الخميس، 27 أغسطس 2009

الذكرى الألفية لأكاديمية المأمون الخوارزمية

الذكرى الألفية لأكاديمية المأمون الخوارزمية



بقلم: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب، PhD اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.

يطلق الباحثون الأوزبك على الفترة الممتدة من القرن التاسع وحتى القرن الحادي عشر اسم عصر "النهضة الإسلامية" ، ويؤكدون رأيهم هذا بالتقليد الذي كان متبعاً لدى الحكام في العالم الإسلامي آنذاك عن طريق جمعهم لكبار العلماء، ورجالات العلم في قصورهم، لمناقشة أمور الدين والدنيا التي كانوا يعتبرونها من أهم الأمور في سياسة الدول التي يحكمونها. وتشير المراجع التاريخية الأوزبكية لما جرى خلال الفترة الممتدة من عام 1004 وحتى عام 1017 في عاصمة خوارزم شاه "الجرجانية" حيث تفرغ جمع غفير من العلماء للبحث العلمي في قصر أبو العباس مأمون بن مأمون الذين يشيرون إليه اليوم باسم أكاديمية المأمون الخوارزمية. ويعتبرون أن سبب انطفاء شمعة تلك الأكاديمية كان الاحتلال الأجنبي لتلك المنطقة خلال فترات متباعدة وكان آخرها الاحتلال الروسي.


ويركزون على عودة ذلك الصرح العلمي الكبير إلى الحياة بعد استقلال جمهورية أوزبكستان عندما أصدر رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف عام 1997 قراراً ببعث أكاديمية المأمون الخوارزمية بخيوة إلى الحياة والتي سرعان ما تطورت حتى أصبحت خطوة صحيحة على طريق بعث وتطوير العلوم والثقافة القومية للشعب الأوزبكي. ورغم أنه لم يمض أكثر من تسع سنوات على بعثها من جديد في بناء أثري بمركز مدينة خيوة العريقة حتى أصبحت واحدة من مراكز البحث العلمي الهامة في أوزبكستان.


وهو ما أشار إليه نائب رئيس أكاديمية المأمون الخوارزمية كريم جان سافاروف عندما قال "أن عشرات العاملين في أكاديمية المأمون الخوارزمية يعملون اليوم على دراسة واستنباط طرق جديدة لتحسين المحاصيل الزراعية ونضجها السريع، وتشمل أنواعاً من فول الصويا، والفلفل، والبندورة، والفاصولياء، والفستق السوداني، وغيرها من المحاصيل الزراعية القادرة على مقاومة الآفات الزراعية في الظروف الجوية بشمال أوزبكستان، وإلى مشاركة خبراء من المركز الدولي لزراعة الخضار (تايوان) في تلك الجهود. وإلى إقامة بساتين للتجارب الزراعية لإنتاج النباتات الطبية التي تنتج منها اليوم الشركة المساهمة "أورغينيتش" المركب الدوائي "خيوة" المؤلف من 20 نبتة طبية.
وأضاف أنها سارعت من الأيام الأولى لإقامة علاقات علمية في مجالات الأبحاث البيولوجية والزراعية وللتنقيب عن الآثار مع مراكز البحث العلمي في روسيا، وقازاقستان، وإيطاليا، وألمانيا. وأن لها علاقات تعاون علمي مع جامعة السوربون الفرنسية، وجامعة كيونخي الكورية الجنوبية، في مجالات التاريخ، والتنقيب عن الآثار، والسلالات السكانية، والتكنولوجيا البيولوجية، بالإضافة إلى تطور علاقات التعاون مع المكتبة الوطنية الفرنسية في مجال دراسة المخطوطات القديمة النادرة خاصة وأن مكتبتها تضم أكثر من 16600 عنوان كتاب، ومركز إلكتروني حديث للمعلوماتية، ومتحف لحفظ المخطوطات القيمة والنادرة.
[1] ولم تتوقف الأكاديمية عند هذا الحد بل تستمر بالجهود للبحث عن فرص لإقامة علاقات تعاون مع المؤسسات العلمية في دول وسط آسيا، والقوقاز، وجمهورية كوريا".

جاء هذا أثناء استعراض سافاروف للاستعدادات الكبيرة التي جرت لعقد مؤتمر علمي دولي بمدينتي أورغينتش وخيوة. بمشاركة اليونسكو ضمن الاحتفالات بمناسبة الذكرى الألفية لتأسيس "أكاديمية المأمون الخوارزمية".
[2]

وجرت تلك الاحتفالات مؤخراً بمشاركة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف، بالقرب من مباني أكاديمية المأمون الخوارزمية وألقى كلمة هنأ فيها المشاركين في الاحتفال ومن خلالهم كل سكان خوارزم، وكل الشعب الأوزبكي بمناسبة الذكرى الألفية لأكاديمية المأمون.


ونقل المندوب الدائم لمنظمة اليونسكو في أوزبكستان مايكل باري لين تهنئة المدير العام للمنظمة كويتشيرو ماتسورا للشعب الأوزبكي، التي قيم فيها دور مهد العلوم العريق وأشار فيها لأهمية أكاديمية المأمون بالنسبة للحضارة الإنسانية.


وتعتبر المراجع أن خوارزم كانت مهداً للحضارة القديمة التي وضع فيها مخطوط الأثر الفريد "افيستة"، وأن منها خرج مفكرون عظام من بينهم محمد الخوارزمي، وأبو ريحان البيروني، ونجم الدين كوبرو، ومحمود الزمخشري، وبهلوان محمود، وآغاحي. وهنا لابد من الإشارة للمناسبات المشابهة التي جرى الاحتفال بها في خوارزم ومن بينها ذكرى مرور 2500 على تأسيس مدينة خيوة، وذكرى مرور 800 عاماً على ميلاد جلال الدين مانغوبيردي، وبناء أضرحة الخوارزمي، وأبو ريحان البيروني.


وتشير المراجع التاريخية إلى فترة الهدوء والاستقرار التي تمتعت بها خوارزم خلال الفترة الممتدة من نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر حيث ازدهرت في عاصمتها آنذاك "غورغينتشي" التجارة والعلوم. وعند تولي أبو العباس مأمون بن مأمون السلطة في خوارزم شاه حظي العلماء باهتمام كبير وأخذوا يجتمعون في قصره الذي ضم آنذاك عشرات العلماء برعايته يقدم لهم السبل الكفيلة بمتابعة أبحاثهم العلمية، ولهذا أطلق عليه آنذاك اسم قصر العلوم حيث تطورت أبحاث في العلوم الفلكية، والرياضية، والطبية، والكيميائية، والجغرافية، والتاريخية، والفلسفية، والفقهية، واللغوية، وعلوم المعادن وغيرها من العلوم آنذاك.


أما اليوم فيعد الباحثون في أكاديمية المأمون الخوارزمية مشاريع علمية تبحث في مواضيع استخدام الأراضي والثروة المائية، وخفض ملوحة الأرض وزيادة المحاصيل الزراعية، وتحسين البيئة، بالإضافة لدراسات التركيبة الإثنية للمنطقة.


والأكاديمية مزودة اليوم بمعدات حديثة، ومخابر علمية من بينها مخبر البحوث الفيزيائية والكيميائية الذي يوفر فرصة دراسة الخصائص الفيزيائية والكيميائية للأرض، والمياه، والنباتات، وتحديد نسبة العناصر الدقيقة التي تحويها المواد الخاضعة للتحليل وخاصة العناصر الضارة فيها. ومعدات فريدة جديدة لأبحاث تكنولوجيا الجينات التي تساعد على إجراء التحليلات لتحديد الجينات والخصائص الفيزيائية لمختلف المواد، بما فيها تحديد نسبة أمراض النباتات، والحيوانات، والبشر.


وتملك الأكاديمية قاعدة للتجارب يستخدمها بنجاح علماء وطلاب جامعة أورغينيتش الحكومية، وفرع أكاديمية طشقند الطبية، وجامعة طشقند لتكنولوجيا المعلوماتية. ويجري فيها حالياً أبحاث لمنع انتشار الحشرات الضارة، ودراسة خصائص الأرض، وفاعلية المواد البيولوجية، وخبرات الحصول على الملونات النباتية.


وتضم مدينة خيوة العريقة الممتدة على ضفاف نهر أموداريا منطقة "إيتشان قلعة" الأثرية التي أدرجت في قائمة التراث الإنساني القيم لليونسكو في عام 1990. بالإضافة لآثار تاريخية فريدة تشمل ضريح سعيد علاء الدين، ومجموعة بهلوان محمود، وكوهنا أرك، وكوشك آق شيخ بوبو، ومدرسة محمد أمين خان، والله قل خان، وإسلام خوجة، وكوتلوغ مراد إينوك، التي لم تزل تدهش الناظرين إليها حتى اليوم.
ومن ضمن الاحتفالات التي جرت بمناسبة الذكرى الألفية لأكاديمية المأمون الخوارزمية جرى في مباني "إيتشان قلعة" الأثرية مؤتمر علمي تطبيقي دولي ناقش دور أكاديمية المأمون الخوارزمية في تطوير العلوم العالمية، شارك فيها علماء قدموا من أجل ذلك من روسيا، وألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وبلجيكا، واليابان، ولوحظ غياب الدول العربية والإسلامية عنه وهو ما يثير التساؤل، وكان من أهم المحاضرات المقدمة للمؤتمر محاضرة للدكتور في العلوم التاريخية أ. أحميدوف عن دور خوارزم في تاريخ تطور العلوم والثقافة في وسط آسيا، والشرق الأوسط، خلال النصف الأول من القرن التاسع. والعالم الفرنسي مارك بانيل عن أهمية ودور أكاديمية المأمون الخوارزمية في العلاقات الثقافية بين الشعوب. والبروفيسور الياباني تورو خوريكاوا عن المشروع الدولي الياباني الأوزبكي لدراسة وثائق المحاكم في خانية خيوة. والبروفيسور الألماني هانس دايبير عن العلاقات العلمية والثقافية الخوارزمية أثناء حكم خوارزم شاه مأمون بن مأمون.
[3]

وفي الجامعة الزراعية بطشقند عقد مؤتمراً علمياً تطبيقياً ناقش دور أكاديمية المأمون الخوارزمية في تطوير الحضارة العالمية نظمته الجامعة بالتعاون مع أكاديمية العلوم الأوزبكية وشارك فيه علماء ومتخصصون بالزراعة والإستشراق والتاريخ والمخطوطات، تحدثوا عن أهمية الأكاديمية التي تأسست قبل عشرة قرون وتثبت التطور العلمي الكبير في المنطقة آنذاك وإسهامها في تطوير المعارف الإنسانية، وتاريخ الأكاديمية وأهمية تراثها العلمي وأهمية الأبحاث الجارية فيها حالياً وثمار التعاون العلمي.
[4]

وكان من الطبيعي أن تتلقى القيادة الأوزبكية برقيات تهنئة بمناسبة مرور ألف سنة على تأسيس أكاديمية المأمون الخوارزمية وجاءت من: وزير التعليم والعلوم، ورئيس جامعة لومونوسوف الحكومية بموسكو، ورئيس مركز "معهد كورتشاتوفا"، ونائب رئيس أكاديمية العلوم في الفيدرالية الروسية. ومن رئيس الأكاديمية الفرنسية لدراسة تاريخ وثقافة عصر التيموريين. ورئيس جمعية الصداقة الكورية الأوزبكية، ورئيس جامعة جنوب كوريا. ورئيس الجامعة اليابانية. ومدير معهد تاريخ العلوم في ألمانيا. ورئيس معهد الاستشراق بقازاقستان، ورئيس جامعة شانغهاى في الصين. ومن منظمة اليونسكو. واقتصرت التهاني العربية والإسلامية المعنية بالمناسبة على التهاني المرسلة من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان، ورئيس المجمع العلمي في "الأزهر" المصري الشيخ محمد سيد طنطاوي، والأمين العام لاتحاد الجامعات العربية صالح هاشم.
[5] وهذا أيضاً يدعو للتساؤل. وأترك الجواب على تلك التساؤلات للأوساط العلمية والإعلامية الإسلامية والعربية والأوزبكية. ولو أني أعزوها لضعف العلاقات بين تلك الأوساط رغم انقضاء 15 سنة على استقلال جمهورية أوزبكستان ووجود سفارات عربية وإسلامية في عاصمتها طشقند من بينها السعودية، والكويت، والأردن، وفلسطين، ومصر، والجزائر، وتركيا، وباكستان، وإيران، وغيرها.

طشقند في 5/11/2006


هوامش:
[1] وحيد لقمانوف، تيمور شاماكوف: لن تنطفئ أبداً شمعة العلوم والتربية. طشقند: وكالة أنباء "أوزا"، 3/11/2006.[2] آثار مضيئة في تاريخ العلوم. طشقند: وكالة أنباء "أوزا"، 2/11/2006.[3] وحيد لقمانوف، تيمور شاماكوف: مؤتمر علمي دولي في خيوة. طشقند: صحيفة "نارودنويه صلوفا"، 3/11/2006.[4] خيديروفا ب.: مؤتمر عن دور أكاديمية المأمون في تطور الحضارة العالمية. طشقند: وكالة أنباء "أوزا"، 2/11/2006.[5] منطقة قديمة أتحفت العالم. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 3/11/2006.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق