الاثنين، 14 مارس 2016

عمان .. ذاكرة الزمن الجميل

عشرون عاماً من تطور العلاقات الأردنية الأوزبكستانية 7
عمان.. ذاكرة الزمن الجميل
رعى العين فيصل الفايز حفل اطلاق كتاب «عمان.. ذاكرة الزمن الجميل» للراحل الباحث فؤاد البخاري وتحدث فيه مدير مركز الأردن الجديد هاني الحوراني، ودار سندباد ناشرة الكتاب، ود. مسلم قاسم باسم أحد أصدقاء فؤاد البخاري. كما القي السيد فريد لطفي البخاري الكلمة التي كان قد أعدها المرحوم فؤاد البخاري قبل وفاته بمناسبة اطلاق الكتاب وقال الفايز: أن عمان بكل تحولاتها جعلت من البخاري شاهداً على عصورها وأحوالها، ومكنته من الإطلاع على جانب من أسرارها لا تتيحه إلا للمخلصين في العيش بين جنباتها، وأضاف: أن عمان أخذتنا منها مشاغل شتى، ولكن فؤاد البخاري رفدنا نحن عشاقها بزوادة لا تنقطع من الحكايات والقصص التي كدنا ننساها أو غامت في ذاكرتنا فكانت كتاباته ترسم التاريخ الشعبي لعمان، تاريخ الناس والأماكن والأحداث، الافراح والأتراح وقفات العز ولحظات الانكسار. وقال فريد لطفي البخاري: ان هذا الكتاب محاولة أولى لرسم معالم غابت عن مرحلة اندثرت وهو حصيلة ذكريات جميلة عاشها المرحوم منذ طفولته وظلت راسخة في ذهنه حتى وفاته.
وكان أمين عمان المهندس عمر المعاني قد كتب مقدمة الكتاب قال فيها: أن كل من يقرأ الكتاب يمكنه ان يحصل على معلومات وافية عن تاريخ المدينة بخاصة في الشق الاجتماعي الذي يُعنى بتاريخ الناس وقصصهم في بناء المدينة والانتقال بها من طور إلى طور منذ باتت حاضرة عربية رئيسية في القرن العشرين.
يذكر أن المرحوم البخاري من مواليد عمان 1936 وتوفي في شهر رمضان الماضي، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس عمان الحكومية والتعليم الثانوي في كلية تراسنطة وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1961، وعمل باحثا ومحررا في دائرة المطبوعات والنشر، وكان والده محمد أمين البخاري أول من افتتح محلا للخياطة الإفرنجية بعمان عام 1931 بعد ان قدم من المدينة المنورة. وقد عُرف المؤلف باهتمامه الخاص بمدينة عمان، حيث قدم أوراق بحثية ونشر مقالات عدة عن جوانب عدة من حياة عمان، وقد توفى بعد صدور كتابه مباشرة في 27 رمضان الفائت، 7/9/2010 (توقيع عمان ذاكرة الزمن الجميل لفؤاد البخاري. // عمان: صحيفة الرأي 6/10/2010).
عمان يا ايتها الغافية على وسائد من حرير الارض يتضوع منها عبق الماضي باجمل الحكايا القديمة التي اختزلتها ذاكرة السنين على واجهات الدكاكين العتيقة نقشا جميلا ساحرا ليحكي سيرة مدينة ولدت من رحم الزمن. أميرة عربية شرقية.. يا عمان.. مهما وضعت على وجهك الجميل من مساحيق الحداثة فوشمك العربي الذي نقشته السنون على وجنتيك زاد الحسن ملاحة ساحرة تميزت به عن باقي المدن .. ففيك اجتمع سحر العراقة .. وبهجة الحداثة ومهما تزينت فسيبقى وجهك عربيا.. ووشمك اردنيا.. وعباءتك هاشمية.. ومن تلك الدروب التي نقشتها مواطىء الراحلين عبر طرقاتها السائرين في تخوم الارض بحثا عن الرزق.. وجدوا فيك سكنى الروح وطمانينة النفس.. واليوم يقصون حكاياها بحروف من فضة.. وهنا في سوق البخارية القديم حيث المكان والانسان والزمان ينسج خيوط الحكاية لشيخ من بخارى قدم الى عمان كغيره من التجار الذين كانوا يسلكون طريق الحج، الطريق التجاري المؤدي الى شبه جزيرة العرب ماراً بعمان قادما من أوزبكستان، وهي التي أصبحت داراً ومقراً لا ممراً بعد أن اتخذ منها موطنا ومن أحب الأماكن الى قلبه وسكن فيها وتوطن. وكان من أول ما قام به الشيخ كمال الدين البخاري هو تأسيس «سوق البخارية» القديم في الساحة شرقي المسجد الحسيني الحالي عام 1934 وبقي السوق في موقعه الى عام 1954 عندما إندلع حريق في السوق لينقل بعدها الى عمارة فوزي المفتي في شارع الملك طلال مقابل المسجد الحسيني وفق ما ذكره محمد عبده "ابو فادي" التاجر في سوق البخارية لوكالة الانباء الاردنية.
وكانت العمارة قبل ذلك كما قال عبارة عن خان قديم تستريح فيه القوافل التي تحمل بضائع التجار المارين بعمان من وإلى شبه جزيرة العرب، وكانت عمان من اهم محطات تلك الطريق. وعندما تلج سوق البخارية يستدرجك المكان الى زمن بعيد من عمر الوطن فهناك للمكان روعة وبهاء وللحديث عن الذكريات وقع جميل على النفس وللنظر نصيبه من متعة التامل وللروح فيه سرح ومرح ... فهناك تشاهد التمازج الحضاري الاصيل بين كل ما هو قديم وحديث .. فواجهات المحلات مزينة ببضائعها الجميلة المتنوعة من التحف الخزفية الى المنسوجات القديمة والمطرزات والمسابح وادوات الموسيقى القديمة مثل الربابة والعود والدف والتحف الفنية النادرة ومنتجات الاخشاب والخيزران والفخار التي تصنع منها الادوات المنزلية القديمة وغيرها من البضائع التي تنتج حديثا ولكن بلمسة حرفية رائعة وكأنها تحفة اثرية قديمة. وتتوزع المحلات في السوق البالغ عددها 23 محلا حسب نوعية البضاعة التي يبيعها المحل فمنها من يبيع ادوات ومستلزمات الحلاقين ومنها من يبيع ادوات ومستلزمات الخياطة والتطريز ومستلزمات مشاغل الخياطة وكلف الخياطين ومنها من يبيع الاكسسوارات والمنسوجات والعطارة ومحلات لبيع العطور والبخور. وما يميز سوق البخارية عن غيره من الاسواق انه يحتوي على البضائع التي لا تتوفر الا في هذا السوق إضافة الى المحبة والالفة التي تجمع العاملين فيه من التجار كما قال التاجر أبو فادي.
وعزا أبو فادي هذه الالفة والمحبة لأن غالبية العاملين في السوق حاليا ورثوا محلاتهم التجارية عن آبائهم وأجدادهم وهو ما وثق علاقات المحبة والمودة بينهم على مدى السنين كما كانت بين آبائهم وأجدادهم. وأشار إلى ان أيا من تجار السوق إذا احتاج إلى المساعدة يهب الجميع لمساعدته وفي حال سفر أي من تجار السوق إلى الحج أو العمرة يقوم جيرانه في السوق بالعمل في محله إلى حين عودته وبذلك لا تتعطل مصالح أي من تجار السوق نتيجة للمحبة والتعامل الصادق الأمين فيما بينهم .
واستذكر أبو فادي أيام زمان في عمان وكانت ذاكرته حاضرة بما هو جميل .. فبدا يقص علينا كما سمع من أبيه أن شارع الملك طلال الممتد من باب قصر رغدان العامر إلى سوق البخارية كان يضاء بفوانيس الكاز وكانت تحرس هذه الفوانيس دوريات راجلة من المتطوعين بدون مقابل. ومن صادق القول وجميل الذكريات التي علقت بذهن أبي فادي منظر مشاعل النور، التي كانت تصنع من علب تثبت على عمود تحتوي على مادة الرماد المبلل بالكاز ومن ثم يتم إشعالها ويحملها الرجال ويسيرون بها في شارع الملك طلال إلى أن يصلوا إلى ساحة المسجد الحسيني حيث كانت تقام الاحتفالات الوطنية والدينية خاصة في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم والتي كان يحرص جلالة المغفور له الملك المؤسس عبد الله بن الحسين على حضورها باستمرار ومن بعده جلالة المغفور له الملك طلال وجلالة المغفور له الملك الحسين وكانوا يزورون سوق البخارية ويتفقدون أحوال الناس والتجار في كثير من المناسبات.
وأضاف أبو فادي أن ما يميز تلك الاحتفالات الوطنية التي كانت تجري في شارع الملك طلال أنها كانت تقام بطريقة عفوية وبروح صادقة ومحبة من جميع الناس ويشارك فيها الجميع كل واحد حسب عاداته وتقاليده ولباسه الشعبي ويؤدي الرقصات الشعبية والفلكلورية حسب اللون الشعبي السائد في موطنه الاصلي فكانت فعلا عرسا وطنيا يفرح به الجميع بكل سعادة. واسترجعت ذاكرته منظر البساتين الخضراء على جنبات سيل عمان الذي كانت تجري فيه المياه بغزارة دون انقطاع يتزود بها من عيون المياه التي تنبع على طول السيل الذي يمتد من وادي عبدون حيث عين ماء وفيرة وكانت هناك عيون ماء في منطقة رأس العين الذي سميت المنطقة باسمها وهناك عيون ماء أيضا بقرب سبيل الحوريات كنا نشاهدها ونلهو بالقرب منها ونحن صغار السن وهي تتدفق بغزارة كما قال (حمد الحجايا: عمان القديمة في ذاكرة تجار سوق البخارية // عمان: صحيفة الرأي من بترا 2010).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق