الجمعة، 18 سبتمبر 2009

المصالح المشتركة في العلاقات العربية الأوزبكستانية 2 من 5

المصالح المشتركة في العلاقات العربية الأوزبكستانية




تأليف: أ.د. محمد البخاري: صحفي عربي مقيم في جمهورية أوزبكستان مستشار في العلاقات الدولية وأستاذ في كلية العلاقات الدولية والاقتصاد بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية

طشقند – 2002

الفصل الثالث: تدعيم التجربة الديمقراطية الأوزبكستانية: استفادت القيادة الوطنية الأوزبكستانية من الأحداث التاريخية العاصفة التي عاشها الاتحاد السوفييتي السابق قبل انهياره، واتخذت منها نقطة انطلاق تاريخية لتحقيق الحلم الذي راود الشعب الأوزبكستاني منذ بدايات الاحتلال الروسي في القرن التاسع عشر. وكانت نقطة الانعطاف التاريخية تلك عندما أعلن المجلس الأعلى لجمهورية أوزبكستان من العاصمة طشقند، وبالطرق السلمية الديمقراطية قراره التاريخي في 31/8/1991 القاضي باستقلال جمهورية أوزبكستان، واعتبار 1/9/1991 العيد الوطني للجمهورية الفتية، وناشد القرار الجمهوريات المستقلة الأخرى ودول العالم بالاعتراف باستقلال الجمهورية. وقام في نفس اليوم أول رئيس لجمهورية أوزبكستان بالتوقيع على قانون الاستقلال، لتبدأ أولى خطوات التعايش السلمي وبناء الدولة المستقلة الديمقراطية على أرض تبلغ مساحتها 447,4 كم مربعاً، (بما فيها أراضي جمهورية قره قلباقستان المتمتعة بالسيادة داخل جمهورية أوزبكستان)، وسكانها البالغ تعدادهم آنذاك 21,5 مليون نسمة ويضمون في تركيبتهم العرقية 129 قومية.
وكانت أولى الخطوات على طريق تعزيز الديمقراطية والاستقلال أول استفتاء شعبي جرى في 29/12/1991 أيد بنتيجته 98,2 % من أبناء الشعب الأوزبكستاني خيار الاستقلال، وصوت ضده 1,7 % فقط من المقترعين، حسبما أعلنه آنذاك رئيس لجنة الانتخابات المركزية قدرة الله أحميدوف في 30/12/1991.
وأدرك الخطاب السياسي للقيادة الوطنية الأوزبكستانية منذ البداية أهمية الرأي العام المحلي والعالمي، وأهمية اعتراف المجتمع الدولي بالخطوة الجريئة التي أقدم عليها المجلس الأعلى في الجمهورية، وظهر ذلك من خلال الرسالة التي وجهها رئيس لجنة الانتخابات المركزية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بطرس بطرس غالي يبلغه فيها بنتائج الاقتراع الشعبي على الاستقلال، ونتائج انتخاب أول رئيس للجمهورية المستقلة الفتية، وما تبعها من إصدار مجلس الأمن في المنظمة الدولية للقرار رقم 737/1992 القاضي بقبول جمهورية أوزبكستان في عضوية المنظمة حتى دون تصويت، وإعلان وزير الخارج الأوزبكستاني عبد الرزاقوف من على منبر الأمم المتحدة عن قبول الدولة الفتية بنظام المنظمة الدولية وقواعد القانون الدولي وما يرتبه قبول أوزبكستان في عضويتها من التزامات.
وتعتبر انتخابات أجهزة الإدارة المحلية، والبرلمانية التي جرت في 5/12/1999، والانتخابات الرئاسية التي أعقبتها في 9/1/2000، وفقاً للدستور والقوانين الانتخابية النافذة والآخذة بالتكامل منذ الاستقلال، الثانية والأهم منذ إعلان الاستقلال.
وقد جاءت تلك الانتخابات في مرحلة جديدة من مراحل التطور الاقتصادي والسياسي والديمقراطي الذي تشهده أوزبكستان في ظل التعددية الحزبية، التي تؤكد على مبدأ انتقال السلطة بالطرق الديمقراطية الدستورية والسلمية وحدها، وانتصاراً للخط العلماني الذي يقوده إسلام كريموف صانع استقلال، وأول رئيس لهذه الجمهورية منذ الانتخابات العامة على هذا المنصب الرفيع التي جرت وللمرة الأولى بعد استقلال أوزبكستان في 29/12/1991، وفاز بها كمرشح لحزب الشعب الديمقراطي، واتحاد العمال بعد أن حصل على 86 % من أصوات الناخبين، مقابل 12,3 % فقط، التي حصل عليها منافسه سالاي مادامينوف (محمد صالح) مرشح الحزب الديمقراطي "إرك". وأبلغت تلك النتائج لمنظمة الأمم المتحدة رسمياً آنذاك. وعاد الناخب الأوزبكستاني وأكد ثقته بالرئيس كريموف في الاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في آذار/مارس 1995 من خلال التأييد الشعبي الكبير لصالح تمديد ولايته حتى عام 2000.
وأثبتت الانتخابات الأخيرة التي شاركت فيها خمسة أحزاب سياسية إضافة لمرشحي مجالس الإدارة المحلية ولجان المبادرة الشعبية، زيادة في رسوخ مفهوم التعددية السياسية الذي يشير إلى مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية، وحقها في التعايش، والتعبير عن نفسها، والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها، والاعتراف بوجود التنوع الذي يترتب عليه الاختلاف في المصالح والاهتمامات والأولويات. وأن تكون التعددية في إطار دستوري وقانوني معين.
وتأتي أهمية عنصر الانتخابات الديمقراطية في أوزبكستان اليوم، من مفهوم الديمقراطية بمعناها الحديث الذي هو أوسع من مجرد الانتخابات الدورية، حيث تتضمن عناصر أخرى عديدة مثل كفالة حرية تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية، وتوفير الضمانات واحترام حقوق الإنسان بمعناها الواسع، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتأسيس ثقافة سياسية ديمقراطية. لأن الانتخابات الدورية والنزيهة تعتبر ركناً أساسياً من أركان الديمقراطية، ولا يمكن الحديث عن تطور ديمقراطي حقيقي وجاد، دون أن تكون هناك انتخابات تتسم بالحرية والشفافية، يتمكن المواطنون خلالها من ممارسة حق الاختيار بين أكثر من شخص، وأكثر من حزب، وأكثر من برنامج سياسي.
وتزداد أهمية هذا الأمر في الدول التي تمر بمرحلة انتقال أو تحول من صيغة سياسية غير ديمقراطية، إلى أخرى ديمقراطية، (كالحالة الأوزبكستانية التي انتقلت من النظام الاستعماري الشيوعي الشمولي إلى النظام الديمقراطي المنفتح محلياً ودولياً) أو على الأقل تتسم بدرجة من درجات الديمقراطية. وتعتبر أوزبكستان واحدة من تلك الدول، التي كشفت الانتخابات الأخيرة فيها من ضمن هذا الإطار، عن واقع خريطة توزع القوى والتوازنات السياسية والاجتماعية فيها، خلال مرحلة الإصلاحات الجذرية الجارية بعد الاستقلال، والمتجهة أكثر نحو مجتمع التعدد والتنافس الديمقراطي الحر. وكشفت عن تأييد الرأي العام لأولويات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يقودها الرئيس إسلام كريموف، والتي تعتمد على النموذج الخاص للتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، المبني على المبادئ الخمسة التي أعلنها الرئيس كريموف في خطابه السياسي عشية الاستقلال، وحظيت بدعم وتأييد كل الأحزاب السياسية الأوزبكية التي شاركت في الانتخابات الأخيرة، وكانت بمثابة نقطة لقاء اتفق الجميع عليها من خلال البرامج الانتخابية التي طرحوها أمام الناخبين، وهي: تخليص الاقتصاد من الإيديولوجية؛ وسيادة القانون؛ والإصلاح على مراحل؛ وإشراف الدولة على المرحلة الانتقالية؛ والسياسة الاجتماعية السليمة.
وقد رشح إسلام كريموف لهذا المنصب القيادي الرفيع للفترة الرئاسية الثانية، الحزب القومي الديمقراطي "فيدوكورلار"، وأيدته معظم الأحزاب والقوى السياسية على الساحة الأوزبكستانية، رغم عدم إشارة برنامجه الانتخابي لانتمائه لأي حزب سياسي، وفاز على منافسه مرشح حزب الشعب الديمقراطي وأمينة العام عبد الحفيظ جلالوف، الذي صوت لصالحه 4,17 % فقط من الناخبين. بينما حصل الرئيس كريموف على 91,9 % من أصوات الناخبين، أو 11,147,621 صوتاً، في الانتخابات التي جرت في 9/1/2000، وأدلى فيها 12,123,199 ناخب من أصل 12,746,903 ناخب مسجل في القوائم الانتخابية. وتعتبر هذه النتائج بحد ذاتها أفضل تعبير للتأييد الكبير الذي يبديه الشعب الأوزبكستاني للخط الذي ينتهجه الرئيس كريموف بثبات، والمتمثل بالتحولات الديمقراطية والإصلاحات الجذرية الجارية بقيادته على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، منذ إعلان استقلال أوزبكستان وحتى اليوم. وخاصة بعد أحداث التفجير المجرمة التي وقعت في طشقند يوم 16/2/1999 وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المواطنين الأبرياء، وأثبتت المحاكمات العلنية التي جرت لاحقاً للمجرمين الذين ألقي القبض عليهم ضلوع بعض القوى السياسية على الساحة الأوزبكستانية وجهات خارجية فيها.
وجاءت تلك الانتخابات بجو من الحرية والتنافس والاختيار الحر تحت أنظار مئات المراقبين الحياديين المحليين والدوليين، ومن بينهم البروفيسور محمد السيد سليم مدير مركز الدراسات الآسيوية التابع لجامعة القاهرة، الذي ألف مع آخرين كتاباً بعنوان "أوزبكستان الدولة والقائد" نشر في مصر، وتحدث فيه عن التجربة الأوزبكستانية بعد الاستقلال، والنموذج الديمقراطي الفريد الذي نهجه الرئيس إسلام كريموف. وهذا الاهتمام من جانب مدير أحد المراكز البحثية الكبرى في مصر والشرق الأوسط ليس بجديد على العلاقات الثنائية التاريخية بين مصر وأوزبكستان، والتي تؤكد على خصوصية تلك العلاقة، حتى أن السفير المصري في طشقند الدكتور ممدوح شوقي كان السفير العربي والإفريقي الوحيد الذي حصل في 22/1/2000 على وسام الصداقة الأوزبكستاني لخدماته الجليلة في مجال توسيع التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي بين مصر وأوزبكستان، وكان من بين الذين تابعوا باهتمام أنباء سير الانتخابات أيضاً الدكتور نبيل لحام السفير الفلسطيني في طشقند، والسيد رأفت السبع المستشار الإعلامي في السفارة المصرية بطشقند.
وقد جاء تفصيل التحولات الديمقراطية والإصلاحات الجذرية التي يقودها بنجاح الرئيس إسلام كريموف وأكدها في برنامجه الانتخابي للانتخابات الأخيرة، وأيدته كافة القوى السياسية المشاركة في الانتخابات، باتجاه واضح نحو تعميق الخطوات التي تضمن تحقيق كل الأهداف الواردة في الخطاب السياسي للرئيس كريموف منذ توليه مقاليد الحكم وحتى اليوم، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
بناء السيادة والاستقلال الحقيقي لأوزبكستان. والتخلص نهائياً من الاستعمارين الروسي والسوفييتي، وبناء دولة القانون، والديمقراطية، التي تحترم فيها حقوق وحريات المواطن، بغض النظر عن انتمائه القومي، أو الديني، أو معتقداته السياسية. بحيث يكون الشعب هو وحده مصدر السلطات في الدولة.، التي تتوجه السلطات فيها نحو تأمين رخاء الإنسان والمجتمع، والحياة الكريمة لكل مواطني أوزبكستان. وضمان البنية السياسية والحكومية للمجتمع المتجدد، والحرية في اختيار الإنسان لأشكال السياسة، والاقتصاد، والحياة الاجتماعية التي يريدها.
و تأكيد مبادئ الديمقراطية الحقيقية، واحترام تطلعات كل الجماعات والشرائح الاجتماعية، وحقوق الأقليات القومية، واحترام عادات وتقاليد، وأديان، ولغات كل الأقليات القومية التي تعيش على أراضي الجمهورية، وبناء الدولة القومية على أساس الفصل بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والقضاء نهائياً على احتكار الأيديولوجية الواحدة للسلطة والمجتمع كما كان في العهد السوفييتي، والاعتراف بتعدد المؤسسات السياسية، بما فيه التعدد الحزبي، ومنع الأحزاب والحركات التي تدعو أهدافها إلى تغيير السلطة بالقوة، أو تهدد سيادة الدولة، ووحدة أراضيها، وتهدد أمنها عن طريق إثارة النعرات الدينية والطائفية والعرقية، أو تتطاول على الأسس الدستورية التي يقوم عليها المجتمع.
وإقامة اقتصاد دائم التطور مستقر وقوي، يعتمد على اقتصاد السوق الذي يخدم المجتمع، ويشجع العمل الحر، ويحمي حقوق الملكية الخاصة، ويلغي المركزية الاقتصادية والاحتكار.
وتعزيز المعاني الإنسانية المعلنة في الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، وإحياء التراث الديني الإسلامي الحنيف، وتأكيد القيم الثقافية والأخلاقية، وتطوير اللغة الأوزبكية اللغة الرسمية في الدولة، وتقديم المساعدة اللازمة لكل مسلم لأداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة (خلال سنوات الاستقلال التسع الماضية أدى فريضة الحج أكثر من 30000 حاج، والعمرة أكثر من 50000 معتمر) ، وتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية، وتوفير الخدمات الطبية الجيدة للجميع، ورعاية الأمومة والطفولة، وتوفير التعليم العام للجميع، وتوفير الأمن والطمأنينة لجميع المواطنين، وحماية الأسرة عماد المجتمع.
وفي مجال السياسة الخارجية التأكيد على المصالح القومية والتعاون المتساوي، وإتباع سياسة خارجية مستقلة، وأن تختار أوزبكستان طريقها الخاص لدخول المجتمع الدولي، وأن تحدد بنفسها اتجاهات وأولويات العلاقات بين الدول. بعد أن كانت في ظل حكم النظام الفاشي الشيوعي محرومة من الانفتاح المباشر على المجتمع الدولي، وخاضعة بالكامل لاحتكار موسكو لمواردها وتجارتها وعلاقاتها الخارجية.
وتعهد الرئيس كريموف في برنامجه الانتخابي باحترام المبادئ الأساسية التالية في سياسته الخارجية:
أولاً: مراعاة المصالح المشتركة، وأفضلية المصالح القومية على المصالح الحكومية، وتجنب الدخول في مجال تأثير أي من الدول العظمى، وهذا يشمل ليس روسيا وحسب بل كل مراكز القوى العالمية.
ثانيا: العمل على تعزيز والأمن والسلام العالمي، وتسوية الخلافات عن طريق التفاوض وبالطرق السلمية وعدم المشاركة في العدوان، وإبقاء أوزبكستان منطقة خالية من الأسلحة الذرية، وعدم المشاركة في الأحلاف العسكرية، واحترام القانون الدولي والمواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، ومبدأ عدم الاعتداء، والامتناع عن استخدام القوة والتهديد بها لحل الخلافات. ونلمسها من خلال المبادرات العديدة التي تقدم بها الرئيس كريموف من على المنابر الدولية ومنها مبادرته المعروفة لإعلان آسيا المركزية منطقة خالية من الأسلحة الذرية، ومبادرته 6+2 لحل المشكلة المستعصية في أفغانستان، وتأييده لمطلب مصر إعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ثالثاً: بناء السياسة الخارجية على مبادئ المساواة والمصالح المشتركة، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإقامة علاقات ثنائية وجماعية وتعميق التعاون ضمن المنظمات الدولية، انطلاقا من مبادئ الاحترام المتبادل.
رابعاً: إتباع مبدأ الانفتاح في السياسة الخارجية، بغض النظر عن الإيديولوجية ووجهة النظر، وإقامة علاقات خارجية واسعة مع كل الدول المحبة للسلام، من خلال اختيار الأفضليات في العلاقات الدبلوماسية التي تراعي الحقائق التاريخية والاقتصادية، والثقافية، والقومية والتقاليد الدينية، والمصالح الأوزبكستانية. وتعزيز علاقات الأخوة والصداقة مع الجمهوريات المستقلة في آسيا المركزية (قازاقستان، وقرغيزستان، وتركمانستان، وطاجكستان) وتعميق وتطوير العلاقات الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية والثقافية معها. وتعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية، والدول العربية، وخاصة مع مصر، والمملكة العربية السعودية. ليتمكن الشعب الأوزبكي من التعرف على التراث الثقافي والديني الذي يربطه معها. وهي المسيرة التي بدأت في الزيارتين التاريخيتين للرئيس كريموف إلى مصر والمملكة العربية السعودية عام 1992، وزيارته لفلسطين أثناء زيارته لإسرائيل عام 1998.
وأكد على أن التعاون مع العالم الغربي ينطلق من مبدأ الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، وجذب الاستثمارات للمجالات الصناعية، والزراعية واستثمار الموارد الطبيعية بشكل كامل. والحصول على المساعدة اللازمة لإعداد الكوادر الوطنية، وخاصة في مجالات البنوك والإدارة، وشبكات المعلومات، وإقامة الصلات مع بورصات العالم الكبرى، ودراسة الخبرة التشريعية للدول الأجنبية المتقدمة.
كما ويمكن هنا الإشارة إلى حقيقة هامة أخرى، وهي أن نتائج الانتخابات الأخيرة جاءت برأيينا متفقة والمبادئ الأساسية الأربع لمفهوم التعددية السياسية، الذي هو عند هنري كاريل، بأنها: "ترتيبات مؤسسية خاصة لتوزيع السلطة الحكومية والمشاركة فيها" من خلال: الإقرار بحق التنظيم السياسي، بمعنى الاعتراف بحق القوى السياسية والاجتماعية في تنظيم نفسها على شكل أحزاب وجمعيات. وهذا يؤكده مشاركة خمسة أحزاب سياسية في الانتخابات الأوزبكستانية، إضافة لمجالس الإدارة المحلية ولجان المبادرة الشعبية التي تشكل من قبل مائة مواطن بغض النظر عن الانتماء الحزبي. التعدد المتكافئ للأحزاب الشرعية بمعنى إتاحة الفرصة المتكافئة لجميع الأحزاب في الاتصال بالقاعدة الجماهيرية. وهو ما أكدته الحملة الانتخابية الأخيرة في أوزبكستان. الحماية الدستورية، وتعني البعد المؤسسي الذي يوفر الحماية لمختلف القوى. وهو ما وفرته القوانين الدستورية النافذة والتي تكاملت وأصبحت أكثر وضوحاً في أوزبكستان عشية الانتخابات. حرية تداول السلطة عبر الانتخابات الدورية والتعاقب المنتظم للحكام.
إضافة إلى أن القوانين الانتخابية الأوزبكستانية استندت حسب رأي أكمال سعيدوف مدير المركز القومي لحقوق الإنسان في جمهورية أوزبكستان، إلى: الوثائق الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، وخاصة إعلان حقوق الإنسان لعام 1948، ووثيقة الحقوق السياسية للمواطنين لعام 1966؛ ووثائق مجلس التعاون والأمن في أوروبا، وخاصة وثائق مؤتمر كوبنهاجن لعام 1990؛ ووثائق الاتحاد البرلماني الدولي الذي يضم في عضويته 129 دولة من ضمنها جمهورية أوزبكستان، وخاصة إعلان حرية وعدالة الانتخابات الصادر عام 1994.
القاعدة القانونية للانتخابات: يعتبر الدستور الدائم لجمهورية أوزبكستان الذي أقره البرلمان الأوزبكستاني في 8/12/1992، أن: الشعب هو المصدر الوحيد للسلطات الحكومية (المادة 7)، ويتشكل الشعب الأوزبكستاني من جميع مواطني الجمهورية بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو العرقي (المادة 8)، وأن القضايا الهامة والحيوية التي تهم المجتمع والدولة يتم عرضها على الاستفتاء العام (المادة 9)، وأن الممثل الشرعي للشعب الأوزبكستاني هو عالي مجلس (البرلمان) ورئيس الجمهورية المنتخبون من قبل الشعب، ولا يحق لأي غيرهم مهما كان حزباً سياسياً، أو اتحادا أو حركة شعبية، أو أية شخصية التحدث باسم الشعب (المواد 10،76-97)، وانطلق من مبدأ تقسيم السلطات إلى تشريعية وتنفيذية وقضائية (المواد 11، 76-116)، والتعددية السياسية والفكرية، وعدم جواز إتباع الدولة لأية إيديولوجية (المادة 12)، معتمدة على الديمقراطية والمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان (المادة 13)، والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون (المادة 14)، وعدم جواز تعارض القوانين مع الدستور (المادة 16)، ومساواة جميع المواطنين أمام القانون (المادة 18)، وضمان مبدأ حق المواطنين في الاتحاد ضمن النقابات والأحزاب والحركات السياسية، وحماية حرية المعارضة والأقليات، ومنع إقامة تنظيمات سرية (المواد 34-56-57-58)، ومسؤولية الحكومة عن ضمان الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور (المواد 43-58)، وفصل المنظمات الدينية عن الدولة، وعدم تدخل الدولة في شؤون المنظمات الدينية (المادة 61). كما وكفل الدستور حق الانتخاب لجميع المواطنين رجالاً ونساء البالغين من العمر 18 عاماً يوم الانتخاب، عدا أولئك الصادرة بحقهم أحكاماً قضائية تمنع ذلك (المادة 117).
وقد جرت الانتخابات الأخيرة على قاعدة واضحة من القوانين الآخذة بالتكامل منذ الاستقلال، أساسها قانون "انتخاب رئيس الجمهورية" الصادر في 18/11/1991، وقانون "انتخابات عالي مجلس (البرلمان)"، الصادر بتاريخ 28/12/1993، وقانون "اللجنة المركزية للانتخابات" الصادر بتاريخ 30/4/1998، والمعدلين بتاريخ 26/12/1997، و19/8/1999. ورغم ذلك نلمس اتجاه واضح للقوى السياسية برز بعد الانتخابات الأخيرة ويتجه نحو العمل من خلال البرلمان الأخير على تطوير تلك القوانين قبل الانتخابات القادمة.
وجاء في المبادئ العامة لتلك القوانين أن انتخاب رئيس الجمهورية لفترة رئاسية مدتها خمس سنوات، يتم من قبل مواطني الجمهورية عن طريق الاقتراع الحر والسري والمباشر، من بين المرشحين لهذا المنصب، الذين يشترط إتمامهم سن الخامسة والثلاثين من العمر، وإتقانهم اللغة الرسمية للدولة (أي اللغة الأوزبكية)، ويعيشون في أوزبكستان بصورة متصلة لمدة عشر سنوات قبل موعد الانتخابات.
وفي انتخابات عالي مجلس (البرلمان)، الذي يضم 250 عضواً يتم انتخابهم على أساس جغرافي لمدة خمس سنوات، من قبل المواطنين، بالانتخاب الحر والسري والمباشر. ويشترط في المرشح بلوغ الخامسة والعشرين من العمر يوم الانتخابات. بينما منح المشرع حق التصويت لجميع مواطني الجمهورية من الجنسين البالغين من العمر 18 عاماً يوم الانتخاب بالتساوي، صوت واحد لكل مواطن. باستثناء أولئك الصادرة بحقهم أحكاماً قضائية.
وضمن القانون العلنية في الإعداد وإجراء الانتخابات التي تنظمها وتشرف عليها اللجنة المركزية للانتخابات، استناداً لأحكام الدستور والقوانين النافذة بشكل مستقل وعادل، وتشكل بقرار من عالي مجلس الجمهورية، من بين الشخصيات المستقلة التي لا تنتمي لأي حزب سياسي.
وقضت القوانين أن يتم تمويل الحملة الانتخابية من قبل موازنة الدولة فقط، مع إمكانية التبرع لصالحها بأموال تحول لحساب لجنة الانتخابات المركزية التي تستخدمها خلال الحملة الانتخابية. والحكمة في هذا برأيينا تجنب استخدام التمويل من قبل جهات أخرى قد تستخدمه في المستقبل كورقة للضغط على المرشح أو لفرض عليه التزامات تتعارض ووظيفته في العملية الديمقراطية الحرة بعد فوزه في الانتخابات.
وضمنت القوانين حق تقديم مرشح واحد لكل حزب، لمنصب رئيس الجمهورية لقيادات الأحزاب السياسية المسجلة في وزارة العدل قبل ستة أشهر من تاريخ تحديد موعد الانتخابات، من بين أعضاء الحزب أو من بين الشخصيات المستقلة، وجوغارغي كينيسا (برلمان) جمهورية قره قلباقستان، ومجالس الإدارة المحلية في المحافظات بغض النظر عن الانتماء الحزبي للمرشح. شريطة تقديم لوائح تحمل توقيع 1% من عدد الناخبين في الجمهورية تؤيد الترشيح للمنصب، وعدم قبول طلبات تسجيل المرشحين الذين سبق وصدرت بحقهم أحكاماً قضائية، أو الذين هم تحت المحاكمة، والعاملين في المنظمات الدينية. وهي خطوة صائبة برأيينا لتجنب إقحام المنظمات الدينية في الصراعات الحزبية والسياسية. إذ يبلغ عدد المنظمات الدينية المسجلة في الجمهورية 1671 منظمة، منها 1555 إسلامية، و 100 مسيحية و 8 بهائية و 8 يهودية، وفق معطيات نشرها تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999.
بينما اشترط المشرع حصول الأحزاب السياسية على توقيع 50 ألف ناخب في لوائح خاصة، تؤيد اشتراك الحزب المذكور في الحملة الانتخابية لعضوية عالي مجلس (البرلمان)، واشترط حصول مجالس الإدارة المحلية على توقيع 8 % من الناخبين الخمسين ألف في كل دائرة انتخابية، وتواقيع 100 مواطن للجان المبادرة الشعبية تؤيد إشراكهم في الحملة الانتخابية.
وأعطى لكل حزب من الأحزاب السياسية، وجوغارغي كينيسا (برلمان) جمهورية قره قلباقستان، ومجالس الإدارة المحلية حق ترشيح 250 مرشحاً، أي مرشح واحد عن كل دائرة انتخابية تضم 50 ألف ناخب، وعدم السماح بتدخل أحد في طريقة اختيارهم لأولئك المرشحين. كما وأعطى الحق للمواطنين المستقلين تشكيل لجان مبادرة تضم أكثر من مائة ناخب، لترشيح مرشحهم الخاص (مرشح واحد) في الدائرة الانتخابية التي ينتمون إليها. واشترط المشرع أن لا يكون المرشح قد صدرت بحقه أحكاماً قضائية، وأن يكون مقيماً بشكل دائم في أوزبكستان لمدة خمس سنوات على الأقل قبل تحديد موعد الانتخابات، وأن لا يكون في الخدمة العسكرية، أو أجهزة الأمن القومي، أو أجهزة وزارة الداخلية وغيرها من الأجهزة العسكرية، أو العاملين في المنظمات الدينية، وأعضاء الحكومة، والقضاء، والنائب العام، والمسؤولين في النيابة العامة، ومدراء الوزارات والأجهزة الحكومية ونوابهم، والمسؤولين في أجهزة الإدارة الحكومية، باستثناء حكام الولايات والمناطق والمدن، ما لم يستقيلوا من مناصبهم.
وضمنت التشريعات الحق المتساوي للمرشحين والأحزاب السياسية، القيام بحملتهم الانتخابية من تاريخ تسجيل ترشيحهم، واستخدام وسائل الإعلام الجماهيرية ضمن الحدود التي تضعها لجنة الانتخابات المركزية، وعقد اللقاء آت بالشكل المناسب للناخبين، وألزمت اللجان الانتخابية بالاشتراك مع السلطات الحكومية وأجهزة مجالس الإدارة المحلية بتهيئة الأماكن لتلك اللقاء آت وتجهيزها بالتجهيزات اللازمة، وتقديم كل المساعدات للمرشحين في تنظيم تلك اللقاءات، وتقديم كل المعلومات المطلوبة لهم. وضمنت حق المرشحين والأحزاب السياسية بتقديم برامجهم الانتخابية للناخبين شريطة أن لا توجه تلك البرامج ضد استقلال وسلامة أراضي وأمن الجمهورية، وأن لا تتعدى على الصحة والأخلاق العامة، وأن لا تدعو للحرب، وأن لا تثير النعرات القومية والعرقية والدينية، وأن لا تدعو لاستخدام العنف لتبديل النظام الدستوري، وكل ما يحد من الحقوق الدستورية وحريات المواطنين. ومنع المشرع تقديم المرشح من خلال حملته الانتخابية، التسهيلات والخدمات (عدا المعلوماتية) والسلع المجانية والأموال للناخبين، وألزم بوقف الحملة الانتخابية يوم الاقتراع. ومنح المشرع المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية وعضوية عالي مجلس من تاريخ تسجيلهم وحتى نهاية الانتخابات الحصانة القانونية، وحق الإجازة مدفوعة الأجر واستخدام وسائط النقل الحكومية بالمجان خلال حملتهم الانتخابية، وتسمية مندوبيهم في الدوائر الانتخابية. واشترط المشرع للفوز بمنصب رئيس الجمهورية، وعضوية عالي مجلس، حصول المرشح على أكثر من نصف أصوات المشاركين في التصويت، وفي حال عدم حصول أحد على النسبة، تعاد الانتخابات بين المرشحين الذين حصلا على أعلى نسبة من أصوات الناخبين خلال أربعين يوماً من إعلان النتائج الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية وأسبوعين لأعضاء عالي مجلس.
الانتخابات البرلمانية الأوزبكستانية: عشية الاستقلال في عام 1989 ولأول مرة عرف التاريخ المعاصر لجمهورية أوزبكستان الحياة الديمقراطية التي دعى إليها البيان العالمي لحقوق الإنسان، عندما انتخب المجلس الأعلى لجمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية إسلام كريموف رئيساً للجمهورية، وشكل لجنة الانتخابات المركزية الدائمة، التي توضحت معالم مهامها القانونية بعد إصدار البرلمان الأوزبكستاني الأول بعد الاستقلال، قانون "اللجنة المركزية للانتخابات" في نيسان/أبريل 1998، والذي شكل البرلمان على أساسه لجنة مركزية دائمة للانتخابات برئاسة قدرة الله أحميدوف وتضم 21 عضواً، منهم ثلاثة دائمين، وجدد تشكيلها في 20/8/1999. ومهمتها إجراء الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية وعضوية عالي مجلس (البرلمان) على أسس ديمقراطية وضمان حرية اختيار الناخبين لممثليهم من بين المرشحين المسجلين.
وعشية انتهاء فترة البرلمان الأوزبكستاني المنتخب الأول بعد الاستقلال، وفترة رئاسة الرئيس إسلام كريموف، جدد البرلمان في دورته الأخيرة اللجنة المركزية للانتخابات برئاسة الشخصية المستقلة والمعروفة في الأوساط العلمية البروفيسور نجم الدين كاميلوف لإجراء الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية وعضوية البرلمان الثاني في ظروف صعبة تعرضت خلالها الجمهورية لضغوط وأعمال عدوانية مسلحة خارجية، وأعمال عنف داخلية أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى، كان الهدف منها تقويض الخط السياسي الذي اتبعه الرئيس كريموف منذ توليه لمنصبه مع فجر الاستقلال.
وحدد البرلمان تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية يوم 5/12/1999، وانتخاب رئيس الجمهورية يوم 9/1/2000. معلنا بدء العد التنازلي للمعركة الانتخابية بين القوى السياسية في الجمهورية التي بلغت العام التاسع للاستقلال في إطار ديمقراطي تعددي لم يعرفه تاريخها من قبل، فقد جرت الانتخابات الأولى عام 1991 في جو من التعددية السياسية التي هيمن فيها أعضاء الحزب الشيوعي الأوزبكستاني الذي حل نفسه قبل الانتخابات، وانطلاقاً من قاعدة قانونية غير واضحة، وغياب الخبرة الديمقراطية بعد فترة طويلة من الاحتلال الروسي قاربت الـ 130 عاماً، منها أكثر من 70 عاماً من الحكم الشمولي الشيوعي المتسلط، الذي سبب لأوزبكستان عزلة دولية تامة، وجهل لأصول العملية الديمقراطية. بينما جاءت الانتخابات الأخيرة في جو من الديمقراطية الآخذة بالتبلور والمشاركة الدولية، حيث شارك فيها مراقبون من دول أجنبية ومنظمات دولية عديدة، أدلوا بآرائهم التي تؤكد حقيقة التحولات الديمقراطية رغم تفاوت منطلقاتها وأبعادها ودلالاتها السياسية، حول الانتخابات عبر وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية قبل وخلال وبعد الانتخابات.
القوى السياسية على الساحة الأوزبكستانية عشية الانتخابات: أعلنت لجنة الانتخابات المركزية، عشية الحملة الانتخابية استناداً للقوانين النافذة في الجمهورية، أن خمسة أحزاب سياسية مسجلة في وزارة العدل الأوزبكستانية، مؤهلة قانونياً لخوض المعركة الانتخابية للفوز بمنصب رئيس الجمهورية وعضوية البرلمان، وهي: حزب الشعب الديمقراطي الأوزبكستاني تاريخ التأسيس 15/11/1991 وهو أقوى الأحزاب السياسية على الساحة الأوزبكستانية، ووريث الحزب الشيوعي المنحل.؛ حزب "وطن ترقياتي" تاريخ التأسيس 10/7/1992 ويمثل الشرائح الاجتماعية الجديدة من المثقفين ورجال الأعمال.؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي الأوزبكستاني "عدالات" تاريخ التأسيس 18/2/1995 ويمثل الشرائح الاجتماعية المثقفة ورجال القانون التي تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية.؛ الحزب الديمقراطي "مللي تيكلانيش" تاريخ التأسيس 9/6/1995 ويضم الشرائح الاجتماعية المثقفة التي تسعى لبعث الثقافة والتقاليد القومية الأوزبكية.؛ الحزب القومي الديمقراطي "فيدوكورلار" تاريخ التأسيس 4/1/1999 ويضم شرائح اجتماعية متنوعة وخاصة الشباب ويجمعها هدف واحد هو دعم خطوات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجارية في أوزبكستان. وأعربت جميعها عن رغبتها للمشاركة في الحملة الانتخابية للبرلمان، بينما شهدت الحملة الانتخابية ولأول مرة حركة شعبية واسعة لتسجيل لجان المبادرة الشعبية لترشيح المستقلين، إضافة لتسجيل مجالس الإدارة المحلية الراغبة في المشاركة بالترشيح وخوض الحملة الانتخابية، وجرى قيدهم من قبل لجنة الانتخابات المركزية وفق الأصول القانونية النافذة في الجمهورية دون أية اعتراضات تذكر.
وأعلنت اللجنة المركزية للانتخابات في 31/10/1999 وفقاً للقوانين النافذة انتهاء فترة الترشيح لعضوية البرلمان الأوزبكستاني، ونشرت الصحف المركزية الأوزبكستانية يومي الرابع والخامس من تشرين ثاني/نوفمبر أسماء المرشحين لعضوية البرلمان والبالغ عددهم 1242 مرشحاً، إضافة لنشر البيانات الانتخابية للمرشحين والقوى السياسية، وهي سابقة لم تكن متبعة في الانتخابات السابقة. وأظهرت مدى التنافس الشديد بين القوى السياسية المشتركة في الحملة الانتخابية الذي كان في مقدمتها مرشحي حزب الشعب الديمقراطي الذي كان له 19,88 % من عدد المرشحين، ينافسه مرشحي الإدارة المحلية 19,24 %، من أصل 1242 مرشحاً يتنافسون على 250 مقعد في البرلمان.
ومعروف من الخبرة العالمية أن أكثر الأحزاب السياسية تلجأ لأسلوب ترشيح مرشحين مستقلين للفوز بمقاعد إضافية في البرلمان أو تشتيت أصوات الناخبين ضد مرشحي خصومهم في الدوائر الانتخابية التي يتواجدون فيها بشكل ضعيف، أو تقدم من لم يرشحه الحزب السياسي الذي ينتمي إليه، كمرشح مستقل، إضافة للمرشحين المستقلين فعلاً والذين لا ينتمون فعلاً لأي حزب سياسي. ولكن المشرع الأوزبكستاني اشترط أن يكون ترشيح المستقلين من قبل لجان المبادرة الشعبية، أو من قبل مجالس الإدارة المحلية كما سبق وأشرت أعلاه. وكان عدد المرشحين لشغل مقاعد البرلمان الثاني: حزب الشعب الديمقراطي 247 أو 19,88% من عدد المرشحين؛ مجالس الإدارة المحلية 239 أو 19,24%؛ الحزب القومي الديمقراطي 222 أو 17,87%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 154 أو 12,39%؛ حزب "وطن ترقياتي" 134 أو 10,78%؛ مستقلون 132 أو 10,62؛ الحزب الديمقراطي 114 أو 9,17%؛ المجموع 1242.
ومن المعروف أن التركيبة السكانية في جمهورية أوزبكستان خلال فترة الحكم الاستعماري الطويلة التي خضعت له، ونتيجة لسياسة التهجير القسري، وسياسة تشجيع الهجرة الداخلية التي اتبعتها الإمبراطورية الروسية والسوفييتية من بعدها، تحول المجتمع الأوزبكستاني إلى مجتمع متعددة القوميات يشكل فيه غير الأوزبك حوالي 30% من السكان، التركيب القومي للمجتمع الأوزبكستاني (نسمة إحصاء عام 1989): أوزبك 14142500 أو 71,4%؛ روس 1653500 أو 8,3%؛ طاجيك 933600 أو 4,7%؛ قازاق 802200 أو 4,1%؛ تتر 656600 أو 3,3%؛ قره قلباق 411900 أو 2,1%؛ قرغيز 174900 أو 0,9؛ كوريون 831001 أو 0,9%؛ أوكرانيون 153200 أو 0,8%؛ تركمان 121600 أو 0,6%؛ أتراك 106300 أو 0,5%؛ يهود 93900 أو 0,5%؛ أرمن 50500 أو 0,3%؛ أذربيجان 44400 أو 0,2؛ ويغور 35800 أو 0,2%؛ بيلاروس 29400 أو 0,1%؛ فرس 24800 أو 0,1%؛ ألمان 0,1%؛ آخرون 191900 أو 1,0%؛ المجموع (نسمة) 19810100.
فإضافة لأبناء الشعوب الإسلامية من الأصول التركية والطاجيكية الفارسية، هناك مواطنون أوزبكستانيون من أبناء الشعوب السلافية المسيحية الروس، والأوكران، والبيلوروس، ومن غيرهم كالأرمن، والكوريين وسواهم من الشعوب. وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا التركيب على التركيبة القومية للمرشحين المتنافسين لشغل المقاعد البرلمانية، فكان المرشحون بشكل رئيسي من الأوزبك، والقره قلباق، والطاجيك، والروس، والقازاق، إضافة لمرشحين ينتمون للقوميات القرغيزية، والتركمانية، والتترية، والأوكرانية، واليونانية، والأرمينية، والإيرانية، والكورية، والتركية، والويغورية، واليهود.
المرشحين للبرلمان الثاني في جمهورية أوزبكستان وفق الانتماء القومي: أوزبك 1106 مرشح أو 89% من إجمالي المرشحين؛ قره قلباق 52 أو 4,1%؛ طاجيك 22 أو 1,77%؛ روس 16 أو 1,28%؛ قازاق 13 أو 1,04%؛ لم يردوا في الإحصاء الرسمي 33 أو 2,65%؛ المجموع 1242 مرشحاً.
وشهدت القوائم المتنافسة على مقاعد البرلمان الثاني وللمرة الأولى في تاريخ أوزبكستان الحديث، نشاطاً ملحوظاً للنساء اللاتي دخلن معترك الحملة الانتخابية البرلمانية بشكل واسع، وبلغت نسبة المرشحات للتنافس على مقاعد البرلمان نسبة 14,01 % أو 174 امرأة من إجمالي عدد المرشحين البالغ 1242 مرشحاً.
المرشحون للبرلمان الثاني في جمهورية أوزبكستان حسب الجنس: حزب الشعب الديمقراطي 219 رجال 28 نساء المجموع 247 أو 11,33%؛ مجالس الإدارة المحلية 203 رجال 36 نساء المجموع 239 أو 15,06%؛ الحزب القومي الديمقراطي 185 رجال 37 نساء المجموع 222 أو 16,67%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 130 رجال 24 نساء المجموع 154 أو 15,58%؛ حزب "وطن ترقياتي" 119 رجال 15 نساء المجموع 134 أو 11,19%؛ المستقلون 110 رجال 22 نساء المجموع 132 أو 16,67%؛ الحزب الديمقراطي 102 رجال 12 نساء المجموع 114 أو 10,53%؛ المجموع 1068 رجال 174 نساء إجمالي 1242.
وكان من الملاحظ أن أحدث الأحزاب السياسية في جمهورية أوزبكستان، الحزب القومي الديمقراطي، كان الأكثر تحمساً لمشاركة المرأة الأوزبكستانية في الحياة البرلمانية في البلاد، وكان كل سادس مرشح له يمثل الجنس اللطيف. وشاركه هذا التوجه المرشحون المستقلون. بينما كانت أقل الأحزاب السياسية تحمساً لمشاركة المرأة، الحزب الديمقراطي الذي رشح 12 امرأة فقط من أصل مرشحيه الـ 102 أو ما نسبته 10,53 %.
كما وكان الحزب القومي الديمقراطي أيضاً السباق في مضمار ترشيح الشباب لشغل مقاعد البرلمان الثاني، دون سن الخمسين من العمر. بينما انفرد حزب الشعب الديمقراطي، ومرشحي أجهزة السلطات المحلية بترشيح أكثرية من هم فوق سن الخمسين من العمر. إضافة لظاهرة قلة عدد المرشحين من الفئات العمرية فوق سن الستين الذين بلغت نسبتهم المؤوية من إجمالي عدد المرشحين 8 % فقط، وهو ما يشير إلى تحمس الشباب لدخول المعترك السياسي في الجمهورية وهو من المؤشرات الإيجابية لحركة التجديد المستمرة التي يطبقها الرئيس كريموف منذ توليه السلطة في أوزبكستان وحتى اليوم.
المرشحين للبرلمان الثاني وفق الفئات العمرية: حزب الشعب الديمقراطي: 2 من فئة 30-34؛ 14 من فئة 35-39؛ 44 من فئة 40-44؛ 62 من فئة 45-49؛ 70 من فئة 50-54؛ 36 من فئة 55-59؛ 14 من فئة 60-64؛ 5 من فئة 65-69؛ المجموع 247 مرشحاً. مجالس الإدارة المحلية: 1 من فئة 25-29؛ 1 من فئة 30-34؛ 10 من فئة 35-39؛ 49 من فئة 40-44؛ 50 من فئة 45-49؛ 71 من فئة 50-54؛ 37 من فئة 55-59؛ 17 من فئة 60-64؛ 3 من فئة 65-69؛ المجموع 239 مرشحاً. الحزب القومي الديمقراطي: 6 من فئة 25-29؛ 19 من فئة 30-34؛ 63 من فئة 35-39؛ 63 من فئة 40-44؛ 31 من فئة 45-49؛ 28 من فئة 50-54؛ 6 من فئة 55-59؛ 3 من فئة 60-64؛ 2 من فئة 65-69؛ 1 من فئة 70-74؛ المجموع 222 مرشحاً. الحزب الاجتماعي الديمقراطي: 2 من فئة 30-34؛ 11 من فئة 35-39؛ 42 من فئة 40-44؛ 40 من فئة 45-49؛ 28 من فئة 50-54؛ 15 من فئة 55-59؛ 10 من فئة 60-64؛ 6 من فئة 65-69؛ المجموع 154 مرشحاً. حزب "وطن ترقياتي": 2 من فئة 25-29؛ 10 من فئة 35-39؛ 31 من فئة 40-44؛ 28 من فئة 45-49؛ 39 من فئة 50-54؛ 16 من فئة 55-59؛ 5 من فئة 60-64؛ 2 من فئة 65-69؛ 1 من فئة 70-74؛ المجموع 134 مرشحاً. مستقلون: 2 من فئة 30-34؛ 16 من فئة 35-39؛ 22 من فئة 40-44؛ 31 من فئة 45-49؛ 35 من فئة 50-54؛ 15 من فئة 55-59؛ 9 من فئة 60-64؛ 2 من فئة 65-69؛ المجموع 132 مرشحاً. الحزب الديمقراطي: 2 من فئة 30-34؛ 3 من فئة 35-39؛ 25 من فئة 40-44؛ 29 من فئة 45-49؛ 27 من فئة 50-54؛ 11 من فئة 55-59؛ 15 من فئة 60-64؛ 1 من فئة 65-69؛ 1 من فئة 70-74؛ المجموع 114 مرشحاً. المجموع الإجمالي: 9 من فئة 25-29؛ 28 من فئة 30-34؛ 127 من فئة 35-39؛ 276 من فئة 40-44؛ 271 من فئة 45-49؛ 298 من فئة 50-54؛ 136 من فئة 55-59؛ 73 من فئة 60-64؛ 21 من فئة 65-69؛ 3 من فئة 70-74؛ المجموع 1242 مرشحاً.
ومن الملاحظات الهامة والبارزة أيضاً ارتفاع نسبة المثقفين من بين المرشحين، وخاصة حملة الدرجات والألقاب العلمية والأكاديميين، بالمقارنة مع حملة الشهادات الجامعية الدنيا، وذوي التعليم المتوسط الفني والثانوي. المرشحون للبرلمان الثاني حسب الحالة التعليمية: 1218 تعليم عالي أو 98,07% من إجمالي المرشحين؛ 8 تعليم متوسط ثانوي أو 0,65%؛ 5 تعليم جامعي غير تام أو 0,40%؛ 11 تعليم متوسط فني 0,88%؛ المجموع 1242.
وتوزع المرشحين على مختلف المهن والاختصاصات العلمية والاجتماعية، وخاصة العلمية كالمهندسين والأطباء، إضافة للمدرسين والاقتصاديين، ونسبة 2 % من المرشحين المتخصصين في العلوم السياسية، والكيميائية، والحيوانية، والميكانيكية، والجيولوجية، والفنون، والعمارة، وغيرها من التخصصات. المرشحون وفق التخصصات المهنية: 332 مهندسون أو 26,73%؛ 276 مدرسون أو 21,50%؛ 193 اقتصاديون أو 15,54%؛ 101 أطباء أو 8,13%؛ 71 مهندسون زراعيون أو 5,72%؛ 54 حقوقيون أو 4,35%؛ 43 صحفيون أو 3,46%؛ 43 تقنيون أو 3,46%؛ 28 أدباء أو 2,25%؛ 21 دون تخصص أو 1,69%؛ 80 لم يرد تصنيفهم في النشرة أو 6,44%؛ المجموع 1242.
ولكن الأهم في دراستنا هذه تبقى الإشارة لعامل التنافس بين المرشحين في الدوائر الانتخابية، البالغ عددها 250 دائرة انتخابية مركزية، و 7650 دائرة انتخابية فرعية تضمها التقسيمات الإدارية لجمهورية أوزبكستان، التي تشمل جمهورية قره قلباقستان، و12 ولاية إضافة للعاصمة طشقند. فقد تراوح التنافس أثناء الحملة الانتخابية مابين 2 إلى 8 مرشحين على المقعد الواحد في البرلمان الثاني في الدائرة الواحدة. عامل التنافس على المقعد البرلماني الواحد في الدوائر الانتخابية: 8 مرشحين في 1 دائرة انتخابية واحدة أو 0,4% من عدد الدوائر الانتخابية؛ 7 مرشحين في 18 دائرة انتخابية أو 7,2%؛ 6 مرشحين في 48 دائرة انتخابية أو 19,2%؛ 5 مرشحين في 100 دائرة انتخابية أو 40%؛ 4 مرشحين في 73 دائرة انتخابية أو 29,2%؛ 3 مرشحين في 8 دوائر انتخابية أو 3,2%؛ 2 مرشحين في 2 دوائر انتخابية أو 0,8%؛ المجموع 250 دائرة انتخابية.
وهو ما يوضح المدى الذي وصلت إليه التجربة الديمقراطية في الجمهورية من خلال واقع التنافس الشديد على مقاعد البرلمان الثاني في أكثرية الدوائر الانتخابية، وقلة عدد الدوائر الانتخابية التي كان التنافس فيها بين مرشحين أو ثلاثة. وانعدام دوائر المرشح الواحد من قائمة التنافس على التمثيل الديمقراطي في البرلمان. وقد سجل التنافس أعلى معدلاته 8 مرشحين على المقعد الواحد في البرلمان، في الدائرة الانتخابية رقم 94 بولاية نمنغان.
وعشية إجراء الانتخابات البرلمانية أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات في 4/12/1999 نتائج التحضيرات النهائية للانتخابات المقرر إجراؤها في اليوم التالي لشغل مقاعد البرلمان الثاني لجمهورية أوزبكستان، وتضمنت أن: عدد الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية بلغ 12,644,122 ناخب؛ وعدد الدوائر الانتخابية المركزية 250 دائرة؛ وعدد الدوائر الانتخابية الفرعية 7723 دائرة؛ وعدد المرشحين الذين سجلوا حتى نهاية فترة الترشيح 1242 مرشحاً؛ وعدد المرشحين الذين تم شطبهم من قوائم المرشحين 228 مرشحاً؛ وعدد المرشحين الذين ثبتت أسماؤهم في القوائم الانتخابية 1014 مرشحاً، موزعين حسب المناطق الجغرافية. المرشحين وفق التوزيع الجغرافي: مدينة طشقند 113 مرشحاً أو 11,14% من عدد المرشحين؛ ولاية فرغانة 112 مرشحاً أو 11%؛ ولاية سمرقند 95 مرشحاً أو 9,36%؛ ولاية نمنغان 91 مرشحاً أو 8,97%؛ ولاية أنديجان 90 مرشحاً أو 8,87%؛ ولاية طشقند 90 مرشحاً أو 8,97%؛ ولاية قشقاداريا 73 مرشحاً أو 7,19%؛ ولاية بخارى 64 مرشحاً أو 6,31%؛ ولاية خوارزم 64 مرشحاً أو 6,31%؛ ولاية سورخانداريا 62 مرشحاً أو 6,11%؛ جمهورية قره قلباقستان 59 مرشحاً أو 5,81%؛ ولاية نوائي 41 مرشحاً أو 4%؛ ولاية جيزاخ 38 مرشحاً أو 3,74%؛ ولاية سرداريا 22 مرشحاً أو 2,16%؛ المجموع 1014 مرشحاً.
وكان أكبر عدد للمرشحين من الحزب القومي الديمقراطي وبلغ 208 مرشحين، ومرشحي مجالس الإدارة المحلية 206 مرشحين، وأقلهم كان للحزب الديمقراطي 93 مرشحاً. ولم تتقدم أية قوة سياسية بـ 250 مرشحاً المسموح بها لهم بموجب القوانين الانتخابية النافذة كما سبق وأشرت، وهذه تعتبر إشارة واضحة لحقيقة انتشار القاعدة التي تستند عليها كلاً من القوى السياسية المتنافسة فعلاً، أي ما يشير إلى غياب القوة السياسية المنتشرة في كل أنحاء الجمهورية وتشمل قاعدتها الانتخابية الدوائر الانتخابية المركزية الـ 250. المرشحين موزعين على القوى السياسية المتنافسة على مقاعد البرلمان الثاني: الحزب القومي الديمقراطي 208 مرشحاً أو 20,51%؛ مجالس الإدارة المحلية 206 مرشحاً أو 20,31%؛ حزب الشعب الديمقراطي 181 مرشحاً أو 17,85%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 119 مرشحاً أو 11,73%؛ حزب "وطن ترقياتي" 108 مرشحين أو 10,65%؛ مستقلون 99 مرشحاً أو 9,76%؛ الحزب الديمقراطي 93 مرشحاً أو 9,17%؛ المجموع 1014 مرشحاً.
المشاركة في الانتخابات: وجرت الانتخابات بجو من الهدوء ودون حوادث أمنية تذكر، من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة الثامنة مساء يوم الأحد 5/12/1999 بمشاركة مراقبين دوليين وعن الهيئات الدبلوماسية المعتمدة في جمهورية أوزبكستان، وممثلين عن المنظمات الدولية المعتمدة في الجمهورية، بلغ عددهم 120 مراقباً من 26 دولة، وممثلين عن وسائل الإعلام المحلية والدولية، الذين وضعت تحت تصرفهم كل الخدمات الفورية اللازمة وخاصة وسائل الاتصال في المركز الصحفي الذي أنشأته لجنة الانتخابات المركزية خصيصاً لهذا الهدف، واستفدت شخصياً من خدماته كأستاذ جامعي، وهو ما لم يكن موجوداً في الانتخابات السابقة.
وتم إعلان النتائج النهائية لتلك الانتخابات بعد خمسة أيام، في المؤتمر الخاص الذي عقده رئيس لجنة الانتخابات المركزية في المركز الصحفي يوم 10/12/1999، وجاء فيها: أن الانتخابات جرت بجو من التنافس الديمقراطي في الدوائر المركزية الـ 250، والدوائر الفرعية الـ 7723، وأن القوائم تضمنت أسماء 1010 مرشحين نتيجة لانسحاب أربعة مرشحين يوم الانتخابات. ولابد أن الأسباب كانت المساومات السياسية التي جرت وتجري عادة بين القوى السياسية و المرشحين في الدائرة الانتخابية الواحدة لتركيز الأصوات لصالح مرشح معين، أو نتيجة للتفوق الواضح لأحد المرشحين عن سواه مما يضطر المرشح الأضعف للانسحاب. لتصبح المنافسة موزعة بين مرشحي القوى السياسية الأقوى المتنافسة لشغل المقعد المخصص للدائرة الانتخابية المعنية من بين مقاعد البرلمان الـ 250، وفق التالي: الحزب القومي الديمقراطي 207 مرشحين أو 20,49%؛ مجالس الإدارة المحلية 205 مرشحين أو 20,29%؛ حزب الشعب الديمقراطي 180 مرشح أو 17,82%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 119 مرشح أو 11,78%؛ حزب "وطن ترقياتي" 108 مرشحين أو 10,69%؛ مستقلون 98 مرشح أو 9,70%؛ الحزب الديمقراطي 93 مرشح أو 9,20%؛ المجموع 1010 مرشحين.
ورغم الانسحابات الطفيفة بقي التنافس بين المرشحين على المقعد الواحد في البرلمان على أشده، ففي تسعة مراكز كان التنافس بين سبعة مرشحين على المقعد الواحد، بينما لم يتجاوز عدد المراكز التي تنافس فيها مرشحين فقط الـ 28 مركزاً. (أنظر الجدول رقم 13) وهو ما يؤكد انعدام دوائر المرشح الواحد، وتوفر شروط المنافسة الحقيقية بين المرشحين التي تفرضها الأصول الديمقراطية، وإمكانية الاختيار الواسع للناخبين للتصويت لأحد المرشحين المتنافسين، خلافاً للمرشح الوحيد للحزب الشيوعي الأوزبكي المنحل كما كانت الحالة في الانتخابات الشكلية قبل الاستقلال. واقع التنافس بين المرشحين على المقعد الواحد في المراكز الانتخابية: في 9 مراكز انتخابية أي 3,6% 7 متنافسين؛ وفي 22 مركز انتخابي أي 8,8% 6 متنافسين؛ وفي 53 مركز انتخابي أي 21,2% 5 متنافسين؛ وفي 82 مركز انتخابي أي 32,8% 4 متنافسين؛ وفي 57 مركز انتخابي أي 22,8% 3 متنافسين؛ وفي 28 مركز انتخابي أي 11,2% 2 متنافسين؛ المجموع 250 مركز انتخابي.
وسجلت الانتخابات مشاركة ملحوظة للناخبين المدرجة أسماؤهم في القوائم الانتخابية والبالغ عددهم 12,692,202 ناخب، فقد أدلى بأصواتهم 12,061,266، أو 95,03 % من العدد الإجمالي للناخبين، وكانت أعلى نسبة للمشاركة الفعلية في التصويت بولايتي نمنغان وجيزاخ وبلغت 98,10 %، وأقلها في العاصمة طشقند وبلغت 88,75 % ونعتقد أن أسباب انخفاض نسبة التصويت في العاصمة هو عودة الكثيرين من السكان المقيمين مؤقتاً فيها، كالطلاب مثلاً إلى مناطق سكنهم الأصلية في الولايات لدعم مرشحي معينين. ولكن الأهم من تلك الأرقام أنها تطلعنا على مدى وعي الناخب الأوزبكستاني لدوره الهام والحاسم في تحديد مصير الإصلاحات الجارية في الجمهورية من ناحية، وتمسكه بالخط الديمقراطي الذي قارب العقد الأول من عمره بقيادة الرئيس كريموف من جهة ثانية، وثقته بالدور المسؤول الذي يلعبه المشرعون في البرلمان من جهة ثالثة. (أنظر الجدول رقم 14) وهو ما يؤكد حقيقتين هامتين هما: ارتفاع الوعي السياسي لدى المواطن الأوزبكستاني حيثما كان، في المدينة أم الريف، وشعوره وإدراكه للواجب الوطني والمسؤولية الانتخابية من خلال الإدلاء بصوته.
ونجاح القوى السياسية المتنافسة في جذب وكسب تأييد وتعاطف الأغلبية المطلقة للناخبين وهو ما أوضحته النسبة العالية للمشاركة في التصويت، وأن تلك القوى موجودة فعلاً وتتنافس على الساحة الأوزبكستانية وتتمتع بتأييد واضح. نسبة المشاركة في الانتخابات وفق المناطق الجغرافية لجمهورية أوزبكستان: ولاية نمنغان 98,10%؛ ولاية جيزاخ 98,10%؛ ولاية خوارزم 97,85%؛ ولاية بخارى 97,68%؛ ولاية أنديجان 97,27%؛ جمهورية قره قلباقستان 97,08%؛ ولاية سرداريا 96,84%؛ ولاية قشقاداريا 95,98%؛ ولاية فرغانة 95,92%؛ ولاية سمرقند 94,92%؛ ولاية طشقند 92,66%؛ ولاية سورخانداريا 92,03%؛ ولاية نوائي 90,34%؛ مدينة طشقند 88,75%.
نتائج الانتخابات: وجاءت نتائج الانتخابات وفقاً للقوانين الانتخابية التي تفرض مشاركة أكثر من 50 % من الناخبين في التصويت، حيث ظهر نتيجة لفرز الأصوات فوز أحد المرشحين المتنافسين في 184 دائرة انتخابية مركزية، نشرت الصحف المركزية الأوزبكستانية أسماءهم بالكامل يوم إعلان النتائج. وفاز بنتيجتها مرشحي مجالس الإدارة المحلية بـ 98 مقعداً، وحزب الشعب الديمقراطي بـ 32، تلاهما الحزب القومي الديمقراطي، والمستقلون، والحزب الاجتماعي الديمقراطي، وحزب "وطن ترقياتي"، وجاء أخيراً الحزب الديمقراطي الذي حصل على ستة مقاعد فقط في البرلمان (أنظر الجدول رقم 15)، وهذا يشير إلى دخول كل القوى السياسية الشرعية التي شاركت في الانتخابات في أوزبكستان إلى البرلمان الثاني، ويشير لتفوق مرشحي مجالس الإدارة المحلية على جميع المنافسين لهم، وفوزهم بأكثرية المقاعد، يليهم بفارق كبير حزب الشعب الديمقراطي. إضافة لدخول 11 امرأة المعترك السياسي البرلماني بعد فوزهن بمقاعد في البرلمان الجديد. نتائج الانتخابات الأولية: مرشحي مجالس الإدارة المحلية 98 فائز أو 53,26%؛ حزب الشعب الديمقراطي 32 فائز أو 17,39%؛ الحزب القومي الديمقراطي 19 فائز أو 10,32%؛ المستقلون 11 فائز أو 5,97%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 9 فائزين أو 4,89%؛ حزب "وطن ترقياتي" فائزين أو 4,89%؛ الحزب الديمقراطي 6 فائزين أو 3,26%؛ المجموع: 184 فائزاً. كما وأظهرت النتائج فشل أحد المرشحين المتنافسين في 66 دائرة انتخابية مركزية بالفوز بالمقعد المخصص لدائرته الانتخابية في البرلمان. وهذا الرقم بحد ذاته إشارة لمدى المنافسة الشديدة التي جرت بجو من الديمقراطية التي يعززها القانون. وهو ما تطلب وفقاً لقانون الانتخابات إعادة الانتخاب في تلك الدوائر بين المرشحين الاثنين الذين فازا بأكثرية أصوات الناخبين، حتى يقرر الناخب فوز أحدهم بأكثر من نصف الأصوات المطلوبة للفوز بالمقعد البرلماني.
الانتخابات التكميلية: وجرت الانتخابات التكميلية بين المتنافسين الاثنين الذين فازا بأكثرية الأصوات في الدورة الانتخابية الأولى للانتخابات، في الموعد الذي حددته اللجنة المركزية للانتخابات وهو يوم 19/12/1999. في كافة تلك الدوائر الانتخابية الـ 66، التي شهدت أشد التنافس بين المرشحين في جميع الولايات وعددها 14 ولاية، لشغل المقاعد الـ 66 الشاغرة بنتيجة الانتخابات الأولية. الولايات التي جرت فيها الانتخابات التكميلية: ولاية نمنغان 8 دوائر انتخابية؛ ولاية طشقند 8 دوائر انتخابية؛ ولاية فرغانة 8 دوائر انتخابية؛ مدينة طشقند 7 دوائر انتخابية؛ ولاية سمرقند 7 دوائر انتخابية؛ ولاية سورخانداريا 5 دوائر انتخابية؛ ولاية قشقاداريا 5 دوائر انتخابية؛ ولاية بخارى 4 دوائر انتخابية؛ ولاية أنديجان 3 دوائر انتخابية؛ ولاية سرداريا 3 دوائر انتخابية؛ جمهورية قره قلباقستان 3 دوائر انتخابية؛ ولاية جيزاخ 2 دائرة انتخابية؛ ولاية نوائي 2 دائرة انتخابية.
والنتائج توضح أن التنافس الشديد شمل كافة المناطق الجغرافية في الجمهورية، مما دعى لمشاركة أكثر من ثلاثة ملايين ناخب في الجولة الانتخابية الثانية، أي ربع عدد الناخبين المسجلين في الجمهورية تقريباً. وأسفرت النتائج التي أعلنت، شغل 65 مقعداً من مقاعد البرلمان الثاني، وبقاء مقعد واحد شاغر، لعدم فوز أي من المرشحين بالعدد المطلوب من الأصوات للفوز به خلال الجولة الثانية، ووفقاً لقانون الانتخابات تحدد اللجنة المركزية للانتخابات موعد إجراء الانتخابية التكميلية لملئ المقاعد الشاغرة من بين مرشحين جدد لم يسبق وشاركوا في الجولتين السابقتين للانتخابات في الدائرة الانتخابية الشاغر مقعدها في البرلمان. وبذلك أصبح توزع مقاعد البرلمان الأوزبكستاني، بين القوى السياسية على الشكل التالي: مجالس الإدارة المحلية بـ 44و17 % من المقاعد، يليهم حزب الشعب الديمقراطي 19,27 %، فالحزب القومي الديمقراطي 13,65 %، فحزب "وطن ترقياتي" 8,03 %، فالمستقلين 6,42 %، فالحزب الاجتماعي الديمقراطي 4,41 %، وأخيراً الحزب الديمقراطي 4,01 %. النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية: مجالس الإدارة المحلية 110 مقعد نيابي أو 44,17%؛ حزب الشعب الديمقراطي 48 مقعد نيابي أو 19,27%؛ الحزب القومي الديمقراطي 34 مقعد نيابي أو 13,65%؛ حزب "وطن ترقياتي" 20 مقعد نيابي أو 8,03%؛ مستقلون 16 مقعد نيابي أو 6,42%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 11 مقعد نيابي أو 4,41%؛ الحزب الديمقراطي 10 مقاعد نيابية أو 4,01%؛ المجموع 249 مقعد نيابي.
وتوضح لنا تلك الأرقام عدم تمتع أي من القوى السياسية الممثلة في البرلمان بالأكثرية المطلقة المؤثرة داخل البرلمان، وتظهر مدى شفافية ميزان القوى داخل البرلمان الذي سينعكس حتماً على المساومات السياسية التي لابد وأن تجري بين تلك القوى، أثناء التشاور والتصويت على مختلف مشاريع القوانين التي تقدم للبرلمان، وتحقيق ما وعدت به تلك القوى السياسية ناخبيها في برامجها الانتخابية، التي خاضت على أساسها الحملة الانتخابية الحرة والديمقراطية التي شهدتها أوزبكستان للمرة الأولى في تاريخها المعاصر مبنية على أسس قانونية واضحة خلافاً للانتخابات السابقة.
واكتساب القوى السياسية المشاركة في الانتخابات لخبرات لا بأس بها في التعامل مع الناخب، ولكن رغم ذلك يجب الإشارة هنا إلى أن معظم البرامج الانتخابية التي نشرتها وسائل الإعلام المحلية كانت متطابقة تقريباً في تأييدها للخط الذي رسمه الرئيس إسلام كريموف منذ بداية الاستقلال وحتى اليوم، والفارق الوحيد كان في رغبة كل من تلك القوى السياسية في تولي المسؤولية لإتباع طرق أمثل لتحقيق أهداف ذلك الخط. أي عدم وجود خلافات جوهرية بين القوى والأحزاب السياسية حول خط الإصلاحات الجارية، وأنها تؤيده بالكامل. وكأن تلك الأحزاب خاضت الانتخابات كجبهة متحدة غير معلنة تبشر بمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي في أوزبكستان، لمدة خمس سنوات قادمة على الأقل، وتبشر باستمرار خطوات الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي بدأت منذ باكورة الاستقلال. ومن مؤشرات الاستقرار تلك، نتائج التصويت السري لأعضاء البرلمان الثاني بدورته الأولى والتي أدت إلى احتفاظ إيركين خليلوف برئاسة البرلمان الأوزبكستاني للمرة الثانية على التوالي.
ولكن الاتفاق والاستقرار السياسي لا يعني عدم قيام تحالفات جديدة داخل البرلمان الجديد، وهو ما حصل فعلاً وأدى إلى قيام تحالفات وتكتلات داخل البرلمان الجديد. أدت واحدة منها إلى الاندماج الكامل بين حزب "وطن ترقياتي" الذي يضم في صفوفه شرائح مثقفة ورجال أعمال وأصحاب مزارع، مع أحدث الأحزاب السياسية على الساحة الأوزبكستانية وهو الحزب القومي الديمقراطي "فيدوكورلار" الذي يضم في صفوفه الشرائح المثقفة الشابة في المجتمع. وأعلن الحزبان عبر الصحافة المحلية الهدف من تشكيل الحزب الجديد بعد الاندماج الكامل، وهو: دعم أصحاب المهن الحرة، وتحفيز المواطنين على المشاركة الفعلية في العملية الديمقراطية الجارية في الجمهورية. ويضم الحزب الجديد الذي احتفظ باسم (الحزب القومي الديمقراطي" فيدوكورلار") في صفوفه أكثر من 14 ألف عضو، وتتبع له منظمات "يوشلار كانوتي" (المنظمة الشبابية للحزب)، "فيدو كور عيولاري" (المنظمة النسائية للحزب)، و"يوش فيدوكور عالم لار" (منظمة العلماء الشباب للحزب). وانتخب الحزب الجديد أ. تورسونوف رئيس المجلس السياسي المركزي لحزب "وطن ترقياتي"، سكرتيراً أولاً للجنة المركزية للحزب الجديد. ونتيجة لهذا الدمج أصبحت الكتلة البرلمانية للحزب الجديد داخل البرلمان مؤلفة من 54 عضواً، أو 21,68 % من الأصوات داخل البرلمان، لتمثل القوة الثانية بين الكتل البرلمانية بعد كتلة مجالس الإدارة المحلية.
وأخيراً بقي أن أشير إلى حقيقة هامة أخرى، وهي أن الناخبين كانوا أكثر ميلاً للمرشحين الذين يفترض عدم انتمائهم لأي حزب سياسي، خاصة وأن تلك الأحزاب تلتقي من حيث الأهداف العامة كما سبق وأشرت، حيث كانت نسبة فوز المستقلين ومرشحي مجالس الإدارة المحلية معاً، مقارنة بعدد مرشحي هذه الفئة 33,96 %، ليشغلوا المرتبة الأولى بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان الجديد. بينما تراوحت نسبة الفائزين من بين مرشحي الأحزاب السياسية الأخرى مابين 7,14 % التي حصل عليها مرشحي الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي شغل المرتبة الخامسة، و19,43 % التي حصل عليها مرشحي حزب الشعب الديمقراطي الذي شغل المرتبة الثانية، يليه أحدث الأحزاب السياسية على الساحة الأوزبكستانية، وهو الحزب القومي الديمقراطي الذي فاز بـ 13,65% من عدد مقاعد البرلمان، بينما لم تتجاوز نسبة ثقة الناخبين بمرشحيه 15,31 %. مقارنة بين عدد المقاعد التي فازت بها كل من القوى السياسية المتنافسة على مقاعد البرلمان الثاني وعدد مرشحي كل منها: المستقلون، ومجالس الإدارة المحلية 126 مقعد نيابي أو 50,6% من أصل 371 مرشح أو 29,87% أي 33,96%؛ حزب الشعب الديمقراطي 48 مقعد نيابي أو 19,27% من أصل 247 مرشح أو 19,88% أي 19,43%؛ الحزب القومي الديمقراطي 34 مقعد نيابي أو 13,65% من أصل 222 مرشح أو 17,87% أي 15,31%؛ حزب "وطن ترقياتي" 20 مقعد نيابي أو 8% من أصل 134 مرشح أو 10,78% أي 14,92%؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 11 مقعد نيابي أو 4,41% من أصل 154 مرشح أو 12,39% أي 7,14%؛ الحزب الديمقراطي 10 مقاعد نيابية أو 4% من أصل 114 مرشح أو 9,17% أي 8,77%؛ المجموع 249 مقعد نيابي أو 100% من أصل 1242 مرشح أو 100%.
وهو ما يوضح اختلاف التكتيك الانتخابي الذي اتبعته القوى السياسية وتراوحه مابين حشد أكبر عدد من المرشحين وانتظار النتائج، أو اختيار النخبة التي تتمتع بالنفوذ والتأييد الشعبي من بين أعضاء الحزب لضمان الفوز دون تشتيت أصوات الناخبين بين مرشحين لا يتمتعون بفرص كبيرة للفوز، في مواجهة المرشحين المستقلين ومرشحي الإدارة المحلية الذين يفترض تمتعهم بالنفوذ والتأييد الشعبي في دوائرهم.
ورغم مساواة المرأة مع الرجل في حق الترشيح والانتخاب، جاءت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان الجديد 6,9 % من أصل 14,01 % بين المرشحات، موزعين على أربع من القوى السياسية السبعة الممثلة في البرلمان، لتظهر موقف الناخب الأوزبكستاني من ترشيح المرأة وميله للرجال كممثلين له في البرلمان، أي أن المرأة الناخبة نفسها تميل لانتخاب ممثليها من بين الرجال، وهي إشارة واضحة لميول ونظرة المجتمع الأوزبكستاني المحافظ من دخول المرأة المعترك السياسي والتمثيل البرلماني. توزع أعضاء البرلمان الأوزبكستاني حسب الجنس: مجالس الإدارة المحلية 110 مقعد نيابي منها 102 رجال و8 نساء أو 7,3%؛ حزب الشعب الديمقراطي 48 مقعد نيابي منها 43 رجال و5 نساء أو 10,4%؛ الحزب القومي الديمقراطي 34 مقعد نيابي منها 32 رجال و2 نساء أو 5,9%؛ حزب "وطن ترقياتي" 20 مقعد نيابي منها 20 رجال؛ مستقلون 16 مقعد نيابي منها 16 رجال؛ الحزب الاجتماعي الديمقراطي 11 مقعد نيابي منها 11 رجال؛ الحزب الديمقراطي 10 مقاعد نيابية منها 8 رجال و2 نساء أو 20%؛ المجموع 249 مقعد نيابي منها 232 رجال و17 نساء أو 6,9%.
ومن حيث السن أوضحت نتائج الانتخابات أن الناخبين يفضلون الفئات الناضجة سياسياً، والتي تزيد أعمارها عن الخامسة والثلاثين عاماً، باستثناء نائب واحد عن الحزب القومي الديمقراطي من الفئة العمرية 30-34 سنة، وعدم فوز أحد من المرشحين التسعة للفئة العمرية 25-29، وتركيز الناخبين على الفئات العمرية المتوسطة من 40 وحتى 59 بشكل ملحوظ. توزع أعضاء البرلمان حسب فئات السن: مجالس الإدارة المحلية 3 من فئة 35-39؛ 18 من فئة 40-44؛ 30 من فئة 45-49؛ 27 من فئة 50-54؛ 19 من فئة 55-59؛ 9 من فئة 60-64؛ 4 من فئة 65-69. حزب الشعب الديمقراطي 1 من فئة 35-39؛ 8 من فئة 40-44؛ 10 من فئة 45-49؛ 14 من فئة 50-54؛ 7 من فئة 55-59؛ 6 من فئة 60-64؛ 2 من فئة 65-69. الحزب القومي الديمقراطي 1 من فئة 30-34؛ 9 من فئة 35-39؛ 6 من فئة 40-44؛ 9 من فئة 45-49؛ 7 من فئة 50-54؛ 1 من فئة 60-64؛ 1 من فئة 65-69. حزب "وطن ترقياتي" 1 من فئة 35-39؛ 7 من فئة 40-44؛ 3 من فئة 45-49؛ 4 من فئة 50-54؛ 3 من فئة 55-59؛ 1 من فئة 60-64؛ 1 من فئة 65-69. مستقلون 1 من فئة 35-39؛ 3 من فئة 40-44؛ 1 من فئة 45-49؛ 5 من فئة 50-54؛ 3 من فئة 55-59؛ 3 من فئة 60-64. الحزب الاجتماعي الديمقراطي 1 من فئة 35-39؛ 1 من فئة 40-44؛ 2 من فئة 45-49؛ 1 من فئة 50-54؛ 2 من فئة 50-54؛ 2 من فئة 60-64؛ 2 من فئة 65-69. الحزب الديمقراطي 2 من فئة 40-44؛ 1 من فئة 45-49؛ 4 من فئة 50-54؛ 2 من فئة 60-64؛ 1 من فئة 65-69. المجموع 1 من فئة 30-34؛ 16 من فئة 35-39؛ 45 من فئة 40-44؛ 56 من فئة 45-49؛ 62 من فئة 50-54؛ 34 من فئة 55-59؛ 24 من فئة 60-64؛ 11 من فئة 65-69.
ومن بين ممثلي 16 قومية وردت أسماءهم في قوائم المرشحين، لم يصل منهم لعضوية البرلمان سوى النصف. وهم الأوزبك وكانت نسبتهم الساحقة من بين الفائزين بعضوية البرلمان 90,76 %، والروس 3,21 %، والقره قلباق 2,81 %، والقازاق 1,2 %، والطاجيك 0,8 %، بينما حصل الأوكرانيين والأرمن والكوريين على مقعد واحد لكل منهم أو 0,4 %. أعضاء البرلمان حسب الانتماء القومي: أوزبك 226 أو 90,76%؛ روس 8 أو 3,21%؛ قره قلباق 7 أو 2,81%؛ قازاق 3 أو 1,2%؛ طاجيك 2 أو 0,8%؛ أوكران 1 أو 0,4%؛ أرمن 1 أو 0,4%؛ كوريون 1 أو 0,4%؛ المجموع 249.
كما وأوضحت نتائج الانتخابات ميل الناخب الأوزبكستاني الواضح والصريح للشريحة المثقفة التي تحمل مؤهلات تعليمية عالية، حيث لم يختار الناخبون أي مرشح من مستوى التعليم قبل الجامعي، وأعتقد أن السبب يكمن في تركيبة المجتمع الأوزبكستاني نفسه الذي تنعدم فيه الأمية تماماً، ويتمتع بنسبة تعليم ثانوي عالية مقارنة بدول العالم الأخرى، تصل إلى 98 % بين الذكور، و 96 % بين الإناث (17)، أعضاء البرلمان حسب الحالة التعليمية: تعليم عالي 248 أو 99,59%؛ تعليم عالي غير تام 1 أو 0,4%؛ المجموع 249.
الخلاصة: أوضحت نتائج الانتخابات الأخيرة في جمهورية أوزبكستان متانة واستقرار وتماسك المجتمع داخلياً، وتكامل ووضوح القاعدة القانونية التي أصبحت تستند عليها عملية اختيار ممثلي الشعب في عالي مجلس (البرلمان)، وهي الصورة التي لم تكن واضحة بشكل كامل في الانتخابات السابقة، رغم ظهور أصوات معارضة بعد إعلان النتائج لمشاركة مرشحي أجهزة الإدارة المحلية التي تتمتع بالسلطة والشعبية في دوائرها الانتخابية وتدعو إلى ضرورة تطوير قانون الانتخابات بالشكل الذي يعزز خطوات بناء المجتمع الديمقراطي البرلماني في أوزبكستان ويضمن فرص تمثيل أكثر واقعية لكل القوى السياسية ويضمن عدم وصول أي من القائمين في السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية المنتخبة. وهو ما يدعو الباحثين للتأمل والدراسة المتعمقة والدقيقة لتلك النتائج التي أسفرت عن انتخاب وتشكل البرلمان الثاني بعد الاستقلال.
وأثبتت أوزبكستان مرة أخرى أنها قوية ومستقرة، وأنها تعزز من موقعها كعامل استقرار هام وضروري للمحافظة على الأمن والهدوء والاستقرار في منطقة آسيا المركزية برمتها. وأظهرت أن الرئيس إسلام كريموف بالفعل يتمتع بتأييد واسع من القوى السياسية الشرعية ومن مختلف فئات المواطنين في أوزبكستان، وأنه نجح في تجنيب أوزبكستان خطر النزاعات العرقية والدينية التي حاولت وتحاول قوى خارجية إثارتها منذ استقلال الجمهورية قبل تسع سنوات وحتى اليوم، وظهرت سافرة خلال أحداث صيف عامي 1999 و2000 من خلال حوادث التسلل عبر الحدود الدولية لأوزبكستان من بعض الدول المجاورة، والغرض منها إلحاق الضرر بشعوب المنطقة واقتصادهم وحكوماتهم الشرعية، وزرع الشقاق وزعزعة الثقة بين الشعوب الشقيقة ولا تخدم هدف توسيع وتعزيز التعاون المشترك لمصلحة الشعوب العربية والإسلامية، وشعوب آسيا المركزية.
وأوضحت نتائج الانتخابات كذلك أن التأييد الكبير الذي حظي به الرئيس الحالي جاء تأكيداً من الناخب الأوزبكستاني على تأييده للخط الذي يتبعه الرئيس كريموف على الأصعدة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والداخلية، والخارجية. وأن تلك القوى الهاربة من وجه العدالة والقوى التي حوكمت وأدينت في طشقند عام 2000، بسبب تصرفاتها الرعناء التي أدت إلى قتل المواطنين الأبرياء، لا تتمتع بأي تأييد شعبي يذكر داخل المجتمع الأوزبكستاني.
والدرس الذي يمكن استخلاصه من الانتخابات الأخيرة هو أن الطريق إلى السلطة في أوزبكستان يمر عبر الأسس الدستورية فقط، التي تحميها حكومة شرعية قوية، وتحدده الجماهير وحدها، وهو يتطلب من كل القوى السياسية كسب ثقتها وتأييدها واحترامها، لا قتلها وإرهابها، والالتزام بالدستور والقوانين التي تنظم عملية انتقال السلطة بشكل سلمي ديمقراطي حر، دون أية ضغوط داخلية أو خارجية. وأن الطريق الوحيد إلى السلطة هو كسب ثقة تلك الجماهير والإخلاص للمصالح الوطنية، والعمل ضمن معارضة إيجابية داخل المؤسسات الدستورية، والتنظيمات السياسية الشرعية، والعمل بإخلاص من أجل تقدم البلاد ورفعتها وتعزيز منعة جبهتيها الداخلية والخارجية.
وأعتقد أنه آن الأوان لإعادة النظر بالسياسات التي تتبعها الدول العربية والإسلامية بشكل ثنائي بينها وبين أوزبكستان، وبشكل جماعي من خلال جامعة الدول العربية، والاتحاد البرلماني العربي، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، وتفعيل التعاون البرلماني الثنائي لتعزيز العلاقات الودية مع أوزبكستان، وزيادة الاستثمارات الاقتصادية المشتركة في المجالات الصناعية والزراعية والتصنيع الزراعي والطاقة واستثمار الثروات الطبيعية وتصنيعها، لتوفير المزيد من فرص العمل للعاطلين عن العمل في الجمهورية، وفتح المزيد من الخطوط الجوية والبرية المباشرة وربط شبكات النقل بالسكك الحديدية التي تربط العواصم العربية والإسلامية بطشقند، ودول آسيا المركزية الأخرى، خاصة بعد أن تم البدء بتسيير رحلات منتظمة بالسكك الحديدية بين سورية وإيران التي سبق وربطت شبكة خطوطها الحديدية مع شبكة آسيا المركزية، لأن أوزبكستان كغيرها من جمهوريات آسيا المركزية لا تملك منافذ على البحار المفتوحة. وإتاحة الفرصة أمام السياسة الخارجية الأوزبكستانية للتحرك من خلال بدائل تمكنها من صياغة سياسة خارجية أكثر انفتاحاً وتماسكاً مع العالمين العربي والإسلامي مما هي عليه اليوم.
وآن الأوان للدول العربية والإسلامية التي لم تبادر بعد لإقامة علاقات دبلوماسية مع أوزبكستان، أن تعيد النظر بسياستها الخارجية حيال أوزبكستان، وأن تحذو حذو المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وفلسطين، والجزائر، وتركيا، وباكستان، وماليزيا، وبنغلادش، وإندونيسيا، وإيران، والكويت التي أقامت سفارات مقيمة لها في طشقند، لتعزيز فرص التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري والمالي والسياسي والعلمي والتشاور لما فيه مصلحة الطرفين وخير الأمتين العربية والإسلامية.
وأعتقد أن تلك الفرص تبدأ بخلق الأجواء الطبيعية للاستثمارات المشتركة التي تبدأ من توقيع الاتفاقيات الثنائية والجماعية في مجال تشجيع وحماية الاستثمار، والاتفاقيات الاقتصادية التي تحدد مجالات الاستثمار اللازم للتنمية الصناعية والزراعية التي تدخل في خطط التنمية الحكومية لكلا الطرفين وتكفل خلق فرص عمل جديدة لمن يحتاجها، واتفاقيات التبادل التجاري من ضمن قوائم توضح وتحدد السلع والمواد الخام ونصف المصنعة التي يمكن تبادلها بأفضلية عن غيرها من السلع لتحقيق التكامل الإنتاجي، والاتفاقيات المالية التي تضمن تمويل المشروعات المشتركة، وفتح فروع للمصارف الوطنية لكلا الجانبين لضمان السيولة النقدية، وانتقال رؤوس الأموال دون عوائق. وتشجيع التعاون الثنائي والجماعي المباشر بين الغرف التجارية والصناعية والزراعية، وأخيراً فإني أعتقد أن التعاون والاستثمار المشترك الذي لا يعتمد على دراسات علمية واقعية مصيره الفشل، وهنا تبرز الحاجة للتعاون في المجالات العلمية بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي لدى الطرفين، للقيام بالأبحاث والدراسات المشتركة والضرورية لدفع وتوسيع أطر التعاون المشترك في الاتجاه المطلوب والمنتظر.
سطور من حياة إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان: ولد إسلام بن عبد الغني كريموف في 30/12/1938 بمدينة سمرقند، ووالده كان موظفاً حكومياً، أوزبكي القومية. وتخرج إسلام كريموف من معهد البوليتخنيكا في آسيا الوسطى، كمهندس ميكانيكي، وتخصص بعدها في الاقتصاد بمعهد الاقتصاد الوطني في طشقند. وبدأ حياته العملية في عام 1960 كمهندس في مصنع طشقند للآلات الزراعية "طاش سيلماش". وخلال الفترة الممتدة من عام 1961 وحتى عام 1966 عمل مهندساً، وخبير تصميم في مجموعة مصانع تشكالوف لصناعة الطائرات في طشقند. وفي عام 1966 انتقل للعمل في هيئة تخطيط الدولة بجمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية، التي تدرج في العمل فيها من متخصص رئيسي، إلى النائب الأول لرئيس هيئة تخطيط الدولة في الجمهورية. وبعدها في عام 1983 عين إسلام كريموف وزيراً للمالية في جمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية، وفي عام 1989 عين نائباً لرئيس مجلس وزراء جمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية، ورئيساً لهيئة تخطيط الدولة فيها. وخلال الفترة الممتدة من عام 1986 وحتى عام 1989 عمل سكرتيراً أولاً للجنة الحزب في محافظة قشقاداريا. ومن حزيران/يونيو 1989 شغل منصب السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوزبكستاني.
وأنتخب إسلام كريموف رئيساً لجمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية خلال جلسة المجلس الأعلى للجمهورية المنعقدة في 24 آذار /مارس 1990. ويعتبر بحق صانع استقلال جمهورية أوزبكستان، عن الاتحاد السوفييتي السابق، والذي أعلنه على الملأ في 31/8/1991. وفي الانتخابات الشعبية التي جرت على أساس من المنافسة بتاريخ 29/12/1991، تم انتخاب إسلام كريموف كأول رئيس منتخب من قبل الشعب لجمهورية أوزبكستان بعد استقلالها. ونتيجة للاستفتاء الشعبي العام الذي جرى في 26/3/1995، مددت فترة رئاسته حتى عام 2000. وفي الانتخابات الشعبية الحرة والمباشرة التي جرت في 9/1/2000، فاز إسلام كريموف بهذا المنصب الرفيع لفترة ثانية بعد المشاركة الكبيرة التي أدلى فيها 12,123,199 ناخباً بأصواتهم، من أصل 12,746,903 ناخب مسجل في القوائم الانتخابية، صوت منهم لصالح الرئيس كريموف 11,147,621 ناخباً، أي نسبة 91,9 % من إجمالي عدد الناخبين.
وإسلام كريموف متزوج، وله ابنتان، وثلاثة أحفاد. وزوجته تاتيانا. أ. كريموفا متخصصة في الاقتصاد، وتعمل في البحث العلمي. ويحمل إسلام كريموف لقب "أوزبكستان قهرماني" (بطل أوزبكستان)، وتقلد أوسمة "مستقليك" (الاستقلال)، و أمير تيمور، لقاء إسهاماته الكبيرة في بناء سيادة واستقلال أوزبكستان، وإقامة المجتمع الإنساني الديمقراطي ودولة القانون فيها، والحزم والثبات في تأمين السلام الوطني والوفاق القومي. كما وقلد أوسمة وميداليات العديد من دول العالم، ومن المنظمات الدولية الهامة. وإسلام كريموف عضو عامل في أكاديمية العلوم الأوزبكستانية. إضافة لمنحه درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم، من الجامعات وأكاديميات العلوم في تسعة من الدول الأجنبية، لقاء إسهاماته الكبيرة في تطوير الاقتصاد والعلوم والتعليم.
ويربط الشعب الأوزبكستاني المنجزات الكبيرة التي تحققت خلال سنوات الاستقلال باسم وشخصية إسلام كريموف، الذي يعتبر المبادر الأول وقائد التحولات التاريخية التي جرت في أوزبكستان تحت قيادته المباشرة، فقد أعد ونفذ: برنامج متكامل للتطور المستقل لأوزبكستان. وأعد دستور جمهورية أوزبكستان الذي أقر ليلبي كل متطلبات الديمقراطية بالمقاييس الدولية؛ والبرنامج الجديد لبناء الدولة والمجتمع، وإصلاح نظام الإدارة المركزية وفي مواقع الإدارة المحلية، مع الحرص على تطبيق مبادئ التوفيق بين مصالح الدولة والمجتمع والإنسان؛ والنموذج الخاص والجديد للتطور الاقتصادي، الذي أعترف به حتى خارج أوزبكستان، والمبني على المبادئ الخمسة المعروفة: تخليص الاقتصاد من الإيديولوجية؛ وسيادة القانون؛ والإصلاح على مراحل؛ وإشراف الدولة على المرحلة الانتقالية؛ والسياسة الاجتماعية القوية. وإصلاح القوات المسلحة، وقوات حرس الحدود والأمن الداخلي، على أسس حديثة تجعلها قادرة على حماية وحدة أراضي، وسلامة حدود جمهورية أوزبكستان؛
وأظهر الرئيس إسلام كريموف شجاعة كبيرة في الدفاع عن شرف وكرامة الشعب الأوزبكي خلال السنوات التي حاولت خلالها القوى التي قادتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، تلطيخ سمعة الشعب الأوزبكي، من خلال قيامها بأعمال ومطاردات غير مشروعة على أرض أوزبكستان؛ وفي رفع مستوى علاقة الاحترام للمقدسات الدينية للشعب الأوزبكي إلى مستوى السياسة الحكومية، بما فيها بعث وتطوير الدين الإسلامي الحنيف، والمحافظة على العادات والتقاليد، والتراث التاريخي القيم؛ وقدم إسهامات كبيرة كان من شأنها، رفع مستوى احترام وتعزيز موقع أوزبكستان على الساحة الدولية؛ وقدم إسهامات كبيرة في تكوين الوعي الاجتماعي على أسس أيديولوجية قومية، مبنية على مبادئ التقاليد الإنسانية والقيم القومية؛ ويسهم إسهاماً كبيراً في إيجاد والمحافظة على السلام والاستقرار والوفاق الوطني بين مختلف القوميات وتعزيزه في أوزبكستان؛ ويعتبر مؤلف البرنامج القومي لإعداد الكوادر الوطنية المعترف بها اليوم في جميع أنحاء العالم، والمبادر لتحقيقه على الصعيد العملي؛ ويعتبر المبادر لتحقيق مشاريع بناء المنشآت الضخمة، والمنشآت الثقافية وشبكات الاتصال، التي أعطت دفعة قوية للتطور الاقتصادي في أوزبكستان، التي غيرت بشكل جذري وجه العديد من المدن والقرى، وفي المقدمة العاصمة طشقند، إضافة لإسهاماته القيمة في تحسين أوضاع أضرحة الأجداد العظام للشعب الأوزبكي.
إضافة لقيادته المباشرة لعملية إرساء أسس الدولة القومية والمجتمع العادل، الذي يعزز فيه السلام والطمأنينة والمساواة للمواطنين. وهو الذي حدد أهم الأفضليات لاتجاهات التطور الراسخ والازدهار في أوزبكستان، الذي يوفر ارتفاع مستوى حياة الشعب الأوزبكستاني متعدد القوميات في مطلع القرن الجديد.
الفصل الرابع: سياسة أوزبكستان الخارجية: عند الحديث عن السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان، لابد أن نأخذ في اعتبارنا أنها تبلورت كفاعل مؤثر في العلاقات الدولية، وتكاملت ضمن إطار يحمي مصالحها القومية، ويطور تلك المصالح من خلال رؤية متكاملة وضع أسسها رئيس الجمهورية إسلام كريموف. وعبر عقد من الزمن منذ إعلان الاستقلال وحتى اليوم تمكنت القيادة الأوزبكستانية من التصدي للمشكلات الرئيسية التي كانت تعترض إتباع سياسة خارجية مستقلة تعبر عن المصالح القومية والسيادة الوطنية للشعب الأوزبكستاني. وسنبدأ بالحديث عن المشاكل التي تعترض تلك السياسة.
مشاكل السياسة الخارجية الأوزبكستانية: ونتجت المشكلة الأولى عن تبعات الاستقلال، في ظروف كان المركز في موسكو يحتكر السياسة الخارجية بكاملها، مما حرم أوزبكستان خلال العهد السوفييتي من أية صلاحيات تمكنها من إقامة علاقات دولية من أي نوع كان دون موسكو، وحتى أنها كانت محرومة من المشاركة في صياغة القرار في السياسة السوفييتية الخارجية. وكان لابد للقيادة الأوزبكستانية من القيام ببعض الإجراءات العاجلة انطلاقا من نقطة الصفر، لصياغة سياسة خارجية خاصة بها وإقامة شبكة من العلاقات الدولية، وتحديد أولويات المصلحة القومية الأوزبكستانية في السيادة والاستقلال.
فقد نتج عن احتكار المركز للسياسة الخارجية تركز كل الأجهزة والكوادر والخبرة الدبلوماسية في موسكو، وامتنعت روسيا الاتحادية بعد استقلالها عن التعاون واقتسام تلك الأجهزة والكوادر والخبرات والموارد التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي السابق مع جمهورية أوزبكستان، بحكم وجودها على أراضيها. وشملت ممتلكات وأجهزة وموارد وزارة الخارجية السوفييتية الملغاة وخبراتها الدبلوماسية وممتلكاتها في الخارج أيضاً.
فكان على أوزبكستان أن تقوم بإعداد كوادرها السياسية والدبلوماسية الوطنية القادرة على تنفيذ مهام سياستها الخارجية، وتزويدها بالاحتياجات اللازمة على ضوء توسع علاقاتها الدولية. ومواجهة متطلبات النظام الدولي الجديد أحادي القطبية والمتمثل بتكتل الدول الصناعية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. والتعامل مع القيم الفكرية الجديدة التي تفرض نظام السوق والليبرالية السياسية، والتعامل مع القوى الدولية الجديدة التي أخذت بالتصاعد في أوروبا وشرق آسيا، والاتجاه الدولي الجديد الذي سار بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق نحو إقامة تكتلات وتجمعات دولية جديدة، متعددة الأطراف تتطلع نحو تحرير التجارة والاقتصاد الدولي ضمن الاتجاه الذي عرف اقتصاديا وسياسياً بالعولمة.
وكان لابد لأية صياغة للسياسة الخارجية أن تضمن المصالح الوطنية الأوزبكستانية، في ظروف اقتصادية صعبة نتجت عن تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وأدى الاستقلال لقطع العلاقات الاقتصادية التي كانت قائمة مع غيرها من جمهوريات الاتحاد المتفكك، وبالتالي خسارتها لـ 85,8 % من موارد تجارتها الخارجية مع تلك الجمهوريات، والذي أثر بشكل مباشر على اقتصادها. فكان على القيادة الأوزبكستانية أن تصب اهتمامها أثناء صياغة سياستها الخارجية نحو حماية حياة ورفاهية المواطن الأوزبكستاني دون إبطاء.
والمشكلة الأخرى التي واجهت السياسة الخارجية المستقلة لأوزبكستان مشكلة كونها دولة محصورة جغرافياً، ولا تملك منافذ على البحار والمحيطات العالمية. وهو ما فرض عليها إتباع سياسة خارجية متوازنة والتعامل والتفاوض والمساومة والمحافظة على علاقاتها مع دول الجوار، لضمان طرق الترانزيت التي هي بمثابة شرايين الحياة بالنسبة لها، ومواجهة مشكلة أمنها المائي لأن معظم الأنهار الجارية عبر أوزبكستان تنبع من أراضي الدول المجاورة وخاصة طاجكستان وقرغيزستان.
وكان لابد لأوزبكستان أن تصوغ سياستها الخارجية في ظروف من عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، والتنافس بين القوى الإقليمية والعالمية لفرض تصورها ونموذجها لسد الفراغ الذي نشأ في آسيا المركزية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وهو ما أشار إليه دوغلاس هيرد وزير خارجية بريطانيا السابق، بقوله: "أن آسيا المركزية تعود لعصر (المباراة الكبرى) التي دارت في الماضي، والمباراة الراهنة تدور بين روسيا وتركيا والصين وإيران والهند، من أجل الحصول على المزايا الاقتصادية والسياسية. مما يجعل المباراة أكثر خطورة عما كانت عليه منذ مائة عام مضت، لأن الإقليم يعج بالسلاح اليوم". إضافة لتأثيرات التنافس الإيراني التركي، والباكستاني الهندي، والأدوار الصينية والروسية والأمريكية والإسرائيلية الجديدة والمؤثرة في المنطقة. وحركات التطرف الديني التي برزت بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان.
وتمثلت المشكلة الأخيرة في أنه على أوزبكستان أن تصيغ سياستها الخارجية من نقطة الصفر، في ظل وضع داخلي يشهد تحولات سياسية واقتصادية جوهرية، ومحاولة بعض القوى تسييس المشكلات العرقية والقومية والدينية، بقصد الإساءة للعلاقات التاريخية لأوزبكستان مع الدول الإسلامية والعربية والدول المجاورة لها. ولهذا شرعت أوزبكستان في إجراء تحول نحو التعددية السياسية، واقتصاد السوق، وأخذت القيادة الأوزبكستانية بصياغة قواعد جديدة للتعامل مع كل تلك المشكلات.
ومن هنا يمكن أن نلمس أية مهمة شاقة اعترضت الرئيس إسلام كريموف في صياغة سياسة خارجية لأوزبكستان. فقد تطلب منه التعامل مع تلك المشكلات، وبلورة رؤية إستراتيجية لطبيعة التحولات الإقليمية والعالمية وآثارها على أوزبكستان، ووضع إستراتيجية للتعامل معها. إستراتيجية تتضمن فلسفة السياسة الخارجية وخارطتها. واتضحت تلك الرؤية في الخطاب الذي ألقاه الرئيس إسلام كريموف من على منبر منظمة الأمم المتحدة خلال دورتها الثامنة والأربعين في 28/9/1993. واكتملت تلك الرؤية في مؤلفاته "أوزبكستان على عتبة القرن الحادي والعشرين"، و"أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية"، و"أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم"، "أوزبكستان على طريق الانبعاث الروحي" المنشورين باللغة العربية في بيروت وجدة ودبي، والذين يعتبرون وثيقة مرجعية لفلسفة السياسة الخارجية الأوزبكستانية.
فلسفة السياسة الخارجية الأوزبكستانية: انطلقت رؤية الرئيس كريموف من تحليل موضوعي لطبيعة النظام العالمي وموقع أوزبكستان فيه، لأن هذا النظام كما يراه في عصر العولمة مترابط ومتعدد الأبعاد. ويعني هذا أنه لم يعد هناك مكان في النظام العالمي للانعزال، ويتطلب الاندماج مع مجمل التيارات الفكرية والهيكلية للنظام العالمي الجديد. وهذه الرؤية للعولمة في النظام العالمي تشكل المدخل الحقيقي الأول لرؤية الرئيس كريموف لسياسة أوزبكستان الخارجية. والمدخل الثاني في تأكيده على أن أوزبكستان تقع في قلب هذا النظام، فهي تقع في قلب آسيا، حيث تتركز مصادر الطاقة، وبالذات منابع النفط والغاز، وفي منطقة تتقاطع فيها مصالح القوى الآسيوية والأوروبية القوية، والدول الكبرى من العالم الإسلامي. كما أنها بحكم موقعها الجغرافي، ومواردها الطبيعية والبشرية، وخبراتها التكنولوجية، وتراثها الثقافي والحضاري، مؤهلة لتلعب دور "مركز آسيا". وقد عبر الرئيس كريموف عن ذلك في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن أوزبكستان يمكن أن تكون "نافذة آسيا"، وجسراً للتعاون بين المؤسسات الدولية لتوفير الأمن في آسيا.
وتواجه أوزبكستان في تلك المنطقة الإستراتيجية الهامة، مجموعة من التهديدات التي تؤثر على أمنها الوطني. وتتميز تلك التهديدات، بأنها ذات صلة متعددة الأبعاد، ومركبة ومتداخلة.ولا يرى الرئيس كريموف أن التهديدات الموجهة ضد جمهورية أوزبكستان، مجرد تهديدات عسكرية، بل أنها تهديدات اجتماعية واقتصادية وبيئية، متعددة ولا تقتصر على التهديد العسكري وحده.
ويرى الرئيس كريموف أن التهديد الأساسي والأول للأمن القومي الأوزبكستاني يكمن في النزاعات الإقليمية في آسيا، وفي مقدمتها الصراعات القائمة في أفغانستان وطاجكستان، تلك النزاعات التي أدت إلى تأخير تطور الدولة لعشرات من السنين. وأن تلك الصراعات يمكن أن تمتد إلى أوزبكستان ذاتها حسب تعبير الرئيس كريموف "فكل نزاع في أية دولة من الدول لا يمكن أن يبقى لفترة طويلة محصوراً داخل حدود تلك الدولة. فلأسباب عديدة سيمتد هذا النزاع تلقائياً إلى الدول المجاورة". وأثبتت أحداث جنوب قرغيزستان في صيف عام 1999 صواب تلك الرؤية. فالنزاعات يمكن أن تؤدي إلى نسف الوفاق الاجتماعي، والاستقرار في الدول المجاورة، وخاصة عند استخدام عنصر الدين فيها. واستمرار تلك النزاعات يعطي البعض فرصة إثارة مشاكل الشعوب المقسمة لإعادة ترسيم الحدود تحت ستار توحيد الطاجيك أو الأوزبك أو غيرهم من الشعوب في العالم. إضافة إلى أن الحرب الأهلية الأفغانية قد أعاقت بالفعل وصول أوزبكستان إلى بحر العرب والمحيط الهندي، وخلقت مشكلة اللاجئين الذين يندفعون عبر الحدود إلى الدول المجاورة هرباً من الحروب، وإلى بروز مشاكل أخرى تمثلت في ازدهار تجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة، وانتشار الجريمة المنظمة والعنف المسلح والإرهاب.
ويأتي التهديد الثاني من التطرف الديني، حيث أكد الرئيس كريموف على الدور التربوي الهام للدين، وعلى دور الإسلام في الصراع السياسي من أجل توحيد المجتمع. ويعتبر الإفراط بالرأي الديني لطرف واحد، ومحاولة تغيير النظم السياسية بغير الطرق الديمقراطية والقوة تهديداً أمنياً خطيراً. ويرى الرئيس كريموف أن أوزبكستان هي جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، ولكن المشكلة تكمن في تحويل الشعارات الدينية من قبل البعض، إلى راية من أجل الوصول إلى السلطة بطرق غير شرعية، ودافعاً للتدخل في السياسة. خاصة وأن تلك القوى والحركات يمكن أن تزعزع الأمن والاستقرار، وخلق مجابهة عالمية بين الحضارة الإسلامية وحضارات الأديان الأخرى، وهذا ليس من مصلحة الشعوب الإسلامية وغيرها من شعوب العالم. وهو ما حدث فعلاً بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وأدى إلى تحول هام وجذري في النظام العالمي لم تدرك أبعاده الفعلية بعد.
وأما التهديد الثالث فيتمثل في التعصب القومي الإمبراطوري، والعداوة القومية، من خلال سعي بعض الأمم لفرض سيطرتها خارج حدودها. لهذا يعتبر الرئيس كريموف أن التناقضات القومية والعرقية داخل أوزبكستان، مصدر آخر لتهديد أمنها. فأوزبكستان اليوم دولة متعددة القوميات. ويمثل أبناء القوميات الأخرى بين مواطنين الجمهورية 20 % من عدد السكان نتيجة لسياسة التهجير والاستيطان خلال الحكم الروسي. ويفرض هذا على أوزبكستان اليوم إتباع سياسة قومية ترتكز على مبدأ احترام حقوق الأقليات القومية، وحل كل المتناقضات القومية بأسلوب بناء.
ويعتبر الرئيس كريموف أن انتشار وباء الرشوة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة، والنزاعات العشائرية ضيقة الأفق داخل الدولة، تهديداً لأمن أوزبكستان الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة إذا ارتبطت تلك النزعات بتوزيع الوظائف والمكاسب بين عناصر الفئة المنحرفة التي تحاول دوماً الاستفادة من مرحلة التحول الاقتصادي، لتحقيق مكاسب ذاتية غير مشروعة على حساب الآخرين.
وأخيراً نجد أن الرئيس كريموف يعتبر المشاكل البيئية أيضاً من مصادر تهديد الأمن القومي لأوزبكستان. وتشمل مشاكل التصحر، وزيادة ملوحة الأرض، وإساءة استخدام الموارد المائية، وتلوث التربة بالنفايات الصناعية والمنزلية، والتلوث الإشعاعي، ويعتبر مشكلة انحسار مياه بحر الأورال من أكبر الكوارث البيئية في تاريخ البشرية.
ومما سبق يتضح لنا أن مصادر تهديد الأمن القومي الأوزبكستاني، وفق منظور القيادة الأوزبكستانية هي تهديد اجتماعي واقتصادي وسياسي شامل، ولا تقتصر على البعد العسكري التقليدي وحده. فهي تهديدات داخلية، واجتماعية وبيئية. وأكثرها وفق منظور الرئيس كريموف هي تهديدات داخلية، ويتطلب التعامل معها بإستراتيجية شاملة للعمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإستراتيجية للسياسة الخارجية تحقق أهداف داخلية تتعلق بمصادر تهديد الأمن الوطني لأوزبكستان.
إستراتيجية التكامل مع المجتمع الدولي: حدد الرئيس كريموف في خطابه السياسي عدة استراتيجيات محورية لمواجهة مصادر التهديدات التي أشار إليها. ويتلخص اتجاه تلك الإستراتيجيات في الحفاظ على التوازن الإستراتيجي الداخلي والخارجي، وبناء الاستقرار. انطلاقا من عدة أبعاد، وهي: أن تحقيق الاستقرار والتوازن الداخلي شرط جوهري لتحقيق استقرار وتوازن مماثلين في الخارج؛ وأن السياسة الخارجية الفعالة هي تلك التي تستند إلى قاعدة اجتماعية واقتصادية قوية ومتوازنة.
وهو ما أشار إليه الرئيس كريموف بالتفصيل في كتابه "أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية" الذي صدر باللغة العربية في بيروت، وكتابه "أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم" الذي صدر في جدة، حيث ركز فيهما على إستراتيجية الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في أوزبكستان.
ومن هذا المنطلق فإستراتيجية السياسة الخارجية لأوزبكستان، وفق تصور الرئيس كريموف، تركز على التكامل مع المجتمع الدولي لأنها "ليست مجرد حتمية تاريخية، بل كعامل قوي للاستقرار"، الذي يعني "الاندماج بالنظام السياسي والاقتصادي العالمي على أساس المنفعة المتبادلة، وأولوية المصالح الاقتصادية على الاعتبارات الأيديولوجية، وأولوية معايير القانون الدولي على المعايير الداخلية، والعمل ضمن النظام الدولي طبقاً للمعايير الإنسانية العامة".
وتقع إستراتيجية التكامل هذه وفق تصور الرئيس كريموف، في قلب إستراتيجية "الاندماج في الاقتصاد العالمي"، التي يهدف منها إقامة اقتصاد سوق اجتماعي حر ومنفتح على الاقتصاد العالمي، داخل التقسيم الدولي للعمل. ويشمل الانخراط في المؤسسات الاقتصادية العالمية، مثل: منظمة التعاون الاقتصادي، ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، مع جذب الاستثمار الأجنبي. وهذا يعني أن أوزبكستان تتكامل مع مجمل توجهات ومؤسسات النظام العالمي انطلاقا من المنفعة المتبادلة. ولترجمة هذه الإستراتيجية، إلى سياسات واقعية، حدد الرئيس كريموف بعض الخطوط الأساسية، وهي: بناء شبكة علاقات تحقق تنوع البدائل وزيادة الشركاء، وبناء التوازن، واتفاقيات الأمن الجماعي التي تضمن ذلك، بما فيها إعلان آسيا المركزية منطقة خالية من السلاح النووي؛ والاعتراف بالحدود القائمة بين جمهوريات رابطة الدول المستقلة، عند الاستقلال، باعتبارها حدوداً سياسية نهائية؛ وحل النزاعات القومية في آسيا المركزية، وبالذات في طاجكستان وأفغانستان بالطرق السلمية؛ وبناء علاقات من خلال الحوار مع العالمين الإسلامي والعربي لتجنب حدوث صدام ناتج عن تفاقم التيارات الأصولية المتشددة، والعمل على إدارة حوار فعال بين الحضارات؛ وإقامة حوار استراتيجي ومتكافئ مع روسيا، أساسه المشاركة والمنفعة المتبادلة؛ والتعاون مع دول آسيا المركزية لحل مشكلات البيئة؛ وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
مما يسمح بإيجاز التوجهات الرئيسية لسياسة أوزبكستان الخارجية في خطوط محددة، أهمها: الحفاظ على المصالح الوطنية الأوزبكستانية الراهنة من خلال استمرار الروابط مع الشركاء القدامى أي مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة؛ وإتباع سياسة تدريجية لتنويع البدائل والشركاء من خلال عقد روابط اقتصادية وسياسية جديدة مع مختلف القوى الإقليمية والعالمية، والاندماج التدريجي في المؤسسات الإقليمية والعالمية؛ والاهتمام بالقضايا الدولية التي تؤثر مباشرة في المصالح الوطنية الأوزبكستانية.
ويعني هذا التركيز على ما يهم أوزبكستان مباشرة. وتفادي امتداد نطاق الاهتمامات الخارجية للدولة بما يتخطى مقدراتها أو إلى ما لا يعود عليها بأثر إيجابي مباشر.
وظيفة السياسة الخارجية ووسائلها: يتضح من دراسة متفحصة لكتابات الرئيس كريموف، أن وظيفة السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان هي: إعطاء دفعة قوية لعملية التحول الاقتصادي. لأن السياسة الخارجية بما توفره من تشابك في العلاقات مع المؤسسات الدولية، يجب أن توفر انعكاسات إيجابية على مدى قدرة أوزبكستان في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الاستقلال.
ولهذا ومن ضمن الوسائل المحتملة للسياسة الخارجية، نرى أن أوزبكستان تركز على الوسائل الاقتصادية، أي أنها تستعمل قدراتها الاقتصادية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، ليكون لها أثر اقتصادي إيجابي على الصعيد المحلي. بإتباع سياسة اقتصادية خارجية تقوم على تحقيق المنافع المتبادلة بصرف النظر عن الاعتبارات الإيديولوجية. دون إهمال الوسيلة العسكرية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية عندما تقتضي الضرورة ذلك.
ولهذا عملت أوزبكستان على إيجاد قوة عسكرية حقيقية جيدة التدريب، وقادرة على التحرك السريع لحماية أمن الدولة. فأحدثت جيشاً وطنياً قوامه 35 ألف جندي، مزود بمعدات عسكرية تبلغ حوالي 280 دبابة، و780 عربة مدرعة، و265 طائرة مقاتلة، و24 طائرة مروحية. وتقوم القوات المسلحة الأوزبكستانية بحفظ الأمن والسلام على حدودها الدولية، إضافة لدور في عمليات حفظ الأمن والسلام على الحدود الأفغانية الطاجيكية.
كما وتحرص أوزبكستان بحكم تراثها الحضاري والثقافي، ومن ضمن الحوار العالمي القائم بين الحضارات، على توظيف الوسيلة الثقافية والحضارية في سياستها الخارجية. وقد دعى الرئيس كريموف إلى حوار حضاري بين العالم الإسلامي والعالم العربي، لأن الوسيلة الثقافية تمثل الجسر الذي يمكن أن تعبر عليه أوزبكستان إلى العالم الإسلامي، ولعل إنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي، الذي يعمل على افتتاح فروع له في شتى أنحاء العالم الإسلامي، خير دليل على توظيف الوسيلة الثقافية في السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان.
السياسة الأوزبكستانية مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة: اتسعت سياسة أوزبكستان الخارجية بعد الاستقلال وتعددت أبعادها. إذ تقيم جمهورية أوزبكستان اليوم علاقات دبلوماسية مع أكثر من 120 دولة من دول العالم، وتقيم في عاصمتها طشقند حوالي 40 سفارة معتمدة من بينها خمسة عربية، وممثليات لأكثر من 25 منظمة دولية حكومية، و13 منظمة غير حكومية، بعد أن أصبحت عضواً كامل الأهلية في كافة المنظمات العالمية السياسية والاقتصادية. وقد حرصت أوزبكستان منذ استقلالها على تنويع شركائها من خلال علاقاتها الدولية. (أنظر الملاحق)
ويعتبر الخط الذي يربط أوزبكستان بشركائها التقليديين، من الخطوط الرئيسية لسياستها الخارجية.وهو خط العلاقات مع جمهوريات رابطة الدول المستقلة، وخاصة العلاقة مع روسيا وجمهوريات آسيا المركزية، حماية لمصالحها الوطنية في علاقاتها مع تلك الدول التي تشكل نسبة التجارة معها 85 % من حجم تجارتها الخارجية.
وكانت جمهورية أوزبكستان قد دخلت في عضوية رابطة الدول المستقلة بموجب اتفاق آلما أتا الذي وقع في 21/12/ 1991. وانضمت كذلك إلى اتفاقية الأمن الجماعي التي وقعت في طشقند في 15/5/1992، وضمت كلاً من روسيا، وقازاقستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، وأرمينيا، وهي الاتفاقية التي تمنع الدول المشاركة فيها من الدخول في أية تحالفات عسكرية أو تجمعات موجهة ضد الدول المشاركة في الاتفاقية، ومسؤولية الدول الموقعة على الاتفاقية جماعياً عن حماية أمن وحدود الدول المشاركة فيها.
ويرى الدكتور محمد السيد سليم مدير مركز الدراسات الأسيوية بجامعة القاهرة أن أوزبكستان حرصت دائماً على أن لا تتحول الرابطة إلى مؤسسة فوق قومية تنتقص من سيادة الدول الأعضاء فيها، لهذا رفض الرئيس كريموف الانضمام إلى المعاهدة التي ضمت الجمهوريات الأربع روسيا، وقازاقستان، وقرغيزستان، وروسيا البيضاء، معتبراً إياها محاولة لإحياء الاتحاد السوفييتي السابق، وعزل دول المعاهدة عن الاقتصاد العالمي. وفي المؤتمر الذي انعقد في طشقند في كانون أول/يناير 1993 أعلن مشروع إنشاء منظمة آسيا المركزية، كما ودعت أوزبكستان إلى إنشاء اتحاد آسيوي أوروبي يضم في عضويته كلاً من الصين وتركيا وجمهوريات آسيا المركزية وأوروبا ليحل مكان رابطة الدول المستقلة.
وأوزبكستان تعتبر جمهوريات آسيا المركزية ذات أفضلية في سياستها الخارجية، تتكامل معها اقتصاديا وتتعاون معها عسكرياً. ولذلك من المهم أن نشير إلى حقيقة هامة وهي أن الرئيس كريموف لا يرى في آسيا المركزية منطقة ثقافية أو عرقية واحدة في إطار المفهوم الإقليمي السابق الذي كانت تعرف فيه بتركستان بل على العكس يرى فيها مساحة جغرافية تتعايش فيها مجموعة من الدول المستقلة على أساس من المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة.
وأشار الصحفي العربي المقيم في موسكو د.سامي عمارة في إحدى مقالاته إلى أن موقف أوزبكستان من دول آسيا المركزية كان واضحاً خلال اجتماع رؤساء جمهوريات آسيا المركزية الخمس الذي انعقد في طشقند خلال كانون ثاني/يناير 1993، والذي قرر خلاله الرؤساء الخمسة إنشاء تعاون إقليمي باسم منظمة آسيا المركزية، من خلال إقامة سوق اقتصادية مشتركة، ونظام ضريبي موحد، وساحة إعلامية مشتركة، ونظام أمن دفاعي لكل الأعضاء.
واستمرت لقاءات التنسيق والتعاون بين دول المنطقة بعد ذلك، وفي لقاء بيشكيك عاصمة قرغيزستان الذي جرى في نيسان/أبريل 1994 وضم رؤساء جمهوريات أوزبكستان وقرغيزستان وقازاقستان، وقعت الدول الثلاث على اتفاقية لبناء مجال اقتصادي موحد، وتشكيل مجلس مشترك للإشراف عليه. إضافة للتعاون العسكري بين الدول الثلاث التي أنشأت من أجله مجلس وزراء الدفاع الذي أسندت له مهمة وضع مقترحات محددة للتعاون العسكري والأمن الإقليمي بين الدول الثلاث. واتفقت الدول الثلاث كذلك على تنسيق أنشطتها في ميادين الأمن الوطني لكل منها، والأمن الجماعي في إطار رابطة الدول المستقلة، وبناء نظام أمني بين أوروبا وآسيا المركزية بالتنسيق مع مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، وخلق نظام آسيوي للأمن يعتمد على بناء الثقة، ونظام عالمي للأمن في إطار منظمة الأمم المتحدة. ووقعت الدول الثلاث في كانون أول/ديسمبر 1995 كذلك اتفاقا لإنشاء قيادة مشتركة لحفظ الأمن والسلام بين الدول الثلاث تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة. ومن الواضح أن أوزبكستان تنظر إلى ترتيبات الأمن من عدة مستويات تبدأ من الأمن الوطني وتمتد حتى بناء الأمن الجماعي العالمي. وأثبتت الأحداث التي جرت في جنوب قرغيزستان في صيف عام 1999 صحة وصواب وبعد نظر القيادة الأوزبكستانية في موضوع التعاون الأمني المتبادل بين دول المنطقة، لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية على السواء.
وتشمل سياسة أوزبكستان للتعاون الإقليمي في آسيا المركزية على التعاون لمواجهة المشاكل البيئية التي تواجهها مجتمعة، ومن الأمثلة على ذلك مشاركة أوزبكستان في الاجتماع الذي عقد بين قادة آسيا المركزية في قازاقستان خلال آذار/مارس 1993 لمناقشة مشكلة الكارثة البيئية في منطقة بحر الأورال، وأسفر الاجتماع عن تشكيل مجلس حكومي من ممثلي دول آسيا المركزية، ولجنة تنفيذية، وصندوق دولي لإنقاذ بحر الأورال الآخذة مياهه بالانحسار. وفي كانون ثاني/يناير 1994 عقد اجتماع ثان لنفس الغرض في نوقوس بجمهورية أوزبكستان، أقر خلاله برنامج من الإجراءات العملية لتحسين الوضع البيئي في منطقة حوض بحر الأورال خلال فترة تمتد مابين 3 إلى 5 سنوات، روعيت فيه نواحي التطور الاجتماعي والاقتصادي. كما وصدر عن الاجتماع إعلان دول آسيا المركزية والمنظمات الدولية حول مشاكل تطوير حوض بحر الأورال.
إضافة لمشاكل الأمن المائي لدول المنطقة كمشكلة تدفق مياه الأنهار التي تعتمد عليها أوزبكستان في ري محاصيلها الزراعية الصيفية وخاصة القطن، والتي تنبع من الأراضي القرغيزية، وتوصلت الدولتان إلى اتفاق عام 1994 بعد مطالبة قرغيزستان بدفع ثمن للمياه التي تتدفق من أراضيها، ووافقت أوزبكستان نتيجة الاتفاق المذكور على تزويد قرغيزستان بالطاقة والكهرباء شتاءً لقاء تدفق المياه إلى أوزبكستان خلال الصيف. وهذا جزء من المشكلة التي خلفها الاتحاد السوفييتي السابق وراءه لجمهوريات آسيا المركزية وتشترك كلها فيها بسبب التداخل في منابع ومجاري الأنهار وشبكات الري والسدود الكثيرة المقامة عليها. (أنظر إستراتيجية الأمن الإقليمي لاحقاً)
وأخيراً فإننا نرى في أوزبكستان الدولة الإقليمية المحورية التي تسعى دائماً للقيام بدور فعال في حل وتسوية النزاعات الإقليمية في المنطقة، وخاصة المشكلتين الأفغانية، والطاجيكية. لأن حل المشكلة وإحلال السلام على الأرض الأفغانية يفتح الطريق أمام أوزبكستان التي لا تملك منافذ على البحار المفتوحة، نحو موانئ بحر العرب والمحيط الهندي، ويحد من انتشار موجات التطرف الديني المتشددة ويقلل من فرض التدخل الأجنبي في شؤون آسيا المركزية.
وقد كانت أوزبكستان صاحبة السبق في المبادرات العديدة، التي تناولت القضية الأفغانية بقصد حل عقدتها المستعصية، منذ استقلالها وحتى اليوم. ولا غرابة في ذلك، لأن أوزبكستان كانت الممر البري الرئيسي لقوات الاحتلال السوفييتية، في دخولها للأراضي الأفغانية قبل عشرين عاماً، وفي خروجها منها قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت أفغانستان ملجأ للكثيرين من أبناء المنطقة عبر مراحل الاحتلال الروسي، وملاذاً لأمير بخارى وبقايا جيشه، بعد سقوط مدينة بخارى في 2/9/1920 واحتلال آخر الإمارات المستقلة التي كانت تربطها بأفغانستان علاقات أخوة وحسن جوار، في ما كان يعرف بتركستان الروسية بقبضة القوات الروسية، بقيادة الجنرال البلشفي ميخائيل فرونزة.
وكانت أوزبكستان أيضاً من بين الجمهوريات السوفييتية السابقة الأكثر تضرراً بشرياً ومادياً ومعنوياً من حرب التدخل السوفييتي الدامية قبل عقدين من الزمن، ولم تزل آثارها ماثلة للعيان حتى اليوم. نضيف إلى ذلك قرابة الثلاثة ملايين من المواطنين الأفغان من أصول أوزبكية القاطنين في المناطق الشمالية من أفغانستان.
وكل تلك المعطيات لا يمكن أن تدع الحكومة الأوزبكستانية بعد الاستقلال، تقف موقف المتفرج حيال ما يجري على الأرض الأفغانية الملتهبة، تحسباً من انتقال أعراض الأوضاع الملتهبة على الأرض الأفغانية إلى داخل أراضيها. وهو ما حدث فعلاً منذ الاستقلال في طاجكستان المجاورة لأفغانستان، والتي تشترك معها في المعطيات أنفة الذكر أيضاً.
وقد أثبتت الوقائع صحة التوقعات الأوزبكستانية أكثر من مرة في الأحداث المتفرقة التي حدثت على أراضيها، وكان آخرها تفجيرات 16/2/1999 في العاصمة طشقند التي نفذها متطرفون إسلاميون. وأثبتت المحاكمات العلنية التي جرت للمتهمين فيها، ضلوع بعض الجهات المتواجدة في أفغانستان وفي بعض الدول المجاورة والقريبة من أوزبكستان وفي بعض الدول العربية، إما بمساندة أو بتمويل تلك الحركة الإسلامية المتطرفة، وهي المتهم الأول بما جرى ويجري ليس في أوزبكستان وحدها، بل وفي تطلعها لتوسيع نشاطها إلى قرغيزستان وقازاقستان ودول آسيا المركزية الأخرى، انطلاقاً من الأراضي الأفغانية والطاجيكية وفق الأنباء التي نشرت عن التحقيقات التي جرت قبل وأثناء محاكمة وإدانة المتهمين. وأثبتت التوقعات في الأحداث التي جرت جنوب قرغيزستان في صيف نفس العام وفي جنوب أوزبكستان وقرغيزستان صيف عام 2000. وهذا طبعاً لا يمكن أن لا يوتر ويعيق العلاقات الودية بين تلك الدول والحكومة الأوزبكستانية.
وبالفعل بادر إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان ومن عام 1993 أي مع باكورة الاستقلال إلى لفت أنظار العالم نحو تلك الفاجعة المستمرة على الأرض الأفغانية، من على منبر الدورة الـ 48 لمنظمة الأمم المتحدة. وعاود وطرح القضية من جديد خلال الدورة الـ 50 للمنظمة في عام 1995، وقدم مقترحات محددة يمكن أن تساعد في حل تلك العقدة المستعصية في أفغانستان، منبها الرأي العام العالمي إلى ضرورة منع تزويد الأطراف المتنازعة بالسلاح، وخطورة الأوضاع في أفغانستان على الأمن ليس في المنطقة المحيطة بأفغانستان وحدها، بل وعلى مستقبل الأمن والاستقرار العالمي، بسبب ازدهار تهريب المخدرات والسلاح، وانتشار الإرهاب والتطرف الديني إلى الدول المجاورة لها، وهو ما أثبتته الوقائع الجارية في المنطقة وأنحاء متفرقة من العالم (وأكدتها الأحداث التي جرت في 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية). وأشار إليها البيان الختامي للقاء طشقند الذي شارك فيه ممثلين عن القوتين الرئيسيتين على الساحة الأفغانية. وهي نفس الأسباب التي دعت الرئيس الأوزبكستاني في حزيران/يونيو 1999 لتوجيه النقد إلى الأسلوب الذي تتعامل به مع تلك المشاكل، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي انضمت إليها أوزبكستان مع بقية دول آسيا المركزية منذ أكثر من سبع سنوات مضت.
وكانت آخر المبادرات الإيجابية التي قدمها الرئيس الأوزبكستاني لحل القضية الأفغانية، مبادرة عام 1997، التي دعى فيها إلى إنشاء مجموعة للتنسيق تضم الدول الست المحيطة بأفغانستان، بالإضافة للولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والتي عرفت باسم مجموعة " 6+2 ". وبالفعل عقدت المجموعة أولى جلساتها في نيويورك في 16/10/1997. وتوجت اللقاءات، باللقاء الذي عقدته المجموعة في العاصمة الأوزبكستانية طشقند ضمن الجهود الدولية لحل الأزمة المستعصية، وبمشاركة طرفي الصراع على الأرض الأفغانية، والأخضر الإبراهيمي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، الذي أشار في المؤتمر الصحفي الذي عقد إثر التوقيع على بيان طشقند للمبادئ الأساسية لحل القضية الأفغانية، إلى الأهمية الخاصة للقاء طشقند الذي شارك فيه وللمرة الأولى ممثلين عن الجهتين الرئيسيتين المعنيتين في الصراع الدامي الجاري على الأرض الأفغانية، وهي: حركة "طاليبان" والجبهة المتحدة. معتبراً بيان طشقند خطوة هامة على طريق إحلال السلام في أفغانستان. وقال: أن البيان جاء نتيجة لجهود طويلة قامت بها المجموعة في البحث عن المبادئ الأساسية لإحلال السلام على الأرض الأفغانية، وتمكنت من خلالها مجموعة "6+2" من توحيد مواقف المشاركين فيها، ولو أنها لا تعتبر الهدف الأخير، فهي أساس لمتابعة المفاوضات بين أعضاء مجموعة "6+2"، وبين الأطراف المتنازعة على الأرض الأفغانية، حركة "طاليبان" والجبهة المتحدة، اللتان أكد ممثليهما في المؤتمر الصحفي الذي عقد في طشقند عن استعدادهما لمتابعة المفاوضات.
ولكن الرد الحقيقي على كل التساؤلات التي يمكن أن تطرح في المستقبل، هو إلى أي مدى ستلتزم حركة "طاليبان" التي كانت تسيطر آنذاك على 85% من الأراضي الأفغانية، بما أعلنه ممثلها في لقاء طشقند أمير خان متقي عن نية الحركة تحسين الأوضاع في أفغانستان واستعدادها للتفاوض مع المعارضة، ومدى الجدية التي ستتعامل بها الحركة مع ما جاء من مطالب في بيان طشقند لحل القضية الأفغانية بصورة عادلة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل فئات الشعب الأفغاني الذي أقضت مضاجعه تلك الحرب المدمرة، حكومة تقيم علاقات تعاون وحسن جوار مع جيرانها من الدول، وهي نفس المطالب التي طالبت بها تقريباً المعارضة الأفغانية أيضاً.
ولتجني أخيراً أوزبكستان ثمار مبادراتها، وتدعم هدوئها وطمأنينتها واستقرارها، الذي تتمناه لجارتها أفغانستان، ولتعود علاقات حسن الجوار إلى ماضي عهدها، وتعود الطرق التجارية البرية التقليدية التي كانت تربط أوزبكستان في الماضي عبر الأراضي الأفغانية بباكستان والهند والموانئ البحرية على المحيط الهندي وبحر العرب منذ الأزل إلى سابق عهدها.
السياسة الأوزبكستانية مع الدول المجاورة لآسيا المركزية: انضمت أوزبكستان إلى عضوية منظمة التعاون الاقتصادي التي كانت تضم كلاً من تركيا وإيران وباكستان، أثناء الاجتماع الوزاري الثاني لأعضاء المنظمة في 6 شباط/فبراير 1992. وقبلت عضويتها رسمياً وعضوية تركمانستان وأذربيجان في المنظمة خلال اجتماع القمة الذي انعقد بعد ذلك التاريخ بأسبوعين وضم رؤساء الدول الأعضاء الثلاث فيها. وفي تشرين ثاني/نوفمبر 1992 انضمت للمنظمة كلاً من قزاقستان وطاجكستان وقرغيزستان وأفغانستان، لتصبح عضوية المنظمة بذلك تضم عشر دول. وتنبأ أحمد عبد الونيس أن توفر العضوية في هذه المنظمة التي يمكن أن تكون تكتلاً اقتصاديا مهماً، لأوزبكستان مجالاً لتنويع الشركاء الاقتصاديين.
ولكن من الواضح أن أوزبكستان حرصت في سياستها مع شركائها في المنظمة من غير جمهوريات آسيا المركزية على تطوير علاقات اقتصادية، دون أية التزامات سياسية. ورغم الروابط الثقافية والعرقية القوية التي تربطها بتركيا، فإن أوزبكستان تجنبت نقل النموذج التركي للتطور السياسي والاقتصادي، وفضلت اختيار نموذجها الخاص الذي ينبع من صميم ظروف أوزبكستان نفسها. رغم انتقالها للأبجدية اللاتينية في الكتابة الأوزبكية كما فعلت تركيا في العشرينات من القرن العشرين. ورغم مشاركتها لتركيا في الاجتماعات الدورية للدول الناطقة باللغة التركية، التي كان الهدف منها التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية، وإحياء طريق الحرير وتطوير السياحة بين تلك الدول، وحرصها على تشجيع الاستثمارات التركية في أوزبكستان.
بينما ركزت أوزبكستان في علاقاتها مع باكستان على إيجاد صيغة متوازنة تضمن مصالحها الاقتصادية، والتفاهم على صيغة يمكن من خلالها الاستفادة من النفوذ الباكستاني لإنهاء الصراع الدائر في أفغانستان. لتتمكن من الوصول إلى الموانئ الباكستانية عبر أفغانستان بعد إحلال الوفاق والسلام فيها.


هناك تعليق واحد: