الأحد، 23 أغسطس 2009

التجربة الديمقراطية السورية

التجربة الديمقراطية السورية
بقلم: أ.د. محمد البخاري: مواطن عربي سوري مقيم في أوزبكستان، دكتوراه في العلوم السياسية DC الاختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة... بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
يشير الخطاب السياسي للسيد الرئيس بشار الأسد إلى الديمقراطية ويفرق بوضوح بين الديمقراطية كمبدأ تلتزم به سورية بقيادتها الحكيمة والممارسات السياسية في إطار الديمقراطية التي تلتزم بها الدولة مع مراعاة المصالح الوطنية واحترام القانون والشرعية السياسية.
ويعتبر السيد الرئيس الفكر الديمقراطي واجبا أساسه البناء وتشييد الوطن لا تعريضه للخطر، ويعرض فهما واضحا لما يجري على الساحة الدولية من استغلال فاضح للديمقراطية وحقوق الإنسان وفق المفاهيم الخاطئة التي تكيلها بعض القوى الكبرى بمكيالين، كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول المستقلة ذات السيادة متناسية في الوقت نفسه ان لكل تجربة ديمقراطية في العالم خلفيتها السياسية والاجتماعية والثقافية والموضوعية حتى في تلك الدول الكبرى نفسها والتي لا يحق لها مصادرة تلك الخلفية وفق فهم الفكر الديمقراطي الذي يتجه نحو الحوار وإعطاء الآخر حق شرح الأفكار حتى الوصول لتصور مشترك، لا بل باتت تلك الحقوق مصدرا تمنحه تلك الدول الكبرى لنفسها ومصادرة الرأي الآخر، والأهم من كل ذلك أن الديمقراطية هي عملية لا تنتهي بل هي عملية تكامل مستمر ودائم عبر المؤسسات الديمقراطية القائمة في المجتمعات المعاصرة. ‏
والتجربة الديمقراطية السورية الحالية التي مر على تكوينها بمبادرة من الرئيس الخالد حافظ الأسد أكثر من ثلاثة عقود تملك مؤسساتها الديمقراطية التي لا تزال حتى اليوم تتكامل وهذا منطق التاريخ وتضم مجلس الشعب المنتخب وجبهة وطنية ديمقراطية متفقاً عليها، ومنظمات شعبية ومهنية تمثل كل الشرائح الاجتماعية. ‏
والقيادة الوطنية في سورية كغيرها من القيادات الوطنية استفادت دائما من الظروف المحلية والإقليمية والدولية لتحقيق التطلعات التي نادت بها عبر ستة عقود دون كلل أو ملل، ورغم كل الصعاب والصدامات التي أجبرت على خوضها خلال نضالها الواعد بمستقبل أكثر استقرارا ومنعة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية. ‏ وجاءت الحركة التصحيحية التي قادها المناضل الخالد حافظ الأسد عام 1970 كنقطة انعطاف لم تشهدها الساحة السورية منذ استقلالها عام 1946، وأثمرت تلك الحركة تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية، التي خاضت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من خلال دستور أقر باستفتاء عام. ‏
وأعتقد أن أبناء جيلي يذكرون بوضوح حتى الآن نتائج الانتخابات الرئاسية الأولى التي جرت إثر الحركة التصحيحية وشاركت في إنجاحها كل المنظمات المهنية والشعبية على الساحة السورية وأذكر منها على سبيل المثال لا التحديد: الاتحاد العام لنقابات العمال، والاتحاد العام للفلاحين، واتحاد شبيبة الثورة، والاتحاد الوطني لطلبة سورية، والاتحاد العام النسائي، والاتحاد العام الرياضي، والاتحاد العام للجمعيات الحرفية، واتحاد الكتاب، ونقابة المعلمين، ونقابة الفنانين، ويذكرون نتائج انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشعب إثر تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية التي ضمت في صفوفها الأحزاب والقوى السياسية البارزة على الساحة الوطنية، وما تلتها من انتخابات لأجهزة الإدارة المحلية، ونشاطات سياسية أثمرت إقرار الدستور الدائم باستفتاء عام. ‏
وما ذلك إلا تعبير عن مرحلة جديدة من مراحل التطور الاقتصادي والسياسي والديمقراطي الذي شهدته سورية آنذاك في ظل التعددية الحزبية، والتي تؤكد على مبدأ انتقال السلطة بالطرق الديمقراطية الدستورية والسلمية وحدها، وتتالت الانتخابات الديمقراطية بمشاركة تلك القوى التي توسعت مع الوقت لتحتوي كل الأطياف الاجتماعية والمهنية والسياسية على الساحة السورية من خلال ترسيخ مفهوم التعددية السياسية الذي يشير إلى مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية، وحقها في التعايش، والتعبير عن نفسها، والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها والاعتراف بوجود التنوع الذي يترتب عليه الاختلاف في الآراء والاهتمامات والأولويات وأن تكون التعددية في إطار دستوري وقانوني محدد. ‏
وتأتي أهمية عنصر الانتخابات البرلمانية الديمقراطية في سورية اليوم، من مفهوم الديمقراطية بمعناها الحديث الذي هو أوسع من مجرد الانتخابات الدورية، حيث تتضمن عناصر أخرى عدة تتيح تأسيس وانضمام أحزاب وتنظيمات سياسية جديدة إلى الجبهة، وتوفير الضمانات لاحترام حقوق الإنسان بمعناها الواسع، واحترام مبدأ التداول السلمي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وتأسيس ثقافة سياسية ديمقراطية، لان الانتخابات الدورية والنزيهة تعد ركنا أساسيا من أركان الديمقراطية، ولا يمكن الحديث عن تطور ديمقراطي حقيقي وجاد، دون ان تكون هناك انتخابات تتسم بالحرية والشفافية، يتمكن المواطنون خلالها من ممارسة حق الاختيار بين أكثر من شخص، وأكثر من حزب، وأكثر من برنامج سياسي. ‏
وتزداد أهمية هذا الأمر في الدول التي تمر بمرحلة انتقال أو تحول من صيغة سياسية غير ديمقراطية، الى أخرى ديمقراطية، (كالحالة السورية بعد الحركة التصحيحية والانتقال إلى نظام ديمقراطي منفتح محليا وعربيا ودوليا) أو على الأقل تتسم بدرجة من درجات الديمقراطية، وتعد سورية واحدة من تلك الدول، التي كشفت الانتخابات الأخيرة التي جرت للدورة التشريعية السابقة من ضمن هذا الإطار، عن واقع خريطة توزع القوى والتوازنات السياسية والاجتماعية فيها، خلال مرحلة الإصلاحات الجذرية الجارية بعد تسلم السيد الرئيس بشار الأسد لمقاليد السلطة دستوريا، والمتجهة أكثر نحو مجتمع التعدد والتنافس الديمقراطي الحر. ‏
وكشفت عن تأييد الرأي العام لأولويات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يقودها الرئيس الأسد، والتي تعتمد على تطوير نموذج خاص للتجديد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، المبني على أسس ومبادئ واضحة تم طرحها لتكون بمثابة نقطة لقاء اتفق عليها الجميع من خلال البرنامج الانتخابي الذي طرحوه أمام الناخبين، ويتلخص بسيادة القانون والإصلاح على مراحل بإشراف الدولة على المرحلة الانتقالية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. ‏
ومن خلال متابعتي لما يجري من استعدادات للانتخابات التشريعية القادمة عبر الصحافة الالكترونية أرى أنها تتفق والمبادئ الأساسية الأربعة لمفهوم التعددية السياسية، الذي هو عند هنري كاريل، ترتيبات مؤسسية خاصة لتوزيع السلطة الحكومية والمشاركة فيها من خلال: ‏
1 ـ الإقرار بحق التنظيم السياسي، بمعنى الاعتراف بحق القوى السياسية والاجتماعية في تنظيم نفسها على شكل أحزاب وجمعيات، وهذا تؤكده مشاركة الأحزاب السياسية الداخلة في الجبهة الوطنية التقدمية في الانتخابات السابقة والقادمة، إضافة للمنظمات المهنية والشعبية المسجلة وفق الأصول الدستورية. ‏
2 ـ التعدد المتكافئ للأحزاب الشرعية بمعنى إتاحة الفرصة المتكافئة لجميع الأحزاب في الاتصال بالقاعدة الجماهيرية، وهو ما تؤكده الحملات الانتخابية السابقة والحملة الجارية في سورية اليوم. ‏
3 ـ توفير الحماية الدستورية، وتعني البعد المؤسسي الذي يوفر الحماية لمختلف القوى، وهو ما توفره القوانين النافذة في سورية. ‏
4 ـ حرية تداول السلطة عبر الانتخابات الدورية والتعاقب المنتظم لأجهزة الحكم، إضافة لقانون الانتخابات في سورية الذي يستند إلى: ‏
آ ـ الوثائق الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، ولاسيما عند إعلان حقوق الإنسان لعام 1948، ووثيقة الحقوق السياسية للمواطنين لعام 1966. ‏
ب ـ وثائق مجلس التعاون والأمن في أوروبا، ولاسيما وثائق مؤتمر كوبنهاجن لعام 1990. ‏
ج ـ وثائق الاتحاد البرلماني الدولي وإعلان حرية وعدالة الانتخابات الصادر عام 1994. ‏
وقد أوضح الرئيس الأسد في كلمته أمام مجلس الشعب يوم 17/7/2000 صورة التجربة الديمقراطية التي تعتمد عليها سورية وتبنى على الانتخابات، وحرية النشر وحرية الكلام، والحريات العامة وهي كلها من الحقوق التي تبنى على ممارسات ديمقراطية مبنية على فكر ديمقراطي، لأن الديمقراطية بالنسبة للتجربة السورية هي واجب وحق في الوقت نفسه وهدفها البناء لا الهدم. ‏
واستبعد السيد الرئيس بشار الأسد صلاحية الديمقراطيات الغربية التي انبثقت خلال سنوات طويلة من مجتمعاتهم وتاريخهم وثقافاتهم، للمجتمعات العربية ومنها المجتمع السوري، لأن الديمقراطية التي تصلح للمجتمع العربي يجب أن تنبثق من التاريخ والثقافة والشخصية الحضارية للإنسان العربي المعاصر. ‏
وهنا تجب الإشارة إلى أنه لا تنكر أي دولة من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ضرورة استخدام كل الوسائل الشرعية بما فيها القوة للمحافظة على القوانين النافذة وضمان حقوق الفرد بالمساواة والعدل، وإبعاد خطر الفوضى السياسية التي تحاول بعض الدول الكبرى فرضها على غيرها من الدول من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة وطنية. ‏
والمبادئ الديمقراطية التي تعتمد عليها التجربة السورية تتمثل في احترام الرأي الآخر، والاستماع إلى كل وجهات النظر مهما تباينت أو تعارضت من خلال منطق التعاون والانفتاح وتعزيز الممارسات المؤسساتية الديمقراطية، والعمل الجماعي من أجل تعزيز الديمقراطية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي من خلال التمتع بالحقوق الوطنية والتنموية كاملة دون نقصان. ‏
ومنذ انعقاد أول دورة تشريعية لمجلس الشعب المنتخب ديمقراطيا في سورية منذ أكثر من ثلاثة عقود تتالت الدورات التشريعية حتى الآن دون انقطاع وأنجزت دورها التشريعي والرقابي كاملا دون نقصان وأقرت قوانين كانت الأساس للنهضة التي تعيشها سورية اليوم رغم كل الصعاب الداخلية والخارجية التي واجهتها ونجحت في تأمين الأمن والاستقرار المنشود. ‏
واستمرت المجالس منذ ذلك الوقت بثبات على خط مكافحة كل أوجه الانحراف والتقصير وغيرها من الظواهر السلبية التي تعوق مسيرة التنمية والازدهار في سورية وهو ما طالعتنا وتطالعنا به الصحافة السورية دون انقطاع والمطلوب فقط العودة لأرشيف الصحف اليومية للتأكد من ذلك لا أكثر. ‏
في الختام أقول: ان سورية ستبقى قمة الصمود والشموخ العربي وصورة من صوره الديمقراطية التي تتمتع بدستور دائم أقر باستفتاء عام، وسلطة تشريعية منتخبة، وسلطة تنفيذية منتخبة كما عرفتها دائما، تسمح لمواطنيها باختيار طريقهم وتحدد آفاق مستقبلهم بأنفسهم وقادرين على مواجهة الضغوط الخارجية التي تحاول فرضها بعض القوى عن طريق ديمقراطيات كاذبة بالقوة والضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية. ‏
التجربة الديمقراطية السورية. // دمشق: صحيفة تشرين، سياسة، الأربعاء 4 نيسان 2007.

مراجع تم استخدامها: ‏
1 ـ صامويل هنتنغتون: الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، ترجمة: د.عبد الوهاب علوب، القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ودار الصباح، ط1، 1993، ص 68. ‏
2 ـ د.حسنين توفيق إبراهيم: الانتخابات البرلمانية ومستقبل التطور ا لسياسي والديمقراطية في اليمن، مجلة السياسة الدولية، السنة 34، العدد 131، يناير 1998، ص57. ‏
3 ـ عمرو عبد الكريم سعداوي: التعددية السياسية في العالم الثالث: الجزائر نموذجا، مجلة السياسة الدولية، السنة 35، العدد 138، أكتوبر 1999، ص57. ‏
4 ـ د.علي الدين هلال وآخرون: «الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي»، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1983، ص338 ـ 339. ‏
5 ـ للمزيد انظر: برهان بخاري:الديمقراطية في أدبيات السيد الرئيس بشار الأسد، شؤون سياسية، دمشق: صحيفة الثورة، 19 ـ 21/3/2007. ‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق