الاثنين، 19 ديسمبر 2016

مرور ألف عام على الرؤى التي وضعها أبو ريحان البيروني


طشقند: 19/12/2016 ترجمها وأعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "الماضي العظيم لوسط آسيا: ألف عام على رؤى البيروني" نشر الموقع الإلكتروني "مركز آسيا" يوم 3/1/2013 مقالة كتبها: فريدريك ستار، وجاء فيها:
منذ أكثر من 100 عام يتساءل العلماء حول: من إكتشف أمريكا بالفعل ؟ الفينيقيون، الذين وكأن آثارهم أكتشفت في رود أيليند ؟ أم الصينيون، الذين وكأنهم أبحروا إلى سان فرانسيسكو ؟ أم البولينيزيون، الذين تعاملوا مع البيروانيين ؟  أم الفيكينغ ؟


ووفقاً للعالم الأمريكي المعروف، والمتخصص بآسيا المركزية ستيفن فريدريك ستار (Stephen Frederick Starr) الذي يتوقع أن وجود القارة الأمريكية تم حسابه وأثبته نظرياً عالم القرون الوسطى من وسط آسيا أبو ريحان البيروني. ونشرت مقالته حول هذا الموضوع في نهاية العام الماضي (2012) في إصدارتين هامتين، هما: المجلة البريطانية History والمجلة الفرنسية Courrier International. واللتي ترجمت لقراء الموقع الإلكتروني خصيصاً إلى اللغة الروسية (وهذه ترجمتها إلى العربية).
* * *
في العصر الذي إكتشف الفيكينغ غرينلاند، جرت على طول كل المحيطات إكتشافات أخرى تماماً، ولكن من نوع مختلف تماماً. لأن تجار الأراضي التي تقع عليها الآن أوزبكستان، وتركمانستان، وأفغانستان، منذ آلاف السنين قادوا القوافل إلى كل مناطق أوروآسيا. وعادوا إلى وطنهم وتحدثوا عن مغامراتهم التي تضمنت تفاصيل ووصوف جغرافية وعن الأحوال الجوية على الأراضي التي عبروها. وهذه القصص جمعها ودرسها العلماء المحليون.


والباحث الرائع أبو ريحان البيروني (973-1048م م) ولد بمدينة كيات، غير البعيدة عن بحر الأورال (حالياً مدينة بيروني في جمهورية قره قلباقستان ذاتية الحكم في أوزبكستان). ومنذ فتوته حاز البيروني على معارف واسعة في علم الرياضيات، وعلم الفلك، والجغرافيا، ورسم الخرائط، وعلم المعادن، وعلم الهندسة، وحساب المثلثات، وتحدث باللغات: الفارسية، والعربية، والخوارزمية. وبعدها درس أيضاً اللغة السنسكريتية.
وفي سن الثامنة عشرة قام البيروني بحساب خطوط الطول والعرض لمدينته كيات. وبعدها انصب إهتمامه على المصادر اليونانية القديمة، وجمع معلومات جغرافية عن العالم المحيط بالبحر الأبيض المتوسط، رغبة بالحصول على إحداثيات الأماكن الأخرى، الواقعة على أطراف الأرض الأربعة. ودرس أعمال الكتاب القدماء، أمثال: بطليموس (168-90 قبل الميلاد) ودرس الأكثر قرباً منهم لوقته، وأجرى دراساته الخاصة، واكتشف أن الأرض كروية. وتوصل إلى نتيجة عن الهيكل الشمسي للأرض، وهذا يعني أن الأرض تدور حول الشمس، وليس العكس.
وعندما بلغ سن الـ 30 من عمره توجه البيروني إلى نظم أكثر تعقيداً في عصره، من أجل حساب المحيط الدقيق للأرض. وبالنتيجة أجرى حساب أخطأ فيه بـ 10,44 ميل فقط مقارنة بالبيانات الحديثة.
ولكن يجب القول أن البيروني سار خلف علماء آخرين من وسط آسيا. وكان من بينهم: أحمد الفرغاني، الذي حسب في القرن التاسع درجة طول واحدة على خط الإستواء، وبعدها حسب محيط الأرض. وبعد مرور خمسة قرون درس كولومب الترجمة اللاتينية لأعمال الفرغاني، المعروف في أوروبا باسم الفارغانوس. واستخدم كولومب إستنتاجاته بأن الأرض كروية كحجة في مناقشاته مع الممولين المحتملين الذين كانوا يشككون بخططه للقيام برحلة بحرية حول الأرض.
ومع التوصل إلى استنتاج أن الأرض هي عبارة عن كرة، بدأ البيروني بوضع كل الأماكن التي كانت معروفة في ذلك العصر على خارطته الجديدة للعالم. وعندها لاحظ أن حساباته عن كتلة أوروآسيا مع النقطة الغربية في إفريقيا وحتى النقطة الشرقية في الصين هي جزأين من خمسة أجزاء للكرة الأرضية. فـأين الأجزاء الثلاثة المتبقية ؟
واعتبر أكثرية الجغرافيين آنذاك من أقدم العصور وحتى القرن الحادي عشر، أن قارة أوروآسيا محاطة بـ"محيط عالمي". ولكن هل يمكن أن يكون هناك توازن لعالم مغطى بمياه كثيرة ؟ ولكن الخبرة التي تكونت لدى البيروني في مجال المعادن ساعدته على دراسة الكثافة النسبية لكل المعادن بأشكالها المختلفة، ودراسة تفاعلها في الطبيعة. وباكتشافه لمبدأ الثقل النوعي، عرف أن الوزن النوعي للمعادن هو أثقل من الماء. وعلى هذا الأساس توصل البيروني لاستنتاج بأنه يجب أن تكون هناك قارات أخرى.
ليطرح سؤال هل هذه الأراضي مسكونة، أم أنها براري خالية ؟ وتعمق في معلوماته حول خطوط طول وخطوط عرض الأماكن المعروفة، ولاحظ أن الإنسان يسكن قطاع واسع من الشمال إلى الجنوب أي من روسيا وحتى الهند، وحتى قلب إفريقيا. وإذا كانت القارة أو القارات غير المعروفة غير مأهولة، فيجب أن تكون جنوب أو شمال هذا القطاعات، وفق ما توصل إليه البيروني. ولكن إذا كانت هناك قطاعات صالحة للحياة، فلا بد أن تكون مأهولة.
وفي عام 1037م اعتمد البيروني على دراساته التقليدية واستخدم منطق أرسطو، ليتوصل إلى إستنتاجه التاريخي المتعلق بوجود العالم الجديد.
وطبعاً هذا لا يعني أن البيروني هو الذي اكتشف أمريكا. لأنه قام فقط بجمع كل المعلومات والمعارف والدراسات في عصره بدأ من اليونانيين القدماء وحتى الهنود والعرب المعاصرين له. وتسلح بالحكمة والمنطق، وباستخدامه لوسائل الرياضيات وحساب المثلثات الدقيقة، إكتشف البيروني طريقة علمية وتكنولوجيا جديدة تماماً للتوصل إلى معلومات ضخمة ودقيقة وإعدادها.
وكان البيروني حريصاً جداً في إستنتاجاته. وقدمها لمعاصريه على شكل فرضيات لتكون مفهومة بشكل أفضل، ولتتمكن الأبحاث الأخرى من التوصل إلى "إختبارات ميدانية"، وهو ما حصل بعد خمسمئة عام مضت فقط. وفي النهاية إستطاع الباحثون الأوربيون وبنجاح إثبات صحة الكثير من فرضيات عالم القرون الوسطى من وسط آسيا.
وابن وسط آسيا هذا كان باحثاً عظيماً، وجسراً بين العالم القديم والباحثين الأوروبيين. وأكدت الخاصيتان الأساسيتان لنشاطات البيروني هذه الفكرة، لأنه:
أولاً: توصل لإكتشافاته بفضل استخدامه المنظم والصارم للتفكير المنطقي، دون أن يحد من العقائد الدينية والمفاهيم العلمانية. لأنه كان مسلماً، ورغم ذلك إستطاع كسر الإفتراضيات الثقافية المحددة لدينه، وهو ما ناضل من أجله العلماء المسيحيون في الغرب خلال قرون عديدة من بعده.
وقام بأبحاثه الفكرية المذهلة رغم أنه عاش بعيداً عن البحر، على مساحة مغلقة، وبنى أبحاثه على المنطق العلمي فقط.
وعندما تأكد تماماً من صحة أفكاره كتبها في دراساته العلمية كحجج فقط، ليتمكن كل مشكك من إعادة فحصها مع حساباته الخاصة.
ومن يستطيع اليوم أن يكتب عن عقيدة هذا الموسوعي الوسط آسيوي أفضل منه نفسه ؟
و"... بالمعنى المطلق، العلم بحد ذاته جدي، وبغض النظر عن (مضمون) معرفته؛ وقوة جذبها الأبدية والمتواصلة... فعلى (خادم العلم) أن يثني على إجتهاد (العلماء) في كل مرة، وعندما (تتقاطع) جهودهم مع نعم (العلم نفسه)، ولكن ليس من (أجل التوصل) للفوز في الخلاف".
وتبقى modus operandi (طريقة عمل) البيروني حتى اليوم حديثة بشكل يثير العجب. وصوته الهادئ وبحثه العلمي الهادئ أحدث أصواتاً عالية من أعماق العالم غير العقلاني والخرافي للقرون الوسطى.
وأنجز البيروني إكتشافاته، وهو يعيش ويعمل في منطقة ينظر الكثيرون إليها الآن كبقية للمنطقة، الغارقة في الخرافات، والتعصب والقسوة، في وطنه، غرب أوزبكستان، غير البعيد عن بحر الأورال، الذي خلق الإتحاد السوفييتي فيه في خمسينات القرن الماضي أسوأ كارثة بيئية. وعمل في منطقة كئيبة تقع على حدود الشمالية لتركمانستان، وهي منطقة كبيرة يستخرج منها الغاز وحولت البلاد اليوم إلى كويت وسط آسيا.
ودرس منطقة ناندان الواقعة على أراضي غرب البنجاب الحالية، والغير بعيدة عن جامو وكشمير، والتي كانت مسرحاً للصراع المسلح المستمر منذ نصف قرن بين الهند وباكستان.
وغزنة (أفغانستان) حيث كتب موسوعته في علم الفلك Codex Masudicus، حيث دفن وتتلاطم فيها ليوم أمواج الأشخاص المسلحين والعربات المدرعة.
وإذا حصلت أفغانستان في وقت من الأوقات على حكومة مستقرة، فستشد مدينة غزنة الرحالة والسياح، لإحياء ذكرى الباحث العظيم، الذي دفع كولومبو للبحث عن العالم الجديد.
* * *
فريدريك ستار، باحث، ومدرس في مدرسة باول نيتتسا في جامعة جون هوبكينس للباحثين الدوليين المتقدمين، ورئيس معهد دراسات آسيا المركزية والقوقاز.
3/1/2013
المصدر باللغة الروسية: Фергана.Ру على الرابط الإلكتروني: http://www.centrasia.ru/newsA.php?st=1388977560
ونقترح مطالعة مقالة أ.د. محمد البخاري: إسهامات أبو ريحان البيروني في تطوير العلوم العالمية. نشرت بتاريخ 2/10/2015 على الرابط: 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق