية
للمواطنين بصورة تؤدي إلى تنامى الاستياء، والإحباط بين المواطنين، وصولاً إلى
مزيد من الاحتجاجات، وحالة من عدم الاستقرار.
السدود التركية على نهر الدجلة
وهنا
لابد من الإشارة للسياسة الإسرائيلية المتبعة منذ قيام دولة إسرائيل في مجال المياه والتي
تفاقمت منذ عام 1967 بعد إحتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية وأدت إلى حرمان الأردن
والمناطق الفلسطينية المحتلة من مياه الري وحتى مياه الشرب من خلال مشاريعها
الخاصة في مجال توفير المياه اللازمة لها على حساب الدول المجاورة، وقضية إنحسار
مساحة البحر الميت. والإشارة إلى السياسة المائية التركية التي حرمت سورية من مجرى
مياه نهر القويق منذ نحو القرن، ومشاريع بناء السدود الضخمة على مجرى نهري الدجلة
والفرات وروافدهما التي تنبع من الأراضي التركية دون مراعاة حصة سورية والعراق من
المياه، والإشارة إلى دور المؤسسات المالية الدولية التي تمنح القروض لتحقيق مثل
تلك المشاريع دون مراعاة مصالح الدول التي تجري مياه النهرين عبر أراضيهما حتى
المصب كما تنص المعاهدات الدولية حول المياه الجارية عبر الحدود المشتركة، حتى
أنها باتت تبدوا وكأنها تساعد على خلق المشاكل والتوترات بين دول الجوار المشتركة
معاً بالمجاري المائية السطحية العابرة للحدود. وكلها تحتاج لدراسات منفصلة شاملة.
للمزيد
يمكن مطالعة:
هل يتسبب سيحون وجيحون في
اندلاع حرب في آسيا الوسطى ؟. نشرت بتاريخ 8/1/2015 على الرابط: http://muhammad-2010.blogspot.com/2015/01/blog-post_8.html
العلاقات
الارتباطية بين الفقر المائي وشرعية الأنظمة بالشرق الأوسط. نشر بتاريخ 18/8/2014
على الرابط: http://bukharimailru.blogspot.com/2014/08/blog-post_18.html
محطة روغين لتوليد الطاقة الكهرومائية هي
قصر أم نهاية العالم. نشر بتاريخ 30/6/2014 على الرابط: http://bukharimailru.blogspot.com/2014/06/blog-post_30.html
مشروع
جر المياه السيبيرية إلى آسيا المركزية 18/8/2009 http://bukharimailru.blogspot.com/2009/08/blog-post_18.html
من
أجل مواجهة مشاكل شح المياه في دول آسيا المركزية 23/8/2009 http://bukharimailru.blogspot.com/2009/08/blog-post_8998.html
مشاكل
تعاني منها منطقة بحر الأورال 23/8/2009 http://bukharimailru.blogspot.com/2009/08/blog-post_5009.html
بحث أعده أ.د. محمد
البخاري، دكتوراه في العلوم السياسية (DC)
تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور
العولمة، ودكتوراه فلسفة في الأدب (PhD)،
تخصص صحافة، بروفيسور متقاعد. طشقند 20/1/2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق