الأربعاء، 26 أغسطس 2009

تحية للمؤتمر الدولي الثالث للإعلام المنعقد بدمشق

تحية للمؤتمر الدولي الثالث للإعلام المنعقد في دمشق
بقلم: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية، تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة، بروفيسور، أستاذ التبادل الإعلامي الدولي بقسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
أمر طبيعي أن يرعى السيد الرئيس بشار الأسد المؤتمر الدولي للإعلام العربي والإسلامي لدعم الشعب الفلسطيني- الذي يعقد دورته الثالثة بدمشق خلال الفترة الممتدة ما بين 30/4 و2/5/2007. لماذا ؟ لأن سورية أولت وتولي حرية الصحافة أهمية تنطلق من حرية الوطن وقواه الجماهيرية من منطلق أن ممارسة الحياة الديمقراطية في جميع جوانبها تحتل أولوية في مسيرة العمل الوطني والقومي في سورية. ومن خلال سعيها برعاية السيد الرئيس بشار الأسد لإقامة مجلس أعلى وطني للإعلام وهو ما يعني تبؤ الإعلام السلطة الرابعة بعد السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية كما هو حاصل في بعض دول العالم المعاصر.
خاصة وأن الصحافة السورية كانت خلال أكثر من قرن مضى منذ تأسيسها تقدم المعلومات المتنوعة للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، والمدافع الثابت عن القضايا الوطنية والقومية رغم معاناتها من التضييق الذي مارسته عليها الحكومات الوطنية أحياناً وبلغت المضايقات التي نجحت الصحافة في مواجهتها دائماً ذروتها في ثلاثينات القرن الماضي.
ومعروف أن مسيرة التجديد الجذرية للصحافة في سورية بدأت منذ إصدار الرئيس الراحل حافظ الأسد المرسوم 58 في أواخر تموز 1974 والذي جاء لتنظيم العلاقة بين السلطات الحكومية ووسائل الإعلام وللتأكيد على الأهداف والمبادئ العامة والمهنية نفسها التي سار عليها الصحفيون منذ بداية تشكل شريحتهم الاجتماعية في المجتمع السوري المعاصر وحتى اليوم، بدءاً من الدفاع عن مكاسب الجماهير، والنضال لتحقيق أهداف الأمة العربية، وممارسة الرقابة الشعبية، والارتقاء بمستوى مهنة الصحافة والمحافظة على كرامتها والذود عن حقوقها والدفاع عن مصالحها والسعي لتوفير جميع الإمكانات والوسائل من أجل تقدمها وتوسيع رقعة انتشارها والعمل على إعداد الكفاءات الصحفية وتدريبها وانتهاء بضمان حرية الصحافة والصحفيين في أداء رسالتهم والحفاظ على حقوقهم والعمل على صيانة هذه الحقوق في حالات الفصل والمرض والتعطيل والعجز، وتحقيق مستوى لائق في الأجور، والتأكيد على حق الشعب في الاطلاع على الحقيقة والكلمة الصادقة ومكافحة اختلاق الأخبار والتضليل وافتعال الأحداث ونشرها.‏
والجديد في هذا المؤتمر الدولي الذي تحتضنه دمشق أنه يأتي لدعم الشعب الفلسطيني في أحلك الظروف التي يواجهها منذ اغتصاب أرضه وتشريده قبل أكثر من نصف قرن، ويعطي الإعلام أهميته في إدارة الصراع إلى جانب العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية، للوصول إلى نتائج محققة على صعيد الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي وتعري ممارسات الاحتلال وتواطئ بعض القوى العالمية معه ويثبت أن العرب وأصدقائهم والمتعاطفين معهم يدركون الواقع الأليم الذي تعاني منه الأمة العربية وخاصة الشعبين الفلسطيني، والعراقي.
وأعتقد أن المؤتمر سيتطرق للغزوة الإعلامية المكثفة التي أصبحت تهددنا في عقر دارنا وتأخذ حيزاً إعلامياً كبيراً على الساحة الإعلامية العربية المرئية والمسموعة والمقروءة وباللغة العربية، وتتطلب مواجهتها تنسيق الجهود وتفعيل المواقف في إطار عمل جماعي واضح المرامي والأهداف والأبعاد في إطار ما تفرضه العولمة الإعلامية على العالم المعاصر.
والعمل المشترك ليكون الخطاب الإعلامي وصناعة المعلومات في العالمين العربي والإسلامي أكثر تواجداً على الساحة المحلية والإقليمية والدولية للقيام بحوار بين الحضارات والثقافات، ومواجهة من يدعون لصدام الحضارات، والعمل على تأكيد موثوقية وسائل الإعلام الوطنية ومنع التضارب فيما تطرحه على الساحة الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية، وشرح الأفكار التي تعكس المصالح الوطنية وتعمل على تقريبها لا إبعادها عن بعضها.
خاصة وأن الخطاب الإعلامي كان ولم يزل المتأثر الأول وبصورة مباشرة بالأزمات العربية والإقليمية والدولية، وأصبح اليوم أكثر تعقيداً في ظروف العولمة الإعلامية ومع انتشار تكنولوجيتها الخارقة للحدود السياسية والجغرافية. وغدت فيها الدول الكبرى والشركات العابرة للقارات تبتز شعوب العالم ودولها الأقل تطوراً وتخضعها لمصالحها كيفما استطاعت.
وليس سراً على أحد أن الخطاب الإعلامي العربي والإسلامي اليوم يعيش مرحلة مخاض مصيرية تتطلب منه التمسك أكثر من ذي قبل بالقيم والمعايير الوطنية دون التخلي عن القيم المهنية لصناعة إعلام ناجح ومؤثر على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.
في وقت لم تزل ترزح فيه أجزاء كبيرة من العالم عربية وإسلامية ونامية للاستعمار والهيمنة الأمريكية والأوروبية، ولم تزل تخوض فيه الأمة العربية حرباً غير متكافئة مع عدو شرس اغتصب الأرض والحقوق والمقدسات في فلسطين المحتلة، في عدوان مستمر اعتمد فيه على الشرعية الدولية ودعم بعض القوى الكبرى المهيمنة في العالم لتبرير عدوانه أمام الرأي العام العالمي من خلال إدراكه لأهمية الرأي العام في عملية اتخاذ القرارات الهامة، وبراعته في توجيه الخطاب الإعلامي لخدمة مصالحه.
وانعقاد المؤتمر في دمشق دليل واضح يشير إلى نموذج من نماذج تعامل واحدة من الأقطار العربية المستقلة مع مشكلة المعرفة والإعلام ، وتنبهها لأهمية المعرفة ودور الإعلام في الدفاع عن الذات الوطنية والسيادة والاستقلال.
ومعروف أن الإعلام هو قناة لنقل ونشر المعرفة، وهو ما دفع ويدفع بعض الأقلام أحياناً لتتبارى في الإشارة إلى ضعف قناة المعرفة تلك وضعف وتشتت الخطاب الإعلامي العربي الموجه للرأي العام العالمي، وبعده عن العلمية واستخدام نتائج الأبحاث الإعلامية الأجنبية من ضمن تقنيات الخطاب الإعلامي واختيار القناة الإعلامية المناسبة للتأثير على الرأي العام المحلي والعالمي، رغم الإشارة إلى تفوق الإعلام المضاد دون ذكر الأسباب الجوهرية لذلك التفوق، أو محاولة تقديم حلول مقترحة واقعية قابلة للتحقيق في الواقع الراهن للدول العربية كجزء من الدول النامية، تساعد على إخراج الإعلام العربي من مأزقه، وتساعده على التصدي للحرب الإعلامية التي يتعرض لها منذ فترة طويلة.
واليوم وبعد أن طورت الدول المتقدمة في العالم أحادي القطبية، وأدخلت أسلوباً جديداً في العلاقات الدولية أطلقت عليه اسم "العولمة" تقارع به بعضها بعضاً وتطرق أبواب الدول الأقل تطوراً والدول النامية، لتضعها أمام تحديات مصيرية تنال ليس السياسة والاقتصاد والمقدرات والمعتقدات وحسب، بل وتهدد شخصية وثقافات وسيادة واستقلال تلك الدول، اثر توسع الهوة المعرفية بين العالمين المتقدم والأقل تطوراً والنامي، رغم بساطة وتعقد قنوات المعرفة المتاحة اليوم في آن معاً، إثر الانفجار المعرفي والإعلامي الذي سببه التطور الهائل لوسائل الاتصال عن بعد الجماهيرية وتنوع قنواتها، وفي طليعتها الوسائل المتطورة كشبكات الحاسب الآلي العالمية التي وظفت لخدمتها ليس شبكات الاتصال عن بعد الأرضية وحسب، بل وشبكات الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية، والمحطات الفضائية التي أصبحت مألوفة للإنسان منذ أواسط النصف الثاني من القرن المنصرم.
مما طرح تحديات جديدة سببتها "العولمة الإعلامية" تهدد باكتساح كل شيء، حاملة معها أنواعاً جديدة من الأسلحة أصبحت معروفة بوضوح باسم "الأسلحة الإعلامية"، وأصبحت تستخدم في الحروب والصراعات، لتأخذ حيزاً هاماً من تفكير بعض الدول في العالم المتقدم والأقل نمواً وحتى النامي على حد سواء، وأنشأت له المؤسسات المتخصصة، ودفعت المشكلة ببعض الدول للعمل الجاد من أجل تحقيق أمن إعلامي وطني، وللمطالبة بتحقيق أمن إعلامي دولي يصون الحقوق، ويحمي المقدسات من التطاول والاعتداء والتحريف والتخريب. فتحية للمؤتمر وراعيه، وتحية لدمشق التي تحتضنه.
طشقند في 29/4/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق