العرب في ما وراء النهر
دراسة أعدها أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص صحافة.
كثيرون تناولوا باللغة العربية موضوع الفتوحات العربية الإسلامية، وتاريخ بلاد ما وراء النهر بالدراسة والتحليل، معتمدين على مصادر ومراجع كثيرة ومختلفة. ولكن من النادر العثور على دراسة وافية تتحدث عن عرب آسيا المركزية، والواقع الذي وصلت إليه حالهم بعد عزلة عن العالم الخارجي استمرت لأكثر من قرن من الزمن بسبب الاحتلال الروسي أولاً، والاستعمار السوفييتي الذي وفر كل الأسباب اللازمة للقضاء على الشخصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والهوية الثقافية لأبناء آسيا المركزية من أصول عربية.
ورغم اهتمام الاستشراق الروسي والسوفييتي بهذه المجموعة العرقية وإغراقها بالدراسة والتمحيص، بهدف إيجاد السبل الكفيلة للقضاء عليها ثقافياً والحيلولة دون تواصلها مع العالم الخارجي ووقف التفاعل والحوار الثقافي العربي مع ثقافات شعوب المنطقة آنذاك. لا يجد القارئ العربي أية إشارة في المراجع العربية تتحدث أو تشير لذلك الواقع الأليم الذي عانى منه عرب آسيا المركزية في حقبة تاريخية تجاوزت القرن من الزمن وانتهت باستقلال جمهوريات المنطقة.
فمن النادر جداً أن نصادف ذكر أي دراسة أو مرجع روسي أو سوفييتي تناول عرب آسيا المركزية في أي مؤلف عربي تناول تاريخ آسيا المركزية. ولهذا بقي موقف الاستشراق الروسي من عرب آسيا المركزية مجهولاً للقارئ العربي. لهذا وجدنا من الضروري إلقاء ضوء ولو بسيط على تلك المراجع الروسية والسوفييتية، لنضع القارئ العربي بالصورة الحقيقية لوجهة نظر الاستشراق الروسي والسوفييتي من بعده، من تلك الأقلية العرقية الصغيرة بالمقارنة مع عدد سكان آسيا المركزية وتاريخها، مسلطين الضوء على الواقع الذي وصلت إليه اليوم.
في محاولة جادة لتقديم بعض المقترحات العملية تعيد الصلة بين عرب آسيا المركزية وأبناء عمومتهم العرب في الوطن العربي، وتفسح المجال أمامهم للمشاركة الفعالة في عملية التغيير الاقتصادية والسياسية الجارية في المنطقة منذ استقلال جمهورياتها، وتعزيز وتوسيع عرى الأخوة والصداقة والتعاون بين شعوب آسيا المركزية والدول العربية. وخاصة مع جمهورية أوزبكستان التي يتفق الجميع على أنها مفتاح المنطقة والبوابة التي يمكن أن تعبر منها علاقات الأخوة والصداقة والتعاون العربي إلى شعوب آسيا المركزية برمتها. مبتدئين بـ:
أصول عرب آسيا المركزية
ذكر برتولد مؤسس مدرسة الاستشراق الروسية في كتابه "العالم الإسلامي" الذي نشر عام 1918 "، //أن العرب احتفظوا بقوة بشخصيتهم القومية، وتركيبتهم وتسمياتهم القبلية البدوية في تركستان حتى الآن، ولو أنهم فقدوا لغتهم العربية. واستوطنت القبائل العربية البدوية في البلدان المفتوحة ليس كقبائل متفرقة، بل في مجموعات قبلية كبيرة. وأن العرب المذكورين كلهم انقسموا إلى شماليين وجنوبيين، وأن القسم الأعظم منهم كانوا في المجموعات الرئيسية من قيسيين وكليبيين، وكانت القبائل العربية الشمالية مقسمة بدورها إلى نزاريين أو معديين (ومعد كان ابن عدنان، ونزار كان ابن معد)، وضمت مجموعة مضر (التي ينسب لها القيسيون)، ربيعة، ووائل؛ والأخيرة بدورها انقسمت إلى مجموعات بكر، وتغلب. والعداوة بين مضر وربيعة كانت أشد من العداوة بين عرب الشمال، وعرب الجنوب؛ وعرب ربيعة أكثر من مرة انضموا إلى القبائل اليمانية ضد مضر. والمثال على ذلك استيطان المجموعات القبلية الكبيرة لبعض المناطق، التي قسمت شمال بلاد الرافدين إلى ديار مضر على ضفاف الفرات، متخذين من الرقة مركزاً لهم، وديار ربيعة على نهر دجلة، متخذين من الموصل مركزاً لهم، وديار بكر إلى الشمال منهما متخذين من أميد (في تركيا اليوم) مركزاً لهم، التي أبقت طابع التقسيم القبلي العربي على التسميات الجغرافية على الخارطة الجغرافية المعاصرة. بينما لم تكن هناك أية علاقة تقريباً بين التسميات الجغرافية والقبلية في شبه الجزيرة. وكانت المجموعات القبيلة الكبيرة منتشرة على مساحات واسعة في مختلف المناطق. وهذه واحدة من الأسباب التي جعلت من الخلافات التي ظهرت بحدة أثناء الإسلام أكثر منها قبل الإسلام. الخلافات القبلية أظهرت تضامناً قومياً كبيراً، انطلاقا من مصادر دينية ونسبية، وحتى أن اليمانيين في بعض الأحيان وقفوا ضد الفرس كأحفاد لإسحاق، بينما عرب الشمال كانوا من أحفاد إسماعيل//.
وتذكر المراجع المختلفة أن العرب عاشوا بكثافة في تركمانيا، وأوزبكستان، وطاجيكستان. وخاصة في المناطق الجنوبية منها. وتم بذل جهود في العديد من المراجع لتسليط الضوء وإعطاء معلومات تحليلية عن منشأ عرب تركستان انطلاقا من المعلومات المتوفرة عنها، من خلال دراسات ميدانية، ومراجع مكتوبة. وحاولت المراجع الروسية تتبع طرق الهجرة التي اتبعها العرب للوصول إلى تركستان. خاصة وأن الروس أنفسهم يعترفون بأن تقسيم عرب آسيا المركزية بين الجمهوريات التي تتشكل منها آسيا المركزية اليوم (أوزبكستان، قازاقستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان)، هو تقسيم رمزي لا أكثر، وأن التحليل يتطلب استخدام مواد تحدثت عن العرب في المنطقة بأسرها، وليس في كل جمهورية على حدى. وهنا لابد أن نشير إلى أن السلطات السوفييتية عمدت إلى تقسيم تركستان الروسية إدارياً إلى جمهوريات أوزبكستان وقازاقستان وتركمانستان وقرغيزستان وطاجاكستان في عام 1924 وما بعد، بينما احتفظت إدارة الاحتلال العسكرية بوحدتها القيادية تحت اسم "قطاع تركستان الحربي" منذ تأسيسه في عام 11/6/1867، وحتى خروجها من المنطقة بعد استقلال تلك الجمهوريات. واحتفظت الإدارة الدينية لمسلمي المنطقة بوحدتها تحت اسم "إدارة مسلمي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية" أيضاً حتى الاستقلال. بينما لم يحتفظ بوحدته التنظيمية بعد الاستقلال في المنطقة سوى الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية (الكنيسة الشرقية) التي بقيت على ما كانت عليه دون تغيير منذ أكثر من قرن ونيف من تأسيسها.
وتتحدث المراجع التاريخية عن أعداد كبيرة من العرب استوطنت تركستان ولم تزل حتى وقتنا الحاضر، رغم خلو نتائج تعداد السكان الأخيرة قبل الاستقلال من تصنيف العرب بين أبناء القوميات التي تعيش في آسيا المركزية اليوم. وتذكر المراجع ستة تجمعات سكانية مستقلة لها صلة بأشكال مختلفة بالعرب، وعشرات التجمعات التي تحمل تسميات متشابهة في الأحياء والمدن والتجمعات السكانية الكبيرة. تتحدث كلها عن حقيقة انتشار العرب بكثافة في المناطق الجنوبية والشمالية والوسطى من آسيا المركزية. وتورد تاريخ نشوء قرية عرب قشلاق بمنطقة إسفارين في لينين آباد بطاجيكستان، التي أنشأها الرعاة العرب بالقرب من المزارع، خلال أواسط أو النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. بينما يسكنها اليوم الطاجيك، والأوزبك، القادمين من مقاطعات كانبدام، وقرغيز نايماني. وتذكر أن مجموعة منهم لها صلة قرابة مع العرب الناطقين باللغة الأوزبكية من سلالة خوجه بدأت مع بداية القرن العشرين.
وفي وقت متأخر جاء للسكن فيها، طاجيك من أحياء أوراتيوبيه وإيشانخو وتاختي جار. كما وعاش العرب سابقاً في بينجيكينت، بحي-غوزار عرَبٌ، حيث انصهروا بالكامل مع المحيط المحلي هناك حتى بداية القرن العشرين. وخلال القرنين التاسع عشر، والعشرين سجلت الإحصاءات السكانية اللغة العربية كلغة أم لسبعة أشخاص فقط في بينجيكينت. ورغم عدم وجود الأحياء العربية في إسفاري، يتوقع الباحثون السوفييت تواجد العرب هناك لوجود المزار الذي دفن فيه شيخ الإسلام البلخي، سعيد ساربارخان، المتوفي عام 1476م. الشخصية التي يتوقع البعض بأنها عربية كما أورد: برتولد ف.ف. في كتابه "تاريخ الحياة الثقافية في تركستان"؛ وتورسونوف ن.و. في كتابه "تشكل وطرق تطور سكان المدن والقرى في شمال طاجيكستان في القرن 19 وبداية القرن 20"؛ والمواد الميدانية التي جمعها بوشكوف ف.ي. عام 1971.
ولم يزل عرب كوباديان وشاه عرطوز محافظين على إنتماءآتهم القبلية والعشائرية. واستناداً لأقوال المعاصرين منهم، عاش في السابق على أراضي ولاية كورغانتيبه الحالية، تجمعات عربية كثيرة تنتمي لقبيلة لارخابي، وعرب كوباديان، وأيواج، وبيشكيك المنحدرة كلها من بني هاشم القرشية التي ينحدر منها الرسول العربي (ص). ويعيش العرب المنحدرين من قريش حالياً في مناطق كوباديان، وشاه عرطوز، ولارخابي، إضافة لقبائل اسكندري، وميوي، وميرحيدري، ونوروزي، وسعيدي وغيرها من القبائل ذات النسب العريق، وعلى ما يعتقد أن هذه التسميات إما لقبائل من الموالي، أو تغيرت تسمياتها مع مرور الزمن أو الترحال والاختلاط بالأعراق المحلية.
فعامل الزمن والطرق التي سلكها العرب للوصول إلى مناطق سكنهم الحالية لم تدرسه لا مدرسة الاستشراق الروسية، ولا السوفييتية من بعدها بشكل كاف. لأن تركيزها كان على تثبيت فكرة أن العرب هم غزاة ومحتلون، وأن العرب خلال غزوهم لما وراء النهر خلال الفترة التاريخية الممتدة مابين القرنين السابع، والثامن الميلاديين، تركوا في المدن الرئيسية بما وراء النهر، بخارى، وسمرقند، حاميات عسكرية لا أكثر، وأنهم أجبروا السكان المحليين على إخلاء قسم من بيوتهم لسكناهم. ويعترف برتولد ف.ف. في كتابه "تركستان في عصر الاجتياح المغولي"، وفي "بعض الآراء عن الثقافة الآرية في تركستان"، أن العرب في وقت متأخر انتشروا في المنطقة أكثر من ذلك بكثير. وأنهم عاشوا خلال القرن التاسع الميلادي في جميع مدن خراسان وما وراء النهر.
وتذكر المراجع أن العرب أثناء حملاتهم الأولى لفتح ما وراء النهر تواجدوا في المناطق التي تشغلها أوزبكستان اليوم ولوحظ فيها مناطق سكنها العرب في مايمورغ جنوب شرق سمرقند عام 654م، وشاهنيان في حوض نهر سورخانداريا عام 667م، وراميتان وغيرها من المناطق القريبة من بخارى خلال عامي 673-674م، وفي مناطق بخارى وسمرقند في عام 676م، ومناطق بخارى وسمرقند وحجند خلال أعوام 680-683م، وترمذ في عام 689م. وتذكر المراجع أن القائد العربي قتيبة بن مسلم قاتل خلال عامي 705-706م في بلخ، وشومان، وشاهنيان، وباي قند، وبخارى. وفي عام 710م في نسف (بالقرب من مدينة قارشي جنوب أوزبكستان اليوم حيث تتركز أكبر نسبة من السكان المنحدرين من أصول عربية في جمهورية أوزبكستان)، وكيش (مدينة شهرسابز اليوم، وهي مسقط رأس الأمير تيمور جنوب أوزبكستان اليوم). وخلال أعوام 710-712م في خوارزم، وخلال عامي 713-714م في فرغانة، ومدينة شاش (طشقند عاصمة أوزبكستان اليوم).
وتذكر المراجع مشاركة قبيلة بني بخيل التي ينتمي إليها قتيبة بن مسلم نفسه في تلك الحملات. وفي وقت لاحق من القرن العاشر سجل ظهور القبائل العربية: مضر، وربيعة، واليمانيين في بخارى حيث أسكنهم قتيبة. وتذكر بعض المراجع أن قتيبة كان ليس كقائد عربي فقط بل حمل لقب بخارخودات قتيبة، وهو ما يثبت أن القبائل العربية سكنت بخارى خلال خمسينات القرن الثامن الميلادي. وهو ما يؤيده برتولد في كتابه "تركستان في عصر الاجتياح المغولي"، وأن حملات الغزاة العرب (كما يسميهم برتولد) امتدت إلى الشمال والجنوب، وشملت بشكل أساسي مجموعات من بني قيس وبني كليب. ومن عرب الشمال بني نزار، وبني معد، ومضر، وربيعة، ووائل، وبكر، وتغلب. وتحدث برتولد في كتابه "التركيبة العرقية للعالم الإسلامي" عن الخلافات الشديدة والتناحر بين القبائل العربية الجنوبية والقبائل العربية الشمالية، وحتى بين الشماليين أنفسهم.
ويذكر غفوروف ب.غ. في كتابه "الطاجيك في التاريخ القديم والقرون الوسطى"، أن الوالي العربي على خراسان أسد بن عبد الله أثناء حربه ضد خوتاليا (حوض نهري وحش، وقولياب)، في عام 737م، انسحب بقواته عبر منطقة بنج في جبال الملح (صور، جبال حجي مؤمن). ويتوقع أنه استخدمها للعبور من تشوبك (صور، منطقة موسكو بولاية قولياب في طاجيكستان اليوم) إلى شام ستان على الأرض الأفغانية.
ومن دون أدنى شك أنه خلال تلك المرحلة التي شهدت أولى حملات الفتح العربي الإسلامي للمنطقة، شهدت إضافة للحاميات العسكرية الإستراتيجية التي تركزت في المدن، وبعض التجمعات السكانية العربية في المناطق الزراعية كما يشير بوشكوف ف. ي.، في كتابه "سكان شمال طاجيكستان (التشكل والاستيطان)" سكن القبائل العربية في المناطق الزراعية هناك. وعلى كل حال فهناك إشارة واضحة بأن الحملات العربية تلك في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن الميلادي، كان هدفها تعرف العرب بشكل جيد على الأوضاع المعيشية في المناطق الجديدة بالنسبة لهم، من أجل أن يبدؤوا فيها اقتصادا استعمارياً مخططاً ! ! ؟ (كما ذكر بشكوف بالحرف الواحد). ويتابع أنه ليس صدفة أن قائمة المناطق التي حاربت فيها مجموعات المقاتلين العرب في تلك المرحلة تتطابق بالكامل مع المناطق التي عاشت فيها مجموعات سكانية عربية بشكل دائم حتى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
ويثبت ظهور مبعوثي الدولة العباسية في خراسان وما وراء النهر خلال العشرينات والأربعينات من القرن الثامن، لنشر الدعوة ضد الدولة الأموية، أن القبائل العربية التي سكنت هناك كانت وبالدرجة الأولى من القرشيين الذين ينتسب إليهم الهاشميين وأنهم اعترفوا بحقهم بالخلافة. بينما ذكر غفوروف ب.غ.، حقيقة تثبت بطريقة غير مباشرة أن العرب الذين سكنوا خراسان وما وراء النهر كانوا من القرشيين من خلال الحادثة التالية: "أنه بعد وفاة حاكم خراسان عبد الله بن خازم عام 691/692م، طلب الموالي في خراسان من الخليفة عبد الملك، أن يولي عليهم أحد الأمويين، لأنه "لا يستطيع أن يحقق الاستقرار في خراسان المضطربة سوى قريشي". نقلاً عن برتولد الذي أكد تواجد بني ثقيف، في بخارى، و القبائل اليمانية في خوتالي وخراسان.
ويذكر غفوروف أن نقطة الارتكاز التي اعتمد عليها العرب الذين تقدموا بعناد نحو الشمال، ولعبوا دوراً هاماً في تاريخ التوزيع الإثنوغرافي في المنطقة، كانت باستيطان 50 ألف أسرة عربية في خراسان، هاجرت من البصرة، والكوفة (تقريباً 250-300 ألف نسمة) ضمن خمس مجموعات بعد الحملات الأولى، خلال الفترة الممتدة مابين أعوام 654-667م. بينما يشير برتولد "إلى أنه كان تحت قيادة قتيبة في خراسان 40000 عربي من البصرة، و 7000 من الكوفة، 7000 عميل (المسلمين المحليين كما يسميهم برتولد).
ويذكر برتولد في كتابه "تركيا، الإسلام والمسيحية" أن القبائل العربية تمكنت خلال الحكم الأموي من الوصول إلى الهند. ويؤكد في كتابه "تركستان في عصر الاجتياح المغولي" ذكر بني أسد، وبني سعد في بخارى والمناطق المحيطة بها، وقبيلة بني أسد المنحدرة من أسد بن عبد الله الكوشيري والي خراسان في القرن الثامن الميلادي، وزعيم الحزب اليماني، أنهم من القرشيين. استناداً لمراجع الجغرافيين العرب في القرن العاشر الميلادي. ويذكر بولشاكوف و.غ.، في كتابه "تاريخ الخلافة" أن تسمية بني سعد جاءت من اسم الشخصية العربية علاء سعدي، التي يمكن أن تكون قريشية أيضاً.
كما ويورد برتولد في كتابيه: "البلعمي"، و"المسيحية في تركستان قبل المرحلة المغولية"، ظهور قبائل بني تميم في بخارى ومحيطها، وهي القبيلة التي ينتمي إليها البلعمي الأب وابنه، اللذان تقلدا منصب الوزارة في الدولة السامانية، وأن أحفادهما سكنوا المدينة في القرن الثاني عشر، وأن البلعمي الأب سجل لهم عدداً من المباني في مدينة بخارى. ويشير إلى ظهور بني حنظلة في بخارى خلال القرن العاشر الميلادي. ويذكر فولين س.ل.، في كتابه "عن تاريخ عرب آسيا الوسطى" نقلاً عن الإصطخري، أن "ويدار وغيرها كانت تابعة لقوم من قبائل بكر بن وائل. اشتهروا باسم بني صبيعة، وكان لهم الحكم في سمرقند".
وهكذا نرى أنه خلال الفترة الممتدة مابين القرنين السابع والعاشر الميلاديين، عاشت في بخارى والمناطق المحيطة بها، وفي سمرقند وبعض مناطق جنوب أوزبكستان، وطاجيكستان، قبائل عربية ينحدر بعضها من القرشيين، وبني هلال، وبني ثقيف، والعرب اليمانيين، والبكريين، والمضريين، وبني ربيعة، وبني تميم. جاءت الأربع الأولى من جنوب الجزيرة العربية، والبقية من القبائل العربية الشمالية، الذين تجمعت أكثريتها في ما وراء النهر قادمة من خراسان في الجنوب.
ورغم اتفاق أكثر المصادر على أن العرب الأوائل في ما وراء النهر، قد استقروا في المدن، واندمجوا بسرعة بالسكان المحليين. نراهم يترددون في اعتبار العرب المعاصرين في مدن آسيا المركزية من أحفاد الفاتحين العرب الأوائل. ومن ضمن هذا الاتجاه، جاءت آراء بعض الباحثين عن أنه "من غير المستبعد، أن يكون العرب المعاصرون في بخارى، ولينين آباد (حجينت) من سلالة أولئك المستوطنين الأوائل في القرون الأولى للإسلام" وتذكر كارميشيفا ب.خ.، في كتابها "مقالات في التاريخ العرقي للمناطق الجنوبية من طاجيكستان وأوزبكستان"، وتورسونوف ن.و.، في كتابه "حجينت وسكانها (في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20)" استناداً لبعض المصادر أن التحقق من تسمية الحي العربي طبيعي في بخارى، ولكنه صعب في حجينت، حيث ورد في بعض المراجع، أن حيين يحملان اسم "عربٌ"، عاش في واحد منها أحفاد العرب، بينما حمل الحي الآخر هذا الاسم بعد أن سكنته في السابق أسرة عربية، لم يعرف مصيرها اللاحق. ومن خلال دراسة توضع الأحياء القديمة بالمقارنة مع القسم الحديث من المدينة، والملامح التي يحتفظ بها أحفاد العرب، توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن عرب حجينت سكنوا المدينة منذ وقت قريب. بينما أورد تورسونوف ن.و.، وكوشاكوفيتش أ.أ.، في كتابهما "معلومات عن حجينت"، أنه كان للعرب في حجينت 92 بيتاً، في بداية القرن العشرين.
بينما أظهرت الأبحاث الحديثة صورة أكثر تعقيداً. تقول أنه حتى عام 1991 في الحي الجنوبي الشرقي، حيث عاش العرب في السابق، لم تبقى سوى أربع أسر من أصل عربي. ومعهم بقيت أسطورة تقول: أنه في القرن السابع (أي أثناء الحملات العربية الأولى!) وصل إلى حجينت سبعة من العرب القرشيين، سكنوا البادية خارج أسوار المدينة، وبدؤوا بالدعوة للإسلام، وتمكنوا خلال فترة قصيرة من دعوتهم إدخال ألف شخص من السكان المحليين في الإسلام، اللذين احتفظوا بدينهم الجديد سراً لبعض الوقت (وهذه حقيقة تناقض ما تذكره المراجع الروسية والسوفييتية من أن العرب كانوا غزاة، وعملوا قتلاً وتخريباً لنشر الإسلام بالقوة في المنطقة). بينما تذكر مصادر أخرى أن عرب حجينت وصلوا إليها في القرن الثامن الميلادي قادمين من خراسان، أي أنهم من العرب الأوائل.
وتؤكد المصادر والدراسات الميدانية وخاصة التي جرت خلال عام 1991م انصهار العرب بالمحيط المحلي خلال فترة طويلة، وتم التأكد من أن مناطق سكن العرب حملت تسمية عرب خانة (الحي العربي) كما هو معروف اليوم في المنطقة، وليس "عربٌ" كما ورد في بعض المراجع الروسية السابقة. وأن انصهار العرب في المحيط المحلي تم عن طريق التزاوج واختلاط الأنساب. مثال: زواج جدة شيخ الحي (عرب خانة) أحمد أمير سعيدوف التي تزوجت طاجيكياً، كان أبوه في بداية مرحلة الاحتلال الروسي للمنطقة حاكماً لمدينة حجينت.
واستناداً لنتائج الدراسات الميدانية خلال عامي 1987، 1991م، فقد تشكل حي عرب خانة الحالي في حجينت، بعد إنشاء آخر أسوار للمدينة. وإضافة للأسر الأربعة التي سبق ذكرها من أحفاد العرب الأوائل، يعيش في الحي الحالي عرب قادمين من أوراتيوبه، وكاني بادام، وبيشاريك، ومرغيلان، وبشقارد (بشكيريا الروسية حالياً) وغيرها من الأماكن. وفي نفس الوقت اضطر عرب حجينت أنفسهم بسبب ضيق المكان للانتقال للسكن على أطراف المدينة. حيث انتقلوا للسكن في قرية غازيون المعاصرة، حيث تقع مقابرهم (عند مزار كليتش برهان الدين)، وأنشئ في القرية حي عرب خانة، ويسكن فيه اليوم أولاد خالق باي باتشا. بينما انتقلت بعض العائلات للسكن في داشتاك (أولاد ملا سانغيد مولاي عالم) وأونجي أولاد الذين يعيشون في الوقت الحاضر في قرية زاكر عرب.
ولم يحتفظ أحفاد العرب الذين يعيشون الآن في حجينت بأي ملامح مميزة لهم لا في العادات، ولا في التقاليد، ولا في الثقافة العربية، ولا في اللغة، ولا في الطعام، ولا في الملبس، ولا في المنطق الروحي، ولا في تقاليد الدفن، وأصبحت كلها متطابقة مع المحيط السكاني الطاجيكي. إلا في بعض الخصائص المميزة في إضافة عبارة "سيد" التي تشير لانتمائهم إلى سلالة الرسول (ص). وفي حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب (قارئ)، وهذا ينطبق على النساء اللاتي يطلق عليهن تسمية "بيوتون" وهن النساء اللاتي يقمن بالواجبات الدينية بين النساء. ورغم أن أغلبية العرب في حجينت كانوا من المزارعين، إلا أنه يمكن أن يصادف بينهم نجارون ونقاشون على الخشب، وشعراء محترفون. وأصحاب مطاعم شعبية، ومنهم من حصل على تعليم تقني عالي. بينما تميزت النساء العربيات تقليدياً بالتطريز (سوزاني دوز وريسيداني رسمون) وصنع الخيوط الحريرية.
كما وتذكر نتائج الدراسات الميدانية أن أحفاد العرب يعيشون اليوم أيضاً في قرية كيستاكوز، وفي محيط مدينة أوراتيوبه، وفي قرية كالاتشي عرب، وتوتكي، وتشورباغ. ويذكر بوشكوف، وكارميشيفا أن وضع عرب مدينة كاني بادام وضواحيها، مختلف تماماً عن غيرها من المدن، حيث يعيش فيها من القدم مجموعة كبيرة ومتماسكة من العرب، داخل المدينة ضمن الحي العربي (عرب خانة) الذي يقع في المركز التاريخي للمدينة. إضافة للعرب الذين عاشوا في الأحياء الشرقية من المدينة حي زاردبيت، حي عَرَبوني بولو، وعَرَبوني بَيون. إذ من المعروف أن تلك الأحياء قد سكنت أثناء توسيع حدود المدينة مع بداية القرن العشرين. واستناداً لبعض المصادر فإن العرب سكنوا أطراف المدينة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وخاصة في قرية باتار (باتاره بالطاجيكية تعني: خاص، باسدار أو بادار فتعني جامع الضرائب أو الحارس)، ويمكن أن يكون العرب قد أنشأوها. وقرية شوركورغان (توره كورغان)، وقرية داشت قره يانتاك، وكانابادام. وكلها تثبت أن العرب يعيشون فيها منذ القدم.
كما ويورد تورسونوف، وبوشكوف ذكر مزار هاشت صاحبي الذي تم تشييده في القرن العاشر الميلادي على ضريح ثمانية من القادة العسكريين العرب القادمين من المدينة المنورة وسقطوا في المعارك ضد الكفار في منطقة آشت بشمال طاجيكستان. ويربط روزييف بين مزار حظرتي بابا الذي شيد في نفس الفترة بقرية تشوركو والعرب. ويتحدث بوشكوف في دراساته كذلك عن "وادي أسامة بن عبد الله البخيلي" (سور كاخ) إلى الشرق من قرية واروخا ويربط بينه وبين حاكم المنطقة آنذاك القائد العسكري العربي البخيلي المشهور حفيد قتيبة. وعن مزار المحدث أبي هريرة في الطريق بين قرية قيزلي وقرية تاغاياك بمنطقة غانتشي. وحسب الأساطير دفن هناك واحد من أوائل دعاة الإسلام. ومزار خوجه عبد الله أنصاري، في القرية الجبلية أوغوكي (سويداك في المرحلة المبكرة للقرون الوسطى)، والذي يعتبره السكان المحليون موفداً للرسول العربي محمد (ص)، ويؤكدون أنه جاء إلى المنطقة قادماً من بلاد العرب عبر شمال أفغانستان. وهو ما يؤكده أيضاً برتولد في كتابه "العالم الإسلامي"، عندما يشير إلى أن ظهور العرب في ما وراء النهر كان انطلاقا من خراسان وشمال أفغانستان خلال القرن الهجري الأول، وعاشوا هناك بأعداد ضخمة ضمن مجموعات قبلية كبيرة خلال القرون الوسطى. ومن ثم انصهروا في بوتقة المجتمع الإسلامي المحلي، وفقدوا نتيجة لذلك لغتهم وثقافتهم ونسبهم القبلي والعشائري نتيجة للاختلاط والتزاوج.
العرب في عصر الأمير تيمور (تيمور لانك)
تتحدث المراجع الروسية بالكثير عن العلاقة المتأزمة التي كانت بين عرب آسيا المركزية والأمير تيمور (تيمورلانك)، وخاصة عرب جنوب طاجيكستان، وولايات: سمرقند، وقشقاداريا، وبخارى، الأوزبكستانية. وتربط بعضها حضور العرب للمنطقة بتاريخ تلك الحقبة التاريخية الهامة من حياة المنطقة. ومنها ما كتبه غريبينكين أ.د. في كتابه "الشعوب الصغيرة في مقاطعة زرافشان (تركستان الروسية آنذاك، في أوزبكستان اليوم)" الذي نشر في سانت بتربورغ، عام 1872؛ وأندرييف م.س. في كتابه "بعض نتائج البحث العرقي الميداني بمحافظة سمرقند في عام 1921" الذي نشر في طشقند عام 1924؛ وبوريكينا ن.ن.، وإيزمايلوفا م.م. في كتابهما "بعض المعلومات عن لغة العرب في قرية جوغاري بمقاطعة بخارى في جمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية" الذي نشر في ليننغراد عام 1930؛ وكارميشييف ب.خ. في كتابه "عرب آسيا الوسطى" ومواد البحث الميداني الذي أجرته ماداميدجانوفا ز.م. في عام 1987. وتنحصر الروايات التي يوردونها في إطارين:
الأول ويعتمد على ما كتبه أندرييف م.س. عام 1921 عن عرب كاتاكورغان وسمرقند، الذي ذكر أن الأمير تيمور أحضرهم من دمشق، وأورد أندرييف أن الأمير تيمور "كان غير راض عنهم، وقرر نفيهم إلى الصين عبر تركستان. وعندما عبر المنفيون ما وراء النهر، شاهدهم أستاذ الأمير تيمور وملهمه الروحي مير حيدر، وتأسف لحالهم، وطلب من الأمير تيمور الذي وافق على طلبه وأسكنهم سمرقند وكاتتاكورغان. وعرفاناً بالجميل له التزم العرب بدفع ضريبة خاصة لمير حيدر تنتقل من بعده لأحفاده عن أملاكهم وأنفسهم وأحفادهم" وتؤكد المراجع أن قسماً من أولئك العرب موجود اليوم في طاجيكستان.
والإطار الثاني ما ذكرته ماداميدجانوفا عام 1987 نقلاً عن العرب الذين يعيشون في الوقت الحاضر في جنوب طاجيكستان، وذكروا أنهم جاؤا إلى المناطق التي يعيشون عليها الآن منذ قرابة 300-400 سنة. وقبلها كانوا يعيشون في الهند التي جلبهم منها الأمير تيمور وأبقاهم للعيش في بلخ. ونتيجة لترحالهم بحثاً عن الكلأ والمرعى انتقلوا من بلخ إلى أفغانستان، حيث استقروا في وادي بيشكينت، وشغلوا الأراضي الخالية في جنوب طاجيكستان. وأن خان بخارى الذي لم تحفظ الروايات اسمه أجبر العرب على تغيير انتمائهم القومي العربي ؟ والانتماء إما للطاجيك أم للأوزبك. ويرجح البعض أن تكون الأسباب الداعية لذلك أن تكون دينية بحتة. لأن أولئك العرب كانوا من الشيعة، في الوقت الذي كان فيه السكان المحليون هناك من السنة. ولما رفض العرب ما خيرهم عليه خان بخارى، فرض عليهم ضريبة خاصة. فهب للدفاع عنهم مير حيدر، فدفعوا له تلك الضريبة عن طيب خاطر. وذكرت أيضاً أن القسم الآخر من عرب جنوب طاجيكستان، جاؤا للاستقرار هناك من غيسارة مع نهاية القرن التاسع عشر.
وللتأكد من الحقائق التاريخية ذكرت الباحثة نقلاً عن غفوروف أن الأمير تيمور كان قد احتل دمشق عام 1401م، وقضى على سكانها الآمنين بقسوة بالغة. واستناداً لما ذكره روي غونزاليس دي غلافيخو أحد أعضاء السفارة الأوروبية لبلاط الأمير تيمور عن مشاهداته في سمرقند عام 1404م، أنه شاهد في المدينة مجموعة كبيرة من العرب الحرفيين، كان جلبهم الأمير تيمور معه إلى سمرقند من دمشق. وهو ما يثبت تلك الحقائق وتقطع الجدل القائم بين الباحثين حول العرب المجلوبين من دمشق، رغم عدم ذكرهم في قصة حياة الأمير تيمور. ومنها ما ذكره فولين س.ل. في كتابه "شعوب آسيا الوسطى وقازاقستان".
كما وتطالعنا المراجع بما يؤكد تجنب الأمير تيمور رغم قساوته وجبروته، لأي صدام مباشر مع رجال الدين، بل على العكس اعتماده عليهم في الكثير من الحالات. وأن أول ملهم ديني له، كان معلم والده في شهرسابز الشيخ شمس الدين قلل. وأن أول حدث هام في حياة الأمير تيمور بعد استيلائه على بلخ عام 1370م ، استقباله لكبار الشيوخ الذين جاؤا إليه من ترمذ، ومن بينهم الشقيقان أبو المعالي وعلي أكبر، الملقبان بـ"خوداواند زادة"، وأسفر لقاءه بهم عن توطيد العلاقة بينه وبين رجال الدين الإسلامي، تلك العلاقة التي لم تنقطع طيلة فترة حكمه. وتذكر المراجع أيضاً لقاءه في نفس العام مع الشيخ سعيد بركة، المولود في بعض الروايات في مكة المكرمة وفي بعضها الآخر في المدينة المنورة، والذي ظل الأمير تيمور على علاقة حميمة معه حتى وفاته، وتم دفنه إلى جواره بعد مماته. وتتحدث المراجع أيضاً عن إقطاع الأمير تيمور الشيخ سعيد بركة، مدينة أندهوي في شمال أفغانستان، التي ظل يحكمها وأحفاده من بعده حتى القرن 15 الميلادي.
ويذكر برتولد في كتابه "أولوغ بيك وعصره"، وكتابه "مقبرة تيمور" أن سعيد بركة توفي عام 1403/1404م في قره باغ (الجبل الأسود)، ودفن في البداية في أندهوي، ومن ثم نقلت رفاته ودفنت إلى جوار قبر الأمير تيمور في سمرقند. ويذكر أن حكم أندهوي بعد وفاة الأمير تيمور انتقل إلى شاه روح. وهو ما يؤكد وجود العرب في شرق خراسان آنذاك.
وتتحدث المصادر عن النفاق الديني الذي كان يتبعه الأمير تيمور في المناطق التي استولى عليها، فتارة كان يفرض المذهب السني، وتارة يفرض المذهب الشيعي. وأن البناء الهام والوحيد الذي شيده الأمير تيمور خارج عاصمته سمرقند ومسقط رأسه شهر سابز، كان الضريح على قبر الشيخ أحمد يسوي، المقدس عند الشيعة ؟ بما فيهم أتباع الطريقة الحيدرية. وأنه أعطى سعيد بركة الأصل المكاوي أو المدني في أندهوي لأنها كانت محاطة بالعرب الرحل. ولأن أندهوي كانت وقفاً للمدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، أو أن سعيد بركة طلب إعطاءه ضرائب مدينة أندهوي لتلك الأسباب المنطقية والقانونية. خاصة وأن بعض المراجع تذكر أن سعيد بركة من أشراف مكة، وجاء إلى خراسان للإشراف على أوقاف المدن الإسلامية المقدسة فيها، وبعد أن رفض الأمير حسين (منافس الأمير تيمور على السلطة) وضع الأوقاف تحت تصرفه، توجه بطلبه للأمير تيمور وسلمه شارات السلطة الطبل والراية، لقاء وعد منه بتسليمه أموال الوقف. كما ويذكر فولين في كتابه "إلى تاريخ عرب آسيا الوسطى" أن عرب جيناو (في أوزبكستان اليوم)، أكدوا أن الأمير تيمور أسكنهم المنطقة، التي وصلوها من أندهوي، أي إقطاعية الشيخ سعيد بركة. وهو ما يفسر أن علاقة الأمير تيمور بالعرب ورجال الدين قد بدأت من سمرقند، وقارشي، وشهرسابز، ومن هناك امتدت إلى بلخ، وأندهوي ومن ثم إلى شرق خراسان.
العرب والطرق الصوفية
كما وتتعرض بعض المصادر المختلفة لعلاقة العرب بالطرق الصوفية في تلك المرحلة التاريخية، ومنها الطريقة الحيدرية التي كانت واحدة من الطرق الصوفية المنتشرة في خراسان وغيرها من المناطق المجاورة خلال القرون الوسطى. وتربط تلك المصادر هذه الطريقة باسم مؤسسها الشيخ كتب الدين حيدره زاواي (تركي، من آسيا الوسطى، توفي عام 1221م، ودفن في زاوية، تحمل اسم "تربتي حيدري") في خراسان مع نهاية القرن 12 الميلادي. وتذكر بعض المراجع من ضمن هذا الإطار أنها تشكلت في نهاية القرن الـ 14م كطريقة جديدة عرفت بطريقة ميرحيدري، نسبة لمؤسسها السلطان مير حيدر توني (توفي في تبريز عام 1427م). وكان لتلك الطريقة أتباع كثيرون ليس في خراسان وحدها، بل وفي بعض مناطق ما وراء النهر وأفغانستان وشمال الهند.
وتربط بعض المصادر ظهور الطرق الصوفية تلك بالأحداث السياسية والعسكرية العاصفة التي شهدتها المنطقة في بداية القرن الخامس عشر الميلادي. من خلال محاولة رجال الدين الإسلامي وسعيهم للسيطرة والهيمنة على السلطة وأصحاب القرار السياسي والعسكري، ولا تنفي تلك المصادر مسعى مؤسسي تلك الطرق لحسم أوجه الصراع المختلفة التي كانت منتشرة بين السنة والشيعة آنذاك، وخاصة ما يتعلق منها بأموال الوقف الإسلامي، وبيت مال المسلمين. وهو ما ربطته بعض الدراسات بالضريبة الخاصة التي دفعها العرب لمير حيدر في البداية، ومن ثم لشيخ الطريقة من بعده.
ويفسر البعض بذلك ترحيل الأمير تيمور لقسم من العرب من شمال الهند إلى بلخ، التي أسس فيها في أواسط القرن الرابع عشر الأخوة الصوفية الجلالية السهروردية، التي تنتسب إليها مجموعة مير حيدري. ويعتبرون أن أولئك العرب كانوا تلك الجماعة التي فرضت عليها ضريبة خاصة لقاء رفضها الاندماج بالطاجيك أو الأوزبك، بعد توغلها في عمق خانية بخارى (تحولت بخارى إلى إمارة في عام 1785م)، وبالتالي دخولهم ضمن نطاق سلطة بخارى. مما أدى لتعارض صريح في المصالح بينهم وبين السلطات المحلية، لأن العرب يتمتعون بميزة دينية، وهي الميزة التي دفعوا لقاءها ضريبة خاصة سميت خلال القرون 15-17 الميلادية بـ"مال الجهاد". وهو ما يشبه الضريبة التي فرضها الأمير تيمور على القبائل العربية كـ"عقاب" لهم انطلاقا من المصالح السياسية الناتجة عن المعتقدات الدينية لتلك القبائل، ومن المرجح أن تكون بسبب رفضهم المشاركة في الصراع الدموي الدائر على السلطة في المنطقة آنذاك، ورغبتهم بعدم الانحياز لأي طرف من الأطراف المتصارعة.
ويورد برتولد في كتابه "تاريخ الحياة الثقافية في تركستان"، ورسولوف في مقالته "تنظيم جيوش خانيتي بخارى وقوقند في القرن التاسع عشر الميلادي" أن عرب قارشي لم يقدموا لجيش أمير بخارى حيدر (1800-1826م) سوى 100 من الرماة، مما اضطره لفرض ضريبة كبيرة على العرب لتغطية نفقات جيشه الكبير الذي ضم مقاتلين من عرب سمرقند، وميانكال، وقارشي، وكان في تلك الضريبة ظلماً وإجحافاً شديدين. ومن دون أدنى شك كان ذلك سبباً لتوتر العلاقة بينهم وبينه.
موقف الاستشراق الروسي من عرب آسيا المركزية
ومن نظرة متفحصة في المراجع الصادرة خلال الفترة الأخيرة من الحكم السوفييتي لآسيا المركزية، نطالع تسميات غير واضحة عن نسب القبائل العربية، ولابد أن ذلك حدث بسبب التشويه الكبير الذي لحق بتاريخ المنطقة أثناء الاحتلال الروسي والحكم السوفييتي. فنطالع أسماء قبائل: بالوي، اسكندري، قريش، لورهابي، ميوي، ناوروزي، سعدي، باخشي باي، غورجي، زانغي باي، ميرحيدري، رشيدي، سانوني، خوجاغي، شيباني وغيرها من الأسماء. ونرى أن الباحثين قد قسموا القبائل العربية إلى مجموعات ثلاثة، هي: مجموعة القبائل العربية الأصيلة التي واكبت الفتح العربي للمنطقة؛ ومجموعة عرقية ظهرت خلال القرون الوسطى المتقدمة وحملت تلك القبائل تسميات جغرافية ويعتقد أن بينها قبائل عربية أصيلة؛ والسلالات القبلية العربية الأصيلة التي سكنت المنطقة خلال فترة لا تزيد عن 100-150 سنة.
ويذكر بولشاكوف في كتابه "تاريخ الخلافة" أن عرب المجموعة الأولى، ينتمون لقبائل جاءت من قلب الجزيرة العربية: قريش، وبني هاشم، وأبو قيس، وبني أبي وقاص، والسادة بني سعدي، وقبائل بني تميم، وبني سعدوني (سعدي، أو سعيدي)، وقبائل عرب الجنوب (اليمن): قبائل صنعاني، ورشيدي، وقبائل عرب الشمال: شيباني، وبكر بن وائل (بني بكر، بني وائل). ومجموعة قبائل جنوب طاجيكستان: عباسي.
ويذكر أن التسمية الصحيحة للقبيلة القرشية أبو القويس، هو: بني أبي وقاص، نسبة لمؤسسها سعد بن أبي وقاص، والأصح لاسم جده، وهو أحد صحابة الرسول العربي محمد (ص)، أو من القبيلة القرشية بني زهرة. وينسب قبيلة شيباني للبكريين أي بني بكر بن وائل، ويعتقد أن لها قرابة مع القرشيين.
وينسب قبيلة سعدوني، إلى بني سعدة ويعتبرها واحدة من القبائل المدنية، التي عقدت مع النبي (ص) اتفاقية رباعية أطلق عليها بولشاكوف اسم "دستور المدينة"، ويذكر أنه كان من بينها قبيلة يهودية عظيمة، ولا يستبعد أن المعاصرين من عرب المنطقة قد احتفظوا بالتاريخ الثقافي للقبائل المرشدة (بيرا سعيدة جلال الدين حسين) من شمال الهند. ويستند إلى فولين الذي ذكر أن وثائق القرن 15 الميلادي، أوردت أن قبيلة بني سعد سكنت خراسان، وتحركت منها نحو الغرب إلى إيران وبالعكس.
ويذكر بولشاكوف أيضاً أن القبائل العربية الجنوبية: رشيدي، وصنعاني عاشت في آسيا المركزية أيضاً. رغم أن قبيلة رشيدي لم يذكرها المؤرخون في ما وراء النهر في كتاباتهم عن القرون الأولى للإسلام.
ويعتقد أن تسمية عباسي قد يكون مصدرها سياسياً بحتاً، وظهرت مع قدوم الدعاة العباسيون للمنطقة. ولا يستبعد أن تكون تلك القبيلة جزء من بعض القبائل التي جاءت للمنطقة مع بداية الفتح الإسلامي في القرن الثامن الميلادي إلى آسيا المركزية ومن ضمنها القبائل القرشية.
ويدخل ضمن المجموعة الثانية حسب تصنيف بشكوف ومادامينوفا، مجموعة القبائل التي حصلت على تسمياتها خلال مرحلة الازدهار في القرون الوسطى (القرون 12م -17م)، ومنها قبائل: مير حيدري، واسكندري، وزانغوي (زانغي باي أو زانغوي)، وسعدي خوسا (أو سعد خوسا)، وبهلوي، ولورخابي (أو ليارخوبي)، وغورجي، ونوروزي، وميوي. التي يقسمانها إلى مجموعتين: الأولى لها صلة بالصوفيين الذين انتشروا خلال القرون الوسطى في خراسان، وأفغانستان، وما وراء النهر، وشمال الهند. ويعتبرانها من الملاك الإقطاعيين. ويذكران أن قبيلة زنغي باي جاءت من بابي سينغي، من شمال أفغانستان، ويمكن أن يكون أصلهم من وسط غيريرود في جبال سينغي سيبا، على وسط الطريق بين هيرات وشهري ناو، ورباطي سينغي من باسين بمنطقة كوشك على الطريق من سلسلة جبال باراباميز إلى قرية سينغي سيبا.
أما سعدي خوسا، وتعني "تابعة لسعد"، فيذكر يوسوبوف في مقالته "بكوية كوباديان في نهاية القرن التاسع عشر"، أنها من قبائل السلالة المعروفة المنسوبة لأحد شيوخ جوبر خوجة سعد بن حجة الإسلام (المتوفي عام 1563م)، الشخصية المؤثرة في قصر عبد الله خان. وكان سعد من كبار ملاك الأراضي في خانية بخارى، كان يملك إضافة لتلك الأراضي، أراض في منطقة كاباديان. ومن افتراض أن تلك الأراضي كانت غير تابعة لسعد، توقع أن تكون مجموعة عرب سعدي خوسا قد توقفت عملياً عن الترحال مع نهاية القرن 16م، وتحولت إلى مزارعين عاديين اختلطت بالسكان المحليين، ورافقت مرحلة إنعاش المناطق والأراضي المهجورة التي نهبت وخربت نتيجة لاجتياحها من قبل قبائل الرحل المغولية والتركية، حيث قام شيوخ جوبر وسعد هناك بإنشاء قنوات للري. ويدعم إدعاء شيوخهم نسبهم للنبي (ص) وأحقيتهم بحمل لقب خوجة الذي حمله أمثالهم، بأن قسماً من تلك الأراضي ( بما فيها شمال طاجيكستان) سكنها القرشيين، وسكنتها من بعدهم واحدة من المجموعات العربية، ومن بينهم خوجة غي، التي سميت في الماضي خوجة جوبر أو مازينداران.
أما نسب إسكندري، فهو معقد جداً، لعدم وجود أية شخصية معروفة حملت هذا الاسم في القرون الوسطى يمكنها المطالبة بدور رئيسي بين القبائل العربية. وهذا ينطبق على اسكندر بن أفراسياب، أحد أصحاب الأمير تيمور، الذي حكم لبعض من الوقت غرب مازيندران، وقام بعد ذلك بالعصيان ضد سيده وقتل خلال إحدى المعارك. ولا اسكندر بن هيندوبوكا، أحد القادة العسكريين الذين خدموا ألوغ بيك، ونائبه في سمرقند أثناء غيابه عنها. ولكن من المثير ربط هذه التسمية باسم السلطان اسكندر حفيد الأمير تيمور، لأن هذا من غير المعقول، فالسلطان اسكندر كان حاكماً لفرغانة، وتسلم عام 1403م حكم حمدان، وخلال 1409-1415م تسلم حكم فارس وأصفهان، وقتل عام 1416م. ولم يلعب أي دور في حياة عرب المنطقة لا من قريب ولا من بعيد.
ويرجح البعض نسب أولئك العرب، لواحد من الشيبانيين المشهورين وهو عبد الله بن اسكندر (33/1534-1598م)، الذي تسلم عن جده جاني بيك نتيجة القسمة عام 12/1513م حكم مدينتي كرمين وميانكال، وهي الأماكن التي ظهر فيها فيما بعد العرب الإسكندريين. وقد ولد عبد الله بن اسكندر في قرية أفاريكينت (اليوم برينكينت على الطريق من إشتيهان إلى سمرقند في جمهورية أوزبكستان). وبعد عودة اسكندر خان إلى كيرمان، ظهر عبد الله وللمرة الأولى كحاكم، وصد عنها الهجوم الذي تعرضت له عام 1551م من طشقند، وسمرقند. وبعد عدة إخفاقات وهو يحاول التثبت في بخارى وقارشي وشهرسابز، أقام حكمه عام 55/1556م في كيرمان، وشهرسابز، واستولى عام 1557م على بخارى. وبعد معارك طاحنة أخضع لحكمه بلخ وسمرقند، وطشقند، وفرغانة (1573-1583م). واستولى في الجنوب الشرقي على بدهشان، وفي الغرب على خراسان، وغيليان، وفي الشمال على خوارزم. وبعد فترة قصيرة من وفاته ومقتل ابنه انتقلت السلطة في ما وراء النهر إلى أسرة أخرى.
كما ويتوقع فولين بأن يكون قسم من العرب الذين استوطنوا الشاطئ الأيمن لنهر أموداريا قد حصلوا على التسمية عام 1513م، عند قيام جاني بيك خان وعبيد الله بتمشيط خراسان وبلخ بعد الاستيلاء عليهما، وإخضاع قسم من سكانهما. وهو ما لا يخلوا من الأساس، خاصة وأن تلك الحوادث كانت قد بدأت خلال مرحلة خاصة من المرحلة الثانية من تاريخ عرب آسيا المركزية، بما فيهم عرب قبائل بهلوي وميرحيدري وإسكندري، لأنه مع نهاية تلك المرحلة، وأثناء حكم عبد الله خان قام بتوطين أبناء جنسه، الذين حملوا اسم أبيه إسكندر. وحسب روايات سكان ما وراء النهر فإن عبد الله بن إسكندر كان يشغل مكانة لا تقل عن المكانة التي شغلها الأمير تيمور في تاريخ ما وراء النهر، وكان اسمه كاسم الأمير تيمور مرتبط بالكثير من الأحداث التاريخية التي عاشها العالم الإسلامي. ويفهم ذلك أيضاً من أن اسم إسكندر ظهر أثناء الأحداث التي جرت خلال القرنين الـ 12 و13م، وإبقاء جده من بعده لتلك الأماكن التي عاش عليها أولئك العرب.
ويدخل بعض الباحثين ضمن المجموعة الثانية، التي ترتبط تسمياتها، بتسميات جغرافية: كقبيلة بهلوي، مؤكدين نسبها للقبيلة العربية المشهورة بني بهلي التي سكنت أثناء حياة محمد (ص) في المنطقة الشمالية للمدينة المنورة، ويشكك بروك، وبرتولد بذلك لأنه من المعروف على سبيل المثال، أن العرب بعد غزوهم (حسب تعبير برتولد) لما وراء النهر، أطلقوا على أراضي الصغد تسمية "إيران العليا"، وأثناء الاندماج أصبحت بهلوي، تنطق بوليوي، بوليي وغيرها. وأخذت بالانتشار الواسع في خراسان، وشمال أفغانستان، وآسيا الوسطى. وفي نفس الوقت لا يستبعدان، انتسابها للأصل، رغم تأثرها بالمحيط الأجنبي وأخذها الشكل الإيراني اشتقاقاً من الكلمة الفارسية، الطاجيكية (بالا، بولو "أعلى") التي تعني " عالي، أو خارجي، أو نسبة لعرب الشمال" لتمييزهم عن القبائل العربية للمناطق الواقعة إلى الجنوب من إيران، وحتى المناطق الجنوبية من إيران نفسها، لتصبح ذات مدلول جغرافي.
وتأتي ضمن المجموعة الثانية أيضاً قبيلة غورجي، ولكن البعض يعتبرونها تحريف لغورجاتي، أي من غورجاتا في شمال الهند، ونوروزي نسبة لقرية نوروز آباد على نهر غيريرودي، وميوي أي من مرو. ويتوقعون أن تكون تسمية لارخابي، تحريفاً للاهوريين، أي من مدينة لاهور في شمال الهند، وكذلك الحال بالنسبة لقره باغي، وهي تحريف للقره باغيين، أي من قرية قره باغ الواقعة بين قارشي وياكّاباغ. ويربطون بينها وبين الأحداث التاريخية والسياسية التي جرت خلال القرون الوسطى في المنطقة، وسببها انتقال القبائل العربية من مناطق سكنها السابقة لأماكن جديدة فيها.
أما المجموعة الثالثة وتتضمن قبائل اشتقت أسماؤها من اللغات العربية والفارسية والتركية، كغيردون التي يمكن أن تكون من الأصل الطاجيكي غادوندان أي رحل، وكاتتا بو من الأصل الأوزبكي كاتتا "كبير"، وبو "قدم"، أي القدم الكبيرة، ويمكن أن يكون أصلها عربي وجاءت على صيغة الجمع من كلمة "كتب - كتبوا" إشارة إلى الدور الثقافي الذي كانوا يلعبونه في تعليم أهل المنطقة اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، و"أيوا جا" المعنى العامي لأصل "نعم جاء"، وملاغولي وهي مشتقة من ملا "رجل دين" وغول "أي زهرة".
بينما بقيت أمام الباحثين مجموعة كبيرة من القبائل العربية المختلفة النسب والمصدر، مجهولة بالنسبة لهم، كتسميات بني علي، وجمالي، وبيت يمني. ويتوقعون أن تسمية بيريندي يمكن أن تكون مشتقة من تسمية قرية برادان على الفرات الأوسط في العراق، أو من الاسم المؤنث بورادوخت، وهو اسم بنت خوسروف الثاني، الذي حكم إيران لبعض الوقت في القرن السابع. ولا يستبعدون أن تكون هذه التسمية مرتبطة بالأسطورة التي ترددت في القرن التاسع الميلادي عن نبأ "زواج الحسين بن علي بن أبي طالب وزوجته فاطمة الزهراء (رض)، من ابنة آخر الملوك الساسانيين". وتسمية باخشي باي أو باخشاوي، التي جاءت كما يعتقدون من منصب باخشي، وهو اسم كان يطلق على المنشدين في قصور التيموريين. وتسمية قبيلة سورخانوبوش، التي تترجم بالحرف الواحد إلى اللغة العربية بـ "لابس الأحمر"، التي سكنت سورخانداريا، وقبائل: بونصاري، وميغليادي، وموشكاكي، وسالبور، وشولبوش، وشوني التي لم يتمكن الباحثون ذكر شيء عنها.
ومن المجموعات الكبيرة من العرب، المجموعة التي تحركت من أندهوي في الجنوب إلى أراضي آسيا الوسطى، والتي يمكن أن تكون قبيلة شيبانية، قدمت وفق ماذكرته بوريكينا ن.ن.، وإيزمايلوفا م.م. لزيارة ضريح (مزار) بهاء الدين نقشبندي بالقرب من بخارى واستقرت هناك. وتمت دراستهم في الثلث الأول من القرن العشرين، في قرية جوغاري بمنطقة كيجدوفان بولاية بخارى، واكتشف أنهم قد فقدوا لغتهم العربية. ويذكر فولين س.ل. أن آخر موجة كبيرة من القادمين العرب جاءت في نهاية القرن السابع عشر.
وتتفق المراجع على أن القرن السابع عشر، يمثل المرحلة التي شهدت تغيير الأسر الحاكمة القديمة في آسيا الوسطى، وانهيار التقسيم الإداري والسياسي القديم للمنطقة، الذي بني على أساس التقسيم الجغرافي. ويسجل التاريخ السياسي لتلك المرحلة التاريخية، غياب أي نوع من السلطة المركزية في آسيا المركزية، وكثرة تبدل الأسر الحاكمة فيها، نتيجة للحروب الداخلية والغزوات الخارجية الكثيرة، وخاصة في خراسان، وبلخ، وما وراء النهر. وظهرت في الحركة الكبيرة للعرب الكتتاكورغانيين، والسمرقنديين، والطاجيك، التي كانت وفق ما ذكره برهان الدين خاني كوشكيكي، في كتابه "كاتتاغان وبدهشان" نتيجة للحروب الداخلية في بخارى وبدهشان خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر. ومن المعروف أنه أثناء حكم صوبخان قولي خان (1680-1702)، لبلخ، كانت هناك قبيلة كبيرة من الأوزبك الكاتاغانيين المتذمرين من هذا الخان، وانتقالها من ضواحي سمرقند للسكن في غيسار، وبعد ذلك في قندوز. ومن هناك استولى الكاتاغانيين على غيسار، وقولياب ومقاطعات شمال أفغانستان وشرق خراسان، وهو ما أدى إلى تحديد حركة بعض القبائل، وأدى بالتالي إلى تحرك قسم من عرب أفغانستان إلى مناطق مشتركة بين طاجيكستان وأوزبكستان، بما فيها تلك التي عاشت في السابق في كاتاغاني. وهو ما أكدته روايات عرب قارشي التي أشارت بدقة إلى تلك المرحلة التاريخية.
وقد شهدت تلك المرحلة تنقلات كبيرة للعرب من ما وراء أموداريا ليس أكثر، وبدأ عرب خانية بخارى (إمارة) بالتدريج بشغل مناطق محددة من أراضي الخانية، وتأقلموا ضمن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في الوسط متعدد القوميات لخانية بخارى. وتعتبر المراجع أن سبب استقرار العرب في تلك المناطق، أنهم كانوا من الرحل، وآثروا السكن هناك لتلاؤم الظروف الطبيعية والأحوال الجوية التي تسمح لهم بالتمسك باقتصادهم التقليدي، على الحدود الفاصلة بين الأراضي الزراعية والواحات والبادية. بينما اختاروا في الشتاء العيش في الوديان المعزولة قليلة الثلوج، وخرجوا للبادية في الربيع وإلى الجبال في الصيف. وفي نفس الوقت قربهم الدائم من المراعي والمدن المركزية الكبيرة، مما سهل لهم عملية تبادل المنتجات، والمحافظة على استقرار اقتصادهم الخاص داخل النظام الاقتصادي والاجتماعي في إمارة بخارى. وشغلوا فيها موقعاً معيناً سمح لهم بتحقيق بعض المكاسب السياسية، والحفاظ على حد أدنى معين من التبعية لحكام بخارى، وبسهولة التحرك إلى أطراف الإمارة في حال حدوث أي صدام. وهو ما تؤكده المراجع التاريخية، التي ذكرت أن عرب بخارى شكلوا وحدة إدارية خاصة في العلاقات الاقتصادية، في مناطق ما وراء أموداريا حتى أواسط القرن التاسع عشر، تحت رئاسة ميرخازورامي المنصب الذي ينتقل بالوراثة، وكان شاغل هذا المنصب مسؤولاً أيضاً عن جباية الضرائب والعطاءات. ومع الزيادة الكبيرة في عدد سكان الإمارة، وحضور مجموعات كبيرة العدد من الشمال، شغلت الأراضي المحيطة بأراضيهم التقليدية، أضطر بعضهم إلى ترك الترحال، والانتقال إلى حياة الاستقرار.
ومن تلك الدراسات التي راجعناها نجد أن تاريخ العرب على الشاطئين الأيمن والأيسر لنهر آموداريا في آسيا المركزية قد قسمته المراجع الروسية إلى مراحل نلخصها في:
المرحلة الأولى: التي رافقت وصول العرب الفاتحين إلى آسيا المركزية خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين، واستقرارهم في المنطقة حتى بداية الحملات العسكرية التي قام بها الأمير تيمور في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي. عاش خلالها العرب داخل مناطق جديدة بالنسبة لهم، وقاموا خلالها بإيجاد مكان لهم داخل التركيبة الاقتصادية والسكانية للمجتمع المحلي مستفيدين من العامل الديني الهام والدور السياسي الكبير الذي لعبه الدين الإسلامي في حياة المنطقة. وحافظ خلالها العرب على ترابطهم وأنسابهم ولغتهم وثقافتهم، وكان لهم مركزاً دينياً خاصاً منحهم الكثير من الميزات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية.
المرحلة الثانية: وبدأت مع انطلاق حملات الأمير تيمور ونتج عنها تحطيم التركيبة التقليدية السياسية والاقتصادية السائدة في المنطقة بأسرها، وإلى إعادة توزيع الأدوار السياسية والاقتصادية في المنطقة، التي دفعت نحو تشكيل أرضية جديدة غيرت واقع التسميات التي كانت من طبيعتها. وأحلت مكانها تسميات جديدة، ارتبطت في الكثير من الحالات بالمواقف التي اتخذتها الطبقة العليا في المجتمع، وحددت من خلالها العلاقات القبلية والعشائرية والنفوذ بين جميع القبائل، واستمرت حتى مجيء الغزاة الروس محتلين إلى المنطقة، وشروعهم بتغيير ملامحها السكانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفرض ثقافة غريبة عليها، وما نتج عنه من تشويه وطمس مقصود لتاريخ المنطقة، كان أول المتضررين منه عرب آسيا المركزية الذين تمكنت الإدارة الروسية من القضاء على شخصيتهم اللغوية، والدينية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، تنفيذاً للسياسة الاستعمارية التي رسمتها لنفسها منذ بداية القرن الثامن عشر.
وكان الدور الكبير في طمس معالم التاريخ العريق وتشويهه للاستشراق الروسي الذي بدأ بالتوجه نحو دراسة لغات الشعوب الإسلامية العربية، والفارسية، والتركية، عام 1716 بإيفاد عدد من الطلاب الروس للدراسة في أصفهان عام 1717، رغبة من القيصر الروسي آنذاك بإعداد كوادر روسية خالصة لخدمة المصالح الإمبراطورية الروسية.
وواضح الدور الذي لعبه المستشرقون الروس لتحقيق أهداف الإمبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر، والتي حددها غيورغ ياكوب كير (ولد في شليزينغين عام 1692 وتوفي قي سانت بيتربورغ عام 1740) ماغيستر جامعة لايبزغ، وهو أول مستعرب في أوروبا قرأ الخط الكوفي، وهو الخبير في اللغات السامية والإسلامية، في مشروعه الذي قدمه للحكومة الإمبراطورية الروسية عام 1733. وأوردها برتولد في مقالته "الاستشراق في روسيا في القرن الثامن عشر"، وتتلخص فيما يلي:
"خدمة الإدارة الحكومية الروسية، وتأمين حاجتها من المترجمين في اللغات الشرقية، للترجمة وإدارة المناطق التابعة لروسيا، وللعلاقات مع الدول الشرقية، وخدمة توسع الإمبراطورية الروسية، والاستيلاء على تركيا وآسيا الوسطى، ونشر الدين المسيحي بين المسلمين. ولهذا الغرض دراسة اللغات العربية والتركية والفارسية والسريانية والسومرية والإثيوبية واليونانية والصينية والمنشورية والمغولية وغيرها من اللغات الشرقية". ومن نظرة متعمقة نجد أن الأكثرية المطلقة من مؤسسي مدرسة الاستشراق الروسية كانت من الأوربيين الذين قدموا للاستيطان في روسيا، وهم أولئك الذين ربطوا بين تدريس اللغتين العربية والعبرية، وتاريخ أديان وقوانين وعلوم وفنون وعادات العبرانيين والعرب في جامعة موسكو منذ عام 1811، وهو ما أدى إلى نشأة جيل من المستعربين اليهود الروس الذين التحقوا بالدراسة أصلاً لتعلم اللغة العبرية، وكانت لهم اليد الطولى في توجيه حركة الاستعراب ليس في روسيا وحسب، بل وفي مستعمراتها الإسلامية، من خلال الدراسات التي قاموا بها دون سواهم، والمواقع الحساسة التي شغلوها في معاهد الاستشراق التي أسست في أنحاء مختلفة خلال العهد السوفييتي. واستفادوا من ذلك الوضع في كل الظروف والمناسبات لدعم حلمهم بإقامة دولة إسرائيل، الأمر الذي تطلب أولاً القضاء على آخر خلافة إسلامية في الدولة العثمانية، كما حدث فعلاً في مطلع القرن العشرين، ومن ثم العمل بدأب ومثابرة للقضاء على اللغة العربية أو محاربة أو تشويه تدريسها في كل مكان وجدوا فيه، وهي اللغة التي تعتبر من مقومات الحفاظ على نقاء الدين الإسلامي. ولم يألوا جهداً في الإساءة للعرب وتدنيس تاريخهم في كل المناسبات. وسخرية القدر أن ذلك كله يتم تحت أبصار البشرية جمعاء تحت شعار الدفاع عن السامية، وكأن العرب لا يمتون بصلة للسامية خاصة وأنه من المعروف أن العرب والعبرانيين أبناء عمومة وينحدرون من أصل سامي واحد.
ولعل ذلك هو من أسباب الحملة الشعواء التي تعرض لها عرب آسيا المركزية، دون سواهم الذين تعرضوا لحملات طمس للشخصية الثقافية التي ميزتهم داخل المجتمع في تركستان الروسية منذ الأيام الأولى للاحتلال، وزادت حدتها خلال الفترة الممتدة مابين الثلاثينات والستينات من القرن العشرين. وهي الفترة التي شهدت تركيزاً على دراسة ونشر أبحاث عن لغة عرب آسيا الوسطى السوفييتية قام بها تسيريتلي، وفينيكوف وغيرهما. تمهيداً لشطبهم نهائياً من بين الأقليات العرقية في الاتحاد السوفييتي السابق، وهم وكما تعترف الموسوعة السوفييتية الكبيرة، أنهم: "من الشعوب التي تعيش في آسيا الوسطى، ضمن مجموعات صغيرة، وخاصة في محافظتي بخارى، وسمرقند في أوزبكستان السوفييتية، بين السكان المحليين الأوزبك، والطاجيك، والتركمان، منصهرين بالتدريج فيهم !؟ (بالحرف الواحد كما ورد في النص، وفيه إشارة واضحة للهدف الموضوع)، وعددهم حوالي 8000 شخص، وفق إحصائيات عام 1959. ويتحدث أكثر من 34% منهم بلهجات اللغة العربية، واللغات الأوزبكية والطاجيكية والتركمانية. وتشير الدراسات إلى أنهم من أحفاد العرب القادمين من بلاد الرافدين، وشبه جزيرة العرب، وجاؤا آسيا الوسطى خلال فترات مختلفة من شمال أفغانستان، ومنها انتقلوا إلى الضفة اليمنى لنهر أموداريا. وثقافتهم وحياتهم شبيهة بثقافة وحياة الأوزبك والطاجيك، ولو أنهم احتفظوا ببعض ملامح ثقافتهم القديمة، ويدينون بالدين الإسلامي، المذهب السني". ونلاحظ أن العرب اختفوا وبالفعل تماماً من الإحصائيات السكانية التي جرت في الاتحاد السوفييتي السابق بعد ذلك التاريخ، فماذا حل بهم؟ ولماذا هذا الانقراض السريع؟
والجواب نجده في السياسة السوفييتية المعلنة آنذاك، والتي تقول (بالحرف الواحد) في واحدة من الموسوعات السوفييتية: أنه "في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، هيئت كل الظروف لتطور كل الشعوب والقوميات. وفي المجتمع الاشتراكي "القومية" و"اللغة الأم" يعتبران مفهومان مستقلان، لهذا في برنامج تعداد السكان لعام 1920 اعتبرت اللغة الأم هي اللغة التي يتحدث بها أفراد الأسرة، وفي الأسر المختلطة اعتبرت لغة الوالدة اللغة الأم للأسرة. وفي إحصاء عام 1926، اعتبرت اللغة الأم هي اللغة التي يتحدث بها الشخص المعني بطلاقة (الغريب أن هذا المبدأ طبق على عرب الاتحاد السوفييتي فقط، ولم يتعرض لسواهم من الأقليات التي فقدت لغاتها الأصلية)، وفي إحصائيات عامي 1939 و1959، اعتبرت اللغة الأم هي اللغة التي يفضلها الشخص ذاته. وهو الأسلوب الذي أتبع في إحصاء السكان خلال عامي 1970، و1979. وفي نفس الوقت أخذت اللغة الثانية التي يتحدث بها الشخص بطلاقة بعين الاعتبار".
وخلال أعوام 1970-1979 تضاعف عدد الأوزبك الذي يتكلمون الروسية بطلاقة 5,5 مرات، ووصلت نسبتهم في عام 1979 إلى 52,9% من عدد الأوزبك، بينما كانت 13,1% عام 1970. وبلغ عدد أبناء القوميات الأخرى الذين يقطنون أوزبكستان عام 1979، ويعتبرون اللغة الأوزبكية اللغة الأم لديهم 133680 نسمة، بينما كان عددهم 72618 نسمة في عام 1970". ونعتقد أن العرب قد واجهوا الضغوط التي وجهت ضدهم طيلة فترة الاحتلال باختيار اللغة الأوزبكية والحياة في كنف إخوتهم الأوزبك في أوزبكستان، والطاجيكية في طاجيكستان، وهكذا في بقية جمهوريات آسيا المركزية، هرباً من سياسة الاضطهاد الروسي والسوفييتي. وهو الخيار الصائب الذي اختاروه.
وأعتقد أننا لا نحتاج هنا إلى تعليق، بل إلى إضافة أن السلطات السوفييتية استبدلت الحرف العربي بالحرف اللاتيني في الكتابة بآسيا الوسطى في 1 كانون أول/ديسمبر 1928، واستبدلته بالحرف الروسي في 9 كانون ثاني/يناير 1940، قاطعة بذلك الصلة بين شعوب المنطقة وثقافتهم وتاريخهم المكتوب. وأرفقتها بمضاعفة حملتها الشعواء ضد الأديان، وإغلاق المساجد والكنائس، ومحاربة رجال الدين، وهو ما يمكن تصوره من الحالة المرثية التي وصل إليها الناطقين بالضاد خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ آسيا المركزية، الذين تعتبر لغتهم من مسببات استمرار زخم الدين الإسلامي الحنيف في المنطقة كما اعتقد السوفييت، حيث فقدت الأقلية العربية بذلك ليس ثقافتها ولغتها وحسب، بل وفقدت شخصيتها الذاتية داخل المجتمع المحلي التي هي جزء لا يتجزأ منه أصلاً، وبقي الدين الإسلامي في قلوب شعوب المنطقة رغماً عن أنف المستعمر، الدين الذي يلقى رعاية الدولة رغم فصل الدين عن الدولة في دستورها. وخير مثال على ذلك افتتاح الجامعة الحكومية الإسلامية بطشقند رسمياً في احتفال خاص جرى تحت رعاية رئيس الجمهورية إسلام كريموف، وإلقاء أبو بكر عباس رفيع سفير المملكة العربية السعودية، والدكتور ممدوح شوقي سفير جمهورية مصر العربية في أوزبكستان كلمة في المناسبة التي جرت في مطلع أيلول/سبتمبر 1999. إضافة إلى إنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي والتوسع في تدريس اللغة العربية والدين الإسلامي في المؤسسات التعليمية الحكومية على جميع المستويات قبل ذلك، وإصدار أول مصحف شريف باللغة العربية مع تفسير معانيه إلى اللغة الأوزبكية في طشقند عام 2001. وإعلان المنظمة العالمية الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة طشقند عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007.
ونعتقد أن ما يحتاجه أبناء عمومة العرب اليوم هو الاستثمارات الإنتاجية الكبيرة التي تؤمن فرص العمل المنتج وتفتح الأسواق العربية بأفضلية أمام منتجات المنطقة من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية الحالية وتدعيم اقتصاد دول المنطقة وخاصة أوزبكستان.
طشقند في 15/4/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق