الأربعاء، 26 أغسطس 2009

العلاقات الدولية والتبادل الإعلامي

العلاقات الدولية والتبادل الإعلامي
بقلم: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة بالأدب PhD، اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون، كلية العلاقات الدولية والاقتصادية بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
رغم أن سيل المعلومات الهائل المتدفق من الدول المتقدمة إلى الدول النامية والدول الأقل حظا في النمو، أخذ طبيعة جماهيرية باتجاهين عبر شبكات الإنترنيت العالمية مع نهاية القرن العشرين، إلا أنه كان ولم يزل مثاراً لمناقشات حادة لم تتوقف منذ القرن التاسع عشر، وكان من الطبيعي أن تتطور تلك المناقشات وتزداد حدة في إطار المنظمات الإقليمية والدولية القائمة في ذلك الوقت، وتلك التي استحدثت نتيجة للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتقنية في العالم، وكان من أولى تلك المناقشات الحادة المناقشات التي جرت في إطار اتحاد البريد العالمي الذي شكلته الدول المهيمنة على الساحة الدولية للسيطرة على عملية التبادل الإعلامي الدولي في أواسط القرن التاسع عشر.
ومع التطور العلمي والتكنولوجي الكبير الذي شهدته الإنسانية في مطلع القرن العشرين انضم إليه اتحاد الاتصالات الإلكترونية العالمي لخوض تلك المناقشات الحادة الدائرة حتى اليوم على الساحة الدولية، محاولاً السيطرة على عملية توزيع وتنسيق استخدام الموجات الإذاعية بين الدول الأعضاء في هذه المنظمة العالمية الهامة.
ولكن الصورة تبدلت تماماً عندما أصبح البث الإذاعي يستخدم في سياق بث الدعاية الأيديولوجية في بعض الدول لإثارة القلاقل داخل الدول الأخرى منذ ثلاثينات القرن العشرين وهو ما كان يعرف بالحملات الإذاعية الموجهة التي تتخطى الحدود الدولية المعترف بها للدول في إطار الحرب النفسية التي شنتها وتشنها بعض الدول من أجل زعزعة صمود وشل قدرات الدول المستهدفة من تلك الحملات الإعلامية الموجهة.
وبنفس الوقت تقريباً بدأت مناقشات واسعة لأفكار تقدمت بها بعض الدول تدعو لمنع الحملات الإذاعية المغرضة وأصدرت عصبة الأمم بنتيجتها عام 1938 قراراً يحصر استخدام البث الإذاعي بالأغراض السلمية فقط.
ولكن التطورات العلمية والتقنية التي شهدتها الدول المتقدمة منذ خمسينات القرن العشرين أدخلت الإنسانية عصر الفضاء الكوني وحولت المشكلة من مشكلة تدفق إعلامي باتجاه واحد إلى مشاكل أصبحت تأخذ منحى التبادل الإعلامي الدولي من كل جوانبه، وأخذت تلك المشاكل مكانها في المناقشات الدائرة ضمن المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة وغير المتخصصة.
وناقشت وتناقش منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها وحتى اليوم المشاكل والصعاب التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولي التي يفترض أن تكون عادلة من خلال ثلاثة محاور: المحور الأول: ويشمل المسائل الأكثر أهمية لعملية التبادل الإعلامي الدولي في إطار جلسات الهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة وتتخذ تلك الجلسات القرارات اللازمة بشأنها، ومن بينها كان القرار المتخذ في كانون أول/ديسمبر 1998م بمبادرة من روسيا حول "الأمن الدولي في مجال المعلوماتية والاتصالات"؛ والمحور الثاني: وانحصر ضمن أجهزة منظمة الأمم المتحدة المتخصصة ومنها جهاز الاستعلامات الذي يقوم بالدعاية لنشاطات منظمة الأمم المتحدة؛ والمحور الثالث: ويدور ضمن المناقشات الدائرة داخل اللجنة الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة للمعلومات والممثلة فيها جميع الدول الأعضاء، وتناقش حتى اليوم مسائل العلاقات الإعلامية القائمة بين تلك الدول، وتتميز المناقشات الدائرة في هذه اللجنة بالمواجهات الدائمة بين الدول الغربية المتقدمة المسيطرة على عملية التبادل الإعلامي الدولي والدول النامية المستهدفة منها.
وتأتي منظمة اليونسكو المهتمة بمسائل الاتصال والإعلام الجماهيري بشكل عام، لتنظم مؤتمرات لمناقشة القضايا الإعلامية الإقليمية والدولية، ولتكلف خبراء بإعداد تقارير عنها، وتنفذ برامج دولية لتطوير الإعلام وعمليات الاتصال في الدول النامية.
وتناقش المنظمات الإقليمية أيضاً قضايا التبادل الإعلامي والاتصال الدولي ومن بين تلك المنظمات المجلس الأوروبي الذي يركز في مناقشاته على مسائل انتهاكات حقوق الإنسان في مجال الإعلام، دون التعرض للمسائل الحساسة لعملية التبادل الإعلامي الدولي ونزاهتها وعدالتها على الساحة الدولية، وتحذو حذوها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمنظمات الغربية المتخصصة الأخرى.
ومعروف أن أقسام الإعلام موجودة في جميع المنظمات الدولية والإقليمية، ومن بينها: حلف شمال الأطلسي، وحركة عدم الانحياز، ورابطة الدول المستقلة، ومنظمة أوروآسيا للتعاون الاقتصادي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ومنظمة غوام، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومنظمة الكوميسا، وجامعة الدول العربية، ومجلس تعاون دول الخليج العربية وغيرها.
وبالفعل تم بحث مشاكل الاتصال وتبادل المعلومات عبر شبكة الانترنيت العالمية في أكثرية المنظمات الدولية والإقليمية خلال السنوات الأخيرة. ومن ضمنها اتخذت اللجنة الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي، قراراً في عام 1994 حددت بموجبه ضرورة وشروط انتقال أوروبا إلى المجتمع المعلوماتي، واهتمت دول آسيا والمحيط الهادي بالمشاكل الإعلامية والاتصالات الإلكترونية من خلال المجموعة الإقليمية الخاصة التي شكلت في منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي.
وفي العالم العربي أسست شبكة معلوماتية إقليمية تضم 20 دولة عربية اهتمت بتطوير تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية في تلك الدول، بالإضافة لأجهزة جامعة الدول العربية المتخصصة كاتحاد الإذاعات العربية، واتحاد وكالات الأنباء العربية وغيرها.
وزاد اهتمام منظمة التجارة العالمية بمشاكل الإنترنيت، والتجارة الإلكترونية، وحذت حذوها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة اليونسكو وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، ومن المتوقع أن تقوم منظمة الأمم المتحدة في المستقبل بتوحيد الجهود في هذا الاتجاه لإنشاء منظمة عالمية للإعلام الإلكتروني تكون تابعة لها.
واعترف البعض بتعرض الدول العربية والإسلامية باختراقات إعلامية من قبل وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة الغربية منها، واعترف بعضهم بعدم القدرة على إحداث اختراقات تذكر في وسائل الإعلام الأجنبية من أجل نقل وشرح المواقف الصحيحة تجاه القضايا التي تعاني منها الدول العربية والإسلامية، في الوقت الذي تركز فيه الدول الغربية على تطويع العالمين العربي والإسلامي لخدمة مصالحها دون أي اهتمام بمصالح تلك الدول ومصالح شعوبها.
وعلى ضوء التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي استضافت المملكة العربية السعودية منذ فترة مؤتمراً لوزراء الإعلام في الدول الإسلامية دعا من خلاله الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي إلى فتح قنوات للاتصال بين دول المنظمة وتوسيع وتعميق دائرة معارف هذه الدول بعضها ببعض.‏ بينما أشار أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى أن الإعلام المناوئ للعالم الإسلامي يلعب دورا أساسيا مستغلا وسائل الاتصال الحديثة المؤثرة والمتطورة في حملاته الموجهة إلى العالم الإسلامي بينما يبقي الإعلام الإسلامي المشترك عاجزا عن القيام بجهود فعالة لصد تلك الحملات الجائرة.‏ ودعا أوغلو إلى إنشاء محطات تلفزيونية وقنوات فضائية في الدول الإسلامية ناطقة باللغات العالمية الحية توجه إلى الشعوب الناطقة بتلك اللغات وأشار إلى ضرورة مساهمة الإعلام في الدول الأعضاء في الحملات الإعلامية لصالح العالم الإسلامي.‏
والأكثر من ذلك نجد أن بعض الإعلاميين في الدول العربية والإسلامية لا يزالون حتى الآن يطرحون تساؤلات عن علاقة الإعلام بالخط السياسي والرسمي للدولة التي يمثلها ذلك الإعلام أو يعمل ضمن إطارها، وحول ضرورة التقيد بالنقل الحرفي للأخبار عن مصادرها، وعن المسموح والممنوع في الكتابات الصحفية، والبعض يعتبر أن الصحافة الحرة لم تعد في هذه الأيام ترفا وإنما هي جزء جوهري في التنمية المتوازنة داخل المجتمعات، دون تناول أي مفهوم للصحافة الحرة التي يدعون إليها. وكلها توضح صورة واحدة تعكس فقط مدى غياب السياسة الإعلامية الواضحة في الوسائل الإعلامية التي يشتغلون فيها، ومدى جهلهم للسياسة الإعلامية للدولة التي يعملون ضمنها، وجهلهم لمصادرها التشريعية والتي تتمثل بالدستور والقوانين النافذة، وبالبيانات الوزارية، وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تلك الدول.
مما يدفعني لطرح تساؤل عن الوضع الذي يمكن أن ينشأ عند تناول أصحاب تلك التساؤلات للقضايا الوطنية الإقليمية والدولية الحساسة والمصيرية في كتاباتهم ؟
وأعتقد أن الوضع أصبح يتطلب المزيد من الاهتمام بتكوين الكوادر الإعلامية المتخصصة كل في مجاله أولاً، ومن ثم وضع خطط وتصورات لمتابعة تأهيل الإعلاميين ضمن عملية متواصلة تستمر مدى الحياة. وأن تشمل تلك الخطط قضايا المهنة وتطوراتها، ومشاكل التبادل الإعلامي الدولي من خلال ما تتناوله المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية في مناقشاتها انطلاقاً من وجهة نظر المصالح الوطنية والقومية، والسياستين الداخلية والخارجية، وخطط التنمية البشرية والاقتصادية، ومدى تفاعل وجهات النظر تلك مع وجهات النظر المحلية والإقليمية والدولية، ليتمكن الإعلامي من نقل المعلومة المفيدة للقارئ والمستمع والمشاهد في موعدها دون تأخير وبشكل مفيد يخدم المصالح الوطنية والقومية أولاً ومن ثم المصالح الإقليمية والإنسانية في العالم.
لأن الصحفي حسب تعبير أحد الإعلاميين العرب هو قائد في مجتمعه وأستاذ ومعلم في مهنته ويجب أن لا يتوقف لحظة واحدة عن تطوير ذاته وتأهيل نفسه واقتناص الجديد والجدير بالاحترام من المعلومات التي تتدفق عبر سيل المعلومات الهائل الذي تنقله شبكات المعلوماتية الدولية وأن يتقن تكنولوجيات الإعلام التي أصبح لا غنى عنها بعد أن ألغت الورق وألغت القلم وأصبح الحاسوب هو سيد العملية الإعلامية.‏‏‏ وعلى الصحفي ألا يقنع بما وصل إليه من معارف ومعلومات وعليه أن يعتبر نفسه سقراط الذي قال "بعد ما بلغت من المعارف أبقى طفلاً صغيراً أمام هذا الكون الكبير".‏
طشقند في 1/10/2006
للمزيد يمكن الرجوع إلى:
1. أمير سبور، مرشد ملوك، بسام زيود: مؤتمر أمن المعلومات يختتم أعماله: إحداث هيئة وإصدار تشريعات مناسبة للجرائم الإلكترونية. // دمشق: الثورة، 14/6/2006.
2. إعلام.. خارجي. دمشق: الثورة، 15/8/2006م.
3. بسام زيود: تطوير الإعلام مسؤولية جماعية. // دمشق: الثورة 15/5/2006.
4. بلال في مؤتمر وزراء إعلام الدول الإسلامية: ماضون بالتعاطي مع السلام ونؤمن بحوار الحضارات. // دمشق: الثورة، 14 /9/2006م.
5. كاشليف يو. ب.: الإعلام الخارجي والدبلوماسية.
http://www.polpred.com/ (باللغة الروسية)
6. لقاء الرئيس الأسد مع الإعلاميين استمر ثلاث ساعات ونصف. // دمشق: الثورة، 16/6/2006
7. ماريا معلوف: نحو إعلام عربي أكثر قدرة على الاستجابة لتحديات العصر. // دمشق: الثورة، 4/5/2006.
8. د. محمد البخاري: التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)
9. د. محمد البخاري: قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. طشقند: مطبعة "بصمة" 2004. (باللغة الروسية)
10. د. محمد البخاري: العلاقات العامة والتبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب الدراسات العليا (الماجستير)، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
11. د. محمد البخاري: العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. // دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني (DarDolphin (TM) Publishers and Animation Cartoons)، 4/8/2006.
http://www.dardolphin.org/
12. د.محمد البخاري: المجتمع المعلوماتي وتداعيات العولمة. // دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني (DarDolphin (TM) Publishers and Animation Cartoons)، 21/7/2006.
http://www.dardolphin.org/
13. د.محمد البخاري: الإعلام التقليدي في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // جدة: مجلة المنهل، العدد 592/2004 أكتوبر ونوفمبر. ص 88-99.
14. د.محمد البخاري: الخدمات الإعلامية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. // دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 491/2004 آب/أغسطس.
15. د.محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الوطني والدولي. // الرياض: مجلة الدراسات الدبلوماسية، العدد 18، 1424هـ، 2003م. ص 7 – 49.
16. د.محمد البخاري: الصراعات الدولية والصحافة الدولية. في كتاب مؤتمر الكفاح ضد الإرهاب الدولي، والتطرف والحركات الانفصالية في العالم المعاصر. // طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2002. ص 63-67. (باللغة الروسية)
17. د.محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة دبلوماسية. // طشقند: فوستوكافيدينيه، العدد 2، 2001. ص 15-19. (باللغة الروسية)
18. د.محمد البخاري: وظيفة التبادل الإعلامي الدولي. // طشقند: مياك فاستوكا، العدد 1-2، 2001. ص 25-27. (باللغة الروسية)
19. د.محمد البخاري: العولمة وطريق الدول النامية إلى المجتمع المعلوماتي (1-6). // أبو ظبي: الاتحاد، سبتمبر/أكتوبر 2001.
20. د.محمد البخاري: الحرب الإعلامية والأمن الإعلامي الوطني. // أبو ظبي: الاتحاد، 23 يناير 2001.
21. د.محمد البخاري: الأمن الإعلامي الوطني في ظل العولمة. // أبو ظبي: الاتحاد، 22 يناير 2001.
22. د.محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. // دمشق: مجلة "معلومات دولية" العدد 65/ صيف 2000.
23. معروف سليمان: بلال يلتقي صحفيي (الثورة ): واجب الإعلام تسليط الضوء على الفساد. // دمشق: الثورة، الخميس 4/5/2006.
24. ملك خدام: على هامش ورشة تدريب الإعلاميين على قضايا المرأة والطفولة .... دراسة مقارنة لما هو كائن.. وطموحنا لما ينبغي أن يكون. // دمشق: الثورة، 1/5/2006.
25. ميساء الجردي: د. فلحوط : نحن شركاء في معركة الكلمة الرصاصة والقلم الشجاع. دمشق: الثورة، 15/8/2006م
26. د. فيوليت داغر: محصلة الشراكات بين الدول العربية وأوروبا بعد عشر سنوات. // لندن: الشرق الأوسط، 12/12/2005.
27. هيثم يحيى محمد: إعلام.. خارجي. !! بلا مجاملة. // دمشق: الثورة، 15/8/2006.
28. هيثم يحيى محمد: إعلامنا... والخارج (2) ! بلا مجاملة. // دمشق: الثورة، 27/8/2006.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق