حرية الأديان في التجربة الأوزبكستانية
بقلم: محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC، الاختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب، اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
يعتبر الدستور الدائم لجمهورية أوزبكستان الذي أقره البرلمان الأوزبكي في 8/12/1992،[1] الشعب الأوزبكي المصدر الوحيد للسلطات في الدولة، وأن الشعب الأوزبكي يتألف من جميع مواطني جمهورية أوزبكستان بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الديني أو العرقي. ويشير إلى عرض القضايا الهامة والحيوية التي تهم المجتمع والدولة على الاستفتاء العام. وإلى أن المجلس الأعلى (البرلمان)، ورئيس الجمهورية، المنتخبين مباشرة من قبل الشعب هم الممثلين الشرعيين للشعب الأوزبكي، وإلى أنه لا يحق لأي غيرهم مهما كان حزباً سياسياً، أو اتحادا أو حركة شعبية، أو أية شخصية اجتماعية التحدث نيابة عن الشعب الأوزبكي.
وقسم الدستور السلطات في أوزبكستان إلى سلطات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، وسمح بالتعددية السياسية والفكرية، ونص على أن تلتزم الدولة بالمبادئ الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان، وبالعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وعدم جواز التزامها بأي إيديولوجية.
ونص الدستور على عدم جواز تعارض القوانين مع الدستور، وعلى مساواة جميع المواطنين أمام القانون، والالتزام بمبدأ حق المواطنين في الانضمام للنقابات والأحزاب والحركات السياسية، وحماية حرية المعارضة والأقليات، ومنع إقامة تنظيمات سرية. وحمل الدستور الحكومة مسؤولية ضمان الحقوق والحريات التي ينص عليها، وفصل المنظمات الدينية عن الدولة، ولم يسمح للمنظمات الدينية بالتدخل في شؤون الدولة.[2]
وضمنت القوانين حق الجميع بالترشيح للمجلس الأعلى الأوزبكي (البرلمان) عدا الذين سبق وصدرت بحقهم أحكاماً قضائية، أو الذين تجري محاكمتهم، ولم تسمح للعاملين في المنظمات الدينية بالترشيح للمجلس الأعلى الأوزبكي، في محاولة لتجنب إقحام المنظمات الدينية في الصراعات الحزبية والسياسية، خاصة وأن عدد المنظمات الدينية المسجلة في الجمهورية بلغ 1671 منظمة.[3]
ومع فجر الاستقلال ظهرت في جمهوريات وسط آسيا حركات دينية متطرفة هدفها الصدام مع النظم السياسية الدستورية ومحاولة تغيير تلك النظم باستخدام القوة المسلحة والعنف بخلاف الأساليب الديمقراطية السلمية لبلوغ الأهداف. ومن بينها كانت بعض التيارات المدعومة من قوى متواجدة على الساحة الأفغانية آنذاك، وضمت عناصر عربية عرفت باسم "الأفغان العرب"، مما وفر الظروف الملائمة لبعض الجهات لاستخدام وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية لنقل أخبار تتحدث عما أسمته دوراً وهابياً سعودياً في تلك الأحداث نقلاً عن وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري العالمية الناطقة باللغة الروسية بسبب انعدام مصادر الأنباء التي تتحدث عن وجهة النظر العربية عما يجري في المنطقة باللغة الروسية التي تعتبر المصدر الرئيسي للأنباء على الساحة الإعلامية في 15 دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ومن بينها أوزبكستان.
مما ساعد على تركيز الفهم الخاطئ للإسلام من قبل العاملين في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية والبعد عن فهم المرامي الحقيقية التي تسعى إليها تلك القوى التي تقف وراء تلك المصادر الإعلامية العالمية الناطقة باللغة الروسية، وهو ما شكل تهديداً مباشراً للمصالح المشتركة لدول وسط آسيا ومن بينها أوزبكستان والدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وأخذ ذلك التهديد بالتبلور أكثر خلال الفترة اللاحقة.
وكان من مصلحة العرب الحقيقية توضيح الوجه الحقيقي للإسلام أمام شعوب وسط آسيا، عن طريق نشر الثقافة الإسلامية بوجهها المتسامح والمعتدل باللغة الروسية والتركيز على العلاقات والروابط الثقافية العربية مع دول وسط آسيا وخاصة أوزبكستان لمسايرة التركيز الإعلامي الخارجي على تلك الدول باللغة الروسية من قبل الأطراف المعنية في معادلة التبادل الإعلامي الدولي.
خاصة بعد أن حظي برنامج الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف لإعادة بناء الهوية القومية الأوزبكية على عتبة الاستقلال بدعم مختلف القوى على الساحة الأوزبكية، ومن أبرزها كان تأييد سماحة مفتي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية آنذاك محمد يوسف (قبل انشقاق الإدارة الدينية لمسلمي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية التي كان مركزها طشقند إلى خمسة إدارات دينية بسبب أخطاء نسبت للمسؤولين في الإدارة الدينية آنذاك).
ودعا إسلام كريموف في برنامجه إلى ضرورة محاربة مظاهر العنف والتطرف الديني، والسماح لكافة مظاهر الدين الإسلامي السمحة بالتعبير عن نفسها بحرية، بعد سنوات طويلة من القمع والتشويه تحت تأثير آلة الدعاية الإلحادية السوفييتية.
واختار إسلام كريموف الخط العلماني في التجربة العلمانية الأوزبكستانية، الذي تمثل في التجربة العلمانية الأوزبكية بالتعايش السلمي بين الدين والدولة، حيث تصون الدولة الدين وتمنحه حرية الدعوة وممارسة العقائد الدينية، ليوفر رجال الدين للدولة فرصة العمل على تصريف شؤون البلاد في ظل من الوئام الوطني والاستقرار، فلا أحد يفرض رأيه على أحد، من خلال التقيد بدستور البلاد وقوانينها الصادرة بالطرق الديمقراطية والملزمة للجميع. [4]
وأشار تقرير مكتب undpالتابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي صدر في طشقند عام 2000 عن التطور الإنساني في أوزبكستان، وعن التسامح الديني في جمهورية أوزبكستان، وأورد أرقاماً عن عدد المنظمات الدينية المسجلة والعاملة في الجمهورية والبالغة 1671 منها 1555 إسلامية، و8 بهائية، و8 يهودية والبقية مراكز مسيحية منها 26 للكنيسة الروسية الأرثوذكسية، و44 للكنيسة البروتستانتية، ومراكز أخرى لغيرها من المنظمات الدينية.
وأشار التقرير إلى أن 10 مؤسسات تعليمية إسلامية منها 8 تأسست بعد الاستقلال، يدرس فيها 994 طالباً ويعمل فيها 169 مدرساً منهم 78 يحملون مؤهلات التعليم العالي، ومؤسسة تعليمية مسيحية واحدة تأسست عام 1998، تتبع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية ويدرس فيها 13 طالباً، ويعمل فيها 13 مدرساً يحملون جميعاً مؤهلات التعليم العالي.
وعن أهمية الدين الإسلامي في الجمهورية تحدث التقرير نفسه فأشار للمقدسات الإسلامية التي تحظى بالرعاية في أوزبكستان والبالغ عددها 160 موقعاً، وإلى أكثر من 2000 مسجد موزعة في أنحاء مختلفة من الجمهورية، وإلى تمكن آلاف المسلمين خلال سنوات الاستقلال فقط من أداء فريضة الحج ومناسك العمرة في الديار المقدسة الإسلامية.[5]
وأشارت بعض المصادر إلى تسهيل انتقال أتباع الديانات والمذاهب الأخرى لزيارة الديار المقدسة لديهم، وقيام الدولة بإعادة أملاك الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية وعدم إعاقة إنشاء دور العبادة لأتباع جميع الأديان والمذاهب البالغ عددها 18 ديانة ومذهب ديني والمسجلة وفقاً للقوانين النافذة في أوزبكستان.[6]
وفي نفس الوقت تابعت الحكومة الأوزبكية جهودها لمواجهة تيارات التطرف الديني، التي بدأت خلال الفترة التي سبقت الاستقلال (وهي التي عرفت بمرحلة البريسترويكا قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق)، باستخدام القوة المشروعة ضد تلك التيارات المتطرفة، واستخدام أساليب أخرى كالاحتواء عن طريق طرح بدائل معتدلة سمحت لمؤسسات الدولة أن تكون أكثر جاذبية للشباب والأوساط الاجتماعية المختلفة، وقاية وحماية لها من السقوط فريسة سهلة في أيدي قوى التطرف الديني.
في نفس الوقت الذي كانت فيه السلطات الحكومية تواجه أخطار تسرب النشاطات المخالفة للدستور والقوانين النافذة عن طريق البعثات التبشيرية الأجنبية وخاصة الغربية إلى أوزبكستان، والتي انتشرت أثناء الفترة التي رافقت انهيار الإتحاد السوفييتي السابق وأخذت بتنصير الشباب وخاصة الطلبة الجامعيين من أتباع الديانات الأخرى خلال تسعينات القرن الماضي ومن بينها كان مبشري المذهب المسيحي البروتستانتي الأمريكي، ومنظمة مون المسيحية البروتستانتية الكورية التي لاقت نجاحات كبيرة في أوساط الجالية المنحدرة من الأصول الكورية في أوزبكستان، والكنيسة الكاثوليكية التي أدخلت إلى أوزبكستان أكثر من 25 ألف نسخة من الإنجيل المقدس مترجماً إلى اللغة الأوزبكية رغم عدم تواجد مسيحيين من بين الناطقين باللغة الأوزبكية آنذاك والتركيز على توزيعها بين المرضى في المستشفيات والعاملين والدارسين في مؤسسات التعليم المدرسي والمتوسط والعالي. مما أثار حفيظة الكنيسة الأرثوذوكسية وسخط الأوساط الاجتماعية الإسلامية من البعثات التبشيرية وتحول الوضع تدريجياً إلى أرضية يمكن أن تدفع لصدامات بين تلك القوى الدينية.
ومن الإجراءات الفعالة التي قامت بها الحكومة الأوزبكية لمواجهة الوضع المتأزم كان تأسيس المركز الدولي للدراسات الإسلامية بطشقند في ربيع عام 1994، للتأكيد على اعترافها بالدور الهام الذي يلعبه الدين الإسلامي في الحياة الاجتماعية والعلمية. وليكون مركزاً للإشعاع تطل منه الدراسات الإسلامية التي تتحدث عن الماضي العريق للشعب الأوزبكي، وفي نفس الوقت ليقوم علماء الدين الإسلامي أنفسهم بتعرية التطرف الديني وتوضيح أخطاره السلبية على الدين والمجتمع.
وفي خريف عام 1999 افتتحت الجامعة الإسلامية الحكومية بطشقند لتكون منبراً للتعليم الديني الإسلامي للشباب الأوزبكي بعيداً عن التطرف والتعصب الأعمى والتزمت الديني الذي لا يفيد سوى أعداء الدين الإسلامي الحنيف. وليأخذ الإسلام مكانته الرفيعة ويكون الأسوة الحسنة داخل المجتمع الأوزبكي متعدد الأديان والمذاهب الدينية. وتم إنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي الذي تبرع له سمو أمير دولة الكويت بمبلغ 500 ألف دولار أمريكي، وتبعه افتتاح مكتب لهيئة الإغاثة العالمية الكويتية في طشقند.
وأصدرت الجامعة الإسلامية في طشقند عام 2001، المصحف الشريف باللغة العربية، مع شرح لمعانيه الكريمة باللغة الأوزبكية، قام بترجمتها جملة من رجال الدين والمستعربين الأوزبك المعروفين في الأوساط الدينية والاجتماعية، من بينهم سماحة المفتي السابق عبد الرشيد قاري بهراموف، والشيخ عبد العزيز منصور مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية سابقاً ونائب سماحة المفتي حالياً، والبروفيسور حميد الله كرماتوف رئيس الجامعة الإسلامية بطشقند سابقاً ورئيس جامعة العلاقات الدولية والاقتصادية حالياً، والدكتور زهر الدين حسن الدينوف المستشار السابق لرئيس الجمهورية، والبروفيسور نعمة الله إبراهيموف رئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية سابقاً وعضو أكاديمية العلوم الأوزبكية ومجمعي اللغة العربية قي مصر والأردن، والدكتور الشيخ رحمة الله قاري عبيدوف، والبروفيسور زاهد جان إسلاموف مدير المركز الدولي للدراسات الإسلامية بطشقند، والبروفيسور نجم الدين كاميلوف رئيس اللجنة المركزية للانتخابات بجمهورية أوزبكستان سابقاً ورئيس قسم بأكاديمية بناء الدولة والمجتمع التابعة لرئيس الجمهورية حالياً، والمرحوم البروفيسور باطر بيك حسانوف تأكيداً واضحاً على السياسة الحكومية التي تتبعها أوزبكستان لحماية أصول الدين الحنيف من التشويه، والعمل على نشر الرسالة الإسلامية بوجهها الصحيح. وفي عام 2006 تم إصدار أول قرآن كريم بطريقة "أحرف برايل" للمكفوفين.[7]
ومن هذا المنطلق أخذت السلطات في أوزبكستان منذ استقلالها تركز على الدور التاريخي الذي لعبته شخصيات تاريخية بارزة وكان لها دوراً هاماً في تاريخ الإنسانية كالإمام محمد إسماعيل البخاري، والإمام الترمذي، والعلامة بهاء الدين نقشبندي، والعلامة أحمد يسوي، والمعلم الطبيب حسين ابن سينا، والأمير تيمور وحفيده ألوغ بيك… وغيرهم من الشخصيات البارزة، لبناء شخصية الإنسان الأوزبكستاني المعاصر. ولم تقف تلك الجهود عند الخدمات الجليلة التي قدمها أولئك العظام لأمتهم فقط، بل تعدتها لإحياء التقاليد النبيلة في التراث التاريخي الإسلامي، ليقوم على أساسها النموذج الأوزبكستاني الخاص المبني على التسامح ورفض مبدأ "استيراد الإسلام" من الخارج، والتأكيد على ما للدين الإسلامي الحنيف من قيم في بناء الشخصية الأوزبكية، والحفاظ عليها بعد موجات طويلة من التدخل الأجنبي في مصير الشعب الأوزبكي.
كما وسمحت السلطات الحكومية بإقامة ندوات دولية عن الدين بمشاركة منظمات دولية عديدة كانت المنظمات الألمانية الأكثر مساهمة في تنظيمها مثال: صندوق فريدريخ إيبيرت. ونظمت الأجهزة الحكومية الأوزبكية احتفالات في العديد من المناسبات على خلفية إسلامية.
وهكذا وازنت القيادة الأوزبكستانية بين التصدي لقوى التطرف الديني، والدفاع عن المكانة الهامة للدين الإسلامي في عملية إحياء الروح الوطنية اللازمة لنجاح عملية بناء الدولة المستقلة. وكانت الترجمة العملية بهذا الاتجاه، إعادة عيدي الفطر السعيد، والأضحى المبارك للشعب الأوزبكي، واعتبارهما أيام عطلة رسمية في أول قانون عمل صدر في عهد الرئيس كريموف بعد الاستقلال.
وعملت الدولة على تأكيد مبادئ الديمقراطية، واحترام تطلعات كل الجماعات والشرائح الاجتماعية، وحقوق الأقليات القومية، واحترام عادات وتقاليد، وأديان، ولغات كل الأقليات القومية التي تعيش على أراضي أوزبكستان، وبناء الدولة القومية على أساس الفصل بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والقضاء نهائياً على احتكار الأيديولوجية الواحدة للسلطة والمجتمع كما كان في العهد السوفييتي الشمولي، والاعتراف بتعدد المؤسسات السياسية، بما فيها التعدد الحزبي، ومنع الأحزاب والحركات التي تدعو أهدافها إلى تغيير نظام السلطة بالقوة، أو تهديد سيادة الدولة، ووحدة أراضيها، أو تهديد أمنها عن طريق إثارة النعرات الدينية والطائفية والعرقية، أو التي تتطاول على الأسس الدستورية التي يقوم عليها المجتمع. وبفضل هذه السياسة يعيش أتباع 18 ديانة ومذهب ديني في أوزبكستان اليوم بظروف يسودها التسامح والسلام والتفاهم.[8]
ومع تجاهل وسائل الإعلام والاتصال العربية لأهمية تشغيل خدمة إعلامية باللغة الروسية التي يجيدها معظم الصحفيين ويلم بها الجزء المتبقي على ساحة الاتحاد السوفييتي السابق، ودول شرق أوروبا، والدول ذات التوجه الاشتراكي الأخرى، وحتى قسم كبير من سكان إسرائيل الذين هاجروا إليها من الاتحاد السوفييتي السابق، في الوقت الذي أحسنت فيه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري الغربية المعادية للإسلام والمسلمين والعرب في دخول تلك الساحة الإعلامية عن طريق مئات الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون الناطقة باللغة الروسية وخاصة منها التي تبث من الأراضي الروسية كشركات إعلامية مشتركة تمولها شخصيات يهودية من روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والنمسا، وسويسرا وغيرها من الدول.
ومن أواسط عام 2004 قام المكتب الإعلامي بسفارة المملكة لدى أوزبكستان بمحاولة لتفادي النقص الحاصل ومواجهة الأوضاع السائدة على الساحة الإعلامية في أوزبكستان واستفاد من خبرات أحد المتخصصين العرب في الشؤون الإعلامية مقيم في أوزبكستان وقامت بتوزيع مواد إعلامية مختارة مترجمة إلى اللغة الروسية سرعان ما وجدت قبولاً لدى بعض وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية وأخذت تنشرها مع الإشارة في بعض الأحيان ودون الإشارة في أحيان أخرى للمصدر.
ومن متابعة لما نشرته وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية بعد ذلك لوحظ أن تلك الجهود أتت بنتائج جيدة بعد أن توقفت تلك الوسائل تقريباً عن نشر المواد التي تخص أخبار المملكة نقلاً عن المصادر الغربية الناطقة باللغة الروسية التي كانت تعتمد عليها سابقاً، وهو ما يؤكد التوجهات الحكومية الأوزبكية الرسمية حيال المملكة، ويبرز ضرورة دعم عمل المكاتب الإعلامية في سفارات المملكة في أوزبكستان ودول الاتحاد السوفييتي السابق ذات الأكثرية المسلمة، وإنشاء خدمة دائمة لوكالة الأنباء السعودية باللغة الروسية لتكون مصدراً موثوقاً لسد النقص الإعلامي الحاصل حتى الآن عن المملكة ومواجهة الخط المعادي للإسلام والمسلمين والعرب الذي تلتزم به معظم المصادر الإعلامية الأجنبية المعروفة بتوجهاتها وتكتيكاتها التي تستخدمها على الساحة الإعلامية في دول الإتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي السابقين.
طشقند في 19/12/2007
للمزيد أنظر:
1. إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم. ترجمة: د. محمد البخاري. جدة: دار السروات، 1999.
2. إهداء القرآن الكريم المطبوع في أوزبكستان بأحرف برايل للمكتبة البريطانية. طشقند: وكالتي أنباء "أوزا"، و"جهان". 16/12/2006. (باللغة الروسية)
3. بيان وزارة الخارجية الأوزبكية. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 24/11/2006. (باللغة الروسية)
4. تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999. المستشار العلمي: أ.د. غالينا سعيدوفا، ومجموعة مؤلفين. طشقند: دار نشر أوزبكستان، 2000. (باللغات الأوزبكية والروسية والإنكليزية)
5. دستور جمهورية أوزبكستان. طشقند: دار "أوزبكستان" للنشر، 1998. (باللغة الروسية)
6. كلمة فخامة الرئيس إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان بمناسبة مرور 13 عاماً على صدور دستور جمهورية أوزبكستان. طشقند: وكالة أنباء جهان، 2005.
7. د. محمد البخاري: المصالح المشتركة في العلاقات العربية الأوزبكستانية. دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني، 11/8/2006. http://www.dardolphin.org/
8. د. محمد البخاري: رواد النهضة الحديثة في أوزبكستان. الكويت: جريدة الفنون، العدد 51/2005 آذار/مارس.
9. د. محمد البخاري: الجوانب الثقافية في التبادل الإعلامي الدولي وفاعليتها. في كتاب مواد ندوة ومسابقة آفاق تطور العلاقات الثنائية الكويتية الأوزبكستانية في القرن الحادي والعشرين. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2004. (باللغة الروسية)
10. د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 18، 1424هـ، 2003م.
11. د. محمد البخاري: المعلوماتية والعلاقات الدولية في عصر العولمة. الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 320 صفر 1424 هـ/أبريل 2003.
12. د. محمد البخاري: إحياء تراث أوزبكستان بين الأمس واليوم. الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 318/2003 ذو الحجة/فبراير.
13. د. محمد البخاري: التجربة الديمقراطية في أوزبكستان في ضوء الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد السادس عشر، 1422 هـ، 2002م.
14. د. محمد البخاري: آفاق التعاون العربي الأوزبكستاني. الرياض: مجلة "تجارة الرياض"، العدد 482/2002 نوفمبر/تشرين الثاني.
15. د. محمد البخاري: الصراعات الدولية والصحافة الدولية. في كتاب مؤتمر الكفاح ضد الإرهاب الدولي، والتطرف والحركات الانفصالية في العالم المعاصر. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2002. (باللغة الروسية)
16. د. محمد البخاري: عرب آسيا المركزية: آثار وملامح. دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 460/2002 كانون الثاني/يناير.
17. د. محمد البخاري: واقع إستراتيجية السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان. أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، 7 يناير 2002.
18. د. محمد البخاري، د. سرفار جان غفوروف: المملكة العربية السعودية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
19. د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة دبلوماسية. طشقند: مجلة فوستوكافيدينيه، العدد 2/2001. (باللغة الروسية)
20. د. محمد البخاري: وظيفة التبادل الإعلامي الدولي. طشقند: مجلة مياك فاستوكا، العدد 1-2/2001. (باللغة الروسية)
21. د. محمد البخاري: المخطوطات العربية في جمهورية أوزبكستان. دمشق: مجلة المعرفة، العدد 457/تشرين أول/أكتوبر 2001.
22. د. محمد البخاري: الحرب الإعلامية والأمن الإعلامي الوطني. أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الثلاثاء 23 يناير 2001.
23. د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. دمشق: مجلة "معلومات دولية" العدد 65/ صيف 2000.
24. د. محمد البخاري: عرب آسيا المركزية: آثار وملامح. دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 445/2000 تشرين أول/أكتوبر.
25. د. محمد البخاري: أوزبكستان والشراكة والتعاون الإستراتيجي والأمن في أوروبا وآسيا الوسطى. القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 138/1999 أكتوبر/تشرين أول.
هوامش:
[1] دستور جمهورية أوزبكستان. طشقند: دار "أوزبكستان" للنشر، 1998. (باللغة الروسية)
[2] نفس المصدر السابق المواد 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 16، 18، 34، 43، 56، 57، 58، 61، 76، 97، 116.
[3] تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999. المستشار العلمي: أ.د. غالينا سعيدوفا، ومجموعة مؤلفين. طشقند: دار نشر أوزبكستان، 2000. ص65. (باللغات الأوزبكية والروسية والإنكليزية)
[4] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: المصالح المشتركة في العلاقات العربية الأوزبكستانية.
[5] تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999. المستشار العلمي: أ.د. غالينا سعيدوفا، ومجموعة مؤلفين. طشقند: دار نشر أوزبكستان، 2000. ص65. (باللغات الأوزبكية والروسية والإنكليزية).
[6] بيان وزارة الخارجية الأوزبكية. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 24/11/2006.
[7] إهداء القرآن الكريم المطبوع في أوزبكستان بأحرف برايل للمكتبة البريطانية. طشقند: وكالتي أنباء "UZA"، و"JAHON". 16/12/2006.
[8] بيان وزارة الخارجية الأوزبكية. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 24/11/2006.
بقلم: محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC، الاختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب، اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
يعتبر الدستور الدائم لجمهورية أوزبكستان الذي أقره البرلمان الأوزبكي في 8/12/1992،[1] الشعب الأوزبكي المصدر الوحيد للسلطات في الدولة، وأن الشعب الأوزبكي يتألف من جميع مواطني جمهورية أوزبكستان بغض النظر عن انتمائهم القومي أو الديني أو العرقي. ويشير إلى عرض القضايا الهامة والحيوية التي تهم المجتمع والدولة على الاستفتاء العام. وإلى أن المجلس الأعلى (البرلمان)، ورئيس الجمهورية، المنتخبين مباشرة من قبل الشعب هم الممثلين الشرعيين للشعب الأوزبكي، وإلى أنه لا يحق لأي غيرهم مهما كان حزباً سياسياً، أو اتحادا أو حركة شعبية، أو أية شخصية اجتماعية التحدث نيابة عن الشعب الأوزبكي.
وقسم الدستور السلطات في أوزبكستان إلى سلطات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية، وسمح بالتعددية السياسية والفكرية، ونص على أن تلتزم الدولة بالمبادئ الديمقراطية والإنسانية وحقوق الإنسان، وبالعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وعدم جواز التزامها بأي إيديولوجية.
ونص الدستور على عدم جواز تعارض القوانين مع الدستور، وعلى مساواة جميع المواطنين أمام القانون، والالتزام بمبدأ حق المواطنين في الانضمام للنقابات والأحزاب والحركات السياسية، وحماية حرية المعارضة والأقليات، ومنع إقامة تنظيمات سرية. وحمل الدستور الحكومة مسؤولية ضمان الحقوق والحريات التي ينص عليها، وفصل المنظمات الدينية عن الدولة، ولم يسمح للمنظمات الدينية بالتدخل في شؤون الدولة.[2]
وضمنت القوانين حق الجميع بالترشيح للمجلس الأعلى الأوزبكي (البرلمان) عدا الذين سبق وصدرت بحقهم أحكاماً قضائية، أو الذين تجري محاكمتهم، ولم تسمح للعاملين في المنظمات الدينية بالترشيح للمجلس الأعلى الأوزبكي، في محاولة لتجنب إقحام المنظمات الدينية في الصراعات الحزبية والسياسية، خاصة وأن عدد المنظمات الدينية المسجلة في الجمهورية بلغ 1671 منظمة.[3]
ومع فجر الاستقلال ظهرت في جمهوريات وسط آسيا حركات دينية متطرفة هدفها الصدام مع النظم السياسية الدستورية ومحاولة تغيير تلك النظم باستخدام القوة المسلحة والعنف بخلاف الأساليب الديمقراطية السلمية لبلوغ الأهداف. ومن بينها كانت بعض التيارات المدعومة من قوى متواجدة على الساحة الأفغانية آنذاك، وضمت عناصر عربية عرفت باسم "الأفغان العرب"، مما وفر الظروف الملائمة لبعض الجهات لاستخدام وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية لنقل أخبار تتحدث عما أسمته دوراً وهابياً سعودياً في تلك الأحداث نقلاً عن وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري العالمية الناطقة باللغة الروسية بسبب انعدام مصادر الأنباء التي تتحدث عن وجهة النظر العربية عما يجري في المنطقة باللغة الروسية التي تعتبر المصدر الرئيسي للأنباء على الساحة الإعلامية في 15 دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ومن بينها أوزبكستان.
مما ساعد على تركيز الفهم الخاطئ للإسلام من قبل العاملين في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية والبعد عن فهم المرامي الحقيقية التي تسعى إليها تلك القوى التي تقف وراء تلك المصادر الإعلامية العالمية الناطقة باللغة الروسية، وهو ما شكل تهديداً مباشراً للمصالح المشتركة لدول وسط آسيا ومن بينها أوزبكستان والدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وأخذ ذلك التهديد بالتبلور أكثر خلال الفترة اللاحقة.
وكان من مصلحة العرب الحقيقية توضيح الوجه الحقيقي للإسلام أمام شعوب وسط آسيا، عن طريق نشر الثقافة الإسلامية بوجهها المتسامح والمعتدل باللغة الروسية والتركيز على العلاقات والروابط الثقافية العربية مع دول وسط آسيا وخاصة أوزبكستان لمسايرة التركيز الإعلامي الخارجي على تلك الدول باللغة الروسية من قبل الأطراف المعنية في معادلة التبادل الإعلامي الدولي.
خاصة بعد أن حظي برنامج الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف لإعادة بناء الهوية القومية الأوزبكية على عتبة الاستقلال بدعم مختلف القوى على الساحة الأوزبكية، ومن أبرزها كان تأييد سماحة مفتي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية آنذاك محمد يوسف (قبل انشقاق الإدارة الدينية لمسلمي آسيا الوسطى وقازاقستان السوفييتية التي كان مركزها طشقند إلى خمسة إدارات دينية بسبب أخطاء نسبت للمسؤولين في الإدارة الدينية آنذاك).
ودعا إسلام كريموف في برنامجه إلى ضرورة محاربة مظاهر العنف والتطرف الديني، والسماح لكافة مظاهر الدين الإسلامي السمحة بالتعبير عن نفسها بحرية، بعد سنوات طويلة من القمع والتشويه تحت تأثير آلة الدعاية الإلحادية السوفييتية.
واختار إسلام كريموف الخط العلماني في التجربة العلمانية الأوزبكستانية، الذي تمثل في التجربة العلمانية الأوزبكية بالتعايش السلمي بين الدين والدولة، حيث تصون الدولة الدين وتمنحه حرية الدعوة وممارسة العقائد الدينية، ليوفر رجال الدين للدولة فرصة العمل على تصريف شؤون البلاد في ظل من الوئام الوطني والاستقرار، فلا أحد يفرض رأيه على أحد، من خلال التقيد بدستور البلاد وقوانينها الصادرة بالطرق الديمقراطية والملزمة للجميع. [4]
وأشار تقرير مكتب undpالتابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي صدر في طشقند عام 2000 عن التطور الإنساني في أوزبكستان، وعن التسامح الديني في جمهورية أوزبكستان، وأورد أرقاماً عن عدد المنظمات الدينية المسجلة والعاملة في الجمهورية والبالغة 1671 منها 1555 إسلامية، و8 بهائية، و8 يهودية والبقية مراكز مسيحية منها 26 للكنيسة الروسية الأرثوذكسية، و44 للكنيسة البروتستانتية، ومراكز أخرى لغيرها من المنظمات الدينية.
وأشار التقرير إلى أن 10 مؤسسات تعليمية إسلامية منها 8 تأسست بعد الاستقلال، يدرس فيها 994 طالباً ويعمل فيها 169 مدرساً منهم 78 يحملون مؤهلات التعليم العالي، ومؤسسة تعليمية مسيحية واحدة تأسست عام 1998، تتبع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية ويدرس فيها 13 طالباً، ويعمل فيها 13 مدرساً يحملون جميعاً مؤهلات التعليم العالي.
وعن أهمية الدين الإسلامي في الجمهورية تحدث التقرير نفسه فأشار للمقدسات الإسلامية التي تحظى بالرعاية في أوزبكستان والبالغ عددها 160 موقعاً، وإلى أكثر من 2000 مسجد موزعة في أنحاء مختلفة من الجمهورية، وإلى تمكن آلاف المسلمين خلال سنوات الاستقلال فقط من أداء فريضة الحج ومناسك العمرة في الديار المقدسة الإسلامية.[5]
وأشارت بعض المصادر إلى تسهيل انتقال أتباع الديانات والمذاهب الأخرى لزيارة الديار المقدسة لديهم، وقيام الدولة بإعادة أملاك الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية وعدم إعاقة إنشاء دور العبادة لأتباع جميع الأديان والمذاهب البالغ عددها 18 ديانة ومذهب ديني والمسجلة وفقاً للقوانين النافذة في أوزبكستان.[6]
وفي نفس الوقت تابعت الحكومة الأوزبكية جهودها لمواجهة تيارات التطرف الديني، التي بدأت خلال الفترة التي سبقت الاستقلال (وهي التي عرفت بمرحلة البريسترويكا قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق)، باستخدام القوة المشروعة ضد تلك التيارات المتطرفة، واستخدام أساليب أخرى كالاحتواء عن طريق طرح بدائل معتدلة سمحت لمؤسسات الدولة أن تكون أكثر جاذبية للشباب والأوساط الاجتماعية المختلفة، وقاية وحماية لها من السقوط فريسة سهلة في أيدي قوى التطرف الديني.
في نفس الوقت الذي كانت فيه السلطات الحكومية تواجه أخطار تسرب النشاطات المخالفة للدستور والقوانين النافذة عن طريق البعثات التبشيرية الأجنبية وخاصة الغربية إلى أوزبكستان، والتي انتشرت أثناء الفترة التي رافقت انهيار الإتحاد السوفييتي السابق وأخذت بتنصير الشباب وخاصة الطلبة الجامعيين من أتباع الديانات الأخرى خلال تسعينات القرن الماضي ومن بينها كان مبشري المذهب المسيحي البروتستانتي الأمريكي، ومنظمة مون المسيحية البروتستانتية الكورية التي لاقت نجاحات كبيرة في أوساط الجالية المنحدرة من الأصول الكورية في أوزبكستان، والكنيسة الكاثوليكية التي أدخلت إلى أوزبكستان أكثر من 25 ألف نسخة من الإنجيل المقدس مترجماً إلى اللغة الأوزبكية رغم عدم تواجد مسيحيين من بين الناطقين باللغة الأوزبكية آنذاك والتركيز على توزيعها بين المرضى في المستشفيات والعاملين والدارسين في مؤسسات التعليم المدرسي والمتوسط والعالي. مما أثار حفيظة الكنيسة الأرثوذوكسية وسخط الأوساط الاجتماعية الإسلامية من البعثات التبشيرية وتحول الوضع تدريجياً إلى أرضية يمكن أن تدفع لصدامات بين تلك القوى الدينية.
ومن الإجراءات الفعالة التي قامت بها الحكومة الأوزبكية لمواجهة الوضع المتأزم كان تأسيس المركز الدولي للدراسات الإسلامية بطشقند في ربيع عام 1994، للتأكيد على اعترافها بالدور الهام الذي يلعبه الدين الإسلامي في الحياة الاجتماعية والعلمية. وليكون مركزاً للإشعاع تطل منه الدراسات الإسلامية التي تتحدث عن الماضي العريق للشعب الأوزبكي، وفي نفس الوقت ليقوم علماء الدين الإسلامي أنفسهم بتعرية التطرف الديني وتوضيح أخطاره السلبية على الدين والمجتمع.
وفي خريف عام 1999 افتتحت الجامعة الإسلامية الحكومية بطشقند لتكون منبراً للتعليم الديني الإسلامي للشباب الأوزبكي بعيداً عن التطرف والتعصب الأعمى والتزمت الديني الذي لا يفيد سوى أعداء الدين الإسلامي الحنيف. وليأخذ الإسلام مكانته الرفيعة ويكون الأسوة الحسنة داخل المجتمع الأوزبكي متعدد الأديان والمذاهب الدينية. وتم إنشاء صندوق الإمام البخاري الدولي الذي تبرع له سمو أمير دولة الكويت بمبلغ 500 ألف دولار أمريكي، وتبعه افتتاح مكتب لهيئة الإغاثة العالمية الكويتية في طشقند.
وأصدرت الجامعة الإسلامية في طشقند عام 2001، المصحف الشريف باللغة العربية، مع شرح لمعانيه الكريمة باللغة الأوزبكية، قام بترجمتها جملة من رجال الدين والمستعربين الأوزبك المعروفين في الأوساط الدينية والاجتماعية، من بينهم سماحة المفتي السابق عبد الرشيد قاري بهراموف، والشيخ عبد العزيز منصور مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية سابقاً ونائب سماحة المفتي حالياً، والبروفيسور حميد الله كرماتوف رئيس الجامعة الإسلامية بطشقند سابقاً ورئيس جامعة العلاقات الدولية والاقتصادية حالياً، والدكتور زهر الدين حسن الدينوف المستشار السابق لرئيس الجمهورية، والبروفيسور نعمة الله إبراهيموف رئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية سابقاً وعضو أكاديمية العلوم الأوزبكية ومجمعي اللغة العربية قي مصر والأردن، والدكتور الشيخ رحمة الله قاري عبيدوف، والبروفيسور زاهد جان إسلاموف مدير المركز الدولي للدراسات الإسلامية بطشقند، والبروفيسور نجم الدين كاميلوف رئيس اللجنة المركزية للانتخابات بجمهورية أوزبكستان سابقاً ورئيس قسم بأكاديمية بناء الدولة والمجتمع التابعة لرئيس الجمهورية حالياً، والمرحوم البروفيسور باطر بيك حسانوف تأكيداً واضحاً على السياسة الحكومية التي تتبعها أوزبكستان لحماية أصول الدين الحنيف من التشويه، والعمل على نشر الرسالة الإسلامية بوجهها الصحيح. وفي عام 2006 تم إصدار أول قرآن كريم بطريقة "أحرف برايل" للمكفوفين.[7]
ومن هذا المنطلق أخذت السلطات في أوزبكستان منذ استقلالها تركز على الدور التاريخي الذي لعبته شخصيات تاريخية بارزة وكان لها دوراً هاماً في تاريخ الإنسانية كالإمام محمد إسماعيل البخاري، والإمام الترمذي، والعلامة بهاء الدين نقشبندي، والعلامة أحمد يسوي، والمعلم الطبيب حسين ابن سينا، والأمير تيمور وحفيده ألوغ بيك… وغيرهم من الشخصيات البارزة، لبناء شخصية الإنسان الأوزبكستاني المعاصر. ولم تقف تلك الجهود عند الخدمات الجليلة التي قدمها أولئك العظام لأمتهم فقط، بل تعدتها لإحياء التقاليد النبيلة في التراث التاريخي الإسلامي، ليقوم على أساسها النموذج الأوزبكستاني الخاص المبني على التسامح ورفض مبدأ "استيراد الإسلام" من الخارج، والتأكيد على ما للدين الإسلامي الحنيف من قيم في بناء الشخصية الأوزبكية، والحفاظ عليها بعد موجات طويلة من التدخل الأجنبي في مصير الشعب الأوزبكي.
كما وسمحت السلطات الحكومية بإقامة ندوات دولية عن الدين بمشاركة منظمات دولية عديدة كانت المنظمات الألمانية الأكثر مساهمة في تنظيمها مثال: صندوق فريدريخ إيبيرت. ونظمت الأجهزة الحكومية الأوزبكية احتفالات في العديد من المناسبات على خلفية إسلامية.
وهكذا وازنت القيادة الأوزبكستانية بين التصدي لقوى التطرف الديني، والدفاع عن المكانة الهامة للدين الإسلامي في عملية إحياء الروح الوطنية اللازمة لنجاح عملية بناء الدولة المستقلة. وكانت الترجمة العملية بهذا الاتجاه، إعادة عيدي الفطر السعيد، والأضحى المبارك للشعب الأوزبكي، واعتبارهما أيام عطلة رسمية في أول قانون عمل صدر في عهد الرئيس كريموف بعد الاستقلال.
وعملت الدولة على تأكيد مبادئ الديمقراطية، واحترام تطلعات كل الجماعات والشرائح الاجتماعية، وحقوق الأقليات القومية، واحترام عادات وتقاليد، وأديان، ولغات كل الأقليات القومية التي تعيش على أراضي أوزبكستان، وبناء الدولة القومية على أساس الفصل بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والقضاء نهائياً على احتكار الأيديولوجية الواحدة للسلطة والمجتمع كما كان في العهد السوفييتي الشمولي، والاعتراف بتعدد المؤسسات السياسية، بما فيها التعدد الحزبي، ومنع الأحزاب والحركات التي تدعو أهدافها إلى تغيير نظام السلطة بالقوة، أو تهديد سيادة الدولة، ووحدة أراضيها، أو تهديد أمنها عن طريق إثارة النعرات الدينية والطائفية والعرقية، أو التي تتطاول على الأسس الدستورية التي يقوم عليها المجتمع. وبفضل هذه السياسة يعيش أتباع 18 ديانة ومذهب ديني في أوزبكستان اليوم بظروف يسودها التسامح والسلام والتفاهم.[8]
ومع تجاهل وسائل الإعلام والاتصال العربية لأهمية تشغيل خدمة إعلامية باللغة الروسية التي يجيدها معظم الصحفيين ويلم بها الجزء المتبقي على ساحة الاتحاد السوفييتي السابق، ودول شرق أوروبا، والدول ذات التوجه الاشتراكي الأخرى، وحتى قسم كبير من سكان إسرائيل الذين هاجروا إليها من الاتحاد السوفييتي السابق، في الوقت الذي أحسنت فيه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري الغربية المعادية للإسلام والمسلمين والعرب في دخول تلك الساحة الإعلامية عن طريق مئات الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون الناطقة باللغة الروسية وخاصة منها التي تبث من الأراضي الروسية كشركات إعلامية مشتركة تمولها شخصيات يهودية من روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والنمسا، وسويسرا وغيرها من الدول.
ومن أواسط عام 2004 قام المكتب الإعلامي بسفارة المملكة لدى أوزبكستان بمحاولة لتفادي النقص الحاصل ومواجهة الأوضاع السائدة على الساحة الإعلامية في أوزبكستان واستفاد من خبرات أحد المتخصصين العرب في الشؤون الإعلامية مقيم في أوزبكستان وقامت بتوزيع مواد إعلامية مختارة مترجمة إلى اللغة الروسية سرعان ما وجدت قبولاً لدى بعض وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية وأخذت تنشرها مع الإشارة في بعض الأحيان ودون الإشارة في أحيان أخرى للمصدر.
ومن متابعة لما نشرته وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري المحلية بعد ذلك لوحظ أن تلك الجهود أتت بنتائج جيدة بعد أن توقفت تلك الوسائل تقريباً عن نشر المواد التي تخص أخبار المملكة نقلاً عن المصادر الغربية الناطقة باللغة الروسية التي كانت تعتمد عليها سابقاً، وهو ما يؤكد التوجهات الحكومية الأوزبكية الرسمية حيال المملكة، ويبرز ضرورة دعم عمل المكاتب الإعلامية في سفارات المملكة في أوزبكستان ودول الاتحاد السوفييتي السابق ذات الأكثرية المسلمة، وإنشاء خدمة دائمة لوكالة الأنباء السعودية باللغة الروسية لتكون مصدراً موثوقاً لسد النقص الإعلامي الحاصل حتى الآن عن المملكة ومواجهة الخط المعادي للإسلام والمسلمين والعرب الذي تلتزم به معظم المصادر الإعلامية الأجنبية المعروفة بتوجهاتها وتكتيكاتها التي تستخدمها على الساحة الإعلامية في دول الإتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي السابقين.
طشقند في 19/12/2007
للمزيد أنظر:
1. إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق المستقبل العظيم. ترجمة: د. محمد البخاري. جدة: دار السروات، 1999.
2. إهداء القرآن الكريم المطبوع في أوزبكستان بأحرف برايل للمكتبة البريطانية. طشقند: وكالتي أنباء "أوزا"، و"جهان". 16/12/2006. (باللغة الروسية)
3. بيان وزارة الخارجية الأوزبكية. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 24/11/2006. (باللغة الروسية)
4. تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999. المستشار العلمي: أ.د. غالينا سعيدوفا، ومجموعة مؤلفين. طشقند: دار نشر أوزبكستان، 2000. (باللغات الأوزبكية والروسية والإنكليزية)
5. دستور جمهورية أوزبكستان. طشقند: دار "أوزبكستان" للنشر، 1998. (باللغة الروسية)
6. كلمة فخامة الرئيس إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان بمناسبة مرور 13 عاماً على صدور دستور جمهورية أوزبكستان. طشقند: وكالة أنباء جهان، 2005.
7. د. محمد البخاري: المصالح المشتركة في العلاقات العربية الأوزبكستانية. دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني، 11/8/2006. http://www.dardolphin.org/
8. د. محمد البخاري: رواد النهضة الحديثة في أوزبكستان. الكويت: جريدة الفنون، العدد 51/2005 آذار/مارس.
9. د. محمد البخاري: الجوانب الثقافية في التبادل الإعلامي الدولي وفاعليتها. في كتاب مواد ندوة ومسابقة آفاق تطور العلاقات الثنائية الكويتية الأوزبكستانية في القرن الحادي والعشرين. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2004. (باللغة الروسية)
10. د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 18، 1424هـ، 2003م.
11. د. محمد البخاري: المعلوماتية والعلاقات الدولية في عصر العولمة. الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 320 صفر 1424 هـ/أبريل 2003.
12. د. محمد البخاري: إحياء تراث أوزبكستان بين الأمس واليوم. الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 318/2003 ذو الحجة/فبراير.
13. د. محمد البخاري: التجربة الديمقراطية في أوزبكستان في ضوء الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية. الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد السادس عشر، 1422 هـ، 2002م.
14. د. محمد البخاري: آفاق التعاون العربي الأوزبكستاني. الرياض: مجلة "تجارة الرياض"، العدد 482/2002 نوفمبر/تشرين الثاني.
15. د. محمد البخاري: الصراعات الدولية والصحافة الدولية. في كتاب مؤتمر الكفاح ضد الإرهاب الدولي، والتطرف والحركات الانفصالية في العالم المعاصر. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2002. (باللغة الروسية)
16. د. محمد البخاري: عرب آسيا المركزية: آثار وملامح. دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 460/2002 كانون الثاني/يناير.
17. د. محمد البخاري: واقع إستراتيجية السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان. أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، 7 يناير 2002.
18. د. محمد البخاري، د. سرفار جان غفوروف: المملكة العربية السعودية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
19. د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة دبلوماسية. طشقند: مجلة فوستوكافيدينيه، العدد 2/2001. (باللغة الروسية)
20. د. محمد البخاري: وظيفة التبادل الإعلامي الدولي. طشقند: مجلة مياك فاستوكا، العدد 1-2/2001. (باللغة الروسية)
21. د. محمد البخاري: المخطوطات العربية في جمهورية أوزبكستان. دمشق: مجلة المعرفة، العدد 457/تشرين أول/أكتوبر 2001.
22. د. محمد البخاري: الحرب الإعلامية والأمن الإعلامي الوطني. أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الثلاثاء 23 يناير 2001.
23. د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. دمشق: مجلة "معلومات دولية" العدد 65/ صيف 2000.
24. د. محمد البخاري: عرب آسيا المركزية: آثار وملامح. دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 445/2000 تشرين أول/أكتوبر.
25. د. محمد البخاري: أوزبكستان والشراكة والتعاون الإستراتيجي والأمن في أوروبا وآسيا الوسطى. القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 138/1999 أكتوبر/تشرين أول.
هوامش:
[1] دستور جمهورية أوزبكستان. طشقند: دار "أوزبكستان" للنشر، 1998. (باللغة الروسية)
[2] نفس المصدر السابق المواد 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 16، 18، 34، 43، 56، 57، 58، 61، 76، 97، 116.
[3] تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999. المستشار العلمي: أ.د. غالينا سعيدوفا، ومجموعة مؤلفين. طشقند: دار نشر أوزبكستان، 2000. ص65. (باللغات الأوزبكية والروسية والإنكليزية)
[4] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: المصالح المشتركة في العلاقات العربية الأوزبكستانية.
[5] تقرير منظمة undp التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، عن التطور الإنساني في أوزبكستان لعام 1999. المستشار العلمي: أ.د. غالينا سعيدوفا، ومجموعة مؤلفين. طشقند: دار نشر أوزبكستان، 2000. ص65. (باللغات الأوزبكية والروسية والإنكليزية).
[6] بيان وزارة الخارجية الأوزبكية. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 24/11/2006.
[7] إهداء القرآن الكريم المطبوع في أوزبكستان بأحرف برايل للمكتبة البريطانية. طشقند: وكالتي أنباء "UZA"، و"JAHON". 16/12/2006.
[8] بيان وزارة الخارجية الأوزبكية. طشقند: وكالة أنباء "جهان"، 24/11/2006.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق