السبت، 12 يناير 2013

تمهيد لكتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة"



تمهيد
آفاق العلاقات الدولية
في مقارنة قام بها بعض المؤرخين وأستعرضوا فيها التنبؤات التي وضعها السياسيون عام 1900، وما حدث فعلاً خلال القرن العشرين ظهر أنهم لم يتوقعوا في تنبؤاتهم الأحداث الهامة التي جرت خلاله، وخاصة الحربين العالميتين، وثورة البلاشفة في روسيا، وتشكل الدول الاشتراكية، وإنهيار النظم الاستعمارية العالمية، ومن ثم إنهيار الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية التي كان يقودها، وأثبتوا أن التنبؤ في مجال التطورات العالمية صعب جداً، وأنه أصعب بكثير من التنبؤ في مجال برامج الاستنساخ الطبية أو في مجال غزو الفضاء وانتقال البشر إلى الكواكب الأخرى، ومع ذلك فقد حاول البعض وضع سيناريوهات ممكنة للمستقبل منطلقين من حقائق العصر، ومنها:
أنه من الممكن توقع مستقبل إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية في مساعيها لفرض هيمنتها على العالم خلال السنوات العشرين القادمة. لأن هذه الدولة مستمرة في المضي على طريق زيادة الهوة بينها وبين المجتمع الدولي في مجالات العلاقات المالية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والعسكرية وغيرها من المجالات. وخلال سنوات الفترة الرئاسية الأولى من حكم الرئيس بيل كلينتون من عام 1992 وحتى عام 1996 للولايات المتحدة الأمريكية فقط، إرتفع المؤشر الاقتصادي للدخل القومي بحوالي 4 % سنوياً، وهو ما حدث للدخل القومي الألماني أيضاً. وخلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس بيل كلينتون من عام 1996 وحتى عام 2000 زاد الدخل القومي الياباني. وتحدث الكثيرون عن المعجزات الاقتصادية الأخرى. ولكن في الواقع أن المعجزة جرت في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. لأن العولمة في ظروف نظام القطب الواحد تضيق على الدول المستقلة الكبرى الأخرى، ولا تدعها تسلم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم في ظل العولمة. ولا يستبعد أن واشنطن كقائد عالمي ستقوم بتنفيذ خطط إستراتيجية لإضعاف أو إنهاك تلك الدول، وظهرت ملامح تلك الخطط مع الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية التي بدأت حتى قبل تسلم أوباما للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأدى تركز مراكز القوى المالية والاقتصادية والتجارية إلى تحول شرق وجنوب شرق آسيا إلى مركز لنصف الاقتصاد العالمي المالي والتجاري والسكاني. ليتوقع البعض أن تملك الصين أكبر اقتصاد عالمي حتى عام 2020، وليشيروا إلى أن هذا لا يعني وزنها العسكري والسياسي بل وبمستوى الحياة في الصين نفسها الذي سيتفوق على نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وأن الصين لن تترك واشنطن تتحكم بالعالم لوحدها. وأن الهند بسكانها الـ 1.2 مليار نسمة ستصبح الدولة الرابعة في عالم الاقتصاد. ووفق توقعات البنك الدولي، ستبقى ثلاث دول غربية هي: الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والبرازيل؛ ضمن الدول العشر الأكثر تطوراً اقتصادياً في العالم حتى عام 2020 والسبع الباقية منها في آسيا. رغم أن التأثير المباشر على العلاقات الدولية خلال السنوات العشر القادمة سيبقى كما في السابق متركزاً في ثلاثة مراكز للقوة هي: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان، وتوقعوا أن تنضم إليهم الصين والهند مع إمكانية أن تلعب روسيا وحلفاءها دور مركز ثقل على تطور الأحداث العالمية.
ورغم أن العولمة جاءت لتعزز التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول، وغيرت الأجندة السياسية الدولية، ورافقها تغيير لأفضليات مصالح الدول على الساحة الدولية فقد تبدلت إمكانيات ووسائل تنفيذ سياساتهم الخارجية. وتغير مفهوم قوة الدولة من الإعتماد على القوة العسكرية إلى الاعتماد على تطوير الموارد البشرية والمالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة. وتبدل دور اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية من التحالفات والاتحادات العسكرية والسياسية، إلى التحالفات والإتحادات التجارية والاقتصادية الإقليمية، والدولية مثال: الاتحاد الأوروبي، والإتحاد الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، والرابطة الاقتصادية "أوروآسيا"، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجلس تعاون دول الخليج العربية، وغيرها لتبقى في مقدمتها مجموعة دول الثمانية الكبرى، وهو ما يعني تحول السياسة العالمية والدبلوماسية نحو الإقتصاد.
وأدت العولمة إلى إرتفاع نسبة الوعي القومي بين سكان الكرة الأرضية. وبعد أن كان عدد الدول المستقلة بعد الحرب العالمية الثانية 50 دولة، نرى أن منظمة الأمم المتحدة تضم في عضويتها الآن نحو 200 دولة، مع إمكانية زيادة هذا العدد خلال السنوات القادمة، بسبب وجود أقليات عرقية في أكثر من 100 دولة يزيد عدد أفرادها عن المليون نسمة، مع إمكانية إنهيار تلك الدول وإنقسامها إلى دول مستقلة، كما حدث في الإتحاد السوفييتي السابق الذي إنقسم إلى خمسة عشر دولة مستقلة، ويوغوسلافيا التي إنقسمت إلى عدة دول ولم يزل الصراع قائماً بينها حتى الآن، وتشيكوسلوفاكيا التي إنقسمت سلمياً إلى دولتين مستقلتين، وإثيوبيا التي إنقسمت بعد صراع طويل إلى دولتين مستقلتين، والسودان التي إنقسمت إلى دولتين بعد حرب أهلية طويلة. وفي أحسن الظروف يمكن قيام فيدراليات شبه مستقلة ذاتياً في بعض الدول متعددة القوميات، وهو ما تسعى إليه الدول العظمى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحاضر، على مثال الحالة العراقية، والحالة الروسية، والحالة السورية، وغيرها.
ومع ظهور هنتيجتون س. الذي تحدث في كتابه "تصادم الحضارات" عن الصراع بين سبع حضارات قائمة حالياً في العالم. وبجيزينسكي ز. الذي دعى في كتابه "رقعة الشطرنج العظمى" إلى هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا وآسيا. ومع إزدياد خطر إنتشار السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، وزيادة عدد الدول التي تملك السلاح النووي بعد إنضمام إسرائيل بشكل غير رسمي، والهند وباكستان رسمياً لتلك الدول إضافة لعشرات الدول القريبة من إمتلاك السلاح النووي. ظهر تأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وأخذت تظهر على الخط الأول مسائل عسكرية وسياسية، رافقتها أزمات عسكرية ولقاءات قمة غلبت عليها مسائل التجارة الخارجية والمالية وحماية البيئة والتبادل الإعلامي الدولي وغيرها من المسائل.
وأدركت أطراف اللعبة الدولية أن العولمة غيرت جوهر العلاقات الدولية وأفضلياتها، ووسعت من إمكانيات العمل المشترك لمختلف الدول، وفتحت الآفاق أمام المجتمع الدولي لتعاون متعدد الأطراف. وأبرزت وزن الدبلوماسية الاقتصادية، التي رافقتها الدبلوماسية البيئية، مع ازدياد أهمية الدبلوماسية الشعبية، ودبلوماسية التنمية لحل مشاكل دول الجنوب الفقيرة. الأمر الذي يدعو العالم اليوم إلى تشكيل منظومة عالمية لمواجهة التهديدات والأخطار الجديدة، الناتجة عن العولمة في القرن الحادي والعشرين. التي وضعت معظم الدول العربية أمام تحديات لم تكن تتوقعها وتهدد أمنها ومصيرها ووحدة أراضيها. وأصبح من الضروري التصدي لها بدأ من ساحة التبادل الإعلامي الدولي الذي تفتقر لها معظم الدول العربية وعجزت جامعة الدول العربية رغم المحاولات الكثيرة عن تأسيس إعلام خارجي عربي موحد يتصدى للهجمات الإعلامية التي تتعرض لها الأمة العربية ويشرح القضايا والمواقف العربية أكثر مما هو حاصل اليوم على الساحتين المحلية والإقليمية والدولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق