الأربعاء، 26 أغسطس 2009

التبادل الإعلامي الدولي واتخاذ القرارات في السياسة الخارجية

التبادل الإعلامي الدولي واتخاذ القرارات في السياسة الخارجية


بقلم: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC، الاختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون، كلية العلاقات الدولية والاقتصادية بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
من المعروف أن كل دولة من دول العالم تملك إستراتيجية تعكس أهداف حماية أمنها ومصالحها الوطنية تعتمد على مصادرها وإمكانياتها الاقتصادية والبشرية والجغرافية من خلال سياسة خارجية قابلة للتطبيق العملي عبر سلسلة قرارات وإجراءات عملية ومنطقية تراعي المؤثرات الداخلية والخارجية كطرف فاعل في النظام الدولي.
مسؤولية اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية: والهدف من اتخاذ القرارات التوصل لصيغة عمل معقولة يتم اختيارها من بين عدة بدائل مطروحة، للتوصل إلى أهداف معينة، أو لتفادى نتائج سلبية قد تحدث، ويرتبط اتخاذ القرارات عادة بمعايير يتم من خلالها اختيار الأفضل بعد مشاورات ومداولات دقيقة حول الهدف الواجب الوصول إليه من خلال: وضوح الهدف، ودقة قياس الموقف، والاحتمالات الممكنة للوصول إلى الهدف. ويترتب على متخذ القرارات مسؤولية تقييم الافتراضات والتوقعات وتبعات القرار الذي يتخذه.
عناصر عملية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية: وتعتمد عملية اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية على مجموعة عناصر، منها: البيئة الخارجية بكل حقائقها وأبعادها وضغوطها ومؤثراتها، وتفاعلاتها، ومدى إمكانية الحركة والمناورة فيها. لأنه مع ازدياد الضغوط الخارجية تقل الاختيارات التي تتيح إمكانيات الحركة والمناورة أما الأجهزة المختصة. وحاول Harold Sprout التفريق بين التأثيرات النفسية على تصورات واضعي السياسة الخارجية، والحركة لتنفيذ القرارات المتخذة وأشار إلى أنها مرتبطة بعضها ببعض من خلال التصورات الموضوعة بدقة عن واقع البيئة الخارجية؛ والبيئة الداخلية التي تنعكس من خلال الأوضاع الاجتماعية السائدة والنظام السياسي والاقتصادي للدولة المعنية ومن تفاعلات الجماعات الاجتماعية، وجماعات الضغط، ومصالح الأحزاب السياسية... الخ. لأن الأوضاع الاجتماعية تمارس ضغوطها على واضعي القرارات في السياسة الخارجية بطريقة يصعب تجاوزها، وتختلف البيئة الداخلية في النظم السياسية الديمقراطية وغير الديمقراطية من خلال مدى المشاركة الحزبية والشعبية في تكوين تلك البيئة، ومدي الضغوط التي تمارسها عناصر الرأي العام المتكونة من مصالح الأجهزة غير الحكومية والأحزاب السياسية على الأجهزة المختصة بوضع السياسة الخارجية للدولة؛ وطبيعة مصادر القيم والمعتقدات المكونة لتفكير وسلوك واضعي قرارات السياسة الخارجية، ومدى اختلاف تصوراتهم ونماذج وطرق تفكيرهم وسلوكهم؛ والمنطلقات الوطنية التي تعتمد عليها الأجهزة الحكومية في الدولة المتخذة لقرارات السياسة الخارجية ومدى استطاعتها الاعتماد على تلك المنطلقات لتنفيذ قراراتها أو سياساتها لمواجهة ردود الفعل الدولية المضادة. بالإضافة لإمكانيات قاعدة الموارد والقدرات البشرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية التي تتيح ظروفاً أفضل لتنفيذ تلك القرارات؛ وتقييم القدرات وتحديد دورها يعتمد على شقين: الشق الأول ينطلق من تقييم يتم بصورة موضوعية بعيدة عن التحيز والانطباعات الخاطئة التي يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة تضر بالمصالح الوطنية للدولة والمواقف التي يتم التعامل معها من خلال تلك القرارات؛ والشق الثاني يعتمد على ضرورة توفير تصور دقيق عن كيفية تحريك القدرات الوطنية للتعامل مع الموقف بالشكل الذي يجعل قرار السياسة الخارجية قادراً على تحقيق أهدافه المقررة؛ والضغوط الناتجة عن ضرورة اتخاذ قرار بشأن موضوع معين وبدونها تنتفي الحاجة لاتخاذ القرار أصلاً. والضغوط قد تكون نابعة عن هدف معين، ومدى الإصرار على الوصول إلى الهدف عملياً، وتكون هذه الضغوط حافزاً لاتخاذ القرار الذي يستجيب لمتطلبات هذا الهدف. وترتبط الضغوط لاتخاذ القرار في السياسة الخارجية بتوقعات الرأي العام وإلحاح البيئة الداخلية عليه، وبمقدار شعور أجهزة وضع قرارات السياسة الخارجية بهذه الضغوط وتفاعلها معها، وتعبر عن نفسها باتخاذ القرار أو عدمه. أضف إلى ذلك قوة الضغوط العاطفية والانفعالية التي تتولد في جو البيئة العامة للقرار والتي تؤثر فيه من ناحية أو أخرى؛ والهيكل التنظيمي الرسمي الذي تتم في إطاره عملية اتخاذ القرارات الخارجية وتختلف الهياكل التنظيمية من حيث مدى تشعبها وتعدد مستوياتها، ومن حيث مدى تعقد الإجراءات التي تحكم علاقاتها ونماذج الاتصال والتعامل ضمنها. فالتشعب وتعدد المستويات التنظيمية يمكن أن تكون من عوامل تعقيد عملية اتخاذ القرارات بعكس الهياكل التنظيمية البسيطة.
وعملية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية تستلزم البحث: بمدى خضوع السلطة التنفيذية لقيود وضوابط السلطة التشريعية عند وضع السياسة الخارجية. فالسلطة التشريعية هي التي تصدق على المعاهدات الخارجية وهي التي تملك حق الموافقة أو عدم الموافقة على الإعتمادات المالية المقترحة لتنفيذ برامج السياسة الخارجية، وهي التي تقوم بدور الوسيط بين الحكومة والرأي العام في أمور السياسة الخارجية حيث تعقد جلسات استماع، وتصدر توصيات تنتقد فيها أو تتحفظ من خلالها على سياسات خارجية معينة، وغيرها؛ وبالأوضاع الداخلية للجهاز التنفيذي نفسه، حيث يتعين الوقوف على طبيعة العلاقة السائدة بين رئيس الدولة ووزير خارجيته، وبينهما وبين الخبراء والمستشارين العاملين في نطاق الجهاز التنفيذي، والعلاقة بسفراء الدولة ممن لهم صلة بموضوع السياسة الخارجية ذات الصلة بالقرار قيد البحث، والعلاقة بين وزيري الخارجية والدفاع، وبين وزير الخارجية ورئيس أجهزة أمن الدولة ، إلخ؛ وفيما إذا كان لدى رئيس الدولة أو رئيس الوزراء اتجاه نحو مركزية التحكم في السياسة الخارجية، أم الميل نحو التفويض بجزء من سلطاته في هذا المجال، وهل يعتمد رئيس الدولة أو الحكومة على المشورة الجماعية التي يمكن أن تقدمها أجهزة معينة مثل الجهاز المتخصص في وزارة معينة أو مجلس الأمن القومي، وهل يتم الأخذ بتقارير سفراء الدولة في الخارج، ومدى اتخاذ الحقائق التي تتضمنها تقارير تلك الأجهزة ضمن حسابات جهاز اتخاذ القرارات السياسية الخارجية.
عملية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية: اختيارات واضعي قرارات السياسة الخارجية يجب أن تراعي:
أولاً: اختيار السياسات من بين كل البدائل الممكنة والمنظورة. لأن السياسات البديلة غير المنظور قد لا تحظى بالقبول من الناحية السياسية، وأن تكون السياسات التي يتم التوصل إليها من قبل واضعي القرارات من أكثر البدائل قبولاً من بين كل السياسات المنظورة والممكنة.
1- ثانياً: عدم وجود قواعد موضوعية متفق عليها لترشيد عمل واضعي قرارات السياسة الخارجية، لأن الكثير من السياسات التي يتوصلون إليها تعاني من نقاط ضعف بتأثير من العوامل التالية: عدم وضوح الأهداف في أذهان واضعي القرارات مما يؤدي إلى صعوبة صياغة هذه الأهداف على شكل سياسات قابلة للتنفيذ؛ وتضييق بعض الاتجاهات المسيطرة على الرأي العام الاختيار من بين السياسات البديلة المتنافسة بشكل أو بآخر وبهذا يكون الرأي العام قوة ضاغطة على اختيار بعض البدائل التي يمكن أن تكون أكثر ملائمة من غيرها في أحكام واضعي القرارات؛ والتداخل أو التصادم مع سياسة أخرى عند اختيار سياسة معينة، وهذا ينشأ عن إتباع سياستين متعارضتين في نفس الوقت؛ وعدم التوافق في اتجاهات وقيم ومعتقدات المسؤولين عن اتخاذ قرارات السياسة الخارجية وقد يؤدي إلى اختيار سياسات خاطئة نتيجة للوضع الشاذ الذي تعاني منه عملية اتخاذ القرارات من بدايتها؛ وتحيز بعض الشخصيات من واضعي القرارات مما يؤدي إلى انعدام القدرة على التفكير في بعض البدائل التي يقضي منطق الموقف تحليلها وتقييمها؛ وبلوغ بعض المواقف الخارجية حداً كبيراً من التعقيد بحيث يصبح معها من الصعب على واضعي القرارات استيعابها وتفسيرها بطريقة صحيحة، مما ينعكس بصورة سلبية على السياسات التي يأخذون بها؛ وأن يكون جهاز اتخاذ القرارات مثقلاً بأعباء تجعله عاجزاً عن اتخاذ القرار المطلوب بالفاعلية المنشودة وفي إطار زمني محدد؛ وعدم قدرة واضعي قرارات السياسة الخارجية على القيام بتقييم دقيق وشامل لعناصر القوة الوطنية مقارنة بالقوى الأخرى التي تؤثر في السياسات الخارجية بصورة أو بأخرى.
صعوبات التنبؤ ردود فعل قرارات السياسة الخارجية: تبنى قرارات السياسة الخارجية على تنبؤات يصل إليها واضعي القرارات حول ردود الفعل الدولية المحتملة عن تلك القرارات، وهناك عوامل تصعب من التنبؤات ومن تلك العوامل: تعدد الأطراف المواقف التي تتناولها تلك القرارات مما يصعب التعرف على ردود الفعل وأنماط السلوك المحتملة لتلك الأطراف؛ لأن تلك الأطراف بطبيعتها متنوعة، وتتمتع بقوى نسبية، واحتياجات وأهداف، وهو ما يزيد من صعوبات التنبؤ في حالات يزيد فيها تفاعل أطراف الموقف وتعقدها؛ وارتفاع معدل التغييرات في عناصر الموقف أحياناً مما يفرض على التنبؤ مواقف غير مستقرة وغير ممكنة أو غير دقيقة؛ لأن إن الطريقة المؤثرة بأطراف وعناصر الموقف، والطريقة التي تؤثر بها عناصر الموقف على أطرافه، تكون معقدة استجابة لمواقف خارجية معينة، أي أن التأثير المتبادل لا يعكس النمط الطبيعي المألوف البسيط؛ وعدم توفر حقائق ومعلومات كافية للتنبؤات والتوقعات بشكل كاف.
المشاكل التي تواجهها أجهزة جمع المعلومات وأجهزة اتخاذ قرارات السياسة الخارجية: غياب الحقائق الأساسية لقرارات السياسة الخارجية يؤدي إلى وقوعها بالسطحية، ولهذا دعى الجنرال وليام دونوفان "William Donovan" مدير جهاز المخابرات الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية وهو الجهاز الذي كان يعرف آنذاك بمكتب الخدمات الإستراتيجية، إلى القول بأن السياسة الخارجية لا يمكنها أن تكون أقوى من المعلومات التي تبنى عليها.
وأهمية الحقائق والمعلومات في عملية اتخاذ القرارات تبرز ما يسمى بمشكلة العلاقات بين أجهزة جمع المعلومات وأجهزة اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، مثال البحث عن رد على تساؤلات: هل تكون مهمة أجهزة جمع المعلومات وأجهزة اتخاذ القرارات الخارجية مجرد جمع المعلومات ورفعها إلى أجهزة اتخاذ قرارات السياسة الخارجية فقط دون إبداء أي رأي فيها ؟ أم أن مسؤولية أجهزة جمع المعلومات تقديم تلك المعلومات في إطار تفهمها لطبيعة المشاكل التي تجمع المعلومات عنها ؟
ومن هذا نستنتج أن تحديد طبيعة هذه العلاقة كان موضعاً للجدل، وأن الاتجاه الغالب كان أن تقتصر مسؤولية أجهزة جمع المعلومات على تقديم الحقائق بشكلها المجرد الخام (Raw Facts’) لتبنى على أساسها القرارات. ويستمد هذا الاتجاه قوته من بعض الاعتبارات للاكتفاء بتقديم حقائق مجردة دون إقحام تحيز هذه الأجهزة في مضمونها ضمان لحيادها وموضوعيتها وقربها من الواقع، لأنه إذا قامت أجهزة جمع المعلومات بتفسير المواقف الخارجية على طريقتها الخاصة وقيامها بجمع المعلومات في نطاق تلك التفسيرات، فإن الأمر قد ينتهي إلى تقديم صور مشوهة وغير واقعية عن المواقف الخارجية.
وبالرغم من سلامة المنطق الذي بني عليه هذا الاتجاه فقد وجهت له الكثير من الانتقادات منها: أنه إن لم تكن أجهزة جمع المعلومات على دراية كافية بأبعاد المشكلة التي ستتخذ قرارات السياسة الخارجية لمواجهتها، فإن الحقائق التي ستجمع ستكون بعيدة عنها. لأن الإلمام بالمشكلة يحدد العناصر التي يجب أن ترتكز عليها أجهزة جمع المعلومات عند قيامها بمهمتها، ولهذا لابد من وجود حد أدنى من التنسيق أو التوجيه بين أجهزة اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، وأجهزة جمع المعلومات.
ومسؤولية التنسيق أو التوجيه تتضمن عادة أموراً حيوية مثل تعريف أجهزة جمع المعلومات بأهداف الدولة في مواقف معينة، وإيقافهم على الإطار العام لسياساتها وخططها الخارجية، وإحاطتهم علماً بالمشكلات التي تصادفها الدولة في علاقاتها الخارجية في وقت محدد وغيرها من المعلومات الهامة.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أنه في إي موقف دولي مهما كان بسيطاً أو محدوداً فإن عدد العناصر التي يتعين التعرف عليها يصبح أمراً معقداً للغاية، ولهذا فإنه ما لم تكن هناك افتراضات نظرية معينة أو بعض التوقعات المحددة التي توضح العناصر التي ينبغي التركيز عليها أكثر من غيرها، فإن أداء هذه المهمة يكون شبه مستحيل.
ومن أهم الإجراءات التي يمكن لواضع قرارات السياسة الخارجية أن يعتمد عليها للخروج من هذا الإشكال: إثارة تساؤلات حول الاحتمالات المتوقعة من وراء أنماط التصرف؛ وتصميم نظرية تتفق مع طبيعة المشكلة ليكون التحليل في نطاق فرضياتها الرئيسية؛ البحث عن حقائق يتطلبها التحليل انسجاماً مع الإطار النظري السابق بهدف التوصل إلى القرار المناسب لمواجهة المشكلة المطروحة.
وعلى سبيل المثال إذا كان واضع قرارات السياسة الخارجية يبحث في احتمالات متوقعة من إتباع سياسة تعتمد على المهادنة في موقف خارجي معين فإن النظرية التي يقيمها ستحاول أن تحدد طبيعة المتطلبات السياسية أو النفسية التي يجب توفيرها لهذه السياسة ليتحقق المطلوب منها. وبالتالي فإن هذه النظرية تقرر أي عناصر من الموقف يجب التركيز عليها في مرحلة جمع الحقائق والمعلومات، وهكذا.
ويعتمد المدافعين عن هذا الرأي على أنه يختصر الوقت والجهد الذي يمكن إضاعته بسبب عدم ربط الحقائق المطلوبة بالمشكلة قيد الدراسة والتحليل.
بينما اعتمد منتقدو هذا الاتجاه على قصور التوجيه الذي تمارسه أجهزة اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية، وطالبوا بأن يكون جمع المعلومات مركزاً على المشكلة التي تعني تلك الأجهزة وأن لا تعداها إلى تقديم حقائق أكثر عمومية أو أقل من الحقائق المطلوبة.
ومثل هذه التوجهات تقتضي تزويد أجهزة جمع المعلومات بقائمة تضم مجموعة من السياسات البديلة التي تفاضل أجهزة اتخاذ القرارات بينها وفي هذه الحالة تتوخى أجهزة جمع المعلومات جمع حقائق أكثر اتصالاً بكل تلك البدائل، ومرة أخرى يتمثل الخطر الجانبي لهذه المشكلة في التحيز لبعض العناصر على حساب بعضها الآخر، ومن ذلك يتضح أن الاتجاه الأخير ربما كان أكثر إضراراً بمصالح الدولة المعنية من الاتجاه السابق الذي يتجه نحو جعل الحقائق أكثر عمومية.
توزيع المواقف في قرارات السياسة الخارجية: حاول البعض وعلى رأسهم ريتشارد سنايدر "Richard Snyder" التفرقة بين المواقف التي تمسها قرارات السياسة الخارجية وقسموها على الشكل التالي: المواقف ذات الهيكل المحدد والمرتبطة بمواقف هلامية تفتقر إلى خاصية التحديد وتتميز بالغموض وعدم الاستقرار بحيث يصبح من الصعب على واضعي القرارات استخلاص المغزى المحدد لها؛ والمواقف الضاغطة والمواقف غير الضاغطة ويقصد منها ما يفرضه الموقف على واضعي القرارات من ضغوط في اتجاه الأخذ بنمط سلوكي معين، وقد يكون الضغط نابعاً إما من داخل الوحدة التي يتخذ فيها القرار أو من البيئة الخارجية؛ والمواقف الحساسة، أو الحرجة، والمواقف غير الحرجة وينصب معيار التفرقة أساساً على مدى ارتباط الموقف بالأهداف الرئيسية التي يركز عليها واضعي القرارات، فهناك مواقف تمس هذه الأهداف وتمثل تهديداً لها في الوقت للذي تتوفر فيه مواقف أخرى لا تتمتع بمثل تلك الأهمية؛ والمواقف الانفعالية، والمواقف غير الانفعالية، والعوامل التي تخلع على الموقف جو انفعالي يؤدي إلى ارتفاع درجة العداء والتهديد والتوتر والاستفزاز، إلخ؛ والبعد الزمني لمواقف السياسة الخارجية لأنه هناك مواقف تتسم بخاصية الاستمرار، بينما هناك مواقف عارضة ليس لها امتدادات تاريخية أو زمنية سابقة؛ ومواقف غلب عليها تأثير العوامل الموضوعية وتعذرت السيطرة أو التحكم بها، ومواقف تخلو من ضغوط العوامل الموضوعية.
وهنا يمكن القول أن ما يحدد اتجاهات واضعي قرارات السياسة الخارجية من هذه المواقف هو طبيعة الأهداف التي يرغبونها من وراء تلك القرارات وارتباطها بدوافع معينة.
وعلى ضوء التحليل السابق فمضمون عملية اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية والصعوبات التي تواجهها يمكننا أن نشير إلى بعض الخصائص التي تنفرد بها قرارات السياسة الخارجية والتي تتوافر لأي نوع من القرارات وهذه الخصائص هي: أن البيئات والمواقف التي تتخذ فيها هذه القرارات تتصف بالتعقيد الشديد كما تتصف أيضاً بعدم التيقن وعدم الاستقرار، مما يجعل من الصعب التنبؤ بالنتائج أو التحكم بها بعكس الحال في بيئات السياسة الداخلية؛ وفقدان التجانس في أوضاع الأطراف التي تمسها قرارات السياسة الخارجية مما يرتب عليها تزايد احتمال ظهور بعض الضغوط وردود الفعل المعاكسة من قبل بعض الأطراف المؤثرة في تلك القرارات تأثيراً سلبياً، أو بسبب ما قد ينسب إلى هذه القرارات من مضامين عدائية؛ وإن مصادر البيانات والمعلومات التي تبنى عليها قرارات السياسة الخارجية تتميز بالتشعب والتعقيد كما أن درجة الثقة فيها محدودة، بالإضافة إلى الحاجة لتصنيف هذه البيانات وتمثل مشكلة لا يستهان بها؛ وعدم وجود طرق للاختبار والتجريب والتحقق، مما يزيد من حدة المشكلة وعدم تكرار مواقف السياسة الخارجية أو تماثلها بالشكل الذي يسمح بمثل هذا التحقيق؛ ووجود صراعات واختلافات عميقة حول القيم التي يعتنقها واضعي القرارات الخارجية تبعاً لطبيعة الفلسفة التي يلتزم بها النظام الذي يعملون في إطاره، وهذه الاختلافات تفرض الحاجة إلى المساومة والحلول الوسط؛ وانقضاء مدد زمنية طويلة بين اتخاذ قرارات السياسة الخارجية وبين تبلور الأبعاد الكاملة والنتائج النهائية لتلك القرارات.
وتشمل الأدوات التي يعتمد عليها تنفيذ قرارات السياسة الخارجية بصفة رئيسية على أربعة أدوات هي: الأدوات الدبلوماسية؛ والأدوات الدعائية؛ والأدوات الاقتصادية؛ والأدوات العسكرية. ويطلب كل منها دراسة مستفيضة على حده.
طشقند في 2/7/2002
للمزيد يمكن الرجوع إلى:
1. إسماعيل صبري مقلد: العلاقات السياسية الدولية. دراسة في الأصول والنظريات. المكتبة الأكاديمية، القاهرة: 1991. ص 374-386.
2. إسماعيل صبري مقلد: اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية. مجلة السياسة الدولية، أكتوبر/1968. ص 135 وما بعد.
3. Andrew Scott, The Functioning of the International Political System, op. cit. P. 85.
4. Harold Sprout, Environmental Factors in the Study of International Politics, in James Rosenau, International Politics and Foreign Policy. (Free Press, New York) (1961), pp 41-57.
5. Kurt London, The Making of Foreign Policy East and West, (J.B. Lippincott Company, New York, 1965), p. 115.
6. Robert Wohlstetter, Intelligence and Decision – Making, in, Readings in the Making of American Policy, edited by Andrew Scott & Raymond Dawson, (Macmillan, New York, 1965), pp. 131-447.
7. Roger Hilsman, Intelligence and Policy Making in Foreign Affairs, Ibid. pp. 447-457.
8. Roger Hilsman, The Intelligence Process. Ibid. pp. 457-467.
9. Richard Snyder and Others, Foreign Policy Decision Making, (The Free Press of Glencos, 1963), pp. 80-81.
10. William Donovan, Intelligence. Key to Defense, Life, September 30, 1946, p. 108.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق