آفاق التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية
بقلم: أ.د. محمد البخاري[1]
هناك دور مطلوب من للإعلام الدولي في إطار العلاقات الدولية يلبي من خلاله جوانب مختلفة من السياسة الخارجية للدول ومعروف أن السياسة الخارجية لأي دولة مستقلة متمتعة بالسيادة الوطنية هي نتاج لعدة عوامل مشتركة داخلية وإقليمية ودولية. وتتناول العوامل الداخلية التراث الفكري والثقافي والتاريخي، والأوضاع الاجتماعية والسكانية، والمقدرات الاقتصادية والعسكرية، إضافة للتركيبة السياسية في المجتمع.[2] أما العوامل الإقليمية، فترتبط بالنظام الإقليمي السائد في الإقليم الذي تنتمي إليه تلك الدولة، ومدى تأثر السياسة الخارجية للدولة في هذا النظام، ومدى تفاعل عناصر القوة داخل الإقليم، وعلاقة النظام الإقليمي بالنظام العالمي، كإقليم جنوب شرق آسيا، وآسيا المركزية، والعالم العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وحوض الكاريبي، وإقليم جنوب شرق آسيا، وغيرها من الأقاليم. أما العوامل القارية فترتبط بتفاعل عناصر القوة على مستوى القارة بكاملها، والأنظمة السائدة فيها وإمكانية تأثيرها على السياسة الدولية كما هي الحال في الإتحاد الأوروبي ومنظمة الوحدة الإفريقية مثلاً.
بينما تتناول العوامل الدولية النظام الدولي وخصائصه، وتطوره وأبعاده، والعلاقة بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة، والدول الغنية والدول الفقيرة، وعناصر قوة الأطراف الدولية المختلفة، وهيئاته الدولية كمنظمة الأمم المتحدة مثلاً، ومدى تأثيرها على السياسات الخارجية لدول العالم. واعتماداً على كل تلك الحقائق يتم رسم وتشكيل السياسة الخارجية للدولة من قبل أجهزة رسم السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية، يفوق في بعض الحالات دور المؤسسات غير الرسمية على دور المؤسسات الرسمية، وإن كان ذلك يختلف باختلاف النظم السياسية ودرجة التطور في مختلف دول العالم.
ومن الملاحظ أن السياسة الخارجية المعاصرة، لم تعد تعتمد اليوم على فرد، بل أصبحت تعتمد على فريق عمل متكامل، مزود بأحدث تقنيات الاتصال التي تمكنه من الوقوف على تطور الأحداث فور وقوعها، مما أفسح المجال لصاحب القرار في مجال السياسة الخارجية، للاعتماد على فريق عمل من المستشارين المتخصصين في تخصصات متنوعة، تعرض عليهم الموضوعات التي تدخل ضمن إطار تخصصاتهم، وفي بعض الأحيان يعرض الموضوع الواحد على أكثر من مستشار بتخصصات متعددة لها علاقة بالموضوع قيد البحث، وبناءً على ذلك توضع عدة بدائل تعالج موضوع واحد مع شرح للمساوئ والمحاسن التي ترجح كل بديل عن غيره، تاركين القرار لصاحب الحق في اتخاذ القرار المناسب في مجال سياسة الدولة الخارجية.
ورغم اعتماد السياسة الخارجية للدولة على الدراسة والأساليب والمناهج العلمية الحديثة المتطورة والمنطقية لاتخاذ القرار، إلا أن هذا لا ينفي دور المؤسسات الديمقراطية في المجتمع المدني من برلمان وأحزاب وتجمعات سياسية واستفتاء شعبي، لإضفاء الشرعية على قرار معين في السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك سياسة خارجية معلنة للدولة وسياسة فعلية غير معلنة ولظروف معينة قد تختلف السياسة المعلنة عن السياسة الفعلية غير المعلنة، وقد يعلن عن السياسة الفعلية بعد زوال الظروف التي حالت دون إعلانها.
وتدخل السياسة الخارجية للدولة حيز التنفيذ فور اعتمادها، بإتباع كل الوسائل المتاحة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً واجتماعياً وثقافياً، ويدخل في إطار الوسائل السياسية التمثيل الدبلوماسي المعتمد، والمقابلات والزيارات الرسمية، والمعاهدات، ودبلوماسية القمة التي يلجأ إليها في المسائل الملحة والهامة والمصيرية كالقمم الثنائية، ومؤتمرات القمة كالقمة العربية، وقمة المؤتمر الإسلامي، وقمة رؤساء دول رابطة الدول المستقلة، وقمة الاتحاد الأوروبي، والقمة الإفريقية، وقمة منظمة شنغهاي للتعاون مثلاً، ويساعد على ذلك التطور الهائل الحاصل اليوم في وسائل المواصلات والاتصالات التي قصرت المسافات بين الدول، ووفرت الوقت والجهد.
ومن الوسائل المتبعة في تنفيذ السياسة الخارجية للدول، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وتقديم الهبات والمساعدات والقروض، وإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وإرسال الخبراء الاقتصاديين، وهو ما يسمى بدبلوماسية المساعدات الاقتصادية لتحقيق أغراض سياسية معينة. وهنا يبرز دور شبكة الإنترنيت العالمية، بعد أن تطور مفهوم التجارة الالكترونية، وظهور هذا المصطلح في قاموس التجارة الخارجية، في نفس الوقت مع التقدم الهائل الحاصل في تكنولوجيا الاتصال، وما رافقها من تطورات هامة أثرت في عمليات التبادل الإعلامي الدولي، والتبادل التجاري وتبادل السلع والخدمات بين الدول المختلفة، وينطوي مفهوم التجارة الالكترونية على أي نوع من أشكال التعاملات التجارية والمالية التي تتم الكترونياً عبر شبكة المعلومات الدولية (انترنيت) وتتم هذه التعاملات بين الشركات والبنوك بعضها البعض، أو بين الشركات والبنوك وعملائهم، أو بين الشركات والبنوك والإدارات المحلية. وبهذا أصبح بإمكان التجارة الالكترونية أن تقوم بوظائف عديدة في عمليات التبادل التجاري الدولي. من بينها الإعلان والتسويق والمفاوضات وتسوية المدفوعات والحسابات، ومنح الامتيازات والتراخيص، وإعطاء أوامر البيع والشراء. ولهذا بدأت البنوك والشركات الكبرى في العالم بتأسيس مواقع خاصة لها على شبكة الانترنيت، التي بدأ يتزايد عدد مستخدميها ليصل إلى أكثر من خمسين مليون مشترك من كافة أنحاء العالم، وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 20 % من حجم الصفقات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 10 % منها في أوروبا يتم من خلال التجارة الالكترونية. ويتوقع أن تزيد هذه النسبة في الفترة المقبلة. بالإضافة لما تتيحه التجارة الالكترونية من المزايا العديدة لتسهيل عمليات التبادل الإعلامي الدولي، وإتاحة المزيد من الاختيارات أمام المستهلك، وتخفيض الوقت والتكلفة لكل من المستهلك والمنتج، واتساع دائرة التسويق من السوق المحلية إلى السوق العالمية، وسهولة النفاذ إلى أسواق جديدة. وتؤدي هذه المزايا التي تتمتع بها التجارة الالكترونية إلى تغييرات جوهرية في طبيعة وأساليب عمليات التبادل الإعلامي الدولي لأنها تعمل على تحقيق ثلاثة عناصر رئيسية تتمثل في الكفاءة من خلال تخفيض التكاليف في مراحل عديدة من بينها تكلفة الإعلان والتصميم والتصنيع، والفعالية من خلال توسيع نطاق السوق وتلبية احتياجات المستهلك، والابتكار وتحسين نوعية المنتج وذلك في ظل المنافسة الشديدة وتوفر المعلومات.[3]
أما الوسائل العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة فتكون بالتهديد أو التلويح باستخدامها أو استخدامها الكلي أو المحدود في بعض الأحيان، وسياسة تقديم المساعدات العسكرية، وإمدادات العتاد والسلاح بأنواعه المختلفة لتحقيق أهداف سياسية معينة. بالإضافة لاتفاقيات التعاون العسكري، والدخول في عضوية الأحلاف العسكرية. وتبادل المعلومات لاستخدامها في الحروب المعلوماتية في ظل الثورة التكنولوجية التي أحدثتها تكنولوجيا وسائل الاتصال عن بعد الحديثة، غير أن التحليل الدقيق لمفهوم الثورة التكنولوجية يظهر أن ظاهرة الحروب المعلوماتية ليست قاصرة على الجوانب التقنية المعقدة لنظم الاتصال عبر شبكات الكمبيوتر الحديثة المستخدمة في إدارة العمليات الحربية، بل تتعدى ذلك لتشمل طبيعة الحرب نفسها مع قدوم عصر المعلومات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الذي أفرزها. وقد واكب الاهتمام المتزايد بالحرب المعلوماتية داخل أروقة البنتاغون الأمريكي، ظهور إدراك متنامي في أوساط المفكرين ورجال الأعمال بمدى عمق التحولات التي تشهدها مجالات السياسة والاقتصاد وأنماط التفاعل الإجتماعي، التي تتمثل في السمة المشتركة بينها في زيادة الاعتماد على جمع وتحليل كم هائل من المعلومات للتعامل مع درجة التعقيد التي وصلت إليها البيئة الإنسانية والتكنولوجية في نهاية القرن العشرين، والتي بلا شك ستكون السمة الغالبة التي ستميز القرن الواحد والعشرين. باتجاه نحو التعقيد واستمرار التأثير على حركة التطور، حتى أصبحت وظيفة تحليل المعلومات تفوق في أهميتها الوظائف التقليدية التي ميزت عصر الثورة الصناعية وهي ظاهرة برزت بوضوح أثناء تحول اقتصادات بأكملها من النمط الصناعي الذي يعتمد على الإنتاج الشامل إلى اقتصاد المعلوماتية الذي تدار فيه عمليات الإنتاج والتجارة عن طريق شبكات الاتصال وتبادل وتحليل المعلومات إلكترونياً.[4] وظهر جانبها العسكري واضحاً أثناء عملية اجتياح العراق من قبل قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003.
وتشتمل الجوانب الإعلامية والثقافية والعلمية والاجتماعية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، إضافة لاتفاقيات التعاون المشترك، تبادل المعلومات والأفلام التسجيلية وأشرطة الفيديو والكتب والمعارض، وتدعيم التعاون بين المؤسسات الإعلامية الاجتماعية والثقافية والتعليمية ومراكز البحث العلمي، وتبادل المنح الدراسية، وتشجيع الدبلوماسية الشعبية وتبادل الزيارات والوفود والمجموعات السياحية.
ويعد التبادل الإعلامي الدولي من الوسائل الفعالة لتنفيذ سياسة الدولة الخارجية ويمارسها الجميع من رئيس الدولة إلى أصغر المناصب الإدارية في الدولة كل في اختصاصه، في الوقت الذي تسعى فيه وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال مؤسساتها الإعلامية المختصة بالإعلام الخارجي، إلى جانب قيام البعثات الدبلوماسية المعتمدة، بوظيفة إعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال إصدارها للنشرات الإعلامية، أو ما تتناقله وكالات الأنباء العالمية من تصريحات، أو ما تنشره الإذاعات المسموعة والمرئية والصحف والمجلات واسعة الانتشار من مواد أصبحت اليوم بمتناول الجميع بسبب التطور العلمي والتقني الهائل الذي حدث خلال تسعينات القرن العشرين، وسمح باستقبال البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، ومطالعة الصحف من خلال شبكات الكمبيوتر وخاصة شبكة الإنترنيت العالمية، ومن لا يعرف اليوم وكالات الأنباء العالمية ومحطات الإذاعة والتلفزيون العالمية الأمريكية والفرنسية والبريطانية، الموجهة إلى جميع دول العالم تقريباً وبأكثر اللغات العالمية انتشاراً، كالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والصينية والروسية والبرتغالية والفارسية والتركية والألمانية وغيرها من اللغات الحية.
والتبادل الإعلامي الدولي اليوم يعكس أساساً الأوضاع القائمة من ثقافية وعلمية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، ولكن لا يمكن التقليل من أهمية وإمكانيات الإعلام الموجه، وتأثيره وفعاليته من خلال التخطيط المحكم للحملات الإعلامية، وتكتيكات وأساليب عملها، ومتابعتها ورصدها للإحداث وشرحها وتحليلها، ومراعاتها لخصائص المستقبل المحلي والأجنبي للرسائل والمواد الإعلامية.
ويتمتع الإعلام الدولي بأهمية خاصة كوسيلة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للدول الكبرى والمتقدمة، تتناسب مع حجم مصالح هذه الدول على الصعيد الدولي، وتعاظم دورها وتأثيرها في السياسة على الساحة الدولية، فهي تعمل من خلال وسائل إعلام متطورة تملكها، وتوجهها نحو تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها في الخارج.
ومن نظرة موضوعية للوظيفة الإعلامية، فإننا لا نستطيع الفصل بين الإعلام الداخلي والإعلام الخارجي لأنهما عملياً يكملان بعضهما البعض ويقومان بعمل واحد يخدم سياسة الدولة ويدعم مواقفها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتخطئ الدولة التي تدعم الإعلام الداخلي على حساب الإعلام الخارجي، أو بالعكس، لأن هذا يضر بمصالح هذه الدولة على الصعيد العالمي ويفسح المجال واسعاً أمام وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، للإضرار بسياسة تلك الدولة وتشويه سمعتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، أو الإقلال من أهميتها في المجتمع الدولي، أو على الأقل التعريف بتلك الدولة من خلال وجهات نظر تلك الوكالات والوسائل الإعلامية الأجنبية التي لا تتطابق والمصالح الوطنية للدولة المعنية، حتى وعلى الصعيد الداخلي في تلك الدولة بعد انهيار الحواجز الجغرافية واللغوية والزمنية أمام وسائل الاتصال عن بعد الحديثة والمتطورة. وكلما أمسكت وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج بزمام المبادرة، وتميزت بالسرعة في الحركة، وتمشت مع التطور العلمي والتقني، كلما كانت أكثر فاعلية وتأثيراً وخدمة لأهداف السياسة الخارجية للدولة، ولكن هذا يخضع لعدة مؤثرات أخرى يدخل ضمنها الإعلام المضاد، والخلفية الثقافية للمستقبل الأجنبي، التي تحدد مدى راجع صدى المادة الإعلامية الموجهة للمستقبل الأجنبي. وطبيعي أن أية حملة إعلامية مهما بلغت من الدقة في الإعداد والتوجيه لتحقيق أهداف معينة، فإنها قد تحقق جزءاً من تلك الأهداف أو كلها حسب ظروف المستقبل الأجنبي ومدى تعاطفه وردة فعله على مضمون المادة الإعلامية، لأن الإنسان بحد ذاته يشكل جملة أحاسيس ومشاعر ومعتقدات وأفكار، وليس آلة يمكن توجيهها من قبل صاحب المادة الإعلامية الموجهة حيث يشاء. وتتحكم بردة فعله على المادة الإعلامية جملة مؤثرات داخلية وخارجية، وعلى الخبير الإعلامي السعي لمعرفتها والاستجابة لها، عند الإعداد لأية حملة إعلامية أو عند إعداد أية مادة إعلامية للمتلقي الأجنبي. ومن العوامل الأخرى التي تحد من فعالية وتأثير الإعلام الوطني الموجه للخارج، التأخر في نشر المادة الإعلامية، أو نشرها بعد فوات الأوان، أو مواجهته لإعلام مضاد قوي يستند على حقائق تاريخية وثقافية ولغوية، ومنطق إعلامي مقبول لدى المستقبل الأجنبي، من المنطق الذي تخاطبه به وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج. إضافة للإمكانيات المادية الكبيرة التي يحتاجها نجاح الإعلام الخارجي الموجه في الدول الصغيرة والفقيرة، مما يجعلها عاجزة أمام الإعلام الموجه للدول الكبيرة والمتطورة والغنية، وهو ما يفسر نجاح الحملات الإعلامية لتلك الدول بغض النظر عن الموضوعية والمنطق والحجج التي يلجأ إليها إعلام تلك الدول.[5]
التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف المنظمات الدولية: يعد التبادل الإعلامي وظيفة من وظائف المنظمات الدولية، وتختلف هذه الوظيفة باختلاف طبيعة عمل هذه المنظمات وأنشطتها ووظائفها في المجتمع الدولي. كما وتعتبر المداولات الجارية في المؤتمرات واللقاءات الدولية التي تدعو لها تلك المنظمات على مختلف الأصعدة والمستويات، والمواد الإعلامية التي تصدرها من تقارير ومعلومات وكتب ومجلات ونشرات ومواد إحصائية وإعلامية وأفلام فيديو ومراسلات إعلاماً دولياً، يجد طريقه للنشر جزئياً أو بالكامل في وسائل الإعلام الجماهيرية للعديد من دول العالم. كما وتستفيد الدول الصغيرة والفقيرة التي لا تملك إعلاماً خارجياً، من منابر تلك المنظمات لتوجيه بيانات ومذكرات تجد طريقها في أكثر الأحيان للنشر في وسائل الإعلام الدولية المختلفة، وتعتبر مشاكل التبادل الإعلامي الدولي والاتصال والتدفق الحر للمعلومات، والتعاون السلمي بين الشعوب، من أولى المشاكل التي تصدت لها منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها، عقب الحرب العالمية الثانية. حيث أصدرت العديد من المبادرات ودعت لانعقاد العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية لبحث مشاكل التبادل الإعلامي الدولي، وأصدرت الكثير من التقارير والوثائق الدولية حول هذا الموضوع.[6] وكان لمنظمة الأمم المتحدة دوراً كبيراً في تقديم المساعدة للدول الفقيرة لإنشاء وسائلها الإعلامية الوطنية. وبحثت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة العديد من المسائل التي مازالت تعتبر من المشاكل الرئيسية للتبادل الإعلامي الدولي، منها تعريف حرية الإعلام والحقوق المترتبة عن حرية الإعلام وطرق تنفيذها على الصعيد الدولي، هذه المشكلة المدرجة في جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة منذ سنوات قيامها الأولى وحتى الآن، بالإضافة للتدفق الحر للمعلومات، والتغلب على الحواجز المعيقة للاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، ومن ضمنها تحديد موجات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني. كما وافقت المنظمة على بعض الاتفاقيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وحرية التعبير، وتنظيم وضع المراسلين الأجانب في البلدان المضيفة، ولاسيما أثناء الأزمات حيث يعتمد وضعهم على حسن نية وتفهم الدول والأفراد فيها.
ويستنكر ميثاق منظمة الأمم المتحدة التحريض على الحرب، والاستعداد النفسي لها، والدعاية لها، ووفقاً لأحكام القانون الدولي: فإن التخطيط للحرب والإعداد لها وإعلانها، جريمة ترتكب بحق البشرية وتهدد السلام العالمي، ويدخل في هذا الإطار الأنشطة الدعائية التي تمهد للعدوان، ونشر الكراهية ضد الشعوب الأخرى، ونشر المعلومات الكاذبة والمشوهة لتبرير نوايا عدوانية مبيتة، كحجة نزع القدرات النووية للعراق قبل اجتياح أراضيه حتى دون موافقة مجلس الأمن الدولي وثبت عدم وجود تلك القدرات لديه بعد احتلاله من قبل قوات التحالف الدولي.
ومنظمة الأمم المتحدة بالإضافة لتناولها مشاكل التبادل الإعلامي الدولي بحثاً عن حلول ملائمة لها، فإنها تقوم بوظائف إعلامية محددة، من خلال نشر مطبوعاتها المختلفة باللغات الرسمية المستخدمة في هذه المنظمة، على نطاق واسع. كما وأنشأت منظمة الأمم المتحدة مكاتب لها في العديد من دول العالم، ويشمل نشاط كل مكتب منها الدولة المقر والدول المجاورة لها، على سبيل المثال: مركز منظمة الأمم المتحدة في بانكوك عاصمة تايلاند يشمل نشاطه إضافة إلى تايلاند، كمبوديا، ولاوس، وماليزيا، وسنغافورة، وفيتنام؛ ومركز منظمة الأمم المتحدة في القاهرة عاصمة مصر، يشمل نشاطه إضافة لمصر، المملكة العربية السعودية، واليمن؛ ومكتب الأمم المتحدة في جينيف عاصمة سويسرا، يشمل نشاطه إضافة لسويسرا، إسبانيا، والبرتغال، والنمسا، وبلغاريا، وألمانيا، وبولندا، والمجر.[7]
وأدى تضخم كميات المعلومات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة إلى أن يصبح التعامل معها صعب رغم استخدام أحدث السبل والتقنيات الحديثة لنشر وحفظ وفهرسة تلك المعلومات، وهو ما يسمى اليوم بالانفجار الإعلامي الدولي. ومن المنظمات الدولية المتخصصة في مجال التبادل الإعلامي الدولي:
المنظمة العالمية لحماية حقوق التأليف التي أسستها منظمة الأمم المتحدة عام 1967 بدلاً عن المنظمة التي كانت قائمة منذ عام 1893، وتضم في عضويتها أكثر من 109 دول؛ وإتحاد البريد العالمي الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة عام 1947 بدلاً عن الإتحاد الذي كان قائماً منذ عام 1874 ويضم في عضويته أكثر من 168 دولة؛ والمنظمة العالمية للإتصالات البحرية عبر الأقمار الصناعية التي تأسست في لندن عام 1976 وتضم في عضويتها أكثر من 43 دولة؛ والمنظمة العالمية للإذاعة والتلفزيون التي تأسست عام 1946 بدلاً عن منظمة الإذاعات العالمية؛ والمنظمة العالمية للإتصالات الإليكترونية عبر الأقمار الصناعية التي تأسست في واشنطن عام 1964 وتضم في عضويتها أكثر من 109 دول؛ والمنظمة العالمية للإتصالات الإليكترونية التي تأسست عام 1865 وتضم في عضويتها أكثر من 160 دولة؛ ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التي أنشأتها منظمة الأمم المتحدة عام 1945 من خلال المؤتمر الذي انعقد في لندن وضم ممثلين عن 44 دولة، وتضم في عضويتها أكثر من 160 دولة؛ ومنظمة الصحفيين الدولية التي تأسست عام 1946 وتضم منظمات الصحفيين لأكثر من 120 دولة في العالم.[8]
وتقوم المنظمات الإقليمية بوظائف إعلامية من خلال وسائل إعلامها الخاصة بها، وتغطي أخبار مؤتمراتها ونشاطاتها الخاصة، وتشرح وجهة نظرها من القضايا الإقليمية والدولية. ومن هذه المنظمات الإقليمية:[9] مجلس آسيا والمحيط الهادي الذي تأسس عام 1966 ويضم في عضويته أستراليا، وماليزيا، ونيوزيلنديا، وتايلاند، والفيليبين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، وتايوان؛ ورابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) التي تأسست في بانكوك عام 1967 وتضم في عضويتها بروني، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وتايلاند، والفلبين؛ ومنظمة حوض الكاريبي التي تضم دول حوض الكاريبي. ونشأت من خلال رابطة الكاريبي للتجارة الحرة وضمت في عضويتها خلال الأعوام 1965 / 1968 غيانا، وأنتيغوا، وباربادوس، ورينيداد وتاباغو، وغرينادا، ودومينيكان، ومونت سيرات، وسينت فينسينت، وسينت كريستوفير نيفيس أنغليا، وسينت لوسيا، وجامايكا، وفي عام 1970 بيليز؛ وجامعة الدول العربية التي تأسست في القاهرة 22/3/1945 وتضم 22 دولة عربية هي: الجزائر، والبحرين، وجيبوتي، ومصر، والأردن، والعراق، واليمن، وقطر، والكويت، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب، والإمارات العربية المتحدة، وعمان، والعربية السعودية، وسورية، والسودان، وتونس، وليبيا، والصومال، وفلسطين وجزر القمر؛ ورابطة الدول المستقلة: التي تأسست عام 1990 في مينسك وتضم معظم الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق؛ ومنظمة شنغهاي للتعاون: التي تأسست في شنغهاي عام 2000 وتضم في عضويتها: الصين، وروسيا، وقازاقستان، أوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجكستان.
ويخضع التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من الوظائف المتعددة للمنظمات الدولية والإقليمية، للحدود التي تخضع لها تلك المنظمات الدولية والإقليمية، وتخضع قراراتها وفق أنظمة تلك المنظمات للمداولة لظروف من الضغوط الخارجية، ومصالح أعضائها ومصالح الدول المتقدمة المهيمنة على الساحة الدولية، رغم أن قرارات هذه المنظمات غير ملزمة وفقاً لمبدأ "المنظمات الدولية ليست فوق الدول ولكنها تشكل إرادة مستمدة من إرادة الدول الأعضاء في تلك المنظمات"، ووظيفة التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف المنظمات الدولية والإقليمية، هي المساهمة في تشجيع التعاون السلمي والتفاهم بين الشعوب، ودفع التطور الإنساني ونشر المعرفة لما فيه مصلحة الإنسان والمجتمع، مستخدمة في ذلك كل وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام الجماهيرية.
التبادل الإعلامي والتفاهم الدولي: ويتحدد الإطار المثالي للتفاهم الدولي من خلال التبادل الإعلامي الدولي بتوخي الموضوعية المجردة، والدقة في إبراز الوقائع والصدق ووضع الجوانب المختلفة للموضوع والابتعاد عن التشويه،[10] والسعي نحو الحقيقة، وهو ما يصعب تحقيقه. وتعتبر هذه الصورة مثالية بحد ذاتها وترتبط في معظم الأحيان بالحديث عن السلام العالمي والتفاهم والتعاون الدولي، ونبذ الصراع بكل أشكاله، واللجوء إلى التفاوض في حل المشاكل والخلافات المحلية والإقليمية والدولية، والسعي إلى ما فيه خير البشرية، بما فيها إقامة سلطة تتعدى سلطة الدول ! ! ؟ وهو ما نجده في بعض نصوص القانون الدولي وخاصة عندما توضع في محك التطبيق العملي، كما ونصادفها في كتابات الفلاسفة على مر العصور عندما تناولوا مواضيع التفاهم الدولي والتعاون بين الأمم. وعلى كل حال فإن العلاقات الدولية والظواهر الاجتماعية المختلفة تتسم بالدينامكية وسرعة الحركة والتغيير، وما هو مثالي صعب التحقيق اليوم قد يصبح سهلاً وواقعياً في فترة لاحقة. وما كان مثالياً وضرباً من الخيال قبل انهيار المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها الإتحاد السوفييتي السابق، أصبح واقعياً بعد انهيارهما السريع والمفاجئ، وانتهاء الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بين الشرق والغرب.
اللغات القومية والتفاهم الدولي: ومن المعروف أن العالم المعاصر يستخدم ما يقرب من 2900 لغة،[11] بالإضافة إلى اللهجات المحلية المنبثقة عن تلك اللغات، مما يجعل من عملية التفاهم الدولي مهمة شاقة وصعبة، وباهظة التكاليف المطلوبة للترجمة الفورية والتحريرية، إن كان في المؤتمرات واللقاءات الدولية، أم في وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للمواطن الأجنبي. لأن التبادل الإعلامي يعد في كثير من الحالات معوقاً للتفاهم الدولي، عندما لا يلتزم بالموضوعية، ويشوه الوقائع ويبرز وجهة نظر دون أخرى، وكثيراً ما يضع جوانب الموضوع التي تفيده فقط، ويتعمد التشويه خدمة لطرف واحد من أطراف الصراع، مهاجماً أو مواجهاً الطرف الآخر من الصراع الدائر. بطريقة يتم فيها احتكار تفكير الإنسان، وتوجيهه دون إرادة منه، لمفاهيم تحتوي على جانب واحد من الحقيقة، وبتكرارها بصور وأشكال مختلفة يصبح الإنسان مقتنعاً بها، معرضاً عن الجانب الآخر من الحقيقة حتى ولو اطلع عليها بطريقة أو أخرى. ويفسر ذلك بأن التبادل الإعلامي الدولي، بالأساس هو وسيلة من وسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول، وبالتالي فهو يسعى لخدمة هذه السياسات والتفاعل من أجل ذلك مع الوسائل الأخرى لخدمة تلك السياسات، ومن هنا فإن الموضوعية أو عدم تشويه الوقائع أو الكذب، الذي يصاغ بشكل يراعى فيه عدم إمكانية اكتشافه، واستخدامه ببراعة للهجوم على الخصم، من خلال وضع جوانب الموضوع بتكتيك معين يسير في إطار تحقيق أهداف السياسات الخارجية للدول. ومن هنا نفهم واقع سوء توزيع مصادر الأنباء في العالم، عندما توظف الدول المتقدمة إمكانياتها الاقتصادية، وتقدمها العلمي والتكنولوجي في خدمة سياساتها الخارجية، وهي الأكثر نضجاً من غيرها في الدول الأقل تطوراً، ويبرز الواقع أيضاً أن هذه الدول المتقدمة والغنية، تتحكم بوكالات الأنباء المؤثرة والرئيسية المسيطرة على جمع توزيع الأنباء في العالم، بالإضافة إلى محطات الإذاعة والتلفزيون وشبكات الكمبيوتر العالمية، والصحف والمجلات المنتشرة على نطاق عالمي، ووسائل الاتصال الحديثة وشبكة الأقمار الصناعية المخصصة للإتصالات ونقل البث الإذاعي والتلفزيوني، التي مكنت تلك الدول من إيصال واستقبال المعلومات الفورية دون أية حواجز تذكر إلى ومن أية نقطة في العالم.
وجعل التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في مجال الاتصال، من وسائل الإعلام الجماهيرية سلاحاً خطيراً في أيدي القوى الكبرى والدول المتقدمة والغنية، للتأثير على الرأي العام العالمي وتوجيهه، وخاصة فيما إذا استخدمت وسائل الإعلام الجماهيرية القوية والمسيطرة تلك، للتحريض على الحرب وإثارة التعصب الديني والقومي والعنصري، كما هو جار اليوم دون الدعوة للسلام ونصرة الحقوق المشروعة والتعاون والتفاهم بين الشعوب، ونبذ أي نوع من التعصب مهما كان نوعه، خدمة للتقدم الإنساني.
المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي: تزايد منذ العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين الدور العالمي لوسائل الإعلام الجماهيرية، واسعة الانتشار وخاصة منها برامج التلفزيون المنقولة عبر الأقمار الصناعية، رغم تباين النظم السياسية والإيديولوجية ودرجات النمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لدول العالم المختلفة، ورغم عدم التكافؤ الواضح بين القلة القليلة التي تبث السيل الهائل من المعلومات على مدار الساعة يومياً، وبين الغالبية العظمى من دول العالم التي تستقبل ما يرسل إليها، بغض النظر عن وضعها الاقتصادي غنية كانت أم فقيرة، لأن من يصنع ويملك تقنيات وتكنولوجيا الاتصال ويتحكم بصياغة المادة الإعلامية هو المسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي دون منازع يذكر، ومن عداه فهو مستهلك لتكنولوجيا وتقنيات الاتصال وللمادة الإعلامية باهظة النفقات والتكاليف. لأن العلاقة شديدة الصلة بين السياسات الخارجية للدول، والرأي العام الوطني والإقليمي والعالمي، كل منها يؤثر ويتأثر بالآخر، وهذا بحد ذاته يبرز مشكلة سياسية عويصة أمام عملية التبادل الإعلامي الدولي، مفادها ضخامة وتضارب المصالح الحيوية لمختلف دول العالم وخاصة الدول المتطورة والغنية، التي تتجاوز حدودها الجغرافية المعترف بها لمناطق أخرى بعيدة كل البعد جغرافياً عنها، وتعدد المشاكل السياسية والاقتصادية والإيديولوجية بينها يجعل عملية التبادل الإعلامي تؤثر وتتأثر حتماً بوسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول الأخرى، وهذا مرتبط بمدى قوة وفاعلية وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج لكل دولة. لأن وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولية، تسعى لخدمة سياسة معينة كثيراً ما لا تتماشى هذه السياسة مع متطلبات التفاهم الدولي، ولأن هذه الوسائل بالأساس تتصدى لمشكلة أو مشاكل سياسية معينة، وتسير في خط معين مرسوم لها ضمن السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما يبتعد هذا الخط عن الموضوعية والدقة في عرض الوقائع، وقد ينجح في إقناع عدد كبير من مستقبلي الرسائل الإعلامية، بعدالة وصدق موقفه من المشكلة المطروحة، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، ومرد ذلك إما الظروف المتاحة دولياً والتفاهم والتعاطف الدولي مع سياسة خارجية معينة، أو قوة أساليب عمل وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية التي يملكها هذا الطرف أو ذاك، أو ضعف أساليب عمل وسائل الإعلام الجماهيرية للطرف المواجه، أو غيابها تماماً عن الساحة الدولية مما يتيح للخصم ظروفاً ممتازة لإقناع الرأي العام العالمي بعدالة وصدق مواقفه كما يشاء دون منازع.
وقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي، إلى انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وإلى انفراج نسبي في العلاقات الدولية، وخفف نوعاً ما من الصراع الإيديولوجي الذي كان قائماً، ولكن سرعان ما استبدل بصراع من نوع جديد أخذ طابعاً آخر كأنه يدعم الديمقراطية والانفراج الدولي ومحاربة التطرف الديني، والإرهاب الدولي من وجهة نظر القوي المسيطر على عملية التدفق الإعلامي الدولي. وأدى غياب الصراع الإيديولوجي إلى تخفيف السباق المتسارع بين التكتلات الإقليمية والدولية المتصارعة للإمساك بزمام المبادرة في توجيه الحملات والضربات الإعلامية ضد بعضها البعض، ولكن لا أحد ينكر فضلها الأكبر في دفع التطور السريع لتقنيات ومعدات الاتصال، التي نعرفها اليوم، وكانت محض خيال قبل نصف قرن من الزمن. وتقوم وسائل الإعلام الجماهيرية لأية دولة في العالم، بتوجيه حملات إعلامية مركزة للتأثير على الرأي العام الدولي وتقوية الرأي العام المحلي داخلياً وتحصينه ضد الحملات الإعلامية الخارجية، وتشترك بنفس النشاط تقريباً مع وسائل إعلام الدول الأخرى التي تشترك معها في تحالفات وتكتلات إقليمية ودولية، ويظهر من خلالها مدى ضلوع عملية التبادل الإعلامي الدولي في مشاكل ومتناقضات السياسة الدولية، محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومن المشاكل العويصة التي تواجه وسائل الإعلام الجماهيرية كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية للدولة، العلاقة الموضوعية بين السياسة الخارجية للدولة، والرأي العام الوطني، والرأي العام الإقليمي، والرأي العام الدولي، خاصة عندما يبرز تضارب واضح وتباين بينها. فبينما تعمل وسائل الإعلام الجماهيرية على تهيئة الرأي العام العالمي لاتخاذ موقف معين من قضية معينة تتفق والسياسة الخارجية للدولة المعنية، نراها في أكثر الأحيان مضطرة لاتخاذ موقف آخر قد يكون مغايير تماماً، لتهيئة الرأي العام المحلي من القضية ذاتها، وهذه مشكلة عويصة بحد ذاتها أمام المخططين والمنفذين للسياسات الإعلامية الداخلية والإقليمية والخارجية. خاصة بعد التطور الهائل الحاصل في مجال وسائل الاتصال الحديثة، وتعدد وسائل الإعلام الجماهيرية وتنوعها وتجاوزها للزمن والمسافات والحدود الجغرافية واللغوية والحضارية، ليصبح ما يحدث اليوم في أي جزء من العالم في متناول الإنسان أينما كان ومهما بعدت المسافات خلال دقائق عبر قنوات التلفزيون الفضائية وشبكات الكمبيوتر، ولتصبح قدرة الدول في التحكم الفعلي بالرأي العام المحلي محض خيال، بعد أن طالته وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري الدولية، وأصبح الخيار في أيدي من يملك وسائل الاتصال الحديثة، ومن يوجه وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، ويسيطر على صياغة الخبر بالطريقة التي تحلو له. وإذا كان العالم اليوم يتجه حسيساً نحو الانفراج والتعاون الإيجابي بين الأمم، فإن هذا لا يعني انتهاء المشاكل والصراعات الدولية القديمة منها والجديدة والمتجددة، وكل ما يحدث هو تغير في الظروف الدولية وديناميكية العلاقات الدولية، وزيادة في عملية التفاعل والتبادل الإعلامي الدولي. وهذا يفرض على خبراء الإعلام الإلمام بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية الدولية، ومسارها التاريخي، والنظم والاتجاهات السياسية السائدة في دول العالم، وخلفية مواقفها من العلاقات الدولية المعاصرة، ليستطيع كلاً منهم أخذ مكانه الفاعل والمؤثر في عملية التبادل الإعلامي الدولي المتجددة، وخدمة سياسات بلده الداخلية والإقليمية والدولية بعد أن تجاوزت وسائل الإعلام الجماهيرية فعلاً الحدود الفاصلة بين تلك السياسات.
المعيقات الاقتصادية لعملية التبادل الإعلامي الدولي: معروف أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري خاضعة بالكامل لسلطة رأس المال، الذي يقوم على دعائم اقتصادية وصناعية وتجارية تتطلب استثمارات هائلة قد تفتقر لها موارد دولة أو حتى عدة دول مجتمعة، مما وضعها في حالة من التبعية تراوحت ما بين التبعية لدولة أو عدة دول مجتمعة. وأدى التطور الاقتصادي والعلمي الهائل خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، إلى تطور مماثل شمل وسائل وشبكات الاتصال الحديثة في العالم، وجعلها حكراً في أيدي الدول المصنعة والغنية، بعيدة عن متناول ومقدرات بعض الدول الصغيرة والفقيرة، لأن الحصول عليها واستثمارها، أو تصنيعها يتطلب أموالاً طائلة واستثمارات كبيرة، وخبرات علمية وتكنولوجية متطورة تفتقر إليها معظم الدول النامية في العالم، ولهذا نرى أن الأوضاع الاقتصادية، ومدى التقدم التقني والعلمي في أي دولة، قد ترك بصماته على وسائل الاتصال المتطورة، ووسائل الإعلام الجماهيري الحديثة. مما سمح لبعض الدول الغنية والمتطورة والأكثر تقدماً اقتصادياً وعلمياً وتقنياً، بالسيطرة على وكالات الأنباء العالمية، وقنوات الإذاعة والتلفزيون الفضائية، والصحف والمجلات الأكثر انتشاراً في العالم، تلك التي تشكل بمجلها المصدر الرئيسي للأنباء في العالم. لأن الاستثمارات الصناعية الضخمة في مجال وسائل وأجهزة الاتصال تتركز في الدول المتقدمة، بينما الدول المتخلفة والنامية والفقيرة هي مستهلكة لبعض منتجات هذه الاستثمارات من خلال الاستيراد وبرامج المساعدات الاقتصادية، وهو ما يخلق في بعض الأحيان مشاكل تقنية في مجال استثمار واستخدام تلك الأجهزة أمام الدول المستوردة أو المستفيدة من برامج المعونة الاقتصادية، بسبب تعدد مصادر تلك الأجهزة وعدم ملاءمتها تكنولوجياً للإسثمار في تلك البلاد، بحيث يتطلب الأمر إجراء بعض التعديلات عليها قبل إدخالها حيز الاستثمار الفعلي مما يرفع من الأعباء التقنية والمالية المترتبة على تلك الدول. خاصة وأن عملية الحصول على الأخبار الدولية وتوزيعها بحد ذاتها باهظة التكاليف، ولا تستطيع تحمل نفقاتها إلا الدول المتقدمة والغنية، كما هو الحال دائماً، بينما نرى أن الدول النامية والفقيرة لم تزل كما كانت دائماً، تعاني من نقص حاد في الخدمات الإعلامية، ونقص في وسائل الاتصال الإلكترونية ومحطات البث والاستقبال الإذاعي المسموع والمرئي، هذا إن لم نشر إلى مشاكل استفادة هذه الدول من خدمات شبكة الأقمار الصناعية في مجال الاتصال وقنوات البث التلفزيوني الفضائية، والاستفادة من خدمات شبكات الكمبيوتر الدولية.
ومن هنا نرى أن التقدم التكنولوجي يعتمد على الثروة المتوفرة لدى الدول الغنية والكبيرة، قليلة العدد في المجتمع الدولي وهي وحدها القادرة على تمويل المشاريع الضخمة في مجال إنتاج أجهزة وتكنولوجيا الاتصال عن بعد الضرورية لوسائل الإعلام الجماهيرية، مما يتيح لها وضعاً ممتازاً لنشر سياستها الخارجية وفرضها في بعض الظروف على الدول الأخرى الأقل تطوراً. وكما هو معروف فإن وسائل الإعلام الجماهيرية لكل دولة من دول العالم تركز في برامجها على الأخبار الداخلية، وما يتصل بقضاياها ومشاكلها من الأخبار العالمية، وقد أوضحت بعض الدراسات العلمية، أن عملية التبادل الإعلامي الدولي تركز بالدرجة الأولى على أخبار الدول الكبرى المتطورة والغنية، وأخبار بعض الدول الأقل تطوراً المؤثرة في ميدان الأحداث والسياسة الدولية، والسبب سيطرة هذه الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وبشكل أقل روسيا وغيرها من الدول المتطورة على وسائل الإعلام الدولية، مما يتيح لتلك الدول فرض وجهة نظرها من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي أحادي الجانب.
وتركز وسائل الإعلام الجماهيرية في موادها الإعلامية على أخبار دولها والدول الحليفة لها، إلى جانب أهم الأحداث العالمية من وجهة النظر السياسية الرسمية للدولة، فوكالات الأنباء الدولية مثل اليونيتد بريس، والأسوشيتد بريس والقنال التلفزيونية الدولية CNN وما تنقله شبكة الكمبيوتر العالمية INTERNETالأمريكية، ووكالة الأنباء رويترز، وهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBC، ووكالة فرنس بريس الفرنسية، ووكالة إتار تاس الروسية، وغيرها من الدول المؤثرة في السياسات الدولية وما تتمتع به من علاقات واسعة مع مختلف دول العالم، ولتفوقها العلمي والصناعي والاقتصادي والعسكري. تطغي أخبارها على أخبار غيرها من الدول، وبمعنى أوضح تسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي وتوجهها لصالحها وصالح حلفائها من دول العالم الأخرى. وقد وصل الخلل في بعض الأحيان إلى درجة أصبح معها أبناء الكثير من دول العالم يعرفون عن الدول الكبرى أكثر مما يعرفون عن بلدانهم، ويعرفون عن تلك الدول الواقعة خلف البحار والمحيطات أكثر مما يعرفون عن البلدان المجاورة لهم، ويعتمدون أساساً في الحصول على المعلومات والأنباء على المصادر الإعلامية للدول الكبرى الموجهة إليهم والناطقة بلغاتهم القومية ويشمل هذا الصراع العربي الصهيوني.
وبينما تنتج الدول المتقدمة كل متطلبات الإنتاج الإعلامي من آلات التسجيل السمعية والبصرية وآلات التصوير وآلات الطباعة وورق الكتابة والطباعة، والحاسبات الالكترونية (الكمبيوتر)، وأجهزة البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني، وتنتج أعداداً هائلة من المواد الإعلامية من صحف ومجلات وكتب، وبرامج إذاعية وتلفزيونية وأفلام، ووسائل تعليمية مختلفة، نرى الدول النامية والفقيرة التي لا تملك ولا تنتج مثل هذه المنتجات الإعلامية والتقنية، بل وتفرض أحياناً قيوداً ورسوماً جمركية على استيراد المواد والمعدات الإعلامية وحتى على ورق الطباعة، بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة.
وهكذا نرى مدى تأثر عملية التبادل الإعلامي الدولي بالأوضاع الاقتصادية لكافة دول العالم، التي نستطيع تقسيمها إلى دول متطورة غنية مسيطرة، تمتلك وتتحكم بالمصادر الإعلامية الدولية وتقنياتها، وتوجه عملية التدفق الإعلامي الدولية، ودول متوسطة تؤثر وتتأثر بعملية التدفق الإعلامي الدولية، ودول نامية فقيرة على هامش عملية التبادل الإعلامي الدولية، لا تملك حتى صحيفة يومية واحدة تنطق باسمها، متأثرة بالسيل المتدفق للإعلام الدولي الأجنبي. وبالطبع فإن إدراك الجمهور الإعلامي في الدول التي لا تنتشر فيها وسائل الإعلام الجماهيرية على نطاق واسع، أو التي ترتفع فيها نسبة الأمية الأبجدية أو الحضارية، أو التي ينتشر فيها الفقر، الذي نعتبره صعوبات مادية واقتصادية، يكون إدراكهم لمختلف الموضوعات التي تعرضها وسائل الإعلام الجماهيرية، أقل إدراكاً من الجمهور الإعلامي للدول المتقدمة.[12]
والخلاصة أن وسائل الإعلام والاتصال تعتبر من الركائز الأساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد المجتمعات وهي أساس التفاعلات الاجتماعية وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات المختلفة فيما لو أحسن استخدامها، وهي سلاح ذو حدين في الحوار القائم والمفترض بين الثقافات والحضارات.
طشقند في 15/9/2007
للمزيد يمكن العودة إلى:
1. أحمد صوان: أوراق ثقافية .. عن الإعلام وعيد الصحفيين. // دمشق: تشرين، 19/8/2007.
2. صفات سلامة: الإعلام العلمي العربي: الواقع.. والمأمول. // الرياض: الشرق الأوسط، 21/8/2007.
3. د. محمد البخاري: العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. // دمشق: المعرفة، العدد 519 كانون أول/2006. - التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية) - التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية) - مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية) -"العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة" أطروحة للحصول على درجة دكتوراه علوم في العلوم السياسيةDC ، من أكاديمية بناء الدولة والمجتمع، الاختصاص: 23.00.03 – الثقافة السياسية والأيديولوجيا؛ و23.00.04 – المشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور العالمي". طشقند: 2005. (باللغة الروسية، بحث غير منشور) - الإعلام التقليدي في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // جدة: مجلة المنهل، العدد 592/أكتوبر ونوفمبر 2004. - قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، طشقند: مطبعة "بصمة" 2004. (باللغة الروسية) - العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. // الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 18، 1424هـ، 2003م. - المعلوماتية والعلاقات الدولية في عصر العولمة. // الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 320 صفر 1424 هـ/أبريل 2003. العلاقات العامة والتبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب الدراسات العليا (الماجستير)، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية) - "دور وسائل الإعلام الجماهيرية في التنمية والثقافة والتعليم" أطروحة للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الأدب phD (صحافة) من جامعة موسكو الحكومية، 1988. (باللغة الروسية، بحث غير منشور) - "دور الصحافة السورية في التنمية والثقافة والتعليم" أطروحة للحصول على درجة الماجستير في الصحافة. جامعة طشقند الحكومية، 1984. (باللغة الروسية، بحث غير منشور)
4. د. محمد البخاري، د. دانيار أبيدوف: الخدمات الإعلامية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 491/آب 2004.
5. فيصل عباس: مردوخ يشتري «داو جونز».. و«حاجز» لمنع تدخله في تحرير «وول ستريت جورنال» // الرياض: الشرق الأوسط 1/8/2007. - مدير تسويق «إم بي سي»: نعمل على تطوير دخلنا من مصادر غير الإعلان. // الرياض: الشرق الأوسط، 12/8/2007.
6. كارولين عاكوم: هل جاء عصر التحالفات الإعلامية العربية؟ اندماج «روتانا» و«إل بي سي» يسلط الضوء على مستقبل «التكتلات» في المنطقة. // الرياض: الشرق الأوسط 12/8/2007
[1] أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسيةDC ، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
[2] W. Phillips Davison: International Political Communication. New York. Fredrick A. Paeger. 1965, pp. 3-10.
[3] إيهاب السوقي: الأبعاد الاقتصادية للتقدم التكنولوجي على أداء التجارة الخارجية. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 129/يوليو 1997. ص 213.
[4] كريم حجاج: حرب المعلومات وتطور المذهب العسكري الأمريكي. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 123/يناير 1996. ص 122. و
- Peter Drucker: The New Realities: In Government and Politics, In Economics and Business, In Society and World View (New York: Harper & Row Publishers, 1989), Scott Lash., John Urry. The End of Organized Capitalism (Cambridge: Polity Press, 1993).
[5] د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق.القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1990، ص 31. و
- Colin Cherry: World Communication, Threat or Promise. A sociotechnical App-roach, London, Wiley-Interscience. 1971. pp.57-102.
[6] Bogdan Osolnik: Some Problems Concerning International Communication from the View Point of Implementing the Principles of the Charter of the U.N. and the Declaration of Human Rights, Symposium Ljubljana 1968, Mass Media and International Understanding. School of Sociology, Political Scince and Journalism. Ljubljana. 1968, pp. 7-15.
[7] حقائق أساسية عن الأمم المتحدة 1972 - ص. 140-146.
[8] القاموس الدبلوماسي. الجزء الأول، دار ناووكا، موسكو 1985. ص 195- 223. (باللغة الروسية)
[9] القاموس الدبلوماسي في ثلاثة أجزاء، الطبعة الرابعة، ناووكا موسكو 1986. ص 17-307. (باللغة الروسية)
[10] د. محمد علي العويني: مصدر سابق. ص 41. و
- Dinker Rao: Mankekar, Mass Media and International Understanding as a Newly - Emerged. Underdeveloped Country Looks at the Problem. Symposium Ljubljana 1968, op. cit. pp. 235 - 239. - Theodore E: Kruglak. The International News Agencies and the Reduction of International Tensions. Symposium Ljubljana 1968. op. cit., pp. 240-244. - Khalil Sabat: Role de La Veracite del' Information Dans La Comprehension Internationale. Symposium Ljubljana 1968. op. cit., pp. 245-252.
[11] Oton Pancer: Le Roie de la Langue International Dans La Communication Publique et Dans La Comprehension Internationale. Symposium Ljubljana 1968, op. cit., pp. 337 - 339.
[12] نفس المصدر السابق و
- Wilbur Schamm: Mass Media and National Development, The Role of Information in the Developing Countries Stanford University Press, 1966. - Mohamed Habiboullah Ould Abdou: L'information en Mauritanie, These de Docdorat de 3e. Cycle. Universite de Paris 2, 1975. - Mohamed Ali Khandan: Sima, Information et Politique Petroliere. These de Doctorat de Specialite en Science de L'Information, Universite de Paris 2, 1973-1974.
بقلم: أ.د. محمد البخاري[1]
هناك دور مطلوب من للإعلام الدولي في إطار العلاقات الدولية يلبي من خلاله جوانب مختلفة من السياسة الخارجية للدول ومعروف أن السياسة الخارجية لأي دولة مستقلة متمتعة بالسيادة الوطنية هي نتاج لعدة عوامل مشتركة داخلية وإقليمية ودولية. وتتناول العوامل الداخلية التراث الفكري والثقافي والتاريخي، والأوضاع الاجتماعية والسكانية، والمقدرات الاقتصادية والعسكرية، إضافة للتركيبة السياسية في المجتمع.[2] أما العوامل الإقليمية، فترتبط بالنظام الإقليمي السائد في الإقليم الذي تنتمي إليه تلك الدولة، ومدى تأثر السياسة الخارجية للدولة في هذا النظام، ومدى تفاعل عناصر القوة داخل الإقليم، وعلاقة النظام الإقليمي بالنظام العالمي، كإقليم جنوب شرق آسيا، وآسيا المركزية، والعالم العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وحوض الكاريبي، وإقليم جنوب شرق آسيا، وغيرها من الأقاليم. أما العوامل القارية فترتبط بتفاعل عناصر القوة على مستوى القارة بكاملها، والأنظمة السائدة فيها وإمكانية تأثيرها على السياسة الدولية كما هي الحال في الإتحاد الأوروبي ومنظمة الوحدة الإفريقية مثلاً.
بينما تتناول العوامل الدولية النظام الدولي وخصائصه، وتطوره وأبعاده، والعلاقة بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة، والدول الغنية والدول الفقيرة، وعناصر قوة الأطراف الدولية المختلفة، وهيئاته الدولية كمنظمة الأمم المتحدة مثلاً، ومدى تأثيرها على السياسات الخارجية لدول العالم. واعتماداً على كل تلك الحقائق يتم رسم وتشكيل السياسة الخارجية للدولة من قبل أجهزة رسم السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية، يفوق في بعض الحالات دور المؤسسات غير الرسمية على دور المؤسسات الرسمية، وإن كان ذلك يختلف باختلاف النظم السياسية ودرجة التطور في مختلف دول العالم.
ومن الملاحظ أن السياسة الخارجية المعاصرة، لم تعد تعتمد اليوم على فرد، بل أصبحت تعتمد على فريق عمل متكامل، مزود بأحدث تقنيات الاتصال التي تمكنه من الوقوف على تطور الأحداث فور وقوعها، مما أفسح المجال لصاحب القرار في مجال السياسة الخارجية، للاعتماد على فريق عمل من المستشارين المتخصصين في تخصصات متنوعة، تعرض عليهم الموضوعات التي تدخل ضمن إطار تخصصاتهم، وفي بعض الأحيان يعرض الموضوع الواحد على أكثر من مستشار بتخصصات متعددة لها علاقة بالموضوع قيد البحث، وبناءً على ذلك توضع عدة بدائل تعالج موضوع واحد مع شرح للمساوئ والمحاسن التي ترجح كل بديل عن غيره، تاركين القرار لصاحب الحق في اتخاذ القرار المناسب في مجال سياسة الدولة الخارجية.
ورغم اعتماد السياسة الخارجية للدولة على الدراسة والأساليب والمناهج العلمية الحديثة المتطورة والمنطقية لاتخاذ القرار، إلا أن هذا لا ينفي دور المؤسسات الديمقراطية في المجتمع المدني من برلمان وأحزاب وتجمعات سياسية واستفتاء شعبي، لإضفاء الشرعية على قرار معين في السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك سياسة خارجية معلنة للدولة وسياسة فعلية غير معلنة ولظروف معينة قد تختلف السياسة المعلنة عن السياسة الفعلية غير المعلنة، وقد يعلن عن السياسة الفعلية بعد زوال الظروف التي حالت دون إعلانها.
وتدخل السياسة الخارجية للدولة حيز التنفيذ فور اعتمادها، بإتباع كل الوسائل المتاحة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً واجتماعياً وثقافياً، ويدخل في إطار الوسائل السياسية التمثيل الدبلوماسي المعتمد، والمقابلات والزيارات الرسمية، والمعاهدات، ودبلوماسية القمة التي يلجأ إليها في المسائل الملحة والهامة والمصيرية كالقمم الثنائية، ومؤتمرات القمة كالقمة العربية، وقمة المؤتمر الإسلامي، وقمة رؤساء دول رابطة الدول المستقلة، وقمة الاتحاد الأوروبي، والقمة الإفريقية، وقمة منظمة شنغهاي للتعاون مثلاً، ويساعد على ذلك التطور الهائل الحاصل اليوم في وسائل المواصلات والاتصالات التي قصرت المسافات بين الدول، ووفرت الوقت والجهد.
ومن الوسائل المتبعة في تنفيذ السياسة الخارجية للدول، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وتقديم الهبات والمساعدات والقروض، وإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وإرسال الخبراء الاقتصاديين، وهو ما يسمى بدبلوماسية المساعدات الاقتصادية لتحقيق أغراض سياسية معينة. وهنا يبرز دور شبكة الإنترنيت العالمية، بعد أن تطور مفهوم التجارة الالكترونية، وظهور هذا المصطلح في قاموس التجارة الخارجية، في نفس الوقت مع التقدم الهائل الحاصل في تكنولوجيا الاتصال، وما رافقها من تطورات هامة أثرت في عمليات التبادل الإعلامي الدولي، والتبادل التجاري وتبادل السلع والخدمات بين الدول المختلفة، وينطوي مفهوم التجارة الالكترونية على أي نوع من أشكال التعاملات التجارية والمالية التي تتم الكترونياً عبر شبكة المعلومات الدولية (انترنيت) وتتم هذه التعاملات بين الشركات والبنوك بعضها البعض، أو بين الشركات والبنوك وعملائهم، أو بين الشركات والبنوك والإدارات المحلية. وبهذا أصبح بإمكان التجارة الالكترونية أن تقوم بوظائف عديدة في عمليات التبادل التجاري الدولي. من بينها الإعلان والتسويق والمفاوضات وتسوية المدفوعات والحسابات، ومنح الامتيازات والتراخيص، وإعطاء أوامر البيع والشراء. ولهذا بدأت البنوك والشركات الكبرى في العالم بتأسيس مواقع خاصة لها على شبكة الانترنيت، التي بدأ يتزايد عدد مستخدميها ليصل إلى أكثر من خمسين مليون مشترك من كافة أنحاء العالم، وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 20 % من حجم الصفقات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 10 % منها في أوروبا يتم من خلال التجارة الالكترونية. ويتوقع أن تزيد هذه النسبة في الفترة المقبلة. بالإضافة لما تتيحه التجارة الالكترونية من المزايا العديدة لتسهيل عمليات التبادل الإعلامي الدولي، وإتاحة المزيد من الاختيارات أمام المستهلك، وتخفيض الوقت والتكلفة لكل من المستهلك والمنتج، واتساع دائرة التسويق من السوق المحلية إلى السوق العالمية، وسهولة النفاذ إلى أسواق جديدة. وتؤدي هذه المزايا التي تتمتع بها التجارة الالكترونية إلى تغييرات جوهرية في طبيعة وأساليب عمليات التبادل الإعلامي الدولي لأنها تعمل على تحقيق ثلاثة عناصر رئيسية تتمثل في الكفاءة من خلال تخفيض التكاليف في مراحل عديدة من بينها تكلفة الإعلان والتصميم والتصنيع، والفعالية من خلال توسيع نطاق السوق وتلبية احتياجات المستهلك، والابتكار وتحسين نوعية المنتج وذلك في ظل المنافسة الشديدة وتوفر المعلومات.[3]
أما الوسائل العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة فتكون بالتهديد أو التلويح باستخدامها أو استخدامها الكلي أو المحدود في بعض الأحيان، وسياسة تقديم المساعدات العسكرية، وإمدادات العتاد والسلاح بأنواعه المختلفة لتحقيق أهداف سياسية معينة. بالإضافة لاتفاقيات التعاون العسكري، والدخول في عضوية الأحلاف العسكرية. وتبادل المعلومات لاستخدامها في الحروب المعلوماتية في ظل الثورة التكنولوجية التي أحدثتها تكنولوجيا وسائل الاتصال عن بعد الحديثة، غير أن التحليل الدقيق لمفهوم الثورة التكنولوجية يظهر أن ظاهرة الحروب المعلوماتية ليست قاصرة على الجوانب التقنية المعقدة لنظم الاتصال عبر شبكات الكمبيوتر الحديثة المستخدمة في إدارة العمليات الحربية، بل تتعدى ذلك لتشمل طبيعة الحرب نفسها مع قدوم عصر المعلومات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الذي أفرزها. وقد واكب الاهتمام المتزايد بالحرب المعلوماتية داخل أروقة البنتاغون الأمريكي، ظهور إدراك متنامي في أوساط المفكرين ورجال الأعمال بمدى عمق التحولات التي تشهدها مجالات السياسة والاقتصاد وأنماط التفاعل الإجتماعي، التي تتمثل في السمة المشتركة بينها في زيادة الاعتماد على جمع وتحليل كم هائل من المعلومات للتعامل مع درجة التعقيد التي وصلت إليها البيئة الإنسانية والتكنولوجية في نهاية القرن العشرين، والتي بلا شك ستكون السمة الغالبة التي ستميز القرن الواحد والعشرين. باتجاه نحو التعقيد واستمرار التأثير على حركة التطور، حتى أصبحت وظيفة تحليل المعلومات تفوق في أهميتها الوظائف التقليدية التي ميزت عصر الثورة الصناعية وهي ظاهرة برزت بوضوح أثناء تحول اقتصادات بأكملها من النمط الصناعي الذي يعتمد على الإنتاج الشامل إلى اقتصاد المعلوماتية الذي تدار فيه عمليات الإنتاج والتجارة عن طريق شبكات الاتصال وتبادل وتحليل المعلومات إلكترونياً.[4] وظهر جانبها العسكري واضحاً أثناء عملية اجتياح العراق من قبل قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003.
وتشتمل الجوانب الإعلامية والثقافية والعلمية والاجتماعية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، إضافة لاتفاقيات التعاون المشترك، تبادل المعلومات والأفلام التسجيلية وأشرطة الفيديو والكتب والمعارض، وتدعيم التعاون بين المؤسسات الإعلامية الاجتماعية والثقافية والتعليمية ومراكز البحث العلمي، وتبادل المنح الدراسية، وتشجيع الدبلوماسية الشعبية وتبادل الزيارات والوفود والمجموعات السياحية.
ويعد التبادل الإعلامي الدولي من الوسائل الفعالة لتنفيذ سياسة الدولة الخارجية ويمارسها الجميع من رئيس الدولة إلى أصغر المناصب الإدارية في الدولة كل في اختصاصه، في الوقت الذي تسعى فيه وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج إلى تحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال مؤسساتها الإعلامية المختصة بالإعلام الخارجي، إلى جانب قيام البعثات الدبلوماسية المعتمدة، بوظيفة إعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال إصدارها للنشرات الإعلامية، أو ما تتناقله وكالات الأنباء العالمية من تصريحات، أو ما تنشره الإذاعات المسموعة والمرئية والصحف والمجلات واسعة الانتشار من مواد أصبحت اليوم بمتناول الجميع بسبب التطور العلمي والتقني الهائل الذي حدث خلال تسعينات القرن العشرين، وسمح باستقبال البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، ومطالعة الصحف من خلال شبكات الكمبيوتر وخاصة شبكة الإنترنيت العالمية، ومن لا يعرف اليوم وكالات الأنباء العالمية ومحطات الإذاعة والتلفزيون العالمية الأمريكية والفرنسية والبريطانية، الموجهة إلى جميع دول العالم تقريباً وبأكثر اللغات العالمية انتشاراً، كالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والصينية والروسية والبرتغالية والفارسية والتركية والألمانية وغيرها من اللغات الحية.
والتبادل الإعلامي الدولي اليوم يعكس أساساً الأوضاع القائمة من ثقافية وعلمية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، ولكن لا يمكن التقليل من أهمية وإمكانيات الإعلام الموجه، وتأثيره وفعاليته من خلال التخطيط المحكم للحملات الإعلامية، وتكتيكات وأساليب عملها، ومتابعتها ورصدها للإحداث وشرحها وتحليلها، ومراعاتها لخصائص المستقبل المحلي والأجنبي للرسائل والمواد الإعلامية.
ويتمتع الإعلام الدولي بأهمية خاصة كوسيلة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للدول الكبرى والمتقدمة، تتناسب مع حجم مصالح هذه الدول على الصعيد الدولي، وتعاظم دورها وتأثيرها في السياسة على الساحة الدولية، فهي تعمل من خلال وسائل إعلام متطورة تملكها، وتوجهها نحو تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها في الخارج.
ومن نظرة موضوعية للوظيفة الإعلامية، فإننا لا نستطيع الفصل بين الإعلام الداخلي والإعلام الخارجي لأنهما عملياً يكملان بعضهما البعض ويقومان بعمل واحد يخدم سياسة الدولة ويدعم مواقفها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتخطئ الدولة التي تدعم الإعلام الداخلي على حساب الإعلام الخارجي، أو بالعكس، لأن هذا يضر بمصالح هذه الدولة على الصعيد العالمي ويفسح المجال واسعاً أمام وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، للإضرار بسياسة تلك الدولة وتشويه سمعتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، أو الإقلال من أهميتها في المجتمع الدولي، أو على الأقل التعريف بتلك الدولة من خلال وجهات نظر تلك الوكالات والوسائل الإعلامية الأجنبية التي لا تتطابق والمصالح الوطنية للدولة المعنية، حتى وعلى الصعيد الداخلي في تلك الدولة بعد انهيار الحواجز الجغرافية واللغوية والزمنية أمام وسائل الاتصال عن بعد الحديثة والمتطورة. وكلما أمسكت وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج بزمام المبادرة، وتميزت بالسرعة في الحركة، وتمشت مع التطور العلمي والتقني، كلما كانت أكثر فاعلية وتأثيراً وخدمة لأهداف السياسة الخارجية للدولة، ولكن هذا يخضع لعدة مؤثرات أخرى يدخل ضمنها الإعلام المضاد، والخلفية الثقافية للمستقبل الأجنبي، التي تحدد مدى راجع صدى المادة الإعلامية الموجهة للمستقبل الأجنبي. وطبيعي أن أية حملة إعلامية مهما بلغت من الدقة في الإعداد والتوجيه لتحقيق أهداف معينة، فإنها قد تحقق جزءاً من تلك الأهداف أو كلها حسب ظروف المستقبل الأجنبي ومدى تعاطفه وردة فعله على مضمون المادة الإعلامية، لأن الإنسان بحد ذاته يشكل جملة أحاسيس ومشاعر ومعتقدات وأفكار، وليس آلة يمكن توجيهها من قبل صاحب المادة الإعلامية الموجهة حيث يشاء. وتتحكم بردة فعله على المادة الإعلامية جملة مؤثرات داخلية وخارجية، وعلى الخبير الإعلامي السعي لمعرفتها والاستجابة لها، عند الإعداد لأية حملة إعلامية أو عند إعداد أية مادة إعلامية للمتلقي الأجنبي. ومن العوامل الأخرى التي تحد من فعالية وتأثير الإعلام الوطني الموجه للخارج، التأخر في نشر المادة الإعلامية، أو نشرها بعد فوات الأوان، أو مواجهته لإعلام مضاد قوي يستند على حقائق تاريخية وثقافية ولغوية، ومنطق إعلامي مقبول لدى المستقبل الأجنبي، من المنطق الذي تخاطبه به وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج. إضافة للإمكانيات المادية الكبيرة التي يحتاجها نجاح الإعلام الخارجي الموجه في الدول الصغيرة والفقيرة، مما يجعلها عاجزة أمام الإعلام الموجه للدول الكبيرة والمتطورة والغنية، وهو ما يفسر نجاح الحملات الإعلامية لتلك الدول بغض النظر عن الموضوعية والمنطق والحجج التي يلجأ إليها إعلام تلك الدول.[5]
التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف المنظمات الدولية: يعد التبادل الإعلامي وظيفة من وظائف المنظمات الدولية، وتختلف هذه الوظيفة باختلاف طبيعة عمل هذه المنظمات وأنشطتها ووظائفها في المجتمع الدولي. كما وتعتبر المداولات الجارية في المؤتمرات واللقاءات الدولية التي تدعو لها تلك المنظمات على مختلف الأصعدة والمستويات، والمواد الإعلامية التي تصدرها من تقارير ومعلومات وكتب ومجلات ونشرات ومواد إحصائية وإعلامية وأفلام فيديو ومراسلات إعلاماً دولياً، يجد طريقه للنشر جزئياً أو بالكامل في وسائل الإعلام الجماهيرية للعديد من دول العالم. كما وتستفيد الدول الصغيرة والفقيرة التي لا تملك إعلاماً خارجياً، من منابر تلك المنظمات لتوجيه بيانات ومذكرات تجد طريقها في أكثر الأحيان للنشر في وسائل الإعلام الدولية المختلفة، وتعتبر مشاكل التبادل الإعلامي الدولي والاتصال والتدفق الحر للمعلومات، والتعاون السلمي بين الشعوب، من أولى المشاكل التي تصدت لها منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها، عقب الحرب العالمية الثانية. حيث أصدرت العديد من المبادرات ودعت لانعقاد العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية لبحث مشاكل التبادل الإعلامي الدولي، وأصدرت الكثير من التقارير والوثائق الدولية حول هذا الموضوع.[6] وكان لمنظمة الأمم المتحدة دوراً كبيراً في تقديم المساعدة للدول الفقيرة لإنشاء وسائلها الإعلامية الوطنية. وبحثت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة العديد من المسائل التي مازالت تعتبر من المشاكل الرئيسية للتبادل الإعلامي الدولي، منها تعريف حرية الإعلام والحقوق المترتبة عن حرية الإعلام وطرق تنفيذها على الصعيد الدولي، هذه المشكلة المدرجة في جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة منذ سنوات قيامها الأولى وحتى الآن، بالإضافة للتدفق الحر للمعلومات، والتغلب على الحواجز المعيقة للاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، ومن ضمنها تحديد موجات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني. كما وافقت المنظمة على بعض الاتفاقيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وحرية التعبير، وتنظيم وضع المراسلين الأجانب في البلدان المضيفة، ولاسيما أثناء الأزمات حيث يعتمد وضعهم على حسن نية وتفهم الدول والأفراد فيها.
ويستنكر ميثاق منظمة الأمم المتحدة التحريض على الحرب، والاستعداد النفسي لها، والدعاية لها، ووفقاً لأحكام القانون الدولي: فإن التخطيط للحرب والإعداد لها وإعلانها، جريمة ترتكب بحق البشرية وتهدد السلام العالمي، ويدخل في هذا الإطار الأنشطة الدعائية التي تمهد للعدوان، ونشر الكراهية ضد الشعوب الأخرى، ونشر المعلومات الكاذبة والمشوهة لتبرير نوايا عدوانية مبيتة، كحجة نزع القدرات النووية للعراق قبل اجتياح أراضيه حتى دون موافقة مجلس الأمن الدولي وثبت عدم وجود تلك القدرات لديه بعد احتلاله من قبل قوات التحالف الدولي.
ومنظمة الأمم المتحدة بالإضافة لتناولها مشاكل التبادل الإعلامي الدولي بحثاً عن حلول ملائمة لها، فإنها تقوم بوظائف إعلامية محددة، من خلال نشر مطبوعاتها المختلفة باللغات الرسمية المستخدمة في هذه المنظمة، على نطاق واسع. كما وأنشأت منظمة الأمم المتحدة مكاتب لها في العديد من دول العالم، ويشمل نشاط كل مكتب منها الدولة المقر والدول المجاورة لها، على سبيل المثال: مركز منظمة الأمم المتحدة في بانكوك عاصمة تايلاند يشمل نشاطه إضافة إلى تايلاند، كمبوديا، ولاوس، وماليزيا، وسنغافورة، وفيتنام؛ ومركز منظمة الأمم المتحدة في القاهرة عاصمة مصر، يشمل نشاطه إضافة لمصر، المملكة العربية السعودية، واليمن؛ ومكتب الأمم المتحدة في جينيف عاصمة سويسرا، يشمل نشاطه إضافة لسويسرا، إسبانيا، والبرتغال، والنمسا، وبلغاريا، وألمانيا، وبولندا، والمجر.[7]
وأدى تضخم كميات المعلومات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة إلى أن يصبح التعامل معها صعب رغم استخدام أحدث السبل والتقنيات الحديثة لنشر وحفظ وفهرسة تلك المعلومات، وهو ما يسمى اليوم بالانفجار الإعلامي الدولي. ومن المنظمات الدولية المتخصصة في مجال التبادل الإعلامي الدولي:
المنظمة العالمية لحماية حقوق التأليف التي أسستها منظمة الأمم المتحدة عام 1967 بدلاً عن المنظمة التي كانت قائمة منذ عام 1893، وتضم في عضويتها أكثر من 109 دول؛ وإتحاد البريد العالمي الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة عام 1947 بدلاً عن الإتحاد الذي كان قائماً منذ عام 1874 ويضم في عضويته أكثر من 168 دولة؛ والمنظمة العالمية للإتصالات البحرية عبر الأقمار الصناعية التي تأسست في لندن عام 1976 وتضم في عضويتها أكثر من 43 دولة؛ والمنظمة العالمية للإذاعة والتلفزيون التي تأسست عام 1946 بدلاً عن منظمة الإذاعات العالمية؛ والمنظمة العالمية للإتصالات الإليكترونية عبر الأقمار الصناعية التي تأسست في واشنطن عام 1964 وتضم في عضويتها أكثر من 109 دول؛ والمنظمة العالمية للإتصالات الإليكترونية التي تأسست عام 1865 وتضم في عضويتها أكثر من 160 دولة؛ ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التي أنشأتها منظمة الأمم المتحدة عام 1945 من خلال المؤتمر الذي انعقد في لندن وضم ممثلين عن 44 دولة، وتضم في عضويتها أكثر من 160 دولة؛ ومنظمة الصحفيين الدولية التي تأسست عام 1946 وتضم منظمات الصحفيين لأكثر من 120 دولة في العالم.[8]
وتقوم المنظمات الإقليمية بوظائف إعلامية من خلال وسائل إعلامها الخاصة بها، وتغطي أخبار مؤتمراتها ونشاطاتها الخاصة، وتشرح وجهة نظرها من القضايا الإقليمية والدولية. ومن هذه المنظمات الإقليمية:[9] مجلس آسيا والمحيط الهادي الذي تأسس عام 1966 ويضم في عضويته أستراليا، وماليزيا، ونيوزيلنديا، وتايلاند، والفيليبين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، وتايوان؛ ورابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) التي تأسست في بانكوك عام 1967 وتضم في عضويتها بروني، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وتايلاند، والفلبين؛ ومنظمة حوض الكاريبي التي تضم دول حوض الكاريبي. ونشأت من خلال رابطة الكاريبي للتجارة الحرة وضمت في عضويتها خلال الأعوام 1965 / 1968 غيانا، وأنتيغوا، وباربادوس، ورينيداد وتاباغو، وغرينادا، ودومينيكان، ومونت سيرات، وسينت فينسينت، وسينت كريستوفير نيفيس أنغليا، وسينت لوسيا، وجامايكا، وفي عام 1970 بيليز؛ وجامعة الدول العربية التي تأسست في القاهرة 22/3/1945 وتضم 22 دولة عربية هي: الجزائر، والبحرين، وجيبوتي، ومصر، والأردن، والعراق، واليمن، وقطر، والكويت، ولبنان، وموريتانيا، والمغرب، والإمارات العربية المتحدة، وعمان، والعربية السعودية، وسورية، والسودان، وتونس، وليبيا، والصومال، وفلسطين وجزر القمر؛ ورابطة الدول المستقلة: التي تأسست عام 1990 في مينسك وتضم معظم الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق؛ ومنظمة شنغهاي للتعاون: التي تأسست في شنغهاي عام 2000 وتضم في عضويتها: الصين، وروسيا، وقازاقستان، أوزبكستان، وقرغيزستان، وطاجكستان.
ويخضع التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من الوظائف المتعددة للمنظمات الدولية والإقليمية، للحدود التي تخضع لها تلك المنظمات الدولية والإقليمية، وتخضع قراراتها وفق أنظمة تلك المنظمات للمداولة لظروف من الضغوط الخارجية، ومصالح أعضائها ومصالح الدول المتقدمة المهيمنة على الساحة الدولية، رغم أن قرارات هذه المنظمات غير ملزمة وفقاً لمبدأ "المنظمات الدولية ليست فوق الدول ولكنها تشكل إرادة مستمدة من إرادة الدول الأعضاء في تلك المنظمات"، ووظيفة التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف المنظمات الدولية والإقليمية، هي المساهمة في تشجيع التعاون السلمي والتفاهم بين الشعوب، ودفع التطور الإنساني ونشر المعرفة لما فيه مصلحة الإنسان والمجتمع، مستخدمة في ذلك كل وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام الجماهيرية.
التبادل الإعلامي والتفاهم الدولي: ويتحدد الإطار المثالي للتفاهم الدولي من خلال التبادل الإعلامي الدولي بتوخي الموضوعية المجردة، والدقة في إبراز الوقائع والصدق ووضع الجوانب المختلفة للموضوع والابتعاد عن التشويه،[10] والسعي نحو الحقيقة، وهو ما يصعب تحقيقه. وتعتبر هذه الصورة مثالية بحد ذاتها وترتبط في معظم الأحيان بالحديث عن السلام العالمي والتفاهم والتعاون الدولي، ونبذ الصراع بكل أشكاله، واللجوء إلى التفاوض في حل المشاكل والخلافات المحلية والإقليمية والدولية، والسعي إلى ما فيه خير البشرية، بما فيها إقامة سلطة تتعدى سلطة الدول ! ! ؟ وهو ما نجده في بعض نصوص القانون الدولي وخاصة عندما توضع في محك التطبيق العملي، كما ونصادفها في كتابات الفلاسفة على مر العصور عندما تناولوا مواضيع التفاهم الدولي والتعاون بين الأمم. وعلى كل حال فإن العلاقات الدولية والظواهر الاجتماعية المختلفة تتسم بالدينامكية وسرعة الحركة والتغيير، وما هو مثالي صعب التحقيق اليوم قد يصبح سهلاً وواقعياً في فترة لاحقة. وما كان مثالياً وضرباً من الخيال قبل انهيار المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها الإتحاد السوفييتي السابق، أصبح واقعياً بعد انهيارهما السريع والمفاجئ، وانتهاء الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بين الشرق والغرب.
اللغات القومية والتفاهم الدولي: ومن المعروف أن العالم المعاصر يستخدم ما يقرب من 2900 لغة،[11] بالإضافة إلى اللهجات المحلية المنبثقة عن تلك اللغات، مما يجعل من عملية التفاهم الدولي مهمة شاقة وصعبة، وباهظة التكاليف المطلوبة للترجمة الفورية والتحريرية، إن كان في المؤتمرات واللقاءات الدولية، أم في وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للمواطن الأجنبي. لأن التبادل الإعلامي يعد في كثير من الحالات معوقاً للتفاهم الدولي، عندما لا يلتزم بالموضوعية، ويشوه الوقائع ويبرز وجهة نظر دون أخرى، وكثيراً ما يضع جوانب الموضوع التي تفيده فقط، ويتعمد التشويه خدمة لطرف واحد من أطراف الصراع، مهاجماً أو مواجهاً الطرف الآخر من الصراع الدائر. بطريقة يتم فيها احتكار تفكير الإنسان، وتوجيهه دون إرادة منه، لمفاهيم تحتوي على جانب واحد من الحقيقة، وبتكرارها بصور وأشكال مختلفة يصبح الإنسان مقتنعاً بها، معرضاً عن الجانب الآخر من الحقيقة حتى ولو اطلع عليها بطريقة أو أخرى. ويفسر ذلك بأن التبادل الإعلامي الدولي، بالأساس هو وسيلة من وسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول، وبالتالي فهو يسعى لخدمة هذه السياسات والتفاعل من أجل ذلك مع الوسائل الأخرى لخدمة تلك السياسات، ومن هنا فإن الموضوعية أو عدم تشويه الوقائع أو الكذب، الذي يصاغ بشكل يراعى فيه عدم إمكانية اكتشافه، واستخدامه ببراعة للهجوم على الخصم، من خلال وضع جوانب الموضوع بتكتيك معين يسير في إطار تحقيق أهداف السياسات الخارجية للدول. ومن هنا نفهم واقع سوء توزيع مصادر الأنباء في العالم، عندما توظف الدول المتقدمة إمكانياتها الاقتصادية، وتقدمها العلمي والتكنولوجي في خدمة سياساتها الخارجية، وهي الأكثر نضجاً من غيرها في الدول الأقل تطوراً، ويبرز الواقع أيضاً أن هذه الدول المتقدمة والغنية، تتحكم بوكالات الأنباء المؤثرة والرئيسية المسيطرة على جمع توزيع الأنباء في العالم، بالإضافة إلى محطات الإذاعة والتلفزيون وشبكات الكمبيوتر العالمية، والصحف والمجلات المنتشرة على نطاق عالمي، ووسائل الاتصال الحديثة وشبكة الأقمار الصناعية المخصصة للإتصالات ونقل البث الإذاعي والتلفزيوني، التي مكنت تلك الدول من إيصال واستقبال المعلومات الفورية دون أية حواجز تذكر إلى ومن أية نقطة في العالم.
وجعل التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في مجال الاتصال، من وسائل الإعلام الجماهيرية سلاحاً خطيراً في أيدي القوى الكبرى والدول المتقدمة والغنية، للتأثير على الرأي العام العالمي وتوجيهه، وخاصة فيما إذا استخدمت وسائل الإعلام الجماهيرية القوية والمسيطرة تلك، للتحريض على الحرب وإثارة التعصب الديني والقومي والعنصري، كما هو جار اليوم دون الدعوة للسلام ونصرة الحقوق المشروعة والتعاون والتفاهم بين الشعوب، ونبذ أي نوع من التعصب مهما كان نوعه، خدمة للتقدم الإنساني.
المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي: تزايد منذ العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين الدور العالمي لوسائل الإعلام الجماهيرية، واسعة الانتشار وخاصة منها برامج التلفزيون المنقولة عبر الأقمار الصناعية، رغم تباين النظم السياسية والإيديولوجية ودرجات النمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لدول العالم المختلفة، ورغم عدم التكافؤ الواضح بين القلة القليلة التي تبث السيل الهائل من المعلومات على مدار الساعة يومياً، وبين الغالبية العظمى من دول العالم التي تستقبل ما يرسل إليها، بغض النظر عن وضعها الاقتصادي غنية كانت أم فقيرة، لأن من يصنع ويملك تقنيات وتكنولوجيا الاتصال ويتحكم بصياغة المادة الإعلامية هو المسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي دون منازع يذكر، ومن عداه فهو مستهلك لتكنولوجيا وتقنيات الاتصال وللمادة الإعلامية باهظة النفقات والتكاليف. لأن العلاقة شديدة الصلة بين السياسات الخارجية للدول، والرأي العام الوطني والإقليمي والعالمي، كل منها يؤثر ويتأثر بالآخر، وهذا بحد ذاته يبرز مشكلة سياسية عويصة أمام عملية التبادل الإعلامي الدولي، مفادها ضخامة وتضارب المصالح الحيوية لمختلف دول العالم وخاصة الدول المتطورة والغنية، التي تتجاوز حدودها الجغرافية المعترف بها لمناطق أخرى بعيدة كل البعد جغرافياً عنها، وتعدد المشاكل السياسية والاقتصادية والإيديولوجية بينها يجعل عملية التبادل الإعلامي تؤثر وتتأثر حتماً بوسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول الأخرى، وهذا مرتبط بمدى قوة وفاعلية وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج لكل دولة. لأن وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولية، تسعى لخدمة سياسة معينة كثيراً ما لا تتماشى هذه السياسة مع متطلبات التفاهم الدولي، ولأن هذه الوسائل بالأساس تتصدى لمشكلة أو مشاكل سياسية معينة، وتسير في خط معين مرسوم لها ضمن السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما يبتعد هذا الخط عن الموضوعية والدقة في عرض الوقائع، وقد ينجح في إقناع عدد كبير من مستقبلي الرسائل الإعلامية، بعدالة وصدق موقفه من المشكلة المطروحة، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، ومرد ذلك إما الظروف المتاحة دولياً والتفاهم والتعاطف الدولي مع سياسة خارجية معينة، أو قوة أساليب عمل وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية التي يملكها هذا الطرف أو ذاك، أو ضعف أساليب عمل وسائل الإعلام الجماهيرية للطرف المواجه، أو غيابها تماماً عن الساحة الدولية مما يتيح للخصم ظروفاً ممتازة لإقناع الرأي العام العالمي بعدالة وصدق مواقفه كما يشاء دون منازع.
وقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي، إلى انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وإلى انفراج نسبي في العلاقات الدولية، وخفف نوعاً ما من الصراع الإيديولوجي الذي كان قائماً، ولكن سرعان ما استبدل بصراع من نوع جديد أخذ طابعاً آخر كأنه يدعم الديمقراطية والانفراج الدولي ومحاربة التطرف الديني، والإرهاب الدولي من وجهة نظر القوي المسيطر على عملية التدفق الإعلامي الدولي. وأدى غياب الصراع الإيديولوجي إلى تخفيف السباق المتسارع بين التكتلات الإقليمية والدولية المتصارعة للإمساك بزمام المبادرة في توجيه الحملات والضربات الإعلامية ضد بعضها البعض، ولكن لا أحد ينكر فضلها الأكبر في دفع التطور السريع لتقنيات ومعدات الاتصال، التي نعرفها اليوم، وكانت محض خيال قبل نصف قرن من الزمن. وتقوم وسائل الإعلام الجماهيرية لأية دولة في العالم، بتوجيه حملات إعلامية مركزة للتأثير على الرأي العام الدولي وتقوية الرأي العام المحلي داخلياً وتحصينه ضد الحملات الإعلامية الخارجية، وتشترك بنفس النشاط تقريباً مع وسائل إعلام الدول الأخرى التي تشترك معها في تحالفات وتكتلات إقليمية ودولية، ويظهر من خلالها مدى ضلوع عملية التبادل الإعلامي الدولي في مشاكل ومتناقضات السياسة الدولية، محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومن المشاكل العويصة التي تواجه وسائل الإعلام الجماهيرية كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية للدولة، العلاقة الموضوعية بين السياسة الخارجية للدولة، والرأي العام الوطني، والرأي العام الإقليمي، والرأي العام الدولي، خاصة عندما يبرز تضارب واضح وتباين بينها. فبينما تعمل وسائل الإعلام الجماهيرية على تهيئة الرأي العام العالمي لاتخاذ موقف معين من قضية معينة تتفق والسياسة الخارجية للدولة المعنية، نراها في أكثر الأحيان مضطرة لاتخاذ موقف آخر قد يكون مغايير تماماً، لتهيئة الرأي العام المحلي من القضية ذاتها، وهذه مشكلة عويصة بحد ذاتها أمام المخططين والمنفذين للسياسات الإعلامية الداخلية والإقليمية والخارجية. خاصة بعد التطور الهائل الحاصل في مجال وسائل الاتصال الحديثة، وتعدد وسائل الإعلام الجماهيرية وتنوعها وتجاوزها للزمن والمسافات والحدود الجغرافية واللغوية والحضارية، ليصبح ما يحدث اليوم في أي جزء من العالم في متناول الإنسان أينما كان ومهما بعدت المسافات خلال دقائق عبر قنوات التلفزيون الفضائية وشبكات الكمبيوتر، ولتصبح قدرة الدول في التحكم الفعلي بالرأي العام المحلي محض خيال، بعد أن طالته وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري الدولية، وأصبح الخيار في أيدي من يملك وسائل الاتصال الحديثة، ومن يوجه وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، ويسيطر على صياغة الخبر بالطريقة التي تحلو له. وإذا كان العالم اليوم يتجه حسيساً نحو الانفراج والتعاون الإيجابي بين الأمم، فإن هذا لا يعني انتهاء المشاكل والصراعات الدولية القديمة منها والجديدة والمتجددة، وكل ما يحدث هو تغير في الظروف الدولية وديناميكية العلاقات الدولية، وزيادة في عملية التفاعل والتبادل الإعلامي الدولي. وهذا يفرض على خبراء الإعلام الإلمام بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية الدولية، ومسارها التاريخي، والنظم والاتجاهات السياسية السائدة في دول العالم، وخلفية مواقفها من العلاقات الدولية المعاصرة، ليستطيع كلاً منهم أخذ مكانه الفاعل والمؤثر في عملية التبادل الإعلامي الدولي المتجددة، وخدمة سياسات بلده الداخلية والإقليمية والدولية بعد أن تجاوزت وسائل الإعلام الجماهيرية فعلاً الحدود الفاصلة بين تلك السياسات.
المعيقات الاقتصادية لعملية التبادل الإعلامي الدولي: معروف أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري خاضعة بالكامل لسلطة رأس المال، الذي يقوم على دعائم اقتصادية وصناعية وتجارية تتطلب استثمارات هائلة قد تفتقر لها موارد دولة أو حتى عدة دول مجتمعة، مما وضعها في حالة من التبعية تراوحت ما بين التبعية لدولة أو عدة دول مجتمعة. وأدى التطور الاقتصادي والعلمي الهائل خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، إلى تطور مماثل شمل وسائل وشبكات الاتصال الحديثة في العالم، وجعلها حكراً في أيدي الدول المصنعة والغنية، بعيدة عن متناول ومقدرات بعض الدول الصغيرة والفقيرة، لأن الحصول عليها واستثمارها، أو تصنيعها يتطلب أموالاً طائلة واستثمارات كبيرة، وخبرات علمية وتكنولوجية متطورة تفتقر إليها معظم الدول النامية في العالم، ولهذا نرى أن الأوضاع الاقتصادية، ومدى التقدم التقني والعلمي في أي دولة، قد ترك بصماته على وسائل الاتصال المتطورة، ووسائل الإعلام الجماهيري الحديثة. مما سمح لبعض الدول الغنية والمتطورة والأكثر تقدماً اقتصادياً وعلمياً وتقنياً، بالسيطرة على وكالات الأنباء العالمية، وقنوات الإذاعة والتلفزيون الفضائية، والصحف والمجلات الأكثر انتشاراً في العالم، تلك التي تشكل بمجلها المصدر الرئيسي للأنباء في العالم. لأن الاستثمارات الصناعية الضخمة في مجال وسائل وأجهزة الاتصال تتركز في الدول المتقدمة، بينما الدول المتخلفة والنامية والفقيرة هي مستهلكة لبعض منتجات هذه الاستثمارات من خلال الاستيراد وبرامج المساعدات الاقتصادية، وهو ما يخلق في بعض الأحيان مشاكل تقنية في مجال استثمار واستخدام تلك الأجهزة أمام الدول المستوردة أو المستفيدة من برامج المعونة الاقتصادية، بسبب تعدد مصادر تلك الأجهزة وعدم ملاءمتها تكنولوجياً للإسثمار في تلك البلاد، بحيث يتطلب الأمر إجراء بعض التعديلات عليها قبل إدخالها حيز الاستثمار الفعلي مما يرفع من الأعباء التقنية والمالية المترتبة على تلك الدول. خاصة وأن عملية الحصول على الأخبار الدولية وتوزيعها بحد ذاتها باهظة التكاليف، ولا تستطيع تحمل نفقاتها إلا الدول المتقدمة والغنية، كما هو الحال دائماً، بينما نرى أن الدول النامية والفقيرة لم تزل كما كانت دائماً، تعاني من نقص حاد في الخدمات الإعلامية، ونقص في وسائل الاتصال الإلكترونية ومحطات البث والاستقبال الإذاعي المسموع والمرئي، هذا إن لم نشر إلى مشاكل استفادة هذه الدول من خدمات شبكة الأقمار الصناعية في مجال الاتصال وقنوات البث التلفزيوني الفضائية، والاستفادة من خدمات شبكات الكمبيوتر الدولية.
ومن هنا نرى أن التقدم التكنولوجي يعتمد على الثروة المتوفرة لدى الدول الغنية والكبيرة، قليلة العدد في المجتمع الدولي وهي وحدها القادرة على تمويل المشاريع الضخمة في مجال إنتاج أجهزة وتكنولوجيا الاتصال عن بعد الضرورية لوسائل الإعلام الجماهيرية، مما يتيح لها وضعاً ممتازاً لنشر سياستها الخارجية وفرضها في بعض الظروف على الدول الأخرى الأقل تطوراً. وكما هو معروف فإن وسائل الإعلام الجماهيرية لكل دولة من دول العالم تركز في برامجها على الأخبار الداخلية، وما يتصل بقضاياها ومشاكلها من الأخبار العالمية، وقد أوضحت بعض الدراسات العلمية، أن عملية التبادل الإعلامي الدولي تركز بالدرجة الأولى على أخبار الدول الكبرى المتطورة والغنية، وأخبار بعض الدول الأقل تطوراً المؤثرة في ميدان الأحداث والسياسة الدولية، والسبب سيطرة هذه الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وبشكل أقل روسيا وغيرها من الدول المتطورة على وسائل الإعلام الدولية، مما يتيح لتلك الدول فرض وجهة نظرها من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي أحادي الجانب.
وتركز وسائل الإعلام الجماهيرية في موادها الإعلامية على أخبار دولها والدول الحليفة لها، إلى جانب أهم الأحداث العالمية من وجهة النظر السياسية الرسمية للدولة، فوكالات الأنباء الدولية مثل اليونيتد بريس، والأسوشيتد بريس والقنال التلفزيونية الدولية CNN وما تنقله شبكة الكمبيوتر العالمية INTERNETالأمريكية، ووكالة الأنباء رويترز، وهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBC، ووكالة فرنس بريس الفرنسية، ووكالة إتار تاس الروسية، وغيرها من الدول المؤثرة في السياسات الدولية وما تتمتع به من علاقات واسعة مع مختلف دول العالم، ولتفوقها العلمي والصناعي والاقتصادي والعسكري. تطغي أخبارها على أخبار غيرها من الدول، وبمعنى أوضح تسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي وتوجهها لصالحها وصالح حلفائها من دول العالم الأخرى. وقد وصل الخلل في بعض الأحيان إلى درجة أصبح معها أبناء الكثير من دول العالم يعرفون عن الدول الكبرى أكثر مما يعرفون عن بلدانهم، ويعرفون عن تلك الدول الواقعة خلف البحار والمحيطات أكثر مما يعرفون عن البلدان المجاورة لهم، ويعتمدون أساساً في الحصول على المعلومات والأنباء على المصادر الإعلامية للدول الكبرى الموجهة إليهم والناطقة بلغاتهم القومية ويشمل هذا الصراع العربي الصهيوني.
وبينما تنتج الدول المتقدمة كل متطلبات الإنتاج الإعلامي من آلات التسجيل السمعية والبصرية وآلات التصوير وآلات الطباعة وورق الكتابة والطباعة، والحاسبات الالكترونية (الكمبيوتر)، وأجهزة البث والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني، وتنتج أعداداً هائلة من المواد الإعلامية من صحف ومجلات وكتب، وبرامج إذاعية وتلفزيونية وأفلام، ووسائل تعليمية مختلفة، نرى الدول النامية والفقيرة التي لا تملك ولا تنتج مثل هذه المنتجات الإعلامية والتقنية، بل وتفرض أحياناً قيوداً ورسوماً جمركية على استيراد المواد والمعدات الإعلامية وحتى على ورق الطباعة، بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة.
وهكذا نرى مدى تأثر عملية التبادل الإعلامي الدولي بالأوضاع الاقتصادية لكافة دول العالم، التي نستطيع تقسيمها إلى دول متطورة غنية مسيطرة، تمتلك وتتحكم بالمصادر الإعلامية الدولية وتقنياتها، وتوجه عملية التدفق الإعلامي الدولية، ودول متوسطة تؤثر وتتأثر بعملية التدفق الإعلامي الدولية، ودول نامية فقيرة على هامش عملية التبادل الإعلامي الدولية، لا تملك حتى صحيفة يومية واحدة تنطق باسمها، متأثرة بالسيل المتدفق للإعلام الدولي الأجنبي. وبالطبع فإن إدراك الجمهور الإعلامي في الدول التي لا تنتشر فيها وسائل الإعلام الجماهيرية على نطاق واسع، أو التي ترتفع فيها نسبة الأمية الأبجدية أو الحضارية، أو التي ينتشر فيها الفقر، الذي نعتبره صعوبات مادية واقتصادية، يكون إدراكهم لمختلف الموضوعات التي تعرضها وسائل الإعلام الجماهيرية، أقل إدراكاً من الجمهور الإعلامي للدول المتقدمة.[12]
والخلاصة أن وسائل الإعلام والاتصال تعتبر من الركائز الأساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد المجتمعات وهي أساس التفاعلات الاجتماعية وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات المختلفة فيما لو أحسن استخدامها، وهي سلاح ذو حدين في الحوار القائم والمفترض بين الثقافات والحضارات.
طشقند في 15/9/2007
للمزيد يمكن العودة إلى:
1. أحمد صوان: أوراق ثقافية .. عن الإعلام وعيد الصحفيين. // دمشق: تشرين، 19/8/2007.
2. صفات سلامة: الإعلام العلمي العربي: الواقع.. والمأمول. // الرياض: الشرق الأوسط، 21/8/2007.
3. د. محمد البخاري: العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. // دمشق: المعرفة، العدد 519 كانون أول/2006. - التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية) - التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية) - مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية) -"العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة" أطروحة للحصول على درجة دكتوراه علوم في العلوم السياسيةDC ، من أكاديمية بناء الدولة والمجتمع، الاختصاص: 23.00.03 – الثقافة السياسية والأيديولوجيا؛ و23.00.04 – المشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور العالمي". طشقند: 2005. (باللغة الروسية، بحث غير منشور) - الإعلام التقليدي في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // جدة: مجلة المنهل، العدد 592/أكتوبر ونوفمبر 2004. - قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، طشقند: مطبعة "بصمة" 2004. (باللغة الروسية) - العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. // الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 18، 1424هـ، 2003م. - المعلوماتية والعلاقات الدولية في عصر العولمة. // الرياض: مجلة "الفيصل"، العدد 320 صفر 1424 هـ/أبريل 2003. العلاقات العامة والتبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب الدراسات العليا (الماجستير)، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية) - "دور وسائل الإعلام الجماهيرية في التنمية والثقافة والتعليم" أطروحة للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الأدب phD (صحافة) من جامعة موسكو الحكومية، 1988. (باللغة الروسية، بحث غير منشور) - "دور الصحافة السورية في التنمية والثقافة والتعليم" أطروحة للحصول على درجة الماجستير في الصحافة. جامعة طشقند الحكومية، 1984. (باللغة الروسية، بحث غير منشور)
4. د. محمد البخاري، د. دانيار أبيدوف: الخدمات الإعلامية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 491/آب 2004.
5. فيصل عباس: مردوخ يشتري «داو جونز».. و«حاجز» لمنع تدخله في تحرير «وول ستريت جورنال» // الرياض: الشرق الأوسط 1/8/2007. - مدير تسويق «إم بي سي»: نعمل على تطوير دخلنا من مصادر غير الإعلان. // الرياض: الشرق الأوسط، 12/8/2007.
6. كارولين عاكوم: هل جاء عصر التحالفات الإعلامية العربية؟ اندماج «روتانا» و«إل بي سي» يسلط الضوء على مستقبل «التكتلات» في المنطقة. // الرياض: الشرق الأوسط 12/8/2007
[1] أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسيةDC ، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
[2] W. Phillips Davison: International Political Communication. New York. Fredrick A. Paeger. 1965, pp. 3-10.
[3] إيهاب السوقي: الأبعاد الاقتصادية للتقدم التكنولوجي على أداء التجارة الخارجية. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 129/يوليو 1997. ص 213.
[4] كريم حجاج: حرب المعلومات وتطور المذهب العسكري الأمريكي. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 123/يناير 1996. ص 122. و
- Peter Drucker: The New Realities: In Government and Politics, In Economics and Business, In Society and World View (New York: Harper & Row Publishers, 1989), Scott Lash., John Urry. The End of Organized Capitalism (Cambridge: Polity Press, 1993).
[5] د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق.القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1990، ص 31. و
- Colin Cherry: World Communication, Threat or Promise. A sociotechnical App-roach, London, Wiley-Interscience. 1971. pp.57-102.
[6] Bogdan Osolnik: Some Problems Concerning International Communication from the View Point of Implementing the Principles of the Charter of the U.N. and the Declaration of Human Rights, Symposium Ljubljana 1968, Mass Media and International Understanding. School of Sociology, Political Scince and Journalism. Ljubljana. 1968, pp. 7-15.
[7] حقائق أساسية عن الأمم المتحدة 1972 - ص. 140-146.
[8] القاموس الدبلوماسي. الجزء الأول، دار ناووكا، موسكو 1985. ص 195- 223. (باللغة الروسية)
[9] القاموس الدبلوماسي في ثلاثة أجزاء، الطبعة الرابعة، ناووكا موسكو 1986. ص 17-307. (باللغة الروسية)
[10] د. محمد علي العويني: مصدر سابق. ص 41. و
- Dinker Rao: Mankekar, Mass Media and International Understanding as a Newly - Emerged. Underdeveloped Country Looks at the Problem. Symposium Ljubljana 1968, op. cit. pp. 235 - 239. - Theodore E: Kruglak. The International News Agencies and the Reduction of International Tensions. Symposium Ljubljana 1968. op. cit., pp. 240-244. - Khalil Sabat: Role de La Veracite del' Information Dans La Comprehension Internationale. Symposium Ljubljana 1968. op. cit., pp. 245-252.
[11] Oton Pancer: Le Roie de la Langue International Dans La Communication Publique et Dans La Comprehension Internationale. Symposium Ljubljana 1968, op. cit., pp. 337 - 339.
[12] نفس المصدر السابق و
- Wilbur Schamm: Mass Media and National Development, The Role of Information in the Developing Countries Stanford University Press, 1966. - Mohamed Habiboullah Ould Abdou: L'information en Mauritanie, These de Docdorat de 3e. Cycle. Universite de Paris 2, 1975. - Mohamed Ali Khandan: Sima, Information et Politique Petroliere. These de Doctorat de Specialite en Science de L'Information, Universite de Paris 2, 1973-1974.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق