الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

العلاقات الدولية الآسيوية الإفريقية بالأمس واليوم 3 من 5

أ.د. محمد البخاري
العلاقات الدولية الآسيوية الإفريقية بالأمس واليوم
طشقند - 2008
العلاقات الدولية في الهند الصينية: استولت المجموعة الشيوعية الموالية للصين بزعامة بول بوت على السلطة في كمبوديا في نيسان/أبريل 1975. وفي كانون أول/ديسمبر 1978 أطاحت بها مجموعة شيوعية بقيادة هينغ سامبرين بمساندة قوات عسكرية فيتنامية بقيت على الأراضي الكمبودية لحماية الحكومة الجديدة. ومنذ ذلك الوقت بدأت جماعة "الخمير الحمر" الموالية للصين كفاحها المسلح ضد حكومة هينغ سامبرين من قواعدها في المناطق القريبة من الحدود الكمبودية التايلاندية التي بقيت تحت سيطرتها.
وساند الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية عدا الصين التدخل الفيتنامي لصالح الحكومة الجديدة في كمبوديا. بينما اعتبرت دول "آسيان" والولايات المتحدة الأمريكية واليابان ودول غرب أوروبا التدخل الفيتنامي عدواناً على كمبوديا. واستمرت جمهورية الصين الشعبية بتقديم المساعدة العسكرية لـ"الخمير الحمر" وخلال الربع الأول من عام 1979 أقدمت الصين على خطوة أرادت منها معاقبة فيتنام لإجبارها على الخروج من كمبوديا ودفعت بقوات من الجيش الصيني لاجتياح بعض المناطق داخل أراضي جمهورية فيتنام الاشتراكية المتاخمة للحدود الصينية في نفس الوقت الذي استمر فيه "الخمير الحمر" بتمثيل كمبوديا في منظمة الأمم المتحدة.
ومع نهاية ثمانينات القرن العشرين توصل اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية لتفاهم حول المبادئ العامة لتسوية الأوضاع الكمبودية وشمل التفاهم قيام اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بإقناع فيتنام بسحب قواتها من كمبوديا مقابل توقف جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية عن مساندة "الخمير الحمر"، وبعد ذلك تبدأ محادثات مباشرة بين الأطراف المعنية في القضية الكمبودية بمشاركة وسطاء خارجيين. وبالفعل استطاع دبلوماسيي "آسيان" في عام 1988 تنظيم لقاء غير رسمي في جاكرتا خلال حفل كوكتيل شارك فيه ممثلين عن فيتنام، و"الخمير الحمر"، والحكومة الكمبودية والرئيس الأسبق لكمبوديا الأمير نوردوم سيهانوك وغيرهم من الأطراف الكمبودية. على أثرها انسحبت القوات الفيتنامية من كمبوديا في أيلول/سبتمبر 1989، وتابعت "آسيان" جهودها بمساندة فرنسية لعقد مؤتمر تسوية للقضية الكمبودية، وانعقد هذا المؤتمر فعلاً في أيلول/سبتمبر 1990 بالعاصمة الاندونيسية جاكرتا وتم خلاله الاتفاق على الخطوط الرئيسية لتسوية القضية الكمبودية وإجراء انتخابات حرة في كمبوديا بإشراف منظمة الأمم المتحدة عام 1993 تبعه انعقاد الدورة الأولى للمجلس القومي الأعلى الكمبودي في بكين خلال تموز/يوليو 1991 وشاركت فيه الجهات الكمبودية الأربعة: حكومة خون سين في بنوم بينه (التي تساندها فيتنام والاتحاد السوفييتي)؛ و"الخمير الحمر" (كهيو سامفان) التي تساندها الصين؛ والأمير نوردوم سيهانوك، الرئيس الشرعي السابق للدولة الكمبودية، الذي أقصاه العسكريون الكمبوديون عن الحكم عام 1970 وعاش منذ ذلك الوقت في الصين وفرنسا؛ ومجموعات صون صان المتحالفة مع الأمير نوردوم سيهانوك. رغم أن المجموعتين الأولى والثانية فقط تمتعت بمركز قوي وكان لها قواعد تسيطر على أجزاء من كمبوديا، وكانت المجموعتان الثالثة والرابعة تتمتعان بدعم ومساندة "آسيان" والدول الغربية دون تواجد فعلي لها على الأراضي الكمبودية.
وخلال النصف الثاني من عام 1991 عقد في باريس المؤتمر الثاني لمناقشة القضية الكمبودية برعاية منظمة الأمم المتحدة بمشاركة 18 دولة وتولت رئاسة المؤتمر كلا من فرنسا وإندونيسيا وأسفر عن قرار تسليم السلطة في كمبوديا للمجلس القومي الأعلى والإدارة المؤقتة لمنظمة الأمم المتحدة في كمبوديا. وتم إسناد مهمة التحضير وإجراء الانتخابات الحرة للإدارة المؤقتة، واسند للمجلس القومي الأعلى مهمة الإعداد لعملية اقتسام السلطة بين الفرقاء الكمبوديين، مع مراعاة مصالح كل منها. وجرت الانتخابات في عام 1993 وحصلت مجموعة الأمير نوردوم سيهانوك والمتحالفين معها على أكثرية الأصوات (48%)، في الوقت الذي قاطع فيه "الخمير الحمر" الانتخابات. ولم يحصل الشيوعيون السابقون بقيادة هون سين، سوى على (38%) من الأصوات. ومع ذلك لم تصر مجموعة سيهانوك على تشكيل حكومة حزب واحد، على ضوء التفوق العسكري للشيوعيين. وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في كمبوديا اقتسمت فيها الوزارات بالتساوي رغم رفض الطرفين لنتائج الانتخابات. وترأس الحكومة الجديدة رئيسين في نفس الوقت، رئيس وزراء أول وتولاه نوردوم راناريت، ابن الأمير نوردوم سيهانوك، ورئيس وزراء ثاني وتولاه هون سين، الذي ترأس الحكومة الكمبودية خلال السنوات الأخيرة. وتمتع رئيس الوزراء الثاني بقاعدة متينة للسلطة في الوقت الذي تم فيه إعادة نظام الحكم الملكي لكمبوديا. وتولى رئاسة الدولة، ورئاسة المجلس القومي الأعلى نوردوم سيهانوك. وتم الاتفاق على بقاء الأوضاع على حالها حتى موعد إجراء الانتخابات القادمة في عام 1998.
وفي الوقت الذي قامت فيه مجموعة بول بوت من "الخمير الحمر" بالتوغل في عمق البلاد واستمرارها بمقاومة الحكومة المنتخبة، ومع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة في عام 1997 اشتدت المنافسة بين مجموعة نوردوم راناريت، وهون سين. وفي تموز/يوليو 1997 جرى في بنوم بينه انقلاب أبيض اضطر نوردوم راناريت على مغادرة البلاد حتى عام 1999 حيث تم تسوية الأوضاع ليعود نوردوم راناريت إلى كمبوديا ويتسلم منصب رئيس السلطة التشريعية في الوقت الذي احتفظ فيه هون سين بالسلطة التنفيذية وتوقفت مجموعة "الخمير الحمر" عن المقاومة بعد وفاة بول بوت عام 1998.
تهدئة الأوضاع الفيتنامية: رافق تحول اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية نحو التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية طوي صفحة الدعم الاقتصادي والعسكري السوفييتي لفيتنام مما سرع من عملية تبديل السياسية الخارجية لجمهورية فيتنام الاشتراكية. وفي عام 1991 أعلن المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفيتنامي عن خطة للإصلاحات وفق النموذج الصيني للإصلاح. واحتفظ الحزب الشيوعي في الدستور الجديد لعام 1992 بالدور القيادي في المجتمع الفيتنامي ولكنه ألغى حق مجانية التعليم المتوسط العام وحق الحصول على السكن المجاني والخدمات الطبية المجانية ولم يسمح بملكية الأرض بل أعطى حق تملك الأرض للفلاحين لفترة طويلة وفي حالات خاصة حق تداولها مع غيرهم دون حق الميراث.
وكان لعصيان موسكو في آب/أغسطس 1991 وانهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية سبباً رئيسياً لتحول التوجهات الفيتنامية ودعم موقف قيادتها بالاتجاه نحو الخبرة الصينية والتخلي عن الخبرة السوفييتية التي أثبتت فشلها في قيادة الدولة والمجتمع. وبعد محادثات ثنائية تمهيدية في تشرين ثاني/نوفمبر 1992 عقدت قمة صينية فيتنامية عبر الجانبان خلالها عن رغبتهما بعدم فرض السيطرة على أحد والامتناع عن فرض القيم الأيديولوجية، وطريقة التطور الخاصة بكل منهما على الآخر وتم إعلان خمسة مبادئ للتعايش السلمي كأساس للعلاقات بين جمهورية فيتنام الاشتراكية وجمهورية الصين الشعبية.
وفي نفس العام انضمت جمهورية فيتنام الاشتراكية لمعاهدة آسيا للصداقة والتعاون لدول جنوب شرق آسيا وأصبحت عضواً مراقباً في منظمة "آسيان" وأعلنت عن نيتها الانضمام الكامل لعضوية المنظمة وهو ما حصلت عليه في عام 1995 لتصبح جمهورية فيتنام الاشتراكية عضوا كامل الأهلية في منظمة "آسيان". ومع ذلك بقيت العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية فيتنام الاشتراكية والولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب وانسحاب القوات الأمريكية من فيتنام دون تسوية. لأن جمهورية فيتنام الاشتراكية طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم مساعدات اقتصادية كتعويض عن الأضرار التي ألحقتها الحرب باقتصادها. بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تطالب بتقديم معلومات عن العسكريين الأمريكيين المفقودين خلال الحرب والذين تتوقع أنهم أسرى لدى الجانب الفيتنامي، بالإضافة لمطالبتها بإطلاق حرية السفر للإداريين السابقين في الإدارة السايغونية السابقة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية وأولاد العسكريين الأمريكيين المولودين من فيتناميات أثناء الحرب والتي تعتبرها من حقوق الإنسان المنتهكة في فيتنام. وما أن حل عام 1995 حتى تم تسوية معظم نقاط الخلاف وتم تحقيق تقدم في المحادثات التي أثمرت عن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
منغوليا في إطار السياسة الإقليمية: أدى انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والمنظومة الاشتراكية التي كان يقودها للتأثير على الأوضاع الداخلية في جمهورية منغوليا وتشكلت فيها معارضة غير شيوعية صغيرة لم تسعى من جانبها لمواجهة مع الحزب الشيوعي (حزب الشعب الثوري المنغولي) الذي ابتعد عن التعصب وأعاد النظر ببرنامجه، واعترف بالتعددية الحزبية في النظام السياسي وأطلق حرية الملكية الخاصة ورافقها تبديل قيادة الحزب. وخلال عامي 1991 و1992 وتحت تأثير الإصلاحيين الشباب الذين ينتمي إليهم رئيس الجمهورية نفسه تغيرت نظرة الحزب مما أدى لقيام بعض الأوساط الحزبية بالتصدي لإصلاحاته واستمر هذا الوضع حتى نيسان/أبريل 1993 حيث تمت عملية إقصاء رئيس الجمهورية أتشيربات عن قيادة الحزب وترشيح شخصية أخرى لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية خلال مؤتمر حزب الشعب الثوري المنغولي. ورافق ذلك الظروف التي كانت تمر بها المعارضة المنغولية وافتقارها لقائد يتمتع بشعبية كبيرة فاقترحت على أتشيربات أن يرشح نفسه عن قوى المعارضة غير الشيوعية، ليتم انتخابه في الانتخابات التي جرت عام 1993 لمنصب رئيس جمهورية منغوليا بعد أن حصل على 58% من الأصوات. ولأول مرة أصبحت سلطة رئيس الجمهورية المنغولية غير شيوعية في الوقت الذي كانت فيه الأغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان 71 مقعداً من أصل 76 في أيدي الشيوعيين. وتم إعلان منغوليا منطقة خالية من الأسلحة الذرية، وفي عام 1993 تم التوقيع على معاهدة للصداقة والتعاون مع روسيا، وفي عام 1994 مع جمهورية الصين الشعبية. وتمسكت جمهورية منغوليا بخط عدم الانحياز وعدم المشاركة في الأحلاف العسكرية.
تحول السياسة الروسية حيال آسيا والمحيط الهادئ: بعد توقع وزير خارجية اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية إدوارد شفرناتزه، ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جيمس بيكر، في آب/أغسطس 1990 بموسكو على الإعلان المشترك الذي أعلن عن انتهاء الحرب الباردة أخذ التحول الجذري في خط السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي ومواقفه السياسة حيال الدول الآسيوية المطلة على المحيط الهادئ تتصاعد باستمرار وأدت تلك المواقف لنتائج إيجابية وسلبية في آن معاً على المصالح السوفييتية. وكان من النتائج الايجابية خروج اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية من العزلة الدبلوماسية مع تلك الدول، وتسوية علاقاته مع جمهورية الصين الشعبية، وإقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية كوريا رافقها وقف المواجهة العسكرية المستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مما سمح بدخول الاتحاد السوفييتي لعملية التكامل الاقتصادي مع دول المنطقة مما أدى لبعض التحسن في علاقاته مع اليابان.
ومن النتائج السلبية كانت مشاركته في عمليات تسوية القضايا العسكرية والسياسية في المنطقة ومشاركته في إزالة العقبات التي كان يضعها أمام علاقات جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية الخارجية مما أفقده زمام السيطرة على الأوضاع السائدة في شبه الجزيرة الكورية، رافقها انخفاض مستوى علاقاته مع جمهورية فيتنام الاشتراكية وكل هذا الإرث الصعب ورثته الفيدرالية الروسية مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي خلفه اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية وشمل ارتفاع تعرفات النقل خلال تسعينات القرن العشرين مما زاد من عزل مناطق الشرق الأقصى عن الأجزاء الأوروبية من روسيا نفسها مما سبب هجرة سكانية مؤثرة من أجزاء الفيدرالية الروسية تلك بسبب قرار القيادة السوفييتية في نهاية ثمانينات القرن العشرين تخفيض كبير لعدد القوات السوفييتية المتمركزة في الشرق الأقصى مما أدى لتسرب سكاني كبير أدى لبروز مشكلة "الفراغ السكاني" في الشرق الأقصى من الفيدرالية الروسية، ورافقها ازدياد حدة مشاكل تمويل الأسطول الروسي المرابط في منطقة الشرق الأقصى الروسية بما فيه الغواصات الإستراتيجية التي تحمل صواريخ ذرية والمتمركزة في موانئ الفيدرالية الروسية على المحيط الهادئ. وهو ما أشار له القائد السوفييتي مكسيم سيرغييفيتش غورباتشوف أثناء زيارته لفلادي فاستوك في تموز/يوليو 1986، وكراسنويارسك في أيلول/سبتمبر 1988، وتناول التغييرات الأساسية في السياسة السوفييتية على الجانب الآسيوي من المحيط الهادئ. وطرح خلالها برنامجا شكل القاعدة الجديدة للسياسة السوفييتية في المنطقة وتضمن: تقليص التواجد العسكري في شرق آسيا عن طريق سحب القوات السوفييتية من منغوليا وخفض عدد القوات البرية في المناطق الشرقية من اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية؛ وتسوية الأوضاع مع جمهورية الصين الشعبية ومراعاة موقفها من ضرورة تصفية "الموانع الأربعة" على طريق تحسين العلاقات السوفييتية الصينية؛ وتطبيع العلاقات مع اليابان؛ وإقامة علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية ضمن عملية تحسين الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية.
ومع بداية تسعينات القرن العشرين تم تخفيض 120 ألف فرد من القوات السوفييتية المتمركزة في الشرق الأقصى السوفييتي. وتم إنهاء خدمة نصف السفن الحربية القديمة في أسطول المحيط الهادئ. وتم إعادة تنظيم المناطق العسكرية في الشرق الأقصى السوفييتي بشكل يسمح بتوجيهها نحو الأخطار الأمريكية واليابانية بدلاً من الخطر الصيني. وأعلنت موسكو عن رغبتها بالتوقف عن زيادة عدد الرؤوس النووية الضاربة المتمركزة على الأرض وعلى متن طائراتها الإستراتيجية الحاملة للأسلحة النووية في القسم الآسيوي من الإتحاد السوفييتي. وتم سحب القوات السوفييتية بالكامل من منغوليا وهو ما أضعف قدرة الفيدرالية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي على تحقيق أي تفوق عسكري في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ.
وتوقفت مناورات الأسطول الروسي في المحيط الهادئ ورافقها توقف الدوريات في بعض مناطقه. وأدت ظروف عدم كفاية التمويل والصعوبات في خدمات الصيانة والتزود بالوقود واستكمال الطواقم العسكرية، إلى تخفيض القدرات العسكرية البحرية الروسية بشكل عام مما ساعد على إزالة بعض التحفظات على نوايا موسكو حيال الدول المطلة على المحيط الهادئ، وفي نفس الوقت خرجت روسيا من بين أكثر الدول المؤثرة في المنطقة الآسيوية المطلة على المحيط الهادئ. وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض مستوى التطور الاقتصادي الروسي في المنطقة.
العلاقات الصينية الروسية: بعد خروج القوات السوفييتية من أفغانستان عام 1989، واستمرار عملية سحب القوات السوفييتية من منغوليا، أثمرت الضغوط السوفييتية عن إعلان فيتنام رسمياً نيتها سحب قواتها من كمبوديا في أيلول/سبتمبر 1989، وبدأت عملية خفض القوات السوفييتية المتمركزة على طول الحدود مع جمهورية الصين الشعبية، ليتم بذلك إزالة "الموانع الأربعة" التي أعاقت تسوية أوضاع العلاقات الثنائية بين البلدين من وجهة النظر الصينية. وقام رئيس جمهورية اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف بزيارة رسمية لبكين في أيار/مايو 1989 تم أثناءها تسوية العلاقات بين الحكومتين السوفييتية والصينية وبين الحزبين الشيوعيين للإتحاد السوفييتي والصين بالكامل. تبعتها زيارة أخرى بعد انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية قام بها الزعيم رئيس الفيدرالية الروسية باريس نيكولاييفيتش يلتسن لبكين في عام 1992 تم خلالها التوقيع على بيان بكين المشترك الذي تضمن مبادئ تطوير العلاقات بين البلدين على نفس المبادئ التي توصل إليها البلدين أثناء زيارة ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف لبكين عام 1989.
وأخذت العلاقات الثنائية الروسية الصينية بالتطور الثابت على قاعدة اتفاقية التعايش السلمي التي سبق وتوصل إليها الجانبين وحتى عام 1997 تمت أربع لقاءات قمة صينية روسية بالتناوب في بكين وموسكو، لتشغل جمهورية الصين الشعبية المركز الثاني في العلاقات التجارية مع الفيدرالية الروسية.
وتعتبر جمهورية الصين الشعبية واحدة من أهم مستوردي المنتجات الصناعية وتقنيات التكنولوجيا العسكرية المتطورة من الفيدرالية الروسية حيث يعمل في الصين عدد كبير من الخبراء الروس في مجال التقنيات العسكرية. وبعد التوصل لحلول مرضية للمسائل الحدودية بين البلدين تم في أيار/مايو 1991 التوقيع على الاتفاقية الروسية الصينية لتسوية الخلافات الحدودية في القطاع الشرقي من الحدود الصينية الروسية وتم تثبيت نقاط الحدود الدولية والاتفاق على مبادئ اقتسام سطح الأنهار الحدودية، لتمر بموجبها الحدود المشتركة بين البلدين في منتصف مجرى الأنهار الصالح للملاحة. وشملت تلك الإجراءات تخطيط الحدود الصينية الروسية في المناطق الحدودية من أنهار: آمور، وأوسّوري، وتومان وغيرها.
ونتيجة للتسوية تنازلت الفيدرالية الروسية، لجمهورية الصين الشعبية عن بعض الجزر النهرية وبقيت بانتظار الحلول النهائية بين البلدين مشاكل بعض الجزر في نهر آمور بالقرب من خباروفسك، وبلاغافيشينسك.
وفي عام 1992 صادق البرلمان الروسي على معاهدة القسم الشرقي من الحدود الدولية المشتركة بين البلدين وتبعتها تسوية مشاكل القطاع الغربي من الحدود الدولية الفاصلة بين البلدين عام 1994 بمعاهدة تم تصديقها في تموز/ يوليو 1995 وما أن حل عام 1997 حتى تم تسوية أوضاع 97% من خط الحدود الدولية الفاصلة بين البلدين.
وفي نيسان/أبريل 1997 تم في شنغهاي التوقيع على اتفاقية صينية روسية لتبادل الثقة بين البلدين في جميع المناطق الحدودية المشتركة وتم تعديلها في نفس العام خلال القمة الدورية بين البلدين المعقودة في موسكو لتنضم إليها إضافة للصين، وروسيا، كل من قازاقستان، وقرغيزستان، وطاجكستان ولتشمل الخفض المتبادل للقوات المسلحة المرابطة في المناطق الحدودية المشتركة بينهم يشمل إقامة شريط حدودي لخفض القوات العسكرية بعمق 100 كم على جانبي خط الحدود المشتركة لتلك الدول والبالغة (7.5) آلاف كيلو متراً، وشملت تلك الإجراءات المتفق عليها مناطق خاباروفسك، وفلادي فاستوك. ولكنها لم تشمل الصواريخ الإستراتيجية، والطيران الاستراتيجي بعيد المدى، والقوات البحرية، وقوات الدفاع الجوي الروسية وحرس الحدود.
العلاقات الروسية اليابانية: احتلت القوات السوفييتية جزر: خابوماي، وشيكوتان، وكوناشير، وإيتوروب في بداية أيلول/سبتمبر 1945 أثناء احتلالها لجزر الكوريل، وكان من المقرر أن تخضع تلك الجزر للاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وتنازلت اليابان عن حقوقها في جزر الكوريل وجنوب سخالين عند توقيعها على معاهدة السلام في سان فرانسيسكو عام 1951 ولكن المعاهدة لم تتضمن أي نص عن تبعية تلك الجزر لأي دولة ولهذا لم يوقع الاتحاد السوفييتي على معاهدة السلام أنفة الذكر لعدم موافقته على مضمونها، ولم يوقع الاتحاد السوفييتي واليابان على معاهدة سلام بينهما. وبعد استئناف العلاقات الدبلوماسية السوفييتية اليابانية عام 1956 صدر بيان مشترك حدد أسس العلاقات اليابانية السوفييتية تضمن موافقة الاتحاد السوفييتي المبدئية بالنزول عند رغبة الشعب الياباني وتسليم اليابان جزيرتي خابوماي، وشيكوتان بعد توقيع معاهدة سلام بين البلدين، وعبر من خلال الرسائل التي تبادلها مع اليابان عن استعداده من حيث المبدأ على إجراء محادثات مع اليابان في غيرها من مجالات التسوية، وتوقفت عند إصرار الجانب الياباني على بحث مصير الجزيرتين الأخريين (كوناشير، وإيتوروب).
وبعد تدهور العلاقات السوفييتية الأمريكية إثر حادثة طائرة التجسس الأمريكية و-2، التي أسقطها الدفاع الجوي فوق الأراضي السوفييتية في ربيع عام 1960 تغيرت الظروف الدولية وألغيت قمة باريس المقررة لقادة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا العظمى. ووقعت الحكومة اليابانية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية على معاهدة جديدة للأمن رغم مساعي موسكو الحميمة لإعاقة توقيعها ونتيجة لذلك تم إبلاغ الجانب الياباني من قبل القيادة السوفييتية رسمياً عن إلغاء تعهداتها المنصوص عنها في بيان عام 1956 لأن اليابان أعادت النظر بمعاهدتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وعبرت عن نيتها مساندة سياسة واشنطن المعادية للإتحاد السوفييتي. ومن وقتها توقف الجانب السوفييتي حتى نهاية ثمانينات القرن العشرين عن ذكر بيان عام 1956، رغم محاولات رئيس وزراء اليابان ك. تاناكا أثناء زيارته لموسكو عام 1973 العودة لموضوع الجزر مجدداً.
ومع بداية إعادة البناء في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بدأت الأوضاع بالتغير واعترفت القيادة السوفييتية بشكل غير رسمي بحقيقة وجود مشكلة حدودية في العلاقات السوفييتية اليابانية ولكن ليس بالشكل الذي أصر عليه الجانب الياباني وبدأ موقف موسكو من بيان عام 1956 يتبدل حتى زيارة رئيس اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية مكسيم سيرغيفيتش غورباتشوف لليابان في نيسان/أبريل 1991 حيث أشار البيان الختامي للزيارة عن نية الجانبين متابعة المحادثات لتطبيع العلاقات وتسوية المسائل الحدودية سلمياً عن طريق إعادة تخطيطها، وأضاف أنه تم مناقشة بنود معاهدة سلام تناولت وجهات نظر كلا الجانبين حول الجزر الأربعة المتنازع عليها. ووافق الجانبان في النهاية على تطوير النواحي الايجابية التي تراكمت في علاقاتهما منذ عام 1956 وبهذا يكون الجانب السوفييتي قد اعترفت بطريقة غير مباشرة بأهمية اتفاق عام 1956 وعبر عن نيته متابعة بحث مسائل تسوية قضايا الحدود المتنازع عليها.
وبعد انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية شددت موسكو موقفها متأثرة بالضغوط الاجتماعية واعتراضات السلطات المحلية في جزيرة ساخالين التي تدخل جزر كوريل ضمن حدودها الإدارية، وأشارت إلى أن الوقت غير الملائم لبحث المطالب اليابانية التي لا يمكن القبول بها في تلك الظروف. بينما شدد الجانب الياباني من موقفه بعد انهيار اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وأصبح حاسماً وغير قابل للنقاش "الكل ومباشرة"، ونتيجة للموقف العدائي الذي مارسه الدبلوماسيون اليابانيون في موسكو عام 1992 اتخذ قرار بتأجيل زيارة رئيس الفدرالية الروسية باريس نيكولاييفيتش يلتسن إلى طوكيو. مما دفع بالجانب الياباني لتغيير مواقفه لأن طوكيو أدركت أن تشديد مواقفها من قضايا الحدود المطروحة غير مجدي وهو ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي اعتبرت أن الموقف الياباني غير مجدي ولا يناسب الأوضاع السائدة في روسيا ولم يقوموا بدعم الجهود الدبلوماسية لطوكيو.
وأثناء زيارة رئيس الفيدرالية الروسية باريس نيكولاييفيتش يلتسن لليابان عام 1993 اعتذر للشعب الياباني عن المعاملة السيئة التي تلقاها الأسرى اليابانيين في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية أثناء احتجازهم في معسكرات الاعتقال فيه حتى خمسينات القرن العشرين وتم التوقيع في 13/10/1993 على بيان طوكيو الذي أشار لضرورة متابعة المباحثات اليابانية الروسية حول الجزر الأربعة. واتفق الجانبان على متابعة الحوار حتى التوصل لحلول للمسائل التي تعيق التوصل لعقد معاهدة سلام بين الجانبين انطلاقاً من الحقائق التاريخية والقانونية، وعلى أساس ما تم الاتفاق عليه من مبادئ قانونية وعادلة.
وأكدت روسيا كدولة عظمى وريثة لإتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية التزامها بجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي سبق وتوصلت إليها اليابان مع الاتحاد السوفييتي.
الموقف الروسي من الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية: كان لتراجع اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية عن التزاماته الأيديولوجية التي ربطته مع العديد من دول المعسكر الشرقي في نهاية ثمانينات القرن العشرين أثره المباشر في إبطال مفعول معاهدة 1961 بين اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية التي التزم بموجبها بتقديم المساعدة لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في حال تعرضها لهجوم أو دخولها في حالة حرب مع طرف ثالث، والموجهة أساساً ضد جمهورية كوريا وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد توقيع معاهدة تشرين ثاني/نوفمبر 1992 بين الفيدرالية الروسية وجمهورية كوريا تبدلت أوضاع العلاقات الروسية مع حكومتي شبه الجزيرة الكورية تماماً، وبعدها أعرب الرئيس الروسي باريس نيكولاييفيتش يلتسن عام 1994 عن عدم رغبة روسيا في تمديد المعاهدة التي تربطها مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وهي التي كانت تمدد تلقائياً كل خمس سنوات منذ عام 1971.
وفي عام 1995 قدمت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية مشروع اتفاقية جديدة لم ينتهي الجانب الروسي من دراستها بعد وهذا يعني أن المعاهدة لم تلغى رسمياً ولم يتم تبديلها بجديدة ولكنها لم تزل تحتفظ بقوتها القانونية شكلاً. ورافق ذلك إيقاف الجانب الروسي لمساعداته العسكرية والاقتصادية لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. وبذلك تكون موسكو قد فقدت وسائل تأثيرها على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، لتبقى جمهورية الصين الشعبية الحليف القوي والوحيد لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
وتبع ذلك اقتراح أمريكي كوري جنوبي عام 1996 لإجراء مؤتمر رباعي حول القضية الكورية دون المشاركة الروسية. مما دفع بالفيدرالية الروسية للرد في خريف 1996 عن طريق توقيعها على اتفاقية جديدة مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية للتبادل الثقافي والعلمي.
العلاقات الصينية الأوزبكستانية: يشير تطابق وجهات النظر بين قادة الصين وأوزبكستان حيال القضايا الدولية والإقليمية إلى استمرار العلاقات التي كانت تربط الشعوب الصينية والأوزبك من أيام طريق الحرير العظيمة منذ آلاف السنين وحتى الآن. وفي عام 2004 قام رئيس جمهورية الصين الشعبية بزيارة رسمية لأوزبكستان، وفي أيار/مايو 2005 رد الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف بزيارة رسمية لجمهورية الصين الشعبية تم خلالها التوقيع على (24) وثيقة رسمية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. وخلال المحادثات التي أجراها الرئيسان الصيني هو تسزينتاو، والأوزبكي كريموف في بكين بحثت مسائل تطوير العلاقات الثنائية في المجالات التجارية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتقنية والإنسانية والطاقة والمواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلوماتية، وفي ختامها وقع الرئيسان على معاهدة علاقات الشراكة والصداقة والتعاون بين البلدين وهذا يعبر عن اهتمام الصين بتطوير علاقاتها التقليدية مع أوزبكستان. ومع دول وسط آسيا الأخرى.
ومن بين الوثائق التي تم توقيعها بين البلدين: اتفاقية للتعاون التقني والاقتصادي؛ واتفاقية لتنظيم الأعمال الجمركية بين البلدين؛ وبرنامج للتعاون بين وزارتي الخارجية لعامي 2005 و2006؛ واتفاقية تعاون بين وزارة الاقتصاد الأوزبكية واللجنة الحكومية لشؤون التطور والإصلاحات في الصين؛ ومذكرة تفاهم بين مركز العلوم والتكنولوجيا التابع لمجلس وزراء أوزبكستان، ووزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية حول إنشاء مركز أوزبكستاني صيني للمؤشرات العلمية للتكنولوجيا المتقدمة والتجديد في مجال الزراعة؛ واتفاقية تعاون في مجال التحقيقات الجنائية بين وزارتي العدل في البلدين؛ واتفاقية بين الوكالة الأوزبكستانية للاتصالات والمعلوماتية ووزارة الصناعات المعلوماتية الصينية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلوماتية؛ ومذكرة للتعاون بين وكالة العلاقات الاقتصادية الخارجية الأوزبكستانية ووزارة التجارة الصينية؛ ومذكرة للتعاون بين وزارتي المالية في البلدين؛ واتفاقية تعاون بين شركة الإذاعة والتلفزيون الأوزبكستانية والإدارة المركزية لشؤون الإذاعة وصناعة السينما والتلفزيون في الصين؛ واتفاقية تعاون في مجال السياحة بين المؤسسة الوطنية الأوزبكستانية "أوزبيكتوريزم" والإدارة الوطنية للسياحة في الصين؛ واتفاقية تعاون بين غرفة التجارة والصناعة الأوزبكستانية واللجنة الصينية لتطوير التجارة الدولية، وغرفة التجارة الدولية الصينية؛ واتفاقية تعاون بين الشركة الأوزبكستانية "أوزبيكنيفتيغاز، واتحاد النفط والغاز الوطني الصيني عن تأسيس الشركة المشتركة "أوزسيرس بيتروليوم" للقيام بالتنقيب واستثمار الآبار النفطية في أوزبكستان، بتمويل صيني يبلغ (600) مليون دولار أمريكي؛ واتفاق تفاهم وتعاون بين جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية والجامعة المركزية للقوميات الصينية، بعد أن تم في وقت سابق افتتاح معهد كونفوشيوس الأوزبكي الصيني من المعهد الحكومي العالي للدراسات الشرقية بطشقند، وافتتاح قسم لتعليم اللغة الأوزبكية في الجامعة المركزية للقوميات الصينية.
كما وناقش الجانبان سبل التعاون الثنائي لمكافحة الإرهاب الدولي والتطرف والحركات الانفصالية في إطار منظمة شنغهاي للتعاون والجهاز الإقليمي التابع للمنظمة في طشقند، والتعاون الثنائي في إطار دول آسيا المركزية ودول جنوب شرق آسيا.
واتفق الجانبان على توظيف استثمارات تبلغ (1.5) مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الأوزبكي، من خلال التعاون بين رجال الأعمال من البلدين في المجالات الصناعية ولإحداث شركات مشتركة جديدة.
العلاقات اليابانية الأوزبكستانية: العلاقات الأوزبكستانية اليابانية المباشرة بدأت منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد استقلال جمهورية أوزبكستان، وشمل تطور العلاقات بين البلدين افتتاح المركز الثقافي الياباني في طشقند، وافتتاح خط للرحلات الجوية المباشرة بين العاصمة الأوزبكية طشقند ومدينة آساكا والعاصمة اليابانية طوكيو، وتقديم منح ومساعدات لتجهيز المؤسسات الطبية والتعليمية الأوزبكية بالمعدات والتكنولوجيا الحديثة، وبلغ حجم المساعدات اليابانية لأوزبكستان أكثر من مليار دولار أمريكي أكثر من نصفها قدمت على شكل قروض يابانية بتسهيلات من خلال برنامج إعداد الكوادر الوطنية وتطوير الطاقة والبنية التحتية للمواصلات وشبكات الاتصال. بالإضافة لتطور التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري بين البلدين الذي يشمل عشرات المشاريع المشتركة بمساهمة مستثمرين يابانيين.
وكانت أوزبكستان واليابان قد وقعتا على اتفاقية للشراكة الإستراتيجية بتاريخ 29/7/2002 في طوكيو وهو ما يشير إلى الاهتمام الياباني بتطوير علاقاته مع أوزبكستان التي تلعب دوراً رئيسياً في آسيا المركزية خاصة وأن الاتفاقية وفرت الفرص لتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين. واليابان خلال أكثر من عشر سنوات قدمت مساعدات ضمن إطار برنامج "المساعدة الرسمية للتطور" لدعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في أوزبكستان، وتقوم اليابان سنوياً بدعوة المتخصصين الأوزبكستانيين وعدد كبير من الطلاب الذين يدرسون اللغة اليابانية للدراسة في مؤسسات التعليم العالي اليابانية ومن الطبيعي أن يتم استخدام الخبرة اليابانية في أوزبكستان بعد عودتهم إليها.
وأشار السفير الياباني في تصريح له للصحافة الأوزبكية بأن ما يعيق تطور عمل المستثمرين اليابانيين في أوزبكستان الإجراءات الجمركية والضريبية الصعبة وتمنى أن يتم وضع حد لها لتسهيل وضبط الإجراءات الجمركية والضريبية وأضاف أن حجم الاستثمارات اليابانية في أوزبكستان حتى عام 2005 بلغت (2) مليار دولار أمريكي أكثر من نصفها كانت قروض يابانية بتسهيلات منحت من خلال برنامج إعداد الكوادر الوطنية وتطوير الطاقة والبنية التحتية للمواصلات وشبكات الاتصال. وأشار للتعاون القائم بين البلدين على الساحة الدولية ودعم اليابان لمبادرة القيادة الأوزبكية لتشكيل السوق المشتركة لدول آسيا المركزية، وإنشاء المجمع الإقليمي للماء والطاقة والمواصلات والغذاء.
العلاقات الماليزية الأوزبكستانية: ماليزيا عضو مؤسس في منظمة جنوب شرق آسيا "آسيان"، وعضو مهم في منظمة المؤتمر الإسلامي ولهذا تعلق أوزبكستان أمالاً كبيرة على علاقاتها مع هذه الدولة لتفتح الطريق أمام علاقاتها مع دول جنوب شرق آسيا، وتقوية علاقاتها مع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في الوقت الذي تتعاظم فيه أخطار التطرف الديني والإرهاب الدولي المتستر بالإسلام. بالإضافة لفائدة العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية معها لأوزبكستان.
والعلاقات الثنائية بين البلدين مبنية على المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواقفهما متشابهة من القضايا الدولية، وساندت أوزبكستان ماليزيا على الساحة الدولية، وفي الحصول على عضوية أجهزة منظمة الأمم المتحدة منذ عام 1997، وفي الحصول على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي عام 1998، وخلال أعوام 1997، و2001، و2005 على عضوية المحكمة الدولية المتخصصة بالقضايا اليوغسلافية، وفي عام 2003 على عضوية المحكمة الدولية المتخصصة بقضايا رواندا، وفي عام 2004 على عضوية لجنة تصفية كل صور التفرقة حيال المرأة.
وتتجه المصالح الماليزية من خلال علاقاتها مع أوزبكستان لتوسيع علاقاتها مع أسواق آسيا المركزية ورابطة الدول المستقلة، وظهر هذا خلال زيارة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف لماليزيا في خريف عام 2005 ومساندة القيادة الماليزية للمبادرة الأوزبكية لإقامة سوق مشتركة لدول آسيا المركزية.
ومن خلال المباحثات التي جرت خلال الزيارة في كوالالامبور بين الجانبين الأوزبكستاني برئاسة الرئيس إسلام كريموف، والماليزي برئاسة ملك ماليزيا توانكو سعيد سيراج الدين جمال الليل، اتفق الجانبان على تطوير علاقاتهما الثنائية، وتم التوقيع على جملة من الاتفاقيات الحكومية وإنشاء لجنة مشتركة للشؤون التجارية والتعاون في مجال السياحة واستثمار الثروات المعدنية، والتعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب وتكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية. وخلال اللقاء الذي جمع رجال أعمال من البلدين تم التوقيع على (16) وثيقة للتعاون المشترك في المجالات المالية والبنوك والاستثمار، وتكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، والصناعات الغذائية والخفيفة، والزراعة وغيرها من المجالات. وفي المجالات الاقتصادية تم توقيع (18) اتفاقية بلغت قيمتها (400) مليون دولاراً أمريكياً، واتفاقية بين اتحاد "بتروترانس" الماليزي الذي أسس في 17/8/1974 وتحول إلى شركة عالمية تعمل في 30 دولة في التنقيب واستخراج البترول والغاز وبيع المنتجات النفطية والغاز المضغوط ودراسات السوق.
العلاقات الإيرانية الأوزبكستانية: انعقدت في يناير عام 2006 بطشقند جلسة دورية للجنة الحكومية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني لجمهورية أوزبكستان والجمهورية الإسلامية الإيرانية. برئاسة نائب رئيس الوزراء الأوزبكستاني ن. خانوف، ووزير التجارة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية س. مير كاظمي. وتمت الإشارة خلال الجلسة إلى أن العلاقات بين البلدين تتطور استناداً للقاعدة القانونية التي توفرها الوثائق التي سبق ووقعها قادة البلدين منذ عام 2000م وتم خلالها عقد ثلاث لقاءات قمة وأن الحوار مستمر بين الوزارات والإدارات المختصة في البلدين. وسنوياً تسجل المؤشرات الاقتصادية تطوراً ملحوظاً في العلاقات التجارية بين البلدين، ففي عام 2004م بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين (372) مليون دولار أمريكي، وخلال إحدى عشرة شهراً من عام 2005 بلغ (409.5) مليون دولار أمريكي. ويعمل في أوزبكستان (65) شركة مشتركة (2005) بمشاركة رؤوس أموال إيرانية تعمل في مجال الاقتصاد الوطني وإنتاج سلع الاستهلاك الشعبي والمنسوجات والمنتجات الزراعية ومواد البناء. وتصدر أوزبكستان إلى إيران القطن، والمعادن، والأسمدة المعدنية، والبلاستيك والمصنوعات البلاستيكية، والألياف الصناعية. وتصدر إيران إلى أوزبكستان مواد البناء، والشاي، ومساحيق الغسيل. وأشار الجانبان إلى أنه هناك إمكانيات كبيرة في البلدين لم تستخدم بشكل كامل بعد، وبحثا إمكانيات تطوير العلاقات التجارية وغيرها من المجالات وإنشاء شركات مشتركة ومشاريع استثمارية بين البلدين، وخاصة في مجالات تصنيع المنتجات البترولية والغاز، والصناعات الكيميائية، وتصنيع المنتجات الزراعية، والتعاون في المجالات العلمية والتقنية. ومجال المواصلات الذي وضع أساسه في طهران عام 2003 قادة البلدان الثلاثة أوزبكستان، وأفغانستان، وإيران، التي يمر عبر أراضيها لإقامة طريق برية تصل وسط آسيا بالموانئ الإيرانية على الخليج.
وقبلها جرى في طشقند لقاء نظمته الغرفة التجارية والصناعية الأوزبكستانية بالتعاون مع وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية والاستثمار والتجارة بأوزبكستان، وسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى أوزبكستان ضم رجال أعمال من أوزبكستان وإيران. عبر خلاله رجال الأعمال الإيرانيون عن تصاعد اهتمام المستثمرين الإيرانيين بالتعاون مع شركاء من أوزبكستان. واستعرضوا الإمكانيات الأوزبكستانية والإيرانية في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والعلمية والتقنية، وإمكانيات تطوير التعاون المشترك وإقامة مشاريع مشتركة جديدة
العلاقات الدولية في جنوب آسيا: يضم إقليم جنوب آسيا: الهند، وباكستان، وبنغلاديش، ونيبال، وسريلانكا، وبوتان، وجزر المالديف. وتفصله عن دول الجوار حدوداً طبيعية، وتتوزع دول الإقليم حول جمهورية الهند التي تشغل 73.4% من مساحة إقليم جنوب آسيا، و76.5% من عدد سكانه، و80% من الإنتاج الوطني لدول الإقليم مجتمعة. وتتمتع دول الإقليم بقيم تاريخية وثقافية وحضارية مشتركة وجميعها كانت في السابق مستعمرات أو شبه مستعمرات بريطانية مما سبب لها حالة من عدم التوازن في العلاقات الدولية.
ويثير التفوق الهندي حالة من الخوف وعدم الثقة لدى الدول المجاورة لها مما دفع ببعضها لتدعيم قدراتها الدفاعية وموقعها على الساحة الدولية، حتى أن سريلانكا حاولت أكثر من مرة الانضمام إلى منظمة جنوب شرق آسيا (آسيان) لمواجهة الخطر المحتمل للهند.
ومنشأ تلك التخوفات هو اعتقاد السلطات الهندية بأن مشاكل الهند الأمنية مرتبطة بأمن إقليم جنوب آسيا بأكمله وهو ما يبرر سعيها لتعزيز الدور المهيمن للهند في جنوب آسيا والوقوف ضد أي تدخل أجنبي وخاصة من قبل الدول الكبرى في مشاكل المنطقة. وتعتبر الهند أن أية محاولات لإيجاد حلول لمشاكل المنطقة من خارجها سيؤدي حتماً إلى تدخل قوى أجنبية تعيق من الجهود السياسة السلمية المبذولة لحلها ولتعزيز الأمن الإقليمي، بينما لا يتفق جيرانها معها بهذا الرأي.
وكما هو معروف فإن الاستقرار الإقليمي يرتبط إلى حد كبير بالأوضاع السياسية الداخلية في دول الإقليم والتي لها تأثير مباشر على علاقاتها مع الهند. وأظهر الواقع أن أكثر العلاقات استقراراً كانت العلاقات الهندية النيبالية التي لم يجري فيها أي تبدلات سياسية داخلية منذ ثلاثين عاماً حتى عام 1990، وبوتان التي تتمتع بنفس الأوضاع. بينما كانت العلاقات الهندية البنغلادشية أكثرها تقلباً بسبب الانقلابات العسكرية المتكررة فيها وما رافقها من تبديل للحكومات منذ انفصالها عن باكستان بمساندة عسكرية هندية، مما سبب حالة من عدم الاستقرار في سياستها الخارجية وفي علاقاتها مع الدول المجاورة لها في جنوب آسيا. وفي نفس الوقت تعتبر الهند أن تخفيف حالة التوتر في العلاقات الهندية الباكستانية ممكن فقط عندما تتسلم السلطة في باكستان حكومة مدنية.
ولهذا عملت الحكومة الهندية على إيجاد حالة من التكامل طويل المدى بين مصالحها ومصالح دول جنوب آسيا، في مسعى منها لتحقيق الاستقرار في الإقليم والوقوف إلى جانب استقرار الأوضاع السياسية الداخلية لدول جنوب آسيا، ومساندة الحركة الديمقراطية البورجوازية في نفس الوقت الذي سعت فيه لدفع الأنظمة المتصلبة نحو الديمقراطية من خلال دفع القوى السياسية الهندية لإقامة علاقات وطيدة مع الأحزاب الإصلاحية كحزب "عوامي ليغ" في بنغلاديش، وحزب الحرية في سريلانكا، وحزب المؤتمر النيبالي في نيبال. وتسبب النظم السياسية المتباينة في دول جنوب آسيا صعوبات كبيرة تعارض علاقاتها الثنائية على الرغم من انفراج الأوضاع في بعض دول جنوب آسيا خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، وخاصة حين وصلت إلى السلطة في باكستان حكومة مدنية بعد انتخابات عام 1988، وتطبيق نظام التعددية الحزبية في نيبال عام 1990، وإنهاء الحكم العسكري في بنغلاديش عام 1991 بعد إجراء الانتخابات العامة فيها.
وهنا لابد من الإشارة إلى تأثير الأوضاع الداخلية على السياسة الخارجية الهندية، فقد كان لحكومة حزب المؤتمر الهندي موقفاً ثابتاً وقوياً حيال الدول الصغيرة في جنوب آسيا نابعة من سياسة جواهر لال نهرو، الذي أعلن أيام حكمه أن "الدول القومية الصغيرة مصيرها العدم، ولا يمكنها العيش بمفردها بل كحدود ثقافية تتمتع بحكم ذاتي، وليس كنظام سياسي مستقل". ولكن رأي الحكومة المعارضة لحزب المؤتمر الهندي، الجبهة القومية التي تتألف من تحالف لعدد من الأحزاب الهندية بعد وصولها إلى السلطة عام 1989 كان مغايراً تماماً عندما دعى و.ب. سينغها رئيس مجلس الوزراء آنذاك إلى ضرورة بذل جهود من أجل تحسين العلاقات مع دول جنوب آسيا، وقام بمحاولات حتى عام 1990 لتحسين علاقات الهند مع كل الدول المجاورة عدا باكستان.
ومع تسلم حكومة تشاندرا تشيكهارا السلطة في خريف عام 1990 عادت دول الإقليم لتعرب عن تخوفها من إجباره من قبل حزب المؤتمر الهندي الذي يسانده على تشديد مواقفه في السياسة الإقليمية، وخلال الفترة القصيرة التي بقيت فيها حكومته على سدة الحكم واجهت مشاكل سياسية داخلية هامة وأزمة عميقة أظهرت عملياً ضعف اهتمامها بتطوير العلاقات مع بلدان جنوب آسيا. وتبعتها حكومة ب.و. ناراسيمهي راو زعيم حزب المؤتمر الهندي خلال الفترة من عام 1991 وحتى عام 1996 والتي لم تظهر كسابقتها أي اهتمام بدول جنوب آسيا. أما حكومة الأحزاب اليسارية والمركزية التي أقامت ائتلاف الجبهة المتحدة ووصلت إلى سدة الحكم في عام 1996 فقد اتبعت سياسة معتدلة مع دول الجوار، مما سمح لها بتحسين الموقف إلى حد كبير في المنطقة. وظهر تحسن في العلاقات الهندية البنغلادشية، والسيريلانكية. وبوصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى سدة الحكم في ربيع عام 1998 مرة أخرى ظهرت مخاوف كثيرة من مواقف هذا الحزب من دول الجوار الإقليمي في جنوب آسيا.
ومن خلفية دينية لم تحاول أية حكومة هندية تحسين العلاقات الهندية الباكستانية لأن ثلاث دول من دول الجوار الإقليمي يسكنها مسلمون، وفي دولتين يعتنق سكانها الهندوسية، ودولتين البوذية. ورافق ذلك ارتفاع نسبة التطرف الديني لدى الأقليات الدينية في كل تلك الدول، وأدى تعدد القيم القومية للأقليات فيها، والاختلافات الكبيرة في وجهات النظر السياسية والإستراتيجية والاقتصادية وتفاوت مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي لتلك الدول، إلى تصعيد حالة أوضاع العلاقات الثنائية بين دول الجوار الإقليمي واتسعت لتشمل الخلافات الحدود والمسائل الدينية والعرقية والسكانية بالإضافة لمشاكل اقتسام المياه والتسلح وبرامج التسلح النووي.
وبقيت المعضلة الأساسية في العلاقات الدولية لجنوب آسيا ممثلة بالعلاقات الهندية الباكستانية والوزن السياسي والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والعسكري للدولتين والمواجهة المستمرة بينهما على خلفية المصالح القومية والثقافية والسياسية المختلفة للنظامين، بالإضافة لخلافهما المستمر في جامو، وكشمير، الخلاف الذي بدأ نتيجة لطلب حاكم كشمير الهندوسي المساعدة العسكرية الهندية لمواجهة القبائل الإسلامية التي تسكن كشمير وقيام الهند بضم كشمير إلى أراضيها عام 1948 لتبدأ معه أول حرب هندية باكستانية وضع مجلس الأمن الدولي بمنظمة الأمم المتحدة حداً لها في صيف عام 1949 وتم تحديد خط لوقف إطلاق النار بين جيوش المتحاربين وسرعان ما تبدلت أوضاعه خلال الحربين اللتين وقعتا بين البلدين عام 1965 وعام 1971 لتصبح الأراضي الكشميرية عملياً مقسمة بين الهند وباكستان والصين. ونتيجة لحرب عام 1971 قام الجيش الهندي بدعم انفصال القسم الشرقي من باكستان وقيام بنغلاديش التي تفصلها عن باكستان الغربية 1500 كم من الأراضي الهندية. وفشلت بعد ذلك كل المساعي الدولية لحل الصراع الدائم بين الهند وباكستان واستمر إطلاق النار المتقطع عبر خط وقف إطلاق النار في كشمير مما أدى إلى وقوع خسائر مادية كبيرة وبشرية من الجانبين تقدر بالآلاف. وفي عام 1998 دخلت الدولتان مجال سباق التسلح النووي بعد التجارب النووية التي أجرتها الهند في 11 و15/5/1998، وباكستان في 26 و30/5/1998، تلك التجارب التي جاءت بعد تجربة التفجير الذرية الناجحة الأولى التي أجرتها الهند في عام 1974. ورغم المبادرة الباكستانية في عام 1991 لإعلان جنوب آسيا منطقة خالية من الأسلحة النووية إلا أن هذا السباق وسباق تطوير الصواريخ العابرة للقارات والقادرة على حمل رؤوس نووية مستمر في البلدين. إضافة لإدخال الهند أول غواصة ذرية هندية في خدمة البحرية منذ عام 2004.
ويبقى تصاعد خطر التطرف الديني الهندوسي والإسلامي الأهم في الإقليم، وخاصة الهندوسي الذي أخذ يشتد خلال تسعينات القرن العشرين مما يهدد الوحدة الوطنية في الهند. لأن تقسيم المستعمرة البريطانية السابقة إلى الهند وباكستان عام 1947 تم على أساس ديني شكلاً لأنه بقي في الهند أكثر من مئة مليون مسلم. وبقي الهنود ينظرون إلى باكستان كمصدر للغزو التركي للهند خلال الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر وحتى القرن الرابع عشر، والمغولي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وجيوش الأمير تيمور خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وكانت الفتوحات الإسلامية قد وصلت إلى السند من ما وراء النهر وأفغانستان خلال القرن الثامن الميلادي.
الفصل الثامن: الشرق الأوسط في العلاقات الدولية. شهدت ثمانينات القرن العشرين اشتداد أعمال العنف المسلح في الشرق الأوسط وشهدت نهايتها انخفاض حالة التوتر بعد موافقة قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في صيف عام 1988 على قرار مجلس الأمن الدولي بمنظمة الأمم المتحدة رقم 598 الصادر بتاريخ 20/7/1987 والقاضي بوقف إطلاق النار في الحرب الإيرانية العراقية بعد اقتناعها بعدم إمكانية تحقيق نصر عسكري على العراق بسبب المساعدات التي كان يحصل عليها العراق من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحصوله على الأسلحة والمعدات العسكرية من الاتحاد السوفييتي ودول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي 20/8/1988 بدأت في جينيف ونيويورك محادثات السلام الإيرانية العراقية، وبعد 15 جلسة لم يتوصل الجانبان لأي اتفاق يذكر، وفي صيف 1990 قطعت المحادثات وجمدت الخلافات لأجل غير مسمى ولم تجري على الجبهة أية عمليات عسكرية. وكان من نتائج تلك الحرب إضعاف الموقف العربي وتشتيت المواقف والموارد والقدرات العربية وصرف انتباه الدول العربية عن الصراع العربي الإسرائيلي لتحرير الأراضي العربية المحتلة.
وبعد وفاة الإمام الخميني عام 1989 بدأت الثورة الإيرانية بتغيير تكتيكها الذي أصبح يعتمد على الدعوة للثورة الإسلامية، في الوقت الذي كان يتطلع فيه الرئيس العراقي صدام حسين للحصول على مساعدات إضافية من الدول العربية ولكن دول مجلس تعاون دول الخليج العربية توقفت عن منح المساعدات للنظام العراقي ولم تفكر أي منها بإعفائه من القروض المترتبة عليه والبالغة 60 مليار دولار أمريكي. وبدلاً من تخفيض العدد الكبير للقوات العراقية بعد وقف الحرب مع إيران بدأ صدام حسين بإعداد الجيش العراقي ليصبح وسيلة فعالة تحول العراق إلى "مركز للقوة في العالم العربي" يمكنه من السيطرة على منابع النفط في البلدان المجاورة، وبدأ بالفعل التخطيط للعدوان عليها.
ومن أجل تحقيق ذلك الهدف بدأ بالبحث عن حلفاء جدد من بين الدول العربية وفي 16/2/1989 بادر صدام حسين لإنشاء منظمة "مجلس التعاون العربي"، التي عقدت أول قمة لها في بغداد وضمت إلى جانب العراق، الأردن، واليمن، ومصر التي كانت تحاول من انضمامها لتلك المنظمة إزالة آثار المقاطعة العربية لها إثر توقيعها على معاهدة السلام مع إسرائيل، ومن أجل إثارة المخاوف لدى دول مجلس التعاون الخليجي.
وقام الرئيس العراقي صدام حسين بدعوة العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، لزيارة العراق وأثناء الزيارة جرى التوقيع على اتفاقية عدم اعتداء بين البلدين للتخفيف من آثار تمتع العراق في آن واحد بعلاقات خاصة بدولتين عربيتين لهما خلافات حدودية مع المملكة العربية السعودية هما: الأردن، واليمن، وفي نفس الوقت يعطيها ضمانات أمنية في محاولة لإخراجها من صفوف دول مجلس تعاون دول الخليج العربية المجاورة للعراق.
ومن النصف الثاني لعام 1989 بدأت الصحافة العراقية بشن هجوم مركز على سياسة دول مجلس تعاون دول الخليج العربية متهماً إياها بالمسؤولية عن امتناع منظمة أوبيك عن زيادة حصة العراق لإنتاج النفط مما كان سبباً لإعاقة أعمال إعادة بناء الاقتصاد العراقي بعد الحرب. وبالتدريج تحولت تلك الاتهامات إلى حرب اقتصادية مكشوفة وأثناء انعقاد القمة العربية غير العادية في بغداد أعلن صدام حسين يوم 30/5/1990 "أن الحرب الاقتصادية أصبحت غير محتملة"، وفي 17/6/1990 عاد واتهم الكويت مباشرة بأنها واحدة من تلك الجهات المحركة "للحرب الاقتصادية" وأنها تستثمر وبطرق غير مشروعة الآبار النفطية في حقل الرميلة على الحدود العراقية الكويتية.
وكتعويض على "سرقة النفط العراقي" المزعومة طالب صدام حسين الكويت بدفع 2.4 مليار دولار أمريكي فوراً واستكمال المبلغ إلى 10 مليارات دولار أمريكي. ومن أجل تجنب الصدام مع العراق أعلنت الحكومة الكويتية عن استعداها لبحث المسائل المطروحة بين البلدين وعن استعدادها لتقديم قرض للعراق بمبلغ 9 مليار دولار أمريكي ورغم اتخاذها لهذا القرار رد صدام حسين بإرسال 150 ألف جندي عراقي لاحتلال الكويت ليلة 1-2/8/1990.
أثار الغزو العراقي على السياسة الخارجية لدولة الكويت: قامت قوات النظام العراقي السابق باجتياح دولة الكويت، الدولة الشقيقة والمجارة للعراق، الدولة المستقلة ذات السيادة، التي تشترك مع العراق في عضوية جامعة الدول العربية، ومنظمة الأمم المتحدة التي تمنع أنظمتها الدول الأعضاء فيها من القيام بأي عمل عدواني، أو حتى التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى. بالإضافة لمعاهدة الدفاع المشترك العربية، التي تلزم الدول العربية بمؤازرة والدفاع عن بعضها البعض والتي اعتمد عليها النظام العراقي للحصول على تأييد ومساعدة ودعم الكويت خلال حربه ضد إيران، ولا أعتقد أن أحداً يشك بأن النظام العراقي السابق كان يخطط ومنذ زمن طويل لارتكاب جريمته النكراء ضد دولة الكويت، وشعب الكويت، وحكومة الكويت. لا بل وأن سرعة ودقة تنفيذ جريمة العدوان والغزو الذي قام به النظام العراقي ضد دولة الكويت عام 1990، وسرعة الاحتلال، والسيطرة التامة على البلاد في فترة قصيرة جداً، وبخسائر لا تذكر مقارنة مع حجم العدوان والجريمة النكراء التي ارتكبت بحق دولة الكويت، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن خطة الغزو أعدت بدقة، وتم الترتيب لها منذ فترة طويلة.
ومن خلال استرجاع شريط الأحداث الرئيسية التي سبقت العدوان العراقي المبيت، والتي تعتبر تسلسلاً متكاملاً يتحدث عن الغدر، وشاهداً على نوايا النظام العراقي المبيتة ضد دولة شقيقة جاره وقفت إلى جانبه أثناء محنته في الحرب غير المبررة التي قام بها ضد دولة جارة أخرى هي إيران.
ومنذ وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية في صيف عام 1988، وعلى عكس التوقعات المنطقية، بأن النظام العراقي سيحول آلته وقدراته العسكرية من وضع دولة محاربة، إلى وضع دولة مسالمة خرجت من الحرب للتو، وتحتاج إلى كل الإمكانيات للم الجراح، وإعادة ما خربته ودمرته الحرب الطويلة. وكان المنطق يفترض أيضاً أن يوظف النظام العراقي كل قدراته الاقتصادية والطبيعية والمادية والعلمية والبشرية من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن الذي حدث كان على العكس تماماً، فقد بدأ النظام العراقي وعلى الفور باقتناء أسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية جديدة، ولم يطلق القوة البشرية التي شغلتها الحرب لمدة ثمان سنوات لتأخذ دورها في إعادة إعمار البلاد، ولم يسرح الأعداد الضخمة الزائدة من جيشه التي لم يعد لها لزوماً في وقت السلم، ولم يحولها إلى القطاعات المدنية المنتجة كما كان متوقعاً من أية دولة خرجت للتو من حرب مدمرة. ومنذ انتهاء حربه المدمرة ضد إيران قام النظام العراقي بشراء حوالي 1000 دبابة جديدة، و90 طائرة مقاتلة، و200 عربة مشاة قتالية، و150 مصفحة تحمل مدافع ثقيلة، و153 راجمة صواريخ متعددة الفوهات، و1580 قطعة مدفعية ميدان. وقام بالإضافة إلى ذلك بتطوير أنظمة دفاعاته الجوية وأنظمة صواريخه بعيدة المدى. وضاعف إنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
مما سمح بتصنيف الجيش العراقي كأقوى جيش في الشرق الأوسط، ومن أكبر جيوش العالم نمواً، حيث وصلت نسبة نموه خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين إلى 11.4 %، وأصبحت القوة العراقية تعادل ثلث قوات دول الشرق الأوسط مجتمعة. وكل تلك الأسلحة التي تزيد كثيراً عن حاجة العراق الدفاعية الفعلية تثبت أنها كانت مؤشراً عن نزعة توسعية شريرة، هيأت للنظام العراقي من القوة ما تكفيه للتباهي والغرور ووهم العظمة. ولهذا يمكننا أن نستنتج بأن الإعداد للغزو والعدوان المبيت ضد دولة الكويت، ورسم الخطط والسيناريوهات كان قد بدأ قبل أشهر على أقل تقدير، أي بعد انتهاء قمة مجلس التعاون العربي في العاصمة الأردنية عمان في عام 1990.
وبعد رفض دولة الكويت، ودول الخليج العربية لمطالب رئيس النظام العراقي السابق بإعطائه مبلغ ثلاثين مليار دولار أمريكي، وهو ما دفع على ما نعتقد بالنظام العراقي لشن حرب إعلامية، استخدمت فيها الدعاية وإثارة العواطف العربية ضد إسرائيل بعد إعدام الصحفي البريطاني من أصل إيراني فرزاد بازوفت، بتهمة التجسس. ومنذ ربيع عام 1990، بدأ النظام العراقي السابق بشن حملة إعلامية ضد إسرائيل ومن يقف معها من خلال خطابات الرئيس العراقي السابق صدام حسين الحماسية، والتي هدد فيها بأن العراق سيحرق نصف إسرائيل إذا حاولت الأخيرة ضرب العراق.
ومن خلال الجو الحماسي الذي خلقه رئيس النظام العراقي السابق، حاول النظام خلق جو سياسي نفسي انفعالي يشير إلى وجود أزمة بين العرب والغرب. وحاول إيجاد قواعد شعبية ورسمية تؤيد النظام العراقي السابق في تصديه للغرب، وتوليه مهمة حماية الأرض العربية. وللتنديد بإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وكسب التأييد للحرب الإعلامية التي يشنها، ودعى النظام العراقي السابق إلى عقد مؤتمر قمة عربية في بغداد، انعقدت خلال الفترة من 28 إلى 31/5/1990 للتنديد بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وتأييد العراق في حربة الإعلامية.
وخلال جلسات ذلك المؤتمر برزت تلميحات غامضة من الرئيس العراقي السابق صدام حسين بوجود أمر ما غير محدد، منها "أن العراق يتعرض لحالة اغتصاب من بلد عربي .. وإذا لم ينفع الكلام فلا بد من فعل مؤثر يعيد الأحوال إلى طبيعتها ويعيد الحقوق المغتصبة إلى أهلها"، وأضاف: "أن هذا نوع من الحرب ضد العراق، ولو في الجلد ما فيه يتحمل لتحملنا .. ولكن أقول إننا وصلنا إلى حال لا نتحمل الضغط".
وما أن انتهى مؤتمر القمة العربية في بغداد، حتى حول النظام العراقي السابق أبواقه الإعلامية وتهديداته العسكرية نحو جيرانه العرب في الجنوب، وافتعل أزمة سياسية مع دولة الكويت. وفي خطاب لرئيس النظام العراقي السابق صدام حسين بمناسبة ذكرى ثورة يوليو عام 1990، اتهم بعض الدول الخليجية بإتباع سياسة ضارة وخطيرة بمصالح الأمة العربية. وسبقه وزير خارجيته طارق عزيز، بتوجيه مذكرة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي، يتهم فيها دولة الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة بالتآمر على العراق، وتبديد ثروة العرب البترولية، والتلاعب بأسعار وإنتاج النفط، وسرقة نفط العراق.
مما دفع بالشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الخارجية للرد على المذكرة العراقية بتوجيه مذكرة مماثلة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، قال فيها:
"تلقينا بدهشة واستغراب بالغين مذكرة الحكومة العراقية الموجهة إلى معاليكم، والمؤرخة في 32 ذو الحجة 1410 هـ، الموافق الـ 15/7/1990، والتي تم توزيعها على الدول العربية الشقيقة في الجامعة العربية، وما تضمنته من ادعاءات واتهامات ضد الكويت، لا تستند إلى أساس من الواقع، كما أن ما ورد فيها من عبارات لا تتفق وروح العلاقات الأخوية القائمة بين الكويت والعراق، وتتنافى مع أبسط القواعد التي نحرص جميعاً على أن تحكم علاقاتنا العربية. ومما يدعو إلى الاستغراب أيضاً أن تأتي هذه المذكرة في مرحلة مهمة ودقيقة تمر فيها الأمة العربية، تستوجب أن تتوجه كل الجهود العربية نحو قضاياها المصيرية بعد أن فرغت هذه المنطقة من حرب دموية طاحنة. وأنه لأمر موجع أن تعقد الجامعة العربية اجتماعها الطارئ لبحث التهديدات الصهيونية والإمبريالية للأمة العربية فينتهي الاجتماع الطارئ بمثل هذه المذكرة التي تحمل في طياتها تهديدات لأعضائها. وفي الوقت الذي تبدي الكويت استياءها لهذه المذكرة فإنها تود أن تؤكد أنها كانت ولا تزال تتعامل مع شقيقاتها الدول العربية من واقع التزامها بالمبادئ والقيم التي وردت في ميثاق جامعة الدول العربية. ولعل في مقدمة تلك المبادئ الحرص على تعزيز أواصر العلاقات الأخوية والحرص أيضاً على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة لكل الدول، فضلاً عن القيم والأخلاق العربية التي تحكم علاقات الأشقاء. كما أن الكويت كانت وما زالت سباقة إلى توفير كل الفرص التي من شأنها تحقيق التماسك في العلاقات العربية، والبعد عن كل ما من شأنه أن يعكر صفو تلك العلاقات.
ولعل مما يضاعف استغراب الكويت أن تأتي هذه المذكرة من العراق الشقيق في الوقت الذي يتواصل فيه التنسيق بين البلدين في المجالات المختلفة ذات الاهتمام المشترك لتستمر العلاقة الطبيعية متطورة دوماً بين البلدين. ولم يكن في نية الكويت أن تطرح للتداول في جو من الإعلام المحموم قضايا معلقة بل أوكلت متابعة هذه القضايا إلى لجان متخصصة بين البلدين للتركيز على مجالات التعاون لتنميتها وتدفع بها نحو مواقع أكثر تقدماً، لتطغى عوامل التعاون على قضايا الاختلافات. ومن جانب آخر فإن هذه المذكرة تأتي في الوقت الذي تبذل فيه الكويت جهودها الخيرة وعلى كل المستويات لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة التي تتوق إلى تحقيق السلام العادل بين ربوعها. ومما يدعو إلى التساؤل أن تأتي هذه المذكرة وما تضمنته من إساءة للعلاقات الأخوية بين البلدين من جانب العراق الشقيق في الوقت الذي كان العراق في مقدمة الداعين إلى تحقيق الوفاق في العلاقات العربية والنأي بتلك العلاقات عما يعكر صفوها ويحقق لها التوازن بما يخدم العمل العربي المشترك.
إن الكويت انطلاقاً من إيمانها بأهمية العمل العربي المشترك سعت وبكل الجهد إلى تعزيز ذلك العمل وتوفير الفرص المناسبة لدعم العملية التنموية في الوطن العربي، ولعل ما قامت وتقوم به المؤسسات التمويلية الكويتية من دور فعال ومؤثر، وذلك منذ استقلال الكويت، خير دليل على حرص الكويت على الدفع بالعملية التنموية إلى آفاق تحقق التطلعات والمصالح المشروعة لأبناء الأمة العربية. ومن المعلوم في هذا الصدد أن الكويت تأتي في مقدمة دول العالم التي تحتل المساعدات أكبر نسبة من دخلها القومي، وهي مساعدات تحظى الدول العربية الشقيقة بالقسط الأكبر منها.
إن ما يدعو إلى الألم أن تتضمن المذكرة ادعاء بأن الكويت سعت إلى إضعاف العراق في الوقت الذي يعلم فيه الجميع موقف الكويت الداعم للعراق الشقيق، وهو موقف التزمت به منذ البداية وفاء لمبادئها القومية، والتزاماً بما تمليه عليها واجباتها القومية في إطار الجامعة العربية. ويعلم الجميع كم تحملت الكويت وكم عانت من ذلك الموقف القومي، فقد تعرضت لاعتداءات مباشرة استهدفت أبناءها وأراضيها ومنشآتها النفطية وناقلات نفطها ومصالحها التجارية، إلا أنها وقفت شامخة وسط تلك الحرب الضروس عند مبادئها وأهدافها. وليس من شيمة الكويت طرح ما أسهمت به من دعم للعراق الشقيق، حيث أن الكويت تؤمن بأن للعراق وحده أن يعلن أو لا يعلن ذلك، فالدم العربي المسفوح لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقارن بأي عائد مادي مهما بلغت أرقامه وتعددت منافذه. وأنه لأمر محزن حقاً حين تلتفت الأهداف الملتوية فتطمس الحقائق متجنية على تاريخ نعايش مرحلته ولم يجف مداده.
ومما يدعو إلى الدهشة في هذا السياق أن يأتي هذا الاتهام للكويت في الوقت الذي لا زالت تتردد فيه أصداء الإشادة بالموقف الكويتي من قبل العراق، عبر تصريحات المسؤولين العراقيين أو من خلال أجهزة الإعلام العراقية.
إن ما ورد في المذكرة من ادعاءات تتعلق بموضوع الحدود بين العراق والكويت، ومن أن الكويت قامت بتصعيد الزحف التدريجي والمبرمج تجاه الأراضي العراقية وذلك بإقامة المنشآت العسكرية والمخافر والمنشآت النفطية والمزارع على الأراضي العراقية يعد تزييفاً للواقع وعرضاً لحقائق معكوسة، حيث أن للعراق سجلاً حافلاً في تجاوزاته على الأراضي الكويتية، وهو سجل مدعم بالوقائع لدى الجهات المعنية.
ولقد سعت الكويت وبشكل متواصل إلى ترسيم الحدود بين البلدين، وإنهاء المشكلة المعلقة من جرائها، ولكن العراق كان يرفض وباستمرار وضع حد لتلك المسألة القائمة بين البلدين، في الوقت الذي سعى فيه العراق وأثناء الحرب إلى ترسيم الحدود بشكل نهائي مع الدول العربية الشقيقة المجاورة له.
وتأكيداً على حرص الكويت على إنهاء هذه المسألة المهمة مع العراق وإيماناً من الكويت بسلامة موقفها وبما يمليه عليها انتماؤها القومي فإنها تحتكم لأمتها في اختيار لجنة عربية يتفق على أعضائها كي تقوم بالفصل في موضوع ترسيم الحدود على أسس من المعاهدات والوثائق القائمة بين الكويت والعراق.
فهل يقبل العراق الشقيق مثل هذا الحكم العربي انسجاماً مع مبادئه وتنفيذاً لروح الميثاق القومي الذي طرحه فخامة الرئيس صدام حسين ؟
إن المتتبع لقضية أسعار النفط يدرك وبوضوح أن تدهور الأسعار كان بفعل مشكلة عالمية تدخل فيها أطراف عدة منتجين ومستهلكين ومن داخل "أوبك" وخارجها. ولقد عانت الكويت كما عانى العراق قلة الإنتاج في الفترات نفسها – الثمانينات – في الوقت الذي كان في مقدور الكويت أن تقوم بالإنتاج وبطاقات كبيرة مقارنة بما لديها من مخزون نفطي هائل ولكن الكويت التزمت بتقنين الإنتاج مع ما يعنيه من تضحية، محافظة على الثروة الطبيعية وتحقيقاً لمستوى أفضل للأسعار.
وحول ما ورد في المذكرة من أن الكويت قامت بنصب منشآت نفطية منذ عام 1980 على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي فإن الحقيقة تتلخص بأن الكويت بدأت عمليات الاستكشافات والتنقيب داخل أراضيها منذ عام 1963 ثم توقفت تلك العمليات لأسباب يعرفها العراق جيداً واستأنفت الكويت بعد ذلك عمليات الحفر عام 1976 لتكتمل جميع العمليات ويبدأ الإنتاج في أواخر السبعينات. وفي ما ادعته المذكرة العراقية بسحب الكويت للنفط من الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي فإنه لا بد من التأكيد هنا أن هذا الجزء من الحقل يقع ضمن الأراضي الكويتية وعليه قامت الكويت باستخراج النفط من آبار تقع ضمن أراضيها جنوب خط الجامعة العربية، وعلى مساحة كافية من الحدود الدولية وفقاً للمقاييس العالمية. إن عمليات الإنتاج تتم داخل الأراضي الكويتية، وعلى عكس ما ورد في المذكرة العراقية، فقد تكررت محاولات العراق ولا تزال بحفر آبار داخل الأراضي الكويتية مما يلحق الضرر البالغ في مخزون الحقل الخاص بالجزء الواقع ضمن الأراضي الكويتية، على رغم الاعتراضات الكويتية فلم تشأ الكويت إثارة هذه المشكلة على الساحة العربية بل اكتفت بالاتصالات الثنائية بين البلدين.
إن الكويت في الوقت الذي تبدي فيه استعدادها لدراسة المقترح الذي ورد ضمن المذكرة العراقية والمتعلق بإقامة صندوق للمعونة والتنمية العربية، ترى وبكل إخلاص أن هذا المقترح يمكن أن يطرح للبحث والدراسة في نطاق الجامعة العربية، لكن الأمر الذي لا تفهمه الكويت ولا تقبل به أن يأتي هذا المقترح مرافقاً للنيل والإساءة لها وهي التي كانت في مقدمة الدول الداعية لوضع الأسس والقواعد التي من شأنها الدفع بالعمل العربي المشترك بما يحقق المصالح القومية العليا للأمة العربية.
وفي الختام فإن الكويت في الوقت الذي تعتمد فيه الحقائق وحدها في ردها على المذكرة العراقية التي جاءت لتمثل تطوراً سلبياً في العلاقات الأخوية بين البلدين، لتنبه إلى المخاطر التي قد تنجم عن إتباع مثل هذه الأساليب في التعامل بين الأشقاء، والتي تعيد أمتنا إلى دائرة الانشغال عن القضايا المصيرية للأمة العربية".
ورغم مبادرة المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية لبذل المساعي الحميدة لاحتواء الأزمة التي افتعلها نظام صدام حسين، قام بتنفيذ حملة من التضليل والشتائم عبر وسائل إعلامه ضد دولة الكويت والمسؤولين الكويتيين، وذهب إلى أبعد من ذلك بحشده ثلاثين ألف جندي على الحدود الكويتية بتاريخ 24/7/1990. ورغم عقد اجتماع ضم وفدين كويتي، وعراقي بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية يوم 31/7/1990، ثبت بعد ذلك أن الحضور العراقي لهذا الاجتماع لم يكن سوى ذر رماد في العيون وتغطية للنوايا العدوانية الحقيقية التي بيتها النظام العراقي البائد ضد دولة الكويت، والدول الخليجية العربية الأخرى.
هذا إن لم نتحدث عن محاولات الهيمنة التي قام بها نظام صدام حسين للسيطرة على الساحة السياسية العربية بعد نجاحه في تكوين مجلس التعاون العربي في عام 1989 والذي ضم إلى جانب العراق كلاً من: مصر، والأردن، واليمن، وكان هدف النظام العراقي كما أثبتت الوقائع محاولة ترسيخ شق الصف العربي وحصار دول مجلس التعاون الخليجي، بقوى عربية تفوق قوى دول مجلس التعاون الخليجي من حيث عدد السكان، والقوة العسكرية، والسياسية، أو على الأقل تحييد تلك الدول عند شروعه بتنفيذ مخططه الإجرامي الجهنمي بغزو جارته العربية الكويت تمهيداً لفرض سيطرته وهيمنته على المنطقة العربية بأسرها.
أبعاد العدوان المبيت على دولة الكويت: كتب الباحث المصري جلال عبد الفتاح في كتابه "العمليات العسكرية لغزو الكويت"، أنه مع بزوغ الساعات الأولى من صباح يوم الخميس 2/8/1990 قامت القوات العراقية باجتياز الحدود الكويتية والاستيلاء على المؤسسات الكويتية واحتلال البلاد خلال ساعات قليلة مع غياب المقاومة، اللهم إلا وجود عدد محدود من بؤر المقاومة والتصدي الخفيفة. ففي الساعات الأولى اخترقت القوات العراقية (لواء 23 – مدرع) المراكز الحدودية الواقعة بين الكويت والعراق، واعترضت الدوريات الكويتية وأسرتها. بينما قام الفيلق الثامن التابع للحرس الجمهوري بالسيطرة على الطريق الرئيسي في العبدلي، واتجهت إلى مدينة الكويت. ونزلت أرتال عراقية من أم قصر باتجاه منطقة الصبية. وتمت عملية إنزال بحري في جزيرة بوبيان، وإنزال بحري ومظلي أمام قصر دسمان، وإنزال مظلي آخر في قصر بيان. وشارك في الغزو العراقي إضافة إلى هذه القوات اللواء (21 – مدرع)، واللواء (9 – مشاة ميكانيكي)، وكتيبتان من القوات الخاصة، هما الكتيبة (65 – مغاوير)، والكتيبة (68 – مغاوير). وكان حجم القوات الغازية يتألف من 55 ألف عسكري، و423 دبابة، و216 قطعة مدفعية، و144 طائرة مقاتلة وقاذفة.
فماذا نقول عندما نعلم أن من تصدى لكل تلك القوات الغازية هو اللواء السادس مغاوير، واللواء 35 من الجيش الكويتي المتواضع جداً أمام حجم القوات الغازية، ورغم ذلك فقد قاتل الجنود الكويتيون تلك القوات الغازية المتفوقة عدداً وعدة، وحجماً وتدريباً، بقوة وثبات. كما واضطرت القيادة السياسية الكويتية للجوء إلى المملكة العربية السعودية أمام هذا الزحف الظالم المتوحش من قبل قوى البغي والعدوان في الوقت المناسب، حيث عملت من هناك على استقطاب التعاطف والتأييد والمساندة العربية والدولية لدولة الكويت مع بداية المحنة التي أصابتها بسبب رعونة نظام صدام حسين الظالم والفاسد في العراق.
وقد اعتمد النظام العراقي البائد عند غزوه لدولة الكويت إلى عدة مبررات وأسباب واهية، استمدها أولاً من أرضية سياسية أراد منها إلهاء الشعب العراقي بمشاكل وصراعات خارجية لتحويل أنظاره عن المطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة والمشاركة السياسية، واستغلال الفرصة للتخلص من المعارضة داخل العراق، وإطباق الخناق على المعارضة بين أبناء الجالية العراقية التي أرغمها بطش النظام البائد للهرب إلى خارج العراق حفاظاً على الأرواح.
وعلى الصعيد الإقليمي نلاحظ أن النظام العراقي السابق قد اعتمد سياسة الهيمنة بعد أن نجح بعزل مصر عربياً إثر توقيعها على اتفاقية كمب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل. وشن حرباً مجنونة ضد إيران لتقويض نظام الثورة الإسلامية فيها وبدأ منذ انتهاء حربه تلك مع إيران بتعزيز موقعه كدولة رئيسية في الخليج عن طريق تحييد خصومه بإنشاء طوق أمني وسياسي وعسكري حول دول الخليج بواسطة مجلس التعاون العربي، وتحييد المملكة العربية السعودية في أية مغامرة قد يرتكبها النظام في المنطقة من خلال توقيع اتفاقية عدم اعتداء معها.
أما على الصعيد الدولي فقد دفعته أوهامه إلى تجاهل التغيرات الدولية المعاصرة ورياح التغيير العاصفة التي كانت تقترب بالاتحاد السوفييتي السابق إلى نهايته. ولم يكن النظام العراقي ليتوقع أبداً أن تحالفاً دولياً بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمته وزودته بالسلاح أثناء حربه ضد إيران سيجبره على ترك الكويت لأهله والانسحاب يجر وراءه أذيال الهزيمة والعار.
كما وانطلق النظام العراقي البائد من أرضية تاريخية في محاولة لخلق مبررات وكأن الكويت كانت في يوم من الأيام جزءاً من العراق. وأن التقسيمات التي فرضها الاستعمار الأوروبي على الأمة العربية قد علقت مسألة الحدود بين الكويت والعراق وتركها دون حل. وحقيقة الأمر بأن العراق بخريطته السياسية الحالية كان قد ظهر إلى الوجود في عام 1920، وكان قبل ذلك ضمن الإمبراطورية العثمانية يشكل ثلاث ولايات عثمانية منفصلة هي: ولاية الموصل، وولاية بغداد، وولاية البصرة. ولم تكن الكويت في يوم من الأيام داخل هذا التقسيم الإداري للإمبراطورية العثمانية. وكانت دولة الكويت دائماً كياناً مستقلاً يتبع اسمياً للإمبراطورية العثمانية التي كانت حامية للإسلام والمسلمين آنذاك.
ويذكر تاريخ دولة الكويت أن الجذور السياسية لدولة الكويت تعود إلى عام 1716 عندما هاجرت جماعة من ثلاث قبائل عربية نجدية تعرف بالعتوب من عشيرة عنزة التي تقطن شبه الجزيرة العربية إلى الكويت التي كانت تعرف آنذاك باسم القرين واتخذوها موطناً لهم. وكان العام 1756 هو بداية تأسيس نظام حكم عائلة آل الصباح التي أسست نظام الإدارة المستقلة لدولة الكويت حتى يومنا هذا.
ومع كل ما ذكرنا نعتقد أن النظام العراقي البائد قد شن عدوانه على دولة الكويت من دوافع اجتماعية اقتصادية أيضاً، وأراد من خلال مغامرته المجرمة تغطية الآثار التي نتجت عن حربه ضد إيران والتي استمرت طيلة ثماني سنوات لتثقل الشعب العراقي الشقيق بالجراح، وبأعداد هائلة من القتلى والجرحى والمعاقين، ووضعت اقتصاد العراق في وضع خانق تراكمت فيه الديون على كاهل النظام العراقي السابق وعجز في ميزان مدفوعاته. مما أدى إلى تزايد البطالة، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية. إضافة إلى تدهور الحالة الإنتاجية وتحويل إمكانياتها لتلبية حاجات العراق العسكرية ومغامرات النظام العراقي الطائشة طيلة كل تلك المدة من تاريخ العراق الحديث.
ولم تجد المساعدات التي قدمتها دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي للشعب العراقي طريقاً لتلبية حاجات الاقتصاد العراقي لأن نظام صدام حسين كان يصرفها ودون أي وازع من ضمير على الدعاية الحزبية، وإقامة الحفلات والمهرجانات الخطابية، وإنشاء مراكز الدعاية والتجسس في دول العالم المختلفة، وشراء الذمم والصحف المأجورة، بدلاً من صرفها على البناء والتنمية الاقتصادية. وإضافة إلى ذلك استمر النظام العراقي السابق في بناء ترسانته الحربية الموجهة ضد شعبه، وضد دول الجوار الإقليمي، واستمر بتطوير برامج أسلحة الدمار الشامل، ومن بينها الأسلحة الكيماوية التي استخدمها النظام العراقي البائد ضد أبناء شعبه وهي سابقة خطيرة لم يشهد التاريخ مثلها على الإطلاق. كما وتم صرف الموارد والمساعدات التي قدمت للعراق على برامج التصنيع العسكري بدلاً من برامج تصنيع احتياجات العراق من السلع الأساسية التي يحتاجها الشعب العراقي.
وهنا يجب أن الإشارة خاصة إلى قيام النظام العراقي طيلة فترة حكمه الطويلة بخلق دولة بوليسية تعتمد على القمع والإرهاب، ودولة مثلها تحتاج إلى أموال طائلة لتجنيد جيش من العملاء والمخبرين للتجسس على أهلهم وجيرانهم. وقد صرف النظام السابق مليارات الدولارات على تلك الأجهزة من عائدات النفط العراقي ومن مساعدات الدول الخليجية العربية التي كانت تصب عليه بسخاء قبل عدوانه الغادر على دولة الكويت عام 1990.
وكل ما سبق ذكره من مصاريف باهظة غير عقلانية تفوق قدرات العراق الاقتصادية، رتبت على كاهل الشعب العراقي ديون خارجية بلغت ما يقارب 70 مليار دولار أمريكي. فلم يجد النظام العراقي السابق أمامه إلا العدوان والسطو على مقدرات دولة الكويت التي تسمح له بالإضافة للمقدرات النفطية العراقية السيطرة على 20 % من احتياطي النفط في العالم، ولهذا كان يحلم من عدوانه الآثم السيطرة على أسواق النفط من خلال التأثير على منظمة أوبك، وان يصبح منافساً للمملكة العربية السعودية. إضافة إلى تحسين قدراته التصديرية للنفط بعد سيطرته على موانئ تصدير النفط الكويتية، ليجعل من حاجة العراق لخطوط أنابيب تصدير النفط العراقي حاجة ثانوية.
وهنا يجب أن نذكر بأن النظام العراقي السابق كان قد بدأ حربه مع إيران ولديه فائض مالي يصل إلى 35 مليار دولار أمريكي، ورغم حجم عائداته النفطية العالية والمساعدات السخية التي حصل عليها من الدول الخليجية العربية، وكمثال فقط بلغت المساعدات التي قدمتها له دولة الكويت خلال تلك الحرب 15.3 مليار دولار أمريكي، والمملكة العربية السعودية 25.7 مليار دولار أمريكي. ورغم كل ذلك خرج من تلك الحرب الطائشة بديون ثقيلة على كاهل الشعب العراقي بلغت أكثر من 70 مليار دولار أمريكي على شكل قروض خارجية.
وأخيراً يجب أن نذكر أن النظام العراقي السابق من بين أساليب الاستفزاز والابتزاز التي كان يستخدمها ضد دولة الكويت مطالبته من خلال اللقاءات التي جرت بين مسؤولين كويتيين وعراقيين ضمن إطار الجامعة العربية والمساعي الحميدة لبعض الدول العربية، مطالبته بدفع 10 مليار دولار أمريكي كهبة من دولة الكويت، وإلغاء القروض السابقة التي قدمتها دولة الكويت للعراق.
وكلها ثمناً لحرية واستقلال دولة الكويت ومن سخرية القدر أن العراق سبق واعترف باستقلال دولة الكويت وحدودها السياسية الحالية منذ عهد الدولة العثمانية، وعهد النظام الملكي في العراق، وبعده النظام الجمهوري. وكانت أول اتفاقية للحدود بين البلدين قد وقعت في عام 1913، ومعروفة باسم "معاهدة لندن"، المعقودة بين الدولة العثمانية التي كانت تحكم العراق آنذاك، وبريطانيا الدولة الحامية للكويت. وضمنت تلك الاتفاقية منطقتي أم قصر، وصفوان للعراق، وجزر وربة وبوبيان للكويت، وحدد الخط المستقيم المتجه غرباً من الساحل المقابل لجزيرة وربة إلى نقطة تقع ما بين مركز العبدلي الكويتي، ومركز صفوان العراقي هو الخط الحدودي البري الفاصل بين الدولتين.
وفي عام 1922 عادت المملكة العراقية واعترفت بحدود دولة الكويت الحالية بموجب اتفاقية "العقير" التي وقعتها مع دولة الكويت، ودولة نجد. وعادت المملكة العراقية مرة أخرى لتأكيد اعترافها بالحدود الحالية لدولة الكويت في عام 1932 من خلال الرسائل التي تبادلها حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح، ورئيس وزراء العراق نوري السعيد. وأكد هذا الاعتراف الالتزام القانوني باستقلال دولة الكويت ضمن حدودها الدولية الحالية المعترف بها في اتفاقية الصداقة والاعتراف التي وقعت بين الجانبين خلال العهد الجمهوري في عام 1963، والتي تنص المادة الأولى منها على "تعترف الجمهورية العراقية باستقلال دولة الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس وزراء العراق بتاريخ 21/7/1932، والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ 10/8/1932".
ردود الفعل العالمية على الاحتلال العراقي لدولة الكويت: لقد كانت فترة الاحتلال العراقية للكويت، فترة حالكة السواد قاسية وشاقة، فقد أحكمت قوات نظام صدام حسين قبضتها على الأراضي الكويتية خلال ساعات معدودة، وأغلقت الموانئ البحرية والجوية، ومنعت السفر إلى الخارج، وفرضت حالة منع التجول، وقطعت الاتصالات البرقية والهاتفية مع العالم الخارجي. وهكذا تم عزل الكويت عن العالم الخارجي تماماً يوم 2/8/1990. وصعق الشعب الكويتي وحكومته بحجم وهمجية غزو النظام العراقي لدولة الكويت، وظهر الإجماع الكويتي ضد الغزو من خلال امتناعهم عن التعاون مع سلطات الاحتلال، وإعلان العصيان المدني، وتنظيم أنفسهم لمقاومة الاحتلال. وظهرت على الساحة قوى عديدة أخذت على عاتقها مهمة مقاومة الاحتلال بالسلاح، واتخذت مقاومتها طابعاً فريداً لمضايقة القوات العراقية المحتلة.
أما الحكومة الكويتية التي لم تستطع حتى أن تصدق ما حدث بعد كل تلك المساعدات والمساندة التي قدمتها للنظام العراقي في حربه مع إيران، فلم تكن لتتوقع أن يقوم بجريمة شنيعة أقدم عليها فجر 2/8/1990. وبعد أن انتقلت إلى ملجئها المؤقت في المملكة العربية السعودية، بدأت بإجراء اتصالات واسعة مع دول العالم لحشد المساندة لقضية الكويت العادلة، وتحرير أرضها من الاحتلال. وبدأت الحكومة الشرعية في المنفى العمل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية لاستقطاب تأييد العالم للحق الكويتي في وطنه وأرضه.
وكانت ردود الفعل الأولية متناقضة، فقد أصيبت معظم الدول العربية بالصدمة التي أجبرت بعضها على الصمت وتجاهل النداءات الكويتية الشرعية لحشد القوى لطرد المحتلين من الكويت. وقامت بعض الحكومات العربية بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالبقاء خارج النزاع وترك أمور حله للدول العربية. ووصل العاهل الأردني الملك الراحل حسين بن طلال إلى الإسكندرية للتنسيق مع الرئيس المصري حسني مبارك.
وجاء تحرك الجامعة العربية متأخراً، وأدان مجلس الجامعة العربية الغزو العراقي للكويت في اليوم الثالث للاحتلال يوم 4/8/1990، ودعى البيان الذي أصدره مجلس الجامعة إلى ضرورة الانسحاب غير المشروط للقوات العراقية من الكويت إلى مواقعها قبل 1/8/1990، وتبعه بيان مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد في القاهرة الذي صدر يوم 10/8/1990 بأغلبية أصوات الذين حضروا مؤتمر القمة، يدين العدوان العراقي على الكويت، ويشجب تهديداته لدول الخليج العربية، ويطالب بانسحاب القوات العراقية من الكويت، ويوافق على إرسال قوات عسكرية عربية إلى المملكة العربية السعودية (وافقت على القرار 12 دولة عربية، وعارضته 3 دول هي: العراق، وفلسطين، وليبيا، وتحفظت عليه كلاً من: السودان، والأردن، وموريتانيا، وامتنعت عن التصويت كلاً من: الجزائر، واليمن، وتغيبت عن المؤتمر تونس). وأثبت الواقع أن حجم العدوان الذي ارتكبه النظام العراقي ضد الكويت أكبر بكثير من أي حل عربي ولا بد لحله من مشاركة دولية فاعلة لأن الأزمة بحد ذاتها هي اختراق لقواعد القانون الدولي.
وأرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وفداً برئاسة وزير الدفاع الأمريكي ديك تشيني، لإقناع خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز بضرورة تواجد قوات أجنبية لحماية المملكة العربية السعودية وتحرير الكويت. وعقد المجلس الوزاري لدول التعاون الخليجي مؤتمراً في جدة بتاريخ 7/8/1990، وفي نفس هذا اليوم قامت المملكة العربية السعودية بإغلاق خط أنابيب نقل البترول العراقي المار عبر أراضيها. وأرسل الملك الراحل فهد بن عبد العزيز رسالة إلى الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف. وظهر واضحاً أن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها المملكة العربية السعودية تركز على الجهود السلمية لحل الأزمة دون اللجوء إلى استعمال القوة العسكرية ووفرت كل الإمكانيات اللازمة لحكومة الكويت الشرعية في المنفى للتحرك من المملكة العربية السعودية.
وفي وقت لاحق تحولت المملكة العربية السعودية إلى قاعدة عسكرية، ومركز عمليات للقوات السعودية والكويتية وقوات أكثر من 31 دولة شقيقة وصديقة احتشدت لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وقد أكدت الجهود والمساعي السعودية مدى الأهمية والثقل السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية على الساحتين العربية والدولية.
أما جمهورية مصر العربية فقد كانت المحطة الأولى لبداية التحركات السياسية العربية لاحتواء الأزمة، واستضافت مؤتمر القمة العربية، وأرسلت قوات مسلحة إلى المملكة العربية السعودية. ودعت الجمهورية العربية السورية العراق للانسحاب من الكويت، وشاركت قواتها المسلحة في قوات التحالف الدولي الذي حرر الكويت من الاحتلال العراقي. أما على مستوى دول الجوار الإقليمي فقد اتسمت مواقف تلك الدول بمعارضة العدوان العراقي وتأييد الحق الكويتي لأسباب مختلفة تتعلق بسياساتها الخارجية.
أما على المستوى الدولي فقد جاء غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت في فترة حرجة كانت تمر بها العلاقات الدولية، وهي فترة البريسترويكا في الاتحاد السوفييتي السابق، وتبلور نظام عالمي جديد يفضل استخدام الحلول السلمية لفض النزاعات الدولية. وعلى الرغم من التباين البسيط في مواقف الدول الغربية، فإن الإجماع كان في إدانة العدوان والمطالبة بانسحاب العراق من الكويت، وعودة الحكومة الشرعية.
ورأت بريطانيا من منطلق المسؤولية الأدبية اتجاه الخليج، وبحكم خصوصية تاريخ العلاقات الخليجية البريطانية، ضرورة التزام العراق بقرارات الأمم المتحدة. وأعلنت رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، ضرورة الانسحاب العراقي، وعودة الشرعية والتصميم على تنفيذ ذلك بكل الوسائل وعدم المساومة على هذا المبدأ، والمشاركة في القوات الدولية. وأعلنت فرنسا عن تنديدها بالغزو العراقي وطالبت بالانسحاب العراقي الفوري والإفراج عن الرهائن الفرنسيين والغربيين، وإرسال قوات فرنسية ضمن قوات التحالف، واشترطت هيمنة مجلس الأمن الدولي على قرارات تحرير الكويت.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أدانت الغزو العراقي لدولة الكويت وطالبت بانسحاب فوري وغير مشروط. وجمدت الأموال الكويتية والعراقية لدى المؤسسات المالية الأمريكية، وتقدر الأموال الكويتية منها بحوالي 30 مليار دولار أمريكي، وقامت بالضغط على الدول الأخرى لتجميد الممتلكات الكويتية فيها كي لا يستفيد العراق منها. كما واستغلت ثقلها في مجلس الأمن الدولي لإصدار قرارات جماعية تدين أعمال العراق، وتؤيد الكويت، وتبرر الأعمال الدولية لمواجهة القضية. وكان أول قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، القرار رقم 660 مباشرة في يوم غزو النظام العراقي للكويت 2/8/1990، حيث أدان الغزو العراقي لدولة الكويت، وطالب العراق بسحب قواته فوراً ودون قيد أو شرط، وتأييد الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي بين البلدين، وصوت الاتحاد السوفييتي لصالح القرار، واعتبر ذلك نصراً لتحركات واشنطن، وصدمة للعراق الحليف السابق في الخليج، ولم تشترك اليمن كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي في التصويت.
أما الاتحاد السوفييتي فقد تحرك على محورين، أيد في واحد منها القرارات والخطوات الدولية المشتركة، والتحركات الذاتية. وأعلن وزير الخارجية السوفييتي حينها أن موسكو لا ترحب بالتدخل العسكري، ودعى القادة العرب إلى العمل على تسوية أزمة الخليج بالطرق السلمية، وإرسال التحذيرات الصارمة الشفوية والكتابية إلى العراق للموقف الخطير. وأصدرت الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي بياناً مشتركاً حول الموضوع يوم 3/8/1990، وفي 9/9/1990، وأعلن الرئيسان الأمريكي جورج بوش، والرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، في بيان لقاء هلسنكي معارضتهما للغزو العراقي للكويت، ودعوها للانسحاب منها، وإعادة الحكومة الشرعية إليها.
دولة الكويت من الاحتلال إلى التحرير: تمكنت الحكومة الشرعية كما سبق وأشرنا من اللجوء إلى المملكة العربية السعودية، واتخذت من الطائف مقراً مؤقتاً لها. وعملت الحكومة الشرعية مع سفاراتها في الخارج، ومن وزارة خارجيتها في الرياض، ومن مصالحها المالية في لندن، ومن مقر الخطوط الجوية الكويتية في القاهرة، ووكالة الأنباء الكويتية (كونا) من دمشق ولندن، ومع مواطنيها في الخارج لأن قرابة 200 ألف مواطن كويتي كانوا يقضون عطلتهم الصيفية في الخارج، وانضم إليهم مثل هذا العدد بعد الاحتلال. فقامت الحكومة الشرعية في المنفى بتسهيل سبل حياتهم في منفاهم المؤقت، وعملت على تنظيم إرسال الماء والإمدادات لأبناء الكويت الرازحين تحت الاحتلال.
وكان من أحد أهم الأعمال التي قامت بها الحكومة الشرعية في المنفى تنظيمها للمؤتمر الشعبي الكويتي الذي انعقد خلال المدة من 13 وحتى 15/10/1990 بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، والذي أكد المجتمعون خلاله على رفضهم للاحتلال العراقي لدولة الكويت، وتمسكهم بالشرعية الكويتية، والمحافظة على دستور دولة الكويت لعام 1962 كأساس للحكم. وقرر المؤتمر في نهاية أعماله إرسال 16 وفداً شعبياً لزيارة 89 دولة من دول العالم لشرح عدالة القضية الكويتية.
وطيلة فترة الاحتلال العراقي لدولة الكويت كانت الهيئات الكويتية في الولايات المتحدة الأمريكية تكثف نشاطها من أجل عرض قضية الكويت أمام الرأي العام الأمريكي، وأنشأت لهذا الغرض منظمات شعبية أمثال: "مواطنون من أجل كويت حرة"، و"التواصل الخليجي". وقام السفير الكويتي في واشنطن الشيخ سعود الصباح مثلاً بإلقاء أكثر من 80 محاضرة، وأكثر من 40 رحلة لعرض قضية الكويت أمام الرأي العام.
وفي المجال الإعلامي ومن أجل التصدي للإعلام المعادي وكشف جرائم النظام العراقي أمام الرأي العام العالمي، تم إنشاء إذاعتين للكويت الأولى تبث من جمهورية مصر العربية، والثانية تبث من المملكة العربية السعودية، إضافة لتنظيم رسالة الكويت التلفزيونية اليومية من تلفزيونات دول مجلس التعاون الخليجي، وأقيم مركز إعلامي في القاهرة ، وتم إصدار صحيفة "صوت الكويت الدولي" من لندن.
أما على صعيد الاستعدادات العسكرية، فمعروف أن قدرات دولة الكويت، ودول مجلس التعاون الخليجي العسكرية محدودة ومتواضعة ولا تكفي احتياجات حرب التحرير. فقد قامت دول مجلس التعاون الخليجي أولاً بتنفيذ خطة "درع الصحراء" لوقف امتداد العدوان العراقي إلى دول أخرى. ونجحت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الأيام الأولى للغزو العراقي، بتشكيل تحالف دولي من دول مختلفة الأوجه والتوجهات، ومن جميع قارات العالم، وأنشأت تجمع عسكري ضخم يتمتع بالشرعية الدولية للقيام بعملية "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
ومع موافقة المملكة العربية السعودية على استضافة القوات العربية والدولية على أراضيها لحمايتها من التهديدات العراقية، بدأت القوات المصرية والأمريكية بالوصول إلى المملكة العربية السعودية اعتبارا من 11/8/1990. ونجحت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية من تجميع قوات برية من أكثر من 30 دولة، ضمت أكثر من 500 ألف جندي، وحوالي 2000 طائرة تابعة لدول التحالف الدولي. وشكلت قوات دول مجلس التعاون الخليجي منها 71.500 جندي، و475 طائرة مقاتلة، و24 طائرة عاموديه، و1150 دبابة، موزعة على الشكل التالي:
دولة الكويت: 11.500 جندي، و25 طائرة مقاتلة وقاذفة، و24 طائرة عاموديه، و400 دبابة.
المملكة العربية السعودية: 45.000 جندي، و300 طائرة مقاتلة وقاذفة، و8 قطع بحرية، و550 دبابة.
دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، وسلطنة عمان: 15.000 جندي، و150 طائرة مقاتلة وقاذفة، و200 دبابة.
أما القوات العربية الأخرى فتشكلت من القوات المصرية التي تألفت من: 36 ألف جندي ومظلي وكوماندوز، و480 دبابة، و2500 جندي تمركزت في دولة الإمارات العربية المتحدة.
والقوات السورية التي تشكلت من: 19 ألف جندي ضمنهم جنود من الوحدات الخاصة، و270 دبابة، و2000 جندي تمركزت في دولة الإمارات العربية المتحدة.
والقوات المغربية التي تشكلت من: 1200 جندي في المملكة العربية السعودية، و500 جندي تمركزت في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتشكلت قوات الدول الإسلامية من: 5000 جندي باكستاني، و2000 جندي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وحوالي 1000 مستشار عسكري في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. و2000 جندي من بنغلادش تمركزت في المملكة العربية السعودية، ووحدات من المشاة وسلاح المهندسين. وشاركت السنغال بـ 500 جندي، والنيجر بـ 480 جندي تمركزت في المملكة العربية السعودية.
وضمت القوات الأجنبية وحدات عسكرية من أوروبا، واستراليا، والأمريكيتين، قامت بتمويل قدراتها الأساسية وزودتها بالعتاد العسكري كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا.
وتمثلت المشاركة البريطانية بـ 37 ألف جندي، و100 طائرة مقاتلة، و16 قطعة بحرية، و5 أسراب من طائرات تورنادو، وجاكوار الاعتراضية، و120 دبابة تشالنجر، ومدفعية، ونظم إطلاق الصواريخ.
والمشاركة الفرنسية بـ 12 ألف جندي، و14 قطعة بحرية على متنها 1200 جندي ومزودة بأنظمة إطلاق الصواريخ، ومدمرتان، و4 أسراب من قاذفات القنابل والطائرات الاعتراضية، و7200 مظلي متمركزين في جيبوتي ومزودين بسرب من مقاتلات الميراج.
أما قوات الولايات المتحدة الأمريكية فكانت أكثر من 430 ألف جندي، منهم 370 ألف من القوات البرية، و1300 طائرة، و6 حاملات طائرات، و70 قطعة بحرية، و1000 دبابة، و2000 مصفحة، و1500 طائرة عاموديه مقاتلة.
وإلى جانب تلك القوات شاركت قطع بحرية من 20 دولة انتشرت في مياه الخليج والمناطق البحرية المحيطة بمنطقة العمليات الحربية، من بينها: كندا، والأرجنتين، واستراليا، ونيوزيلانده، وإسبانيا، واليونان، والدانمرك.
وقام العراق بحشد حوالي 430 ألف جندي، و3500 دبابة، 2200 ناقلة جنود مصفحة، و2200 قطعة مدفعية، و160 طائرة عامودية في ميدان القتال في الكويت وجنوب العراق.
وبدأت عملية عاصفة الصحراء بالمعركة الجوية لتحرير دولة الكويت تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 678 في الساعة 3.20 من فجر الخميس 17/1/1991، وشنت قوات التحالف 1700 غارة جوية في هذا اليوم ضد المواقع الإستراتيجية، والمطارات العسكرية، ومراكز الاتصال، وقواعد الصواريخ، والدبابات في الكويت والعراق.
واستمرت الحرب الجوية مدة 42 يوماً قامت خلالها القوات الجوية للتحالف بـ 109876 طلعة قتالية. وفي الساعة الرابعة من صباح الأحد 24/2/1991 بدأت قوات التحالف بالهجوم البري الذي شاركت فيه قوات 11 دولة دخلت إلى الكويت وجنوب العراق.
وفي 26/3/1991 أعلن نظام صدام حسين العراقي الانسحاب التام من الكويت، بعد أن أشعل النيران في المنشآت النفطية وآبار النفط الكويتية يوم 22 /1/1991، وأعلن في 28/2/1991 نبأ وقف إطلاق النار وتحرير دولة الكويت بعد احتلال استمر 208 أيام.
الخسائر التي خلفها عدوان نظام صدام حسين على دولة الكويت
رغم مرور أكثر من عقدين من الزمن نرى أن الباحثين لم يزالوا حتى اليوم غير متفقين بل وعاجزين عن إعطاء أرقام حقيقية ثابتة عن مدى فداحة الخسائر البشرية والمادية التي خلفها عدوان النظام العراقي السابق على دولة الكويت. وتقدر الخسائر البشرية الكويتية بحوالي 1000 شهيد يشكل المواطنون الكويتيون منهم 76%، بينما بلغت نسبة العسكريين منهم 44 %، و المدنيين 55 %. وبلغ عدد ضحايا التعذيب والمعاملة الوحشية أكثر من 15 ألف ضحية. إضافة لتوثيق 1000 حالة اغتصاب قامت بها القوات العراقية المحتلة. كما وأسرت القوات العراقية الغازية أكثر من تسعة آلاف شخص معظمهم من الكويتيين، وأطلق سراح 7428 أسيراً منهم حتى نهاية أكتوبر/تشرين أول 1991، من قبل المشاركين في الانتفاضة الباسلة التي قام بها الشعب العراقي في جنوب العراق، الانتفاضة التي قمعها النظام العراقي البائد بوحشية بالغة. واحتفظ النظام العراقي السابق بـ 605 أسرى، وهم الذين وقعوا أسرى في أوائل أشهر الاحتلال وأغلبهم من العسكريين أو من المقاومة المدنية المسلحة وخلف عدوان النظام العراقي وراءه الكثير من حالات الخوف والترقب والكبت والقلق، والأمراض النفسية المختلفة الناشئة عنها.
وبالإضافة للخسائر المشار إليها أعلاه وقعت أكثر من 1700 إصابة من الألغام التي زرعتها قوات الاحتلال العراقي، خلفت 480 قتيلاً معظمهم من الأطفال. وبعد التحرير تمت إزالة أكثر من 1.1 مليون لغم أرضي من أنحاء مختلفة في دولة الكويت، وتم نقل 82 طناً من الذخائر، كلفت عملية إزالتها ونقلها أكثر من 216 مليون دينار كويتي، أو أكثر من 760 مليون دولار أمريكي. وسجلت أكثر من 500 حالة سرقة للسيارات الخاصة والعامة من الكويت.
ووفقاً لمصادر وزارة الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية قدرت خسائر حرب تحرير دولة الكويت بمقتل حوالي 45 ألف شخص مدني، و120 ألف عسكري، وإسقاط 41 طائرة من الجانب العراقي. بالإضافة إلى أسر 86 ألف جندي عراقي. بينما بلغت خسائر قوات التحالف الدولي 146 جندياً أمريكياً قتلوا في ساحة المعركة، و159 جندياً أمريكياً قتلوا خارج مسرح العمليات الحربية، وقتل 244 جندياً من قوات التحالف الأخرى في ساحة المعركة، بالإضافة إلى سقوط 38 طائرة حليفة.
ووصلت تكاليف حرب تحرير دولة الكويت حسب مصادر الإدارة الأمريكية إلى حوالي 35.8 مليار دولار أمريكي وقدرت التكاليف النهائية لحرب تحرير الكويت بـ 16 مليار دولار أمريكي نقداً، وحوالي 32 مليون دولاراً أمريكياً قيمة مواد ومعدات. إضافة لدفع دولة الكويت مبلغ 1.3 مليار دولار أمريكي لبريطانيا و1 مليار دولار أمريكي لفرنسا. وشاركت إضافة لدولة الكويت بتحمل الأعباء المالية والعينية لحرب تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي بعض الدول الشقيقة والصديقة، منها: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وألمانيا الاتحادية، واليابان، وجمهورية كوريا، ومملكة البحرين، وسلطنة عمان، والدانمرك، ولوكسمبورغ.
وهنا لا بد من الإشارة في الجانب المادي إلى الخسائر الفادحة التي سببها عدوان النظام العراقي على دولة الكويت، والتي أدت إلى تدمير البنية التحتية للاقتصاد الكويتي، وحرم دولة الكويت من عوائد تصدير النفط الكويتي الكبيرة، إضافة لإشعال نظام صدام حسين العراقي النار في آبار النفط الكويتية وما ترتب عن ذلك من آثار بيئية مدمرة، بالإضافة لتعطيل الملاحة البحرية في مياه الخليج، وأدت إلى خسائر مادية لدول مجلس التعاون الخليجي قدرت بحوالي 300 مليار دولار أمريكي، منها 160 مليون دولار أمريكي خسائر دولة الكويت وحدها، وبلغت خسائر دول الخليج الأخرى 140 مليار دولار أمريكي، من ضمنها 64 مليار دولار أمريكي خسائر المملكة العربية السعودية. بينما قدرت الخسائر الاقتصادية التي سببها عدوان نظام صدام حسين للدول العربية بأكثر من 800 مليار دولار أمريكي.
وتدنت محفظة الكويت الاستثمارية في الخارج إلى 40 مليار دولا أمريكي، بعد أن كانت 100 مليار دولا أمريكي. وللمرة الأولى في تاريخ الكويت المعاصر اقترضت دولة الكويت مبلغ 5.5 مليار دولار أمريكي لتمويل مشاريع إعادة الإعمار والإنفاق الحكومي, وصرفت أكثر من 35 مليار دولار أمريكي على مشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ودفع تكاليف المجهود الحربي لقوات التحالف الدولي. واضطرت دولة الكويت أيضاً لتسييل نحو 40 مليار دولار أمريكي من استثماراتها الخارجية وأخيراً لا بد من ذكر أن ميزانية دولة الكويت لعام 91/1992 سجلت عجزاً قياسياً في تاريخها بلغ 18.3 مليار دولار أمريكي.
بينما وصلت خسائر دولة الكويت العسكرية من جراء الغزو الغاشم للنظام العراقي إلى نحو 10 مليارات دولار أمريكي، إضافة لتقديمها حوالي 3.7 مليار دولار أمريكي للدول المتضررة من حرب تحرير الكويت، من خلال "مجموعة التنسيق المالي لأزمة الخليج"، بينما قدمت لمواطنيها نحو 13.5 مليار دولار أمريكي منذ تحرير دولة الكويت على شكل إسقاط القروض الاستهلاكية، والاجتماعية، وصرف الرواتب والإعفاءات من فواتير الكهرباء والماء وغيرها.
وقدرت نفقات عملية إطفاء الحرائق النفطية التي أشعلها نظام صدام حسين، والتي شارك في إطفائها فرق إطفاء من 10 دول مختلف، واستغرقت عمليات الإطفاء من 30/3/1991 وحتى 6/11/1991، مع نفقات إعادة تشغيل تلك الآبار النفطية المقدرة بحوالي 1.5 مليار دولار أمريكي. وأدى إشعال قوات النظام العراقي النار في آبار النط الكويتية إلى تخريب 752 بئراً نفطياً منتجاً من أصل 1080 بئراً، أي حوالي 70 % من آبار النفط الكويتية، وأدت النيران إلى استنزاف 696 بئراً ، وتشكل 200 بحيرة نفطية بحجوم مختلفة، قدرت كميات النفط فيها بحوالي 25 مليون برميل من النفط الخام. كما وقامت القوات العراقية بضخ حوالي 7 ملايين برميل من النفط الخام إلى شواطئ دولة الكويت، مما أدى إلى تلوث كبير للبيئة في الخليج أدت إلى خسائر فادحة في البيئة والطبيعة البحرية والبرية والنباتية والحيوانية في المنطقة.
وقدرت خسائر القطاع النفطي في دولة الكويت بمبلغ 75 مليار دولار، وشملت تلك الخسائر تدمير المنشآت النفطية، وكميات النفط المهدورة، إضافة لنفقات إعادة بناء قطاع النفط المقدرة بـ 15 مليار دولار أمريكي. بينما قدرت كميات النفط المحترق من جراء الحرائق التي أشعلها جنود النظام العراقي بحوالي 6 ملايين برميل من النفط يومياً، لتصل خسائر دولة الكويت بذلك إلى 2 % من احتياطي النفط فيها. واتفقت معظم المصادر التي تم مراجعتها على تقدير حجم خسائر دولة الكويت بـ 62 مليار دولا ر أمريكي.
ولم تكن آثار تلك الحرب المدمرة التي شنها نظام صدام حسين على دولة الكويت بأقل وقعاً على الشعب العراقي الشقيق الذي تحمل وزر العدوان الذي شنه النظام المتسلط عليهم. فقد استنزفت الحرب قدرات وخيرات العراق، ودمرت منشآته الحيوية الرئيسية، وتم فرض عقوبات وحظر اقتصادي على النظام العراقي، وألزم بدفع 30 % من عائدات النفط العراقي المصدر لمدة ستة أشهر أي ما يعادل 1.6 مليار دولار لصندوق التعويضات الدولي. بالإضافة لإشراف منظمة الأمم المتحدة على تنفيذ قرار النفط مقابل الغذاء.
وعلى الجانب العسكري، فبالإضافة إلى تدمير القوة العسكرية العراقية، تم فرض حظر على توريد الأسلحة إلى العراق بموجب قراري مجلس الأمن الدولي رقم 687 و707 لعام 1991، واللذان ألزما بتدمير أسلحة التدمير الشامل العراقية، وشكلت فرق دولية خاصة مهمتها التفتيش وتنفيذ تلك القرارات، والتي ماطل النظام العراقي السابق وتهرب من تنفيذها حتى قيام قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق في أبريل/نيسان 2003.
وقدرت الخسائر العسكرية العراقية نتيجة لحرب تحرير الكويت بحوالي 2450 دبابة، و1365 قطعة مدفعية، 1430 حاملة جنود مصفحة، و255 طائرة مقاتلة، هرب منها إلى إيران 147 طائرة. مقابل تدمير 95 % من المنشآت العسكرية الكويتية وتدمير ونهب كميات كبيرة من العتاد العسكري أي ما يعادل 10 مليار دولار أمريكي، مقابل خسائر الجانب العراقي التي بلغت 40 مليار دولار أمريكي.
الأبعاد النفسية والسياسية لحرب تحرير الكويت: كما رأينا فقد تحررت دولة الكويت، وعادت إلى أهلها وأصحابها، واستردت استقلالها وسيادتها، وعادت إليها حكومتها الشرعية. وأدت نتائج الحرب المباشرة إلى المزيد من التلاحم الشعبي والرسمي بين دول مجلس التعاون الخليجي، دفعت بتلك الدول نحو اتخاذ خطوات إضافية على طريق التكامل، وخلقت مفهوماً جديداً للأمن الجماعي، والتعاون الإقليمي أبرز الحاجة لإتباع سياسة جديدة من الانفتاح على الدولة الإسلامية الجارة إيران. وتمكن الشعب والحكومة الكويتية بتلاحمهما الشديد من إنجاز أعمال إعادة بناء ما دمرته الحرب العدوانية داخل دولة الكويت في فترة قياسية قصيرة من خلال برنامج "إعادة البناء والإعمار".
وعلى المستوى العربي، فقد كان غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت بمثابة ضربة شديدة وخسارة تامة للعرب جميعاً، وأدى هذا الغزو الوحشي إلى تكريس حالة الانقسام التي كانت تخيم على العرب في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الأمة العربية، وأدى أيضاً إلى إضعاف الموقف العربي، وإلى إعادة النظر في المواقف وفقاً لأسس جديدة جاءت في إعلان دمشق، وانطلقت من مبدأ المحافظة على الأوضاع القائمة، ونبذ استخدام القوة لحل المشاكل العربية، العربية، وخلق مظلة عربية عسكرية لدول الخليج العربية. ويتضح من نص إعلان دمشق الذي وقعته دول مجلس التعاون الخليجي، وجمهورية مصر العربية، والجمهورية العربية السورية، وحدد المسار العربي وفق القواعد والقوانين الدولية التي يجب أن تحترم في ظل الوحدات السياسية المستقلة والقائمة، وعدم استغلال الشعارات والطموحات القومية وإقحامها أو خلطها مع الواقع السياسي للعالم العربي، واحترام سيادة كل دولة على ثرواتها الطبيعية، مع الحق في حرية التصرف فيها ضمن تلك السيادة وذلك كرد على الشعار الذي طرحه صدام حسين في الحق المشاع للجماهير العربية في الثروات النفطية، وتأمين السيادة الوطنية والحفاظ على شعوب الدول الموقعة على البيان بكل المسائل المشروعة ومن بينها عقد المعاهدات الأمنية والدفاعية، وذلك درءاً لتبريرات النظام الديكتاتوري السابق في حق الدول الأكبر بالمجالات الحيوية والذي اتكأ عليه من بين حيثيات أخرى في اجتياح دولة الكويت بحجة حق الاستفادة من مياه الخليج. وجاء الإعلان كتحقيق لمصلحة أمنية واقتصادية للطرفين، وترك المجال مفتوحاً لكل الدول المؤمنة بذلك الخط، وكانت الكويت المستفيد الأكبر من إعلان دمشق لو تم تطبيقه كاملاً. وبنفس الوقت يخلق نوعاً من التوازن العربي يحد من محاولات إيران السيطرة على الخليج خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ دول المنطقة.
وعلى صعيد التعاون الدولي أفرزت نتائج حرب تحرير الكويت جملة من الاتفاقيات الأمنية مع دول التحالف الدولي الرئيسية وقامت حكومة دولة الكويت خلال عامي 1991، و1992 بتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا وغيرها من الدول. وشملت تلك الاتفاقيات بنود يتم بموجبها إجراء مناورات عسكرية مشتركة لقوات الدول المتعاقدة، وتخزين آليات ومعدات عسكرية على الأراضي الكويتية، وتدريب القوات الكويتية ورفع مستوى كفاءتها القتالية. ونصت الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية على تمركز لواء من الجيش الأمريكي بشكل دائم في الكويت، وإيجاد قوة تدخل سريعة تنتقل بسرعة إلى الكويت عند الحاجة. وقامت قوات من الجيش الكويتي فعلاً بتدريبات ومناورات مشتركة مع قوات تلك الدول، ونصبت الولايات المتحدة الأمريكية عشرات من أنظمة صواريخ باتريوت في دولة الكويت لحماية مجالها الجوي.
وفي نهاية عام 1992 قام وزير الدفاع الكويتي بزيارة لإيطاليا وبريطانيا بحث خلالها علاقات التعاون العسكري الثنائية، حيث أعلن من هناك أن الحكومة الكويتية تنوي توقيع اتفاقيات دفاعية مشتركة مع الفيدرالية الروسية، وجمهورية الصين الشعبية. وبدأت الكويت بشراء أسلحة ومعدات عسكرية من فرنسا، وبريطانيا، ومصر، والولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز قدراتها الدفاعية المتواضعة.
ومن أبرز ملامح النظام الدولي الجديد لمرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت في العلاقات الدولية كان بروز دور الولايات المتحدة الأمريكية، كقوة مهيمنة قادرة على توجيه السياسة العالمية من خلال تحملها لمسؤوليات كبيرة حيال المجتمع الدولي. كما وعززت حرب تحرير الكويت القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الرئيسيين، وأثبتت مدى فاعلية التطور التكنولوجي، وخاصة تكنولوجيا الاتصال عن بعد، أو كما يعرفها البعض بـ"الحرب المعلوماتية"، أو "حرب الأقمار الصناعية".
كما وبرز دور منظمة الأمم المتحدة كطرف رئيسي لتعزيز السلام العالمي، وتثبيت الهدنة على الحدود الكويتية العراقية. وقد شكل مجلس الأمن الدولي بعثة مراقبة دولية تراقب الحدود بين البلدين (UNIKOM)، والمنطقة منزوعة السلاح بينهما والممتدة على مساحة 200 كم على طول الحدود البرية بين البلدين، و40 كم على الحدود البحرية في خور عبد الله، بعرض 15 كم، منها 10 كم داخل الأراضي العراقية، و5 كم داخل الأراضي الكويتية. وضمت بعثة المراقبين الدوليين 300 مراقب عسكري، من 33 دولة من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، بما فيها الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن الدولي. وبدأت تلك البعثة مهامها في 6/5/1991. كما وشكلت لجنة مستقلة مكونة من 3 خبراء مستقلين، وممثلين عن الكويت والعراق لترسيم الحدود الدولية بين دولة الكويت والعراق تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 الصادر في 3/4/1991.
وليس من المستغرب أن علاقة دولة الكويت بالولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا شهدت ازدهاراً بعد حرب تحرير الكويت، لأنه كان من المتوقع أن يعكس تطور الأحداث الدرامية التي عصفت بدولة الكويت خلال الفترة الممتدة من 2/8/1990 وحتى 28/2/1991، أن تتجه الدول الصغيرة في سياساتها الخارجية لتأمين احتياجات أمنها القومي والإقليمي إلى خلق نوع من التوازن الإقليمي عن طريق الارتباط بالقوى الدولية القادرة على تقديم الحماية والأمن اللازم لتلك الدول، تماماً كما حدث لدولة الكويت التي أنقذتها القوى الدولية من الاختفاء عن خارطة العالم السياسية. وأظهر دعم الدول الكبرى، والتعاطف الدولي الذي تمتعت به دولة الكويت مدى فاعلية استثماراتها الخارجية، وسياسة المعونات التي تتبعها لتحقيق أهداف سياستها الخارجية في تحقيق الهدف الرئيسي منها وهو المحافظة على استقلال وسيادة الكويت كدولة قادرة على الحياة والنمو الاقتصادي والاجتماعي. وأثبت غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت، أن الأمن المالي والاجتماعي هو جزء مكمل لتحقيق نجاح سياسة الأمن الوطني والعسكري وظهر هذا عندما لملمت حكومة الكويت الشرعية في المنفى مؤسساتها وأجهزتها في الخارج وأدارتها أفضل إدارة حتى تم التحرير وعاد الحق إلى أصحابه الشرعيين.
التوجهات الدولية للسياسة الكويتية وتأثيرها على الأوضاع الداخلية: من لا يعرف الإسهامات الكبيرة التي قامت بها دولة الكويت خلال نصف قرن من الزمن في جميع المجالات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية. ومن لا يعرف الدور الهام الذي لعبته دولة الكويت منذ تأسيسها في مشروع نهضة الحضارة الإنسانية. وهنا وللحقيقة يجب ذكر مؤسسي الدولة من أبناء الأسرة الحاكمة أسرة "آل الصباح"، التي اقترن اسمها بعمليات بناء الدولة الحديثة في الكويت، واقترن اسمها بديمومة هذه الدولة الفتية واستمرارها بدورها الإنساني الكبير الذي تضطلع به، وسجل لها التاريخ الفضل الكبير بتحقيق عناصر الأمن والاستقرار الداخلي، والإقليمي، والدولي بفضل نجاح السياسة الحكيمة التي اتبعها حكام الكويت من "آل الصباح" منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم. ورغم شعور المواطنين الكويتيين تاريخياً بحالة من الحصار بسبب صغر حجم دولتهم، وشح مواردها قبل اكتشاف النفط، ومحاصرتها من قبل دول الجوار الكبيرة والقوية. ورغم مشقة وشظف العيش في البيئة القاسية للمنطقة، إلا أننا نرى أنهم كانوا دائماً يعشقون الحرية، ويتبعون سياسة منفتحة مستقلة بعيدة عن الضغوط الخارجية. وبالمقارنة مع جيرانها كانت علاقاتها الخارجية تتسم بالسلاسة والبساطة والتسامح والمرونة التي خدمت السياسة الكويتية في مواجهة الأخطار والتهديدات الخارجية.
ومن الأمثلة التاريخية على سياسة دولة الكويت الخارجية تلك، تحالفها مع بريطانيا العظمى في نهاية القرن التاسع عشر، وسط الصراع الإيراني العثماني والأوروبي على منطقة الخليج. وتجارتها الخارجية المنفتحة التي ساعدتها على التفاعل مع دول العالم المختلفة، ذلك التفاعل الذي تحول إلى مصدر أمان واستقرار للدولة، وعامل من عوامل استقلالها وسيادتها. ولم تكن الأمثلة التاريخية تلك بمعزل عما جرى عن التغيرات الجذرية التي دخلت للمجتمع الكويتي منذ خمسينات القرن الماضي، والتي كانت دافع تطوير للمجتمع الكويتي على جميع الأصعدة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والبيئية، التي حققت لدولة الكويت نقلة نوعية مفاجئة خلال فترة زمنية قصيرة، لم تتجاوز الأربعين سنة بينما تحتاج الدول الأخرى من أجل تحقيقه حوالي 400 سنة.
ورغم الثروة الكويتية من عوائد تصدير النفط، نرى أن دولة الكويت هي الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي تملك معارضة سياسية واعية، واضحة في إخلاصها لوطنها. وهو ما ساعد المجتمع الكويتي على تطوير الحياة الثقافية رغم رياح التغيير العاصفة الناتجة عن انصهار خليط كبير من البشر من جميع الجنسيات تقريباً داخل المجتمع الكويتي المعاصر. ولكل ذلك أصبحت الدول العربية، ودول الجوار الإقليمي تنظر إلى دولة الكويت كـ"معجزة"، و"جوهرة الخليج"، و"جزيرة الآمال" نظراً لتراثها الاقتصادي وسياستها الفريدة وإنجازاتها السباقة.
وعلى الرغم من كل التقلبات التي أحاطت بدولة الكويت منذ استقلالها وحتى الآن، فإننا نرى أن سياستها الخارجية عكست عدة حقائق من الاستمرارية والثوابت، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: تحقيق الاستقرار السياسي، والأمن العسكري؛ الدفاع عن الفكر العربي، والتوجهات الإسلامية؛ وتحمل المسؤولية الإنسانية مع مراعاة المصالح التجارية وتحقيق الأرباح.
ومن أجل تحقيق هدف بناء الاستقرار السياسي والأمني أوجدت دولة الكويت نوعاً من البنى السياسية داخل المجتمع الكويتي، من أجل خلق سياسة مركزية متوازنة مع متطلبات التعامل مع دول العالم المختلفة. واتبعت سياسة برلمانية تستند على دستور دائم منذ ستينات القرن العشرين وكانت الحكومة الكويتية دائماً حريصة على حرية الصحافة والتعبير.
ومع زيادة التهديدات الخارجية لأمن دولة الكويت واستقلالها وسيادتها بدأت تدريجياً بزيادة قدراتها العسكرية والدفاعية ولكنها كبلد صغير محدود الموارد البشرية، والمساحة الجغرافية لم تستطع تحقيق ذلك وأثبتت ذلك أحداث التهديدات العراقية في ستينات القرن الماضي، والتهديدات الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، والغزو البربري لنظام صدام حسين. ومع ذلك استطاعت دولة الكويت وبقواها الذاتية الصمود أمام الضغوط الخارجية، وأعمال التخريب التي سببتها في الداخل، ولكنها لم تستطع مواجهة التهديدات الخارجية التي تولتها قوى أجنبية صديقة.
وأدت السياسة العربية التي اتبعتها حكومة دولة الكويت في خمسينات، وستينات، وسبعينات القرن العشرين، ومواقفها المؤيدة والداعمة لمختلف توجهات السياسات العربية، أدت إلى تهدئة المشاعر القومية لدى الكويتيين وتعزيز موقع دولة الكويت واحترامها على الصعيد العربي. وكانت دولة الكويت ولم تزل المؤيد الثابت للقضية الفلسطينية، وظهر موقف الكويت واضحاً من حل القضية الفلسطينية في الكلمة التي وجهها أمير الكويت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 22/9/1988، عندما قال أن: "أن كل ما يطلبه الفلسطينيون هو الحصول على دولتهم المستقلة فوق أراضيها مع عاصمتها القدس، تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تعتبر ممثلهم الشرعي الوحيد"، وكانت الكويت من بين الدول الأوائل التي بادرت للاعتراف بالدولة الفلسطينية فور إعلانها في 5/11/1988، وبادرت إلى منحها قطعة من الأرض لبناء سفارة دولة فلسطين في الكويت.
وخلال فترة السبعينات، والثمانينات من القرن العشرين زادت الكويت من مساعداتها للدول الإسلامية لأهداف إسلامية إنسانية ملؤها التسامح والمرونة وبعيدة كل البعد عن أي التزامات عقائدية أو أيديولوجية متزمتة. وهو ما أوضحه أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي خلال الفترة الممتدة من عام 1987 وحتى عام 1991 في كلمة وجهها من على منبر منظمة الأمم المتحدة قائلاً: "جئت إليكم أحمل تحية السلام من أكثر ألف مليون مسلم منتشرين في قارات الأرض .. جئنا نمد يد الإخاء راجين أن يكون غد الإنسانية لنا جميعاً وللأجيال المقبلة أكثر ازدهاراً ومودة وسلاماً".
وكان الدافع الإنساني منذ خمسينات القرن العشرين وراء النهج الذي اتبعته دولة الكويت مع الدول الفقيرة. فقد قامت دولة الكويت بتنفيذ العديد من المشاريع الاقتصادية لتعزيز التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في الدول النامية ومن بينها طبعاً الدول العربية والإسلامية. وقد بلغت إسهامات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والهيئة العامة للجنوب والخليج العربي حتى ديسمبر/كانون أول عام 1992 مبلغ 7.62 مليار دولار أمريكي. صرفت كلها على مشاريع تعتبر وسيلة من وسائل التغيير الاقتصادي والاجتماعي في تلك الدول المستفيدة من المساعدات الكويتية. وإلى جانب تلك المؤسستين الكويتيتين أنفتي الذكر، قامت المؤسسات شبه الحكومية، والخاصة بلعب دور متمم لما تقوم به الدولة في مجالات تقديم المساعدات اللازمة لعملية التطور الاقتصادي والاجتماعي وتنمية القوى البشرية في العديد من الدول النامية وخاصة الدول الإسلامية، والدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا.
وخلال الفترة الممتدة من عام 1988 وحتى عام 1990 قدمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمسلمين في بقاع العالم المختلفة مساعدات بلغت نحو 2.9 مليون دينار كويتي أي ما يعادل 10.1 مليون دولار أمريكي، شملت مسلمين في 85 دولة. وفي نفس المدة قدمت الهيئات الخيرية الخاصة وشبه الرسمية نحو 279.9 مليون دولار أمريكي، منها 54.2 % شبه رسمية، و45.2 % خاصة، صرفت كلها على مجالات إنسانية واجتماعية وتعليمية وثقافية ودينية. وبالإضافة إلى تلك المساعدات، تبرعت المؤسسات الخاصة، وشبه الرسمية، والهيئات الخيرية الكويتية بمبلغ 10 ملايين دولار أمريكي لضحايا إعصار أندورو في الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس/آب 1992، و 45 مليون دولار أمريكي لضحايا الزلزال في أكتوبر/تشرين أول 1992 في جمهورية مصر العربية، بالإضافة لتبرعات عديدة قدمت للصومال على شكل أغذية وأدوية وملابس وغيرها من المساعدات الإنسانية. ويعتبر هذا الرصيد الشعبي من روافد تعزيز السياسة الخارجية لدولة الكويت، وعنصراً لا يمكن الاستهانة فيه عند رسم السياستين الداخلية والخارجية للدولة. خاصة وأنه عندما تراجعت الاستثمارات الحكومية الكويتية في الخارج بفعل الغزو الغاشم لنظام صدام حسين من 120 مليار دولار أمريكي في يوليو/تموز 1990 إلى 40 مليار دولار أمريكي في ديسمبر/كانون أول 1992. نرى أن الاستثمارات الخاصة للكويتيين في الخارج حافظت على حجمها والبالغ 40 مليار دولار أمريكي.
وكان موقف دولة الكويت من القضية المبدئية التي تتبعها الدولة في تقديم العون والمساعدة للدول الفقيرة في العالم أكثر وضوحاً، عندما بادر أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح لمساندة مطالب دول الجنوب في مسألة إعفائها من بعض الديون الخارجية المستحقة عليها، ودعى لعقد لقاء يضم دول الشمال الدائنة لدراسة الموضوع واتخاذ القرارات اللازمة حوله إنصافاً لدول الجنوب. وأكد موقفه في الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما قال: "أن الكويت كدولة دائنة تقف جاهزة لمثل هذه الأدوار. ومستعدة لتقبل أية قرارات تصدر بذلك"، ونفذت الكويت التزامها وألغت قروض الصندوق المستحقة عن 47 دولة فقيرة والبالغة 11.6 مليون دينار كويتي أي 40.4 مليون دولار أمريكي.
وهنا لابد أن نذكر أن هذا لا يعني أن دولة الكويت لم تستخدم سياسة الدينار، لتحقيق بعض من أهداف سياستها الخارجية، لأن دولة الكويت تلجأ في بعض الظروف لاستخدام سياسة الدينار، أو دبلوماسية الدينار منذ الأزمة الكويتية العراقية عام 1961. وبلغت مبالغ الهبات ذات الطابع السياسي منذ استقلال دولة الكويت وحتى عام 1992 نحو 26.5 مليار دولار أمريكي. وكان من الطبيعي أن تتأثر الهبات السياسية بمواقف الدول وخاصة العربية والإسلامية من الغزو الهمجي لنظام صدام حسين لدولة الكويت عام 1990.
ولسياسة المعونات الخارجية الكويتية ثلاثة أبعاد رئيسية، ذكرها الدكتور عبد الرضا الأسيري في كتابه "الكويت في السياسة الدولية المعاصرة"، وهي: القروض الاقتصادية القائمة أساساً على مسؤوليات إنسانية ومعايير اقتصادية بحتة؛ والهبات المالية من منطلقات سياسية، مستمدة من المصالح القومية، ولتحقيق الاستقرار والأمن الداخلي؛ وتحقيق خطط استثمارية فعلية انطلاقاً من عقلية تجارية بحتة، هدفها تحقيق الأرباح.
ويتابع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية نشاطاته التي تتوسع يوماً بعد يوم. ولإعطاء صورة وافية للقروض التي يقدمها الصندوق في الوقت الحاضر نستعرض بيانات عن نشاطات الصندوق حتى 31/3/2002 وتشمل: 621 قرضاً تنموياً في مجالات النقل والاتصالات، والزراعة، والصناعة، والطاقة، والمياه والصرف الصحي تبلغ 3.250.672 مليار دينار كويتي، موزعة حتى تاريخ 31/3/2002 على 245 قرضاً للدول العربية تبلغ 1719.403 مليون دينار كويتي، و101 قرضاً لدول غرب إفريقيا تبلغ 312.324 مليون دينار كويتي، و88 قرضاً لدول وسط وجنوب وشرق إفريقيا تبلغ 266.433 مليون دينار كويتي، و39 قرضاً لدول وسط آسيا وأوروبا تبلغ 202.774 مليون دينار كويتي، و26 قرضاً لدول أمريكا اللاتينية وحوض الكاريبي تبلغ 75.962 مليون دينار كويتي، و122 قرضاً لدول شرق وجنوب آسيا والمحيط الهادي تبلغ 673.776 مليون دينار كويتي.
وبالإضافة للقروض المقدمة من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، تابعت دولة الكويت تقديم المنح والمساعدات الفنية، والتي بلغ مجموعها 211 منحة حتى 31/3/2002، بلغت قيمتها 82.001 مليون دينار كويتي استفادت منها: الدول العربية وحصلت على 56 منحة بلغت 38.710 مليون دينار كويتي، ودول غرب إفريقيا وحصلت على 31 منحة بلغت 4.390 مليون دينار كويتي، ودول وسط وجنوب وشرق إفريقيا وحصلت على 18 منحة بلغت 3.780 مليون دينار كويتي، ودول شرق وجنوب آسيا والمحيط الهادي وحصلت على 22 منحة بلغت 12.271 مليون دينار كويتي، ودول وسط آسيا وأوروبا وحصلت على 16 منحة بلغت 3.840 مليون دينار كويتي، ودول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وحصلت على 5 منح بلغت 470 ألف دينار كويتي، والمؤسسات الدولية وحصلت على 22 منحة بلغت 13 مليون دينار كويتي، وبلغت المساعدات الفنية المدمجة بقروض 41 منحة بلغت 5.040 مليون دينار كويتي. كما وقدمت مساعدات من دولة الكويت بإشراف الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لدول عربية وإفريقية وآسيوية بقيمة 93.635.285 دينار كويتي.
كما ولوحظ توجه الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية نحو منح القروض لجمهوريات وسط آسيا، حيث حصلت حتى 31/3/2002 كلاً من أوزبكستان على قرض قيمته 6 مليون دينار كويتي، وقرغيزستان على 5.7 مليون دينار كويتي، وتركمانستان على 5 مليون دينار كويتي، وطاجكستان على 5 مليون دينار كويتي، وقازاقستان على 4.2 مليون دينار كويتي. كما وحصلت قازاقستان على مساعدة بلغت أكثر من 3 مليون دينار كويتي لإنشاء مباني حكومية جديدة. وهذا يدل على النية الصادقة لدولة الكويت لتعزيز وتوسيع تعاملها المالي والاستثماري مع جمهوريات وسط آسيا على المدى المنظور، واستمرارها بتقييم مشاريع تحسين وتوسعة مطار أوش الدولي في قرغيزستان تمهيداً لتقديم القرض اللازم لتنفيذه، وإعادة تأهيل محطات ضخ المياه في قارشي بجمهورية أوزبكستان، ونقل الكهرباء في مدينة دوشمبة بجمهورية طاجكستان قيد التقييم لاتخاذ قرار نهائي بشأنها.
واقع السياسة الخارجية الكويتية بعد حرب التحرير: عند تحليل وتقييم السياسة الخارجية لدولة الكويت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، يمكننا القول أن سياسة دولة الكويت الخارجية منذ الاستقلال عام 1961 وحتى الآن سيطرت عليها رغبة لعب دور نشيط على صعيد العلاقات الدولية. وتتسم قدرات دولة الكويت المالية والسياسية بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، عندما تواجه التحديات الخارجية. وهي قدرات كبيرة تتخطى حجم الكويت الجغرافي والسكاني، ومنها نستطيع أن تستنتج بعض الحقائق المميزة للسياسة الخارجية الكويتية ومنها:
أن السياسة الخارجية لدولة الكويت ليست سياسة مؤثرة ينطلق تأثيرها من الداخل إلى الخارج، بل هي سياسة ناتجة عن عوامل خارجية التأثير والتوجه. أي أنها سياسة تتعامل مع ما يدور حولها من أحداث في إطار العلاقات الدولية الراهنة. ولهذا نرى أن السياسة الخارجية لدولة الكويت تأتي تلبية للمتغيرات النوعية والآنية في السياسات الدولية لدول الجوار الإقليمي، ودول العالم الأخرى التي يمكن أن تؤثر في الأوضاع الراهنة لدولة الكويت وأهداف سياستيها الداخلية والخارجية. وقد أشار أحد خبراء العلوم السياسية إلى أن دولة الكويت وعلى مدى جيلين من الزمن لعبت العوامل الخارجية دوراً كبيراً في تعبئة وبلورة التوترات الداخلية فيها. وأن السياسة الخارجية لدولة الكويت وأدائها العملي هو من اختصاص السلطة التنفيذية، وهي ظاهرة تغلب على دول العالم التي يعتبر دور السلطة التشريعية فيها محدود وثانوي. ومهمة السلطة التشريعية في تلك الدول تنحصر في مراقبة وتقييد تصرفات الحكومة. ومن الممكن أن تحقق السلطة التشريعية نجاحاً أكثر في حال تحالفها مع وسائل الإعلام الجماهيرية، وجماعات الضغط الأخرى داخل المجتمع، للعمل معاً على بلورة رأي عام ضاغط على السياسات الداخلية والخارجية للسلطة التنفيذية.
وتبين الخبرة السياسية المتكونة في دولة الكويت أن مجلس الأمة الكويتي كان دائماً قليل التأثير على السياسة الخارجية للحكومة، ومع ذلك فقد نجح مجلس الأمة الكويتي أكثر من مرة بأداء دور كبير للتأثير في السياسة الخارجية للحكومة الكويتية، ونجح مجلس الأمة الكويتي في واحدة منها بمنع الحكومة من توقيع اتفاقية أمنية مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي خلال ثمانينات القرن العشرين، وقبلها نجح في الضغط على الحكومة لتعيد التفاوض على اتفاقية المشاركة مع شركات النفط الأجنبية خلال سبعينات القرن العشرين.
وبالرغم من هامشية الدور الذي يؤديه مجلس الأمة الكويتية في السياسة الخارجية للحكومة الكويتية، إلا أنه استطاع مع بعض العناصر الأخرى داخل الدولة أكثر من مرة لعب دور القوة الضاغطة على الحكومة وتوجهات سياستها الخارجية. ونعتقد أنه هناك ترابط مباشر بين القوة التي يتمتع بها مجلس الأمة الكويتي ومدى تأثيره على السياسة الخارجية للحكومة، وكلما كانت مواقف المجلس قوية وصلبة، كلما تمكن من التأثير على سياسة الحكومة بفاعلية. ونرى من الخبرة التاريخية التي تحققت في الكويت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، المدى الذي وصل إليه التجار، والقوميين العرب بالضغط على الحكومة من أجل اتخاذ قرارات بمساندة القضايا العربية، وتوسيع الاستثمارات الكويتية في البلدان العربية، وإقامة علاقات وثيقة مع مصر في خمسينات، وستينات القرن العشرين، ومع الفلسطينيين في سبعينات، وثمانينات القرن العشرين. وهنا يجب أيضاً الإشارة إلى دور التجار الكويتيين في الضغط على الحكومة لاتخاذ قرارا لدعم جهود العراق أثناء حربه مع إيران في ثمانينات القرن العشرين. وكذلك دور الجماعات الدينية داخل دولة الكويت الضاغط على الحكومة من أجل تحقيق قدر أكبر من الحرية والتصرف في حملاتها السياسية والإعلامية التي تخدم تحقيق أهداف سياسية معينة.
وكانت جماعة الضغط الوحيدة على سياسة الحكومة داخل دولة الكويت من غير المواطنين الكويتيين حتى عام 1990، من الفلسطينيين المقيمين في الدولة، وهي الشريحة المنظمة والفاعلة والمؤثرة الوحيدة من غير الكويتيين والقادرة على التأثير على سياسة الحكومة الكويتية. وهو ما دفع ببعض المراقبين لتوقع قيام جماعات عرقية أو دينية أخرى داخل المجتمع الكويتي بالسعي للحصول على المزيد من القوة والفاعلية والتأثير داخل المجتمع الكويتي. ولكن الواقع أثبت فقدان تلك القوى لفاعليتها وقوتها داخل المجتمع الكويتي بتأثير مباشر من الغزو الهمجي الذي قام به نظام صدام حسين على دولة الكويت في عام 1990، وهو ما أجبر دولة الكويت في المستقبل على تجنب قيام مثل تلك الجماعات المنظمة داخل المجتمع الكويتي.
وأن المجتمع الكويتي أصبح أكثر تماسكاً ويقظة بعد أحداث غزو نظام صدام حسين لدولة الكويت، وزاد من التفاف الجماهير الكويتية حول قيادتها السياسية وحكومتها مما مكنها من اتخاذ قرارات سياسية حاسمة، دون الرضوخ للضغوط الخارجية كما كان في السابق. وهو ما أشار إليه أمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح بقوله: "من إيجابيات أزمة الاحتلال بأن الشعب الكويتي جعل شعاره في كل نشاطاته من خلال المؤسسات الدستورية والجمعيات التعاونية والنفع العام والاتحادات المهنية، الوحدة الوطنية .. وإلغاء كل ما يعيق تحقيق هذا الشعار ومنها الخلافات أو التناحر الطائفي والقبلي، ورأي الشعب الكويتي بأن الوحدة الوطنية هي السبيل الوحيد لتحقيق مستقبل زاهر وباهر للكويت، وذلك بعد تجربة هذا الشعار خلال الاحتلال البغيض حيث اعتمد الكويتيون في الداخل والخارج شعار الوحدة الوطنية من أجل تحرير الكويت. والتف الكويتيون وبإصرار حول هذا الشعار رافضين كل المحاولات التي قد تعيق سير الوحدة الوطنية وتمسكوا بالشرعية الكويتية، وكان هذا مثار إعجاب لدى المجتمع الدولي الذي وقف بصلابة إلى جانب الحق الكويتي، ورفض كل محاولات وادعاءات طاغية بغداد (صدام حسين) فيما يتعلق باحتلاله الكويت وبفضل الله عز وجل تحققت من خلال وحدتنا الوطنية كل الأماني في تحرير البلاد وعودة الشرعية".
ومحدودية قدرة الكويت الدفاعية على مواجهة التهديدات الخارجية بمفردها، فقد عمدت دولة الكويت من خلال سياستها الخارجية المتوازنة من استخدام أسباب القوة الأخرى التي يمكن أن تزيد من قوة ومناعة الكويت حيال التهديدات الخارجية، وإصرار النظام السياسي الكويتي على مواجهة ومقاومة الضغوط الخارجية، والحفاظ على استقلال وحرية وسيادة دولة الكويت. وهو ما أشار إليه أمير البلاد صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح في سياق كلمة وجهها لكبار الضباط في الجيش والحرس الوطني والشرطة في مطلع، عام 1989، فقال: "أنه بالرغم من أن الكويت هي دولة صغيرة، إلا أنها لن تكون هدفاً سائغاً للآخرين".
ومصدر استمرارية دولة الكويت كوحدة سياسية متكاملة مستقلة تتمتع بالسيادة، يعتمد على ثلاثة عناصر هامة، أولها: الاستقرار الداخلي والدعم المحلي لجهود الحكومة. وثانيها: قدراتها المالية التي عززت من دورها الإقليمي المتمثل بالقيام بدور داعم رئيسي للقضايا العربية، وقيامها بدور الوسيط لحل الخلافات العربية – العربية، والعربية مع دول الجوار الإقليمي. وثالثها: دورها الدولي كدولة مانحة لكم كبير من دول العالم لمختلف المساعدات المالية والفنية والإنسانية، في محاولة واضحة لتحييد خصومها، وكسب الأصدقاء في أنحاء العالم المختلفة. وبوجه عام فإن القوة التي تمتلكها الدول الصغيرة كدولة الكويت، هو القدرة على إثارة انتباه وكسب تأييد الرأي العام العالمي لقضاياها العادلة.
ودولة الكويت من أجل تحقيق هدف التواجد القوي على الساحة الدولية لجأت إلى إقامة شبكة كثيفة من العلاقات الدبلوماسية مع أكثر من ثلثي دول العالم، وافتتحت سفارات وممثليات دبلوماسية مقيمة لها في أكثر من 66 دولة من دول العالم، وحوالي 62 ممثلية غير مقيمة، منها 24 في الأقطار العربية، و33 في آسيا، و16 في أوروبا الشرقية، و22 في أوروبا، و22 في أمريكا واستراليا، 33 في إفريقيا. إلى جانب التمثيل الدبلوماسي الأجنبي لدى دولة الكويت والتي يزيد عدد السفارات المقيمة فيها عن 65 سفارة أو ممثلية أجنبية، بالإضافة إلى أكثر من 14 سفارة غير مقيمة، إضافة لاستضافة الكويت لمقرات بعض المنظمات الإقليمية 12 منظمة، والدولية 5 منظمات.
ولما كانت معظم التحديات الخارجية التي واجهتها دولة الكويت منذ استقلالها آتية من العراق وأهمها في أعوام 1961، 1973، 1990. ورافقتها تهديدات إيرانية وصلت ذروتها إبان الحرب العراقية الإيرانية خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين. فقد تركت تلك التهديدات وخاصة منها العراقية بصماتها على السياسة الخارجية لدولة الكويت.
وأجبرت تلك التهديدات السياسة الخارجية لدولة الكويت على إعادة النظر بالمواقف الإستراتيجية لتلك السياسة والتنسيق من جديد مع القوى العظمى في العالم، ثلاث مرات خلال أقل من ثلاثة عقود، وإلى رفع أعلام الدول الأجنبية على ناقلات النفط الكويتية، تلك الخطوة التي وصفها بعض الخبراء السياسيون بالسياسة الـ"لا عقلانية، وغير الحكيمة، والانتحارية". ومع ذلك فقد نجحت تلك السياسة في تحقيق أهداف دولة الكويت على المدى القصير، وخففت من الهجمات الإيرانية ضد الكويت. وكانت تلك السياسة من العوامل المهمة للإسراع بإنهاء الحرب العراقية الإيرانية.
ومن سلبيات تلك السياسة تأثير مجريات ومستجدات الصراع العربي الإسرائيلي إقليمياً، على علاقات دولة الكويت في المجالات السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، متأثرة بالضغوط الإقليمية على السياسة الخارجية لدولة الكويت. ودولة الكويت كدولة صغيرة محدودة الإمكانيات الدفاعية، لا تستطيع حماية نفسها أمام التهديدات الخارجية والضغوط الداخلية المرتبطة بتلك التهديدات، كان لابد لها من اختيار الصعب من بين خيارات تكوين سياستها الخارجية، والمخاطرة بمبدأ الاستقلالية والابتعاد عن التحالف مع القوى العظمى. ودولة الكويت من أجل حماية استقلالها وسيادتها وكيانها السياسي ضد الأخطار الخارجية التي أصبحت واقعاً ملموساً بغزو نظام صدام حسين عام 1990، كان لا بد لها من التحالف مع قوة عظمى تحد وتمنع التهديدات الخارجية والإقليمية التي تتعرض لها دولة الكويت على المدى البعيد.
ولم يقف التأثير السلبي الشديد لغزو نظام صدام حسين عام 1990، على الكويت وحدها بل وأخل هذا الغزو الأرعن بتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط بأكملها وألحق أكبر الأضرار بالمصالح العربية على المدى الطويل وبالتسوية السلمية للقضية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية والتسوية السلمية لمشكلة الشرق الأوسط: وكان الخاسر الثاني كما سبق وأشرنا نتيجة لحرب الخليج الثانية منظمة التحرير الفلسطينية التي ارتكبت خطأ قاتلاً بمساندة قيادتها لصدام حسين في عدوانه على دولة الكويت. بعد النجاحات التي حققتها خلال النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين بتصعيدها للمقاومة العربية داخل الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة. من خلال المساعدات الضخمة التي حصلت عليها منظمة التحرير الفلسطينية من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وبلغت حوالي المليار دولار أمريكي في السنة إلى جانب الموارد المالية الضخمة للمنظمة نفسها. واستطاعت منظمة التحرير الفلسطينية من تطوير أجهزتها داخل الأراضي العربية المحتلة وشملت جميع السكان العرب. وفي كانون أول/ديسمبر 1987 استطاعت أجهزة منظمة التحرير الفلسطينية من إعلان "الانتفاضة" في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي بدأت بإعلان الإضراب العام لمدة 24 ساعة واشترك فيها حتى عرب الأراضي المحتلة عام 1948.
وفي 31/7/1988م أعلن الملك الأردني الراحل حسين بن طلال فك الارتباط الإداري مع الضفة الغربية لنهر الأردن المحتلة من قبل إسرائيل. ومن ثم أعلن المجلس الوطني الفلسطيني قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في تشرين ثاني/نوفمبر 1988، واعترف بقرار الهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة رقم 181 الصادر بتاريخ 29/11/1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين. وأعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من على منبر الأمم المتحدة بتاريخ 13 كانون أول/ديسمبر 1988 عن قبول منظمة التحرير الفلسطينية بقراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338. واعترفت حوالي مئة دولة من دول العالم بالدولة الجديدة وباللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كحكومة في المنفى.
وكانت ردة الفعل الإسرائيلية سلبية جداً ولم تعترف بالدولة الجديدة ولم تعرب عن رغبتها لإجراء مفاوضات معها واستمر القانون الذي أصدره الكنيست في 5/8/1986 والذي يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية ويعاقب جنائياً على أية اتصالات معها.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية نظرت للأوضاع الجديدة التي ترتبت في الشرق الأوسط بطريقة أخرى وفي 14/12/1988 أصدر الرئيس الأمريكي رونالد ريغين قراره ببدء الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية شريطة اعترافها بحق إسرائيل على البقاء واستنكار الإرهاب. وقوبل تصريح الرئيس الراحل ياسر عرفات في هذا الاتجاه بانقسام في منظمة التحرير الفلسطينية وردود فعل سيئة في العراق وسوريا ولبنان. وفي دمشق أنشئت "لجنة تحضيرية" تضم المنظمات والجماعات الفلسطينية المناهضة للتنازل السياسي لإسرائيل لإزاحة ياسر عرفات من السلطة وانتخاب قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي كانون أول/ديسمبر 1988 بدأت في مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس المحادثات الأمريكية الفلسطينية ولم يتم الكشف عن الخلافات الشديدة في وجهات النظر حول القضايا الرئيسية للتسوية السلمية. وقدمت إسرائيل مشروعها للسلام "خطة شامير" التي لا تعترف بحق منظمة التحرير الفلسطينية بالاشتراك بعملية التسوية السلمية. وفي حزيران/يونيو 1989 انضم للعملية الرئيس المصري حسني مبارك بمساندة من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتحفظ باقي أعضاء جامعة الدول العربية.
والولايات المتحدة الأمريكية بعد تقديرها للأوضاع المستجدة تقدمت بفكرة خلال ربيع عام 1989 للتسوية السلمية على خطوات "تقريب وجهات النظر خطوة خطوة" وكخطوة أولى طالبت الجانبين بالتخلي عن سياسة المواجهة واتخاذ خطوات عملية من أجل إيجاد الظروف المناسبة. وطالبت العرب بالتخلي عن سياسة مقاطعة إسرائيل وطالبت إسرائيل بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وتقدمت بمبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي سانده المجتمع الدولي بما فيه القيادة السوفييتية.
وفي 30/10/1991 عقد في مدريد مؤتمراً دولياً للسلام في الشرق الأوسط وشاركت فيه إسرائيل، والدول العربية ووفد فلسطيني يمثل عملياً منظمة التحرير الفلسطينية، ووفد الولايات المتحدة الأمريكية، ووفد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية كدولتين راعيتين للعملية السلمية ووافق جميع المشاركين على مبدأ "الأرض مقابل السلام" ومن أجل تحقيق خطوة عملية لحل القضية الفلسطينية استمرت المباحثات في أوسلو.
وواجه التعنت الإسرائيلي اعتراف أكثرية دول العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية وفي 9/9/1993 وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية اعتراف متبادل وفي 13/9/1991 وقع الجانبان في واشنطن على بيان مبادئ إقامة الحكم الذاتي المؤقت للفلسطينيين في قطاع غزة ومدينة أريحا. وموافقة إسرائيل على إقامة الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل خلال خمس سنوات وهو ما نصت عليه اتفاقية كمب ديفيد عام 1978 حول "إطار التسوية السلمية في الشرق الأوسط".
وفي 24/10/1994 تم في العقبة التوقيع على اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية وفي كانون الأول/ديسمبر 1994 تم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع تمثل بعمليات حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والجهاد الإسلامي في فلسطين، ومقاتلي حزب الله اللبناني، والقوى المضادة للتسوية السلمية في المجتمع الإسرائيلي نفسه وخاصة الأحزاب الدينية اليهودية ولم تمنع الظروف من توقيع الحكومة الإسرائيلية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في 28/9/1995 على الاتفاقية المؤقتة لخروج القوات الإسرائيلية من ست مدن فلسطينية وإجراء انتخابات للإدارة الفلسطينية فيها وإنشاء قوة كبيرة للشرطة الفلسطينية، وتعهد منظمة التحرير الفلسطينية بإجراء تغييرات في نظام منظمة التحرير الفلسطينية الذي يدعو إلى إنشاء "الدولة الفلسطينية الديمقراطية للعرب والعبريين على كامل التراب الفلسطيني".
وبعد مناقشات حادة في الكنيست الإسرائيلي تمت المصادقة على الاتفاقية بأكثرية 61 صوتاً مقابل 59 صوت. وأعقبها اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين من قبل متعصب يهودي في 4/11/1995.
وفي الانتخابات التي جرت بعد ذلك نجح أحد غلاة التطرف بنيامين نتنياهو مما أزم العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وتصاعدت حدة الصدامات بين الفلسطينيين المدنيين والجيش الإسرائيلي مما دفع بمجلس الأمن الدولي إلى إصدار قراره رقم 1073 بتاريخ 28/9/1996 يندد فيه بأعمال العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة ورغم ذلك استمرت عملية تطبيق الاتفاق المبرم بين الطرفين وفي كانون ثاني/يناير 1997 تسلمت السلطة الفلسطينية السلطات في الخليل حيث يوجد مستوطنون إسرائيليون وأدى رفضهم لترك المدينة إلى تفاقم العلاقات مجدداً بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبعد توقف طويل استؤنفت المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية في تشرين ثاني/نوفمبر 1998 بالقرب من واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية وتم الاتفاق على تسليم السلطة الفلسطينية 13% من الضفة الغربية وفي نفس الوقت تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية بمكافحة الإرهاب وإلغاء المواد المعادية لإسرائيل في البرنامج القومي وهو ما حدث في كانون أول/ديسمبر عام 1998.
ورغم النجاحات الملحوظة لحل قضية الشعب الفلسطيني إلا أن مشكلة المستوطنين اليهود الذين يقدر عددهم بـ(140) ألف مستوطن بقيت عالقة بين الطرفين دون حل، بالإضافة لمسألة اقتسام المياه لأن فلسطين فقيرة بمصادر المياه ومعظم مصادرها المائية من المياه الجوفية في الضفة الغربية بالإضافة إلى أن إسرائيل تحصل على 70% من احتياجاتها المائية من الضفة الغربية ووضعها تحت سلطة منظمة التحرير ستعرض الأمن المائي لإسرائيل حسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين. ولهذا أرادوا إبقاء الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة بينما طالبت منظمة التحرير بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
والمشكلة الأكبر لم تزل حول أوضاع القدس، المدينة المقدسة للأديان الثلاثة (اليهودية، والمسيحية، والإسلام) فالإسرائيليون يريدون الاحتفاظ بها عاصمة لدولتهم إسرائيل. بينما الفلسطينيون وبمساندة من مسلمي العالم يطالبون بالعودة للأوضاع التي كانت قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وأن تصبح القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. ورغم استئناف المحادثات الإسرائيلية في نهاية عام 1992 في واشنطن إلا أن الموقف لم يتبدل لأن سورية تطالب بانسحاب إسرائيل إلى خطوط 4/6/ 1967 بينما تصر إسرائيل على الانسحاب إلى حدود دولة الانتداب الفلسطينية.
ورغم انسحاب إسرائيل من جانب واحد من الجنوب اللبناني عام 2000 ومن قطاع غزة عام 2005 وشروع إسرائيل ببناء جدار عازل يفصل الأراضي العربية المحتلة عن إسرائيل إلا أن التسوية النهائية لم تزل بعيدة المنال جداً بسبب تردي أوضاع الشعب الفلسطيني أمام الحصار والتعنت الإسرائيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق